جرح المجروح بكلام أهل الجرح
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾
﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم ورقيبا﴾﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم * ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .،
وكما نعلم جميعاً أن عرض المسلم مصون بحفظ الله ورسوله , حفظه الله ورسوله من الجرح والظلم كما جاء على ذلك الأحاديث الصحيحة , منها حديث أبى بكرة رضى الله عنه عن النّبىّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال « إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا. رواه مسلم
وعن أبي ذر رضى الله عنه عن النّبىّ صلى الله عليه وسلم فيما روى عن اللّه تبارك وتعالى أنّه قال « يا عبادى إنّى حرّمت الظّلم على نفسى وجعلته بينكم محرّمًا فلا تظالموا...رواه مسلم
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الظّلم ظلمات يوم القيامة». متفق عليه
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه. ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته. ومن فرّج عن مسلم كربةً، فرّج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة. ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة». متفق عليه
وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله ليملي للظّالم، حتّى إذا أخطه لم يفلته» قال: قرأ ﴿وكذالك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد﴾. متفق عليه
وعن أبى ذر رضى الله عنه قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربّه تبارك وتعالى « إنّى حرّمت على نفسى الظّلم وعلى عبادى فلا تظالموا ». رواه مسلم
وعن جابر بن عبد اللّه رضى الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال « اتّقوا الظّلم فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة واتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم ». رواه مسلم وجاء هذا عند البخاري ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « من كانت له مظلمة لأحدٍ من عرضه أو شىءٍ فليتحلّله منه اليوم ، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه » . رواه البخاري
هذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على أن عرض المسلم مصون صانه الله ورسوله . وهذا الأمر يكون إذا صان العبد نفسه عن المخالفات والمعاصي.
ولكن من جرّح نفسه بالمخالفات والمعاصي جاز جرحه كما قال الله ﴿ فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم واللّه لا يهدي القوم الفاسقين﴾ [الصف : 5]
فلما زغوا عن الحق ختم الله زيغ الأبد على قلوبهم .
وقصدنا في هذه الرسالة أن نبين للناس جواز جرح المجروح بكلام أهل الجرح.
أما إذا كان الشخص مستقيماً على دين الله لا يجوز التكلم عليه والحالة هذه ويكون مصوناً من قبل الخالق والخلق والقرب إليه بالجرح ممنوعاً وجناية في حقه هنا قاعدة عظيمة ألا وهي { صيانة الأعراض , أصل من أصول أهل السنة , وجرح المجروح , أصل من أصول أهل السنة } وهدم أحد هذين الأصلين يسبب خروج الشخص من منهج أهل السنة والجماعة .
وقول الشخص عرض المسلم مصون لا يجوز جرحه وإن ارتكب المخالفات والمعاصي يهدم أصل من أصول الشرع ألا وهو الأمر بالمعروف ونهي عن المنكر. ويضيع بسببه أصل عظيم من أصول الشرع ألا وهو تقويم المخالف .
قال النووي رحمه الله كما في شرح على مسلم (2 / 24)
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه فى هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح واذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) فينبغي لطالب الآخرة والساعى في تحصيل رضا الله عز و جل أن يعتنى بهذا الباب فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قال ( ولينصرن الله من ينصره ) وقال تعالى ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) وقال تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) وقال تعالى ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) واعلم أن الأجر على قدر النصب ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه فان صداقته ومودته توجب له حرمة وحقاً ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وأن أدى ذلك إلى نقص في دنياه وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه وإنما كان إبليس عدواً لنا لهذا وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم فى مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته وأن يعمنا بجوده ورحمته والله أعلم
تعريف العدالة
أن الشخص لا يكون مقبولاً بين الناس حتى يكون عدلاً فيهم .
والعدل هو المرضي في دينه وسلوكه في الأمة بسبب استقامته وبعده عما يفسد دينه . ومن سقطت عدالته بسبب المعاصي والمخالفات صار بين الناس متهماً يحوم حوله الشكوك وجاز جرحه حينئذ لأنه هو الذي دنس عرضه .
ضابط العدل
قال الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفحول (1 / 144)
إنها التمسك بآداب الشرع فمن تمسك بها فعلًاوتركا فهو العدل المرضي، ومن أخل بشيء منها فإن كان الإخلال بذلك الشيء يقدح في دين فاعله أو تاركه، كفعل الحرام وترك الواجب فليس بعدل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (15 / 358)
فالعدل الّذي ذكره الفقهاء من انتفى فجوره وهو إتيان الكبيرة والإصرار على الصّغيرة وإذا انتفى ذلك فيه انتفى كذبه الّذي يدعوه إلى هذا الفجور .
والفاسق هو من عدم برّه وإذا عدم برّه عدم صدقه ودلالة هذا الحديث مبنيّة على أنّ الدّاعي إلى البرّ يستلزم البرّ والدّاعي إلى الفجور يستلزم الفجور .
وقال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (1 / 163)
ولكن قد يغلط في مسمى العدالة فيظن ان المراد بالعدل من لا ذنب له وليس كذلك بل هو عدل مؤتمن على الدين وإن كان منه ما يتوب الى الله منه فإن هذا لا ينافي العدالة كما لا ينافي الايمان والولاية .
مسألة : هل الأصل في المسلمين العدالة ، أم لا ؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين مشهورين
والقول الراجح هو قول جمهور العلماء أن الأصل في المسلمين عدم العدالة , لأن العدالة وصف عارض لا يثبت إلاببينة ([1]). وأن الأصل في الإنسان الجهل والضلالة ([2]).
إذا ً أن مما تقرر في أصول الشريعة من الكتاب والسنة وسار عليه الصحابة وقرون المفضلة هو الجرح أهل البدع والضلال والأهواء وأهل الزيغ والباطل ، والتعديل لأهل السنة والجماعة وأهل الحق والثبات والاستقامة وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك وارد بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.
