[ الحلقة الأولى ] من : " البيان لما اشتمل عليه البركان
وما في معناه من زخارف وتزيين الشيطان "
رد على فوزي البحريني المنعوت زورًا بـ [ الأثري ] !
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه . أما بعد :
فقد دأبت الفرقة الحدادية الفاجرة على حرب أهل السنة من سنين ، - لا يكلّون ولا يملّون - بالأكاذيب والخيانات وبتر النصوص ، وتحريفها عن مواضعها وعن مراد قائليها من العلماء الهداة وتنزيلها في غير منازلها ، وقد بينتُ ذلك من واقعهم المخزي في غير ما مقال .
ثم قد سبق لي قبل أيام : أن رددت على فوزي البحريني مفتريات ضمّنها بحثه الموسوم بـ " الرعود الصواعقية " ، ونُشر هذا الرد في " شبكة سحاب السلفية " ، ولم يقف هذا البحريني عند مفترياته الصواعقية ! ، بل ألّف ثلاثة بحوث ، أو سمِّها رسائل تدور كلها على محاور معينة ، متحدة المضامين ، وهي : " البركان لنسف مقالات ربيع المدخلي في مسائل الإيمان " ؛ ثم " القاصمة الخافضة لفرقة المرجئة الخامسة داحضة " ؛ ثم " الفرقان في بيان الفرق بين مذهب السلف وبين مذهب ربيع المدخلي في مسائل الإيمان " ، وكلها من تزيين وزخرفة الشيطان .
يكذب فيها ويحرِّف كلام العلماء ، وينزله في غير منازله في كل محور على نمط واحد وطريقة واحدة .
هذا ؛ ولم يصل إليَّ كل من " القاصمة " و " الفرقان " إلا بعد أن أوشكت على الانتهاء من الرد على " البركان " ، فلما وجدتهما لا يخرجان عن محاور " البركان " ، اكتفيت بالرد على " البركان " ؛ لأنّ هذا الرَّد يأتي على كل ما بناه فيها وزخرفه من الأباطيل والأكاذيب والتحريفات ، فينسفها نسفًا .
فيصدق عليها قول الله - تعالى - : ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ . [ الأنبياء : 18 ] .
وقد كان ذلك بفضل الله وتوفيقه ونصره للحق وأهله .
هل يعتبر مرجئًا من يقول : [ الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ]
ولم يقل : [ ينقص حتى لا يبقى منه شيء ] ؟
ولم يقل : [ ينقص حتى لا يبقى منه شيء ] ؟
لقد بيّن علماء السنة كعبد الله بن أحمد ، والخلاَّل ، والآجري ، واللالكائي ، وابن بطة ، وغيرهم منهج أهل السنة وغيرهم في الإيمان غاية البيان .
وأنه عند أهل السنة : قول وعمل واعتقاد ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، ونحن ندين الله بما قالوه ونقلوه واعتقدوه منذ نعومة أظفارنا في العلم ، ونقرر ذلك في مؤلفاتنا ودروسنا ومحاضراتنا ، ونوالي على ذلك ونعادي ، حتى جاء الأفاكون الحاقدون المدسوسون على أهل السنة لحربهم نيابة عن أهل الأهواء ، فطعنوا فينا بشتى الطعون الفاجرة .
• منها : رميهم لنا بأننا مرجئة ، ووضعوا لذلك أصولاً باطلة ظالمة ، يحاربوننا بها ، كلما هدمناها أعادوها بدون حياء ولا خجل .
• ومنها : قولهم : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، والذي لا يذكر هذه الزيادة : ( حتى لا يبقى منه شيء ) ؛ فهو عندهم مرجئ .
• وأوجبوها على الناس ، وحاربوا أهل السنة من أجلها ، وبدعوهم من أجلها (1) ، ولا يدري هؤلاء الأغمار أن هذا التبديع ينطبق على السلف الصالح الذين لم يلتزموها وإن قالها بعضهم ، ولقد بدعوني أنا ، وحكموا عليَّ بالإرجاء ، وأرجفوا بها عليَّ كثيرًا في عدد من مقالاتهم ، ولا سيما مقالات : فوزي البحريني ، مع أني أقولها وأعيدها من قبل أن تولد الحدادية - القديمة والجديدة - ، لكن لا ألتزمها ؛ لأن الصحابة والتابعين لم يقولوها ؛ ولأنه لا دليل على وجوب القول بها ، ولم يقلها جمهور السلف ، ومن قالها لم يلتزمها ، ولم يُلزم بها غيره ، ومع ذلك ؛ فأنا أقولها أحيانًا ، فمن ذلك أقوالي الآتية :
• أولاً : قلت في شرح الحديث الثاني عشر من " مذكرة الحديث النبوي " التي ألفتها في عام 1406 هـ : جهاد المنحرفين عن هدي الأنبياء : عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده ؛ فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه ؛ فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه ؛ فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل » . [ أخرجه مسلم في كتاب " الإيمان " : حديث رقم ( 80 ) ، (1/69 ، 70) ، وأحمد : (1/458 ، 461 ] .
شرحت هذا الحديث ، وقلت خلال شرحه في ( ص 44 ) : ( ويبقى في كل أمة علماء مخلصون أوفياء لدينهم يجاهدون ويناضلون عن تعاليم أنبيائهم ، كل على حسب طاقته ومنزلته من الإيمان ؛ فمجاهد بلسانه ، ومجاهد بيده ، ومجاهد بقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . وليس وراءه شيء من الإيمان .
- واستخرجت منه عددًا من المسائل منها - :
(8) وفيه بيان مراتب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه على حسب طاقة أصناف المجاهدين ؛ فمن يستطيع الجهاد وإزالة المنكر بيده فعليه أن يقوم بهذا الواجب ، ومن عجز عن هذه المرتبة واستطاع أن يقول كلمة الحق فعليه أن يقولها ، ومن عجز عن ذلك فعليه أن يقوم بما يستطيعه وهو الجهاد بالقلب وإنكار الباطل بقلبه ، فإن فاته هذا فليس بمؤمن وقد مات قلبه .
(8) وفيه بيان مراتب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه على حسب طاقة أصناف المجاهدين ؛ فمن يستطيع الجهاد وإزالة المنكر بيده فعليه أن يقوم بهذا الواجب ، ومن عجز عن هذه المرتبة واستطاع أن يقول كلمة الحق فعليه أن يقولها ، ومن عجز عن ذلك فعليه أن يقوم بما يستطيعه وهو الجهاد بالقلب وإنكار الباطل بقلبه ، فإن فاته هذا فليس بمؤمن وقد مات قلبه .
(9) وفيه أن الإيمان يتفاوت ويزيد وينقص ، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان ) . " مذكرة الحديث النبوي " : ( ص 46 ) .
• ثانيًا : وقلت في الشريط الأول من " دروس الشريعة " عام 1422 هـ قبل قيام فتنة الحدادية الجديدة عندما ذكرت أقوال أهل العلم في حكم تارك الصلاة : ( فبعضهم وافق الصحابة أو جلهم في تكفير تارك الصلاة ، ولم يكفروا تارك الزكاة أو الصوم أو الحج أو جميعها ، لكن يقولون : هو فاسق ناقص الإيمان وإيمانه ينقص إلى مثقال ذرة بل إلى حد الزوال ) .
• ثالثًا : قلت في شرح كتاب الإيمان من " صحيح البخاري " في دورة الرياض عام 1426 هـ المسجلة صوتيًا : " وهناك أحاديث دلّت على أن الإيمانَ ينقص : « يخرجُ من النار من قال : لا إله إلا الله ، وعنده أدْنَى مثقال ذرة من الإيمان » ؛ فهذا يدل على أن الإيمان ينقص وينقص ، من دينار إلى درهم إلى كذا ، ويزيد إلى أن يصِلَ إلى أمثال الجبال ؛ فهذا فيه رد على المرجئة الذين يقولون الإيمان : التصديق ، كالأشاعرة ، أو الإيمان : التصديق والنطق بالشهادتين ، والعمل عندهم لا يدخل في الإيمان ، ولا يزيد الإيمان ولا ينقص ، فردَّ عليهم السلف وضلّلوهم وبيّنوا انحرافهم عن كتاب الله وسنة الرسول ... ) .
ثم قلت : ( وعند المرجئة : الإيمان لا يتجزأ ؛ لأنه إذا نقص عندهم ؛ حل محله الكفر والشك ، فلهذا ما ينقص !! لا ، نحن عندنا الإيمان يتجزأ ويتجزأ ، كالجبل - وبعدين - ينقص وينقص حتى يصير كالذرة . الخوارج يقولون : الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، إذا ارتكب الكبيرة خرج من الإيمان ! والمرجئة يقولون : الإيمان لا ينقص ؛ فإنه لا ينقص إلا بالكفر والشك ، فإذا دخله الشك والريب ، أو الكفر انتهى . فلهذا يقولون : الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، لأننا إذا قلنا بنقصانه معناه أنه خرج من الإيمان ، بالنقصان أنت تخرج من الإيمان ! ) .
ثم قلت : ( ... ﴿ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ . [ الكهف : 13 ] ، كانوا على هدًى ؛ فزادهم الله هدى ، والهدى : هو الإيمان ؛ وهذا من الأدلة على أن الإيمان يزيد ، ومنه نأخذ أن ما يَقبلُ الزيادة يقبل النقص قطعًا ؛ هذا من ناحية العقل . ومن ناحية الشرع - ننظر - في الأحاديث التي تدل على أن الإيمان ينقص وينقص ، وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثل حبة خردل ، أو أدنى من مثقال ذرة من الإيمان أو من - العمل - ) .
ثم قلت : ( ... ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ . [ الأنفال : 4 ] : هم المؤمنون كامِلو الإيمان ، يدل على أن الإيمان الكامل لا يكون حقًّا وكاملاً إلا إذا وُجدت أعمال القلوب وأعمال الجوارح ، بخلاف ما يقوله المرجئة ؛ فكثير منهم قد يُدخلون أعمال القلوب في الإيمان - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - ، وكثير منهم لا يدخلون أعمال القلوب في الإيمان ، لكن أعمال الجوارح ؛ - مرجئة الفقهاء - لا يدخلون فيها أعمال الجوارح ، والآيات كلها تدمغهم ، وأن الأعمال من صميم الإيمان ، وأن الإيمانَ بدونِها قد يضيع ، وقد يُخْرِجُ من الإسلام وقد لا يبقى منه إلا مثقال ذرة ) .
• رابعًا : ذكر الإمام الصابوني عشرة من الأئمة منهم : سفيان بن عيينة أنهم يقولون : ( الإيمان قول وعمل ) ، أقول : لم يذكروا لفظ : ( يزيد وينقص ) .
وذكرت في شرحي لكلامه أن الإمام البخاري لقي أكثر من ألف شيخ ، كلهم يقولون : ( الإيمان قول وعمل ) ، ولم يذكروا لفظة الزيادة والنقصان من الإيمان .
ثم قلت : ( سأل ابن أبي حاتم أبا زرعة وأباه عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما يعتقده علماء الأمصار ، وما يعتقدانه هما فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازًا وعراقًا ، ومصرًا وشامًا ويمنًا ، فكان من مذهبهم أنَّ : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص .
علماء الأمصار جميعًا وقبلهم الصحابة ، ما قالوا : ( ينقص ,ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) !
إذا قال الإنسان : ( ينقص ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ؛ فلا بأس ، لكن هل لا بد أن يقول هذا وإذا لم يقل فهو مرجئ !؟ هذا حكم مجرم على الصحابة وعلى التابعين وعلى أئمة الإسلام جميعًا ؛ فإنه يلزم على منهجهم هذا أنهم مرجئة ! ) .
ثم قلت : ( نعم قل : ( حتى لا يبقى منه شيء ) لكن هل هذا يطرد في جميع الناس ؟ كل من نقص إيمانه كفر !؟ هذا مذهب الخوارج ؛ مذهب تكفيري ، وأظنهم يريدون هذا ! فقد ينقص إيمانه ويبقى منه شيء ؛ يبقى مقدار دينار ، مقدار نصف دينار ، يبقى أكثر من ذلك ، يبقى مقدار درهم ، مقدار نصف درهم ، مثقال حبة شعير إلى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان ، وقد لا يبقى منه شيء .
