البيان المفيد
لبعض ما أصله ونقضه عمليًّا شيخنا عبيد
كتبه:
أبو عبدالله محمد بن عبدالله باجمال
الحمد لله الذي مَنَّ علينا بالإسلام والسنة، وسلمنا بفضله وكرمه من مقاربة البدعة، وأعاذنا من شباك الحزبية النتنة، وحبائلها المفتنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والمنة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد:
فقد نشر أصحاب ابني مرعي شريطًا مجانًا، وبأعداد كثيرة في شوال الماضي عام 1428هـ بعنوان: (مقتطفات من اجتماع أهل السنة بالشحر)، فيه كلمات لعدد من علماء أهل السنة، وكان مما شد انتباهي، ولفت نظري -حين سمعته- كلام لشيخنا أبي عبدالعزيز عبيد بن عبدالله الجابري -وفقه الله وسدده وحفظه- فأغفلته وأهملته رجاء الخير والألفة على السنة، وزوال أسباب الفرقة والفتنة، ولكن الأمر لله عزوجل من قبل ومن بعد، إذ حصلت بعده الردود بين شيخنا عبيد الجابري، وشيخنا الناصح الأمين يحي الحجوري بداية من قضية الجامعة الإسلامية، ونهاية بقضية عبدالرحمن العدني المفتون، والحق أن ردود شيخنا يحيى حفظه الله كانت مسددة موفقة، داعية للحق، وملازمة للأدب.
فبعد هذا وذاك عزمت على إظهار ما سمعنا به ورأيناه من تناقض وقع فيه شيخنا عبيد وفقه الله وحفظه وسدده –خصوصًا- بعد نزوله اليمن، وما حدث بسبب قدومه حفظه الله فيها من قلاقل وإِحَن، فأسأل الله العلي القدير أن يلهمنا وسائر مشايخنا الصواب والهدى، وأن يعيذنا من الزيغ والهوى، إنه ولي ذلك والقادر عليه، فأقول مستعينًا بالله:
قال شيخنا عبيد بن عبدالله الجابري حفظه الله ووفقه في الشريط المشار إليه آنفًا:
ومن الأمور التي يجب أن يسلكها العالم الذي يسوس الناس ويدعوهم إلى الهدى والنور: البعد عن البذاءة بذاءة اللسان، وفحش القول، وإن كان قاله عالم قبله؛ فليس كل مقال يوافق كل زمان!(1) فإن العلماء المحققين الربانيين من أدركنا منهم ومن لم ندرك، فإنك إذا نظرت في كلامهم مع الموافق والمخالف تجده رفيع الأدب، وسليم العبارة، فمن كلام الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في رده على الألباني رحمه الله بعض المسائل فإنه يسلك أمرين:
الأمر الأول: بيان ما ترجح عنده في المسألة بدليله.
والأمر الثاني: الثناء على الألباني رحمه الله، ومن ذلك قوله: وقد أخطأ أخونا الألباني في هذه المسألة.
هذا كلام جميل، وأسلوب حسن، وأدب رفيع نحن محتاجون إليه.(2)
وكذلك الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رد على ابن قدامة مسألة التفويض في كتابه لمعة الاعتقاد، فإنه قال ما يفهم التفويض حين قسم الكلام وقسم النصوص إلى محكم ومتشابه، والمتشابه نرده إلى الله سبحانه وتعالى نؤمن به ظاهرًا ونكل لفظه إلى الله عزوجل.(3) أو كما قال رحمه الله لا أحيط بالعبارة الآن، لكن الشاهد أن الشيخ محمد رد هذا الكلام ردًّا قويًّا بليغًا، ثم بعد ذلك أبعد ابن قدامة من التفويض، قال: وليس مفوضًا.
ونحن نسمع اليوم من إخوة لنا نرى أن السنة جمعت بيننا وبينهم: من شناعة العبارة، وسوء القول، والفحش في القول، بما يربأ العامي أن يخاطب به عاميًّا آخر، فكيف من ينتسب إلى العلم؟! ربما شنع واحد منهم على آخر في مسألة من موارد الاجتهاد،(4) ترجح عنده غير ما ترجح للطرف الآخر: (مخذول)، (جاهل)، (يجب أن يطلب العلم) وما يدري هذا المسكين أنه يعني: جهَّل ألوف من علماء المسلمين أعلم منا ومنه بهذا الكلام، وكان الواجب عليه أن يقول: الراجح عندنا في هذه المسألة كذا، ويبين ما توصل إليه هو وترجح عنده بالدليل، فإنك إذا خالفت طرفًا آخر من أهل العلوم فلك أن تبين بالقوة –أي بالقوة العلمية لا بالقوة اللسانية- بالقوة العلمية دليل ما ذهبت إليه، وترجيح الراجح عندك في المسألة، ولك ألا تسمح لأحد أن يثنيك بالقوة. (ثم ذكر مثالًا على ذلك وهو اختلاف العلماء في تارك الصلاة).
إلى أن قال:
ولعلي أختم الكلمة بوصية أو بقول جميل للإمام مالك رحمه الله، نقلها عنه علماء التراجم كالذهبي،(5) يقول: لا يؤخذ العلم عن أربعة أو قال: لا آخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، ومبتدع يدعو إلى بدعته، ومن يكذب على الناس وإن كنت لأتهمه(6) على الحديث أو في الحديث، -سفيه يعلن السفه، مبتدع يدعو إلى بدعته، والكذاب الذي يكذب على الناس وإن كان ليتهمه(7) على الحديث-، والرابع: رجل عابد صالح لا يعلم ما يقول، أو قال: لا يحفظ ما أقول.(8)
عبارات اختلفت لكن المقصود: أنه يعني بالرابع: الذي ليس عنده علم ولا حفظ، ولا يدري ما يقول حينما يخاطب الناس.
والمقصود: أن العالم يجب عليه أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجتهد في رد الناس إلى الأمر الأول، وأن يكون على الرفق ما أمكنه ذلك، فإذا أعياه الناس واحتاج الأمر إلى تعنيف فلا يكن ذلك على حساب السب والشتم، وبذاءة الكلام، ووقاحة المنطق، (9) وإنما بالقوة العلمية التي تجعل المنصف الفطن الكيس العاقل يقبل الكلام أو يسكت، ولإلغاء الأمر سلوك مسلك السفهاء الذين يطلقون العبارات ولا يبالون، وإنما إذا قيل قول يخالف قوله أطلق اللسان إلى العنان، ولا يدري هذا المسكين ماذا يترتب على عبارته من إشاعة البغضاء والعداوة والفرقة في عباد الله. اهـ(10)
........................................
لبعض ما أصله ونقضه عمليًّا شيخنا عبيد
كتبه:
أبو عبدالله محمد بن عبدالله باجمال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي مَنَّ علينا بالإسلام والسنة، وسلمنا بفضله وكرمه من مقاربة البدعة، وأعاذنا من شباك الحزبية النتنة، وحبائلها المفتنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والمنة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد:
فقد نشر أصحاب ابني مرعي شريطًا مجانًا، وبأعداد كثيرة في شوال الماضي عام 1428هـ بعنوان: (مقتطفات من اجتماع أهل السنة بالشحر)، فيه كلمات لعدد من علماء أهل السنة، وكان مما شد انتباهي، ولفت نظري -حين سمعته- كلام لشيخنا أبي عبدالعزيز عبيد بن عبدالله الجابري -وفقه الله وسدده وحفظه- فأغفلته وأهملته رجاء الخير والألفة على السنة، وزوال أسباب الفرقة والفتنة، ولكن الأمر لله عزوجل من قبل ومن بعد، إذ حصلت بعده الردود بين شيخنا عبيد الجابري، وشيخنا الناصح الأمين يحي الحجوري بداية من قضية الجامعة الإسلامية، ونهاية بقضية عبدالرحمن العدني المفتون، والحق أن ردود شيخنا يحيى حفظه الله كانت مسددة موفقة، داعية للحق، وملازمة للأدب.
فبعد هذا وذاك عزمت على إظهار ما سمعنا به ورأيناه من تناقض وقع فيه شيخنا عبيد وفقه الله وحفظه وسدده –خصوصًا- بعد نزوله اليمن، وما حدث بسبب قدومه حفظه الله فيها من قلاقل وإِحَن، فأسأل الله العلي القدير أن يلهمنا وسائر مشايخنا الصواب والهدى، وأن يعيذنا من الزيغ والهوى، إنه ولي ذلك والقادر عليه، فأقول مستعينًا بالله:
قال شيخنا عبيد بن عبدالله الجابري حفظه الله ووفقه في الشريط المشار إليه آنفًا:
ومن الأمور التي يجب أن يسلكها العالم الذي يسوس الناس ويدعوهم إلى الهدى والنور: البعد عن البذاءة بذاءة اللسان، وفحش القول، وإن كان قاله عالم قبله؛ فليس كل مقال يوافق كل زمان!(1) فإن العلماء المحققين الربانيين من أدركنا منهم ومن لم ندرك، فإنك إذا نظرت في كلامهم مع الموافق والمخالف تجده رفيع الأدب، وسليم العبارة، فمن كلام الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في رده على الألباني رحمه الله بعض المسائل فإنه يسلك أمرين:
الأمر الأول: بيان ما ترجح عنده في المسألة بدليله.
والأمر الثاني: الثناء على الألباني رحمه الله، ومن ذلك قوله: وقد أخطأ أخونا الألباني في هذه المسألة.
هذا كلام جميل، وأسلوب حسن، وأدب رفيع نحن محتاجون إليه.(2)
وكذلك الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رد على ابن قدامة مسألة التفويض في كتابه لمعة الاعتقاد، فإنه قال ما يفهم التفويض حين قسم الكلام وقسم النصوص إلى محكم ومتشابه، والمتشابه نرده إلى الله سبحانه وتعالى نؤمن به ظاهرًا ونكل لفظه إلى الله عزوجل.(3) أو كما قال رحمه الله لا أحيط بالعبارة الآن، لكن الشاهد أن الشيخ محمد رد هذا الكلام ردًّا قويًّا بليغًا، ثم بعد ذلك أبعد ابن قدامة من التفويض، قال: وليس مفوضًا.
ونحن نسمع اليوم من إخوة لنا نرى أن السنة جمعت بيننا وبينهم: من شناعة العبارة، وسوء القول، والفحش في القول، بما يربأ العامي أن يخاطب به عاميًّا آخر، فكيف من ينتسب إلى العلم؟! ربما شنع واحد منهم على آخر في مسألة من موارد الاجتهاد،(4) ترجح عنده غير ما ترجح للطرف الآخر: (مخذول)، (جاهل)، (يجب أن يطلب العلم) وما يدري هذا المسكين أنه يعني: جهَّل ألوف من علماء المسلمين أعلم منا ومنه بهذا الكلام، وكان الواجب عليه أن يقول: الراجح عندنا في هذه المسألة كذا، ويبين ما توصل إليه هو وترجح عنده بالدليل، فإنك إذا خالفت طرفًا آخر من أهل العلوم فلك أن تبين بالقوة –أي بالقوة العلمية لا بالقوة اللسانية- بالقوة العلمية دليل ما ذهبت إليه، وترجيح الراجح عندك في المسألة، ولك ألا تسمح لأحد أن يثنيك بالقوة. (ثم ذكر مثالًا على ذلك وهو اختلاف العلماء في تارك الصلاة).
إلى أن قال:
ولعلي أختم الكلمة بوصية أو بقول جميل للإمام مالك رحمه الله، نقلها عنه علماء التراجم كالذهبي،(5) يقول: لا يؤخذ العلم عن أربعة أو قال: لا آخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، ومبتدع يدعو إلى بدعته، ومن يكذب على الناس وإن كنت لأتهمه(6) على الحديث أو في الحديث، -سفيه يعلن السفه، مبتدع يدعو إلى بدعته، والكذاب الذي يكذب على الناس وإن كان ليتهمه(7) على الحديث-، والرابع: رجل عابد صالح لا يعلم ما يقول، أو قال: لا يحفظ ما أقول.(8)
عبارات اختلفت لكن المقصود: أنه يعني بالرابع: الذي ليس عنده علم ولا حفظ، ولا يدري ما يقول حينما يخاطب الناس.
والمقصود: أن العالم يجب عليه أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجتهد في رد الناس إلى الأمر الأول، وأن يكون على الرفق ما أمكنه ذلك، فإذا أعياه الناس واحتاج الأمر إلى تعنيف فلا يكن ذلك على حساب السب والشتم، وبذاءة الكلام، ووقاحة المنطق، (9) وإنما بالقوة العلمية التي تجعل المنصف الفطن الكيس العاقل يقبل الكلام أو يسكت، ولإلغاء الأمر سلوك مسلك السفهاء الذين يطلقون العبارات ولا يبالون، وإنما إذا قيل قول يخالف قوله أطلق اللسان إلى العنان، ولا يدري هذا المسكين ماذا يترتب على عبارته من إشاعة البغضاء والعداوة والفرقة في عباد الله. اهـ(10)
........................................
التعليقات (الحواشي):
(1) أقول: ما دام أن قول العالم –الموسوم بأنه من بذاءة اللسان وفحش القول- موافق للكتاب والسنة فلماذا يقال: ليس كل مقال يوافق كل زمان! هذا أمر.
الثاني: لماذا يسمى فحشًا وبذاءة وقد درج عليه سلفنا الصالح، والأدلة تدعمه من الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا﴾، قال مالك رحمه الله: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
فإن كان المراد من هذا الكلام أنه منفر للناس عن الحق، وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله. وابن مسعود يقول: ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
قلنا: هذا حق، لكن لا يمنع من التدرج معهم في العلم، وبيان عدم مخالفة هذا للكتاب والسنة ونهج سلف الأمة، فإذا بينا لهم وعرفناهم بمنهج السلف الصالح في مثل هذا فما المانع إذا عرَّفناهم بذلك أن نسير بسير سلفنا الصالح النافع؟ وإذا كانوا جاهلين عرفناهم كما عرفناهم بهجر أهل الأهواء والحذر والتحذير منهم، وأن الكلام فيهم ليس داخلًا في الغيبة المحرمة.
ولا بد أن يعلم أنه بمثل هذا الكلام تذرع من تذرع بعدم الأخذ بفعل ما أثر عن السلف من هجر أهل الأهواء، والتحذير منهم، والإغلاظ عليهم، بحجة أنه لا يصلح ولا يوافق هذا الزمان!!!
وما أظنك تجهل يا شيخنا عبيد! جهود شيخنا الإمام المجاهد الأثري أبي عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله مع أهل الأهواء والبدع والضلال والمخالفين، وكيف كانت مواجهته لهم، وحربه معهم، وتصديه لهم، وهو بين رافضة وصوفية وطوائف متعددة لا يكادون يعرفون من السنة شيئًا، فرفع الله به راية السنة، ونكس وأذل به راية البدعة، وما كان ذلك إلا بتعليمه الناس كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والسير بسيرة السلف وتطبيقه بينهم حتى أثمرت دعوته ثمرة لا نظير لها في العالم –والفضل في هذا لله وحده، ثم بجهوده وجهاده رحمه الله-.
بل أُثر عنه بالتواتر –وأيضًا بعد أن دخل المملكة العربية السعودية فترة علاجه- أنه كان يقول: ما نصر الله دعوة أهل السنة في اليمن إلا بأمرين: الأول: التميز. الثاني: الجرح والتعديل. اهـ
وإن أقواله –التي تسميها أنت وغيرك: سبًّا وشتمًا وبذاءة وفحشًا- في مواجهته لأهل البدع والتحزب كثيرة من ذلك:
1- قوله في طائفة من الرافضة مسماة بالشباب المؤمن: الشباب المجرم.
2- قوله في دعوة الإخوان المسلمين: ما تساوي بعرة.
3- وكان يسميهم: الإخوان المفلسين.
4- تسمية رده على القرضاوي: إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبدالله القرضاوي.