ونذكر هنا مشروعية جرح فيمن انحرف عن الجاد والصواب وصار من أهل الشكوك والارتياب .
بين الله تبارك وتعالى في كتابه جملة من الآيات تدل دلالة واضح على جوز الجرح منها :-
قوله ﴿ صم بكم عمي فهم لا يعقلون﴾ .
وقال تعالى ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث﴾ .
وقال تعالى: ﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون﴾ .
وقال تعالى:﴿ قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون ﴾
وقال تعالى: ﴿ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا ﴾
وقال تعالى:﴿مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين﴾
وقال الله:﴿ فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلافٍ مهينٍ همازٍ مشاء بنميمٍ مناعٍ للخير معتدٍ أثيمٍ عتل بعد ذلك زنيمٍ أن كان ذا مالٍ وبنين﴾ وغيرهم من الآيات
وأما الآحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكثيرة نذكر ها هنا ما تيسر . منها :
1- عن أنس رضى الله عنه عن النبيصلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّ الله حجب التّوبة عن كلّ صاحب بدعة حتّى يدع بدعته)). رواه ابن أبي عاصم.
في هذا الحديث جرح أصحاب البدع. قاله الوادعي
2 - عن سلمة بن عمرو بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشماله فقال: ((كل بيمينك)) قال: لا أستطيع. قال: ((لا استطعت ما منعه إلاّ الكبر)) قال: فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم.
3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل، فقتلت ولدها الّذي في بطنها، فاختصموا إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقضى أنّ دية ما في بطنها غرّة عبد أو أمة، فقال وليّ المرأة الّتي غرمت: كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهلّ، فمثل ذلك يطلّ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّما هذا من إخوان الكهّان)). متفق عليه.
زاد مسلم: من أجل سجعه الّذى سجع.
4- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنّ امرأةً قتلت ضرّتها بعمود فسطاط، فأتي فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقضى على عاقلتها بالدّية وكانت حاملاً، فقضى في الجنين بغرّة، فقال بعض عصبتها: أندي من لا طعم ولا شرب ولا صاح فاستهلّ، ومثل ذلك يطلّ، قال: فقال: سجع كسجع الأعراب)). رواه مسلم.
5 -عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في مرضه: ((مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس))، قالت عائشة: فقلت: إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع النّاس من البكاء، فمر عمر فليصلّ بالنّاس، فقال: ((مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس))، فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع النّاس من البكاء، فمر عمر فليصلّ بالنّاس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّكنّ لانتنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس)) فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا. متفق عليه.
6- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسألون عن عبادة النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأصلّي اللّيل أبدًا. وقال الآخر: وأنا أصوم الدّهر ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((أنتم الّذين قلتم كذا وكذا، أما والله إنّي لاخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي)). متفق عليه.
7- عن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((هلك المتنطّعون)). قالها ثلاثًا. رواه مسلم.
في هذه الأحاديث جرح لمن ترك السنن وأقبل على البدع والأهواء. قالها الوادعي
8- عن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلاً فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا أبا ذرّ أعيّرته بأمّه، إنّك امرؤ فيك جاهليّة، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم)) .متفق عليه
9- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلّي مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوّز رجل فصلّى صلاةً خفيفةً، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرّجل، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي نواضحنا، وإنّ معاذًا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوّزت، فزعم أنّي منافق، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا معاذ أفتّان أنت؟ ثلاثًا، اقرأ: {والشّمس وضحاها} و{سبّح اسم ربّك الأعلى}، ونحوها )). متفق عليه
وهذا فى حق هذين الصحابيّين الجليلين ومن شابههما المراد به الأدب لا التجريح، وإنما ذكرنا هذا ليدل على جواز إطلاق مثل هذا على من يحتاج إلى تأديب. قاله الوادعي
10- وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنّ رجلاً خطب عند النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله )). رواه مسلم.
11 وعن بريدة رضي الله عنه أنّ رجلاً نشد في المسجد فقال: ((من دعا إلى الجمل الأحمر فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا وجدت، إنّما بنيت المساجد لما بنيت له )). رواه مسلم.
12- وعن جابر رضى الله عنه أنّ عبدًا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشكو حاطبًا، فقال: يارسول الله ليدخلنّ حاطب النّار، فقال رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كذبت لا يدخلها، فإنّه شهد بدرًا والحديبية )). رواه مسلم.