والخلاف أصله بيننا وبين الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة ؛ الخوارج يقولون : كفر خرج من الإسلام ! ونحن نقول : لا يخرج مهما أذنب ما دام لم يقع في الشرك بالله - تبارك وتعالى - كما قال : ﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ﴾ . [ النساء : 48 ] .
يعني : زنا وسرق وقتل ، وو ... إلى آخره ، ولكن يعتقد حرمة هذه الأشياء ، هذا ينقص إيمانه حتى لا يبقى معه إلا مثقال ذرة .
وقد يحصل لبعض الناس : أن يخرج من الإسلام ويرتد - قد يحصل - لكن ليست قاعدة مضطردة في جميع الناس ؛ هم كأنهم يريدون قاعدة مضطردة أي : أنَّ كل من نقص إيمانه خرج من الإيمان ! يعني خبث ! وهذا مذهب الخوارج !!
الشاهد : إن هذا المذهب الخبيث أُنشئ لحرب أهل السنة وإسقاط علمائهم ، وتشويه منهجهم ومخالفته في كثير من القضايا ) . انظر : " شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث - للإمام الصابوني " : ( ص 171 - 175 ) .
ترى أني أقول بهذه الزيادة ولا أنكرها كما يفتري عليَّ شيخ الحدادية الجهول الظلوم ، ولكني لا أرى وجوب القول بها ، ولا ألزم بها الناس ؛ لأن إيجاب القول بها يؤدي إلى إيجاب حكم لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ويؤدي إلى تضليل أهل السنة حتى تضليل من يقولها من الأئمة ؛ لأنهم لا يقولونها في غالب أمرهم ؛ ثم هم قلة .
ومن أقوالي القديمة والحديثة يرى القارئ الكريم أني أقول بهذه الزيادة ولا أنكرها ، وسأنقل من أقوال العلماء أئمة الإسلام ما يبين أننا نسير على نهجهم ، ونترسم خطاهم ، ولم نخالفهم في شيء أبدًا .
بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان
قال الإمام اللالكائي - رحمه الله - المتوفى سنة ( 418 هـ ) في كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " : (5/1028 - 1031) : - ط : دار طيبة ، الطبعة الثالثة - ، بعد أن ساق أقوال الصحابة والتابعين في الإيمان ، وأنهم يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، قال - رحمه الله - : ( قول الطبقة الثالثة من الفقهاء في الزيادة والنقصان : سفيان الثوري ، وابن جريج ، ومعمر ، والأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وسفيان بن عيينة ، ومالك ابن مغول ، وابن أبي ليلى ، وأبي بكر بن عياش ، وزهير بن معاوية ، وزائدة ، وفضيل بن عياض ، وجرير بن عبد الحميد ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك ، وأبي شهاب ، والحناط (2) ، وعبثر بن القاسم ، ويحيى بن سعيد القطان ، ووكيع ، وشعيب بن حريث ، وإسماعيل بن عياش ، والوليد بن مسلم ، والوليد بن محمد ، ويزيد بن السائب ، والنضر بن شميل ، والنضر بن محمد المروزي ، ومفضل بن مهلهل ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وعلي بن المديني .
وقال سهل بن المتوكل : ( أدركت ألف أستاذ أو أكثر كلهم يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .
وقال يعقوب بن سفيان : ( أدركت أهل السنة والجماعة على ذلك ) ، وذكر أسامي جماعة نذكرهم في آخر المسألة - إن شاء الله - .
1735 - أنا أحمد بن محمد بن عروة ، نا عبد الله بن سليمان ، نا سلمة بن شبيب قال : نا عبد الرزاق ، قال : سمعت سفيان الثوري ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، ومعمر بن راشد ، وسفيان بن عيينة يقولون : ( إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .
1736 - أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمد البغوي قال : نا ابن زنجويه قال : نا عبد الرزاق قال : سمعت سفيان ، وابن جريج ، ومعمرًا يقولون : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) ، فقيل لعبد الرزاق : ما تقول أنت ؟ فقال : ( ما لقيت أحدًا من طرق إلا هذا قوله ) .
وقال عبد الرزاق ، وقال سفيان : ( نحن مؤمنون عند أنفسنا ؛ فأما عند الله فلا ندري ما حالنا ) .
1737 - ذكر محمد بن الحسن قال : حدثني بشر بن علي القاضي قال : حدثني أبو عبد الغني الحسن بن علي نعمان (3) قال : نا عبد الرزاق قال : لقيت اثنين وستين شيخًا منهم : معمر ، والأوزاعي ، والثوري ، والوليد بن محمد القرشي ، ويزيد بن السائب ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وشعيب بن حرب ، ووكيع بن الجراح ، ومالك بن أنس ، وابن أبي ليلى ، وإسماعيل بن عياش ، والوليد بن مسلم ، ومن لم نسمه كلهم يقولون : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص )
1738 - أنا محمد بن الحسين الفارسي قال : نا أحمد بن سعيد الثقفي قال : نا محمد بن يحيى الذهلي قال : نا أبو أحمد الزبيري ، قال : سمعت سفيان - يعني الثوري - غير مرة يقول : ( الإيمان يزيد وينقص ) .
1739 - أنا محمد بن الحسين ، أنا أحمد بن سعيد الثقفي قال : نا محمد بن يحيى الذهلي قال : نا فديك بن سليمان قال : سئل الأوزاعي عن الإيمان ؛ فقال : ( الإيمان يزيد وينقص ؛ فمن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص ؛ فهو صاحب بدعة ) .
1740 - وأنا محمد بن أحمد الطوسي قال : نا محمد بن يعقوب قال : نا العباس بن الوليد البيروتي قال : نا أبو قدامة الجبيلي قال : سمعت عقبة بن علقمة قال : سألت الأوزاعي عن الإيمان أيزيد ؟ قال : ( نعم حتى يكون كالجبال ) ، قلت : فينقص ؟ قال : ( نعم ؛ حتى لا يبقى منه شيء ) ، وسئل العباس : أتقول بقول الأوزاعي !؟ قال : ( نعم ) . (4)
1741 - وأنا أحمد بن عبيد ، أنا محمد بن الحسين ، نا أحمد بن زهير قال : نا التميمي قال : نا أبو مسهر قال : حدثني بقية قال : سمعت الأوزاعي يقول : ( الإيمان يزيد وينقص ) .
1742 - أنا محمد بن عبيد الله بن الحجاج قال : نا أحمد بن الحسن قال : نا عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبو الحسن بن القطان محمد بن محمد قال : سمعت سريج بن النعمان يقول : سألت عبد الله بن نافع قال : قال مالك : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .
أقول : أما أهل السنة على امتداد تاريخ الإسلام إلى يومنا هذا فيرون أن هذا القول حق وصدق ومستمد من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه رد كاف على الخوارج والمرجئة على اختلاف أصنافهم .
وأما على رأي الحداديين الحاقدين الأفاكين على أهل السنة ؛ فإن هذا التعريف من أهل السنة للإيمان لا يكفي والقائلون به يعتبرون مرجئة ضلالاً ؛ لأنهم قصّروا في تعريف الإيمان على مذهب الحدادية ؛ لأنهم لم يقولوا بقول الحدادية الذي أوجبوه ، وهو : ( أن الإيمان يزيد وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ؛ لأن هذا عندهم جزء من تعريف الإيمان ، فمن لم يأت به في تعريف الإيمان ؛ فهو مرجئ ضال، ولا بد من حربه وتضليله ( ! ) .
تأمل أخي قول سهل بن المتوكل : ( أدركت ألف أستاذ أو أكثر كلهم يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .
وانظر إلى من سرد الإمام اللالكائي أسماءهم ممن لا يساوي الحدادية كلهم أخمص قدم واحد منهم كيف يقولون : ( إن الإيمان يزيد وينقص ) ، ولا يزيدون ما يشترطه الحدادية الغالية الكاذبة في غلوها المفتعل لإدامة الحرب على أهل السنة .
ونقل الإمام اللالكائي - رحمه الله - في كتابه : " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " : (5/959) بإسناده عن الإمام البخاري أنه قال : ( كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة ، ولم أكتب إلا عن من قال : الإيمان قول وعمل ، ولم أكتب عن من قال : الإيمان قول ) .
فيا ويل البخاري وشيوخه من بطش الحدادية كيف يقولون : ( الإيمان قول وعمل ) ؟ ، ولم يقولوا : ( يزيد وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) !
فهؤلاء الأئمة كلهم - في نظر الحدادية وعلى رأسهم : فالح وفوزي البحريني - من غلاة المرجئة ؛ لأنهم خالفوا ما يشترطه الحدادية ويوجبونه من أنه لا بد أن يقال : ( الإيمان يزيد وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) .
فهل يستطيع أهل السنة السابقون واللاحقون أن ينجوا من بطش هؤلاء الحدادية الغيورين أو المغاوير .
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول في " مجموع الفتاوى " : (7/223 - 224) : ( وأما قول القائل : إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله ، فهذا ممنوع ، وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان ؛ فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله لم يبق منه شيء ، ثم قالت " الخوارج والمعتزلة " : هو مجموع ما أمر الله به ورسوله ، وهو الإيمان المطلق كما قاله أهل الحديث ؛ قالوا : فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء ؛ فيخلد في النار .
وقالت " المرجئة " - على اختلاف فرقهم - : لا تذهب الكبائر وترك الواجبات الظاهرة شيئًا من الإيمان إذ لو ذهب شيء منه لم يبق منه شيء فيكون شيئًا واحدًا يستوي فيه البر والفاجر ، ونصوص الرسول وأصحابه تدل على ذهاب بعضه وبقاء بعضه كقوله : « يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان » ، ولهذا كان " أهل السنة والحديث " على أنه يتفاضل ، وجمهورهم يقولون : يزيد وينقص ، ومنهم من يقول : يزيد ولا يقول : ينقص ، كما روى عن مالك في إحدى الروايتين ، ومنهم من يقول : يتفاضل كعبد الله بن المبارك ، وقد ثبت لفظ الزيادة والنقصان منه عن الصحابة ولم يعرف فيه مخالف من الصحابة ) .
والظاهر من حماس الحدادية : أنهم ينطلقون من هذا الأصل الذي تفرعت عنه البدع ألا وهو : أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله .
وإلا ؛ فما هو السر في إصرارهم وإلحاحهم على إيجاب هذا القول على الناس أن يقولوا : ( الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، ثم يبدعون من لم يقل بما أوجبوه .
وقال في " المجموع " (18/270) : ( فهكذا يقول جمهور السلف وأهل الحديث : إن من ترك واجبًا من واجبات الإيمان الذي لا يناقض أصول الإيمان فعليه أن يجبر إيمانه إما بالتوبة وإما بالحسنات المكفرة ، فالكبائر يتوب منها والصغائر تكفرها : الصلاة والصيام والصدقة ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فإن لم يفعل لم يحبط إيمانه جملة . وأصلهم أن الإيمان يتبعض فيذهب بعضه ويبقى بعضه ... ) . ا.هـ .
[ فوزي الأشري ] ينقل من مصادر أهل السنة
ما يوافق هواه ، ويكتم ما عداه !
ما يوافق هواه ، ويكتم ما عداه !
لم ينقل فوزي شيئًا مما أسلفناه عن مئات من أئمة أهل السنة ، بل كتم ذلك مكرًا وكيدًا ؛ ليصول ويجول باسم أهل السنة على أعدائه من أهل السنة .
(1) قال البحريني في ( ص 2 ) من بركانه : [ وأبتدئ السؤال عن مقال ربيع المدخلي الذي تكلم فيه من فترة قصيرة ويقرر فيه مذهب المرجئة ويريد كثير من الإخوان أن نجيب عليه إجابات أثرية .
فأولاً أقول : السؤال هو من وضع ربيع ، ثم أجاب عليه بكلام مخلط وخبط كعادته في الإجابة على بعض مسائل الإيمان ، وخالف السلف فيها ، فالسؤال يختلف عن الإجابة ، والإجابة تختلف عن السؤال تمامًا ، وأنا اطلعت على جميع ما كتبه ، ثم رجعت إلى المراجع التي ذكرها بأكملها من قول ابن منده في كتابه " الإيمان " ، وكذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن رجب ، وغيرهم من علماء الأمة ] .