5- قوله في عبدالمجيد الريمي: مثل أصنج الكلاب.
6- قوله في عمار بن ناشر: السفيه الكذاب.
7- قوله في جامعة الإيمان: جامعة العميان.
8- قوله في الزنداني: دجال من الدجاجلة.
9- له شريط تكلم فيه على مجموعة من الناس سماه: عمائم على بهائم.
10- قوله في حسن الترابي: ترب الله وجهه، هو شيطان ملحد زائغ منحرف، لو كفره شخص ما أنكرنا عليه.
11- قوله في شيبة الحمد: هو بشيبة الذم أشبه.
12- تسميته جماعة الجهاد: جماعة الفساد.
13- قوله في عبدالرحيم الطحان: أنت جويهل أم مجادل بالباطل، دساس كذاب خائن.
14- قوله في عبدالقادر الشيباني: لص.
15- قوله في محمد المهدي: كذاب أشر، مخذول.
وأمثال ذلك مما هو مزبور في كتبه وأشرطته، وقد جُمِعَ الكثير منها في رسالة بعنوان: «المجروحون عند الإمام الوادعي رحمه الله» لأخينا أبي أسامة عادل السياغي.
وقد كان الكثير ينتقدون على شيخنا رحمه الله ذلك، وربما قيل له: لِـمَ لا تدع الكلمات الجارحات؟! فلَمْ يبال بذلك –رحمه الله- لأنه متبع للسلف الصالح فيما يقول.
قال رحمه الله في خاتمة كتابه: (نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة):
وأعجب من هذا كله أنه إذا قام غيور من أهل السنة ببيان أحوال العلماء الفسقة، أو الدعاة إلى الحزبية التي تخدم أغراض أمريكا تبرموا من صنيعه، وقالوا: الله الله في جمع الكلمة!!! الله المستعان تدعون إلى جمع الكلمة مع ديمقراطي أو حاقد على السنة ألد الخصام، يتآمر مع الصوفية ومع الشيعة على ضرب أهل السنة! ثم تقول لي: الله الله في جمع الكلمة! لا؛ لا؛ لا؛ لن أجمع كلمتي ودعوتي إلا مع سني، فإن قلت: فدع الكلمات الجارحات؟ قلت: راجع ما سبق من ترجمة أبي حنيفة تجد من الجرح ما هو أعظم، وقد ذكرت في مقدمة (المخرج من الفتنة) في الطبعات الأخيرة شيئًا من عبارات العلماء في الجرح والتعديل، وبعض الذين جرحوا خير من كثير من العصريين الذين تكلمت فيهم، على أنني أحمد الله فأهل السنة الذين قد خالطوا المبتدعة والحزبيين وعرفوا عداوتهم لأهل السنة تقر أعينهم بما نكتبه، لأنه دفاع عن السنة وعن أهل السنة، وإخماد لفتنة المبتدعة والحزبيين. اهـ
وقال رحمه الله في الجامع الصحيح (1/148): باب الجرح والتعديل عند أن أهمله المعاصرون اختلط الحابل بالنابل، والسني بالبدعي، والصادق بالكاذب، وعلماء السوء بالعلماء العاملين؛ فلم يستطع العامة أن يميزوا بين العلماء الصادقين المخلصين الناصحين من غيرهم، فأصبحوا ضحية الاختلاف، ولا سيما مع بروز هذه الجماعات الجاهلة إلى الساحة الإسلامية. وأقبح من هذا علماء السوء الذين يسيرون مع كل ناعق، بل ربما تشبه الشيوعي بالعلماء وقام خطيبًا في المجامع بل وفي المساجد، ولبس على الناس، فإني أنصح إخواني في الله أن يستعينوا بالله في كشف أحوال هؤلاء المارقين، وأولئك المنافقين، وأولئك الجاهلين، في مؤلفات نافعة لزمننا هذا وللأجيال القادمة. اهـ
ونحن لا نقول: إن شيخنا عبيدًا وفقه الله لا يرى التحذير من أهل الأهواء، ولكن نقول: كلام ورد عن سلفنا الصالح له نفعه لا يُعترض عليه بأنه: بذاءة لسان، وفحش قول ونحو ذلك، لكن إذا لم تره أنت فلا تعمل به، من غير تشنيع أو تشويه للغير، وإنما كلٌّ يعمل بما يراه يقربه لربه سبحانه وتعالى.
والحق: أن أهل الأهواء لما رأوا تأثير أقوال شيخنا رحمه الله في المجتمع وانتفاع الناس بها قالوا: مقبل ما عنده ردود علمية، ولا ردود بناءة، ما عنده إلا السب والشتم، وهو شديد على المخالفين، غال في أحكامه على من يخالفه في موارد الاجتهاد، ونحو ذلك مما يدندن به أصحاب جمعية الحكمة والإحسان والتراث، وسار على منهجهم أبو الحسن وحزبه، وعبدالرحمن وشلته –مؤخرًا- تأسيًا بسلفهم الأوائل من الحزبيين الهالكين.
فكان ماذا؟ ما كان إلا العزة لأهل السنة بفضل الله وحده إذ يسًّر ذلك على يد شيخنا ووالدنا الإمام الوادعي رحمه الله، لأنه سلك مسلكًا درج عليه سلفنا الصالح رحمهم الله، كان به إذلال الله وإهانته لأهل الأهواء والبدع.
وإن أهل السنة ولله الحمد والمنة لا يخفاهم جهود من يريدها دعوة سلمية رحيمة رفيقة زعم! وليس أسلم لهم وأرحم وأرفق من منهج السلف الصالح وتنزيله منازله، من غير أن يقال: ليس كل مقال ورد عن السلف يوافق كل زمان!!!!!
وإليك بعض الأدلة من الكتاب والسنة والأثر في جرح أهل الأهواء بالألفاظ الشديدة:
1- قال الله عزوجل في كتابه العزيز: ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث﴾.
وقال سبحانه: ﴿مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا﴾.
وقال تعالى عن موسى عليه السلام: ﴿فأصبح في المدينة خائفًا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين﴾.
وقال النبي ﷺ لأبي ذر: «إنك امرؤ فيك جاهلية».
وقال أحمد (2/163): حدثنا ابن نمير حدثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبدالله بن عمرو قال: كنا جلوسًا عند النبي ﷺ وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال ونحن عنده: «ليدخلن عليكم رجل لعين»، فوالله ما زلت وجلًا أتشوف داخلًا وخارجًا حتى دخل فلان يعني: الحكم. أي: ابن أبي العاص كما في رواية البزار، انظر كشف الأستار (2/247).
وهو في الصحيح المسند لشيخنا الإمام الوادعي رحمه الله وكذا ما سنذكره بعده من الأحاديث.
وقال الحاكم في مستدركه (1/56): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث حدثني أبي حدثني الجريري عن أبي عبدالله الجسري حدثنا جندب قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها فصلى خلف رسول الله ﷺ، فلما سلم رسول الله ﷺ أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا تشرك في رحمتنا أحدًا!! فقال رسول الله ﷺ: «ما تقولون: أهو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا ما قال؟» قالوا : بلى، فقال: «لقد حظر رحمة واسعة؛ إن الله خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة تعاطف بها الخلائق جنها و إنسها و بهائمها، وعنده تسعة وتسعون، تقولون: أهو أضل أم بعيره؟».
وقال أبو يعلى الموصلي (11/348): حدثنا مصعب بن عبدالله قال: حدثني ابن أبي حازم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ رأى في المنام كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيظ وقال: «مالي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة ؟» قال : فما رئي رسول الله ﷺ مستجمعًا ضاحكًا بعد ذلك حتى مات ﷺ.
وقال أحمد (5/253): حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: سمعت أبا غالب يقول: لما أتى برؤوس الأزارقة فنصبت على درج دمشق جاء أبو أمامة، فلما رآهم دمعت عيناه فقال: كلاب النار -ثلاث مرات-، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء، قال: فقلت: فما شأنك دمعت عيناك؟ قال: رحمة لهم؛ إنهم كانوا من أهل الإسلام، قال: قلنا: أبرأيك قلت: هؤلاء كلاب النار أو شيء سمعته من رسول ﷺ؟ قال: إني لجريء! بل سمعته من رسول الله ﷺ غير مرة، ولا اثنتين، ولا ثلاث، قال: فعد مرارا.
وجاء نحوه من حديث عبدالله بن أبي أوفى عند أحمد (4/382).
وقال النسائي في عمل اليوم والليلة (ص540): أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا عوف عن الحسن عن عتي بن ضمرة قال: شهدته يومًا –يعني: أبي بن كعب- وإذا رجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضه بأير أبيه ولم يكنه، فكأن القوم استنكروا ذلك منه، فقال: لا تلوموني؛ فإن نبي الله ﷺ قال لنا: «من رأيتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا»وفي رواية: «بهن أبيه».
فأنت ترى أن القوم استنكروا من أبي أمامة قوله: كلاب أهل النار، ومن أبي بن كعب حين أعض الرجل بأير أبيه، فهل عمل أبو أمامة وأبي بن كعب بهذه القاعدة: ليس كل مقال يوافق كل زمان؟ مع حصول الاستنكار من القوم؟!
الجواب: لا؛ بل بينا وبلغا، ولو لم يفعلا لما وصل إلينا هذان الحديثان، والحكمان النبويان وغيرهما.
وهذا ابن عمر رضي الله عنه كما في الصحيحين لما حدث بقول رسول الله ﷺ: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» قال أحد أولاده –قيل: واقد وقيل: بلال-: والله لنمنعهن! قال الراوي: فأقبل عليه عبدالله فسبه سبًّا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط!
فهل يقال: إن عبدالله بن عمر سباب شتام، بذيء اللسان، فاحش القول إلى آخر هذا القاموس؟ نعوذ بالله من ذلك، وحاشاه أن يوصف بذلك، بل هو معدود من مناقبه رضي الله عنه.
وقال أنس بن سيرين سألت ابن عمر قلت: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أَؤُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، قَالَ: إِنَّكَ لَضَخْمٌ! أَلَا تَدَعُنِي أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيثَ، الخ أخرجه مسلم (749).
قال النووي في شرح مسلم: قوله: «إنك لضخم» إشارة إلى الغباوة والبلادة وقلة الأدب. اهـ
وهذا جابر بن عبدالله كما في مسلم (3010) لما أنكر عليه عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بقوله: يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَتُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَرِدَاؤُكَ إِلَى جَنْبِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: بِيَدِهِ فِي صَدْرِي هَكَذَا وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا، أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الْأَحْمَقُ مِثْلُكَ فَيَرَانِي كَيْفَ أَصْنَعُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. وأخرجه البخاري (352) من وجه آخر، وفي رواية له (370): أحببت أن يراني الجهال مثلكم.
وفي الصحيحين خ (602) م (2057) عن عبدالرحمن بن أبي بكر –في قصة أضياف أبيه- وفيه أن أبا بكر قال له: يا غنثر! فجدع وسب.
قال النووي في شرح مسلم: قوله: (يا غنثر فجدع وسب) غنثر: بثاء مفتوحة ومضمومة لغتان هذه هي الرواية المشهورة في ضبطه، قالوا: وهو الثقيل الوخيم، وقيل: هو الجاهل، مأخوذ من الغثارة وهي الجهل، والنون فيه زائدة، وقيل: هو السفيه مأخوذ من الغثر وهو اللؤم. (وجدع) أي: دعا بالجدع، وهو قطع الأنف وغيره من الأعضاء. والسب: الشتم. اهـ
قال العلامة العثيمين في شرح رياض الصالحين عند هذا الحديث: فهذا دليل على أن الإنسان إذا غضب لسبب يقتضي الغضب فإنه لا يلام عليه، ولا يخدش من فضله ولا مرتبته.
وفيه أيضًا: أنه لا بأس أن الإنسان يصف ابنه أو من له ولاية عليه بالغباوة والجهل إذا فعل فعلًا يقتضي أنه غبي جاهل. اهـ
وأنت خبير بأن مما تقدم أطلق فيما ليس ببدعة أو خلاف للأصول، ومع ذلك أطلقت عليهم بعض الألفاظ الشديدة ولم يعد من الأمور المنتقدة، وقد اكتفيت ببعض ما ورد في السنة الصحيحة أو عن الصحابة، وأما عمن بعد الصحابة فشيء كثير جدًّا ملئت به كتب الجرح والتعديل والتراجم، ولا بأس أن نذكر أمثلة على ذلك من غير تعليق، مِنْ طَعْنِ العلماء في رجل له مذهب مشهور، وأتباع على اختلاف العصور، بألفاظ شديدة، وجارحة قوية ألا وهو أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي.
1- قال الأوزاعي وابن عيينة: ما ولد في الإسلام على هذه الأمة أشأم –وفي رواية- شر –وفي رواية- أضر من أبي حنيفة. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/188) وهو في (نشر الصحيفة) لشيخنا رحمه الله وكذا ما سيأتي.
2- وقال ابن المبارك: كان أبو حنيفة مسكينًا في الحديث. أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
3- عبدالله بن الزبير الحميدي كان يكني أبا حنيفة: بأبي جيفة! ويظهره في المسجد الحرام في حلقته والناس حوله. أخرجه الخطيب (13/432).
4- قال ابن عون: نبئت أن فيكم صدادين عن سبيل الله. قال سليمان بن حرب الراوي عن حماد بن زيد عنه: وأبو حنيفة وأصحابه ممن يصدون عن سبيل الله، أخرجه الخطيب في تاريخه (13/420).
5- قال عبدالرحمن بن مهدي: كان بين أبي حنيفة وبين الحق حجاب. أخرجه الخطيب في تاريخه (13/432).
6- قال إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل: ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء. أخرجه ابنه عبدالله في السنة (1/180)، والخطيب في تاريخه (13/439).
7- وقال أيضًا: أبو حنيفة أشد على المسلمين من عمرو بن عبيد لأن له أصحابًا. أخرجه الخطيب في تاريخه (13/437).
8- قال أحمد بن محمد بن عيسى البرتي فيه: المشئوم. أخرجه الخطيب في تاريخه (13/385).
9- قال أيوب السختياني لأصحابه في المسجد الحرام إذ رأى أبا حنيفة مقبلًا نحوه: قوموا بنا لا يعدنا بجربه، قوموا بنا لا يعدنا بجربه. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/188).
10- وقال أيضًا وقد ذكر أبا حنيفة: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره. أخرجه الفسوي في المعرفة (2/785).
11- قال حماد بن سلمة وقد ذكر له قول أبي حنيفة في مسألة سئل عنها: هذا والله قول ذاك المارق، وفي رواية: ذاك أبو حنيفة سد الله عزوجل به الأرض. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة
(1/211)، وفي رواية أنه كان هو وشعبة يلعنا أبا حنيفة.
12- وقال سفيان الثوري لما بلغه موت أبي حنيفة: الحمدلله الذي عافانا مما ابتلاه به. قال أبو عاصم الراوي عنه: فما سمعته يقول: رحمه الله.
13- وقال الثوري وقد عرضت له فتوى أبي حنيفة في مسألة: هذه فتيا يهودي.
14- وقال الثوري لأصحابه وهم جلوس في المسجد الحرام إذ رأى أبا حنيفة مقبلًا إليه: قوموا بنا لا يعدنا هذا بجربه، قال أبو نعيم: فقمنا وقام سفيان، قال أبو نعيم: وكنا مرة أخرى جلوسًا مع سفيان في المسجد الحرام فجاءه أبو حنيفة فجلس فلم نشعر به، فلما رآه سفيان استدار فجعل ظهره إليه.
15- قال سلمة بن عمرو القاضي على المنبر: لا رحم الله أبا حنيفة فإنه أول من زعم أن القرآن مخلوق. أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/506).