13- عن أنس رضي الله عنه قال: مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((وجبت )) ثمّ مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: ((وجبت)) فقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: ((هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنّة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النّار، أنتم شهداء الله في الأرض )). متفق عليه
14- وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) فقلت: فالشّطر يا رسول الله؟ فقال: ((لا)) قلت: فالثلث يا رسول الله؟ قال: ((الثّلث، والثّلث كثير أو كبير، إنّك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالةً يتكفّفون النّاس، وإنّك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتّى ما تجعل في في امرأتك)) فقلت: يا رسول الله أخلّف بعد أصحابي؟ قال: ((إنّك لن تخلّف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجةً ورفعةً، ولعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون، اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة)) يرثي له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن مات بمكّة. متفق عليه
15- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال له في شأن الشّيطان: ((أما إنّه قد صدقك وهو كذوب)). رواه البخاري
16- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لا تقوم السّاعة حتّى يبعث دجّالون كذّابون قريب من ثلاثين كلّهم يزعم أنّه رسول الله )). متفق عليه واللفظ لمسلم
17- وعن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إنّ بين يدي السّاعة كذّابين )). رواه مسلم
18- عن عائشة رضي الله عنها قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا ولكن احتملته الحميّة فقال لسعد بن معاذٍ كذبت لعمر اللّه لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضيرٍ وهو ابن عمّ سعد بن معاذٍ رضى اللّه عنه فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر اللّه لنقتلنّه فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. وذكر الحديث رواه البخارىّ
19- عن عتي بن ضمرة قال : رأيت عند أبي رجلا تعزى بعزاء الجاهلية فأعضه أبي ولم يكنه فنظر إليه أصحابه قال كأنكم أنكرتموه فقال إني لا أهاب في هذا أحدا أبدا إني سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوه . رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وقال الشيخ الألباني : صحيح
20- عن سعد بن أبي وقّاص قال ردّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على عثمان بن مظعون التّبتّل ولو أذن له لاختصينا . رواه مسلم
ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على البراء حين غير صيغة الأذكار قال البراء فردّدتهنّ لأستذكرهنّ فقلت آمنت برسولك الّذى أرسلت قال « قل آمنت بنبيّك الّذى أرسلت »..صحيح مسلم
ولهذا رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين أعرضوا عن الطيبات التي أنعم الله بها على عباده وهجروها تعبدا لله وتقرباً إليه بتركها ، وقال لهم صلى الله عليه وسلم : « أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني »
ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه : (( أنّ نفراً من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن عمله في السّرّ ؟ فقال بعضهم : لا أتزوّج النّساء . وقال بعضهم : لا آكل اللّحم . وقال بعضهم : لا أنام على فراش . فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : ما بال أقوام قالوا كذا ؟ لكنّي أصلّي وأنام وأصوم وأفطر , وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي )) .متفق عليه
ونقول للمخالف اسمع رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر.
ثم اسمع بعد ذلك لقول عمر وندمه على موقفه هذا ابتداء.
قال: « إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري».
وفي رواية فقال: « يا ابن الخطاب إني رسول الله، ولن يضيعني الله»، فرجع متغيظاً فلم يصبر حتى جاء إلى أبي بكر وقال له مثل ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رده كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال له: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً . رواه البخاري .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد ذلك: اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي، وما ألوت عن الحق.
وفيه «قال: فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت، حتى قال لي: يا عمر تراني رضيت وتأبى».
يقول ابن حجر في شرح الحديث:(وقول عمر:« فعملت لذلك أعمالاً».
المراد به الأعمال الصالحة ليكفّر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء، وقد ورد التصريح بمراده بقوله «أعمالاً»: ففي رواية ابن إسحاق وكان عمر يقول:«ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به».
وعند الواقدي من حديث ابن عباس، قال عمر: «لقد أعتقت بسبب ذلك رقاباً، وصمت دهراً» . فتح الباري 5/ 346. وفي فتح الباري 13/ 289 .
وفي البخاري أيضاً قال سهل بن حنيف: «يا أيها الناس اتهموا رأيكم على الدين؛ لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته».
وأخرج أبو داود في الطهارة عن علي بن أبي طالب قوله:« لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه»
ردّه صلّى الله عليه وآله وسلّم على من قال له يوم حنين "إعدل " عن عبد اللّه رضى الله عنه قال لمّا كان يوم حنين آثر النّبىّ صلى الله عليه وسلم أناسًا فى القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائةً من الإبل ، وأعطى عيينة مثل ذلك ، وأعطى أناسًا من أشراف العرب ، فآثرهم يومئذ فى القسمة . قال رجل واللّه إنّ هذه القسمة ما عدل فيها ، وما أريد بها وجه اللّه . فقلت واللّه لأخبرنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم . فأتيته فأخبرته فقال « فمن يعدل إذا لم يعدل اللّه ورسوله رحم اللّه موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر » .رواه البخاري ومسلم
لقد أمر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كلّ من رأى من يتفاخر ويتماجد ويتعصّب لقومه بالباطل أن يقول له دون لفّ أو دوران وبكلّ وضوح:" إذا رأيتم الرّجل يتعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" أخرجه أحمد والترمذي، قال الشيخ الألباني صحيح فقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: " عضّ إير أبيك " أي فرجه ، قال ابن الأثير رحمه الله في " النهاية ": التّعزّي الانتماء والانتساب إلى القوم . " فأعضوا بهن أبيه " أي قولوا عضّ إير أبيك ا هـ .
قول الرّسول صلى الله عليه وآله وسلّم عن أبي السنابل : " كذب أبو السنابل إذا أتاك أحد ترضينه فائتي به أو قال فائتيني ، فاخبرها أن عدتها قد انقضت " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : " ومن تكلّم في الدّين بلا علم كان كاذبا وإن كان لا يتعمّد الكذب كما ثبت في الصّحيحين عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا قالت له سبيعة الأسلميّة وقد توفّي عنها زوجها سعد بن خولة في حجّة الوداع فكانت حاملا فوضعت بعد موت زوجها بليال قلائل ، فقال لها أبو السّنابل بن بعبك : ما أنت بناكحيه حتّى يمضي عليك آخر الأجلين ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم :" كذب أبو السّنابل ، بل حللت فآنكحي " مجموع الفتاوى 1 / 449 .قال الألباني صحيح
كذب أبو السنابل ليس كما قال قد حللت فانكحي ( إذا أتاك أحد ترضينه فأتيني ) . قاله لسبيعة بنت الحارث وقد وضعت بعد وفاة زوجها بأيام
إنّ من المعلوم أنّ النبيء صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يغضب لمحارم اللّه تعالى إذا آنتهكت ومن ثمّ عقد الإمام النّووي رحمه اللّه تعالى بابا سمّاه: باب وجوب الغضب إذا انتهكت حرمات الشّرع "
عن عبد اللّه بن عبّاس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب فى يد رجل فنزعه فطرحه وقال « يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها فى يده ». فقيل للرّجل بعد ما ذهب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به. قال لا واللّه لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.راوه مسلم
وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، قال: جاء بلال إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بتمر برنيّ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: من أين هذا قال بلال: كان عندنا تمر رديّ، فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم عند ذلك أوّه أوّه عين الرّبا عين الرّبا لا تفعل .متفق عليه
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( اشتري وأعتقي فإن الولاء لمن أعتق ) . ثم قام النبي صلى الله عليه و سلم من العشي فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال ( ما بال أناس يشترطون شروطا ليس في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن اشترط مائة شرط . متفق عليه
وعن عبد اللّه بن عمرو قال رأى النّبىّ صلى الله عليه وسلم علىّ ثوبين معصفرين فقال « أأمّك أمرتك بهذا ». قلت أغسلهما. قال « بل أحرقهما ». رواه مسلم
وعن عمّار بن ياسر قال قدمت على أهلي وقد تشقّقت يداي فخلّقوني بزعفران فغدوت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ وقال اذهب فاغسل هذا عنك . رواه أبو داود قال الألباني: حسن.