أقول : السؤال إنما هو من وضع الحدادية ، هم وضعوه للشغب والفتنة ، وأرجفوا به في موقع " الأثري " مدة طويلة ، فرددت عليه بأقوال أئمة عظماء ، لا يرفض كلامهم وأدلتهم إلا أهل البدع الذين يرفضون أقوال أئمة السنة وأدلتهم .
وليس في كلامي خلط ولا خبط ، ولم أخالف السلف ، والحدادية : هم الذين يخالفون السلف ، وإجابتي تطابق السؤال ولا تخالفه ؛ كما يفتري هذا البحريني .
(2) قال البحريني في ( ص 2 ) من بركانه : [ فالسؤال الذي وضعه ربيع ثم أجاب عنه : هو هل يجوز أن يُرْمى بالإرجاء من يقول إن الإيمان أصل والعمل كمال ( فرع ) ؟ ثم ذكر الآيات ، وهي في الحقيقة عليه لا له ؛ لأن أهل العلم أهل التوحيد وأهل العقيدة ردوا عليه في هذه المسألة وغيرها ، وبينوا خطأه في مسائل الإيمان وغيرها ، بل ردوا عليه في مسألة التنازل عن الأصول ، وعدم تأدبه مع الله - سبحانه وتعالى - ، ولا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا مع الصحابة ، وخطؤه كذلك في مسائل في الصفات ، ومسألة : نصيحة أهل البدع ، والجلوس معهم للنصح - زعم - ، ومسألة : سفر وسلمان والقرني ، وغير ذلك مما بينه أهل العلم بالأدلة من الكتاب والسنة ، وأقوال السلف في تبيين خطئه .
ومع هذا كله ما زال يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير ليضل عن سبيل الله - سبحانه وتعالى - ، بل جادل بالباطل ليدحض به المنهج السلفي الأثري ] .
أقول : الآيات التي سقتها في ذم من يجادل بالباطل إنما تنطبق على فوزي البحريني وفرقته الحدادية ومن جرى مجراهم في الجدال بالباطل ، ويؤكد انطباقها عليهم واقعهم في " شبكتهم " ومؤلفات فوزي الأثري : " الرعود الصواعقية " ، و " البركان " ، و " القاصمة الخافضة " ، و " الفرقان " التي ملأها بالجدال بالباطل وبالأكاذيب والتحريف لكلام العلماء بتنزيله لها في غير منازلها ، وصرفها عن مراد قائليها .
(3) وقوله : [ لأن أهل العلم أهل التوحيد وأهل العقيدة ردوا عليه في هذه المسألة وغيرها ] .
أقول : وأهل العلم وأهل التوحيد وأهل العقيدة من إخوانهم أيدوني ، وأخذوا بأقوال أئمة الإسلام ؛ أهل العلم وأهل التوحيد والسنة والعقيدة .
وكذبت أنت في قولك عن أهل العلم والتوحيد والعقيدة : أنهم قد ردوا عليَّ ، فإنهم أجابوا على هذا السؤال وهو سؤال الحدادية قبل كتابتي بأكثر من سنة ، ولم يسوقوا أدلتهم على إجاباتهم ، ولا ساقوا كلام أئمة الإسلام في الإجابات على هذا السؤال ، ونحن نسلم بعلمهم ، وأنهم أهل التوحيد والعقيدة ، ونحبهم ويحبوننا ، ونحن وإياهم يجمعنا المنهج السلفي وأخوة الإسلام الصحيح .ونحن على طريقة السلف نقول : كلام العلماء يحتج له و لا يحتج به ، وكل يؤخذ من قوله ويرد .
وهؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم - يرد بعضهم على بعض ، ويرجع المردود عليه إذا كانت الحجة مع أخيه .
وهذا أحمد يرد على الشافعي وإسحاق وغيرهم من إخوانه ، ويرد على سفيان الثوري ومالك ، ويخالفهم في كثير من المسائل . وهذا الشافعي يرد على مالك ، والليث يرد على مالك . والبخاري ومسلم وغيرهم مجتهدون لا يلتزمون مذهب أحد من الأئمة . وهذا ابن تيمية يرد ويأخذ ويعطي من أقوال الأئمة . كذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه يأخذون من أقوال الأئمة الكبار ما يوافق الدليل ، ويردون ما خالف ذلك .
فهذا هو منهج السلف بخلاف منهج الحدادية الذين يأخذون ما يوافق هواهم ، ويردون ما خالف هواهم ، ولو اجتمع عليه السلف واستند إلى الكتاب والسنة .
وأنتم أيها الحدادية لا تقبلون من أقوال العلماء إلا ما يوافق أهواءكم ، وتردون أقوال العلماء الواضحة القائمة على الكتاب والسنة ، فميزانكم فيما تأخذون وتردون إنما هو أهواؤكم ، لا كتاب الله ولا سنة رسوله ، وأدلتنا على فساد منهجكم هذا كثيرة ، ومنها : ردُّكم لأقوال أئمة الإسلام وأدلتهم من الكتاب والسنة في هذا الموضوع و غيره .
(4) قوله : [ وبينوا خطأه في مسائل الإيمان وغيرها ، بل ردوا عليه في مسألة التنازل عن الأصول ، وعدم تأدبه مع الله - سبحانه وتعالى - ، ولا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولا مع الصحابة ] .
أقول : لم أُخطئ في مسائل الإيمان ، وإنَّ الذين أشار إليهم من أهل التوحيد والسنَّة لم يبينوا لي خطأً ، فهذا من بهتانك وكذبك .
أما مسألة : " التنازل عن الأصول " ؛ فأنتم معشر الحدادية تكذبون عليَّ فيها ، فتبترون كلامي عن سياقه وسباقه ، وشروطه وأدلته وقيوده ، ثم ترجفون عليَّ بهذه الأكاذيب والخيانات والبتر ، ولا تفترون عن هذه الأراجيف ، وقد كشفت هذه الجرائم التي ترتكبونها مرارًا وتكرارًا بعدد من الكتابات ، وبينتُ هذه المسألة بيانًا شافيًا بالأدلة والبراهين من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الإسلام في كتابي : " سماحة الشريعة الإسلامية وحب الله أن تؤتى رخصه " في الأصول والفروع .
مما ألجأ زعيم الحدادية الجاهل فالحًا الحربي إلى القول بالتنازل عن الأصول ، لكنه جعل هذا التنازل باسم الرخص وباسم الضرورات والإكراه (5) ، ولا يُدرك هذا الجاهل أنَّ الضرورات والإكراه داخلان تحت مراعاة المصالح والمفاسد .
• (1) قال فالح في ( ص 4 ) من " صارمه المصقول " ، وهو يناضل عن الأصول - في زعمه - ، ويكابر في مراعاة المصالح والمفاسد : [ وليعلم طالب العلم : أن باب المصالح والمفاسد باب واسع ، وأنه يختلف عن باب الضرورات والإكراه ، هذه أبواب ضيقة تقدر بقدرها ، فلا يلبسن عليه المدخلي ، ويخلط هذه الأبواب بعضها ببعض (6) ، فإنه لما رأى أنه وقع في ورطة بتأصيله هذا أدخل الضرورات والإكراه في هذا الباب ، مع أنه لا يخفى الفرق بين هذه الأبواب ، فالضرورة والإكراه رخص فيهما الشارع بأدلة خاصة معلومة لكل طالب علم ، أما باب المصالح والمفاسد فهذا مرده لأنظار المجتهدين يوازنون فيه بين المصالح والمفاسد ] . اهـ . (7)
• (2) ويقول في " الصارم المصقول " : ( ص 8 ) ناقلاً ومقررًا لكلام الشيخ عبيد ومن معه (8) : [ ... " قولكم : استجاب لهم فيها ، وهي من الأصول " : نرى أنه غير لائق ؛ لأنه يفهم منه جواز التنازل عن الأصول في حال الاختيار ، ومعلوم أن الأصول لا يحل تركها إلا في حال الإكراه بشرط بقاء طمأنينة القلب بالإيمان كما قال - تعالى - : ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾ . [ النحل : 106 ] ... ] .
فقد قالوا : بجواز التنازل عن الأصول في حال الإكراه ، فلا فرق إذن بين قولي وقولهم إذ يجمعهما مراعاة المصالح والمفاسد ، فحال الإكراه تدخل في مراعاة المصالح والمفاسد ، وبذلك ينتهي شغب الحدادية عند أولي العقول والنُّهى .
لأني لم أقل : تنازل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأصول في حال الاختيار - والعياذ بالله من ذلك - ، ولا يُفهم ذلك من كلامي في النصيحة ولا في غيرها ، بل بينتُ في النصيحة الظروف الصعبة التي اضطرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدم كتابة : « بسم الله الرحمن الرحيم » ، وعدم كتابة : « محمد رسول الله » ، وزدت ذلك توضيحًا وتأكيدًا في كتاباتي ، ومنها كتاب : " سماحة الشريعة الإسلامية " الذي لم يترك مجالاً لقائل ومعاند ، حيث بينتُ سماحة الإسلام في الرخصة للمكره أن يقول كلمة الكفر المناقضة لأصل أصول الإسلام ، بشرط أن يكون قلبه مطمئنًا بالإيمان ، وفي قصر الصلاة الرباعية في السفر وإن طال ، وفي الجهاد اختصار الصلاة إلى ركعة في حال اشتداد القتال ، وفي حال الهرب من العدو يُومىء الهارب في صلاته إيماءًا ، والرخصة للمريض يصلي عند العجز والمشقة قاعدًا ، فإن لم يستطع فعلى جنب ، وكذا في الصيام يرخص للمسافر والمريض أن يُفطِر في شهر رمضان ، وكذا في الحج إذا حصره العدو عن أداء الحج يجوز له التحلل من الإحرام بالحج والعمرة ، وكل هذه من أصول الإسلام ، ولا يشترط الإكراه في أكثرها .
ولا يخفى أن هذه الرخص كلها روعي فيها مصالح العباد ، ومن شاء التفاصيل والأدلة فليرجع إلى كتابي : " سماحة الشريعة الإسلامية " ، وإلى كتابي : " رد الصارم المصقول " ، وإلى كتب الفقه وشروح الأحاديث في هذا المجال .
وأقول : لو كان خصومي في هذه المسائل من الروافض أو غيرهم من أهل الضلال لاقتنعوا وسكتوا ، ولكن الحدادية الشريرة المسفسطة لا تسكت ولا تخجل من المكابرة والشغب ، فهم على مذهب : [ عنز ولو طارت ] ( ! ) .
أمّا مسألة : عدم التأدب مع الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلَّم - فمِنْ أكاذيب أبي الحسن المصري وأنصاره وخياناتهم ، وقد رددت أنا وغيري هذه الافتراءات بالأدلَّة والبراهين على كذبه وكذب حزبه ، وقد نشرت هذه الردود في مقالين لي ، أحدهما : " الكر على أهل الخيانة والبتر " ، وثانيهما : " إدانة أبي الحسن في تصديقه الكذب وتطاوله بالأذى والمن " ، بيّنتُ فيهما خيانات أبي الحسن وصاحبه ( يزن ) ، ورد ثالث لأبي عمر العتيبي ، سماه " إرواء الغليل في الدفاع عن الشيخ العلامة ربيع المدخلي حامل لواء الجرح والتعديل " . بيّن فيه أكاذيب وافتراءات أبي الحسن وأعوانه المبطلين ، وتراجع أبو الحسن عما يتعلق بالله ، وأصرَّ ظلمًا على كذباته الأخرى ، وكنتم معنا ضد هذه الأكاذيب ؛ فلماذا انقلبتم على أعقابكم عن منهج السلف ، وأوغلتم في الفتن أكثر من أبي الحسن ؟ وصرتم ترددون أكاذيب أبي الحسن بين الحين والآخر أكثر منه رغم علمكم بأنها كذب ، « من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين » .
فأنتم كذابون في هذه المسألة وغيرها ، فلا يهمنَّكم نقلكم للكذب ورمي الأبرياء ، - وأنا ولله الحمد - ممن يذبُّ عن الله - تعالى - ودينه ورسوله - صلى الله عليه وسلَّم - والصحابة الكرام ، وعن أهل السنة والجماعة ، وأعظم الله حق تعظيمه ، وأحب الله ورسوله ، وأُجِّلُّ هذا الرسول وأوقره ، وأحب كتاب الله وسنة رسوله ، وأتمسك بكل ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عقيدة ومنهج ، وعمل وأخلاق ، وهذه عقيدتي ، وعلى ذلك أوالي وأعادي ، وإلى ذلك كله أدعو ، وعنه أذب ، وردودي على من يخالف هذه العقيدة وهذا المنهج كثيرة ومنتشرة ، ومن قال فيِّ غير هذا فهو أفَّاك مبين ، ومن وقف على هذه الافتراءات من أهل الحقِّ والهدى يقول : ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ . [ النور : 16 ] .
