الأنوار السَّاطعات
لما في بيان تراجع فركوس
من التلبيس و الزَّلَلِ والُمغالطات
((قال الشيخ عبداللطيف بن حسن آل الشيخ في "عيون الرسائل" (1/441):
((والتساهلُ في ردِّ الحقِّ, وقمع الداعي إليهِ, يترتبُ عليه قلعُ أصولِ الدين.)) اهـ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه و من ولاه؛ وبعد :
فقد وقفت على كلام جديد (لأبي عبد المعز محمد علي فركوس -هداه الله تعالى-) على ما يزعم فيه ، أنه بين بعض الإنتقادات التي انتقدت عليه من طرف أخينا الفاضل الباحث المفيد أبي حاتم يوسف العنابي الجزائري -وفقه الله تعالى- في رسالته الطيبة (بيان الدليل) بتقديم العلامة يحي بن علي الحجوري-حفظه الله- ، و غيرِه من طلبة العلم وفقهم الله ، وجاء هذا إثر سؤال وجه إليه ليقوم بالإجابة عنه وهو المؤرخ بالتاريخ الصليبي!!! يوم(السبت 4/02/2012)!!! ، رقم الرسالة(15637) .
فما كان من أتباعه إلا أن طاروا به كل مطارٍ أن شيخهم!! تراجع -و ربما اغتر به بعض الغافلين!!- ومن قبل كانوا يدافعون عن أخطائه – وما زالوا- : أنه مجتهد ..!! وله قوله و رأيه ... وهو عالم يصيب ويخطأ ...!! و و و ... إلخ ، وإذا بالكلام و ما توهموه من الرجوع خلاف الواقع ، بل مليء بالتوهيم و التلبيس و التنقص من الذين ردوا عليه و تشويه صورتهم و سيأتي بيان ذلك -إن شاء الله تعالى- و الله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولي مع هذا المقال إن شاء الله وقفتان:
الوقفة الأولى مع السائل وهي كما يقال (رَكْلَةٌ على الطريق) :
قوله هداه الله: ((شيخَنا الكريم، لا يخفى عليكم ما يحاول بعض الأغمار من الطعن في شخصكم وبعض المشايخ السلفيين في الجزائر، ولولا أنَّنا خفنا أن يلبِّسوا على إخواننا - ممَّن اطلعوا على كلامهم- لَما طلبنا منكم – حفظكم الله- الردَّ، فكما قيل:
لو كلّ كلب عوى ألقمته حجرا *** لأصبح الصّخر مثقالا بدينارِ .)) .
أقول : الحمد لله ، فأما قولك –أصلحك الله- : ((لايخفى عليكم ما يحاول بعض الأغمار من الطعن في شخصكم وبعض المشايخ السلفيين في الجزائر)) اهـ .
و هذا هو ديدن أهل الأهواء والتعصب احتقار المنتقد و التقليل من شأنه واهدار جهوده و عدم المبالاة بنصيحته ، و هذا ما علموكم إياَّه في الجامعات الاختلاطية التخريبية الهدَّامة ، فما تكاد تجد جامعيا اختلاطيا-إلا من رحم ربي- إلا و هو يرى نفسه فوق إخوانه و لا أحد ينصحه بل هو الذي ينصح و يوجه و يتكلم و و و... وهذا الصنف من الناس موجود بكثرة -لاكثرهم الله- في الجزائر و لأسف الشديد ؛ فأنصح السائل أن يترك هذا الأسلوب المشين وأذكره و من هو على شاكلته بقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : ((الكِبر بَطرُ الحق وغَمطُ الناس )) [رواه مسلم (رقم 147)من حديث ابن مسعود رضي الله عنه].فقوله عليه الصلاة والسلام :(الكبر بطر الحق) معناه دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبُراً ، و(غَمطُ الناس) و في رواية (غَمصُ الناس) والمعنى واحد وهو احتقارهم . انظر "شرح مسلم" للنووي(2/90) .
فلتحذر أيها السائل من أن تقع في هذه الخصلة المذمومة فيكون ذلك سببا لردك الحق و الاستخفاف بأهله وتحقيرهم –عياذاً بالله- .
أما قولك : (( الطعن في شخصكم و بعض المشايخ السلفيين في الجزائر)) .
فأقول : أظنك لا تحسن التفريق بين بيان الخطأ و النصيحة للدين وبين الطعن في الشخص والتنقص من قدره مع أن الفرق واضح جلي لا يحتاج إلى استطراد ، ولكن كما يقال( هذه شِنشِنة نعرفها من أخزَم ) ، وهذا نظير ما يُهوِّل به الحزبيون على طلاب العلم الذي تبصروا بطرقهم الملتوية ، فمن ذلك الحزبي أبو الحسن المأربي-عليه من الله ما يستحق_ فكم هوَّل على طلاب العلم و تنقصهم ، فقد قال في " شريط (حقيقة الدعوة) (رقم2)" : (( وأنا أخاف و الله على الشباب الصغار الذين يتكلمون فيه [يقصد المغراوي المبتدع] أن يبتلوا أو أن يصابوا ببلاء في طلب العلم و ربما تركوا الدعوة بكاملها))!!! .
فرد عليه العلامة ربيع المدخلي-كان الله له- فقال : ((إن كان هؤلاء الشباب قد تكلموا فيه بباطل ؛ فبينه لهم وانصحهم ، وإن كانوا تكلموا فيه بحق فكيف تخاف عليهم و تخوّفهم؟ بل الخوف الشديد على الشباب الذين حاربوهم بالباطل و منهم أنصار المغراوي و أنصارهم هم أحوج الناس إلى التخويف و النصح )) اهـ .
فنحن نقول كما قال العلامة ربيع المدخلي –حفظه الله- : إن كان هؤلاء طلاب العلم قد تكلموا في مشايخكم بباطل وطعنوا فيهم ؛ فبينوه وانصحوهم ، وإن كانوا تكلموا بحق _ وهو الحق_ فكيف تقولون أنهم يطعنون فيهم ؟!!! .و إلى الله المشتكى .
قولك : ((ولولا أنَّنا خفنا أن يلبِّسوا على إخواننا - ممَّن اطلعوا على كلامهم- لَما طلبنا منكم – حفظكم الله- الردَّ، فكما قيل:
لو كلّ كلب عوى ألقمته حجرا *** لأصبح الصّخر مثقالا بدينارِ)) .
أقول : بل التلبيس والمراوغة صنيع فركوس-أصلحه الله - و ليس صنيع المنتقدين له و هذا باعترافك أنت في نص سؤالك حيث قلت : ((زعم الكاتب أنكم تُثنون على أصحاب الأفكار الهدَّامة، من رؤوس أهل البدع والضلال في هذا العصر، وتعتبرون دعوتهم حركاتٍ إصلاحيةً دينيةً!! كجمال الدين الأفغاني الشيعي الماسوني، ومحمد عبده الماسوني المعتزلي، ومحمَّد رشيد رضا العقلاني الضالِّ، وأنكم قرنتم دعوة الأخير بدعوتي الإمام النجدي، والإمام الشوكاني رحمهما الله.)) .
فأنت إذاً اعترفت بنفسك أن هؤلاء أصحاب أفكار هدامة ، و يعتبرون من رؤوس أهل البدع و و و...إلخ كلامك ؛ أما شيخكم فعلى العكس من ذلك فقد وصف أفكارهم بأنها دعوات إصلاحية دينية سياسية!!! وقارن دعوة محمد رشيد رضا بدعوة الإمام النجدي و هكذا الإمام الشوكاني –رحمهما الله-!!! .
فمن الملبس إذاً أيها الرجل ؟!!! . أظنك و غيرك يعرف الإجابة .
أما قولك : (( ... لَمَا طلبنا منكم-حفطكم الله- الرد )) .
أقول : و هذا هو سبب تدهور الدعوة السلفية في الجزائر –حرسها الله- ؛ السكوت على الباطل و عدم الرد على المبطل و دمغه بالحجج و البراهين ، فأنت تثبت بأن هؤلاء الدعاة ليس لهم عناية ببيان الباطل أكثر من عنايتهم بالكلام في أهل السنة –كما هو حاصل الآن- ، ونحن نقول لهم أين كلامكم في أبي الحسن ؟، أين كلامكم في المغراوي وأذنابه؟ ، أين كلامكم في عدنان عرعور وأذنابه؟ ، أين كلامكم في فالح الحربي وأذنابه؟ ، أين كلامكم في الحويني ومحمد حسان و الحلبي وغيرهم من الضلال وأصحاب الجمعيات ؟، لا نكاد نسمع لكم ركزاً ولا همساً ، ولكنها سياسة: ((من تكلم فينا تكلمنا فيه ، ومن سكت عنَّا سكتنا عليه)) ، ((ولا نترك الرجل حتى يتركنا)) .راجع لزاماً أنت و مشايخك [المبحث الخامس : ((لا نترك الرجل حتى يصر على تركنا)) من "مصباح الظلام"(ص/47-53) لأخينا الفاضل يوسف بن العيد العنابي] وبالله التوفيق .
أما الكلام في دار الحديث بدماج وعلى رأسها المجاهد الناصح الأمين و المربي الحنون يحي بن علي الحجوري –حفظ الله الجميع- و السعي الحثيث في تشويه صورتهم و تنفير الناس عنهم فمنذ زمان و هو ديدنكم في المجالس الخاصة و الاتصالات الخفية ، ثن تقويتم وصرتم تصيحون به صياحا ، فلا تفترون عن ذلك ولا تملون ، و كذا حربكم الباردة على أبي حاتم تدل أيضاً على خبثكم ، فنسأل الله العلي الكريم أن يفضحكم ويهتك أستاركم .
قولك : ((لو كلّ كلب عوى ألقمته حجرا *** لأصبح الصّخر مثقالا بدينارِ))!!!.
أقول : حُقَّ لك أن تضحك على نفسك !!، فأين الردود التي تُلقم بها أسيادك الذين جاهدوا الرافضة وهكذا سائر أهل البدع بالقلم والبنان ، والسيف والسنان ، و الذين تشبههم أنت بالكلاب و تنزل عليهم هذا البيت، فغَيرُ مستبعدٍ أن الردود عندك و عند أمثالك الجاهلين بمقاصد الشريعة تقسي القلب و تضيع الوقت و هذا واضح جلي لمن ارتبط بمثل هؤلاء الدعاة .
أما أنا فأقول لك كما قال الشاعر :
إن كنت لا ترضى بما قد ترى*** فدونك الحبل به فاختنق.
وقال آخر:
دعهم يعضوا على صم الحصى كمدا *** من مات من قولتي عندي له كفن.
و في الأخير-و ليس بالأخير- أدعوا السائل الصائل و غيره ممن لا يزالون يدافعون على هؤلاء الناس بلزوم الإنصاف و التجرد للحق ، قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ َالْإِحْسَانِ ( [النحل:90] .
و قال جلا وعلا : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( [المائدة : 8] .
فإن كنتم حقاً منصفين فالأحرى أن تُبصروا الحق فيما اختُلف فيه بدون تعصب و لا انتصار لشخص ، وكذلك إذا نازعكم غيركم لهدايتكم إلى الحق ، فإنكم تنتصفون منه بسهولة و دون إساءة ، و الله المستعان.
قال الزيلعي رحمه الله في " نصب الراية"(1/355) : (( ما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب)) اهـ .
و قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (1/122) : (( و الإنصاف أن تكتال لمنازعك بالصاع الذي تكتال به لنفسك ، فإن في كل شيء وفاء وتطفيفاً)) أهـ .
تنبيه:
الفتوى مؤرخة بالتاريخ الصليبي ، وهو التاريخ الذي يستخدمه فركوس وإدارته في موقعهم وسائر شؤونهم ، وقد تكلم العلماء كثيرا في مسألة استخدام التاريخ الصليبي وإهمال التاريخ الهجري الإسلامي ، وخلاصة كلام العلماء أن هذا من التشبه بالكفار ، فلا يستخدم التاريخ الصليبي إلا عند عدم معرفة الهجري أو الحاجة إلى ذكر الصليبي مقرونا مع الهجري ، ولا يوجد سبب يدعو فركوس وإدارته إلى استخدام التاريخ الصليبي في تأريخ الفتاوى ونحوها.
سئل الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله: هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يُعتبَرُ من موالاة النصارى ؟
فأجاب: ((لا يُعتبَرُ موالاة، لكن يعتبر تشبُّهًا بهم.
والصَّحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجودًا، ولم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجريِّ، وضعوا التاريخ الهجريَّ، ولم يستعملوا التاريخ الميلادي، مع أنه كان موجودًا في عهدهم، هذا دليل على أنَّ المسلمين يجب أن يستقلُّوا عن عادات الكفَّار وتقاليد الكفَّار، لا سيَّما وأنَّ التَّاريخ الميلاديَّ رمز على دينهم؛ لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السَّنة، وهذه بدعة ابتدعها النصارى؛ فنحن لا نشاركهم ولا نشجِّعهم على هذا الشيء، وإذا أرَّخنا بتاريخهم؛ فمعناه أنَّنا نتشبَّه بهم، وعندنا ولله الحمد التاريخ الهجريُّ، الذي وضعه لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الرَّاشد بحضرة المهاجرين والأنصار، هذا يغنينا.))
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" رقم الفتوى (153)
قال علماء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((الواجب البقاء على التاريخ الهجري ، كما درج عليه المسلمون من عهد الفاروق - رضي الله عنه - إلى اليوم ، وهو شرف للأمة.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.))