وعن كعب بن مالك أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟ فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار . متفق عليه
وعن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه و سلم ( ما أظن فلاناً وفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً ) .
. وقالت : دخل علي النبي صلى الله عليه و سلم يوماً وقال ( يا عائشة ما أظن فلاناً وفلاناً يعرفان ديننا الذي نحن عليه . رواه البخاري
عن فاطمة بنت قيسٍ أنّ أبا عمرو بن حفصٍ طلّقها البتّة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعيرٍ فسخطته فقال واللّه ما لك علينا من شىءٍ. فجاءت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال « ليس لك عليه نفقة ». فأمرها أن تعتدّ فى بيت أمّ شريكٍ ثمّ قال « تلك امرأة يغشاها أصحابى اعتدّى عند ابن أمّ مكتومٍ فإنّه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنينى ». قالت فلمّا حللت ذكرت له أنّ معاوية بن أبى سفيان وأبا جهمٍ خطبانى. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « أمّا أبو جهمٍ فلا يضع عصاه عن عاتقه وأمّا معاوية فصعلوك لا مال له انكحى أسامة بن زيدٍ ».
فكرهته ثمّ قال « انكحى أسامة ». فنكحته فجعل اللّه فيه خيرًا واغتبطت به. رواه مسلم
فإن أهل الحق ما جرحوا أهل الباطل إلا بعد ما توفرت لديهم شروط الجرح .
فمن تلكم الشروط ما يلي:
1 - الشرط الأول : أن عندهم العلم والتقوى والورع والتثبت ولديهم خبرة التامة بالحديث وعلله ورجاله والإنصاف الكامل ولا يجرحون ولا يعدلون إلا بعض الفحص والتحري والاتقان مع براءة من الهوى والميل والحذر من التساهل . مثل الإمام العلامة المجاهد الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
قال الذهبي رحمه الله : " الكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام ، وبراءة من الهوى والميل ، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله " الموقظة 82
تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع 1 / 138
وقال أيضاً رحمه الله
" الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع " ميزان الاعتدال 3/46 5/60
تذكرة الحفاظ وذيوله 1 / 10
" فحق على المحدث أن يتورع في ما يؤديه وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته، ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكى نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل:
فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد قال الله تعالى عز وجل: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43] "
وقال ابن الصلاح رحمه الله في مقدمة 1 / 236
" أن أبا تراب النخشبي الزاهد سمع من أحمد بن حنبل شيئاً من ذلك فقال له : يا شيخ لا تغتاب العلماء
فقال له : ويحك هذا نصحية ليس هذا غيبة
ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى ويتثبت ويتوقى التساهل كيلا يجرح سليماً ويسم بريئاً بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها .
وقد أخطأ فيه غير واحد على غير واحد فجرحوهم بما لا صحة له "
وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم 1 / 124
" ثم على الجارح تقوى الله تعالى فى ذلك والتثبت فيه والحذر من التساهل بجرح سليم من الجرح أو بنقص من لم يظهر نقصه فإن مفسدة الجرح عظيمة فإنها غيبة مؤبدة مبطلة لأحاديثه مسقطة لسنة عن النبى صلى الله عليه و سلم ورادة لحكم من أحكام الدين ثم إنما يجوز الجرح لعارف به مقبول القول فيه أما إذا لم يكن الجارح من أهل المعرفة أو لم يكن ممن يقبل قوله فيه فلا يجوز له الكلام فى أحد فإن تكلم كان كلامه غيبة محرمة كذا ذكره القاض عياض رحمه الله وهو ظاهر قوله وهذا كالشاهد يجوز جرحه لأهل الجرح ولو عابه قائل بما جرح به أدب وكان غيبة الثانية الجرح لا يقبل إلا من عدل عارف بأسبابه ".
2- الشرط الثاني : أن عندهم معرفة بأسباب الجرح والتعديل مع اليقظة وخبرة بدلولات الألفاظ في اللغة والاصطلاح بعيدون عن اسقاط عدالة الشخص بالظن ولا يزكون بمجرد ما يظهر من غير ممارسة وفحصه ومعرفة مدخله ومخرجه . مثل شيخي الإمام العلامة المجاهد الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
قال اللكنوى رحمه الله فى "الرفع والتكميل" 52
" يشترط في الجارح والمعدل: العلم والتقوى والورع والصدق والتجنب عن التعصب ومعرفة أسباب الجرح والتزكية، ومن ليس كذلك لا يقبل منه الجرح ولا التزكية ".
قال التاج السبكي رحمه الله: " من لا يكون عالمًا بأسبابهما أي الجرح والتعديل لا يقبلان منه لا بإطلاق ولا بتقييد ".