وردودي على من يطعن في الله - تعالى - ، أو في كتابه ، أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو يطعن في الصحابة الكرام ، أو يكفرهم مشهورة ومنشورة في الآفاق ، وليس للحدادية من ذلك شيء ، بل هم حرب على أهل السنة السابقين واللاحقين ، وسِلْمٌ لأهل البدع والضلال أجمعين .
(5) قال البحريني في ( ص 2 ) من بركانه : [ ومسألة : نصيحة أهل البدع ، والجلوس معهم للنصح - زعم - ، ومسألة : سفر وسلمان والقرني ، وغير ذلك مما بينه أهل العلم بالأدلة من الكتاب والسنة ، وأقوال السلف في تبيين خطئه ومع هذا كله ما زال يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير ليضل عن سبيل الله - سبحانه وتعالى - ] .
أقول : مسألة نصيحة أهل البدع والجلوس معهم للنصح ؛ فأنا لا أذهب إلى بيوتهم ومجالسهم ، فإذا جاءني أحد منهم إلى بيتي ناصحته وبينتُ له الحق ، وهذا ليس بعيب .
فقد كان المنافقون يحضرون مجالس النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيناصحهم ، ويبين لهم الإسلام والحق .
وهذا الشيخ ابن باز - رحمه الله - يأتيه أهل البدع وأهل التحزب إلى مجلسه ، فيناصحهم ، ويبين لهم الحق ، وهذا المفتي ، و " هيئة كبار العلماء " يأتيهم أهل البدع في " رابطة العالم الإسلامي " ، وفي مجالسهم أيضًا وينصحونهم - فيما أعتقد - ، ولا أعرف أحدًا من العلماء قال لي : أنت تجالس أهل البدع ، ولا أحد رد عليَّ من العلماء في هذا الأمر ، فهذا من كيسك المشحون بالأكاذيب .
ولعل هذا من عادتك تخالط أهل البدع لجمع الأموال ؛ لتأكلها باسم الإسلام أو باسم غيره .
ومسألة : سفر وسلمان والقرني لا أدري ما هي إلا الخصومة التي وقعت بيننا وبينهم ، وردي على سلمان ، وردي على سفر مشهوران ، وردودي على شيخهم سيد قطب مشهورة ، وخصومتهم وخصومة حزبهم لنا مشهوران .
لكن أين ردود الحدادية القديمة والجديدة على سيد قطب وعلى هؤلاء ؟ [ رمتني بدائها وانسلت ] .
وكيف يرد عليهم من هم أسوأ حالاً منهم ، وأغرق في عداوة أهل السنة وحربهم ؟ ومتى بيَّن أهل العلم هذه الأشياء التي تفتريها عليّ ؟ متى بينوها ضدي من الكتاب والسنة وأقوال السلف ؟ ومتى جادلتهم أنا بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ؛ لأدحض المنهج السلفي ؟
بل أنت وحداديتك تجادلون بالباطل لتدحضوا به المنهج السلفي .
ما رأت عيناي ، ولا سمعت أذناي أكذب من هذا الأهوج .
وكل من يعرف ربيعًا يرفض هذه الأكاذيب ، ويرمي بها في وجه هذا الأصيل في الكذب ، وفي وجه من ينشرها من الحدادية الأثيمة التي لا يمكن لها أن تعيش ويستمر " موقعها " إلا على الكذب وبالكذب .
ولهذا الرجل هذيان كثير بالأكاذيب والتشبع بما لم يُعط عشر معشاره تركته إبعادًا للقارئ عن سماعه ورؤيته ؛ لأنه تمجه الطباع الشريفة والعقول الزكية ، ويقبله أمثاله في الإفك ، [ فالأرواح جنود مجندة ، وإن الطيور على أشكالها تقع ] .
(6) قال البحريني في ( ص 4 ) من بركانه : [ ولذلك ترى شيعته وأتباعه على هذا الفهم السقيم ، بل ترى من منهجهم المنحرف تعاونهم الآن مع " الإخوانية " ، ومنهم من يتعاون مع " السرورية " ، ومنهم من يتعاون مع " التراثية " ، ومنهم من يتعاون مع " اللادينية " وهكذا ، فمن أصولهم الآن التمييع ، ورأيناهم ، وضربنا أمثلة وأدلة على ذلك في الدروس أو في الإنترنت ، وهذا المنهج المميّع جرهم إلى مخالفات كثيرة لمنهج السلف الصالح والآن مع ذكر مناقشه (9) في مسائل الإيمان ] .
أقول : [ رمتني بدائها وانسلت ] ، فالسلفيون بريئون مما رماهم به هذا الجهول .
وقد نقل بعض تلاميذ فوزي مناصرته لـ : " الروافض ، والإخوان المسلمين والصوفية " ، ونشروا هذا في موقعهم " أهل الأثر " ، ثم لا يُرى التعاون مع الفرق المذكورة إلا بين موقعهم وشبكتهم " الأشرية " وبين الحزبيين والصوفية ، فهم يتبادلون المعلومات الطاعنة ظلمًا في السلفيين ، وينقلون عن شبكة الحدادية ، والحدادية تنقل عنهم ؛ بل يدافعون عن صوفية الجزائر في " شبكتهم " ، ويحاربون أهل السنة من أجلهم ، وكتب وأشرطة فوزي البحريني لا تروج إلا في أوساط الحزبيين وأهل البدع ، والحدادية يعرفون ذلك ، والحزبيون وأهل الضلال فرحون جدًا بفتنة الحدادية ضد السلفيين .
(7) وقال البحريني في ( ص 4 - 5 ) من بركانه : [ فقوله : ( الإيمان قول وعمل واعتقاد ويزيد وينقص ) إلى هاهنا وافق السلف ، أما قوله : ( حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة ) ؛ فهذا تضليل ليس في (10) تفصيل ، وهو مخالف لمنهج السلف ، فهو لا يقول كما قال السلف : ( حتى لا يبقى منه شيء ) كما نطقت الآثار في ذلك ، وبينَّا هذا الأمر في الرد عليه ، وربيع المدخلي في ذلك لم يتبع الآثار السلفية ، والأقوال الأثرية ، وهو يدعي إتباع الأثر وأقوال السلف ، فما باله هنا يخالف ولا يريد أن ينظر في قول السلف في هذا بأن ( الإيمان قول وعمل واعتقاد ويزيد وينقص ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ؛ لأن الإيمان أما (11) أن يبقى منه شيء ، وهذا بالنسبة كما بينَّا للمسلم ، إن بقي من إيمانه شيء فهو مسلم ، فممكن أن يبقى منه ذرة أو أدنى من ذلك كما نطقت الأدلة بذلك ، وبينت هذا في كتابي " القناعة في شذوذ زيادة لم يعملوا خيرًا قط في حديث الشفاعة " ، ونقلت عن السلف في هذا ، وأقوال أهل العلم .
فالروايات تبين بأن هؤلاء العباد من المسلمين الذين دخلوا النار ؛ بسبب ذنوبهم ، وضعف إيمانهم ، ومنهم من يكون إيمانه بقدر الذرة من الخير بقلبه ، وهذا لا يكن (12) إلا من المسلم ، ثم يخرجون من النار لبقاء شيء من الخير فيهم ]
. (13)
أقول : انظر أولاً إلى حكمه على قولي : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة ) بأنه تضليل ، وأدرك خطر هذا الرجل ومنهجه على السلف وعلى أحاديث الشفاعة وقائلها - عليه الصلاة والسلام - .
ثانيًا : إذا كان هذا حكمه على قولي : ( الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ) ... الخ ، فما حكمه على من يقول : ( إن الإيمان قول وعمل ) ، ولم يقولوا : ( يزيد وينقص ) ، وهم ألف ويزيدون من شيوخ البخاري ؟ ولا يزيدون ما أوجبه الحدادية ، ويرى هذا البحريني أن تركه تضليلاً ؟
وما حكمه على من يقول مثل قولي هنا : ( الإيمان قول وعمل واعتقاد ، يزيد وينقص ) ... الخ ، ولا يزيدون عليه ما اشترطه الحدادية ، وهم مئات الأئمة ، أليس مقتضى قوله : أن يحكم على هؤلاء الأئمة بالضلال والتضليل ؟
وقوله : [ وهو مخالف لمنهج السلف ، فهو لا يقول كما قال السلف : ( حتى لا يبقى منه شيء ) كما نطقت الآثار في ذلك ] .
أقول : قوله : [ وهو مخالف لمنهج السلف ، فهو لا يقول كما قال السلف : ( حتى لا يبقى منه شيء ) ... ] ، وهذا افتراء منه على السلف ومنهجهم ، فالصحابة والتابعون أجمعوا على القول : بأن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة ولا من التابعين أنه قال : ( وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) .
ثم إن سفيان أصل كلامه هنا ما يقوله من قبله من الصحابة والتابعين ، وللتوضيح ننقل أقوال سفيان بن عيينة في الإيمان :
• (1) قال أبو بكر الحميدي في " أصول السنة " : ( ص 41 ) : ( وسمعت سفيان بن عيينة يقول : الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ، فقال له أخوه إبراهيم ابن عيينة : يا أبا محمد لا تقل : ينقص ، فغضب وقال : اسكت يا صبي ، بل حتى لا يبقى منه شيء ) .
• (2) قال الخلال في " السنة " : (3/583) : ( وأخبرنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، قال : سمعت أبا عبد الله - وذكر ابن عيينة - قال : سمعته يقول : الإيمان يزيد ، وسمعت أبا عبد الله قال : سمعت سفيان يقول : لا يعنف من قال : الإيمان ينقص ) .
• (3) وقال الخلال في " السنة " : (3/592) : ( أخبرنا عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي قال : سمعت سفيان قال : الإيمان قول وعمل ويزيد ) .
• (4) وقال اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " : (1/155 - 156) : ( اعتقاد سفيان بن عيينة - رضي الله عنه - :
316 - أخبرنا عبيد الله بن محمد بن الوجي قال : حدثنا محمد بن إسحاق بن عباد التمار قال : حدثنا عبد العزيز بن معاوية قال : حدثنا محمد بن عبد الجبار السلمي قال : حدثنا بكر بن الفرج أبو العلاء قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة ، ومن ترك منها شيئًا فقد ترك السنة : إثبات القدر ، وتقديم أبي بكر وعمر ، والحوض ، والشفاعة ، والميزان ، والصراط ، والإيمان قول وعمل ، والقرآن كلام الله ، وعذاب القبر ، والبعث يوم القيامة ، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم ) .
316 - أخبرنا عبيد الله بن محمد بن الوجي قال : حدثنا محمد بن إسحاق بن عباد التمار قال : حدثنا عبد العزيز بن معاوية قال : حدثنا محمد بن عبد الجبار السلمي قال : حدثنا بكر بن الفرج أبو العلاء قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة ، ومن ترك منها شيئًا فقد ترك السنة : إثبات القدر ، وتقديم أبي بكر وعمر ، والحوض ، والشفاعة ، والميزان ، والصراط ، والإيمان قول وعمل ، والقرآن كلام الله ، وعذاب القبر ، والبعث يوم القيامة ، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم ) .
أقول : انظر
• أولاً : ما حكاه أبو بكر الحميدي عن سفيان أنه قال : ( الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ) ، حيث اقتصر سفيان على ما قاله الصحابة والتابعون ، ولم يزد عليه شيئًا ، لكن لما أغضبه أخوه ، وقال له : لا تقل : ينقص ، زاد على ذلك : ( بل حتى لا يبقى منه شيء ) في حال غضبه ، ولعله لم يقل هذه الزيادة طول عمره .
• ثانيًا : قال الإمام أحمد - وهو أبو عبد الله - أنه سمع ابن عيينة يقول : الإيمان يزيد ، وأنه سمعه يقول : ( لا يُعنف من قال : الإيمان ينقص ) .
(أ) لم يذكر الزيادة التي رواها عنه الحميدي في حال غضبه ، وهي قوله : ( بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) . بل اقتصر على قوله : ( الإيمان يزيد ) ، فيا ويله من بطش الحدادية .