16- قال الأعمش وقد دخل عليه أبو حنيفة يعوده وهو يقول: يا أبا محمد لولا أن يثقل عليك مجيئي لعدتك في كل يوم! فقال الأعمش: من هذا؟ قالوا: أبو حنيفة، فقال: يا ابن النعمان أنت والله ثقيل في منزلك فكيف إذا جئتني!!! أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/190).
17- قال شريك النخعي: إنما أبو حنيفة جرب. أخرجه الخطيب في تاريخه (13/417).
18- وقال أيضًا: لأن يكون في كل ربع من أرباع الكوفة خمار يبيع الخمر؛ خير من أن يكون فيه من يقول بقول أبي حنيفة. أخرجه أحمد في العلل (2/547)، وابنه عبدالله في السنة (1/203).
19- وقال أيضًا: ما شبهت أصحاب أبي حنيفة إلا بمنزلة الدفافين؛ لو أن رجلًا كشف استه في المسجد ما بالى من رآه منهم! أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/209-210).
20- قال مالك بن أنس إمام دار الهجرة وقد ذكر أبا حنيفة بكلام سوء: كاد الدين، ومن كاد الدين فليس من الدين. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/199).
21- وقال أيضًا: الداء العضال الهلاك في الدين، وأبو حنيفة من الداء العضال. أخرجه الخطيب (13/422) وابن عدي في الكامل.
22- وقال أيضًا: ما زال هذا الأمر معتدلًا حتى نشأ أبو حنيفة فأخذ فيهم بالقياس فما أفلح ولا أنجح. أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله.
23- قال الشافعي: ما أشبه رأي أبي حنيفة إلا بخيط سحارة –وهو خيط يلعب به الصبيان- تمده هكذا فيجيء أحمر، وتمده هكذا فيجيء أخضر. أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه (ص172).
24- قال هشيم بن بشير وقد عورض في مسألة بقول أبي حنيفة وأصحابه: يا عبدالله! إن العلم لا يؤخذ من السفل. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/227).
والحاصل: أنني اقتصرت على مثال واحد، قد رأيتَ فيه شديد الأقوال الجارحة عن السلف الصالح في رجل له مذهبه المعروف المشهور، فما بالك بالحاقدين على السنة، الماكرين بأهلها، المحرشين بين حملتها، المتنكبين عن سبيلها.
وهذا يدلك على بطلان من يرمي من جرح أهل الأهواء بالكلمات الجارحة بأنه سباب شتام بذيء فاحش القول إلى آخر هذا القاموس.
وليعلم أن ما ورد عن السلف الصالح مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ينبغي أن يشاع في أوساط الناس، ليعم النفع به، وينتشر الخير، ويزول الشر، ومن عجز ولم يقدر عليه فلا لوم عليه إلا إذا استنكره، أو لم يرض بإشاعته، والله المستعان.
ولماذا لا يكون هذا من المسائل التي هي من موارد الاجتهاد التي لا تعنيف فيها، أو تشنيع، أو مقت؟!!!!
فإن قال قائل: ألم يقل النبي ﷺ: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء»؟
قلنا: نعم، وليس فيه المنع من ذلك كما لا يخفى بعد إبانة الحجج القاطعة، والبينات الساطعة من الأحاديث والآثار على عدم النكير في ذلك، لأنه مبني على الإرشاد والنصيحة، والتنفير من الشر والرذيلة، وعليه فيكون الحديث محمولًا على ما كان بغير وجه شرعي، قال تعالى: ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا﴾، وبوب النووي في رياض الصالحين: باب تحريم سب المسلم بغير حق. اهـ
ثم عقبه بـ: باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية، وهو التحذير من الاقتداء به في بدعته وفسقه ونحو ذلك. اهـ
وقال في الأذكار: وأما لعن الإِنسان بعينه ممّن اتَّصَفَ بشيءٍ من المعاصي كيهودي أو نصراني أو ظالم أو زانٍ أو مصوّرٍ أو سارقٍ أو آكلِ ربا فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام. اهـ وقد رأيت لعن شعبة وحماد بن سلمة لأبي حنيفة، هذا في اللعن فكيف بما هو دونه.
ثم قال عقب ما تقدم: فصل: ويجوزُ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وكلّ مؤدِّب أن يقولَ من يخاطبه في ذلك الأمر: ويلك، أو يا ضعيفَ الحال، أو يا قليلَ النظر لنفسه، أو يا ظالمَ نفسه، وما أشبه ذلك بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظُ قذفٍ صريحاً كان أو كنايةً أو تعريضاً ولو كان صادقاً في ذلك، وإنما يجوزُ ما قدَّمناه ويكون الغرضُ منه التأديب والزجر وليكونَ الكلامُ أوقعَ في النفس. اهـ
ولا بد أن يعلم أن اللين والرفق، والغلظة والشدة كل هذا من ديننا، وكل منهما يوضع في محله، فلا ينكر هذا ولا ينكر هذا.
قال الإمام العلامة المجدد الفقيه المحدث عبدالعزيز بن باز رحمه الله:
بيان أن الشريعة كاملة لا غالية ولا جافية
أما ما ذكره الكاتب عن مضار الغلو والتشديد فصحيح.
ولا شك أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالتحذير من الغلو في الدين، وأمرت بالدعوة إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولكنها مع ذلك لم تهمل جانب الغلظة والشدة في محلها حيث لا ينفع اللين والجدال بالتي هي أحسن ، كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ الآية، فشرع الله سبحانه لعباده المؤمنين الغلظة على الكفار والمنافقين حين لم تؤثر فيهم الدعوة بالحكمة واللين.
والآيات وإن كانت في معاملة الكفار والمنافقين دالات على أن الشريعة إنما جاءت باللين في محله حين يرجى نفعه. أما إذا لم ينفع واستمر صاحب الظلم أو الكفر أو الفسق في عمله، ولم يبال بالواعظ والناصح، فإن الواجب الأخذ على يديه ومعاملته بالشدة، وإجراء ما يستحقه من إقامة حد، أو تعزير، أو تهديد، أو توبيخ، حتى يقف عند حده وينزجر عن باطله. ولا ينبغي للكاتب وغيره أن ينسى ما ورد في هذا من النصوص والوقائع من حين بعث النبي ﷺ إلى عصرنا هذا.
وما أحسن ما قاله الشاعر في هذا المعنى:
جمع الشريعة بين الشدة واللين كل في محله
والخلاصة: أن الشريعة الكاملة جاءت باللين في محله، والشدة في محلها، فلا يجوز للمسلم أن يتجاهل ذلك، ولا يجوز أيضًا أن يوضع اللين في محل الشدة، ولا الشدة في محل اللين، ولا ينبغي أيضا أن ينسب إلى الشريعة أنها جاءت باللين فقط، ولا أنها جاءت بالشدة فقط، بل هي شريعة حكيمة كاملة صالحة لكل زمان ومكان ولإصلاح جميع الأمة، ولذلك جاءت بالأمرين معًا، واتسمت بالعدل والحكمة والسماحة، فهي شريعة سمحة في أحكامها وعدم تكليفها ما لا يطاق، ولأنها تبدأ في دعوتها باللين والحكمة والرفق، فإذا لم يؤثر ذلك وتجاوز الإنسان حده وطغى وبغى أخذته بالقوة والشدة، وعاملته بما يردعه ويعرفه سوء عمله. اهـ ثم ذكر دليل كل واحد من الأمرين. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/203-205).
ثم مثل هذا التنبيه من شيخنا عبيد وفقه الله وحفظه لو كان في بداية الدعوة إذ الناس لا يعرفون ذلك لقول علي وابن مسعود المتقدم فنعم، أما وقد صارت لها صولة وجولة، وأصبحت دعوة عريضة ملأت بحمد الله السهل والجبل، ومشارق الأرض ومغاربها، وعرفها الناس -من غير معاونة من وسائل الإعلام وغيرها- فأحبوها واعتنقوها، لصفائها ونقاوتها، وصدعها بالحق، وسيرها على سبيل السلف الصالح، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، فلا مجال إذًا للانشغال بمثل هذا الانتقاد المنتقد المردود بأدلة الكتاب والسنة والأثر، والذي عرف خيره، وعم نفعه، ونصرت به دعوة أهل السنة، وقمعت به دعوات أهل البدعة.
(2) لا شك أن الخلاف إذا كان بين أهل السنة فيما كانت الأدلة فيه متجاذبة، ينبغي أن تكون الردود فيها رفيقة القول، لطيفة العبارة، وهذا ولله الحمد حاصل، لكن من المسائل التي قد اختلف فيها ما تكون الأدلة قوية من جهة واحدة، والمخالف دليله ضعيف لا يقاوم المعارضة، فيلزم المخالف بالحجة الصحيحة الصريحة، وترك الاحتجاج بما هو ضعيف الإسناد أو الدلالة.
وهذا المخالف إما أن يقبل الحجة ويسلم لها، وإما أن يردها بالهوى والباطل والتعصب للمذهب والرأي، فإن كان الأول فقد تم المقصود والحمد لله، وإن كان الثاني فإنه يستدعي لشيء من الشدة والتخشين ليرتدع القائل به وينزجر، أو على الأقل يجتنب قوله ويحذر منه.
قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: وقولهم: إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى، أو العمل.
أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعًا شائعًا وجب إنكاره اتفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله.
وأما العمل: فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار، وكيف يقول فقيه: لا إنكار في المسائل المختلف فيها؟! والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتابًا أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء.
وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم! والصواب ما عليه الأئمة: أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ فيها -إذا عدم فيها الدليل الظاهر الذي يجب العمل به- الاجتهاد لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها. اهـ من إعلام الموقعين (3/288).
فتبين بهذا أن ليس كل خلاف له حظ من النظر، ومن أمثلة ذلك:
الخلاف في حرمة الغناء، فإن جمهور أهل العلم على تحريمه ونقل في ذلك الإجماع.
وقد قال بحله إبراهيم بن سعد الزهري وعبيدالله بن الحسن العنبري، وانتصر له ابن حزم في المحلى، ومن المتأخرين أبو تراب الظاهري وقد نشرت فتواه في مجلة الرائد في عددها السابع والستين والثامن والستين، ورد على ذلك العلامة ابن باز رحمه الله برد متين، وكان مما قاله في مطلع رده: فنسأل الله العافية والسلامة من القول عليه بغير علم، والجرأة على تحليل ما حرمه الله من غير برهان......إلى أن قال...... لقد أخطأ أبو محمد، وأخطأ بعده أبو تراب في تحليل ما حرم الله من الأغاني وآلات الملاهي، وفتحا على الناس أبواب شر عظيم، وخالفا بذلك سبيل أهل الإيمان وحملة السنة والقرآن، من الصحابة وأتباعهم بإحسان، وإن ذلك لعظيم، وخطره جسيم، فنسأل الله لنا وللمسلمين العافية من زيغ القلوب ورين الذنوب، وهمزات الشيطان، إنه جواد كريم. اهـ المراد.
فأنت ترى أن هذه الجمل من رد العلامة ابن باز رحمه الله كانت ألفاظها شديدة، حيث جعله قولا على الله بغير علم، وجرأة على تحليل ما حرمه الله، وأنهما قد خالفا سبيل أهل الإيمان وحملة السنة والقرآن، وأن فعلهما هذا لعظيم وخطره لجسيم.
وهذا يدلك بأن الخلاف بين أهل العلم لا يكون معولا عليه إلا إذا كانت أدلة الفريقين قوية أو متقاربة، مع العلم بأن هذا الخلاف من أصله لا يحل حرامًا تبين لك بدليله، ولا يحرم حلالًا تبين لك بدليله، فكان من سلك غير ما تبين له بالدليل الصحيح -عامدًا قاصدًا ومجادلًا بالباطل- صاحب هوى لابد أن ينصح بالعودة إلى الحق وإلا أدى الأمر إلى التحذير منه كما حذر السلف ممن خالف الأدلة بعد بلوغه وانتصر لرأيه كأبي حنيفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من ترك العمل بحديث فلا يخلو من ثلاثة أقسام:
إما أن يكون تركًا جائزًا باتفاق المسلمين كالترك في حق من لم يبلغه، ولا قصر في الطلب مع حاجته إلى الفتيا، أو الحكم كما ذكرناه عن الخلفاء الراشدين وغيرهم، فهذا لا يشك مسلم أن صاحبه لا يلحقه من معرة الترك شيء.
وإما أن يكون تركًا غير جائز فهذا لا يكاد يصدر من الأئمة إن شاء الله تعالى، لكن قد يخاف على بعض العلماء: أن يكون الرجل قاصرًا في درك تلك المسألة فيقول مع عدم أسباب القول وإن كان له فيها نظر واجتهاد، أو يقصر في الاستدلال فيقول قبل أن يبلغ النظر نهايته مع كونه متمسكًا بحجة، أو يغلب عليه عادة، أو غرض يمنعه من استيفاء النظر لينظر فيما يعارض ما عنده، وإن كان لم يقل إلا بالاجتهاد والاستدلال، فإن الحد الذي يجب أن ينتهي إليه الاجتهاد قد لا ينضبط للمجتهد.
ولهذا كان العلماء يخافون مثل هذا خشية أن لا يكون الاجتهاد المعتبر قد وجد في تلك المسألة المخصوصة فهذه ذنوب، لكن لحوق عقوبة الذنب بصاحبه إنما تنال لمن لم يتب، وقد يمحوها الاستغفار والإحسان والبلاء والشفاعة والرحمة، ولم يدخل في هذا من يغلبه الهوى ويصرعه حتى ينصر ما يعلم أنه باطل، أو من يجزم بصواب قول أو خطئه من غير معرفة منه بدلائل ذلك القول نفيًا وإثباتًا، فإن هذين في النار كما قال النبي ﷺ: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة فرجل علم الحق فقضى به، وأما اللذان في النار فرجل قضى للناس على جهل، ورجل علم الحق وقضى بخلافه» والمفتون كذلك. اهـ من مجموع الفتاوى (20/255-256).
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (1/390): فإن من سنة الله في الناس أنه جعلهم مختلفين في مداركهم وعقولهم وفي اطلاعهم على الأدلة السمعية وإدراكهم لأسرار الكون وما أودعه الله فيه من سننه فلا عجب أن يختلفوا في مسائل العلوم الشرعية والكونية عقلا وسمعا، بل ذلك هو مقتضى الحكمة، واختلاف الخلق والمواهب فليس لك أن تستنكر ذلك، لكن المنكر أن يتكلم الإنسان بجهل أو اتباعًا للهوى أو بمعصية لرأي من تقلد مذهبه، أما من نظر في الأدلة الكونية والسمعية الاجتهادية بإنصاف مبتغيا الحق فهو محمود أصاب أم أخطأ فإن أصاب فله أجران أجر عن اجتهاده وأجر عن إصابته الحق وإن أخطأ فهو معذور وله أجر واحد عن اجتهاده. اهـ
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: فالواجب على من خرج عن الصواب في العقيدة، أو في العمل -أي: في الأمور العلمية أو العملية- الواجب أن يبين له الحق ويوضح، فإن رجع فذلك من نعمة الله عليه، وإن لم يرجع فهو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى له، وعلينا أن نبين الخطأ الذي هو واقع فيه، وأن نحذر من هذا الخطأ بقدر الاستطاعة. اهـ من الفتاوى للعلامة العثيمين (1/161).
وقال أيضًا: وإذا رأيت من عالم خطأ فناقشه وتكلم معه؛ فإما أن يتبين لك أن الصواب معه فتتبعه، أو يكون الصواب معك فيتبعك، أو لا يتبين الأمر ويكون الخلاف بينكما من الخلاف السائغ وحينئذ يجب عليك الكف عنه، وليقل هو ما يقول، ولتقل أنت ما تقول، والحمد لله.