وقال البدر بن جماعة رحمه الله: "من لا يكون عالمًا بالأسباب، لا يقبل منه جرح ولا تعديل لا بإطلاق ولا بالتقييد ".
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر 1 / 176
" تقبل التزكية من عارفٍ بأسبابها، لا من غير عارفٍ؛ لئلا يزكي بمجرد ما ظهر له ابتداءً، من غير ممارسةٍ واختبارٍ، ولو كانت التزكية صادرةً من مزك
وينبغي أن لا يقبل الجرح والتعديل إلا من عدلٍ متيقظٍ؛ فلا يقبل جرح من أفرط فيه؛ فجرح بما لا يقتضي رد حديث المحدث، كما لا تقبل تزكية من أخذ بمجرد الظاهر؛ فأطلق التزكية ".
وقال السبكي رحمه الله في طبقات الشافعية الكبرى 2 / 18
" ومما ينبغى أن يتفقد عند الجرح أيضاً حال الجارح فى الخبرة بمدلولات الألفاظ فكثيراً ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها
والخبرة بمدلولات الألفاظ ولا سيما الألفاظ العرفية التى تختلف باختلاف عرف الناس وتكون فى بعض الأزمنة مدحاً وفى بعضها ذماً أمر شديد لا يدركه إلا قعيد بالعلم
ومما ينبغى أن يتفقد أيضاً حاله فى العلم بالأحكام الشرعية فرب جاهل ظن الحلال حراماً فجرح به
وقال الذهبي رحمه الله عند ترجمة الفضيل " إذا كان مثل كبراء السابقين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج ومثل الفضيل بن عياض يتكلم فيه ، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس ؟ ولكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء يفتقر إلي وزن بالعدل والورع " سير أعلام النبلاء 8/448 .
وقال القنوجي رحمه الله في هداية السائل إلي أدلة المسائل " قد فتح باب التقليد والتمذهب عدوات وتعصبات قل من سلم منها إلا من عصمه الله " ميزان الأعتدال 1/111 سير أعلام النبلاء 5/399 وانظر كلام الصيادي في ذلك قلادة الجواهر 207 .
... وقال الإمام أحمد رحمه الله " كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتي يبين ذلك بأمر لا يحتمل غير جرحه " تهذيب التهذيب ص 428 .
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله " لو كان كل من أدعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما أدعي به ، وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار ، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلي ما يرغب به عنه ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح ، وما تسقط العدالة بالظن "
هدي الساري ص 428 .
وقال البربهاري رحمه الله في شرح السنة 57
" ولا يحل لرجل أن يقول فلان صاحب سنة حتى يعلم أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة فلا يقال له صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها ".
وقال صالح الفوزان حفظه الله في إتحاف القارئ 2/275
" لا تزكي الشخص وتمدحه إلا عن علم؛ لئلا يغتر الناس بمدحك له وهو ليس كذلك، فإذا تحققت منه ومن طريقته، ومن علمه ومن استقامته فإنك تزكيه، أما أن تنبعث في مدحه وتزكيته وأنت لا تعلم عنه شيئاً فهذه تزكية خطيرة تغر الناس بهذا الشخص، فليت الذين يزكون الناس يتوقفون عند ذلك، فلا يزكون إلا من توفرت فيه شروط التزكية؛ لأن التزكية شهادة، فإذا كانت التزكية غير صحيحة صارت شهادة زور.
قوله: (قد اجتمعت فيه خصال السنة) خصال السنة تكون في العقيدة وفي العلم وفي العمل وفي الاقتداء بالسلف الصالح، أما أنه ليس فيه إلا خصلة واحدة فلا تحكم عليه أنه من أهل السنة بموجب خصلة واحدة أو شيء واحد، فكيف بمن ليس عنده شيء منها؟! "
3 - الشرط الثالث :أن عندهم اجتناب التام بالتعصب ومنافسة دنيوية ومنافرة وبعيدون عن غضب النفسي ولا يجرحون إلا بحجة وبرهان واضح. مثل الإمام العلامة المجاهد الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
قال السبكي رحمه الله في طبقات الشافعية الكبرى 2 / 12
" أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره فى حق من غلبت طاعاته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة فى الذى جرحه من تعصب مذهبى أو منافسة دنيوية كما يكون من النظراء أو غير ذلك ".
وقال اللكنوي رحمه الله في الرفع والتكميل 1 / 409
" الجرح غير إذا صدر من تعصب أو عداوة أو منافرة أو نحو ذلك فهو جرح مردود ولا يؤمن به إلا المطرود
ومن ثم قالوا لا يقبل جرح المعاصر على المعاصر أي إذا كان بلا حجة لأن المعاصرة تفضي غالباً إلى المنافرة
قد صرحوا بأن كلمات المعاصر في حق المعاصر غير مقبولة وهو كما أشرنا إليه مقيد بما إذا كانت بغير برهان وحجة وكانت مبنية على التعصب والمنافرة فإن لم يكن هذا ولا هذا فهي مقبولة بلا شبهة فاحفظه فإنه مما ينفعك في الأولى والآخرة ".
وقال أبو عمر رحمه الله في جامع بيان العلم وفضله 2 / 296
" هذا باب قد غلط فيه كثير من الناس، وضلت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك، والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته، وبانت ثقته وعنايته بالعلم، لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحه ببينة عادلة تصح بها جرحه على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب تصديقه فيما قاله لبراءته من الغل والحسد والعداوة
وأما من لم تثبت إمامته ولا عرفت عدالته ولا صحت لعدم الحفظ والاتقان روايته، فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه
لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان ولا حجة توجبه ".
هنا نورد بعض الشبه والجواب عليها .