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم ( 16229 )
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي
عضو: بكر أبو زيد
عضو: عبد العزيز آل الشيخ
عضو: صالح الفوزان
عضو: عبد الله بن غديان
وفي السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 20722 )
س 2: ما حكم التعامل بالتاريخ الميلادي مع الذين لا يعرفون التاريخ الهجري ؟ كالمسلمين الأعاجم ، أو الكفار من زملاء العمل ؟
ج 2 : لا يجوز للمسلمين التأريخ بالميلادي ؛ لأنه تشبه بالنصارى ، ومن شعائر دينهم ، وعند المسلمين والحمد لله تاريخ يغنيهم عنه ، ويربطهم بنبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو شرف عظيم لهم ، وإذا دعت الحاجة يجمع بينهما .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد العزيز آل الشيخ
عضو: بكر أبو زيد
عضو: صالح الفوزان
عضو: عبد الله بن غديان
قالا علامة ابن عثيمين -رحمه الله-: ((إن المسلمين حين كثروا وانتشروا في الأرض وحدثت لهم معاملات وأحوال غير الحال الأولى احتاجوا إلى أن يجعلوا تاريخاً يمشون عليه، وكان ذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمنهم من قال: نبتدئ تاريخ السنة من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي أُنزل فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي أول ما نزل؛ ولأنه الشهر الذي هاجر فيه صلى الله عليه وسلم ووصل إلى المدينة وكوَّن الدولة والأمة، ولكن استقر الرأي على أن يكون أول السنة شهر المحرم؛ لأنه حين ينتهي الناس من موسم الحج وينصرفوا عنه.
والحج كما نعلم هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فيكون المسلمون قد أنهوا هذا الركن العظيم واستراحوا بعده ولاسيما فيما سبق من الزمن، حيث كانوا يتعبون في الوصول إلى مكة وفي الرجوع منها، فرأوا أن ابتداء السنة يكون في الشهر المحرم، وهذا الرأي رأي موفق وسديد، ولا ينبغي لنا نحن معشر المسلمين أن نتحول عنه إلى تاريخ الأمة الكافرة التي تبني ميقاتها على أشهر وهمية ليس لها أصل وإنما هي اصطلاحية فقط، ثم ينبغي لنا أيضاً ألا نعتبر السنوات الميلادية؛ لأن لدينا السنوات الهجرية التي هي رمز عزتنا وقوتنا وكرامتنا.
وإننا لنأسف أن بعض الناس اليوم وهم قلة ذهبوا يؤرخون بالتاريخ الميلادي، وتنكبوا عن تاريخهم الهجري الإسلامي الذي وضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واتفق عليه المسلمون، ولم نجد أحداً من العلماء يؤرخ فيما سبق بالتاريخ الميلادي أبداً، إنما يؤرخون بالتاريخ الهجري، تولى الخلافة سنة كذا وكذا، يعني: من الهجرة، ولد العالم الفلاني في سنة كذا وتوفي سنة كذا، حصل كذا في سنة كذا وكذا، بالتاريخ الهجري الذي وضعه الخليفة الثاني الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذه الكتب الآن تجد الإنسان إذا انتهى من المُؤلف قال: انتهى من تأليفه في يوم كذا، في شهر كذا من سنة كذا، كله بالهجرية، لكن دخلت الميلادية على المسلمين لما استعمر النصارى بلاد المسلمين في الشام و مصر و العراق وصارت لهم الغلبة والسيطرة؛ لأن العادة والطبيعة والفطرة تقتضي أن المغلوب يقلد الغالب، ولهذا أخذوا بهذا التاريخ، لكن هذه الدولة - السعودية باعتبارها دولة- قد جعلت تاريخها كما في نظام الحكم الصادر تاريخها هو التاريخ الهجري، وهذا لا شك أنه خير، لكن نأسف لبعض الناس الذين تنكبوا هذا وصاروا يؤرخون بالتاريخ الميلادي، مع أن نظام الدولة أن تاريخها هو التاريخ الهجري، بل نظام الأمة الإسلامية منذ وُضع هذا التاريخ في عهد عمر إلى يومنا هذا.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم اتباع سلفنا الصالح عقيدةً ومنهاجاً، وأخلاقاً وآداباً ومعاملة؛ إنه على كل شيء قدير.)) "لقاء الباب المفتوح"
سئل الشيخ العلامة يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله- : هل استخدام التاريخ الميلادي، وكذا التوقيت الزوالي يعتبر من صور موالاة الكافرين؟
الجواب: ((التاريخ الميلادي، وكذا التوقيت الزوالي ننصح بتركهما وننصحهم بالتاريخ الهجري والتوقيت الغروبي قال صلى الله عليه وسلم: «اليوم اثنتا عشرة ساعة» ، والناظر إلى التوقيت يرى أنه يطبق فيه هذا الحديث، أما بالتاريخ الميلادي فهو خلاف الإجماع؛ فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى رضي الله عنه ، فقال: تأتينا كتبك وليس فيها تاريخ، فجمع الناس عمر رضي الله عنه واستشارهم في ذلك فقال بعضهم: يؤرخ من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: يؤرخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الهجرة نصر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وانتشر الإسلام، ورضي عمر رضي الله عنه هذا القول فجعل التاريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. إذن لو كان جائزًا بالتاريخ الميلادي ما يحتاج إلى جمع الناس.
إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريعته ناسخة لسائر الشرائع، فيكون ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو هجرته ناسخة لما مضي، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة 48]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» ، فمن عمومات هذه الأدلة وخصوصاتها يتبين أنه لا يجوز استخدام التاريخ الميلادي إلا إذا احتاج الإنسان إلى بيان ذلك لكونهم ما عرفوا إلا التاريخ الميلادي مع الكراهة لذلك، ومع التاريخ الهجري أيضًا بجانبه، أما أن يسترسل الناس حتى كاد التاريخ الهجري أن ينسى فهذا غلط وتشبه بالكفار في تاريخهم، و«من تشبه بقوم فهو منهم» الحديث من طريق أبي المنيب الجرشي، ما رأينا من وثقه، إلا أن شيخ الإسلام حكم عليه بالجودة كما في "اقتضاء الصراط المستقيم"، وحسنه آخرون، فالحديث محتج به.)) "الافتا على الاسئلة الواردة من دول شتى"
الوقفة الثانية مع صاحب الجواب (محمد علي فركوس –ردَّه الله إلى جادَّة الصَّواب):
قال السائل : (( زعم الكاتب أنكم تُثنون على أصحاب الأفكار الهدَّامة، من رؤوس أهل البدع والضلال في هذا العصر، وتعتبرون دعوتهم حركاتٍ إصلاحيةً دينيةً!! كجمال الدين الأفغاني الشيعي الماسوني، ومحمد عبده الماسوني المعتزلي، ومحمَّد رشيد رضا العقلاني الضالِّ، وأنكم قرنتم دعوة الأخير بدعوتي الإمام النجدي، والإمام الشوكاني رحمهما الله.)) .
فقال فركوس : ((أوَّلا: العبارة المذكورة في «الفتح المأمول» (22 ط4) وكذلك في «الأعلام» (187)، عند ذكر سيرة ابن باديس رحمه الله الذاتية ومراحل تحصيله وتعلُّمه، وهي ما يأتي: «وقد سمحت له هذه الفترة بالاطِّلاع على العلوم الحديثة وعلى ما يجري في البلدان العربية والإسلامية من إصلاحاتٍ دينيةٍ وسياسيةٍ، مثل «حركة جمال الدين الأفغاني» والشيخين «محمَّد عَبدُه» و«محمَّد رشيد رضا» في مصر، و«شَكِيب أَرْسَلان» و«الكواكبي» في الشام وغيرهم» .
ثم أتي بجواب أشد تلبيسا من سابقه فقال : (( فإنَّ هذه العبارة لا تحمل في ثناياها مدحًا ولا ثناءً على الشخصيات التاريخية المذكورة)) اهـ .
أقول : لكنها يا فركوس تحمل في ثنايها مدحا وثناءً على دعوتهما ، و الثناء على دعوتهما تحمل في ثنايها مدحاً وثناءً على أشخاصهم ، ، والثناء على أشخاصهم يحمل في ثناياه تزكية لهم ، و النتيجة : حصول التلبيس و التغرير بالناس ، و يبدوا هذا جليا في قولك عن دعوتهما : (إصلاحات دينية سياسية)!!! .
فكما هو معلوم أن الصلاح يكون في النفس أولاًّ ثم قد يتعدَّى وقد لا يتعدَّى ، وأما الإصلاح فهو ما يحصل من النفع المتعدي .
و بهذا يظهر جلياً لك ولغيرك حقيقة ما أُنكِرَ عليك ، فالواجب عليك العُدول عن هذا الكلام لما تضمنه من الثناء والمدح لرؤوس أهل البدع والانحراف و أن تتوب من هذه الزلة الخطيرة ، و أن تبينها بيانا كافيا شافيا كما ذكرنا و تصلح ما قمت بإفساده عن طريق هذه الكلمة الخبيثة .
و لاحظ كلام العلماء بحق كيف ينتقون الكلمات حين التعبير ، و حتى لا يلتبس الأمر على القارئ .
قال العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- في مقاله الثاني في " الرد على الميليباري" (ص142) ط-مجالس الهدى : ((هكذا يريد هذا الجاهل الأعجمي الأخرق أن يهدم جهود أمثال العالمين المحدثين الألباني و أحمد شاكر –رحمهما الله تعالى- و جهود الباحثين الآخرين و جهود المؤسسات العلمية و الجامعات الأكاديمية لتبقى جهوده التجديدية بل التخريبية على غرار جهود الترابي وجمال الدين الأفغاني و مدرستهما مع التباين الشديد بين الأفغاني و الميليباري في الذكاء والغباء .
فالأفغاني جاء لينسف جهود العلماء السَّابقين من مفسِّرين ومن فقهاء و غيرهم ، والميليباري جاء لينسف جهود علماء الحديث السَّابقين و اللاحقين بغبائه و جهله و كذبه .)) اهـ .كلامه ؛ ففرق كبير جدًا بين كلامك يا فركوس وكلام العلماء الجهابذة فاحذُ حذوهم وسيسعُكَ ما وسعهم . والله المستعان .
قولك-هداك الله- : ((غاية ما في الأمر أنها إخبارٌ لظاهرِ واقعٍ تاريخيٍّ جرت أحداثه في ذلك الزمن بالمواصفات المذكورة التي كان ينادي أصحابها بأنها إصلاحيةٌ دينيةٌ)) اهـ .
أقول : للأسف الشديد يا فركوس فأنت مطالب بقرينة تبين لنا مقصودك هذا ، وإلا فكلامك صريح واضح كالشمس في رائعة النَّهار، فاترك التلبيس و المراوغة لأنه صنيع أهل البدع ؛ إذا مسكته في جهة قال لك : هذا كلام مجمل ومفصله كذا وكذا ، مع أن مفصلاتهم تدينهم بالانحراف و الزيغ عن جادة الصواب .
و من تأمل جيدا في كلامك يجد أنك حكمت على نفسك -بنفسك- بالانحراف وأقحمتها مع هؤلاء الذين كانوا ينادون -بشهادتك- على دعواتهم بما ناديت به أنت أيضاً في المقال المذكور: (إصلاحات دينية سياسية) !! . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
و النتيجة بعد هذا التهويل كله قلت -و بأس القول قولك-: ((بغضِّ النظر عن حقيقة هذه الدعوات هل هي إصلاحيةٌ فعلاً في جوهرها أم لا؟ )) أهـ .
أقول : و هذا هو عين الانحراف و التلبيس، فكيف تترك محل النزاع محَّل نظرٍ ، و الله عز وجل يقول : )إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)( [البقرة159-160]،ومعلوم أنك مطالب بالبيان والتوضيح ، فإنه(( لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة)) ، فأين القواعد والأصول!! التي ملأت الدنيا بها صياحاً أنت و أصحابك الأصوليون!!!.(زعموا ).
ومن هذا نستفيد أنك ما زلت على ما أنت عليه و ما يسعنا إلا نقول : نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
قولك: ((وإنما المقصود منها التغيرات السياسية والتحوُّلات الدينية.))!!! اهـ .
أقول : و هذا الكلام من الإجمالات التي أصبحت ديدنك ، وهذا مناف للبيان الذي أنت مطالب به ، فلابد حينئذ من التحرز الشديد في تحرير العبارات ، بحيث تكون صريحة واضحة ، إذ إطلاق ما حقه التقييد ، و إجمال ما حقه البيان ، من الأبواب التي يدخل منها أهل الأهواء ، فهم من أشد الناس تربصاً وفرحاً بمثل هذه المسالك التي تخدمهم .
كما أنك تخبّط أذهان و آراء كثير من الناس ممن ليس لهم تمييز ، وليس لهم انتباه لما قد يدخل في هذه الإطلاقات و الإجمالات من المسائل مخالفة لمنهج السلف، وإن كان المتكلم يعني بذلك الإجمال أو الإطلاق معنا صحيحاً . راجع "مصباح الظلام" [(ص/370) ط1-م .الفلاح ] لأخينا يوسف الجزائري –وفقه الله- .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية منتقداً بعض العبارات المجملة في ردّه على البكري في " الإستغاثة" (2/522) : ((... لم يجز إطلاق هذه العبارة إذا عنى بها المتكلم معنى صحيحاً ، وهو يعلم أن المستمع يفهم منها معنى فاسداً ؛ لم يكن له أن يطلقها لما فيها من التلبيس ، إذ المقصود من الكلام البيان دون التلبيس ..) اهـ كلامه .
و قال تلميذه البار به ابن القيم رحمه الله : ((فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة ، والمعاني المشتبهة ، ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخبَّطة ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوىً وتعصَّب؟!!)) اهـ . "الصواعق" (3/928) .
فكلام الشيخين يصدق فيك يا فركوس فاتق الله و اترك التلبيس .