الخلاف ليس في هذا العصر فقط، الخلاف من عهد الصحابة إلى يومنا، وأما إذا تبين الخطأ ولكنه أصر انتصارًا لقوله وجب عليك أن تبين الخطأ، وتنفر منه، لكن لا على أساس القدح في هذا الرجل وإرادة الانتقام منه، لأن هذا الرجل يقول قولًا حقًّا غير ما جادلته عنه. اهـ الفتاوى للعلامة العثيمين (2/63-64).
فإن انتصر الرجل لمذهبه وهو يعرف أنه مخالف للحق فوالى عليه وعادى، كان سببًا لخروجه من السنة وإن كانت أصوله سلفية!!
قال شيخنا عبيد وفقه الله وحفظه: يخرج الرجل من السنة إذا خالف أصلًا من أصول السنة فإنه يخرج، بل قال بعضهم: حتى لو في فرع وأخذ منه موالاة ومعاداة، يوالي ويعادي فيه، فهو خارج من أهل السنة. اهـ من شريط (القول الحسن في الاتباع والتحذير من أبي الحسن) ونحوه في شريط (جناية التميع).
ومن المسائل التي اختلف فيها وهي محكومة بالدليل لا بعدد القائلين أو جلالة منزلتهم: التصوير والتلفاز والانتخابات والجمعيات ونحو ذلك، فإن الدلائل الشرعية، والوقائع الحسية تدل على عدم نفعها وخيرها، بل ترتب على ذلك عدة مفاسد معلومة مشهورة.
(3 ) لفظه من اللمعة: وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظًا، وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله. اهـ
(4) نحن نحب من شيخنا عبيد الجابري وفقه الله وحفظه أن يضرب لنا مثالًا واحدًا في وقوع عالم من علماء العصر في هذا ليكون الأمر واضحًا وليس بملتبس، ولئلا يفهم كلامه على غير ما يقصد خصوصًا في مثل هذه الأيام.
وسيأتي الجواب على كلامه هذا إن شاء الله.
(5) سير أعلام النبلاء (8/67-68).
(6) كذا تسمع في الشريط! وصوابه: (لا أتهمه) بـ (لا) النافية.
(7) كذا تسمع في الشريط! وصوابه: (لا يتهمه) بـ (لا) النافية.
(8) الذي في السير: إذا كان لا يحفظ ما يحدث به.
(9) لقد تقدم الجواب على هذا عند قوله: وإن كان قاله عالم قبله؛ فليس كل مقال يوافق كل زمان.
وتبين أنه معترض على هذا من جهتين: الأولى: أنه لا يوافق هذا الزمان –كما يدل عليه ظاهر اللفظ-.
الجهة الثانية: أنه يعتبره سبًّا وشتمًا وبذاءة وفحشًا ووقاحة في المنطق.
وقد تقدم رد هذين الوجهين بالدلائل الشرعية، والوقائع الحسية مما يغني عن إعادته هنا والحمد لله.
(10) أنت إذا نظرت لهذا الكلام وقارنته ببعض مواقفه حفظه الله وجدتها لا تتفق، ولنضرب على ذلك أمثلة:
المثال الأول: لما سئل: ما رأيك فيمن يقول: أهل السنة أقرب الطوائف إلى الحق؟
انظر بماذا أجاب:
قال: سبحان الله العظيم! نقول:
أولًا:من هم أهل السنة عندك؟ الذين قلت: هم أقرب الطوائف إلى الحق من تعني بهذه الطوائف التي وصفت أهل السنة بأنهم أقربها؟.
ثانيًا:(كلامك هذا باطل بدلالة الكتاب والسنة والإجماع).
ثالثًا:أنت إلى ماذا تدعو؟ فإن كنت تدعو إلى السنة المحضة المستنبطة من الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح (فقد افتريت على أهل السنة)، و(ناقضت نفسك بنفسك)، وإن كنت تدعو إلى طوائف أخرى كالأشعرية والمعتزلية والجهمية، وتزعم أن أهل السنة أقرب الطوائف إلى هذه (فكذلك هذه فرية عظيمة)، ولو قلتُ أنا محدثكم ما قاله هذا القائل لكنت حقيقًا بأن أوصف أني (مبتدع)، والحمد لله على العافية، أهل السنة هم أهل الحق، أهل السنة هم خاصة الله من عبادة، وخاصة رسوله ﷺ، فكيف يوصفون بأنهم أقرب الطوائف إلى الحق، إذًا هم ليسوا على الحق المحض!!!، بناء على هذه المقولة (الفاجرة) (الفاسدة)، هم ليسوا على الحق المحض، بل هم على باطل لكنهم قريبون من أهل الحق، فعرِّفنا يا (مسكين) من هم الطائفة الذين هم على الحق المحض؟ أظنه (لا يدري ما يخرج من رأسه)، فمثل هذا (والله وبالله وتالله لا يجوز أخذ العلم عنه، لأنه يدخل على من يعلمهم الباطل والزور والكذب والبهتان)، أساس أهل السنة صحابة رسول الله ﷺ، فإذا أهل السنة من أولهم إلى آخرهم هم أقرب الطوائف إلى الحق (عندهم باطل!) (عندهم شذوذ!) (عندهم بدع!)، بناء على (هذه المقولة الفاجرة)، وحاشا أهل السنة (جرم هذه المقولة، وإثمها عليه هو يبوء بإثم هذه المقولة) لأنه (افترى على أهل السنة ما هم منه براء) فإن كان يسمع كلامي فإني أنصحه بالتوبة إلى الله (وأن يعلن رجوعه عن هذه المقولة الفاجرة)، وأن يعلن أن أهل السنة هم أهل الحق الخالص الذي لا تشوبه شائبة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. اهـ
فانظر كيف يسوق التهم والطعونات، في مسألة لم يعلم بها!!!، هذا أولًا.
ثانيًا: قد قال بها جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن باز، والإمام العثيمين، والإمام الوادعي، والإمام الفوزان، والإمام عبدالرزاق عفيفي، والعلامة الغديان، والناصح الأمين الحجوري كما في رسالته المفيدة التي لا مزيد عليها، والتي هي جواب على كلام الشيخ عبيد هذا، عنوانها: «لطف الله بالخلق من مجازفات الشيخ عبيد ورميه بالعظائم على من قال: ((أهل السنة أقرب الطوائف إلى الحق)).
فهل يليق بالشيخ عبيد ومكانته في نفوس السلفيين أن يوجه بالبعد عن السب والشتم، ثم هو يقع فيه؟! ويا ليته في أهل البدع والهوى! وإنما في جهابذة السنة وحملتها اللهم سلم سلم.
وظننا أن الشيخ عبيد يرجع عما قاله في هذه المسألة، ويعترف لأهل الفضل بالعلم والفضل، ويشكرهم إذ أوقفوه على خطئه العظيم، وبينوا له وجه الصواب بالدليل الصحيح الصريح.
المثال الثاني: قوله في أمير المؤمنين في الحديث أبي بسطام شعبة بن الحجاج العتكي رحمه الله: شعبة رحمه الله العلماء ما يقبلون جرحه لأن الرجل متجاوز مفرط في جرحه!. اهـ
فهل هذا من حسن العبارة، ورفيع الأدب؟ أيوصف إمام من أئمة المسلمين مثل شعبة بهذا الوصف الذي لم تسبق به؟!
ثم هو بنفسه قد أنكر الطعن في شعبة حيث قال: وإذا سلمنا على ما ورد في السؤال من حكاية لقول بعض أهل الأهواء: إن بعض أهل السنة يغلو في الجرح؟
أقول: من قديم وجد من أهل السنة من هو قوي ليس غال، هو قوي حرص على حماية السنة، وشدة في الذب عنها وعن أهلها، وما لامه الآخرون وما قالوا: إنه متفرد.
وعلى سبيل المثال يقولون: من وثقه شعبة فحسبك به، ومن جرحه ينظر في جرحه. ولم يتهم شعبة رحمه الله بأنه غالٍ متشدد شدة في غير محلها. ولم أعلم أحداً حتى الساعة رجلاً متمكنًا في السنة خالطت بشاشتها قلبه حذر من شعبة ووشى به عند غيره من أهل السنة.اهـ من شريط أسئلة أهل المغرب رقم (2).
ويكفيك في بيان قبول أهل العلم لجرح شعبة ما تراه في كتب الجرح والتعديل، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/138): حدثنا على بن الحسن الهسنجاني حدثنا يحيى بن المغيرة حدثنا جرير قال: ترك شعبة حديث الحسن بن عمارة وتكلم فيه، ثم تكلم الناس فيه بعد. اهـ فهذا يدل على ماذا؟ يدل على قبول قوله عند أهل العلم.
وقارن بين قوله: (متجاوز مفرط في جرحه). وبين قوله: (ولم يتهم شعبة رحمه الله بأنه غالٍ متشدد، شدة في غير محلها)، تجد أن التناقض ظاهر، وذلك أن الفرق بين أن يوصف الرجل بشدة العبارة وتشدد الجرح، وبين أن يوصف بالإفراط والتجاوز واضح كما لا يخفى، فالأولى ليست ذمًّا، والثانية: تعتبر ذمًّا.
يوضحه: أن الشيخ عبيدًا لما دافع عن شعبة وصفه بوصف لا يذم به وهو: أنه لم يتهم بأنه غال متشدد شدة في غير محلها.
ولما أراد ذم شيخنا يحيى قال في شعبة بأنه متجاوز مفرط في جرحه. وهذا الإيضاح ليس بعده إلا الهوى.
المثال الثالث: ومما ينقض قوله وحثه بالبعد عن السب والشتم، وسعة الصدر في مواطن الاجتهاد ما قاله في شيخنا الناصح الأمين، سواء فيما سماه: (بالتقريرات العلمية)، أو (النقد الصحيح)، والذي فيهما من الطعونات والسباب والشتام –على حد قوله- الشيء الكثير، من ذلك قوله:
(وجدت أن أخانا يحيى عفا الله عنا وعنه وأصلح حالنا وحاله سلك فيه مسلك 1- (التلبيس) 2- و(التدليس) 3- و(التعمية).
4- (وجانب مسلك أهل الحديث) 5- (الذين ينتسب إليهم).
وفي هذه الرسالة أود أن أكشف للقارئ عن جملة من 6- (التلبيسات) 7- (والإجمالات منبهاً بها إلى غيرها).
ولا يخلصك يا أبا عبد الرحمن من تبعة هذه 8- (الفتوى الجائرة).
ونربأ بك أن تحيد في الجواب كما 9- (حاد عدوك بشر بن غياث المريسي).
10- (ولكن المعروف عن الشيخ يحيى هداه الله أنه يحمل على من خالفه في موارد الاجتهاد) 11- (ويشنع عليه) 12- و(يمقته) 13- (ويسيء القول فيه) وهذا هو نهج من 14- (حُرِمَ الحلم) 15- (والحكمة) 16- (وخالف دعاة الحق على بصيرة).
فانظر ما في هذه الأسطر من طعونات شديدة وأحكام بلغت ستة عشر مع ما سيأتي هي عشرون لأجل ماذا؟ ألأجل أصل من أصول أهل السنة خالف فيه، أم لتجهيله وطعنه بمن قال بمسألة قال بها العلماء؟ قد أجاب عن هذا شيخنا الناصح الأمين في (التوضيح) بحجة دامغة مُسْكِتَة، وبينة ساطعة قاهرة.
وشاهدنا مما تقدم مخالفة الشيخ عبيد لما يوجه به ويرشد إليه.
المثال الرابع: قوله في جوابه على السؤال الموجه إليه من أحد سفهاء حضرموت: يحيى رجل 17- (سليط اللسان) –كررت في ثلاثة مواضع-.
18- (فاحش القول).
19- (ما يرعى حرمة أحد).
20- (محروم الحلم والحكمة)........إلى آخر ذلك الاندفاع العجيب المريب!
وأنت قد رأيت أنه يستنكر إطلاق مثل: (مخذول) (جاهل) (يجب أن يطلب العلم)، فقارن بين ما يستنكره وبين ما وقع فيه بعين الإنصاف، المجرد عن الهوى والعاطفة وحظوظ النفس، تجد أن ما وقع فيه أعظم.
وكل هذا من أجل مسألة قرر هو بنفسه أنها من موارد الاجتهاد، وذلك أن خلاف العلماء في الجرح والتعديل واقع وحاصل، وأن العالم قد تخفى عليه أسباب الجرح لأمور يعذر بها، كما في كتابه (الحد الفاصل بين معاملة أهل الحق وأهل الباطل) وقد ذكره شيخنا الناصح الأمين في (التوضيح) وإليك نصه:
هذه قاعدة الجرح والتعديل، وملخصها: أن من علم حجة على من لم يعلم، فإذا حذر عالم من رجل وأقام عليه الدليل؛ بأنه من أهل الأهواء أو من الجهال الذين لا يستحقون الصدارة في العلم والتعليم، وكان هذا العالم معروفًا بين الناس بالسنة والاستقامة عليها، وتقوى الله سبحانه فإنا نقبل كلامه، ونحذر من حذرنا منه، وإن خالفه مئات، ما دام أنه أقام الدليل، وأقام البينة على ما قاله في ذلكم المحذَّر منه فهذا وسعنا، بل هو فرضنا، والواجب علينا، وإلا ضاعت السنة، فإن كثير من أهل الأهواء يخفى أمرهم على جمهرة من أهل العلم، ولا يتمكنون من كشف عوارهم، وهتك أستارهم، لأسباب منها:
البطانة السيئة التي تحول بين هذا العالم الجليل السني القوي، وبين وصول ما يهتك به ستر ذلك اللعاب الماكر الغشاش الدساس -البطانة السيئة-، حال لا يمكن أن يصل إليه شيء حتى أنها تحول بينه وبين إخوانه الذين يحبهم في الله، فلا يستطيع أن يقرأ كل شيء.
ومنها: أن يكون بعيدًا عن هذه الساحة، يكون هذا الشخص مثلاً في مصر، أو الشام، أو المغرب، أو مثلاً اليمن، وهذا العالم الذي في السعودية لا يدري عما يجري في تلك الساحة، ما أبلغه ثقة بما يجري في تلك الساحة والساحات فهو جاهل بحاله.
ومنها: أن يكون هذا العالم الذي نمى إلى علمه، وتعلق فكره أن ذلك الرجل ثقة عنده، فما استطاع أن يصل إلى ما كشفه غيره من أهل العلم؛ للأسباب المتقدمة، وغيرها، لكن نمى إلى علمه سابقًا أنه صاحب سنة، وأنه يدعو إلى الله، وكان أمامه يظهر السنة، وحب أهل السنة، والدعوة إلى السنة، ويذكر قصصًا من حياته ومصارعته للأفكار الفاسدة، والمناهج الكاسدة، ويأتي له بكتب سليمة، وما درى عن دسائسه، فإذًا ماذا نصنع؟ نعمل على كلام ذلك العالم الذي أقام الدليل، وأقام البينة التي توجب الحذر من ذلك الرجل من كتبه، ومن أشرطته، ومن شخصه، وأما ذلك العالم الجليل فهو على مكانته عندنا، لا نجرحه، ولا نحط من قدره، ولا تقلل من شأنه بل تعتذر له، تقول ما علم، لو علم ما علمنا لكان عليه مثلنا أو أشد منا. والله أعلم. اهـ ونحوه أيضًا في شريطه (القول الحسن في الاتباع والتحذير من أبي الحسن).
وقوله هذا يدل على أن الاختلاف في مسائل الجرح والتعديل من موارد الاجتهاد التي لا تحتاج للتعنيف على المخالف والتشنيع عليه بأنه (سليط اللسان) (فاحش القول) (ما يرعى حرمة أحد) (محروم الحلم والحكمة) (ما يعرفون ضابط الحزبية).
فكان ما قرره في اجتماع الشحر منصبًّا عليه مثل قوله: (ربما شنع واحد منهم على آخر في مسألة من موارد الاجتهاد، ترجح عنده غير ما ترجح للطرف الآخر: (مخذول)، (جاهل)، (يجب أن يطلب العلم) وما يدري هذا المسكين أنه يعني: جهَّل ألوف من علماء المسلمين أعلم منا ومنه بهذا الكلام).