الشبهة الأولى قولهم : إذا كان الجرح مبني على العقائد فلا يقبل منه؟
واستدلوا على ذلك قول بعض أهل العلم ؟
منهم قول السبكي في دفاعه للصوفية كما في طبقات الشافعية الكبرى 2 / 19
ومما ينبغى أيضاً تفقده وقد نبه عليه شيخ الإسلام ابن دقيق العيد الخلاف الواقع بين كثير من الصوفية وأصحاب الحديث فقد أوجب كلام بعضهم فى بعض كما تكلم بعضهم فى حق الحارث المحاسبى وغيره وهذا فى الحقيقة داخل فى قسم مخالفة العقائد وإن عده ابن دقيق العيد غيره
والطامة الكبرى إنما هى فى العقائد المثيرة للتعصب والهوى نعم وفى المنافسات الدنيوية على حطام الدنيا وهذا فى المتأخرين أكثر منه فى المتقدمين وأمر العقائد سواء فى الفريقين
وقال أيضاً رحمه الله في طبقات الشافعية الكبرى 2 / 12
" ومما ينبغى أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح فربما خالف الجارح المجروح فى العقيدة فجرحه لذلك وإليه أشار الرافعى بقوله وينبغى أن يكون المزكون برآء من الشحناء والعصبية فى المذهب خوفاً من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق وقد وقع هذا لكثير من الأئمة جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب ".
وقول ابن حجر كما في مقدمة فتح البارى 1 / 382
" واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق ".
وقول ابن دقيق العيد في الاقتراح 33
" وقد علم أن علوم الأوائل قد انقسمت إلى حق وباطل . ومن الحق : علم الحساب والهندسة والطب . ومن الباطل : ما يقولونه في الطبيعيات وكثير من الإلهيات ، وأحكام النجوم .
وقد تحدث في هذه الأمور أقوام ، ويحتاج القادح بسبب ذلك إلى أن يكون مميزاً بين الحق والباطل ، لئلا يكفر من ليس بكافر ، أو يقبل رواية الكافر ".
وهذه الأقوال باطلة ومخالفة بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف وعملهم في تعامل أهل البدع وجرحهم لأن جرح السلف مبني على العقيدة ، وما تكلم أهل السنة والجماعة على الفرق الضالة إلا بسبب عقيدة فاسدة ارتكبها أهل الإنحراف والبدع، وليس جرح علماء الحديث على أهل الأهواء قائم على انتقام النفسي والتشف بها ، ولكن قائم على دفاع بدين الله وغيرة لله عز وجل ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..
وربما بعض الناس ومن ليس عنده علم السلف يفرح قول السبكي وابن دقيق العيد وابن حجر وغيرهم ويسكت عن أهل البدع لأجل أنهم يخالفونه في العقيدة وبعضهم يتحير ولا يدري ما يقول .
والجواب عن هذه الشبهة والرد عليها ما يلي :
أولاً : كتاب الله كما تقدم :
قال الإمام القصاب رحمه الله في نكت القرآن 1/102
قال الله تعالى في المنافقين ( صم بكم عمي )
" وحجة في أن من أراد المبالغة في ذم شيئ أو مدخه فجائز له الإفرط فيه ولا يكون كاذباً ولا آثماً لإحاطة العلم بأن من وصفه جل وعلا في هذه الآية بالصم والبكم والعمي كان له سمع يسمع به ولسان ينطق به وعين يبصر بها لكنه لما لم يصغ إلى مواعظ الله واستكبر عن النطق بشهادة الحق من التوحيد وتنكب طريق الهداية وصفه بكل ذلك إذ زال عنه حقيقة الانتفاع بما أريد منه ".
وهذا الجرح في الآية بسبب عقيدة خالفوا فيه بالمسلمين فجرحهم الله تعالى بهذه الصفات القبيحة المذمومة .
ثانياً : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال رسول الله في الخوارج أنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وابن مسعود وعلي في مسلم
وجرح رسول الله في الخوارج بسبب عقيدة أحدثوها في الأمة
وقال رسول الله في الفرق الضالة في حديث الافتراق كلها في النار وهذا بسبب عقائد خالفوا فيها أهل الحق
وقال رسول الله في أئمة المضلون
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون ) أحمد و رواه الدارمي وصححه الألباني عن أبي الدرداء وثوبان
والآحاديث رسولنا كثيرة في جرح أهل البدع والأهواء بسبب عقيدة ارتكبوها .
وهذا القدر يبين المقصودنا في هذه المسألة
ثالثاً : أقوال الصحابة رضي الله عنهم :
وجاء عن الصحابة أقوال كثيرة تدل على جرح أهل الضلال بسبب عقيدة اعتقدوها فمن ذلك قول عمر بن الخطاب أنه قال سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن فجادلوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله . رواه الدارمي في سننه وسنده صحيح .
وعبد الله بن عمر جاءه إنسان فقال إن فلاناً يقرأ عليك السلام لرجل من أهل الشام فقال ابن عمر إنه قد بلغني أنه قد أحدث حدثاً فإن كان كذلك فلا تقرأ عليه مني السلام : سنده صحيح رواه الدارمي
قال عبد الله بن العباس لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب. سنده حسن أخرجه ابن بطة في الإبانة والآجري في الشريعة.
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الإختلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي . رواه البخاري في صحيحه
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه إياكم ومجالسة أصحاب الرأي فأنهم أعداء السنة أعيتهم السنة أن يحفظوها ونسوا ( وفي رواية وتفلتت عليهم ) الأحاديث أن يعوها وسئلوا عما لا يعلمون فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل أن نبيكم لم يقبضه الله حتى أغناه بالوحي عن الرأي ولو كان الرأي أولى من السنة لكان باطن بالمسح من ظاهرهما} شرح أصول الاعتقاد وابن عبدالبر في جامع
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام 1ـ44 وأسانيد هذه الأثار عن عمر في غاية الصحة .
