إيقاظ الوسنان من كيد العدوان
وهي عبارة عن نصيحة لإخواني في الله أهل عدن وفقني الله وإياهم
كتبها:
أبو حمزة محمد بن حسين بن عمر العمودي
الحضرمي نسبًا, العدني منزلاً.
قرأها وأذن بنشرها
شيخنا الكريم الوالد الناصح الأمين
يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله وشكر له
وهي عبارة عن نصيحة لإخواني في الله أهل عدن وفقني الله وإياهم
كتبها:
أبو حمزة محمد بن حسين بن عمر العمودي
الحضرمي نسبًا, العدني منزلاً.
قرأها وأذن بنشرها
شيخنا الكريم الوالد الناصح الأمين
يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله وشكر له
كلمة شكر
أشكر ربي سبحانه وتعالى الذي وفقني لكتابة هذه النصيحة التي ما أردت من وراءها إلا النصح والله يعلم ذلك وهو من وراء القصد فله الحمد والمنة.
كما اشكر لشيخي الكريم أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله ورعاه ، الذي تفضل وتكرم بقراءة هذه الرسالة وأذن بنشرها وصحح منها ما يحتاج إلى تصحيح فله مني جزيل الشكر والتقدير والدعاء.
وأشكر الأخ أبا المنذر عبدالرحمن بن دعاس المشوشي الذي قام بكتابة هذه الرسالة، وكذا الأخ أبا اليمان عدنان المصقري على إعانته شكر الله لهما سعيهما وجزاهما خيرًا وأثابهما على ما قاما به من معروف.
والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المؤمنين, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المرسلين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد
من محمد العمودي, إلى إخوانه طلبة العلم من أهل عدن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الكرام: فإني أحمد الله عز وجل إليكم وأسأله لي ولكم التوفيق والسداد والرشاد والإصابة في القول والعمل, وأن يجنبنا جمعيًا الفتن ما ظهر منها وما بطن, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إخوتاه: يقول الله سبحانه وتعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر الآية.
ويقول سبحانه: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. ويقول جل في علاه: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين إخويكم.
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال : بايعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والنصح لكل مسلم). متفق عليه.
وفيهما عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى).
وفيهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها, كمثل قوم استهموا على سفينة, فصار بعضهم أعلاها, وبعضهم أسفلها, وكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم, فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا) أخرجه البخاري.
وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل يا رسول الله انصره إذا كان مظلومًا, أرأيت إن كان ظالمًا كيف انصره، قال تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك من نصره).
وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم.
ففي هذه الأدلة فضيلة النصيحة والتعاون على البر والتقوى.
فمما أنصح به نفسي أولاً ثم إخواني وفقني الله وإياهم بتقوى الله إذ هي وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله.
فهي من أسباب الفقه في دين الله تعالى، يقول الله عز وجل: واتقوا الله ويعلمكم الله.
وهي من أسباب الرزق وتفريج الكربات، يقول تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
وأنصحكم إخواني الفضلاء, أن تحافظوا على هذا الخير الذي أنتم فيه, فوالله الذي لا إله غيره أنكم في خير ونعمة, لا يعرف قدرها إلا من حرمها, فكم من أناس يتمنون هذا الخير الذي أنتم فيه, وهم على أتم استعداد أن يبذلوا كل ما في وسعهم حتى يصلوا إلى هذا الخير الذي وفقكم الله عز وجل إليه.
فاتقوا الله عز وجل في هذا الخير العظيم وحافظوا عليه بقدر ما تستطيعون, وأعرضوا عن كل ما يحول بينكم وبينه.
فإن من الخذلان والحماقة بمكان وقلة التوفيق أن الشخص يكون قد عرف هذا الخير حق المعرفة, بل وأشرب قلبه حبه، ما إن تعرض له فتنة إلا وتجده من أوائل المتساقطين فيها، فيتنكر لهذا الخير ويتنكر على من يقوم عليه, ويصير المعروف عنده منكرًا, والمنكر معروفًا, والحق باطلاً, والباطل حقًا، وهذا والله لهو عين الخذلان وقلة التوفيق، أسأل الله السلامة والعافية لي ولكم.
والسبب في هذا: أن القوم ما ربّوا أنفسهم على هذا الخير العظيم, ولا عرفوا قدره, ولا قدر من يقوم عليه, فأُعْجِبوا بأنفسهم, واغتروا بما عندهم من خير، فرفعوا أنفسهم فوق قدرها، فتجاوزوا الحد, وأساءوا الأدب, وأعرضوا عن هذا الخير وعن أهله، فكان ماذا بعد هذا؟ كان أنهم وقعوا على أم رأسهم.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ناقة تسمى العضباء, لا تسبق أو لا تكاد تسبق, فجاء أعرابي على قعود فسبقها, فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه, فقال: (حق على الله أن لا يرتفع شيء من ا لدنيا إلا وضعه الله) أخرجه البخاري.
فصار من لم يعرفهم عرفهم, ومن أغتر بهم صار في حذر منهم, ومن كان محسن الظن بهم صار مسيء الظن بهم.