أما كلامك عن محمد رشيد رضا فكسوته كعادتك ثوب الإجمال ، فيكون الرد عليك بما قد سبق ؛ و ما كتبه أخونا الفاضل أبو العباس ياسر الجيجلي في بيان تراجع الإمام الألباني عن الثناء على هذا المنحرف العقلاني كاف إن شاء الله ؛ إلا أن هناك نكتة لابد من التفطن لها ، وهي استعمالك منهج الموازنات الخبيث في هذه المسألة ، فالسائل طلب منك يا فركوس أن تدافع عن نفسك و تبين موقفك اتجاه هذا الرجل ولكن للأسف الشديد تأتي وتقول: ((وجهود محمَّد رشيد رضا قد أثنى عليها الألباني -رحمه الله- في شريط (42) الدقيقة: (3:43) في معرض المقارنة بين أحمد شاكر ومحمَّد رشيد رضا)) اهـ
وقبله قلت : ((وكذلك من جهة فضله وجهوده في نشر السنَّة والردِّ على القاديانيين، وذلك بقطع النظر عن مؤاخذاته.))اهـ .
فهل السائل طلب منك يا فركوس ذكر جهود هذا الرجل أم ذكر موقفك منه ؟!! ولكنه منهج الموازنات الخبيث الذي جاء به أهل البدع ليهدموا جهود أهل السنة الناصحين ، وتجهيل السلف ، و المنافحة على أهل البدع ، وإلغاء قواعد الجرح والتعديل .
و قد سئل العلامة النجمي رحمه الله عن هذا فقال : (( ليس من العدل ذكر المحاسن عند الرد ، بل إن من رد على شخص و ذكر محاسنه ، فإنه يعتبر قد أغرى الناس بهذا الشخص وزكاه ، وكأنه يشهد على نفسه بأن ردّه عليه خطأ ، بل إن في ذلك دفعاً للناس إلى الاغترار به و متابعته على الباطل الذي وقع فيه أو سيقع ، وهذا فساد و ليس بإصلاح ، ولم يقل أحد بمثل هذا غير هؤلاء الحزبيين الذين أتوا بأمور ما أنزل الله بها من سلطان ، مما أملاه الشيطان الرجيم ... )) اهـ ."الفتاوى الجلية: (2/168-169) .و في ذلك يقول الإمام رافع بن أشرس رحمه الله : (( من عقوبة الكذاب أن لا يقبل صدقه ، و أنا أقول : من عقوبة الفاسق المبتدع ألا تذكر محاسنه . "شرح العلل" لابن رجب (1/353) .
فهذا المنهج يا فركوس خطير جدا لأن فيه السعي إلى إقصاء قواعد الجرح والتعديل ، وحماية أهل البدع ، فاتق الله و ارجع عن هذا التلبيس والمغالطة .
قولك: ((نعم، قد تَرِدُ مؤاخذتي من جهة عدم التنبيه على هذا الأمر أو التعليق عليه أو عدم التعريف بالشخصيات المذكورة بوضع ترجمةٍ موجزةٍ لبيان حالهم، وهذا -بلا شكٍّ- سهوٌ منِّي أو خطأٌ أو تقصيرٌ، والنقص طبيعة البشر، فالكمال لله وحده، والعصمة لمن عصمه الله...)اهـ .
أقول : إذا كان كما قلت فلماذا هذا التراخي و التثاقل عن الرجوع إلى الحق ؟!!! والكتاب –أعني "فتح المأمول"- في طبعته الرابعة!!!! ، نسأل الله العافية .
قولك : ((وسأحاول أن أستدرك هذه الهفوة -إن شاء الله- في الطبعات اللاحقة مع تعديلٍ في النصِّ))اهـ .
أقول : إذاً هو خطأ ، فلم التلبيس و المراوغة ؟!!!.
و كان الأجدر بك أن تشكر من نبهك على هذا و هو الأخ أبو حاتم يوسف العنابي ، لأن النبي –صلَّى الله عليه وسلم- قال : (( لا يشكر الله من لا يشكر الناس))[رواه أبوداود (13/165) ، والترمذي(6/87) و قال : هذا حديث صحيح ، وصححه الإمام الوادعي على "شرط مسلم " في "الصحيح المسند"(رقم1330) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- ].
أما قولك: ((أمَّا التجنِّي على الحقِّ بسبب هفوةٍ في حرفٍ أو تعبيرٍ أو زلَّةٍ في معنًى أو وهمٍ أو خطإٍ، فهذا بلا شكٍّ أنه من البغي والظلم المحرَّم)) اهـ .
أقول : إن القيام ببيان أخطاء المخطئين والنصيحة لهم لا يسمى تجنياً يا فركوس بل يسمى نصحاً و إرشاداً إلى ما فيه سعادتهم ، و لقد كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة على عهد السلف فيسقطه أئمة السلف والحديث كما ذكر ذلك الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في رده على أبي الحسن ((قاعدة نصحح ولا نهدم)).
فهذا المسلك منك يا فركوس في تقليب الحقائق لا يليق أبداً ، فهو يعتبر تجنياً على الأصول السلفية و قد عده الشيخ العلامة ربيع المدخلي –حفظه الله- إرهاباً فكرياً ضد أهل السنة ، حيث قال في رسالته ((جناية أبي الحسن على الأصول السلفية))(ص/43-44) : ((أبو الحسن يسير على طريقة القطبيين و عدنان عرعور و غيرهم من الطعن في من ينتقدون بحق ، بأنهم يتدخلون في النيات و الضمائر ، و أنهم أهل تشهير و حقد و بغض و هو يكثر من هذا ، وهذا الإرهاب الفكري الذي يستخدمونه ضدَّ أهل الحق و من يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر) اهـ .
فعليك يا فركوس أن تتوب من هذا الرمي و الطعن في من أقام عليك الحجة و بين زلاتك وهفواتك !!!.
وصدق العلامة ابن الوزير رحمه الله إذ قال : (( و لو أن العلماء رضي الله عنهم تركوا الذب عن الحق خوفاً من الخلق ، لكانوا قد أضاعوا كثيراً و خافوا حقيراً)) اهـ . "العواصم و القواصم "(1/223) . والله الموفق .
أما قولك : ((ثانياً : أمَّا القول بأنَّنا نخلط في أخبار الآحاد ونصرْنا شبهاتِ المعتزلة فهذا الخلط إنما هو في ذهن المنتقد المنتقد؛ لأنَّ جمهور الأصوليين يفرِّقون بين حجِّيَّة الخبر في ذاته من غير قرائنَ وبين العمل به. وخبر الواحد حجَّةٌ ظنِّيَّةٌ عندهم إلاَّ إذا انضمَّت إليها قرائنُ أفادت بالقرائن علمًا، أمَّا العمل بخبر الواحد فحكمُه الوجوب، سواءً في الأحكام أو الاعتقاد أو غيرهما قولاً واحدًا عند أهل السنَّة خلافًا للمعتزلة الذين يمنعون العمل بخبر الواحد في الاعتقاد ولا يوجبون إلاَّ ما يفيد القطع.)) !!! .
أقول : قولك : ((أمَّا القول بأنَّنا نخلط في أخبار الآحاد ونصرْنا شبهاتِ المعتزلة فهذا الخلط إنما هو في ذهن المنتقد المنتقد ..)) اهـ .
و هذا هو صنيع فركوس وقد اعتدنا منه هذا مع الأسف الشديد ، فإنه إذا لم يستطع المقارعة بالحجة والبرهان لجأ إلى التسفيه ، و الغمز ، واتهام الأذهان بضعف الفهم ،و على سبيل المثال لا الحصر ما فعله مع الشيخ الفاضل سعيد بن دعاس وفقه الله عند رده عليه في مسألة تجويزه للدراسة الإختلاطية ؛ فلما كان المطلوب من فركوس المناقشة العلمية وبلطفِ أدبٍ و بدون إساءة ، ذهب فركوس يهشُّ بما لا يهشُّ وبما لا ينشُّ ، ولجأ إلى الغمز في ذات المنتقد و اتهامه بالبعد عن الإنصاف ومجانبة السداد فقال في "تقويم الصراط"(ص/11) متهجما الشيخ سعيد -حفظه الله- و مصدرا بها رسالته: ((ليس في فتوى حكم الاختلاط أدنى تقرير على إباحة الاختلاط مطلقاً, كما ورد في عنوان بعض المعترضين على الفتوى,وإنما هو تعسفٌ في التقوُّل, وضعفٌ في الفهم, وتقاعسٌ عن الاستفسار عن مواضع الشبهة, تحلياً بمنهج السلف, في تحقيق عموم النصيحة الواجبة قبل ركوب نزوات النفس, ومحبة التصدر بالرد, ولا شكَّ أن هذا الأمر يعكس بوضوح, عن نوعية أخلاقيةٍ متدنية, دون المستوى المطلوب, تضربُ الأمةَ بضرب رجالها الدعاة إلى الله بسهم الاستئصال والتفرقة, من حيث تشعر أو لا تشعر, لتحصيل شماتة الأعداء, تحت غطاء "درء البلاء" ...)) اهـ .
قلت : فمن الأمور التي اتهم بها فركوس –هداه الله- الشيخ سعيد بن دعاس (ضعف الفهم) ، و ما أشبه اليوم بالبارحة ؛ فقد أعاد فركوس نفس الأمر مع الأخ أبي حاتم -وفقه الله-بقوله : ((فهذا الخلط في ذهن المنتقد ..)) اهـ ، فالأولى منك يا فركوس أن تتهم نفسك و فهمك ، أم أنك تريد لطالب العلم أن يحتقر نفسه معك و هذا بعيد وما ينبغي لطالب العلم أن يحقر نفسه .
وهذا أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : فيم ترون هذه الآية نزلت : ) أيودُّ أحدكم أن تكون له جنَّة(؟ قالوا: الله أعلم فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم([1]) ، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين قال عمر : يا أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل ؟ قال ابن عباس: لرجل غني يعلم بطاعة الله عز و جل ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله)) [رواه البخاري:رقم4538] .
قال الحافظ في "الفتح"(11/139) : (( و في الحديث قوة فهم ابن عباس رضي الله عنهما ، وقرب منزلته من عمر رضي الله عنه ، و تقديمه له مع صغره ، وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية لما فيه من تنشيطه و بسط نفسه و ترغيبه في العلم .))اهـ .
و قال الوزير ابن هبيرة كما في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (3/151) : (( هذا الحديث يدل على أن فهم الرجل يُلحقه بذوي الأسنان وإن كان حدثاً ، وقد يبرز عليهم ))اهـ .
و قال محمد بن أبي حاتم الورَّاق : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: (( كنت أختلف إلى الفقهاء بمرو و أنا صبي ، فإذا جئت أستحي أن أسلم عليهم ، فقال لي مؤدِّب من أهلها : كم كتبت اليوم ؟ فقلت :اثنين ، وأردت حديثين ، فضحك من حضر المجلس : فقال شيخ منهم : لا تضحكوا ، فلعله يضحك منكم يوماً ، فكان كما قال الشيخ )). "تحفة الأخباري بترجمة البخاري"(183) .
فاتق الله يا فركوس وعليك بثوب التواضع فإنه ما لبسه شخص إلا رفعه الله به .
قولك : (( لأنَّ جمهور الأصوليين يفرِّقون بين حجِّيَّة الخبر في ذاته من غير قرائنَ وبين العمل به
وخبر الواحد حجَّةٌ ظنِّيَّةٌ عندهم إلاَّ إذا انضمَّت إليها قرائنُ أفادت بالقرائن علمًا، أمَّا العمل بخبر الواحد فحكمُه الوجوب، سواءً في الأحكام أو الاعتقاد أو غيرهما قولاً واحدًا عند أهل السنَّة خلافًا للمعتزلة الذين يمنعون العمل بخبر الواحد في الاعتقاد ولا يوجبون إلاَّ ما يفيد القطع.))اهـ .
أقول : سيكون الرد عليك في هذه المسألة في أمرين :
1/ طريقة إيرادك لهذه المسألة الخلافية و حكايتها .
2/ الإصرار على ما سوده قلمك قديما وحديثاً .
و هذا أوان البدء :
1/ أما طريقة إيرادك لهذه المسألة الخلافية و حكايتها بدون تنقيح و لا تحقيق ، فطريقة منتقدة تجعل طالب الحق في حيرة من أمره و ربما ظن اشتباه الشرع ، وصعوبة درك الحق و طلبه .
و الله عز وجل قال : ) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)([آل عمران : 71.] .
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله : (( )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)( فوبخهم على لبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق، لأنهم بهذين الأمرين يضلون من انتسب إليهم، فإن العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا به، ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب، والحلال والحرام ، والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة، ليهتدي المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين قال تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم .))اهـ . "تفسير الكريم الرحمن" (ص/135) .
فالاكتفاء بمجرد حكاية الخلاف دون تنقيحه وبيان القول الراجح فيه ، وسبب ضعف الأقوال الأخرى ، لا يحصل به بيان ولا ينتفع به جاهل ، بل تحصل به التعمية وتوعير الطريق . قال شيخ الإسلام في "المنهاج"(5/282) : (( كثير من الناس يحكي الخلاف و لا يعرف الحق )) اهـ.
و قال فيمن كان هذا شأنه : (( بمنزلة حمارٍ حمل سفراً ينقل نقلاً مجرَّداً)) اهـ .
و قال الشاطبي رحمه الله في "الموافقات"(4/162) : ((و كلام الناس هنا كثير ، وحاصله معرفة مواقع الخلاف ، لا حفظ مجرد الخلاف)) اهـ .
فكان ينبغي منك أولاً أن تستوعب الأقوال في هذا المقام و أن تنبه على الصحيح منها و تنصره و تبطل الباطل وتدمغه و تذكر فائدة ذكر الخلاف وثمرته ؛ لئلا يطول النِّزاع و الخلاف فيما لا فائدة تحته فتشتغل به عن الأهم ، إذ حكايتك للمسألة دون أن تستوعب أقوال الناس فيها نقص ؛ أو أن تحكي الخلاف و تطلقه و لا تبين الصحيح من الأقوال فهو نقص أيضاً ، لأنك إن صححت غير الصحيح عمداً فقد تعمدت الكذب و نصرت الباطل و أهله ، وإن كان عن جهلٍ فقد أخطأت . و الله الموفق .