(ب) وسمعه الإمام أحمد يقول : ( لا يُعنف من قال : الإيمان ينقص ) ، وكأنه يشير إلى من يتورع من أئمة السنة عن ذكر النقص ، ويعبر بدلاً عنه بالتفاضل ؛ كابن المبارك ، وعبد الرحمن بن مهدي .
• ثالثًا : سمع الإمام أحمد سفيان بن عيينة - مرة أخرى - يقول : ( الإيمان قول وعمل ويزيد ) . ولم يذكر كلمة ( وينقص ) .
• رابعًا : سمعه عبد الرزاق يقول : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .
• خامسًا : سمعه بكر بن الفرج أبو العلاء يقول : ( والإيمان قول وعمل ) ، ولم يذكر الزيادة ولا النقص .
فما هو حكم الحدادية عليه ، ومنهم فالح وفوزي البحريني ؛ حيث لم يقل مرات : ( وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، بل يقتصر في بعض أقواله على قوله : ( الإيمان قول وعمل ) ، ولا يذكر الزيادة ولا النقص ؟
فهل بقي للحدادية متعلق لحربهم على أهل السنة سنوات أخرى إذا اقتصروا على ما أجمع عليه الصحابة والتابعون ، بل أتباع التابعين ، ومنهم : سفيان ابن عيينة ، وأكثر من ألف شيخ من شيوخ البخاري ، ولم يلتزموا هذه الزيادة ، ولم يلزموا بها غيرهم - رحم الله الجميع - .
ألا يرى القارىء : أن تبديعهم لمن لا يقول بهذه الزيادة التي أوجبوها جريمة كبرى منهم ، تنسحب على أهل السنة السابقين واللاحقين ، وعلى رأسهم الصحابة والتابعون ؟
اللهم إنا نعوذ بك من الجهل والبغي والغلو المفتعل ، ومن مسلك الخوارج في رمي أهل السنة كذبًا وزورًا بالإرجاء .
قوله عني : [ وهو يدعي إتباع الأثر وأقوال السلف ، فما باله هنا يخالف ولا يريد أن ينظر في قول السلف في هذا بأن الإيمان قول وعمل واعتقاد ويزيد وينقص ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ] .
أقول : إني والحمد لله وإخواني متبعون للكتاب والسنة وآثار السلف وأقوالهم في كل أبواب الدين ، وبالأخص الإيمان والعقائد والمناهج ، ندعوا إلى ذلك ، ونوالي على ذلك ونعادي ، والذي يخالف أقوالهم ومنهجهم هم أهل البدع ، ومنهم الحدادية الذين يخالفون السلف في كثير من أصولهم ، ومنها هذا الأصل قد خالفوهم فيه ، وهذه المخالفة تقتضي تبديع السلف حتمًا .
قوله معللاً لما ادعى أنه منهج السلف ، - وهو كاذب في دعواه - : [ لأن الإيمان أما أن يبقى منه شيء ، وهذا بالنسبة كما بينَّا للمسلم ، إن بقي من إيمانه شيء فهو مسلم ، فممكن أن يبقى منه ذرة أو أدنى من ذلك كما نطقت الأدلة بذلك ، وبينت هذا في كتابي : " القناعة في شذوذ زيادة لم يعملوا خيراً قط في حديث الشفاعة " ! ] .
أقول : انظر إلى هذا الجاهل كيف يخالف السلف في قضايا الإيمان وغيرها بجهل ، وكأن الخلاف بين أهل السنة والخوارج والجهمية إنما هو في الكفار والمرتدين .
إن الخلاف بين أهل السنة وبين الخوارج - ومن تابعهم - إنما هو في ( عصاة ) المسلمين الموحدين الذين ماتوا على الإسلام ، لكن ماتوا وهم مصرون على الكبائر ، لا في الكفار .
فالخوارج والمعتزلة يقولون : مصيرهم إلى النار خالدين فيها أبدًا .
وأهل السنة يقولون : إنهم تحت مشيئة الله ؛ إن شاء عذبهم على قدر ذنوبهم ، ثم يخرجهم الله بشفاعة الشفعاء وبرحمته ، حتى يخرج من دخل النار منهم ، ولو كان عنده مثقال ذرة من إيمان ، أو أدنى من مثقال ذرة ، وإن شاء عفا عنهم ، وأدخلهم الجنة بدون عذاب ، كما قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ . [ النساء : 48 ] ، إلى غير ذلك من الأدلة لأهل السنة في هذا الباب .
ثم الخلاف بين أهل السنة والخوارج والمرجئة في زيادة الإيمان ونقصانه ، إنما هو في زيادة إيمان المؤمن ونقصانه ، لا في زيادة إيمان الكافر ونقصانه ، إذ هو كافر ، فلا يقال : إيمانه يزيد وينقص ، والخلاف أيضًا إنما هو في مصير عصاة المسلمين .
وكلام هذا الرجل يوحي أن هذه المعارك التي يديرونها على السلفيين إنما هو في الكافر ، وقاتل الله الجهل والكذب .
وقد عرف مذهب السلف ، ومنهم : الصحابة والتابعون أن الإيمان يزيد وينقص ، ولم يقل أوائلهم : ( وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، ومن بعدهم منهم من يقول : ( الإيمان قول وعمل ) ، ومنهم من يضيف : ( يزيد وينقص ) ، ومنهم - وهم القليل - قد يقول : ( يزيد وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، ولكنه لم يقل بوجوب القول بهذه الزيادة ، ولا يشترط القول بها ، ولا يبدع من لا يقول بها .
وهؤلاء القلة يقولون في غالب أحوالهم : ( الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص ) ، ولا يذكرون هذه الزيادة التي يوجبها الحدادية .
ومن يشترط القول بها ، ويوجبه ، ويبدع من لا يقول بهذه الزيادة كالحدادية ، فليأتوا بأدلتهم على ذلك من الكتاب أو السنة أو الإجماع ، وإلا فهم أهل ضلال وفتن ، وهم يسيرون على طريقة الخوارج في رمي أهل السنة بالإرجاء ، وفي التعنت والغلو .
وتضعيفه لزيادة : « لم يعملوا خيراً قط » ، وحكمه عليها بالشذوذ من جهله وجرأته على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى " صحيح الإمام مسلم " الذي تلقته الأمة بالقبول ، وحكموا بصحته إلا قليلاً منهم تكلموا عليها بأدب ، ولم يرجفوا عليها وعلى مسلم مثل أراجيف وتهاويل هذا المتهور ، وليست هذه الزيادة مما انتقده أولئك العلماء الأدباء النبلاء .
وقد بيّن جهله وتهوره أخونا / محمد موسى أبو سلمان في رد رصين ، بيّن فيه جهل هذا الرجل ومجازفاته .
وقوله : [ فالروايات تبين بأن هؤلاء العباد من المسلمين الذين دخلوا النار ؛ بسبب ذنوبهم ، وضعف إيمانهم ، ومنهم من يكون إيمانه بقدر الذرة من الخير بقلبه ، وهذا لا يكن إلا من المسلم ، ثم يخرجون من النار لبقاء شيء من الخير فيهم ] .
لا يغني عنه شيئًا ، وهو يشترط زيادة ( حتى لا يبقى منه شيء ) ، فهذا من تلبيساته التي يستر بها سوأة غلوه وتهوره ، والحمد لله الذي فضحه وفرقته بهذا البحث وغيره .
ثم ذهب يذكر أحاديث الشفاعة كأنه يخاصم قومًا ينكرون الشفاعة ، أو يستر عورته في إرجافه على حديث من أحاديث الشفاعة .
وساق هذا البحريني شيئًا من أحاديث الشفاعة ، ثم قال في ( ص 7 ) من بركانه : [ وهذه الأحاديث تدل على أن الله - تعالى - يعذب قومًا من أهل الإيمان ثم يخرجهم بالشفاعة ، وهذه بالنسبة للمسلمين بنقص إيمانهم حتى يبقى في قلوبهم ذرة أو أدنى من ذلك من إيمان كما في الروايات الأخرى ، وبين ذلك ابن رجب وغيره من العلماء كما في كتابه " التخويف من النار " ، لكن ممكن أن لا يبقى من إيمان العبد شيء كما بين السلف ، فكان - مثلاً - مسلمًا فارتد فلم يبقى من إيمانه شيء لتركه العمل كاملاً ، والذي يقول بخلاف ذلك فهو على مذهب المرجئة ؛ لأنه يقول : بأن الإيمان لا ينتهي من قلب العبد فمهما يفعل العبد سيبقى إيمانه وهذا خلاف مذهب السلف بأن الإيمان ينقص ينقص حتى لا يبقى منه شيء ، فالإيمان يمكن أن يزول بالكلية ، وهذا مذهب السلف وأهل السنة والجماعة ] .
أقول :
(أ) انظر إلى قوله : [ يعذب قومًا من أهل الإيمان ثم يخرجهم بالشفاعة ] ، فلم يقل يعذب قومًا من أهل الكبائر الذين ماتوا وهم مصرون عليها .
(ب) انظر إلى قوله : [ وهذه بالنسبة للمسلمين ... ] الخ . فهل هناك من يعتقد من المسلمين أن هناك شفاعة للكافرين والمرتدين والمنافقين .
(ت) انظر إلى قوله : [ لكن ممكن أن لا يبقى من إيمان العبد شيء كما بين السلف ، فكان - مثلاً - مسلمًا فارتد فلم يبقى من إيمانه شيء لتركه العمل كاملاً ] .
أقول : وهل هناك خلاف بين أهل السنة وغيرهم في المرتدين وأنهم أشد كفرًا من الكفار الأصليين وفي الغالب تحصل الردة دفعة واحدة بدون تدرج كما حصل للمرتدين الذين قاتلهم أبو بكر والصحابة - رضوان الله عليهم - .وقوله : [ لتركه العمل كاملاً ... ] . يعني : المرتد ، وكأن هذا المرتد لم يترك الإيمان .
(ث) انظر قوله : [ وهذا خلاف مذهب السلف بأن الإيمان ينقص ينقص حتى لا يبقى منه شيء ] .
أقول : إن كلامه هذا يفيد أن السلف جميعًا يقولون : ( إن الإيمان ينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، وأنهم يلتزمون ذلك ويشترطونه كما هو مذهب الحدادية ، وقد عرفت مما سلف أن معظمهم لا يلتزمون القول بأن الإيمان ينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء ، ولا يشترطونه .
(ج) انظر إلى قوله : [ فالإيمان يمكن أن يزول بالكلية وهذا مذهب السلف وأهل السنة والجماعة ] .
أقول : ومن ينكر أن الإيمان يمكن أن يزول بالكلية ، فحتى المرجئة لا يقولون لا يمكن أن يزول الإيمان بالكلية ، وعندهم في كتبهم أحكام الردة ، ويكثرون من هذه الأحكام ، أما الخوارج فإنهم يغلون في دينهم حتى يحكموا بالكفر على عصاة المسلمين ، ويحكموا بخلودهم في النار .
ومن يتأمل هذا الكلام يدرك : أن الرجل جاهل غبي ، ويهرف بما لا يعرف ، ومع هذا يزعم بأنه قائم بمذهب أهل السنة والجماعة .
لقد هزلت حتى بدى من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلسولقد اتخذ الحدادية هذا الجاهل وأمثاله رؤوسًا ، فيصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ؛ فضلوا وأضلوا » .
ثم ساق قولاً لابن عثيمين ، وقولاً للفوزان ، وقولاً لفالح الحربي لإثبات أنه يمكن زوال الإيمان بالكلية ، ومن المهازل عده فالحًا من العلماء المعتد بأقوالهم ، وهو يرد أقوال الأئمة الكبار ويرد حججهم .
(8) قال فوزي في بركانه بعد أن رد على قولي : ( إن الإيمان يزيد وينقص ) ، وبعد أن أوهم الناس أني أقول : ( إن العمل شرط كمال في الإيمان ) ، وبعد سوقه لكلام يزعم أنه رد من العلماء لقولي . قال في ( ص 8 ) من بركانه : [ فأما إنكاره لفظ ( ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، فنرد عليه من أقوال السلف وهو يدعي بأن السلف قالوا وقرروا بأن العمل من الإيمان ، وأن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ، وهو يقول بذلك فقط ، لأن ذلك من أقوال السلف ، نقول كذلك : ( بأن الإيمان ينقص ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) من أقوال السلف ، فلماذا لا يأخذ بهذه الآثار ، وهو في الحقيقة لا يريد أن يقول قد أخطأت في ذلك وأتوب (14) إلى الله - سبحانه وتعالى - ] .