فحذار، حذار، إخوتي في الله من الشهوة الخفية [حب الرياسة], ومن الهوى والعجب والغرور.
قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات, وثلاث كفارات, وثلاث درجات، فأما المهلكات: فشح مطاع, وهوى متبع, وإعجاب المرء بنفسه...) الحديث، ذكره العلامة الألباني رحمة الله عليه في "صحيح الجامع" [3045] , من حديث ابن عمر رضي الله عنهما, وعزاه الطبراني في "الأوسط" وحسنه.
وقوله: (ثلاث مهلكات) أي: موبقات لفاعلها في الهلاك.
قوله: (وهوى متبع) بأن يتبع كل أحد ما يأمره به هواه.
قوله: (وإعجاب المرء بنفسه) أي: تحسين كل أحد نفْسَه على غيره, وإن كان قبيحًا.
قال القرطبي: وإعجاب المرء بنفسه: هو ملاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله، والإعجاب: وجدان شيئًا حسنًا.
قال الله تعالى في قصة قارون: قال إنما أوتيته على علم عندي, قال الله تعالى: فخسفنا به, فثمرة العجب: الهلاك. اهـ من "فيض القدير" [3/307].
فهذه هي آفات مهلكات في طريقك يا طالب العلم، فكن منها على حذر حتى لا تقع فيما وقع فيه غيرك, فتزل قدمك وتزلق كما زلوا وزلقوا.
ورضي الله عن أبي الدرادء إذ قال: لولا ثلاث صلح الناس: شح مطاع, وهوى متبع, وإعجاب كل ذي رأي برأيه. أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في "الزهد" [733] بإسناد حسن.
فاحرص يا طالب العلم أن تؤدب نفسك بآداب الكتاب والسنة, وأن تستفيد من آداب علماءك المتأخرين منهم والمتقدمين؛ فإنهم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم, وهم أهل الدين والأدب.
ولعظم الموضوع, أعني الآداب بشكلها العام, اهتم به علماؤنا رحمة الله عليهم، فقلّما تجد كتابًا من كتب السنة إلا وفيه كتاب خاص يسمى كتاب الأدب، ومنهم من أفرده بمصنف مستقل ومنهم من خصه بأبواب معينة, وغير ذلك.
ففيها الأدب مع الله, ومع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ومع المؤمنين, وفيها أدب الطالب مع شيخه ومعلمه، وغير ذلك من الفضائل والأخلاق الحسنة.
فهذه كتب علماؤنا, وهذه هي أخلاق أسلافنا, فكن منها على حرص يا طالب العلم واجتهاد وبغية وطلبٍ حثيث تسعد وتفز بإذن الله تعالى.
فهذا الباب لا بد أن نعطيه شيئًا من أوقاتنا, ونحرص عليه غاية الحرص ونهتم به غاية الاهتمام، حتى قال شيخ الإسلام أبو عبدالرحمن المروزي عبدالله بن المبارك رحمة الله عليه: كاد الأدب يكون ثلثي الدين. ذكره الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في "صفة الصفوة" [4/97].
ونحن في عصرٍ, القليل من اهتم بهذا الباب, فحصل ما حصل من قلة الأدب على أهل العلم والتطاول عليهم.
ومتى كان طالب العلم سيء الأدب مع شيخه؛ فإنه يحرم منه خيرًا عظيمًا.
انظر هذا المثال في طالبَيْنِ عند شيخ واحد, كيف كان أحدهما من اللطف معه بمكان, وكان الآخر خلاف ذلك.
قال معمر عن الزهري: كان أبو سملة يسأل ابن عباس وكان يخزن عنه, وكان عبيد الله يلطفه فكان يغر غرًا، ذكره الحافظ رحمه الله في "التهذيب" في ترجمة عبيدالله بن عبدالله بن عتبة .
وعن الزهري عن أبي سلمة قال: لو رفقت بابن عباس لأصبت منه علمًا كثيرًا. أخرجه الدارمي في "المقدمة" رقم [426و587] وإسناده صحيح.
وذكر الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله مسألتين شذ فيهما أبوسلمة رحمه الله ثم قال: فرحم الله القائل- كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم علمًا كثيرًا. اهـ من "الاستذكار" [7/137].
فأي خير ترجوه يا طالب العلم من معلِّمِك إذا كنت سيء الأدب معه، تنبه يا أخي رعاك الله ولا تكن من الغافلين, فعلينا جميعًا أن نتقي الله عز وجل في علمائنا, وأن نشكر لهم معروفهم وفضلهم وإحسانهم, ونثني عليهم, ولا نذكرهم إلا بخير، يقول الله تعالى: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، أخرجه أبو داود، وذكره شيخنا رحمة الله عليه في "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين" [2/رقم1330]، وقال غفر الله له: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه, ومن سأل بالله فأعطوه, ومن دعاكم فأجيبوه, ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوا به فادعوا له حتى ترون أنكم قد كافأتموه) أخرجه أبو داود، وقال شيخنا رحمة الله عليه في "الصحيح المسند" [2/737]: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
ولعظم هذا الأمر, أعني معرفة حق أهل العلم, والثناء عليهم, ولأهميته دوَّنه بعض علماء أهل السنة في العقيدة.