2/ أما إصرارك على ما انتقده عليك أخونا الباحث المفيد يوسف بن العيد وفقه الله في رسالته " إرشاد النقاد إلى تخبط فركوس في خبر الآحاد" فإنه يضرك ولا يسرك .
و بيان إصرارك واضح جلي ، إذ أن الأخ يوسف حفظه الله انتقد عليك أموراً :
أولاً : نصرتك قول أن خبر الآحاد يفيد الظن . [ راجع الرد عليه "إرشاد النقاد" (ص / 144 ، 145 ،146) .
ثانياً : تقرير شبهات المعتزلة و انتصارك لها ، وقد لخصها الأخ يوسف في ست شبهات و فنَّد كل واحدة منها على حده بما يشفي الغليل –إن شاء الله- . [راجع لزاماً (ص/147-163) .] .
ثالثاً : نقلك أقوال أهل السنة و بعض حججهم و ردها بشبه المعتزلة .[راجع لزاماً " الشبهة الرابعة والخامسة" (ص/154-162) .
رابعاً : إخراجك قول أهل السنة عن محل النزاع .[راجع لزاماً (ص/163)] .
خامساً: تسميتك لأهل الإعتزال و غيرهم من المتكلمين بـ " الجمهور"!!! .[راجع لزاماً (ص/146 -في الحاشية- كلام الشيخ ربيع حفظه الله تعالى)] .
سادساً : تصريحك بأن الخلاف في هذه المسألة لفظي!!!.[راجع لزاماً(168-169)] .
فهل تراجع فركوس؟
الجواب : لم يتراجع فركوس- أصلحه الله- ، بل جاء بتلبيس جديد وتدليس شديد ، حيث أنه حكى عن (الجمهور!!! ) من الأصوليين القول في خبر الآحاد بأنه يفيد الظن ولم يبطله ، فمن هنا نطالبه بإثبات أحد الأمرين – وأحلاهما مرٌّ- و هما:
1/ إما أنك تعتبر نفسك من جمهور الأصوليين !!!، و بهذا يثبت إصرارك على الخطأ – وهو ثابت و إن لم تنتسب للجمهور!!!- .
2/ و إما أنك حاطب ليل .
و قولك عن جمهور الأصوليين أنه يفيد عندهم علما !!! إذا احتفت به قرائن .
فالسؤال المطروح وقد طرحه عليك سابقا أخونا يوسف وفقه الله في " إرشاد النقاد"(ص/165) ، و ها أنا أطرحه عليك مرة أخرى:
يا فركوس عندي سؤال : (( ما هو خبر الآحاد الذي لم تحفه القرائن عندك ؟
فإن قلت : بأن من ذلك ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة !! وقعت في مذهب أهل الإعتزال .
و إن قلت : إن هذا من أخبار الآحاد التي حفت به القرائن بدليل قولي فيما سبق عند ذكر القرائن : ((أو يروي خبر الواحد راو متصف بالعدالة والثقة والإتقان)) [الإنارة] .
قلنا : بل إن خبر الواحد الثقة عندك يفيد الظن .!!! .
ألست أنت تقول عند كلامك الذي قررت فيه و دللت بأن خبر الواحد يفيد الظن : (و من الأدلة العقلية ما ذكره المصنف : من أنَّ الخبر و إن كان ثقة يجوز عليه الغلط و السهو كالشاهد )) اهـ" الإنارة" .
و هذا في الحقيقة يا فركوس يعتبر تلاعبا منك وليس تراجعا ، و فعلك هذا نظير فعل أبي الحسن المأربي في خبر الآحاد .
قال الشيخ ربيع –وفقه الله- : (( ثم اضطر أبو الحسن و أصحابه إلى تغيير لباسهم متظاهرين بأن أخبار الآحاد المحتفة بالقرائن تفيد علماً ، وإن أبا الحسن قرر هذا في كتابه " إتحاف النبيل" ، وذلك الكتاب الذي لا يزال أبو الحسن يعتز به.
و أنا أسأل أبا الحسن وأصحابه : لماذا جَلَب أبو الحسن بتلك الشبه الغليظة التي نصر بها أهل البدع؟! ولماذا خذل أهل السنة بإخفاء حججهم وبراهينهم؟!)) ."إرشاد النقاد"(ص/167) .
حتى ولو أفدت أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول والمحتفة بالقرائن تفيد علماً فهي دعوى مجردة عن التطبيق .
و مما يدل على تلبيسك وعدم تراجعك عن هذه المسألة ما قررته في "الفتح المأمول" (ص182/ط-الإمام أحمد) ثم أعدت تقريره في "الطبعة الرابعة -الأخيرة- حيث قلت –في الحاشية- (ص/197): (( ... ويضيف الأحناف قسماً ثالثاً بينهما وهو : ((المشهور)) ،و الصحيح أنه داخل ضمن الآحاد الذي لا يفيد إلا الظن ، والعلماء أيضاً يختلفون في المستفيض ومرتبته ، والظاهر منها أن المستفيض و المشهور بمعنى واحد و لا يخرجان عن الآحاد))اهـ .
و هكذا لما سئلت عن حجية خبر الواحد في الأحكام و العقائد و أن المصنِّف قَصَر صلاحية الإستدلال بخبر الواحد في الأحكام ، فأضفت إليه العقائد ، هل تثبت بظني الثبوت؟
أجبت بكلام فيه تلبيس و تعمية على السائل حيث قلت في [ "الفتح المأمول " (ص/214) ط-4] تحت عنوان ((أجوبة على إشكالات و اعتراضات)) : (( اعلم أن السلف الصالح أجمعوا على أن خبر الواحد حجَّة في الأحكام والعقائد .))!!! .
فتركت الكلام على عوائله بدون بيان و توضيح هل هذه الحجة تفيد علماً أم ظناً.
و لو تتبعت كل ما أورده فركوس في مسألة خبر الآحاد لأفردته في رسالة مستقلة و لعل ما كتبه أخونا أبو حاتم يوسف بن العيد كاف لمن أراد حقاً سلوك سبيل الهداية والحق .
فاترك التلبيس على الناس يا فركوس . وارجع إلى الحق المبين فإنه ليس عيب عليك في عقلك ودينك ، بل الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
قولك : ((أمَّا بالنسبة لأثر ابن عبَّاسٍ في الكحل والخاتم والسوار والخضاب فهو واردٌ في التفسير، ويغني عنه أثر ابن عبَّاسٍ الصحيح في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفَّين. انظر «الردَّ المفحم» للألباني (131).)) اهـ .
أقول: كان المطلوب منك يا فركوس في هذه المسألة أن تبدي تراجعك عن تصحيح أثر ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ بالكحل والسوار والخضاب ، وتبين ضعفه.
و لكن للأسف الشديد لم يقع هذا منك ، بل الأدهى والأمر أنك استخدمت كعادتك التلبيس والمغالطة بقولك : (( ويغني عنه أثر ابن عباس الصحيح في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفَّين )) ثم أحلت إلى " الرد المفحم"(ص/131) للإمام الألباني مقلداً إياه في ذلك ، مع علمك بأن الشيخ الألباني رحمه الله مجتهد في المسألة وينبذ التقليد و من قرأ رسالته " الرد المفحم" عرف ذلك ، و أن الصواب عند المحاققة خلاف ما ذهب إليه رحمه الله ، وأن ما جاز إظهاره المقصود به الثياب و الرداء ، وهو قول ابن مسعود -وصح عنه-، والحسن، وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النَّخَعي، وغيرهم. وهو الذي رجحه الإمام الشنقيطي رحمه الله في «أضواء البيان»(6/192-202) عند الآية قال : (وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها، وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة).
و ما أحسن المثال الذي ضربه الإمام الشافعي للمقلِّد حين قال : (( مثل الذي يطلب العلم بلا حجة ؛ كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب و فيه أفعى تلدغه و هو لا يدري)) [رواه البيهقي في " المدخل"(رقم198) . بسند صحيح .
و نحوه ما رواه ابن سعد في "الطبقات"(ص/439-القسم المتمم-) بسند صحيح : ((قال أخبرنا مطرف بن عبد الله قال قال رجل لمالك قد سمعت مائة ألف حديث فقال مالك مائة ألف حديث أنت حاطب ليل تجمع القشعة فقال ما القشعة قال الحطب يجمعه الإنسان بالليل فربما أخذ معه الأفعى فتنهشه))اهـ . والله الموفق .
أما قولك : ((رابعًا: أمَّا القول بأننا نطعن في مشايخ الدعوة السلفية ونزهِّد في الجرح والتعديل فهذا محض افتراءٍ تكذِّبه المقالات والفتاوى المبثوثة في موقعي الرسمي، كما أنَّ عموم مشايخ الدعوة تجمعني وإيَّاهم علاقاتُ تواصلٍ ومحبَّةٍ، ولله الحمد أوَّلاً وأخيرًا.))اهـ .
أقول : فما ذكره أخونا ياسر وفقه الله كاف –إن شاء الله- ، لأنكم سائرون كما ذكرت سابقاً (من تكلم فينا – بحق- تكلمنا فيه ، و من سكت عنا-مداهناً- سكتنا عنه ) . وإلى الله المشتكى .
قولك : ((المستمسك بالدليل سواءً من جهة النصِّ أو الاعتبار لا يُنسب إليه الشذوذ كما أوضحتُه في فتوى رقم (459) «في الشذوذ في الفقه»، وكل الفتاوى المذكورة في كلام المنتقد لا تخلو من هذا المعنى، والعلماء يختلفون فيها، ولا يلزم لأهل النظر التقليدُ فيما يرونه بالنظر والاعتبار.)) اهـ .
أقول : أي دليل تمسكت به في مسألة الإختلاط ، وهكذا ساب الله تعالى وأنه معذور إذا كان في مجتمع يجعلون هذه الألفاظ ، غاية ما فيها أنها سب !! ، و تجويز الانتخابات الطاغوتية التي تعتبر –في الحقيقة- خروجا على الحاكم لأنه عند انتهاء مدة تعيينه يعلن النظام المنابذة له عن طريق الانتخابات ، والصحابة قد بايعوا النبي كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه : (( وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان)) - ، وهكذا إقحام المرأة في ميدان الشورى !!!، و إدلائها بصوتها في الانتخابات الرئاسية!!! ، وأن تتعلم صنع الحلويات وتتعلم الطبخ عند رجل أجنبي إذا أمنت الفتنة والخولة والاختلاط!!!... و غيرها كثير . وراجع لزاماً "صيانة الأعرض والنفوس" لأخينا يوسف كان الله له .
قولك : ((كما أوضحتُه في فتوى رقم (459) «في الشذوذ في الفقه» !!!)) .
أقول : بل ما أوضحته هنا -في الحقيقة- حجة عليك لا محالة ، لأن الشذوذ مخالفة الحق ، و الكثرة والقلة ليست معياراً و ميزاناً للحق يعيَّر به و يوزن به .
و لكنها دعوى مجردة عن التطبيق !!!
أما قولك : ((وكل الفتاوى المذكورة في كلام المنتقد لا تخلو من هذا المعنى، والعلماء يختلفون فيها))اهـ
أقول : بل كل الفتاوى المنتقدة عليك إما شذوذ عن الدليل ، أو تتبع زلات وأخطاء العلماء ، أو عدم وضوح الفتوى باستخدام التلبيس و الأجوبة المجملة ، أو الإعتماد على إصدار الأحكام بناء على أحاديث و آثار ضعيفة لا تقوم بها الحجة ، أو مجاراة للمجتمع ... وغيرها من المخالفات التي تجدها مبثوثة في كتاب "بيان الدليل" لأخينا يوسف حفظه الله. والله المستعان.
أما قولك : ((هذا، وأنا مستعدٌّ في بيان المسائل المبثوثة في السؤال العالقة في الأذهان وحوار مقفلاتها مع من يريد الحقَّ ويسعى إليه، كما أنني على أتمِّ استعدادٍ في الرجوع عن أيِّ فتوى جانبتُ فيها الصواب.)) اهـ .
أقول : ألم يكفك يا فركوس تلك المناقشات العلمية التي خرجت من دار الحديث والسنة بدماج ، أم أنك ترى أنها غير كافية لإدانتك بانحراف منهجك ، فإن كنت مستعداً حقاً للرجوع عن كل المسائل وليس الواردة في السؤال فقط فاقبل بما عرضه عليك أخونا ياسر ، ولكني أستبعد هذا لأن الرسائل التي ألفت في الرد عليك لم تحرك شيئا فيك ، ولذا فالحجة قائمة عليك بحمد الله ، فاترك هذه المغالطات و صحح منهجك و اجعل صدرك رحباً لأهل السنة ، وإياك أن تجند من يقوم بأذية أهل السنة الذابين عن حياض الدين –وقد بلغنا هذا عنكم- فتلحقك تبعات هذا الفعل المشين ، وتذكر أنت و غيرك قول العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله : (( وكلما قام عالم فقال : هذه سنة ، أو هذه بدعة عارضه عشرات ، أو مئات من الرؤساء في الدين الذين يزعم العامة أنهم علماء ، فردوا يده في فيه ، وبالغوا في تضليله والطعن فيه ، و أفتوا بقتله ، أو حبسه ، أو هجرانه ، وشمروا للإضرار به و بأهله و إخوانه ، وساعدهم ثلاثة من العلماء : عالم غال ، وعالم مفتون بالدنيا ، وعالم قاصر في معرفة السنة ، وإن كان متبحراً في غيرها .))اهـ ."صدع الدجنة في فصل البدعة عن السنة " (ص/63) .
والله أعلم وأحكم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيراً
وكتبه :
أبو عبد الله حسين بن مسعود الأحمدي الجيجلي
قبيل صلاة المغرب 1جمادى الأولى 1433 .