أقول : وفي هذا الكلام من الكذب ما لا يجرؤ عليه إلا كبار محترفي الكذب .
• (1) فأنا أول من حارب القول بأن العمل ( شرط كمال ) في الإيمان أو ( شرط صحة ) في الإيمان ، وكررت إنكار ذلك سنوات وإلى يومي هذا .
• (2) وأنا قلت ، وأقول : ( إن الإيمان قد ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) (15) ، وقلت هذا أو معناه في الشريط الذي ناقشه في بركانه هذا ، ولكني لا أعلم أحدًا من السابقين ولا من اللاحقين اشترطه في تعريف الإيمان إلا الحدادية الجاهلة الحاقدة على أهل السنة .
والذي من مقتضاه تضليل السلف كلهم ، فحتى الذين قالوه من السلف يقتصرون في معظم أحوالهم على القول بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، ولا يزيدون ، وبعضهم يقتصر على القول بأن الإيمان قول وعمل ، كما نقل ذلك البخاري عن ألف شيخ وزيادة من شيوخه .
• (3) أنا لم أنكر هذه الزيادة ، ولا أنكر على من يقولها ، فقوله عني : [ فأما إنكاره لفظ ( ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ... ] الخ ، فمن أكاذيبه ، وصرحتُ بهذه الزيادة أو معناها في درس حضره المئات من أهل السنة من طلاب العلم ، وسجل في الشريط الذي ناقشه هذا الأفاك الأثيم .
هذه الأكاذيب والخيانات تسقط قائليها وفاعليها عند المسلمين واليهود والنصارى ، إلا عند الحدادية فإنها من المميزات والفضائل ، ويرتفع شأن من يقولها ويفعلها عندهم ، ومع ذلك فهم أهل السنة والجماعة عند أنفسهم وعند فوزي وفالح رغم أنوف أهل السنة وأهل الإسلام .(9) نقل فوزي الأشري في ( ص 9 – 10 ) من بركانه عن عدد من العلماء أنهم قالوا : بأن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء ، فقال : [ فيقول الإمام إسحاق - رحمه الله - : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) وهذا الأثر أخرجه الخلال في " السنة " (3/582) وغيره بإسناد صحيح ، وكذلك وافق الإمام إسحاق بن منصور قول إسحاق - رحمه الله - بقوله : ( وأنا أقول بها ) كما في " مسائله " : (2/589) ... ] .
أقول : بل إسناده ضعيف ؛ لأن في إسناده محمد بن حازم لا يُعرف ، ولم أقف له على ترجمة ، وأظن أن هذا الأشري يعرف هذا .
ثم من عجائب هذا البحريني : أنه رأى نصين للإمام أحمد قبل قول إسحاق مباشرة :
(أ) أحدهما : رواه الخلال بإسناده إلى إسماعيل بن سعيد قال : ( سألت أحمد عن من قال : الإيمان يزيد وينقص ؟ قال : هذا بريء من الإرجاء ) . " السنة " - للخلال - : (3/581) .
(أ) أحدهما : رواه الخلال بإسناده إلى إسماعيل بن سعيد قال : ( سألت أحمد عن من قال : الإيمان يزيد وينقص ؟ قال : هذا بريء من الإرجاء ) . " السنة " - للخلال - : (3/581) .
(ب) وثانيهما : قال الخلال في " السنة " : (3/582) : ( وأخبرنا أبو بكر المروذي ، وعبد الملك الميموني ، وأبو داود السجستاني ، وحرب بن إسماعيل الكرماني ، ويوسف بن موسى ، ومحمد بن أحمد بن واصل ، والحسن بن محمد كلهم يقول : إنه سمع أحمد بن حنبل قال : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .
ولم يردع هذان النصان هذا الأهوج عن التعلق بكلام إسحاق الذي لم يثبت عنه .
والإمام أحمد يقول قولاً أجمع عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان من أئمة الهدى ، فتركه هذا الظالم لنفسه ، وينقل عن إسحاق قولاً لم يثبت عنه ؛ ليحكم به على خصومه ربيع وإخوانه بأنهم : مرجئة ، ولا يبالي بذلك ولو عاد حكمه على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان .
ألا يدل هذا التصرف وهذا التعامل مع نصوص أهل العلم والإيمان على أن هذا الرجل من أهل الأهواء ، يأخذ ما يوافق هواه ، مهما كانت نتائجه وآثاره ، ويخفي ما يخالف هواه ولو قام عليه الإجماع ، ودل عليه الكتاب والسنة .
(10) قال فوزي الأشري في ( ص 9 ) : [ وكذلك قول سفيان بن عيينة - رحمه الله - : ( بأن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) كما أخرج ذلك الحميدي في " أصول السنة " : ( ص 41 ) ، والصابوني في " الاعتقاد " : ( ص 270 ) ، واللالكائي في " الاعتقاد " : (5/1032) ، والعدني في " الإيمان " : ( ص 94 ) ، وغيرهم بإسناد صحيح ] .
أقول : إن هذا صحيح عن سفيان بن عيينة ، ولكن هل التزم هذا القول : إن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء ؟ ، وهل ألزم به الناس ؟ ، وهل أهل السنة التزموا ذلك ؟
الجواب : لا ، وكلا .إذ كيف يلزمون الناس بأمر لم يقم أي دليل على وجوبه ؟ وكيف يلزمون الناس بأمر يتضمن تضليل السلف من الصحابة ومن تبعهم بإحسان ؟
فهذا اللالكائي ينقل عن عدد من الأئمة منهم : سفيان بن عيينة أنهم يقولون : ( إن الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص ) ، ولم ينقل عنهم : ( حتى لا يبقى منه شيء ) . انظر " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " : (5/1028) .
و ينقل اللالكائي مرة أخرى بإسناده إلى عبد الرزاق أنه قال : ( سمعت سفيان الثوري ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، وسفيان بن عيينة يقولون : إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .وبإسناد آخر إلى عبد الرزاق قال : ( سمعت سفيان ، وابن جريج ، ومعمر يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .
وينقل اللالكائي بإسناد آخر إلى عبد الرزاق أنه قال : ( لقيت اثنين وستين شيخًا منهم : معمر ، والأوزاعي ، والثوري ، والوليد بن محمد القرشي ، ويزيد بن السائب ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وشعيب بن حرب ، ووكيع بن الجراح ، ومالك بن أنس ، وابن أبي ليلى ، وإسماعيل بن عياش ، والوليد بن مسلم ، - ومن لم نسمه - كلهم يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) . انظر " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " : (5/1028 - 1029) .
وقال اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " : (5/1035 - 1036) : ( قول جماعة حفظ عنهم يعقوب بن سفيان : أنا علي بن محمد بن أحمد بن بكر قال : نا الحسن بن محمد بن عثمان قال : نا أبو يوسف يعقوب بن سفيان قال : الإيمان عند أهل السنة الإخلاص لله بالقلوب والألسنة والجوارح ، وهو قول وعمل يزيد وينقص ) .
وهذا الصابوني ينقل في " اعتقاد أهل السنة " : ( ص 83 ) - نشر مكتبة الغرباء - ، عن عدد من الأئمة منهم : سفيان بن عيينة أنهم قالوا : ( إن الإيمان قول وعمل ) ، فحسب ، ولم يزيدوا على هذا .
فهؤلاء في ميزان الحدادية من غلاة المرجئة بما فيهم ابن عيينة ؛ لأنهم لم يلتزموا شرطهم ، ولا يغني ذلك عن ابن عيينة شيئًا ، كما لم يغنِ عنا شيئًا قولنا أحيانًا : ( ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، نقول ذلك أكثر من سفيان ، ومع ذلك فنحن مرجئة عند الحدادية ، فكيف بسفيان الذي لعله لم يقله إلا مرة واحدة في حال غضب .
(11) قال البحريني الأشري في ( ص 9 ) : [ وأقر الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - ابن عيينة على ذلك : ( بأن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) كما ذكر ذلك الخلال في " السنة " : (3/583) بإسناد صحيح .
وذكر الإمام أحمد كذلك من نسبته للإيمان : ( يزيد حتى يبلغ أعلى السماوات السبع وينقص حتى يصير إلى أسفل السافلين السبع ) كما ذكر عنه ابن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة " : (2/210) ، وهو صحيح ] .
أقول :
(أ) نعم أقر الإمام أحمد سفيان على قوله ، لكن هل أوجبه الإمام أحمد أو غيره على الناس ؟
(أ) نعم أقر الإمام أحمد سفيان على قوله ، لكن هل أوجبه الإمام أحمد أو غيره على الناس ؟
(ب) قوله : [ وذكر الإمام أحمد كذلك من نسبته للإيمان : ( يزيد حتى يبلغ أعلى السماوات السبع وينقص حتى يصير إلى أسفل السافلين السبع ) كما ذكر عنه ابن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة " : (2/210) ، وهو صحيح ] .
أقول : هذه مجازفة إذ كيف يصح وفيه علل ؟ :
• (1) أن القاسم هذا لم يوثقه ابن أبي يعلى ، ولم نقف له على ترجمة .
• (2) أن في إسناده إعضال ؛ حيث قال ابن أبي يعلى : ( وقال القاسم ) .
• (3) أن رواة مسائل الإمام أحمد المعتبرين لم ينقلوا هذا النص الذي يعتبر غريبًا على الإمام أحمد وأساليبه .
• (4) هات لنا ترجمة القاسم ، وأثبت أنه من ثقات أصحاب الإمام أحمد .
قال الخلال في " السنة " : (3/583) : ( وأخبرنا أبو بكر المروذي : أن أبا عبد الله قيل له : كان ابن المبارك يقول : يزيد ولا ينقص ، فقال : كان يقول : الإيمان يتفاضل ، وكان سفيان يقول : ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) .
فانظر كيف أقر الإمام أحمد قول ابن المبارك : الإيمان يتفاضل ، مع أنه لم يقل بالنقص ، وأقر سفيان على قوله : ( ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) .ولم يزجر موقف الإمام أحمد هذا المعتوه عن غطرسته وغلوه المفتعل عن الإرجاف على من يقول : ( الإيمان يزيد وينقص ، وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة ) ، كما يقول : ( ينقص ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) .
فإذا كان يرمي من يقول هذا بالإرجاء ويحاربه ، فكيف بابن المبارك الذي لا يصرح بالنقص ، ويعدل إلى قوله : ( يتفاضل ) .
قال شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى " : (7/506 - 507) : ( وكان بعض الفقهاء من أتباع التابعين لم يوافقوا في إطلاق النقصان عليه ؛ لأنهم وجدوا ذكر الزيادة في القرآن ، ولم يجدوا ذكر النقص ، وهذا إحدى الروايتين عن مالك ، والرواية الأخرى عنه وهو المشهور عند أصحابه كقول سائرهم : إنه يزيد وينقص ، وبعضهم عدل عن لفظ الزيادة والنقصان إلى لفظ التفاضل ، فقال : أقول الإيمان يتفاضل ويتفاوت ، ويروى هذا عن ابن المبارك (16) ، وكان مقصوده الإعراض عن لفظ وقع فيه النزاع إلى معنى لا ريب في ثبوته ) .
فانظر كيف أقر الإمام أحمد ابن المبارك على عدوله عن ذكر النقصان ، ويروي ذلك للناس .
قال الخلال في " السنة " : (3/581) : ( أخبرنا محمد بن علي قال : ثنا صالح أن أباه قال : الإيمان بعضه أفضل من بعض يزيد وينقص ، وزيادته في العمل ، ونقصانه في ترك العمل ؛ لأن القول هو مقربة ) . (17)
وغير الإمام أحمد مئات من الأئمة يقولون : ( إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) ، ولا يقولون : ( حتى لا يبقى منه شيء ) .
وكثير منهم جدًا من يقول : ( الإيمان قول وعمل ) ، ولا يزيدون ، ولم يوجد في وقتهم حدادية يشغبون عليهم ويبدعونهم . (18)
وهذا الإمام أحمد يقول كما نقل عنه الخلال : (3/581) فيمن يقول : ( الإيمان يزيد وينقص ) : ( هذا بريء من الإرجاء ) ، وقال نحوه البربهاري .