وغيرها من الأقوال التي تدل على أن جرح الصحابة على أهل البدع كان بسبب العقيدة
رابعاً : إجماع السلف :
أجمع السلف على جرح أهل البدع بسبب ماارتكبوا من العقائد الفاسدة .
وممن نقل إجماعهم فضيل بن عياض حيث قال رحمه الله كما في حلية الأولياء
إن لله عزوجل ملائكة يطلبون حلق الذكر فانظر مع من يكون مجلسك لا يكون مع صاحب بدعة فإن الله تعالى لا ينظر إليهم،وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة وأدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وهم ينهون على أصحاب البدعة
والإمام البغوي في شرح السنة
وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم.
وممن نقل الإجماع أيضاً عبد الرحمن بن الزناد وأبو عبيد القاسم بن سلام و إسماعيل بن يحيى المزني و أبو عبد الله عبيد الله بن بطة و ابن الصلاح وابن حبان و أبو عثمان الصابوني والقاضي أبي يعلى وابن عبد البر وابن كثير وابن مفلح وأبو العباس أحمد بن عمر وأبو إسحاق الشاطبي وشيخ الإسلام وغيرهم
وهو إجماع مبني على جرح أهل الباطل لأجل العقيدة
خامساً : أقوال علماء الأمة :
وقد جاء عن السلف وعلماء الأمة بجرح أهل البدع بسبب عقائدفاسدة وأهواء مردية
ونجمل هذه الأقوال فنكتفي بذكر اسم الشيخ لأجل الاقتصار ومن أراد زيادة على ذلك فليراجع رسالتي بـ ( أقوال الأئمة المهتدين بقطع ألسنة المبتدعين )
منهم قول عمربن عبدالعزيز وأبي قلابة والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأبوالعالية وابن أبي و أبو قلابة وابن عون وابن بطة وأيوب السبختاني وحسان بن عطية ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل والإمام القرطي وابن الجوزي وابن حبان وأبو شامة وأبو حفص عمرو بن سلمة النيسابوري ومصعب بن سعد ومسلم بن يسار ومحمد بن جرير وأبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني وحماد بن زيد و أبو داوود السجستاني ورافع بن أشرس وأسد بن موسى لأسد بن الفرات و إبراهيم النخعي ومجاهد وهشام بن حسان والفريابي وعبد الله بن المبارك و مقاتل بن محمد
وهو قول التابعين وأتباع التابعين والذين من بعدهم وإلى وقتنا هذا ولم يخالف عن هذا الطريق إلا أهل الضلال والبدع والإنحراف .
سادساً : أقوال أهل السنة والجماعة:في جرح بعض أهل الفرق كالجهمية والخوارج والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والكلابية والصوفية والكرامية والرافضة والشيعة والزيدية والحزبية العصرية وغيرهم من الفرق أهل الإنحراف الذين ضلوا وانحرفوا بسبب عقائد فاسدة
الشبهة الثانية قولهم : إذا كان الجرح من كلام الأقران فإنه يطوى ولا يروى ؟
هذا الكلام يحمل إذا كان من أجل الدنيا أو إذا كان بلا حجة ولا برهان أو مبني على الهوى والعصبية ، أو عداوة دنيوية .
أما إذا كان مبني على رد عقيدة فاسدة وضلال واضح ارتكب صاحه , ونصرة للحق فلا يكون من هذا الباب, وإليك كلام أهل العلم رحمهم الله
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم 6 / 206
فأما من يشتم على العصبية أو العداوة لنفسه أو على ادعائه أن يكون مشتومًا مكافئًا بالشتم فهذه العداوة لنفسه وكل هؤلاء ترد شهادته عمن شتمه على العداوة وأما الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول كفوا عن حديثه ولا تقبلوا حديثه لأنه يغلط أو يحدث بما لم يسمع وليست بينه وبين الرجل عداوة فليس هذا من الأذى الذي يكون به القائل لهذا فيه مجروحًا عنه لو شهد بهذا عليه إلا أن يعرف بعداوةٍ له فترد بالعداوة لا بهذا القول .
وقال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء 10 / 92
كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية، لا يلتفت إليه، بل يطوى ولا يروى.
وقال أيضاً رحمه الله في لسان الميزان 1 / 201
قلت كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ولا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصم الله وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى النبيين والصديقين .
وقال أيضاً رحمه الله في سير أعلام النبلاء (7 / 40)
قلت: لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة ، وقد علم أن كثيراً من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به ، ولا سيما إذا وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم الانصاف،
وقال ابن حجر رحمه الله في تهذيب التهذيب 8 / 71
إن كلام الأقران غير معتبر في حق بعضهم بعضاً إذا كان غير مفسر لا يقدح.
إذا دلت القرينة أنه صدر بهوى وعصبية وظلم وجور ومنافسة دنيوية في هذه الحالة يجب ترك كلام الأقران .
وأما إذا كان كلام الأقران في بيان انحراف الشخص وفساد عقيدته وبدعته ونحو ذلكم فليس من هذا النمط .
وهذا الكلام استفذنا من كلام أهل العلم حيث قالوا " إذا تبرهن أنه بهوى وعصبية " لا سيما إذا لاح لك أنه العداوة " وليست بينه وبين الرجل عداوة " إلا أن يأتي في جرحه ببينة عادلة " وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي " إذا كان بلا حجة "
أما إذا كان بعدل وحق وعلم وعرف مدخله ومخرجه وفساد عقيدته فهو مقبول بلا شبهة
ونذكرهنا مثال واحد الكرابسي وأحمد حصل بينهم كلام مبني على العقيدة فهل طوى أهل العلم ولم يرووه ؟ أم بنو به أحكاماً
الجواب بنو به أحكاماً وأموراً عقدية مدونة في الكتب
قال الذهبي رحمه الله في لسان الميزان 2 / 303 الضعفاء والمتروكين1 / 216 تهذيب التهذيب 2 / 311
قال الأزدي " ساقط لا يرجع إلى قوله "وقال الخطيب " حديثه يعز جداً لأن أحمد بن حنبل كان يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ وهو أيضاً كان يتكلم في أحمد فتجنب الناس الأخذ عنه ولما بلغ يحيى بن معين أنه يتكلم في أحمد لعنه وقال ما أحوجه الى أن يضرب وكان يقول القرآن كلام الله غير مخلوق ولفظي به مخلوق فان عنى التلفظ فهذا جيد فإن أفعالنا مخلوقة وإن قصد الملفوظ بأنه مخلوق فهذا الذي أنكره أحمد والسلف وعدوه تجهماً ومقت الناس حسيناً لكونه تكلم في أحمد .