لما في بيان تراجع فركوس
من التلبيس و الزَّلَلِ والُمغالطات
((قال الشيخ عبداللطيف بن حسن آل الشيخ في "عيون الرسائل" (1/441):
((والتساهلُ في ردِّ الحقِّ, وقمع الداعي إليهِ, يترتبُ عليه قلعُ أصولِ الدين.)) اهـ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه و من ولاه؛ وبعد :
فقد وقفت على كلام جديد (لأبي عبد المعز محمد علي فركوس -هداه الله تعالى-) على ما يزعم فيه ، أنه بين بعض الإنتقادات التي انتقدت عليه من طرف أخينا الفاضل الباحث المفيد أبي حاتم يوسف العنابي الجزائري -وفقه الله تعالى- في رسالته الطيبة (بيان الدليل) بتقديم العلامة يحي بن علي الحجوري-حفظه الله- ، و غيرِه من طلبة العلم وفقهم الله ، وجاء هذا إثر سؤال وجه إليه ليقوم بالإجابة عنه وهو المؤرخ بالتاريخ الصليبي!!! يوم(السبت 4/02/2012)!!! ، رقم الرسالة(15637) .
فما كان من أتباعه إلا أن طاروا به كل مطارٍ أن شيخهم!! تراجع -و ربما اغتر به بعض الغافلين!!- ومن قبل كانوا يدافعون عن أخطائه – وما زالوا- : أنه مجتهد ..!! وله قوله و رأيه ... وهو عالم يصيب ويخطأ ...!! و و و ... إلخ ، وإذا بالكلام و ما توهموه من الرجوع خلاف الواقع ، بل مليء بالتوهيم و التلبيس و التنقص من الذين ردوا عليه و تشويه صورتهم و سيأتي بيان ذلك -إن شاء الله تعالى- و الله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولي مع هذا المقال إن شاء الله وقفتان:
الوقفة الأولى مع السائل وهي كما يقال (رَكْلَةٌ على الطريق) :
قوله هداه الله: ((شيخَنا الكريم، لا يخفى عليكم ما يحاول بعض الأغمار من الطعن في شخصكم وبعض المشايخ السلفيين في الجزائر، ولولا أنَّنا خفنا أن يلبِّسوا على إخواننا - ممَّن اطلعوا على كلامهم- لَما طلبنا منكم – حفظكم الله- الردَّ، فكما قيل:
لو كلّ كلب عوى ألقمته حجرا *** لأصبح الصّخر مثقالا بدينارِ .)) .
أقول : الحمد لله ، فأما قولك –أصلحك الله- : ((لايخفى عليكم ما يحاول بعض الأغمار من الطعن في شخصكم وبعض المشايخ السلفيين في الجزائر)) اهـ .
و هذا هو ديدن أهل الأهواء والتعصب احتقار المنتقد و التقليل من شأنه واهدار جهوده و عدم المبالاة بنصيحته ، و هذا ما علموكم إياَّه في الجامعات الاختلاطية التخريبية الهدَّامة ، فما تكاد تجد جامعيا اختلاطيا-إلا من رحم ربي- إلا و هو يرى نفسه فوق إخوانه و لا أحد ينصحه بل هو الذي ينصح و يوجه و يتكلم و و و... وهذا الصنف من الناس موجود بكثرة -لاكثرهم الله- في الجزائر و لأسف الشديد ؛ فأنصح السائل أن يترك هذا الأسلوب المشين وأذكره و من هو على شاكلته بقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : ((الكِبر بَطرُ الحق وغَمطُ الناس )) [رواه مسلم (رقم 147)من حديث ابن مسعود رضي الله عنه].فقوله عليه الصلاة والسلام :(الكبر بطر الحق) معناه دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبُراً ، و(غَمطُ الناس) و في رواية (غَمصُ الناس) والمعنى واحد وهو احتقارهم . انظر "شرح مسلم" للنووي(2/90) .
فلتحذر أيها السائل من أن تقع في هذه الخصلة المذمومة فيكون ذلك سببا لردك الحق و الاستخفاف بأهله وتحقيرهم –عياذاً بالله- .
أما قولك : (( الطعن في شخصكم و بعض المشايخ السلفيين في الجزائر)) .
فأقول : أظنك لا تحسن التفريق بين بيان الخطأ و النصيحة للدين وبين الطعن في الشخص والتنقص من قدره مع أن الفرق واضح جلي لا يحتاج إلى استطراد ، ولكن كما يقال( هذه شِنشِنة نعرفها من أخزَم ) ، وهذا نظير ما يُهوِّل به الحزبيون على طلاب العلم الذي تبصروا بطرقهم الملتوية ، فمن ذلك الحزبي أبو الحسن المأربي-عليه من الله ما يستحق_ فكم هوَّل على طلاب العلم و تنقصهم ، فقد قال في " شريط (حقيقة الدعوة) (رقم2)" : (( وأنا أخاف و الله على الشباب الصغار الذين يتكلمون فيه [يقصد المغراوي المبتدع] أن يبتلوا أو أن يصابوا ببلاء في طلب العلم و ربما تركوا الدعوة بكاملها))!!! .
فرد عليه العلامة ربيع المدخلي-كان الله له- فقال : ((إن كان هؤلاء الشباب قد تكلموا فيه بباطل ؛ فبينه لهم وانصحهم ، وإن كانوا تكلموا فيه بحق فكيف تخاف عليهم و تخوّفهم؟ بل الخوف الشديد على الشباب الذين حاربوهم بالباطل و منهم أنصار المغراوي و أنصارهم هم أحوج الناس إلى التخويف و النصح )) اهـ .
فنحن نقول كما قال العلامة ربيع المدخلي –حفظه الله- : إن كان هؤلاء طلاب العلم قد تكلموا في مشايخكم بباطل وطعنوا فيهم ؛ فبينوه وانصحوهم ، وإن كانوا تكلموا بحق _ وهو الحق_ فكيف تقولون أنهم يطعنون فيهم ؟!!! .و إلى الله المشتكى .
قولك : ((ولولا أنَّنا خفنا أن يلبِّسوا على إخواننا - ممَّن اطلعوا على كلامهم- لَما طلبنا منكم – حفظكم الله- الردَّ، فكما قيل:
لو كلّ كلب عوى ألقمته حجرا *** لأصبح الصّخر مثقالا بدينارِ)) .
أقول : بل التلبيس والمراوغة صنيع فركوس-أصلحه الله - و ليس صنيع المنتقدين له و هذا باعترافك أنت في نص سؤالك حيث قلت : ((زعم الكاتب أنكم تُثنون على أصحاب الأفكار الهدَّامة، من رؤوس أهل البدع والضلال في هذا العصر، وتعتبرون دعوتهم حركاتٍ إصلاحيةً دينيةً!! كجمال الدين الأفغاني الشيعي الماسوني، ومحمد عبده الماسوني المعتزلي، ومحمَّد رشيد رضا العقلاني الضالِّ، وأنكم قرنتم دعوة الأخير بدعوتي الإمام النجدي، والإمام الشوكاني رحمهما الله.)) .
فأنت إذاً اعترفت بنفسك أن هؤلاء أصحاب أفكار هدامة ، و يعتبرون من رؤوس أهل البدع و و و...إلخ كلامك ؛ أما شيخكم فعلى العكس من ذلك فقد وصف أفكارهم بأنها دعوات إصلاحية دينية سياسية!!! وقارن دعوة محمد رشيد رضا بدعوة الإمام النجدي و هكذا الإمام الشوكاني –رحمهما الله-!!! .
فمن الملبس إذاً أيها الرجل ؟!!! . أظنك و غيرك يعرف الإجابة .
أما قولك : (( ... لَمَا طلبنا منكم-حفطكم الله- الرد )) .
أقول : و هذا هو سبب تدهور الدعوة السلفية في الجزائر –حرسها الله- ؛ السكوت على الباطل و عدم الرد على المبطل و دمغه بالحجج و البراهين ، فأنت تثبت بأن هؤلاء الدعاة ليس لهم عناية ببيان الباطل أكثر من عنايتهم بالكلام في أهل السنة –كما هو حاصل الآن- ، ونحن نقول لهم أين كلامكم في أبي الحسن ؟، أين كلامكم في المغراوي وأذنابه؟ ، أين كلامكم في عدنان عرعور وأذنابه؟ ، أين كلامكم في فالح الحربي وأذنابه؟ ، أين كلامكم في الحويني ومحمد حسان و الحلبي وغيرهم من الضلال وأصحاب الجمعيات ؟، لا نكاد نسمع لكم ركزاً ولا همساً ، ولكنها سياسة: ((من تكلم فينا تكلمنا فيه ، ومن سكت عنَّا سكتنا عليه)) ، ((ولا نترك الرجل حتى يتركنا)) .راجع لزاماً أنت و مشايخك [المبحث الخامس : ((لا نترك الرجل حتى يصر على تركنا)) من "مصباح الظلام"(ص/47-53) لأخينا الفاضل يوسف بن العيد العنابي] وبالله التوفيق .
أما الكلام في دار الحديث بدماج وعلى رأسها المجاهد الناصح الأمين و المربي الحنون يحي بن علي الحجوري –حفظ الله الجميع- و السعي الحثيث في تشويه صورتهم و تنفير الناس عنهم فمنذ زمان و هو ديدنكم في المجالس الخاصة و الاتصالات الخفية ، ثن تقويتم وصرتم تصيحون به صياحا ، فلا تفترون عن ذلك ولا تملون ، و كذا حربكم الباردة على أبي حاتم تدل أيضاً على خبثكم ، فنسأل الله العلي الكريم أن يفضحكم ويهتك أستاركم .
قولك : ((لو كلّ كلب عوى ألقمته حجرا *** لأصبح الصّخر مثقالا بدينارِ))!!!.
أقول : حُقَّ لك أن تضحك على نفسك !!، فأين الردود التي تُلقم بها أسيادك الذين جاهدوا الرافضة وهكذا سائر أهل البدع بالقلم والبنان ، والسيف والسنان ، و الذين تشبههم أنت بالكلاب و تنزل عليهم هذا البيت، فغَيرُ مستبعدٍ أن الردود عندك و عند أمثالك الجاهلين بمقاصد الشريعة تقسي القلب و تضيع الوقت و هذا واضح جلي لمن ارتبط بمثل هؤلاء الدعاة .
أما أنا فأقول لك كما قال الشاعر :
إن كنت لا ترضى بما قد ترى*** فدونك الحبل به فاختنق.
وقال آخر:
دعهم يعضوا على صم الحصى كمدا *** من مات من قولتي عندي له كفن.
و في الأخير-و ليس بالأخير- أدعوا السائل الصائل و غيره ممن لا يزالون يدافعون على هؤلاء الناس بلزوم الإنصاف و التجرد للحق ، قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ َالْإِحْسَانِ ( [النحل:90] .
و قال جلا وعلا : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( [المائدة : 8] .
فإن كنتم حقاً منصفين فالأحرى أن تُبصروا الحق فيما اختُلف فيه بدون تعصب و لا انتصار لشخص ، وكذلك إذا نازعكم غيركم لهدايتكم إلى الحق ، فإنكم تنتصفون منه بسهولة و دون إساءة ، و الله المستعان.
قال الزيلعي رحمه الله في " نصب الراية"(1/355) : (( ما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب)) اهـ .
و قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (1/122) : (( و الإنصاف أن تكتال لمنازعك بالصاع الذي تكتال به لنفسك ، فإن في كل شيء وفاء وتطفيفاً)) أهـ .
تنبيه:
الفتوى مؤرخة بالتاريخ الصليبي ، وهو التاريخ الذي يستخدمه فركوس وإدارته في موقعهم وسائر شؤونهم ، وقد تكلم العلماء كثيرا في مسألة استخدام التاريخ الصليبي وإهمال التاريخ الهجري الإسلامي ، وخلاصة كلام العلماء أن هذا من التشبه بالكفار ، فلا يستخدم التاريخ الصليبي إلا عند عدم معرفة الهجري أو الحاجة إلى ذكر الصليبي مقرونا مع الهجري ، ولا يوجد سبب يدعو فركوس وإدارته إلى استخدام التاريخ الصليبي في تأريخ الفتاوى ونحوها.
سئل الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله: هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يُعتبَرُ من موالاة النصارى ؟
فأجاب: ((لا يُعتبَرُ موالاة، لكن يعتبر تشبُّهًا بهم.
والصَّحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجودًا، ولم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجريِّ، وضعوا التاريخ الهجريَّ، ولم يستعملوا التاريخ الميلادي، مع أنه كان موجودًا في عهدهم، هذا دليل على أنَّ المسلمين يجب أن يستقلُّوا عن عادات الكفَّار وتقاليد الكفَّار، لا سيَّما وأنَّ التَّاريخ الميلاديَّ رمز على دينهم؛ لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السَّنة، وهذه بدعة ابتدعها النصارى؛ فنحن لا نشاركهم ولا نشجِّعهم على هذا الشيء، وإذا أرَّخنا بتاريخهم؛ فمعناه أنَّنا نتشبَّه بهم، وعندنا ولله الحمد التاريخ الهجريُّ، الذي وضعه لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الرَّاشد بحضرة المهاجرين والأنصار، هذا يغنينا.))
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" رقم الفتوى (153)
قال علماء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((الواجب البقاء على التاريخ الهجري ، كما درج عليه المسلمون من عهد الفاروق - رضي الله عنه - إلى اليوم ، وهو شرف للأمة.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.))