(12) قال البحريني في ( ص 10 ) من البركان : [ وكذلك قال الإمام البربهاري - رحمه الله - في " شرح السنة " : ( ص 67 ) : ( بأن الإيمان قول وعمل ، وعمل وقول ، ونية وإصابة يزيد وينقص : يزيد ما شاء الله ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ... ] .
أقول : لا يعترض أهل السنة على قول الإمام البربهاري ، وأهل السنة - وأنا منهم - يدرسونه ويقرونه ولا يعترضون عليه - وأنا واحد منهم - ، وقد درَّستُ كتابه كله وأعتز به ، ثم هو لا يقصد الاعتراض ولا الاستدراك على أئمة السنة الذين يعرف أنهم يقتصرون على قولهم : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) ؛ بل هو يقول : ومن قال : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره ) . " شرح السنة " : ( ص 80 ) - نشر مكتبة العلوم والحكم بمصر - .
ولم يرجف عليهم - وحاشاه - بالرعود الصواعقية ولا البراكين الفوزية الأشرية .
فما رأي الحدادية في قول الإمام البربهاري هذا ؟
ثم هذا الإمام أحمد يقول في " أصول السنة " : ( ص 58 ) : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) ، ولم يذكر هذه الزيادة : ( حتى لا يبقى منه شيء ) .
وإلى جانبه مئات من أئمة السنة ، ومثلهم الصحابة والتابعون ؛ لا يأتون بهذه الزيادة !
ونقل اللالكائي بإسناده في " شرح السنة " : (2/198) - ط : " دار طيبة " - عن ابن أبي حاتم أنه قال : ( سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازًا وعراقًا ، وشامًا ويمنًا فكان من مذهبهم : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) .
وهذا الحافظ أبو أحمد الحاكم ينقل في كتابه : " شعار أصحاب الحديث " : ( ص 27 – 29 ) بإسناده عن عمير بن حبيب ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي الدرداء ، وعن مالك ، والأوزاعي ، وابن جريج ، والثوري ، ومعمر ، ومحمد بن مسلم ، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، والمثنى ، وسفيان الثوري : أن هؤلاء كلهم يقولون : ( إن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ) ، إلا عن بعضهم ؛ فإنه يقول : ( إن الإيمان قول وعمل ) .
(13) قال البحريني في بركانه ( ص 10 ) : [ وكذلك قال الإمام ابن منده - رحمه الله - في كتابه : " الإيمان " : (1/345) : ( ذِكْرُ خبرٍ يدل على أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى في قلب العبد مثقال حبة من خردل ، وأن المجاهد (19) بالقلب واللسان واليد من الإيمان ) ، فهذا الإمام ابن منده يذكر هذا الأمر ، وربيع ينقل منه ما يشاء ويترك من كتاب الإيمان لابن منده ما يشاء ، فلماذا لا يقول بقول ابن منده هذا !؟ ] .
أقول :
• (1) ما كان ردي على الحدادية إلا في قضية معينة من قضايا الإيمان ، وهو أنهم أرجفوا في موقعهم في شبكة ما يسمى بـ " الأثري " ببعض الفتاوى بأن من قال : [ إن الإيمان أصل والعمل فرع " كمال " ؛ فهو مرجىء ] ، وكانت هذه الفتاوى إجابات على أسئلة منهم متكررة عن من يقول : [ الإيمان أصل والعمل فرع ] ، فتأتي الإجابات بأن من قال : [ الإيمان أصل والعمل فرع ] ؛ فإنه مرجىء ( ! ) ، وأرجفوا بهذا في " شبكتهم " مدة طويلة تزيد على السنة ، فجمعت أقوال بعض العلماء بأدلتها من الكتاب والسنة في هذه القضية المعينة ، وهؤلاء العلماء هم : الإمام ابن منده ، والإمام محمد بن نصر المروزي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وأطلت النفس في النقول عنه ، ومنهم : الإمام ابن القيم ، والحافظ ابن رجب ، والإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ، وسليمان بن عبد الله آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله جميعًا - .
• (1) ما كان ردي على الحدادية إلا في قضية معينة من قضايا الإيمان ، وهو أنهم أرجفوا في موقعهم في شبكة ما يسمى بـ " الأثري " ببعض الفتاوى بأن من قال : [ إن الإيمان أصل والعمل فرع " كمال " ؛ فهو مرجىء ] ، وكانت هذه الفتاوى إجابات على أسئلة منهم متكررة عن من يقول : [ الإيمان أصل والعمل فرع ] ، فتأتي الإجابات بأن من قال : [ الإيمان أصل والعمل فرع ] ؛ فإنه مرجىء ( ! ) ، وأرجفوا بهذا في " شبكتهم " مدة طويلة تزيد على السنة ، فجمعت أقوال بعض العلماء بأدلتها من الكتاب والسنة في هذه القضية المعينة ، وهؤلاء العلماء هم : الإمام ابن منده ، والإمام محمد بن نصر المروزي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وأطلت النفس في النقول عنه ، ومنهم : الإمام ابن القيم ، والحافظ ابن رجب ، والإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ، وسليمان بن عبد الله آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله جميعًا - .
جمعت هذه الأقوال في هذه القضية في مقال عنوانه : [ هل يجوز أن يرمى بالإرجاء من يقول : إن الإيمان أصل والعمل فرع ] .
فهل في هذا العمل خيانة عند الأمناء العقلاء ؟
وهل يلزمني أن أنقل كل أو جل كتاب " الإيمان " لابن منده ، وهو في ثلاثة أجزاء كبار ، وما أكثر عناوينه عن الإيمان ؟
وهل يلزمني - والواقع ما ذكرته - أن أتحدث عن تعريف الإيمان وزيادته ونقصانه عند أهل السنة وأدلتهم على ذلك ؟ ، ونقل الخلافات فيه بين الفرق ، في حين لا يهمني إلا قضية معينة ، أرجف عليها الحدادية حينًا من الدهر .
ثم هذا الإمام ابن منده يقول في كتاب " الإيمان " : (2/341) : ( ذكر خبر يدل على أن الإيمان : قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالأركان : يزيد وينقص ) .
فهذا تعريف الإيمان الذي أجمع عليه الصحابة والسلف ، وهو في صميم الموضوع ، يتركه فوزي البحريني ، وينقل ما يهواه ؛ ليشغب به على أهل السنة .
فأي خيانة وأي مكر يرتكبه هذا الرجل ؟
لقد رماني هذا الأهوج بذنبه الذي يلازمه في نقوله ، فيأخذ ما يهواه ، ويترك ما هو حجة عليه .• (2) يقول البحريني : [ فلماذا لا يقول بقول ابن منده هذا ؟ ] .
أقول : بل أنت لماذا لم تقل بما أجمع عليه السلف ، ولم تقتنع به أنت وحداديتك ؟
ثم أقول : ومتى خالفت ابن منده وغيره في هذا ؟
• (3) ويقول البحريني الأفاك : [ ومن هنا يتبين بأن ربيع (20) المدخلي لا يقول بقول السلف في هذه المسألة ] .
أقول : ومتى خالفت السلف في هذه المسألة وفي غيرها ، أثبت هذا بالنقول عني من كتبي وأشرطتي ، وناقشني بأقوال السلف وأدلتهم ، وتجنب في بحثك الخيانات والأكاذيب والتهاويل .
ثم لي الحق أن أقول : إنك أنت وحزبك المخالفون المشاقون للسلف ؛ حيث لم ترضوا بما أجمعوا عليه ، وهو قولهم : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ) ، ولم تقتنعوا به ، فأنتم توالون وتعادون على شيء لم يقله الصحابة ولا التابعون ، ولا خطر ببالهم ، ومن قال به بعدهم لم يشترطوه ، ولم يلتزموه ، ولم يلزموا به غيرهم ، فأنتم المخالفون لهم حقًا .
قال الإمام ابن قدامة في " لمعة الاعتقاد " : ( ص 174 ) مع شرح الشيخ صالح الفوزان : ( والإيمان قول باللسان ، وعمل بالأركان ، وعقد بالجنان : يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان ) .
وقال شيخ الإسلام في " الواسطية " : ( ص 134 ) مع شرح الشيخ صالح الفوزان : ( ومن أصول أهل السنة والجماعة : أن الدين والإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ) .
وشرح العلامة صالح الفوزان قول هذين الإمامين ، ولم يشر من قريب ولا من بعيد إلى هذه الزيادة التي يوجبها الحداديون على أهل السنة ، ويبدعون من لم يقلها .
(14) قال البحريني في بركانه ( ص 10 ) : [ وهكذا قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله - : ( نعم حتى يكون مثل الجبال ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) كما ذكر عنه الأصم في " حديثه " ( ص 153 ) ، وكذلك اللالكائي في " الاعتقاد " : (5/1030) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " : (11/41) ، وإن كان في سنده ضعف (21) ، لكن هذا الأثر يشهد له الآثار الأخرى للسلف ] .
أقول : مع اعترافك بضعف هذا الإسناد إلى الأوزاعي ، فقد نقل عنه اللالكائي في ( ص 1030 ) نفسها أنه قال : ( الإيمان يزيد وينقص ) ، ونقل عنه اللالكائي في الصحيفة نفسها بإسناد آخر : ( أن الإيمان يزيد وينقص ) .
ولم يذكر في هذين النصين الزيادة التي توجبها أنت وحزبك .
ألا يدرك القارىء أنك على منهج أهل البدع ؛ تأخذ ما تزعم أنه لك ، وتترك ما يدينك ، ويدمغك بالفجور في الخصومة .
نعم ، نقل هذا القول اللالكائي في كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " عن الأوزاعي ، ونقل عنه وعن واحد وستين شيخًا غيره بإسناده في (5/1029) بأنهم والأوزاعي يقولون : ( الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ) .
فهذه ثلاثة نقول عن الأوزاعي ، يقول فيها بما يقول به أهل السنة جميعًا من : أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ، ولا يزيد على ذلك .
ثم كل هذا لا يردعك عن الأقوال الظالمة الباطلة ، ولا يوقفك عن اللدد في الخصومة .
فهل سبقكم أيها الحدادية أحد من السلف إلى الخصومة بهذه الجملة وتبديع من لم يقلها ؟
فلماذا تخرج الذي تراه أنه لك بالمناقيش ، وتخفي الذي هو عليك وإن كان مثل الشمس في الظهور والوضوح وإن كان القائلون به أمثال الجبال الشامخة علمًا وإيمانًا ، وإن كان يقول بقولهم إخوانهم الذين ترجف بهم .
(15) قال البحريني في ( ص 10 ) من بركانه : [ وكذلك قول بشار الخفاق (22) - رحمه الله - : ( الإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص ، حتى يكون أعظم من الجبل وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، كما أخرج ذلك حرب في " المسائل " : ( ص 370 ) بإسناد صحيح عنه ] .
أقول : إن بشارًا الخفاف نفسه ضعيف .
قال البخاري في " التاريخ " : (1/130) : ( منكر الحديث ) .
قال ابن عدي في " الكامل " : (2/457) : ( وكان أحمد يحسن القول فيه )
قال الذهبي : ( وقال البخاري : تركت حديثه ) ، وقال يحيى والنسائي : ( ليس بثقة ) . وقال أبو زرعة : ( ضعيف ) ، وقال ابن عدي : ( قال عثمان : بلغني أن علي بن المديني كان يسيء القول في بشار الخفاف هذا ) .
ونقل الذهبي هذا النص بقوله : ( كان علي بن المديني حسن الرأي فيه ) ، فالله أعلم أي النقلين أصح ، وقال أبو داود : ( كان أحمد حسن الرأي فيه ويكتب عنه ، وأنا لا أحدث عنه ) . ونقل ابن عدي عن البخاري أنه قال : ( بشار الخفاف كان ببغداد منكر الحديث ) .
وقال ابن عدي بعد حكاية الأقوال فيه : ( ويروي عن قوم ثقات ، وأرجو أن لا بأس به ) ، وقال : ( وقد حدث عنه الناس ، ولم أرَ في حديثه شيئًا منكرًا ، وقول من وثقه أقرب إلى الصواب ممن ضعفه ) .
وقال الحافظ في " التقريب " : ( ضعيف ، كثير الغلط ، كثير الحديث ) .