وكقوله: (فإذا أعياه الناس واحتاج الأمر إلى تعنيف فلا يكن ذلك على حساب (السب والشتم)، (وبذاءة الكلام)، و(وقاحة المنطق)، وإنما بالقوة العلمية التي تجعل المنصف الفطن الكيس العاقل يقبل الكلام أو يسكت).
ولما كان شيخنا الناصح الأمين رادًّا قول الشيخ عبيد في (تقريراته ونقده) بالقوة العلمية، جعلت المنصف الفطن الكيس العاقل موافقًا له على قوله، وجعلت المتحامل المدفوع من خواصه الصالحين إما ساكتًا، أو شاتمًا؛ إذ هو في كلا الحالين عاجز عن مواجهة الحجة بالحجة، والدليل بالدليل.
المثال الخامس: قوله في أبي الحسن المصري: إخواني جلد ماكر لعاب مدسوس. اهـ
فهل هذا على حد قوله رد بالقوة العلمية لا القوة اللسانية؟
مع أننا نقول: إن قوله هذا في أبي الحسن حق مقبول لا غبار عليه، وليس هو عندنا بمردود ولا مرفوض بحجة أنه: سب وشتم وبذاءة ونحو ذلك، بل هو جرح في محله، ونصح وتوجيه وإرشاد في موطنه، فأقوال أهل الحق في أهل الأهواء المبنية على قصد النصيحة تعد حسنة ولو كانت شديدة، وأقوال أهل الأهواء في أهل الحق المبنية على نصرة الهوى تعد سيئة ولو لم تكن شديدة.
وهذا مثل كلام أهل الحق في أهل الأهواء لا يعد غيبة إذا كان المراد منه النصيحة، وأما كلام أهل الأهواء في أهل الحق يعد غيبة لأنه انتصار للباطل، فتأمل.
المثال السادس: سأله سائل من الجزائر عن بعض ما يتعلق بين اللجنة الدائمة وعلي بن الحسن الحلبي وحصل شيء من المداخلة والمقاطعة فقال شيخنا عبيد للسائل: أنت بقرة والَّا حمار!
وفي اتصال ثانٍ قال له: أنت مجنون؟ أنت مجنون؟ أنت بقر بقر بقر.
وفي اتصال ثالث –والحق أن السائل أساء الأدب وتطاول- قال له: الجزائريون والليبيون حمير إلا من رحم الله!
قلت: لكن ما هو ذنب بقية الجزائريين والليبيين؟!!
فإن قيل: إنه قال: إلا من رحم الله.
قلنا: لكن ماذا يسمى هذا عند التحقيق؟ حمير! بقر! مجنون! أهو من لطيف العبارة، ورفيع الأدب، وحسن المنطق، وجميل الكلام؟!!! أم أنه ينطبق عليه قوله –أعلاه-: والمقصود: أن العالم يجب عليه أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجتهد في رد الناس إلى الأمر الأول، وأن يكون على الرفق ما أمكنه ذلك، فإذا أعياه الناس واحتاج الأمر إلى تعنيف فلا يكن ذلك على حساب السب والشتم، وبذاءة الكلام، ووقاحة المنطق. اهـ
فقارن بارك الله فيك بين العبارتين بتجرد للحق وإنصاف يظهر لك جليًّا التناقض والله المستعان.
فإذا أجاز شيخنا عبيد وفقه الله لنفسه التلفظ بمثل هذه العبارات، والتي على دونها شنع على شيخنا الناصح الأمين يحيى الحجوري حفظه الله وسدده ووفقه؟ مع أن شيخنا يحيى أطلقها على قوم ظهر شرهم، وعرف مكرهم بالدعوة السلفية، وتهالكهم على الباطل، وعداوتهم لأهل الحق، وخيانتهم بدار أبيهم وغير ذلك من تربص وكيد في دار عم نفعها مشارق الأرض ومغاربها، والعجيب أنك لم تتحمل سؤالًا عبر الهاتف، فكيف لو كان طلابك آلاف؟!!! وتعاني من بعضهم بمثل ما سمعته بالهاتف ومن مسافات شاسعة؟!
فنحن نحب من شيخنا عبيد أن يعيد النظر في أقواله المتقدمة، فإن السلفيين في اليمن المتبصرين بالحق يتساءلون: لِـمَ هذا التحامل والاندفاع العجيب المريب من الشيخ عبيد في وصف شيخنا الناصح الأمين بأنه سليط اللسان وفاحش القول، وأنت واقع فيما تنتقده وتتبرم منه؟! وإني أذكرك بقول الله عزوجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾، لكن بما أنك قد رميت غيرك بما التزمت به ولم يلتزموا، كنت حقيقًا بوصف نفسك بما وصفت به غيرك من سلاطة اللسان، وفحش القول، وبذاءة اللسان، ووالله ثم والله ما كنا نحسب من شيخنا عبيد أن يتورط في هذه الفتنة هذه الورطة التي هذه أولها فالله أعلم ما آخرها؟! لكن هذه ثمرة عدم قبول النصح من أهله، وذلك أن شيخنا يحيى في رسالته (القول السديد فيما نقل للشيخ عبيد) دعا لنفسه ولك بالسلامة من مغبة جلساء السوء؟ فهل قبلت نصحه؟ وأمنت على دعوته؟ وهو يدعو لنفسه ولك؟ الجواب: أنك لم تقبل نصحه بل جهرت برده علانية: هؤلاء هم جلسائي الخواص.
وقد ختم شيخنا عبيد حفظه الله ووفقه وسدده كلمته باجتماع الشحر في الشريط المشار إليه أول الرسالة بكلام يدل على تطلعه لمناصرة القوم على أهوائهم وفتنتهم وشغبهم وعنادهم لأهل الحق وحملته، فقال: هذا ما تيسر يا شيخ عبدالله وأرجو منكم ومن الإخوان المعذرة فإن الوقت قد داهم الجميع، ونحن على استعداد إن شاء الله إلى إجابة دعوتكم إذا دعوتمونا لما ترونه من نصرة؛ لما ترونه من التعاون بيننا وبينكم على نصرة التوحيد والسنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ المراد.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
الثاني: لماذا يسمى فحشًا وبذاءة وقد درج عليه سلفنا الصالح، والأدلة تدعمه من الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا﴾، قال مالك رحمه الله: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
فإن كان المراد من هذا الكلام أنه منفر للناس عن الحق، وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله. وابن مسعود يقول: ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
قلنا: هذا حق، لكن لا يمنع من التدرج معهم في العلم، وبيان عدم مخالفة هذا للكتاب والسنة ونهج سلف الأمة، فإذا بينا لهم وعرفناهم بمنهج السلف الصالح في مثل هذا فما المانع إذا عرَّفناهم بذلك أن نسير بسير سلفنا الصالح النافع؟ وإذا كانوا جاهلين عرفناهم كما عرفناهم بهجر أهل الأهواء والحذر والتحذير منهم، وأن الكلام فيهم ليس داخلًا في الغيبة المحرمة.
ولا بد أن يعلم أنه بمثل هذا الكلام تذرع من تذرع بعدم الأخذ بفعل ما أثر عن السلف من هجر أهل الأهواء، والتحذير منهم، والإغلاظ عليهم، بحجة أنه لا يصلح ولا يوافق هذا الزمان!!!
وما أظنك تجهل يا شيخنا عبيد! جهود شيخنا الإمام المجاهد الأثري أبي عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله مع أهل الأهواء والبدع والضلال والمخالفين، وكيف كانت مواجهته لهم، وحربه معهم، وتصديه لهم، وهو بين رافضة وصوفية وطوائف متعددة لا يكادون يعرفون من السنة شيئًا، فرفع الله به راية السنة، ونكس وأذل به راية البدعة، وما كان ذلك إلا بتعليمه الناس كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والسير بسيرة السلف وتطبيقه بينهم حتى أثمرت دعوته ثمرة لا نظير لها في العالم –والفضل في هذا لله وحده، ثم بجهوده وجهاده رحمه الله-.
بل أُثر عنه بالتواتر –وأيضًا بعد أن دخل المملكة العربية السعودية فترة علاجه- أنه كان يقول: ما نصر الله دعوة أهل السنة في اليمن إلا بأمرين: الأول: التميز. الثاني: الجرح والتعديل. اهـ
وإن أقواله –التي تسميها أنت وغيرك: سبًّا وشتمًا وبذاءة وفحشًا- في مواجهته لأهل البدع والتحزب كثيرة من ذلك:
1- قوله في طائفة من الرافضة مسماة بالشباب المؤمن: الشباب المجرم.
2- قوله في دعوة الإخوان المسلمين: ما تساوي بعرة.
3- وكان يسميهم: الإخوان المفلسين.
4- تسمية رده على القرضاوي: إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبدالله القرضاوي.
5- قوله في عبدالمجيد الريمي: مثل أصنج الكلاب.
6- قوله في عمار بن ناشر: السفيه الكذاب.
7- قوله في جامعة الإيمان: جامعة العميان.
8- قوله في الزنداني: دجال من الدجاجلة.
9- له شريط تكلم فيه على مجموعة من الناس سماه: عمائم على بهائم.
10- قوله في حسن الترابي: ترب الله وجهه، هو شيطان ملحد زائغ منحرف، لو كفره شخص ما أنكرنا عليه.
11- قوله في شيبة الحمد: هو بشيبة الذم أشبه.
12- تسميته جماعة الجهاد: جماعة الفساد.
13- قوله في عبدالرحيم الطحان: أنت جويهل أم مجادل بالباطل، دساس كذاب خائن.
14- قوله في عبدالقادر الشيباني: لص.
15- قوله في محمد المهدي: كذاب أشر، مخذول.
وأمثال ذلك مما هو مزبور في كتبه وأشرطته، وقد جُمِعَ الكثير منها في رسالة بعنوان: «المجروحون عند الإمام الوادعي رحمه الله» لأخينا أبي أسامة عادل السياغي.
وقد كان الكثير ينتقدون على شيخنا رحمه الله ذلك، وربما قيل له: لِـمَ لا تدع الكلمات الجارحات؟! فلَمْ يبال بذلك –رحمه الله- لأنه متبع للسلف الصالح فيما يقول.
قال رحمه الله في خاتمة كتابه: (نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة):
وأعجب من هذا كله أنه إذا قام غيور من أهل السنة ببيان أحوال العلماء الفسقة، أو الدعاة إلى الحزبية التي تخدم أغراض أمريكا تبرموا من صنيعه، وقالوا: الله الله في جمع الكلمة!!! الله المستعان تدعون إلى جمع الكلمة مع ديمقراطي أو حاقد على السنة ألد الخصام، يتآمر مع الصوفية ومع الشيعة على ضرب أهل السنة! ثم تقول لي: الله الله في جمع الكلمة! لا؛ لا؛ لا؛ لن أجمع كلمتي ودعوتي إلا مع سني، فإن قلت: فدع الكلمات الجارحات؟ قلت: راجع ما سبق من ترجمة أبي حنيفة تجد من الجرح ما هو أعظم، وقد ذكرت في مقدمة (المخرج من الفتنة) في الطبعات الأخيرة شيئًا من عبارات العلماء في الجرح والتعديل، وبعض الذين جرحوا خير من كثير من العصريين الذين تكلمت فيهم، على أنني أحمد الله فأهل السنة الذين قد خالطوا المبتدعة والحزبيين وعرفوا عداوتهم لأهل السنة تقر أعينهم بما نكتبه، لأنه دفاع عن السنة وعن أهل السنة، وإخماد لفتنة المبتدعة والحزبيين. اهـ
وقال رحمه الله في الجامع الصحيح (1/148): باب الجرح والتعديل عند أن أهمله المعاصرون اختلط الحابل بالنابل، والسني بالبدعي، والصادق بالكاذب، وعلماء السوء بالعلماء العاملين؛ فلم يستطع العامة أن يميزوا بين العلماء الصادقين المخلصين الناصحين من غيرهم، فأصبحوا ضحية الاختلاف، ولا سيما مع بروز هذه الجماعات الجاهلة إلى الساحة الإسلامية. وأقبح من هذا علماء السوء الذين يسيرون مع كل ناعق، بل ربما تشبه الشيوعي بالعلماء وقام خطيبًا في المجامع بل وفي المساجد، ولبس على الناس، فإني أنصح إخواني في الله أن يستعينوا بالله في كشف أحوال هؤلاء المارقين، وأولئك المنافقين، وأولئك الجاهلين، في مؤلفات نافعة لزمننا هذا وللأجيال القادمة. اهـ
ونحن لا نقول: إن شيخنا عبيدًا وفقه الله لا يرى التحذير من أهل الأهواء، ولكن نقول: كلام ورد عن سلفنا الصالح له نفعه لا يُعترض عليه بأنه: بذاءة لسان، وفحش قول ونحو ذلك، لكن إذا لم تره أنت فلا تعمل به، من غير تشنيع أو تشويه للغير، وإنما كلٌّ يعمل بما يراه يقربه لربه سبحانه وتعالى.
والحق: أن أهل الأهواء لما رأوا تأثير أقوال شيخنا رحمه الله في المجتمع وانتفاع الناس بها قالوا: مقبل ما عنده ردود علمية، ولا ردود بناءة، ما عنده إلا السب والشتم، وهو شديد على المخالفين، غال في أحكامه على من يخالفه في موارد الاجتهاد، ونحو ذلك مما يدندن به أصحاب جمعية الحكمة والإحسان والتراث، وسار على منهجهم أبو الحسن وحزبه، وعبدالرحمن وشلته –مؤخرًا- تأسيًا بسلفهم الأوائل من الحزبيين الهالكين.
فكان ماذا؟ ما كان إلا العزة لأهل السنة بفضل الله وحده إذ يسًّر ذلك على يد شيخنا ووالدنا الإمام الوادعي رحمه الله، لأنه سلك مسلكًا درج عليه سلفنا الصالح رحمهم الله، كان به إذلال الله وإهانته لأهل الأهواء والبدع.
وإن أهل السنة ولله الحمد والمنة لا يخفاهم جهود من يريدها دعوة سلمية رحيمة رفيقة زعم! وليس أسلم لهم وأرحم وأرفق من منهج السلف الصالح وتنزيله منازله، من غير أن يقال: ليس كل مقال ورد عن السلف يوافق كل زمان!!!!!
وإليك بعض الأدلة من الكتاب والسنة والأثر في جرح أهل الأهواء بالألفاظ الشديدة:
1- قال الله عزوجل في كتابه العزيز: ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث﴾.
وقال سبحانه: ﴿مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا﴾.
وقال تعالى عن موسى عليه السلام: ﴿فأصبح في المدينة خائفًا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين﴾.
وقال النبي ﷺ لأبي ذر: «إنك امرؤ فيك جاهلية».
وقال أحمد (2/163): حدثنا ابن نمير حدثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبدالله بن عمرو قال: كنا جلوسًا عند النبي ﷺ وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال ونحن عنده: «ليدخلن عليكم رجل لعين»، فوالله ما زلت وجلًا أتشوف داخلًا وخارجًا حتى دخل فلان يعني: الحكم. أي: ابن أبي العاص كما في رواية البزار، انظر كشف الأستار (2/247).
وهو في الصحيح المسند لشيخنا الإمام الوادعي رحمه الله وكذا ما سنذكره بعده من الأحاديث.
وقال الحاكم في مستدركه (1/56): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث حدثني أبي حدثني الجريري عن أبي عبدالله الجسري حدثنا جندب قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها فصلى خلف رسول الله ﷺ، فلما سلم رسول الله ﷺ أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا تشرك في رحمتنا أحدًا!! فقال رسول الله ﷺ: «ما تقولون: أهو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا ما قال؟» قالوا : بلى، فقال: «لقد حظر رحمة واسعة؛ إن الله خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة تعاطف بها الخلائق جنها و إنسها و بهائمها، وعنده تسعة وتسعون، تقولون: أهو أضل أم بعيره؟».