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم ( 16229 )
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي
عضو: بكر أبو زيد
عضو: عبد العزيز آل الشيخ
عضو: صالح الفوزان
عضو: عبد الله بن غديان
وفي السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 20722 )
س 2: ما حكم التعامل بالتاريخ الميلادي مع الذين لا يعرفون التاريخ الهجري ؟ كالمسلمين الأعاجم ، أو الكفار من زملاء العمل ؟
ج 2 : لا يجوز للمسلمين التأريخ بالميلادي ؛ لأنه تشبه بالنصارى ، ومن شعائر دينهم ، وعند المسلمين والحمد لله تاريخ يغنيهم عنه ، ويربطهم بنبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو شرف عظيم لهم ، وإذا دعت الحاجة يجمع بينهما .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد العزيز آل الشيخ
عضو: بكر أبو زيد
عضو: صالح الفوزان
عضو: عبد الله بن غديان
قالا علامة ابن عثيمين -رحمه الله-: ((إن المسلمين حين كثروا وانتشروا في الأرض وحدثت لهم معاملات وأحوال غير الحال الأولى احتاجوا إلى أن يجعلوا تاريخاً يمشون عليه، وكان ذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمنهم من قال: نبتدئ تاريخ السنة من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي أُنزل فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي أول ما نزل؛ ولأنه الشهر الذي هاجر فيه صلى الله عليه وسلم ووصل إلى المدينة وكوَّن الدولة والأمة، ولكن استقر الرأي على أن يكون أول السنة شهر المحرم؛ لأنه حين ينتهي الناس من موسم الحج وينصرفوا عنه.
والحج كما نعلم هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فيكون المسلمون قد أنهوا هذا الركن العظيم واستراحوا بعده ولاسيما فيما سبق من الزمن، حيث كانوا يتعبون في الوصول إلى مكة وفي الرجوع منها، فرأوا أن ابتداء السنة يكون في الشهر المحرم، وهذا الرأي رأي موفق وسديد، ولا ينبغي لنا نحن معشر المسلمين أن نتحول عنه إلى تاريخ الأمة الكافرة التي تبني ميقاتها على أشهر وهمية ليس لها أصل وإنما هي اصطلاحية فقط، ثم ينبغي لنا أيضاً ألا نعتبر السنوات الميلادية؛ لأن لدينا السنوات الهجرية التي هي رمز عزتنا وقوتنا وكرامتنا.
وإننا لنأسف أن بعض الناس اليوم وهم قلة ذهبوا يؤرخون بالتاريخ الميلادي، وتنكبوا عن تاريخهم الهجري الإسلامي الذي وضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واتفق عليه المسلمون، ولم نجد أحداً من العلماء يؤرخ فيما سبق بالتاريخ الميلادي أبداً، إنما يؤرخون بالتاريخ الهجري، تولى الخلافة سنة كذا وكذا، يعني: من الهجرة، ولد العالم الفلاني في سنة كذا وتوفي سنة كذا، حصل كذا في سنة كذا وكذا، بالتاريخ الهجري الذي وضعه الخليفة الثاني الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذه الكتب الآن تجد الإنسان إذا انتهى من المُؤلف قال: انتهى من تأليفه في يوم كذا، في شهر كذا من سنة كذا، كله بالهجرية، لكن دخلت الميلادية على المسلمين لما استعمر النصارى بلاد المسلمين في الشام و مصر و العراق وصارت لهم الغلبة والسيطرة؛ لأن العادة والطبيعة والفطرة تقتضي أن المغلوب يقلد الغالب، ولهذا أخذوا بهذا التاريخ، لكن هذه الدولة - السعودية باعتبارها دولة- قد جعلت تاريخها كما في نظام الحكم الصادر تاريخها هو التاريخ الهجري، وهذا لا شك أنه خير، لكن نأسف لبعض الناس الذين تنكبوا هذا وصاروا يؤرخون بالتاريخ الميلادي، مع أن نظام الدولة أن تاريخها هو التاريخ الهجري، بل نظام الأمة الإسلامية منذ وُضع هذا التاريخ في عهد عمر إلى يومنا هذا.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم اتباع سلفنا الصالح عقيدةً ومنهاجاً، وأخلاقاً وآداباً ومعاملة؛ إنه على كل شيء قدير.)) "لقاء الباب المفتوح"
سئل الشيخ العلامة يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله- : هل استخدام التاريخ الميلادي، وكذا التوقيت الزوالي يعتبر من صور موالاة الكافرين؟
الجواب: ((التاريخ الميلادي، وكذا التوقيت الزوالي ننصح بتركهما وننصحهم بالتاريخ الهجري والتوقيت الغروبي قال صلى الله عليه وسلم: «اليوم اثنتا عشرة ساعة» ، والناظر إلى التوقيت يرى أنه يطبق فيه هذا الحديث، أما بالتاريخ الميلادي فهو خلاف الإجماع؛ فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى رضي الله عنه ، فقال: تأتينا كتبك وليس فيها تاريخ، فجمع الناس عمر رضي الله عنه واستشارهم في ذلك فقال بعضهم: يؤرخ من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: يؤرخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الهجرة نصر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وانتشر الإسلام، ورضي عمر رضي الله عنه هذا القول فجعل التاريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. إذن لو كان جائزًا بالتاريخ الميلادي ما يحتاج إلى جمع الناس.
إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريعته ناسخة لسائر الشرائع، فيكون ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو هجرته ناسخة لما مضي، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة 48]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» ، فمن عمومات هذه الأدلة وخصوصاتها يتبين أنه لا يجوز استخدام التاريخ الميلادي إلا إذا احتاج الإنسان إلى بيان ذلك لكونهم ما عرفوا إلا التاريخ الميلادي مع الكراهة لذلك، ومع التاريخ الهجري أيضًا بجانبه، أما أن يسترسل الناس حتى كاد التاريخ الهجري أن ينسى فهذا غلط وتشبه بالكفار في تاريخهم، و«من تشبه بقوم فهو منهم» الحديث من طريق أبي المنيب الجرشي، ما رأينا من وثقه، إلا أن شيخ الإسلام حكم عليه بالجودة كما في "اقتضاء الصراط المستقيم"، وحسنه آخرون، فالحديث محتج به.)) "الافتا على الاسئلة الواردة من دول شتى"
الوقفة الثانية مع صاحب الجواب (محمد علي فركوس –ردَّه الله إلى جادَّة الصَّواب):
قال السائل : (( زعم الكاتب أنكم تُثنون على أصحاب الأفكار الهدَّامة، من رؤوس أهل البدع والضلال في هذا العصر، وتعتبرون دعوتهم حركاتٍ إصلاحيةً دينيةً!! كجمال الدين الأفغاني الشيعي الماسوني، ومحمد عبده الماسوني المعتزلي، ومحمَّد رشيد رضا العقلاني الضالِّ، وأنكم قرنتم دعوة الأخير بدعوتي الإمام النجدي، والإمام الشوكاني رحمهما الله.)) .
فقال فركوس : ((أوَّلا: العبارة المذكورة في «الفتح المأمول» (22 ط4) وكذلك في «الأعلام» (187)، عند ذكر سيرة ابن باديس رحمه الله الذاتية ومراحل تحصيله وتعلُّمه، وهي ما يأتي: «وقد سمحت له هذه الفترة بالاطِّلاع على العلوم الحديثة وعلى ما يجري في البلدان العربية والإسلامية من إصلاحاتٍ دينيةٍ وسياسيةٍ، مثل «حركة جمال الدين الأفغاني» والشيخين «محمَّد عَبدُه» و«محمَّد رشيد رضا» في مصر، و«شَكِيب أَرْسَلان» و«الكواكبي» في الشام وغيرهم» .
ثم أتي بجواب أشد تلبيسا من سابقه فقال : (( فإنَّ هذه العبارة لا تحمل في ثناياها مدحًا ولا ثناءً على الشخصيات التاريخية المذكورة)) اهـ .
أقول : لكنها يا فركوس تحمل في ثنايها مدحا وثناءً على دعوتهما ، و الثناء على دعوتهما تحمل في ثنايها مدحاً وثناءً على أشخاصهم ، ، والثناء على أشخاصهم يحمل في ثناياه تزكية لهم ، و النتيجة : حصول التلبيس و التغرير بالناس ، و يبدوا هذا جليا في قولك عن دعوتهما : (إصلاحات دينية سياسية)!!! .
فكما هو معلوم أن الصلاح يكون في النفس أولاًّ ثم قد يتعدَّى وقد لا يتعدَّى ، وأما الإصلاح فهو ما يحصل من النفع المتعدي .
و بهذا يظهر جلياً لك ولغيرك حقيقة ما أُنكِرَ عليك ، فالواجب عليك العُدول عن هذا الكلام لما تضمنه من الثناء والمدح لرؤوس أهل البدع والانحراف و أن تتوب من هذه الزلة الخطيرة ، و أن تبينها بيانا كافيا شافيا كما ذكرنا و تصلح ما قمت بإفساده عن طريق هذه الكلمة الخبيثة .
و لاحظ كلام العلماء بحق كيف ينتقون الكلمات حين التعبير ، و حتى لا يلتبس الأمر على القارئ .
قال العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- في مقاله الثاني في " الرد على الميليباري" (ص142) ط-مجالس الهدى : ((هكذا يريد هذا الجاهل الأعجمي الأخرق أن يهدم جهود أمثال العالمين المحدثين الألباني و أحمد شاكر –رحمهما الله تعالى- و جهود الباحثين الآخرين و جهود المؤسسات العلمية و الجامعات الأكاديمية لتبقى جهوده التجديدية بل التخريبية على غرار جهود الترابي وجمال الدين الأفغاني و مدرستهما مع التباين الشديد بين الأفغاني و الميليباري في الذكاء والغباء .
فالأفغاني جاء لينسف جهود العلماء السَّابقين من مفسِّرين ومن فقهاء و غيرهم ، والميليباري جاء لينسف جهود علماء الحديث السَّابقين و اللاحقين بغبائه و جهله و كذبه .)) اهـ .كلامه ؛ ففرق كبير جدًا بين كلامك يا فركوس وكلام العلماء الجهابذة فاحذُ حذوهم وسيسعُكَ ما وسعهم . والله المستعان .
قولك-هداك الله- : ((غاية ما في الأمر أنها إخبارٌ لظاهرِ واقعٍ تاريخيٍّ جرت أحداثه في ذلك الزمن بالمواصفات المذكورة التي كان ينادي أصحابها بأنها إصلاحيةٌ دينيةٌ)) اهـ .
أقول : للأسف الشديد يا فركوس فأنت مطالب بقرينة تبين لنا مقصودك هذا ، وإلا فكلامك صريح واضح كالشمس في رائعة النَّهار، فاترك التلبيس و المراوغة لأنه صنيع أهل البدع ؛ إذا مسكته في جهة قال لك : هذا كلام مجمل ومفصله كذا وكذا ، مع أن مفصلاتهم تدينهم بالانحراف و الزيغ عن جادة الصواب .
و من تأمل جيدا في كلامك يجد أنك حكمت على نفسك -بنفسك- بالانحراف وأقحمتها مع هؤلاء الذين كانوا ينادون -بشهادتك- على دعواتهم بما ناديت به أنت أيضاً في المقال المذكور: (إصلاحات دينية سياسية) !! . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
و النتيجة بعد هذا التهويل كله قلت -و بأس القول قولك-: ((بغضِّ النظر عن حقيقة هذه الدعوات هل هي إصلاحيةٌ فعلاً في جوهرها أم لا؟ )) أهـ .
أقول : و هذا هو عين الانحراف و التلبيس، فكيف تترك محل النزاع محَّل نظرٍ ، و الله عز وجل يقول : )إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)( [البقرة159-160]،ومعلوم أنك مطالب بالبيان والتوضيح ، فإنه(( لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة)) ، فأين القواعد والأصول!! التي ملأت الدنيا بها صياحاً أنت و أصحابك الأصوليون!!!.(زعموا ).
ومن هذا نستفيد أنك ما زلت على ما أنت عليه و ما يسعنا إلا نقول : نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
قولك: ((وإنما المقصود منها التغيرات السياسية والتحوُّلات الدينية.))!!! اهـ .
أقول : و هذا الكلام من الإجمالات التي أصبحت ديدنك ، وهذا مناف للبيان الذي أنت مطالب به ، فلابد حينئذ من التحرز الشديد في تحرير العبارات ، بحيث تكون صريحة واضحة ، إذ إطلاق ما حقه التقييد ، و إجمال ما حقه البيان ، من الأبواب التي يدخل منها أهل الأهواء ، فهم من أشد الناس تربصاً وفرحاً بمثل هذه المسالك التي تخدمهم .
كما أنك تخبّط أذهان و آراء كثير من الناس ممن ليس لهم تمييز ، وليس لهم انتباه لما قد يدخل في هذه الإطلاقات و الإجمالات من المسائل مخالفة لمنهج السلف، وإن كان المتكلم يعني بذلك الإجمال أو الإطلاق معنا صحيحاً . راجع "مصباح الظلام" [(ص/370) ط1-م .الفلاح ] لأخينا يوسف الجزائري –وفقه الله- .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية منتقداً بعض العبارات المجملة في ردّه على البكري في " الإستغاثة" (2/522) : ((... لم يجز إطلاق هذه العبارة إذا عنى بها المتكلم معنى صحيحاً ، وهو يعلم أن المستمع يفهم منها معنى فاسداً ؛ لم يكن له أن يطلقها لما فيها من التلبيس ، إذ المقصود من الكلام البيان دون التلبيس ..) اهـ كلامه .
و قال تلميذه البار به ابن القيم رحمه الله : ((فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة ، والمعاني المشتبهة ، ولاسيما إذا صادفت أذهاناً مخبَّطة ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوىً وتعصَّب؟!!)) اهـ . "الصواعق" (3/928) .
فكلام الشيخين يصدق فيك يا فركوس فاتق الله و اترك التلبيس .