قال أبو حاتم في " الجرح " : (2/417) ( يتكلمون فيه وينكر عن الثقات ، أنكر عن يزيد بن زريع عن شعبة عن عمرو بن مرة حديث الأشتر ، وهو شيخ ) .
أقول : والذي يترجح لي ضعفه كما قال الحافظ ؛ لأنه قد جرحه جرحًا قويًا عدد من الأئمة ، وما ذكر عن الإمام أحمد ليس توثيقًا واضحًا ، فلم يصفه بحفظ ولا ضبط ، وما نقل عن ابن المديني لا يثبت إسناده ، فهذان القولان لا يقاومان ذلك الجرح القوي من عدد من الأئمة ، وهم المذكورون هنا وغيرهم مثل الحاكم أبي أحمد ، والخليلي ، وغيرهما . راجع " تهذيب التهذيب " : (1/441 - 442) .
وقد أجرينا على أسانيد من قال بهذه الزيادة : ( ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) الدراسة قبل سنين فلم يصح منها إلا قول سفيان بن عيينة ، ولو كانت هذه الزيادة ضد ما يهواه هذا الرجل لدمرها بالرعود والصواعق والبراكين .
(16) وقال البحريني في ( ص 10 ) من بركانه : [ وهذا كذلك قول الإمام ابن المديني - رحمه الله - عند ما سئل عن الإيمان ، فقال : ( قول وعمل ونية ، ثم قال : يزداد وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) ، كما ذكر عنه الثعلبي في " تفسيره " : (3/213) ... ] .
أقول : أين إسناده ؟ وقد روى اللالكائي بإسناده (5/1034 - 1035) إلى حنبل قال : ( سمعت علي بن عبد الله بن جعفر بالبصرة سنة إحدى وعشرين يقول : الإيمان قول وعمل على سنة وإصابة ونية ، والإيمان يزيد وينقص ، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ، وترك الصلاة كفر ، ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ، من تركها فهو كافر ، وقد حل قتله ) .
فلماذا تترك كلام ابن المديني الذي ليس فيه ما تهواه ، وهو مروي بإسناده في كتاب من كتب العقائد ، أتنقل ما تهواه ، وتترك ما لا تهواه ؟ وتذهب إلى تفسير الثعلبي الذي لم يذكر إسناد قول علي بن المديني .
(17) قال البحريني في ( ص 10 ) من بركانه : [ وكذلك قول عمر الواسطي - رحمه الله - هذا كما ذكر عنه الثعلبي في " تفسيره " : (3/213) ... ] .
أقول : أين إسناده ؟ ، والثعلبي يروي بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة بدون أسانيد .
الفرق الهائل بين أهل السنة وبين الحدادية في الأخلاق والتراحم ، والعدل والإنصاف ، واحترام أهل السنة .
نقل الخلال في " السنة " : (3/580) بإسناده إلى محمد بن أبان قال : ( قلت لعبد الرحمن بن مهدي : الإيمان قول وعمل ؟ قال : نعم ، قلت : يزيد وينقص ؟ قال : يتفاضل ، كلمة أحسن من كلمة ) .
وقال الخلال في " السنة " : (3/583) : ( وأخبرنا أبو بكر المروذي أن أبا عبد الله قيل له : كان ابن المبارك يقول : يزيد ولا ينقص ، فقال : كان يقول : الإيمان يتفاضل ، وكان سفيان يقول : ينقص حتى لا يبقى منه شيء ) .
ونقل الخلال في " السنة " : (3/581) عن إسماعيل بن سعيد قال : ( سألت أحمد عن من قال : الإيمان يزيد وينقص ؟ قال : هذا بريء من الإرجاء ) .
فعلى مذهب الحدادية يكون عبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الله بن المبارك مبتدعة مرجئة ؛ لأنهما لا يقولان : الإيمان ينقص ؛ بل ابن المبارك يصرح بنفي النقص ، ويستعيض عن النقص بذكر التفاضل ، ويستعيض ابن مهدي عن الزيادة والنقصان بلفظ : التفاضل ، ويراه أحسن .
وعلى منهجهم : ( من لا يبدع المبتدع ؛ فهو مبتدع ) ، ولو كان من بدعوه من كبار أهل السنة .
وعلى منهجهم هذا يكون الإمام أحمد مبتدعًا ، وحاشا الجميع من البدعة والابتداع .
وبرأ الله الإمام أحمد وأهل السنة من الحدادية الحاقدة ، ومن منهجهم الفاسد المدمر .
أنقل هذا ، وأنا أدين الله بأن الإيمان : قول وعمل وسنة ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، ولكني أنقل هذا ليرتدع الحدادية عن غلوهم وتنطعهم على أهل السنة ورميهم بالإرجاء ، ولو قالوا بملء أفواههم : إن الإيمان قول وعمل ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة ، ولو قالوا : ( حتى لا يبقى منه شيء ) .
ومن منهج الحدادية : أنهم إذا وقعوا في باطل لا يرجعون عنه ، ويدافعون عنه بالباطل والكذب ، ويحاربون من ينكر عليهم هذا الباطل أشد الحرب وأشرسها ، بل ويريدون أن يرغموا الناس على التسليم بباطلهم .
[align=center]وكتبه : فضيلة العلامة د. ربيع بن هادي بن عمير المدخلي
يوم السبت / 8 شعبان 1429 هـ
ويليه بعون الله تعالى
[ الحلقة الثانية ] من : " البيان لما اشتمل عليه البركان
وما في معناه من زخارف وتزيين الشيطان "
وما في معناه من زخارف وتزيين الشيطان "
رد على فوزي البحريني المنعوت زورًا بـ [ الأثري ] !
[/align]______________
الهوامش :
الهوامش :
(1) انظر هذا الأصل الهدام في " القاصمة الخافضة " : ( ص 99 ) فما بعدها ، وانظر " الفرقان " : (2/1) فما بعدها .
(2) كتابة الواو خطأ ، وأبو شهاب الحناط - هنا - : هو موسى بن نافع ، أو أخوه : عبد ربه بن نافع .
(3) هكذا في الأصل .
(4) إسناده ضعيف ، فيه عقبة بن علقمة ، قال فيه الحافظ في " التقريب " : ( صدوق ، لكن كان ابنه محمد يدخل عليه ما ليس من حديثه ) ، وقال الذهبي في " الكاشف " : ( صدوق يغرب )، وفيه أبو قدامة الجبيلي تمام بن كثير ، لم أقف له على ترجمة إلا في " تاريخ دمشق " ، ولم يذكر فيه ابن عساكر جرحًا ولا تعديلاً . " تاريخ دمشق - المصورة - " : (3/521) ، و " مختصره " : (5/304) .
(5) وهذا القول حصل منه بعد مدة طويلة من فتنته وحربه ، وكان هذا نصرًا من الله لربيع وإخوانه على فالح وحداديته .
(6) قد سبقني إلى ما تسميته خلطًا علماء الإسلام ( ! ) ؛ فأنت تفرِّق بين ما جمعه الله – تعالى - ، وسلَّم به العلماء .
(7) هذا قول الجهلاء ، أمَّا العلماء فيقولون : إنَّ الشريعة الإسلامية كلها مبنية على مراعاة المصالح والمفاسد ، وأما نظر العلماء فإنَّما هو في تطبيق النصوص . وهل هذه الحالة المعيَّنة وتلك تشملها النصوص الدَّالة على مراعاة المصالح والمفاسد أو لا تشملها !!؟
(8) ولا أستبعد أنه من مكر فالح وأمثاله دسوه على الشيخ عبيد ومن معه .
(9) كذا ( ! ) .
(10) كذا ( ! ) .
(11) كذا ( ! ) .
(12) كذا ( ! ) .
(13) وإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا توجب أنت وفرقتك الحدادية زيادة : ( حتى لا يبقى منه شيء ) ؟ ، وتبدعون وتحاربون من لا يقولها !؟
(14) انظر إليه كيف يعتبر عدم ذكر ( حتى لا يبقى منه شيء ) خطأً يستوجب التوبة إلى الله ، واعرف اعتقاده في وجوب هذه الجملة ، وأدرك مراوغاته حولها .
(15) انظر أقوالي في هذا ( ص 64 - 67 ) من هذا الرد .
(16) نقل الخلال في " السنة " : (3/580) ، بإسناده إلى محمد بن أبان ، قال : ( قلت لعبد الرحمن بن مهدي : الإيمان قول وعمل ؟ قال : نعم ، قلت : يزيد وينقص ؟ قال : يتفاضل كلمة أحسن من كلمة ) .
(17) كذا ( ! ) .
(18) وعقيدتنا فيهم أنهم يقولون : يزيد وينقص .
(19) كذا ( ! ) ، وابن منده إنما قال : ( وأن المجاهدة ) .
(20) كذا ( ! ) .
(21) بسبب أن في إسناده فديك بن سليمان ، قال فيه الحافظ في " التقريب " : ( مقبول ) ، وليس هذا القول من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نبحث له عن الشواهد والمتابعات .
(22) كذا ( ! ) ، مع الأسف ، وهو بشار الخفاف ؛ بفاء مكررة .
(2) كتابة الواو خطأ ، وأبو شهاب الحناط - هنا - : هو موسى بن نافع ، أو أخوه : عبد ربه بن نافع .
(3) هكذا في الأصل .
(4) إسناده ضعيف ، فيه عقبة بن علقمة ، قال فيه الحافظ في " التقريب " : ( صدوق ، لكن كان ابنه محمد يدخل عليه ما ليس من حديثه ) ، وقال الذهبي في " الكاشف " : ( صدوق يغرب )، وفيه أبو قدامة الجبيلي تمام بن كثير ، لم أقف له على ترجمة إلا في " تاريخ دمشق " ، ولم يذكر فيه ابن عساكر جرحًا ولا تعديلاً . " تاريخ دمشق - المصورة - " : (3/521) ، و " مختصره " : (5/304) .
(5) وهذا القول حصل منه بعد مدة طويلة من فتنته وحربه ، وكان هذا نصرًا من الله لربيع وإخوانه على فالح وحداديته .
(6) قد سبقني إلى ما تسميته خلطًا علماء الإسلام ( ! ) ؛ فأنت تفرِّق بين ما جمعه الله – تعالى - ، وسلَّم به العلماء .
(7) هذا قول الجهلاء ، أمَّا العلماء فيقولون : إنَّ الشريعة الإسلامية كلها مبنية على مراعاة المصالح والمفاسد ، وأما نظر العلماء فإنَّما هو في تطبيق النصوص . وهل هذه الحالة المعيَّنة وتلك تشملها النصوص الدَّالة على مراعاة المصالح والمفاسد أو لا تشملها !!؟
(8) ولا أستبعد أنه من مكر فالح وأمثاله دسوه على الشيخ عبيد ومن معه .
(9) كذا ( ! ) .
(10) كذا ( ! ) .
(11) كذا ( ! ) .
(12) كذا ( ! ) .
(13) وإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا توجب أنت وفرقتك الحدادية زيادة : ( حتى لا يبقى منه شيء ) ؟ ، وتبدعون وتحاربون من لا يقولها !؟
(14) انظر إليه كيف يعتبر عدم ذكر ( حتى لا يبقى منه شيء ) خطأً يستوجب التوبة إلى الله ، واعرف اعتقاده في وجوب هذه الجملة ، وأدرك مراوغاته حولها .
(15) انظر أقوالي في هذا ( ص 64 - 67 ) من هذا الرد .
(16) نقل الخلال في " السنة " : (3/580) ، بإسناده إلى محمد بن أبان ، قال : ( قلت لعبد الرحمن بن مهدي : الإيمان قول وعمل ؟ قال : نعم ، قلت : يزيد وينقص ؟ قال : يتفاضل كلمة أحسن من كلمة ) .
(17) كذا ( ! ) .
(18) وعقيدتنا فيهم أنهم يقولون : يزيد وينقص .
(19) كذا ( ! ) ، وابن منده إنما قال : ( وأن المجاهدة ) .
(20) كذا ( ! ) .
(21) بسبب أن في إسناده فديك بن سليمان ، قال فيه الحافظ في " التقريب " : ( مقبول ) ، وليس هذا القول من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نبحث له عن الشواهد والمتابعات .
(22) كذا ( ! ) ، مع الأسف ، وهو بشار الخفاف ؛ بفاء مكررة .
لتحميل المقال : ادخل على موقع الشيخ ربيع المدخلي
تعليق