وقال أبو يعلى الموصلي (11/348): حدثنا مصعب بن عبدالله قال: حدثني ابن أبي حازم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ رأى في المنام كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيظ وقال: «مالي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة ؟» قال : فما رئي رسول الله ﷺ مستجمعًا ضاحكًا بعد ذلك حتى مات ﷺ.
وقال أحمد (5/253): حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: سمعت أبا غالب يقول: لما أتى برؤوس الأزارقة فنصبت على درج دمشق جاء أبو أمامة، فلما رآهم دمعت عيناه فقال: كلاب النار -ثلاث مرات-، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء، قال: فقلت: فما شأنك دمعت عيناك؟ قال: رحمة لهم؛ إنهم كانوا من أهل الإسلام، قال: قلنا: أبرأيك قلت: هؤلاء كلاب النار أو شيء سمعته من رسول ﷺ؟ قال: إني لجريء! بل سمعته من رسول الله ﷺ غير مرة، ولا اثنتين، ولا ثلاث، قال: فعد مرارا.
وجاء نحوه من حديث عبدالله بن أبي أوفى عند أحمد (4/382).
وقال النسائي في عمل اليوم والليلة (ص540): أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا عوف عن الحسن عن عتي بن ضمرة قال: شهدته يومًا –يعني: أبي بن كعب- وإذا رجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضه بأير أبيه ولم يكنه، فكأن القوم استنكروا ذلك منه، فقال: لا تلوموني؛ فإن نبي الله ﷺ قال لنا: «من رأيتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا»وفي رواية: «بهن أبيه».
فأنت ترى أن القوم استنكروا من أبي أمامة قوله: كلاب أهل النار، ومن أبي بن كعب حين أعض الرجل بأير أبيه، فهل عمل أبو أمامة وأبي بن كعب بهذه القاعدة: ليس كل مقال يوافق كل زمان؟ مع حصول الاستنكار من القوم؟!
الجواب: لا؛ بل بينا وبلغا، ولو لم يفعلا لما وصل إلينا هذان الحديثان، والحكمان النبويان وغيرهما.
وهذا ابن عمر رضي الله عنه كما في الصحيحين لما حدث بقول رسول الله ﷺ: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» قال أحد أولاده –قيل: واقد وقيل: بلال-: والله لنمنعهن! قال الراوي: فأقبل عليه عبدالله فسبه سبًّا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط!
فهل يقال: إن عبدالله بن عمر سباب شتام، بذيء اللسان، فاحش القول إلى آخر هذا القاموس؟ نعوذ بالله من ذلك، وحاشاه أن يوصف بذلك، بل هو معدود من مناقبه رضي الله عنه.
وقال أنس بن سيرين سألت ابن عمر قلت: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أَؤُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، قَالَ: إِنَّكَ لَضَخْمٌ! أَلَا تَدَعُنِي أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيثَ، الخ أخرجه مسلم (749).
قال النووي في شرح مسلم: قوله: «إنك لضخم» إشارة إلى الغباوة والبلادة وقلة الأدب. اهـ
وهذا جابر بن عبدالله كما في مسلم (3010) لما أنكر عليه عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بقوله: يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَتُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَرِدَاؤُكَ إِلَى جَنْبِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: بِيَدِهِ فِي صَدْرِي هَكَذَا وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا، أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ الْأَحْمَقُ مِثْلُكَ فَيَرَانِي كَيْفَ أَصْنَعُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. وأخرجه البخاري (352) من وجه آخر، وفي رواية له (370): أحببت أن يراني الجهال مثلكم.
وفي الصحيحين خ (602) م (2057) عن عبدالرحمن بن أبي بكر –في قصة أضياف أبيه- وفيه أن أبا بكر قال له: يا غنثر! فجدع وسب.
قال النووي في شرح مسلم: قوله: (يا غنثر فجدع وسب) غنثر: بثاء مفتوحة ومضمومة لغتان هذه هي الرواية المشهورة في ضبطه، قالوا: وهو الثقيل الوخيم، وقيل: هو الجاهل، مأخوذ من الغثارة وهي الجهل، والنون فيه زائدة، وقيل: هو السفيه مأخوذ من الغثر وهو اللؤم. (وجدع) أي: دعا بالجدع، وهو قطع الأنف وغيره من الأعضاء. والسب: الشتم. اهـ
قال العلامة العثيمين في شرح رياض الصالحين عند هذا الحديث: فهذا دليل على أن الإنسان إذا غضب لسبب يقتضي الغضب فإنه لا يلام عليه، ولا يخدش من فضله ولا مرتبته.
وفيه أيضًا: أنه لا بأس أن الإنسان يصف ابنه أو من له ولاية عليه بالغباوة والجهل إذا فعل فعلًا يقتضي أنه غبي جاهل. اهـ
وأنت خبير بأن مما تقدم أطلق فيما ليس ببدعة أو خلاف للأصول، ومع ذلك أطلقت عليهم بعض الألفاظ الشديدة ولم يعد من الأمور المنتقدة، وقد اكتفيت ببعض ما ورد في السنة الصحيحة أو عن الصحابة، وأما عمن بعد الصحابة فشيء كثير جدًّا ملئت به كتب الجرح والتعديل والتراجم، ولا بأس أن نذكر أمثلة على ذلك من غير تعليق، مِنْ طَعْنِ العلماء في رجل له مذهب مشهور، وأتباع على اختلاف العصور، بألفاظ شديدة، وجارحة قوية ألا وهو أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي.
1- قال الأوزاعي وابن عيينة: ما ولد في الإسلام على هذه الأمة أشأم –وفي رواية- شر –وفي رواية- أضر من أبي حنيفة. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/188) وهو في (نشر الصحيفة) لشيخنا رحمه الله وكذا ما سيأتي.
2- وقال ابن المبارك: كان أبو حنيفة مسكينًا في الحديث. أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
3- عبدالله بن الزبير الحميدي كان يكني أبا حنيفة: بأبي جيفة! ويظهره في المسجد الحرام في حلقته والناس حوله. أخرجه الخطيب (13/432).
4- قال ابن عون: نبئت أن فيكم صدادين عن سبيل الله. قال سليمان بن حرب الراوي عن حماد بن زيد عنه: وأبو حنيفة وأصحابه ممن يصدون عن سبيل الله، أخرجه الخطيب في تاريخه (13/420).
5- قال عبدالرحمن بن مهدي: كان بين أبي حنيفة وبين الحق حجاب. أخرجه الخطيب في تاريخه (13/432).
6- قال إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل: ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء. أخرجه ابنه عبدالله في السنة (1/180)، والخطيب في تاريخه (13/439).
7- وقال أيضًا: أبو حنيفة أشد على المسلمين من عمرو بن عبيد لأن له أصحابًا. أخرجه الخطيب في تاريخه (13/437).
8- قال أحمد بن محمد بن عيسى البرتي فيه: المشئوم. أخرجه الخطيب في تاريخه (13/385).
9- قال أيوب السختياني لأصحابه في المسجد الحرام إذ رأى أبا حنيفة مقبلًا نحوه: قوموا بنا لا يعدنا بجربه، قوموا بنا لا يعدنا بجربه. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/188).
10- وقال أيضًا وقد ذكر أبا حنيفة: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره. أخرجه الفسوي في المعرفة (2/785).
11- قال حماد بن سلمة وقد ذكر له قول أبي حنيفة في مسألة سئل عنها: هذا والله قول ذاك المارق، وفي رواية: ذاك أبو حنيفة سد الله عزوجل به الأرض. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة
(1/211)، وفي رواية أنه كان هو وشعبة يلعنا أبا حنيفة.
12- وقال سفيان الثوري لما بلغه موت أبي حنيفة: الحمدلله الذي عافانا مما ابتلاه به. قال أبو عاصم الراوي عنه: فما سمعته يقول: رحمه الله.
13- وقال الثوري وقد عرضت له فتوى أبي حنيفة في مسألة: هذه فتيا يهودي.
14- وقال الثوري لأصحابه وهم جلوس في المسجد الحرام إذ رأى أبا حنيفة مقبلًا إليه: قوموا بنا لا يعدنا هذا بجربه، قال أبو نعيم: فقمنا وقام سفيان، قال أبو نعيم: وكنا مرة أخرى جلوسًا مع سفيان في المسجد الحرام فجاءه أبو حنيفة فجلس فلم نشعر به، فلما رآه سفيان استدار فجعل ظهره إليه.
15- قال سلمة بن عمرو القاضي على المنبر: لا رحم الله أبا حنيفة فإنه أول من زعم أن القرآن مخلوق. أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/506).
16- قال الأعمش وقد دخل عليه أبو حنيفة يعوده وهو يقول: يا أبا محمد لولا أن يثقل عليك مجيئي لعدتك في كل يوم! فقال الأعمش: من هذا؟ قالوا: أبو حنيفة، فقال: يا ابن النعمان أنت والله ثقيل في منزلك فكيف إذا جئتني!!! أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/190).
17- قال شريك النخعي: إنما أبو حنيفة جرب. أخرجه الخطيب في تاريخه (13/417).
18- وقال أيضًا: لأن يكون في كل ربع من أرباع الكوفة خمار يبيع الخمر؛ خير من أن يكون فيه من يقول بقول أبي حنيفة. أخرجه أحمد في العلل (2/547)، وابنه عبدالله في السنة (1/203).
19- وقال أيضًا: ما شبهت أصحاب أبي حنيفة إلا بمنزلة الدفافين؛ لو أن رجلًا كشف استه في المسجد ما بالى من رآه منهم! أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/209-210).
20- قال مالك بن أنس إمام دار الهجرة وقد ذكر أبا حنيفة بكلام سوء: كاد الدين، ومن كاد الدين فليس من الدين. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/199).
21- وقال أيضًا: الداء العضال الهلاك في الدين، وأبو حنيفة من الداء العضال. أخرجه الخطيب (13/422) وابن عدي في الكامل.
22- وقال أيضًا: ما زال هذا الأمر معتدلًا حتى نشأ أبو حنيفة فأخذ فيهم بالقياس فما أفلح ولا أنجح. أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله.
23- قال الشافعي: ما أشبه رأي أبي حنيفة إلا بخيط سحارة –وهو خيط يلعب به الصبيان- تمده هكذا فيجيء أحمر، وتمده هكذا فيجيء أخضر. أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه (ص172).
24- قال هشيم بن بشير وقد عورض في مسألة بقول أبي حنيفة وأصحابه: يا عبدالله! إن العلم لا يؤخذ من السفل. أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة (1/227).
والحاصل: أنني اقتصرت على مثال واحد، قد رأيتَ فيه شديد الأقوال الجارحة عن السلف الصالح في رجل له مذهبه المعروف المشهور، فما بالك بالحاقدين على السنة، الماكرين بأهلها، المحرشين بين حملتها، المتنكبين عن سبيلها.
وهذا يدلك على بطلان من يرمي من جرح أهل الأهواء بالكلمات الجارحة بأنه سباب شتام بذيء فاحش القول إلى آخر هذا القاموس.
وليعلم أن ما ورد عن السلف الصالح مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ينبغي أن يشاع في أوساط الناس، ليعم النفع به، وينتشر الخير، ويزول الشر، ومن عجز ولم يقدر عليه فلا لوم عليه إلا إذا استنكره، أو لم يرض بإشاعته، والله المستعان.
ولماذا لا يكون هذا من المسائل التي هي من موارد الاجتهاد التي لا تعنيف فيها، أو تشنيع، أو مقت؟!!!!
فإن قال قائل: ألم يقل النبي ﷺ: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء»؟
قلنا: نعم، وليس فيه المنع من ذلك كما لا يخفى بعد إبانة الحجج القاطعة، والبينات الساطعة من الأحاديث والآثار على عدم النكير في ذلك، لأنه مبني على الإرشاد والنصيحة، والتنفير من الشر والرذيلة، وعليه فيكون الحديث محمولًا على ما كان بغير وجه شرعي، قال تعالى: ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا﴾، وبوب النووي في رياض الصالحين: باب تحريم سب المسلم بغير حق. اهـ
ثم عقبه بـ: باب تحريم سب الأموات بغير حق أو مصلحة شرعية، وهو التحذير من الاقتداء به في بدعته وفسقه ونحو ذلك. اهـ
وقال في الأذكار: وأما لعن الإِنسان بعينه ممّن اتَّصَفَ بشيءٍ من المعاصي كيهودي أو نصراني أو ظالم أو زانٍ أو مصوّرٍ أو سارقٍ أو آكلِ ربا فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام. اهـ وقد رأيت لعن شعبة وحماد بن سلمة لأبي حنيفة، هذا في اللعن فكيف بما هو دونه.
ثم قال عقب ما تقدم: فصل: ويجوزُ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وكلّ مؤدِّب أن يقولَ من يخاطبه في ذلك الأمر: ويلك، أو يا ضعيفَ الحال، أو يا قليلَ النظر لنفسه، أو يا ظالمَ نفسه، وما أشبه ذلك بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظُ قذفٍ صريحاً كان أو كنايةً أو تعريضاً ولو كان صادقاً في ذلك، وإنما يجوزُ ما قدَّمناه ويكون الغرضُ منه التأديب والزجر وليكونَ الكلامُ أوقعَ في النفس. اهـ
ولا بد أن يعلم أن اللين والرفق، والغلظة والشدة كل هذا من ديننا، وكل منهما يوضع في محله، فلا ينكر هذا ولا ينكر هذا.
قال الإمام العلامة المجدد الفقيه المحدث عبدالعزيز بن باز رحمه الله:
بيان أن الشريعة كاملة لا غالية ولا جافية
أما ما ذكره الكاتب عن مضار الغلو والتشديد فصحيح.
ولا شك أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالتحذير من الغلو في الدين، وأمرت بالدعوة إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولكنها مع ذلك لم تهمل جانب الغلظة والشدة في محلها حيث لا ينفع اللين والجدال بالتي هي أحسن ، كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ الآية، فشرع الله سبحانه لعباده المؤمنين الغلظة على الكفار والمنافقين حين لم تؤثر فيهم الدعوة بالحكمة واللين.
والآيات وإن كانت في معاملة الكفار والمنافقين دالات على أن الشريعة إنما جاءت باللين في محله حين يرجى نفعه. أما إذا لم ينفع واستمر صاحب الظلم أو الكفر أو الفسق في عمله، ولم يبال بالواعظ والناصح، فإن الواجب الأخذ على يديه ومعاملته بالشدة، وإجراء ما يستحقه من إقامة حد، أو تعزير، أو تهديد، أو توبيخ، حتى يقف عند حده وينزجر عن باطله. ولا ينبغي للكاتب وغيره أن ينسى ما ورد في هذا من النصوص والوقائع من حين بعث النبي ﷺ إلى عصرنا هذا.
وما أحسن ما قاله الشاعر في هذا المعنى:
دعا المصطفى دهرا بمكة لم يجب *** وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسيف صلت بكفه *** له أسلموا واستسلموا وأناب
فلما دعا والسيف صلت بكفه *** له أسلموا واستسلموا وأناب
جمع الشريعة بين الشدة واللين كل في محله
والخلاصة: أن الشريعة الكاملة جاءت باللين في محله، والشدة في محلها، فلا يجوز للمسلم أن يتجاهل ذلك، ولا يجوز أيضًا أن يوضع اللين في محل الشدة، ولا الشدة في محل اللين، ولا ينبغي أيضا أن ينسب إلى الشريعة أنها جاءت باللين فقط، ولا أنها جاءت بالشدة فقط، بل هي شريعة حكيمة كاملة صالحة لكل زمان ومكان ولإصلاح جميع الأمة، ولذلك جاءت بالأمرين معًا، واتسمت بالعدل والحكمة والسماحة، فهي شريعة سمحة في أحكامها وعدم تكليفها ما لا يطاق، ولأنها تبدأ في دعوتها باللين والحكمة والرفق، فإذا لم يؤثر ذلك وتجاوز الإنسان حده وطغى وبغى أخذته بالقوة والشدة، وعاملته بما يردعه ويعرفه سوء عمله. اهـ ثم ذكر دليل كل واحد من الأمرين. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/203-205).