الشبهة الثالثة قولهم : لا نقبل جرح من شيخ واحد حتى يتكلم فيه كلهم ؟
فإن هذا الكلام في غاية من البطلان بحيث لا يشترط في المجرح والمعديل العدد بل يقبل من الواحد كما يقبل الخبر وهذا هوالرّاجح نقله الخطيب عن كثير من أهل العلم، ورجحه العراقي في شرح الألفية1/295 وابن حجر في نزهة النظر مع النخبة 72 والسخاوي في فتح المغيث 1/290
قال ابن الصلاح رحمه الله في علوم الحديث
لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه وتعديله .
لا يكره الجرح إلا جاهل
قال الترمذى رحمه الله في سننه 12 / 482وقد عاب بعض من لا يفهم على أهل الحديث الكلام في الرجال وقد وجدنا غير واحدٍ من الأئمة من التابعين قد تكلموا في الرجال منهم الحسن البصري وطاوس تكلما في معبدٍ الجهني وتكلم سعيد بن جبيرٍ في طلق بن حبيبٍ وتكلم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي في الحارث الأعور وهكذا روي عن أيوب السختياني وعبد الله بن عونٍ وسليمان التيمي وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري ومالك بن أنسٍ والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ويحيى بن سعيدٍ القطان ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أهل العلم أنهم تكلموا في الرجال وضعفوا وإنما حملهم على ذلك عندنا والله أعلم النصيحة للمسلمين لا يظن بهم أنهم أرادوا الطعن على الناس أو الغيبة إنما أرادوا عندنا أن يبينوا ضعف هؤلاء لكي يعرفوا لأن بعض الذين ضعفوا كان صاحب بدعةٍ وبعضهم كان متهمًا في الحديث وبعضهم كانوا أصحاب غفلةٍ وكثرة خطإٍ فأراد هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم شفقةً على الدين وتثبيتًا لأن الشهادة في الدين أحق أن يتثبت فيها من الشهادة في الحقوق والأموال
وقال ابن رجب رحمه الله في شرح علل الترمذي1 / 121
مقصود الترمذي رحمه الله أن يبين أن الكلام في الجرح والتعديل جائز قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها ، لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن مما لا يجوز قبوله .
وقد ظن بعض من لا علم عنده أن ذلك من باب الغيبة ، وليس كذلك ، فإن ذكر عيب الرجل إذا كان فيه مصلحة ولو كانت خاصة كالقدح في شهادة شاهد الزور جائز بغير نزاع ، فما كان فيه مصلحة عامة للمسلمين أولى .
وقال سعيد بن عمر البرذعي رحمه الله في سؤالاته 2 / 561 سير أعلام النبلاء 12 / 112
سئل أبا زرعة عن الحارث المحاسبي وكتبه فقلت للسائل إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغني عن هذه الكتب قيل له في هذه الكتب عبرة قال من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطوات والوساوس وهذه الأشياء هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم فأتونا مرة بالحارث المحاسبي ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ومرة بحاتم الأصم ومرة بشقيق البلخي ثم قال ما أسرع الناس إلى البدع
وقال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (11 / 534)
قال السلمي في محن الصوفية : ذو النون أول من تكلم ببلدته في ترتيب الأحوال، ومقامات الأولياء، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم، وهجره علماء مصر.وشاع أنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف، وهجروه حتى رموه بالزندقة.
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على المنطقيين 359
دل على جواز الغيبة لمصلحة راجحة مثل نصيحة المستشير فانها لما استشارته وجب نصحها ومثل ذلك الكلام في جرح الرواة الكاذبين والغالطين وشهادة الشاهد الكاذب وشكاية المظلوم وغيرذلك عما دل الشرع على جوازه .
الحمد لله رب العالمين وصلى الله علي نبينا محمد بن عبد الله وآله وأصحابه وسلم
1) ) - البحر المحيط (1 / 366) أضواء البيان (8 / 300) (معالم السنن ) (1 / 368) عون المعبود (6 / 334) سبل السلام (2 / 153) توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار (2 / 122) الشرح الكبير (11 / 448) والمغني (11 / 415) مجموع فتاوى (التفسير) (4 / 10) مجموع الفتاوى (15 / 357) مجموع الفتاوى (15 / 358) شرح زاد المستقنع (30 / 24) الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4 / 400) الإنصاف (11 / 284)و الزركشي في شرحه (3 / 375) كشف المخدرات والرياض الزاهرات لشرح أخصر المختصرات/ (2 / 63) كشاف القناع (6 / 348) مطالب أولي النهى (6 / 511) الإنصاف (11 / 212) الشرح الممتع على زاد المستقنع (15 / 337)
) 2) - تفسيره الرازي في 6 / 328 تفسير ابن عثيمين 4 /51 تفسير 4 / 134 الإقناع في فقه الإمام أحمد 4 /400 الإنصاف 11 / 213 الخلاصة في فقه الأقليات 2 / 84 اقتضاء الصراط المستقيم ، ص: 37 .
تعليق