أما كلامك عن محمد رشيد رضا فكسوته كعادتك ثوب الإجمال ، فيكون الرد عليك بما قد سبق ؛ و ما كتبه أخونا الفاضل أبو العباس ياسر الجيجلي في بيان تراجع الإمام الألباني عن الثناء على هذا المنحرف العقلاني كاف إن شاء الله ؛ إلا أن هناك نكتة لابد من التفطن لها ، وهي استعمالك منهج الموازنات الخبيث في هذه المسألة ، فالسائل طلب منك يا فركوس أن تدافع عن نفسك و تبين موقفك اتجاه هذا الرجل ولكن للأسف الشديد تأتي وتقول: ((وجهود محمَّد رشيد رضا قد أثنى عليها الألباني -رحمه الله- في شريط (42) الدقيقة: (3:43) في معرض المقارنة بين أحمد شاكر ومحمَّد رشيد رضا)) اهـ
وقبله قلت : ((وكذلك من جهة فضله وجهوده في نشر السنَّة والردِّ على القاديانيين، وذلك بقطع النظر عن مؤاخذاته.))اهـ .
فهل السائل طلب منك يا فركوس ذكر جهود هذا الرجل أم ذكر موقفك منه ؟!! ولكنه منهج الموازنات الخبيث الذي جاء به أهل البدع ليهدموا جهود أهل السنة الناصحين ، وتجهيل السلف ، و المنافحة على أهل البدع ، وإلغاء قواعد الجرح والتعديل .
و قد سئل العلامة النجمي رحمه الله عن هذا فقال : (( ليس من العدل ذكر المحاسن عند الرد ، بل إن من رد على شخص و ذكر محاسنه ، فإنه يعتبر قد أغرى الناس بهذا الشخص وزكاه ، وكأنه يشهد على نفسه بأن ردّه عليه خطأ ، بل إن في ذلك دفعاً للناس إلى الاغترار به و متابعته على الباطل الذي وقع فيه أو سيقع ، وهذا فساد و ليس بإصلاح ، ولم يقل أحد بمثل هذا غير هؤلاء الحزبيين الذين أتوا بأمور ما أنزل الله بها من سلطان ، مما أملاه الشيطان الرجيم ... )) اهـ ."الفتاوى الجلية: (2/168-169) .و في ذلك يقول الإمام رافع بن أشرس رحمه الله : (( من عقوبة الكذاب أن لا يقبل صدقه ، و أنا أقول : من عقوبة الفاسق المبتدع ألا تذكر محاسنه . "شرح العلل" لابن رجب (1/353) .
فهذا المنهج يا فركوس خطير جدا لأن فيه السعي إلى إقصاء قواعد الجرح والتعديل ، وحماية أهل البدع ، فاتق الله و ارجع عن هذا التلبيس والمغالطة .
قولك: ((نعم، قد تَرِدُ مؤاخذتي من جهة عدم التنبيه على هذا الأمر أو التعليق عليه أو عدم التعريف بالشخصيات المذكورة بوضع ترجمةٍ موجزةٍ لبيان حالهم، وهذا -بلا شكٍّ- سهوٌ منِّي أو خطأٌ أو تقصيرٌ، والنقص طبيعة البشر، فالكمال لله وحده، والعصمة لمن عصمه الله...)اهـ .
أقول : إذا كان كما قلت فلماذا هذا التراخي و التثاقل عن الرجوع إلى الحق ؟!!! والكتاب –أعني "فتح المأمول"- في طبعته الرابعة!!!! ، نسأل الله العافية .
قولك : ((وسأحاول أن أستدرك هذه الهفوة -إن شاء الله- في الطبعات اللاحقة مع تعديلٍ في النصِّ))اهـ .
أقول : إذاً هو خطأ ، فلم التلبيس و المراوغة ؟!!!.
و كان الأجدر بك أن تشكر من نبهك على هذا و هو الأخ أبو حاتم يوسف العنابي ، لأن النبي –صلَّى الله عليه وسلم- قال : (( لا يشكر الله من لا يشكر الناس))[رواه أبوداود (13/165) ، والترمذي(6/87) و قال : هذا حديث صحيح ، وصححه الإمام الوادعي على "شرط مسلم " في "الصحيح المسند"(رقم1330) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- ].
أما قولك: ((أمَّا التجنِّي على الحقِّ بسبب هفوةٍ في حرفٍ أو تعبيرٍ أو زلَّةٍ في معنًى أو وهمٍ أو خطإٍ، فهذا بلا شكٍّ أنه من البغي والظلم المحرَّم)) اهـ .
أقول : إن القيام ببيان أخطاء المخطئين والنصيحة لهم لا يسمى تجنياً يا فركوس بل يسمى نصحاً و إرشاداً إلى ما فيه سعادتهم ، و لقد كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة على عهد السلف فيسقطه أئمة السلف والحديث كما ذكر ذلك الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في رده على أبي الحسن ((قاعدة نصحح ولا نهدم)).
فهذا المسلك منك يا فركوس في تقليب الحقائق لا يليق أبداً ، فهو يعتبر تجنياً على الأصول السلفية و قد عده الشيخ العلامة ربيع المدخلي –حفظه الله- إرهاباً فكرياً ضد أهل السنة ، حيث قال في رسالته ((جناية أبي الحسن على الأصول السلفية))(ص/43-44) : ((أبو الحسن يسير على طريقة القطبيين و عدنان عرعور و غيرهم من الطعن في من ينتقدون بحق ، بأنهم يتدخلون في النيات و الضمائر ، و أنهم أهل تشهير و حقد و بغض و هو يكثر من هذا ، وهذا الإرهاب الفكري الذي يستخدمونه ضدَّ أهل الحق و من يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر) اهـ .
فعليك يا فركوس أن تتوب من هذا الرمي و الطعن في من أقام عليك الحجة و بين زلاتك وهفواتك !!!.
وصدق العلامة ابن الوزير رحمه الله إذ قال : (( و لو أن العلماء رضي الله عنهم تركوا الذب عن الحق خوفاً من الخلق ، لكانوا قد أضاعوا كثيراً و خافوا حقيراً)) اهـ . "العواصم و القواصم "(1/223) . والله الموفق .
أما قولك : ((ثانياً : أمَّا القول بأنَّنا نخلط في أخبار الآحاد ونصرْنا شبهاتِ المعتزلة فهذا الخلط إنما هو في ذهن المنتقد المنتقد؛ لأنَّ جمهور الأصوليين يفرِّقون بين حجِّيَّة الخبر في ذاته من غير قرائنَ وبين العمل به. وخبر الواحد حجَّةٌ ظنِّيَّةٌ عندهم إلاَّ إذا انضمَّت إليها قرائنُ أفادت بالقرائن علمًا، أمَّا العمل بخبر الواحد فحكمُه الوجوب، سواءً في الأحكام أو الاعتقاد أو غيرهما قولاً واحدًا عند أهل السنَّة خلافًا للمعتزلة الذين يمنعون العمل بخبر الواحد في الاعتقاد ولا يوجبون إلاَّ ما يفيد القطع.)) !!! .
أقول : قولك : ((أمَّا القول بأنَّنا نخلط في أخبار الآحاد ونصرْنا شبهاتِ المعتزلة فهذا الخلط إنما هو في ذهن المنتقد المنتقد ..)) اهـ .
و هذا هو صنيع فركوس وقد اعتدنا منه هذا مع الأسف الشديد ، فإنه إذا لم يستطع المقارعة بالحجة والبرهان لجأ إلى التسفيه ، و الغمز ، واتهام الأذهان بضعف الفهم ،و على سبيل المثال لا الحصر ما فعله مع الشيخ الفاضل سعيد بن دعاس وفقه الله عند رده عليه في مسألة تجويزه للدراسة الإختلاطية ؛ فلما كان المطلوب من فركوس المناقشة العلمية وبلطفِ أدبٍ و بدون إساءة ، ذهب فركوس يهشُّ بما لا يهشُّ وبما لا ينشُّ ، ولجأ إلى الغمز في ذات المنتقد و اتهامه بالبعد عن الإنصاف ومجانبة السداد فقال في "تقويم الصراط"(ص/11) متهجما الشيخ سعيد -حفظه الله- و مصدرا بها رسالته: ((ليس في فتوى حكم الاختلاط أدنى تقرير على إباحة الاختلاط مطلقاً, كما ورد في عنوان بعض المعترضين على الفتوى,وإنما هو تعسفٌ في التقوُّل, وضعفٌ في الفهم, وتقاعسٌ عن الاستفسار عن مواضع الشبهة, تحلياً بمنهج السلف, في تحقيق عموم النصيحة الواجبة قبل ركوب نزوات النفس, ومحبة التصدر بالرد, ولا شكَّ أن هذا الأمر يعكس بوضوح, عن نوعية أخلاقيةٍ متدنية, دون المستوى المطلوب, تضربُ الأمةَ بضرب رجالها الدعاة إلى الله بسهم الاستئصال والتفرقة, من حيث تشعر أو لا تشعر, لتحصيل شماتة الأعداء, تحت غطاء "درء البلاء" ...)) اهـ .
قلت : فمن الأمور التي اتهم بها فركوس –هداه الله- الشيخ سعيد بن دعاس (ضعف الفهم) ، و ما أشبه اليوم بالبارحة ؛ فقد أعاد فركوس نفس الأمر مع الأخ أبي حاتم -وفقه الله-بقوله : ((فهذا الخلط في ذهن المنتقد ..)) اهـ ، فالأولى منك يا فركوس أن تتهم نفسك و فهمك ، أم أنك تريد لطالب العلم أن يحتقر نفسه معك و هذا بعيد وما ينبغي لطالب العلم أن يحقر نفسه .
وهذا أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : فيم ترون هذه الآية نزلت : ) أيودُّ أحدكم أن تكون له جنَّة(؟ قالوا: الله أعلم فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم([1]) ، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين قال عمر : يا أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل ؟ قال ابن عباس: لرجل غني يعلم بطاعة الله عز و جل ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله)) [رواه البخاري:رقم4538] .
قال الحافظ في "الفتح"(11/139) : (( و في الحديث قوة فهم ابن عباس رضي الله عنهما ، وقرب منزلته من عمر رضي الله عنه ، و تقديمه له مع صغره ، وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسن منه إذا عرف فيه الأهلية لما فيه من تنشيطه و بسط نفسه و ترغيبه في العلم .))اهـ .
و قال الوزير ابن هبيرة كما في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (3/151) : (( هذا الحديث يدل على أن فهم الرجل يُلحقه بذوي الأسنان وإن كان حدثاً ، وقد يبرز عليهم ))اهـ .
و قال محمد بن أبي حاتم الورَّاق : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: (( كنت أختلف إلى الفقهاء بمرو و أنا صبي ، فإذا جئت أستحي أن أسلم عليهم ، فقال لي مؤدِّب من أهلها : كم كتبت اليوم ؟ فقلت :اثنين ، وأردت حديثين ، فضحك من حضر المجلس : فقال شيخ منهم : لا تضحكوا ، فلعله يضحك منكم يوماً ، فكان كما قال الشيخ )). "تحفة الأخباري بترجمة البخاري"(183) .
فاتق الله يا فركوس وعليك بثوب التواضع فإنه ما لبسه شخص إلا رفعه الله به .
قولك : (( لأنَّ جمهور الأصوليين يفرِّقون بين حجِّيَّة الخبر في ذاته من غير قرائنَ وبين العمل به
وخبر الواحد حجَّةٌ ظنِّيَّةٌ عندهم إلاَّ إذا انضمَّت إليها قرائنُ أفادت بالقرائن علمًا، أمَّا العمل بخبر الواحد فحكمُه الوجوب، سواءً في الأحكام أو الاعتقاد أو غيرهما قولاً واحدًا عند أهل السنَّة خلافًا للمعتزلة الذين يمنعون العمل بخبر الواحد في الاعتقاد ولا يوجبون إلاَّ ما يفيد القطع.))اهـ .
أقول : سيكون الرد عليك في هذه المسألة في أمرين :
1/ طريقة إيرادك لهذه المسألة الخلافية و حكايتها .
2/ الإصرار على ما سوده قلمك قديما وحديثاً .
و هذا أوان البدء :
1/ أما طريقة إيرادك لهذه المسألة الخلافية و حكايتها بدون تنقيح و لا تحقيق ، فطريقة منتقدة تجعل طالب الحق في حيرة من أمره و ربما ظن اشتباه الشرع ، وصعوبة درك الحق و طلبه .
و الله عز وجل قال : ) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)([آل عمران : 71.] .
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله : (( )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)( فوبخهم على لبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق، لأنهم بهذين الأمرين يضلون من انتسب إليهم، فإن العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهما وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا به، ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب، والحلال والحرام ، والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة، ليهتدي المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجة على المعاندين قال تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم .))اهـ . "تفسير الكريم الرحمن" (ص/135) .
فالاكتفاء بمجرد حكاية الخلاف دون تنقيحه وبيان القول الراجح فيه ، وسبب ضعف الأقوال الأخرى ، لا يحصل به بيان ولا ينتفع به جاهل ، بل تحصل به التعمية وتوعير الطريق . قال شيخ الإسلام في "المنهاج"(5/282) : (( كثير من الناس يحكي الخلاف و لا يعرف الحق )) اهـ.
و قال فيمن كان هذا شأنه : (( بمنزلة حمارٍ حمل سفراً ينقل نقلاً مجرَّداً)) اهـ .
و قال الشاطبي رحمه الله في "الموافقات"(4/162) : ((و كلام الناس هنا كثير ، وحاصله معرفة مواقع الخلاف ، لا حفظ مجرد الخلاف)) اهـ .
فكان ينبغي منك أولاً أن تستوعب الأقوال في هذا المقام و أن تنبه على الصحيح منها و تنصره و تبطل الباطل وتدمغه و تذكر فائدة ذكر الخلاف وثمرته ؛ لئلا يطول النِّزاع و الخلاف فيما لا فائدة تحته فتشتغل به عن الأهم ، إذ حكايتك للمسألة دون أن تستوعب أقوال الناس فيها نقص ؛ أو أن تحكي الخلاف و تطلقه و لا تبين الصحيح من الأقوال فهو نقص أيضاً ، لأنك إن صححت غير الصحيح عمداً فقد تعمدت الكذب و نصرت الباطل و أهله ، وإن كان عن جهلٍ فقد أخطأت . و الله الموفق .