ثم مثل هذا التنبيه من شيخنا عبيد وفقه الله وحفظه لو كان في بداية الدعوة إذ الناس لا يعرفون ذلك لقول علي وابن مسعود المتقدم فنعم، أما وقد صارت لها صولة وجولة، وأصبحت دعوة عريضة ملأت بحمد الله السهل والجبل، ومشارق الأرض ومغاربها، وعرفها الناس -من غير معاونة من وسائل الإعلام وغيرها- فأحبوها واعتنقوها، لصفائها ونقاوتها، وصدعها بالحق، وسيرها على سبيل السلف الصالح، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، فلا مجال إذًا للانشغال بمثل هذا الانتقاد المنتقد المردود بأدلة الكتاب والسنة والأثر، والذي عرف خيره، وعم نفعه، ونصرت به دعوة أهل السنة، وقمعت به دعوات أهل البدعة.
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم *** من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
(2) لا شك أن الخلاف إذا كان بين أهل السنة فيما كانت الأدلة فيه متجاذبة، ينبغي أن تكون الردود فيها رفيقة القول، لطيفة العبارة، وهذا ولله الحمد حاصل، لكن من المسائل التي قد اختلف فيها ما تكون الأدلة قوية من جهة واحدة، والمخالف دليله ضعيف لا يقاوم المعارضة، فيلزم المخالف بالحجة الصحيحة الصريحة، وترك الاحتجاج بما هو ضعيف الإسناد أو الدلالة.
وهذا المخالف إما أن يقبل الحجة ويسلم لها، وإما أن يردها بالهوى والباطل والتعصب للمذهب والرأي، فإن كان الأول فقد تم المقصود والحمد لله، وإن كان الثاني فإنه يستدعي لشيء من الشدة والتخشين ليرتدع القائل به وينزجر، أو على الأقل يجتنب قوله ويحذر منه.
قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: وقولهم: إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى، أو العمل.
أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعًا شائعًا وجب إنكاره اتفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله.
وأما العمل: فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار، وكيف يقول فقيه: لا إنكار في المسائل المختلف فيها؟! والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتابًا أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء.
وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم! والصواب ما عليه الأئمة: أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ فيها -إذا عدم فيها الدليل الظاهر الذي يجب العمل به- الاجتهاد لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها. اهـ من إعلام الموقعين (3/288).
فتبين بهذا أن ليس كل خلاف له حظ من النظر، ومن أمثلة ذلك:
الخلاف في حرمة الغناء، فإن جمهور أهل العلم على تحريمه ونقل في ذلك الإجماع.
وقد قال بحله إبراهيم بن سعد الزهري وعبيدالله بن الحسن العنبري، وانتصر له ابن حزم في المحلى، ومن المتأخرين أبو تراب الظاهري وقد نشرت فتواه في مجلة الرائد في عددها السابع والستين والثامن والستين، ورد على ذلك العلامة ابن باز رحمه الله برد متين، وكان مما قاله في مطلع رده: فنسأل الله العافية والسلامة من القول عليه بغير علم، والجرأة على تحليل ما حرمه الله من غير برهان......إلى أن قال...... لقد أخطأ أبو محمد، وأخطأ بعده أبو تراب في تحليل ما حرم الله من الأغاني وآلات الملاهي، وفتحا على الناس أبواب شر عظيم، وخالفا بذلك سبيل أهل الإيمان وحملة السنة والقرآن، من الصحابة وأتباعهم بإحسان، وإن ذلك لعظيم، وخطره جسيم، فنسأل الله لنا وللمسلمين العافية من زيغ القلوب ورين الذنوب، وهمزات الشيطان، إنه جواد كريم. اهـ المراد.
فأنت ترى أن هذه الجمل من رد العلامة ابن باز رحمه الله كانت ألفاظها شديدة، حيث جعله قولا على الله بغير علم، وجرأة على تحليل ما حرمه الله، وأنهما قد خالفا سبيل أهل الإيمان وحملة السنة والقرآن، وأن فعلهما هذا لعظيم وخطره لجسيم.
وهذا يدلك بأن الخلاف بين أهل العلم لا يكون معولا عليه إلا إذا كانت أدلة الفريقين قوية أو متقاربة، مع العلم بأن هذا الخلاف من أصله لا يحل حرامًا تبين لك بدليله، ولا يحرم حلالًا تبين لك بدليله، فكان من سلك غير ما تبين له بالدليل الصحيح -عامدًا قاصدًا ومجادلًا بالباطل- صاحب هوى لابد أن ينصح بالعودة إلى الحق وإلا أدى الأمر إلى التحذير منه كما حذر السلف ممن خالف الأدلة بعد بلوغه وانتصر لرأيه كأبي حنيفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من ترك العمل بحديث فلا يخلو من ثلاثة أقسام:
إما أن يكون تركًا جائزًا باتفاق المسلمين كالترك في حق من لم يبلغه، ولا قصر في الطلب مع حاجته إلى الفتيا، أو الحكم كما ذكرناه عن الخلفاء الراشدين وغيرهم، فهذا لا يشك مسلم أن صاحبه لا يلحقه من معرة الترك شيء.
وإما أن يكون تركًا غير جائز فهذا لا يكاد يصدر من الأئمة إن شاء الله تعالى، لكن قد يخاف على بعض العلماء: أن يكون الرجل قاصرًا في درك تلك المسألة فيقول مع عدم أسباب القول وإن كان له فيها نظر واجتهاد، أو يقصر في الاستدلال فيقول قبل أن يبلغ النظر نهايته مع كونه متمسكًا بحجة، أو يغلب عليه عادة، أو غرض يمنعه من استيفاء النظر لينظر فيما يعارض ما عنده، وإن كان لم يقل إلا بالاجتهاد والاستدلال، فإن الحد الذي يجب أن ينتهي إليه الاجتهاد قد لا ينضبط للمجتهد.
ولهذا كان العلماء يخافون مثل هذا خشية أن لا يكون الاجتهاد المعتبر قد وجد في تلك المسألة المخصوصة فهذه ذنوب، لكن لحوق عقوبة الذنب بصاحبه إنما تنال لمن لم يتب، وقد يمحوها الاستغفار والإحسان والبلاء والشفاعة والرحمة، ولم يدخل في هذا من يغلبه الهوى ويصرعه حتى ينصر ما يعلم أنه باطل، أو من يجزم بصواب قول أو خطئه من غير معرفة منه بدلائل ذلك القول نفيًا وإثباتًا، فإن هذين في النار كما قال النبي ﷺ: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة فرجل علم الحق فقضى به، وأما اللذان في النار فرجل قضى للناس على جهل، ورجل علم الحق وقضى بخلافه» والمفتون كذلك. اهـ من مجموع الفتاوى (20/255-256).
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (1/390): فإن من سنة الله في الناس أنه جعلهم مختلفين في مداركهم وعقولهم وفي اطلاعهم على الأدلة السمعية وإدراكهم لأسرار الكون وما أودعه الله فيه من سننه فلا عجب أن يختلفوا في مسائل العلوم الشرعية والكونية عقلا وسمعا، بل ذلك هو مقتضى الحكمة، واختلاف الخلق والمواهب فليس لك أن تستنكر ذلك، لكن المنكر أن يتكلم الإنسان بجهل أو اتباعًا للهوى أو بمعصية لرأي من تقلد مذهبه، أما من نظر في الأدلة الكونية والسمعية الاجتهادية بإنصاف مبتغيا الحق فهو محمود أصاب أم أخطأ فإن أصاب فله أجران أجر عن اجتهاده وأجر عن إصابته الحق وإن أخطأ فهو معذور وله أجر واحد عن اجتهاده. اهـ
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: فالواجب على من خرج عن الصواب في العقيدة، أو في العمل -أي: في الأمور العلمية أو العملية- الواجب أن يبين له الحق ويوضح، فإن رجع فذلك من نعمة الله عليه، وإن لم يرجع فهو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى له، وعلينا أن نبين الخطأ الذي هو واقع فيه، وأن نحذر من هذا الخطأ بقدر الاستطاعة. اهـ من الفتاوى للعلامة العثيمين (1/161).
وقال أيضًا: وإذا رأيت من عالم خطأ فناقشه وتكلم معه؛ فإما أن يتبين لك أن الصواب معه فتتبعه، أو يكون الصواب معك فيتبعك، أو لا يتبين الأمر ويكون الخلاف بينكما من الخلاف السائغ وحينئذ يجب عليك الكف عنه، وليقل هو ما يقول، ولتقل أنت ما تقول، والحمد لله.
الخلاف ليس في هذا العصر فقط، الخلاف من عهد الصحابة إلى يومنا، وأما إذا تبين الخطأ ولكنه أصر انتصارًا لقوله وجب عليك أن تبين الخطأ، وتنفر منه، لكن لا على أساس القدح في هذا الرجل وإرادة الانتقام منه، لأن هذا الرجل يقول قولًا حقًّا غير ما جادلته عنه. اهـ الفتاوى للعلامة العثيمين (2/63-64).
فإن انتصر الرجل لمذهبه وهو يعرف أنه مخالف للحق فوالى عليه وعادى، كان سببًا لخروجه من السنة وإن كانت أصوله سلفية!!
قال شيخنا عبيد وفقه الله وحفظه: يخرج الرجل من السنة إذا خالف أصلًا من أصول السنة فإنه يخرج، بل قال بعضهم: حتى لو في فرع وأخذ منه موالاة ومعاداة، يوالي ويعادي فيه، فهو خارج من أهل السنة. اهـ من شريط (القول الحسن في الاتباع والتحذير من أبي الحسن) ونحوه في شريط (جناية التميع).
ومن المسائل التي اختلف فيها وهي محكومة بالدليل لا بعدد القائلين أو جلالة منزلتهم: التصوير والتلفاز والانتخابات والجمعيات ونحو ذلك، فإن الدلائل الشرعية، والوقائع الحسية تدل على عدم نفعها وخيرها، بل ترتب على ذلك عدة مفاسد معلومة مشهورة.
(3 ) لفظه من اللمعة: وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظًا، وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله. اهـ
(4) نحن نحب من شيخنا عبيد الجابري وفقه الله وحفظه أن يضرب لنا مثالًا واحدًا في وقوع عالم من علماء العصر في هذا ليكون الأمر واضحًا وليس بملتبس، ولئلا يفهم كلامه على غير ما يقصد خصوصًا في مثل هذه الأيام.
وسيأتي الجواب على كلامه هذا إن شاء الله.
(5) سير أعلام النبلاء (8/67-68).
(6) كذا تسمع في الشريط! وصوابه: (لا أتهمه) بـ (لا) النافية.
(7) كذا تسمع في الشريط! وصوابه: (لا يتهمه) بـ (لا) النافية.
(8) الذي في السير: إذا كان لا يحفظ ما يحدث به.
(9) لقد تقدم الجواب على هذا عند قوله: وإن كان قاله عالم قبله؛ فليس كل مقال يوافق كل زمان.
وتبين أنه معترض على هذا من جهتين: الأولى: أنه لا يوافق هذا الزمان –كما يدل عليه ظاهر اللفظ-.
الجهة الثانية: أنه يعتبره سبًّا وشتمًا وبذاءة وفحشًا ووقاحة في المنطق.
وقد تقدم رد هذين الوجهين بالدلائل الشرعية، والوقائع الحسية مما يغني عن إعادته هنا والحمد لله.
(10) أنت إذا نظرت لهذا الكلام وقارنته ببعض مواقفه حفظه الله وجدتها لا تتفق، ولنضرب على ذلك أمثلة:
المثال الأول: لما سئل: ما رأيك فيمن يقول: أهل السنة أقرب الطوائف إلى الحق؟
انظر بماذا أجاب:
قال: سبحان الله العظيم! نقول:
أولًا:من هم أهل السنة عندك؟ الذين قلت: هم أقرب الطوائف إلى الحق من تعني بهذه الطوائف التي وصفت أهل السنة بأنهم أقربها؟.
ثانيًا:(كلامك هذا باطل بدلالة الكتاب والسنة والإجماع).
ثالثًا:أنت إلى ماذا تدعو؟ فإن كنت تدعو إلى السنة المحضة المستنبطة من الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح (فقد افتريت على أهل السنة)، و(ناقضت نفسك بنفسك)، وإن كنت تدعو إلى طوائف أخرى كالأشعرية والمعتزلية والجهمية، وتزعم أن أهل السنة أقرب الطوائف إلى هذه (فكذلك هذه فرية عظيمة)، ولو قلتُ أنا محدثكم ما قاله هذا القائل لكنت حقيقًا بأن أوصف أني (مبتدع)، والحمد لله على العافية، أهل السنة هم أهل الحق، أهل السنة هم خاصة الله من عبادة، وخاصة رسوله ﷺ، فكيف يوصفون بأنهم أقرب الطوائف إلى الحق، إذًا هم ليسوا على الحق المحض!!!، بناء على هذه المقولة (الفاجرة) (الفاسدة)، هم ليسوا على الحق المحض، بل هم على باطل لكنهم قريبون من أهل الحق، فعرِّفنا يا (مسكين) من هم الطائفة الذين هم على الحق المحض؟ أظنه (لا يدري ما يخرج من رأسه)، فمثل هذا (والله وبالله وتالله لا يجوز أخذ العلم عنه، لأنه يدخل على من يعلمهم الباطل والزور والكذب والبهتان)، أساس أهل السنة صحابة رسول الله ﷺ، فإذا أهل السنة من أولهم إلى آخرهم هم أقرب الطوائف إلى الحق (عندهم باطل!) (عندهم شذوذ!) (عندهم بدع!)، بناء على (هذه المقولة الفاجرة)، وحاشا أهل السنة (جرم هذه المقولة، وإثمها عليه هو يبوء بإثم هذه المقولة) لأنه (افترى على أهل السنة ما هم منه براء) فإن كان يسمع كلامي فإني أنصحه بالتوبة إلى الله (وأن يعلن رجوعه عن هذه المقولة الفاجرة)، وأن يعلن أن أهل السنة هم أهل الحق الخالص الذي لا تشوبه شائبة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. اهـ
فانظر كيف يسوق التهم والطعونات، في مسألة لم يعلم بها!!!، هذا أولًا.
ثانيًا: قد قال بها جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن باز، والإمام العثيمين، والإمام الوادعي، والإمام الفوزان، والإمام عبدالرزاق عفيفي، والعلامة الغديان، والناصح الأمين الحجوري كما في رسالته المفيدة التي لا مزيد عليها، والتي هي جواب على كلام الشيخ عبيد هذا، عنوانها: «لطف الله بالخلق من مجازفات الشيخ عبيد ورميه بالعظائم على من قال: ((أهل السنة أقرب الطوائف إلى الحق)).
فهل يليق بالشيخ عبيد ومكانته في نفوس السلفيين أن يوجه بالبعد عن السب والشتم، ثم هو يقع فيه؟! ويا ليته في أهل البدع والهوى! وإنما في جهابذة السنة وحملتها اللهم سلم سلم.
وظننا أن الشيخ عبيد يرجع عما قاله في هذه المسألة، ويعترف لأهل الفضل بالعلم والفضل، ويشكرهم إذ أوقفوه على خطئه العظيم، وبينوا له وجه الصواب بالدليل الصحيح الصريح.