2/ أما إصرارك على ما انتقده عليك أخونا الباحث المفيد يوسف بن العيد وفقه الله في رسالته " إرشاد النقاد إلى تخبط فركوس في خبر الآحاد" فإنه يضرك ولا يسرك .
و بيان إصرارك واضح جلي ، إذ أن الأخ يوسف حفظه الله انتقد عليك أموراً :
أولاً : نصرتك قول أن خبر الآحاد يفيد الظن . [ راجع الرد عليه "إرشاد النقاد" (ص / 144 ، 145 ،146) .
ثانياً : تقرير شبهات المعتزلة و انتصارك لها ، وقد لخصها الأخ يوسف في ست شبهات و فنَّد كل واحدة منها على حده بما يشفي الغليل –إن شاء الله- . [راجع لزاماً (ص/147-163) .] .
ثالثاً : نقلك أقوال أهل السنة و بعض حججهم و ردها بشبه المعتزلة .[راجع لزاماً " الشبهة الرابعة والخامسة" (ص/154-162) .
رابعاً : إخراجك قول أهل السنة عن محل النزاع .[راجع لزاماً (ص/163)] .
خامساً: تسميتك لأهل الإعتزال و غيرهم من المتكلمين بـ " الجمهور"!!! .[راجع لزاماً (ص/146 -في الحاشية- كلام الشيخ ربيع حفظه الله تعالى)] .
سادساً : تصريحك بأن الخلاف في هذه المسألة لفظي!!!.[راجع لزاماً(168-169)] .
فهل تراجع فركوس؟
الجواب : لم يتراجع فركوس- أصلحه الله- ، بل جاء بتلبيس جديد وتدليس شديد ، حيث أنه حكى عن (الجمهور!!! ) من الأصوليين القول في خبر الآحاد بأنه يفيد الظن ولم يبطله ، فمن هنا نطالبه بإثبات أحد الأمرين – وأحلاهما مرٌّ- و هما:
1/ إما أنك تعتبر نفسك من جمهور الأصوليين !!!، و بهذا يثبت إصرارك على الخطأ – وهو ثابت و إن لم تنتسب للجمهور!!!- .
2/ و إما أنك حاطب ليل .
و قولك عن جمهور الأصوليين أنه يفيد عندهم علما !!! إذا احتفت به قرائن .
فالسؤال المطروح وقد طرحه عليك سابقا أخونا يوسف وفقه الله في " إرشاد النقاد"(ص/165) ، و ها أنا أطرحه عليك مرة أخرى:
يا فركوس عندي سؤال : (( ما هو خبر الآحاد الذي لم تحفه القرائن عندك ؟
فإن قلت : بأن من ذلك ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة !! وقعت في مذهب أهل الإعتزال .
و إن قلت : إن هذا من أخبار الآحاد التي حفت به القرائن بدليل قولي فيما سبق عند ذكر القرائن : ((أو يروي خبر الواحد راو متصف بالعدالة والثقة والإتقان)) [الإنارة] .
قلنا : بل إن خبر الواحد الثقة عندك يفيد الظن .!!! .
ألست أنت تقول عند كلامك الذي قررت فيه و دللت بأن خبر الواحد يفيد الظن : (و من الأدلة العقلية ما ذكره المصنف : من أنَّ الخبر و إن كان ثقة يجوز عليه الغلط و السهو كالشاهد )) اهـ" الإنارة" .
و هذا في الحقيقة يا فركوس يعتبر تلاعبا منك وليس تراجعا ، و فعلك هذا نظير فعل أبي الحسن المأربي في خبر الآحاد .
قال الشيخ ربيع –وفقه الله- : (( ثم اضطر أبو الحسن و أصحابه إلى تغيير لباسهم متظاهرين بأن أخبار الآحاد المحتفة بالقرائن تفيد علماً ، وإن أبا الحسن قرر هذا في كتابه " إتحاف النبيل" ، وذلك الكتاب الذي لا يزال أبو الحسن يعتز به.
و أنا أسأل أبا الحسن وأصحابه : لماذا جَلَب أبو الحسن بتلك الشبه الغليظة التي نصر بها أهل البدع؟! ولماذا خذل أهل السنة بإخفاء حججهم وبراهينهم؟!)) ."إرشاد النقاد"(ص/167) .
حتى ولو أفدت أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول والمحتفة بالقرائن تفيد علماً فهي دعوى مجردة عن التطبيق .
و مما يدل على تلبيسك وعدم تراجعك عن هذه المسألة ما قررته في "الفتح المأمول" (ص182/ط-الإمام أحمد) ثم أعدت تقريره في "الطبعة الرابعة -الأخيرة- حيث قلت –في الحاشية- (ص/197): (( ... ويضيف الأحناف قسماً ثالثاً بينهما وهو : ((المشهور)) ،و الصحيح أنه داخل ضمن الآحاد الذي لا يفيد إلا الظن ، والعلماء أيضاً يختلفون في المستفيض ومرتبته ، والظاهر منها أن المستفيض و المشهور بمعنى واحد و لا يخرجان عن الآحاد))اهـ .
و هكذا لما سئلت عن حجية خبر الواحد في الأحكام و العقائد و أن المصنِّف قَصَر صلاحية الإستدلال بخبر الواحد في الأحكام ، فأضفت إليه العقائد ، هل تثبت بظني الثبوت؟
أجبت بكلام فيه تلبيس و تعمية على السائل حيث قلت في [ "الفتح المأمول " (ص/214) ط-4] تحت عنوان ((أجوبة على إشكالات و اعتراضات)) : (( اعلم أن السلف الصالح أجمعوا على أن خبر الواحد حجَّة في الأحكام والعقائد .))!!! .
فتركت الكلام على عوائله بدون بيان و توضيح هل هذه الحجة تفيد علماً أم ظناً.
و لو تتبعت كل ما أورده فركوس في مسألة خبر الآحاد لأفردته في رسالة مستقلة و لعل ما كتبه أخونا أبو حاتم يوسف بن العيد كاف لمن أراد حقاً سلوك سبيل الهداية والحق .
فاترك التلبيس على الناس يا فركوس . وارجع إلى الحق المبين فإنه ليس عيب عليك في عقلك ودينك ، بل الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
قولك : ((أمَّا بالنسبة لأثر ابن عبَّاسٍ في الكحل والخاتم والسوار والخضاب فهو واردٌ في التفسير، ويغني عنه أثر ابن عبَّاسٍ الصحيح في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفَّين. انظر «الردَّ المفحم» للألباني (131).)) اهـ .
أقول: كان المطلوب منك يا فركوس في هذه المسألة أن تبدي تراجعك عن تصحيح أثر ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ بالكحل والسوار والخضاب ، وتبين ضعفه.
و لكن للأسف الشديد لم يقع هذا منك ، بل الأدهى والأمر أنك استخدمت كعادتك التلبيس والمغالطة بقولك : (( ويغني عنه أثر ابن عباس الصحيح في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفَّين )) ثم أحلت إلى " الرد المفحم"(ص/131) للإمام الألباني مقلداً إياه في ذلك ، مع علمك بأن الشيخ الألباني رحمه الله مجتهد في المسألة وينبذ التقليد و من قرأ رسالته " الرد المفحم" عرف ذلك ، و أن الصواب عند المحاققة خلاف ما ذهب إليه رحمه الله ، وأن ما جاز إظهاره المقصود به الثياب و الرداء ، وهو قول ابن مسعود -وصح عنه-، والحسن، وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النَّخَعي، وغيرهم. وهو الذي رجحه الإمام الشنقيطي رحمه الله في «أضواء البيان»(6/192-202) عند الآية قال : (وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها، وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة).
و ما أحسن المثال الذي ضربه الإمام الشافعي للمقلِّد حين قال : (( مثل الذي يطلب العلم بلا حجة ؛ كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب و فيه أفعى تلدغه و هو لا يدري)) [رواه البيهقي في " المدخل"(رقم198) . بسند صحيح .
و نحوه ما رواه ابن سعد في "الطبقات"(ص/439-القسم المتمم-) بسند صحيح : ((قال أخبرنا مطرف بن عبد الله قال قال رجل لمالك قد سمعت مائة ألف حديث فقال مالك مائة ألف حديث أنت حاطب ليل تجمع القشعة فقال ما القشعة قال الحطب يجمعه الإنسان بالليل فربما أخذ معه الأفعى فتنهشه))اهـ . والله الموفق .
أما قولك : ((رابعًا: أمَّا القول بأننا نطعن في مشايخ الدعوة السلفية ونزهِّد في الجرح والتعديل فهذا محض افتراءٍ تكذِّبه المقالات والفتاوى المبثوثة في موقعي الرسمي، كما أنَّ عموم مشايخ الدعوة تجمعني وإيَّاهم علاقاتُ تواصلٍ ومحبَّةٍ، ولله الحمد أوَّلاً وأخيرًا.))اهـ .
أقول : فما ذكره أخونا ياسر وفقه الله كاف –إن شاء الله- ، لأنكم سائرون كما ذكرت سابقاً (من تكلم فينا – بحق- تكلمنا فيه ، و من سكت عنا-مداهناً- سكتنا عنه ) . وإلى الله المشتكى .
قولك : ((المستمسك بالدليل سواءً من جهة النصِّ أو الاعتبار لا يُنسب إليه الشذوذ كما أوضحتُه في فتوى رقم (459) «في الشذوذ في الفقه»، وكل الفتاوى المذكورة في كلام المنتقد لا تخلو من هذا المعنى، والعلماء يختلفون فيها، ولا يلزم لأهل النظر التقليدُ فيما يرونه بالنظر والاعتبار.)) اهـ .
أقول : أي دليل تمسكت به في مسألة الإختلاط ، وهكذا ساب الله تعالى وأنه معذور إذا كان في مجتمع يجعلون هذه الألفاظ ، غاية ما فيها أنها سب !! ، و تجويز الانتخابات الطاغوتية التي تعتبر –في الحقيقة- خروجا على الحاكم لأنه عند انتهاء مدة تعيينه يعلن النظام المنابذة له عن طريق الانتخابات ، والصحابة قد بايعوا النبي كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه : (( وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان)) - ، وهكذا إقحام المرأة في ميدان الشورى !!!، و إدلائها بصوتها في الانتخابات الرئاسية!!! ، وأن تتعلم صنع الحلويات وتتعلم الطبخ عند رجل أجنبي إذا أمنت الفتنة والخولة والاختلاط!!!... و غيرها كثير . وراجع لزاماً "صيانة الأعرض والنفوس" لأخينا يوسف كان الله له .
قولك : ((كما أوضحتُه في فتوى رقم (459) «في الشذوذ في الفقه» !!!)) .
أقول : بل ما أوضحته هنا -في الحقيقة- حجة عليك لا محالة ، لأن الشذوذ مخالفة الحق ، و الكثرة والقلة ليست معياراً و ميزاناً للحق يعيَّر به و يوزن به .
و لكنها دعوى مجردة عن التطبيق !!!
أما قولك : ((وكل الفتاوى المذكورة في كلام المنتقد لا تخلو من هذا المعنى، والعلماء يختلفون فيها))اهـ
أقول : بل كل الفتاوى المنتقدة عليك إما شذوذ عن الدليل ، أو تتبع زلات وأخطاء العلماء ، أو عدم وضوح الفتوى باستخدام التلبيس و الأجوبة المجملة ، أو الإعتماد على إصدار الأحكام بناء على أحاديث و آثار ضعيفة لا تقوم بها الحجة ، أو مجاراة للمجتمع ... وغيرها من المخالفات التي تجدها مبثوثة في كتاب "بيان الدليل" لأخينا يوسف حفظه الله. والله المستعان.
أما قولك : ((هذا، وأنا مستعدٌّ في بيان المسائل المبثوثة في السؤال العالقة في الأذهان وحوار مقفلاتها مع من يريد الحقَّ ويسعى إليه، كما أنني على أتمِّ استعدادٍ في الرجوع عن أيِّ فتوى جانبتُ فيها الصواب.)) اهـ .
أقول : ألم يكفك يا فركوس تلك المناقشات العلمية التي خرجت من دار الحديث والسنة بدماج ، أم أنك ترى أنها غير كافية لإدانتك بانحراف منهجك ، فإن كنت مستعداً حقاً للرجوع عن كل المسائل وليس الواردة في السؤال فقط فاقبل بما عرضه عليك أخونا ياسر ، ولكني أستبعد هذا لأن الرسائل التي ألفت في الرد عليك لم تحرك شيئا فيك ، ولذا فالحجة قائمة عليك بحمد الله ، فاترك هذه المغالطات و صحح منهجك و اجعل صدرك رحباً لأهل السنة ، وإياك أن تجند من يقوم بأذية أهل السنة الذابين عن حياض الدين –وقد بلغنا هذا عنكم- فتلحقك تبعات هذا الفعل المشين ، وتذكر أنت و غيرك قول العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله : (( وكلما قام عالم فقال : هذه سنة ، أو هذه بدعة عارضه عشرات ، أو مئات من الرؤساء في الدين الذين يزعم العامة أنهم علماء ، فردوا يده في فيه ، وبالغوا في تضليله والطعن فيه ، و أفتوا بقتله ، أو حبسه ، أو هجرانه ، وشمروا للإضرار به و بأهله و إخوانه ، وساعدهم ثلاثة من العلماء : عالم غال ، وعالم مفتون بالدنيا ، وعالم قاصر في معرفة السنة ، وإن كان متبحراً في غيرها .))اهـ ."صدع الدجنة في فصل البدعة عن السنة " (ص/63) .
والله أعلم وأحكم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيراً
وكتبه :
أبو عبد الله حسين بن مسعود الأحمدي الجيجلي
قبيل صلاة المغرب 1جمادى الأولى 1433 .
1- عمر رضي الله عنه لا يحرم عزو العلم إلى الله ، ولكن أراد منهم أن يجيبوا عمَّا سألهم لا أن يتدافعوا السؤال .
تعليق