المثال الثاني: قوله في أمير المؤمنين في الحديث أبي بسطام شعبة بن الحجاج العتكي رحمه الله: شعبة رحمه الله العلماء ما يقبلون جرحه لأن الرجل متجاوز مفرط في جرحه!. اهـ
فهل هذا من حسن العبارة، ورفيع الأدب؟ أيوصف إمام من أئمة المسلمين مثل شعبة بهذا الوصف الذي لم تسبق به؟!
ثم هو بنفسه قد أنكر الطعن في شعبة حيث قال: وإذا سلمنا على ما ورد في السؤال من حكاية لقول بعض أهل الأهواء: إن بعض أهل السنة يغلو في الجرح؟
أقول: من قديم وجد من أهل السنة من هو قوي ليس غال، هو قوي حرص على حماية السنة، وشدة في الذب عنها وعن أهلها، وما لامه الآخرون وما قالوا: إنه متفرد.
وعلى سبيل المثال يقولون: من وثقه شعبة فحسبك به، ومن جرحه ينظر في جرحه. ولم يتهم شعبة رحمه الله بأنه غالٍ متشدد شدة في غير محلها. ولم أعلم أحداً حتى الساعة رجلاً متمكنًا في السنة خالطت بشاشتها قلبه حذر من شعبة ووشى به عند غيره من أهل السنة.اهـ من شريط أسئلة أهل المغرب رقم (2).
ويكفيك في بيان قبول أهل العلم لجرح شعبة ما تراه في كتب الجرح والتعديل، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/138): حدثنا على بن الحسن الهسنجاني حدثنا يحيى بن المغيرة حدثنا جرير قال: ترك شعبة حديث الحسن بن عمارة وتكلم فيه، ثم تكلم الناس فيه بعد. اهـ فهذا يدل على ماذا؟ يدل على قبول قوله عند أهل العلم.
وقارن بين قوله: (متجاوز مفرط في جرحه). وبين قوله: (ولم يتهم شعبة رحمه الله بأنه غالٍ متشدد، شدة في غير محلها)، تجد أن التناقض ظاهر، وذلك أن الفرق بين أن يوصف الرجل بشدة العبارة وتشدد الجرح، وبين أن يوصف بالإفراط والتجاوز واضح كما لا يخفى، فالأولى ليست ذمًّا، والثانية: تعتبر ذمًّا.
يوضحه: أن الشيخ عبيدًا لما دافع عن شعبة وصفه بوصف لا يذم به وهو: أنه لم يتهم بأنه غال متشدد شدة في غير محلها.
ولما أراد ذم شيخنا يحيى قال في شعبة بأنه متجاوز مفرط في جرحه. وهذا الإيضاح ليس بعده إلا الهوى.
المثال الثالث: ومما ينقض قوله وحثه بالبعد عن السب والشتم، وسعة الصدر في مواطن الاجتهاد ما قاله في شيخنا الناصح الأمين، سواء فيما سماه: (بالتقريرات العلمية)، أو (النقد الصحيح)، والذي فيهما من الطعونات والسباب والشتام –على حد قوله- الشيء الكثير، من ذلك قوله:
(وجدت أن أخانا يحيى عفا الله عنا وعنه وأصلح حالنا وحاله سلك فيه مسلك 1- (التلبيس) 2- و(التدليس) 3- و(التعمية).
4- (وجانب مسلك أهل الحديث) 5- (الذين ينتسب إليهم).
وفي هذه الرسالة أود أن أكشف للقارئ عن جملة من 6- (التلبيسات) 7- (والإجمالات منبهاً بها إلى غيرها).
ولا يخلصك يا أبا عبد الرحمن من تبعة هذه 8- (الفتوى الجائرة).
ونربأ بك أن تحيد في الجواب كما 9- (حاد عدوك بشر بن غياث المريسي).
10- (ولكن المعروف عن الشيخ يحيى هداه الله أنه يحمل على من خالفه في موارد الاجتهاد) 11- (ويشنع عليه) 12- و(يمقته) 13- (ويسيء القول فيه) وهذا هو نهج من 14- (حُرِمَ الحلم) 15- (والحكمة) 16- (وخالف دعاة الحق على بصيرة).
فانظر ما في هذه الأسطر من طعونات شديدة وأحكام بلغت ستة عشر مع ما سيأتي هي عشرون لأجل ماذا؟ ألأجل أصل من أصول أهل السنة خالف فيه، أم لتجهيله وطعنه بمن قال بمسألة قال بها العلماء؟ قد أجاب عن هذا شيخنا الناصح الأمين في (التوضيح) بحجة دامغة مُسْكِتَة، وبينة ساطعة قاهرة.
وشاهدنا مما تقدم مخالفة الشيخ عبيد لما يوجه به ويرشد إليه.
المثال الرابع: قوله في جوابه على السؤال الموجه إليه من أحد سفهاء حضرموت: يحيى رجل 17- (سليط اللسان) –كررت في ثلاثة مواضع-.
18- (فاحش القول).
19- (ما يرعى حرمة أحد).
20- (محروم الحلم والحكمة)........إلى آخر ذلك الاندفاع العجيب المريب!
وأنت قد رأيت أنه يستنكر إطلاق مثل: (مخذول) (جاهل) (يجب أن يطلب العلم)، فقارن بين ما يستنكره وبين ما وقع فيه بعين الإنصاف، المجرد عن الهوى والعاطفة وحظوظ النفس، تجد أن ما وقع فيه أعظم.
وكل هذا من أجل مسألة قرر هو بنفسه أنها من موارد الاجتهاد، وذلك أن خلاف العلماء في الجرح والتعديل واقع وحاصل، وأن العالم قد تخفى عليه أسباب الجرح لأمور يعذر بها، كما في كتابه (الحد الفاصل بين معاملة أهل الحق وأهل الباطل) وقد ذكره شيخنا الناصح الأمين في (التوضيح) وإليك نصه:
هذه قاعدة الجرح والتعديل، وملخصها: أن من علم حجة على من لم يعلم، فإذا حذر عالم من رجل وأقام عليه الدليل؛ بأنه من أهل الأهواء أو من الجهال الذين لا يستحقون الصدارة في العلم والتعليم، وكان هذا العالم معروفًا بين الناس بالسنة والاستقامة عليها، وتقوى الله سبحانه فإنا نقبل كلامه، ونحذر من حذرنا منه، وإن خالفه مئات، ما دام أنه أقام الدليل، وأقام البينة على ما قاله في ذلكم المحذَّر منه فهذا وسعنا، بل هو فرضنا، والواجب علينا، وإلا ضاعت السنة، فإن كثير من أهل الأهواء يخفى أمرهم على جمهرة من أهل العلم، ولا يتمكنون من كشف عوارهم، وهتك أستارهم، لأسباب منها:
البطانة السيئة التي تحول بين هذا العالم الجليل السني القوي، وبين وصول ما يهتك به ستر ذلك اللعاب الماكر الغشاش الدساس -البطانة السيئة-، حال لا يمكن أن يصل إليه شيء حتى أنها تحول بينه وبين إخوانه الذين يحبهم في الله، فلا يستطيع أن يقرأ كل شيء.
ومنها: أن يكون بعيدًا عن هذه الساحة، يكون هذا الشخص مثلاً في مصر، أو الشام، أو المغرب، أو مثلاً اليمن، وهذا العالم الذي في السعودية لا يدري عما يجري في تلك الساحة، ما أبلغه ثقة بما يجري في تلك الساحة والساحات فهو جاهل بحاله.
ومنها: أن يكون هذا العالم الذي نمى إلى علمه، وتعلق فكره أن ذلك الرجل ثقة عنده، فما استطاع أن يصل إلى ما كشفه غيره من أهل العلم؛ للأسباب المتقدمة، وغيرها، لكن نمى إلى علمه سابقًا أنه صاحب سنة، وأنه يدعو إلى الله، وكان أمامه يظهر السنة، وحب أهل السنة، والدعوة إلى السنة، ويذكر قصصًا من حياته ومصارعته للأفكار الفاسدة، والمناهج الكاسدة، ويأتي له بكتب سليمة، وما درى عن دسائسه، فإذًا ماذا نصنع؟ نعمل على كلام ذلك العالم الذي أقام الدليل، وأقام البينة التي توجب الحذر من ذلك الرجل من كتبه، ومن أشرطته، ومن شخصه، وأما ذلك العالم الجليل فهو على مكانته عندنا، لا نجرحه، ولا نحط من قدره، ولا تقلل من شأنه بل تعتذر له، تقول ما علم، لو علم ما علمنا لكان عليه مثلنا أو أشد منا. والله أعلم. اهـ ونحوه أيضًا في شريطه (القول الحسن في الاتباع والتحذير من أبي الحسن).
وقوله هذا يدل على أن الاختلاف في مسائل الجرح والتعديل من موارد الاجتهاد التي لا تحتاج للتعنيف على المخالف والتشنيع عليه بأنه (سليط اللسان) (فاحش القول) (ما يرعى حرمة أحد) (محروم الحلم والحكمة) (ما يعرفون ضابط الحزبية).
فكان ما قرره في اجتماع الشحر منصبًّا عليه مثل قوله: (ربما شنع واحد منهم على آخر في مسألة من موارد الاجتهاد، ترجح عنده غير ما ترجح للطرف الآخر: (مخذول)، (جاهل)، (يجب أن يطلب العلم) وما يدري هذا المسكين أنه يعني: جهَّل ألوف من علماء المسلمين أعلم منا ومنه بهذا الكلام).
وكقوله: (فإذا أعياه الناس واحتاج الأمر إلى تعنيف فلا يكن ذلك على حساب (السب والشتم)، (وبذاءة الكلام)، و(وقاحة المنطق)، وإنما بالقوة العلمية التي تجعل المنصف الفطن الكيس العاقل يقبل الكلام أو يسكت).
ولما كان شيخنا الناصح الأمين رادًّا قول الشيخ عبيد في (تقريراته ونقده) بالقوة العلمية، جعلت المنصف الفطن الكيس العاقل موافقًا له على قوله، وجعلت المتحامل المدفوع من خواصه الصالحين إما ساكتًا، أو شاتمًا؛ إذ هو في كلا الحالين عاجز عن مواجهة الحجة بالحجة، والدليل بالدليل.
المثال الخامس: قوله في أبي الحسن المصري: إخواني جلد ماكر لعاب مدسوس. اهـ
فهل هذا على حد قوله رد بالقوة العلمية لا القوة اللسانية؟
مع أننا نقول: إن قوله هذا في أبي الحسن حق مقبول لا غبار عليه، وليس هو عندنا بمردود ولا مرفوض بحجة أنه: سب وشتم وبذاءة ونحو ذلك، بل هو جرح في محله، ونصح وتوجيه وإرشاد في موطنه، فأقوال أهل الحق في أهل الأهواء المبنية على قصد النصيحة تعد حسنة ولو كانت شديدة، وأقوال أهل الأهواء في أهل الحق المبنية على نصرة الهوى تعد سيئة ولو لم تكن شديدة.
وهذا مثل كلام أهل الحق في أهل الأهواء لا يعد غيبة إذا كان المراد منه النصيحة، وأما كلام أهل الأهواء في أهل الحق يعد غيبة لأنه انتصار للباطل، فتأمل.
المثال السادس: سأله سائل من الجزائر عن بعض ما يتعلق بين اللجنة الدائمة وعلي بن الحسن الحلبي وحصل شيء من المداخلة والمقاطعة فقال شيخنا عبيد للسائل: أنت بقرة والَّا حمار!
وفي اتصال ثانٍ قال له: أنت مجنون؟ أنت مجنون؟ أنت بقر بقر بقر.
وفي اتصال ثالث –والحق أن السائل أساء الأدب وتطاول- قال له: الجزائريون والليبيون حمير إلا من رحم الله!
قلت: لكن ما هو ذنب بقية الجزائريين والليبيين؟!!
فإن قيل: إنه قال: إلا من رحم الله.
قلنا: لكن ماذا يسمى هذا عند التحقيق؟ حمير! بقر! مجنون! أهو من لطيف العبارة، ورفيع الأدب، وحسن المنطق، وجميل الكلام؟!!! أم أنه ينطبق عليه قوله –أعلاه-: والمقصود: أن العالم يجب عليه أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجتهد في رد الناس إلى الأمر الأول، وأن يكون على الرفق ما أمكنه ذلك، فإذا أعياه الناس واحتاج الأمر إلى تعنيف فلا يكن ذلك على حساب السب والشتم، وبذاءة الكلام، ووقاحة المنطق. اهـ
فقارن بارك الله فيك بين العبارتين بتجرد للحق وإنصاف يظهر لك جليًّا التناقض والله المستعان.
فإذا أجاز شيخنا عبيد وفقه الله لنفسه التلفظ بمثل هذه العبارات، والتي على دونها شنع على شيخنا الناصح الأمين يحيى الحجوري حفظه الله وسدده ووفقه؟ مع أن شيخنا يحيى أطلقها على قوم ظهر شرهم، وعرف مكرهم بالدعوة السلفية، وتهالكهم على الباطل، وعداوتهم لأهل الحق، وخيانتهم بدار أبيهم وغير ذلك من تربص وكيد في دار عم نفعها مشارق الأرض ومغاربها، والعجيب أنك لم تتحمل سؤالًا عبر الهاتف، فكيف لو كان طلابك آلاف؟!!! وتعاني من بعضهم بمثل ما سمعته بالهاتف ومن مسافات شاسعة؟!
فنحن نحب من شيخنا عبيد أن يعيد النظر في أقواله المتقدمة، فإن السلفيين في اليمن المتبصرين بالحق يتساءلون: لِـمَ هذا التحامل والاندفاع العجيب المريب من الشيخ عبيد في وصف شيخنا الناصح الأمين بأنه سليط اللسان وفاحش القول، وأنت واقع فيما تنتقده وتتبرم منه؟! وإني أذكرك بقول الله عزوجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾، لكن بما أنك قد رميت غيرك بما التزمت به ولم يلتزموا، كنت حقيقًا بوصف نفسك بما وصفت به غيرك من سلاطة اللسان، وفحش القول، وبذاءة اللسان، ووالله ثم والله ما كنا نحسب من شيخنا عبيد أن يتورط في هذه الفتنة هذه الورطة التي هذه أولها فالله أعلم ما آخرها؟! لكن هذه ثمرة عدم قبول النصح من أهله، وذلك أن شيخنا يحيى في رسالته (القول السديد فيما نقل للشيخ عبيد) دعا لنفسه ولك بالسلامة من مغبة جلساء السوء؟ فهل قبلت نصحه؟ وأمنت على دعوته؟ وهو يدعو لنفسه ولك؟ الجواب: أنك لم تقبل نصحه بل جهرت برده علانية: هؤلاء هم جلسائي الخواص.
وقد ختم شيخنا عبيد حفظه الله ووفقه وسدده كلمته باجتماع الشحر في الشريط المشار إليه أول الرسالة بكلام يدل على تطلعه لمناصرة القوم على أهوائهم وفتنتهم وشغبهم وعنادهم لأهل الحق وحملته، فقال: هذا ما تيسر يا شيخ عبدالله وأرجو منكم ومن الإخوان المعذرة فإن الوقت قد داهم الجميع، ونحن على استعداد إن شاء الله إلى إجابة دعوتكم إذا دعوتمونا لما ترونه من نصرة؛ لما ترونه من التعاون بيننا وبينكم على نصرة التوحيد والسنة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ المراد.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
كتبه:
أبو عبدالله محمد بن عبدالله باجمال
صباح يوم الخميس 21/من شهر رجب/عام 1429هـ
**حمل الرسالة من**
**الخزانة العلمية**
**لشبكة العلوم السلفية**
أبو عبدالله محمد بن عبدالله باجمال
صباح يوم الخميس 21/من شهر رجب/عام 1429هـ
**حمل الرسالة من**
**الخزانة العلمية**
**لشبكة العلوم السلفية**
تعليق