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته: وعلماء السلف من السابقين, ومن بعدهم من التابعين, أهل الخير والأثر, وأهل الفقه والنظر, لا يذكرون إلا بالجميل, ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، انظر "العقيدة الطحاوية مع شرحها" لابن أبي العز رحمه الله [ص491].
قال العلامة السعدي رحمة الله عليه: ويدينون لله باحترام العلماء الهداة, وأئمة العدل، ومن لهم المقامات العالية في الدين, والفضل المتنوع على المسلمين, ويسألون الله أن يعيذهم من الشك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق, وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات.
هذه الأصول الكلية بها يؤمنون, ولها يعتقدون, وإليها يدعون. اهـ انظر "القول السديد في مقاصد التوحيد" [ص9].
هذا وإننا نرى في هذه الأيام أمورًا عجيبة, وأقوالاً منكرة شنيعة, وأخلاقًا سقيمة رديئة، من أناس دخلوا أو أُدخلوا في أمرٍ, هم في غنى عنه, وحمَّلوا أنفسهم ما لا تحتمل، فكان منهم سوء الأدب, وقلة المعروف, وعدم إخلاص النصيحة, فزهدوا وزهَّدوا في هذا الخير, وفي القائمين عليه، فكان جزاؤهم الطرد, والإهانة, بعد النصح والتوجيه, من قبل شيخنا الكريم, الناصح الأمين, حفظه الله تعالى؛ لأن القوم أبوا إلا أن يتمادوا في غيهم, وتعصبهم, وتكتلهم الحزبي, وولاؤهم الضيق، فتمردوا فصاروا أسوة للحمقى والمغفلين، وصدق الله إذ يقول: وإما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى.
هذا وإن من الأمور المعروفة المشتهرة أن الطالب ربما يخالف شيخه في قضية من القضايا, أو رأي من الآراء، وهذا أمر مسلم به ولا غضاضة فيه، وكم في سيَر العلماء سواء المتأخرين منهم أو المتقدمين من هذا الشيء الكثير.
إلا أن هذه المخالفة التي هي من قبل الطالب لشيخه لابد أن يصحبها أدب واحترام وتقدير وإجلال لشيخك والدعاء له والثناء عليه، فيبقى شيخك شيخٌ لك من قَبل المخالفة ومن بعدها، له قدره ومنزلته واحترامه وثقله، هذه هي أخلاق طالب العلم السلفي، إلا أننا رأينا القوم هؤلاء على خلاف هذا الأمر تمامًا، فتجلدوا في هذه الفتنة وتعصبوا بحجة الدفاع عن الشيخ عبدالرحمن وفقه الله وسدد في الخير خطاه، فماذا كان بعد هذا التعصب والتجلد؟ هل القوم وقفوا عند الحد الشرعي والخلق السلفي؟ فقالوا: إن الشيخ حفظه الله تعالى ورعاه رأى رأيًا، ورأينا خلافه فهو لا يزال شيخنا ومعلمنا وأستاذنا ومؤدبنا....الخ.
لا والله, لا والله، لا والله، ما رأينا منهم هذا الأمر الذي هو من أخلاق طلبة العلم السلفيين.
بل كان منهم الطعن والغمز والهمز واللمز في الشيخ الكريم يحيى حفظه الله ورعاه, والاستنقاص منه وازدراؤه وعدم المبالاة به وبما يقول والتزهيد فيه ومن دروسه وداره والتشويش على الناس بأن هذا المكان ليس كما كان, ونخاف أن يضيع معهد أبينا, وخدشوا في دينه, ورموه بالكذب, وأنه حاقد وصاحب دنيا, وأن أبا الحسن المصري أحسن منه, وهلمّ شرًا.
فحصل لي أني سلمت على واحد منهم فقال لي إيش جابك روِّح .
فقلت له: هذه ما هي نصيحة، قال: سترى، فوالله ما رأيت إلا الخير الذي كان معهودًا من قبل الفتنة ومن بعدها.
وقال لي آخر: أن دماج ليست كما كانت قبل, فحصل بيني وبينه كلام، وقلت له لا تتكلم بمثل هذا الكلام لأن فيه صدًا عن الخير وعن أهله, ولا تنسى أنك تربيت في هذا المكان, وغير ذلك.
وبعضهم كان شديد البغض للشيخ يحيى رفع الله قدره وعوضه خيرًا.
فقال لي: إنني [أظنه حلف بالله] لأبغض الشيخ يحيى ولا أريد أن انظر إلى صورته.
يا سبحان الله! لماذا هذا البغض الشديد, حتى أنك لا تريد أن تنظر إلى صورته ما رأيت من الشيخ الكريم حفظه المولى العلي العظيم حتى تفوهت بمثل هذا الكلام الذي ينبئ عن غلٍّ وحنق وحقد دفين.
وصدق الله إذ يقول: قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور.
فالشيخ يحيى رعاه الله تعالى قد شهد له خزيمة وناهيك به إذ قال رحمه الله تعالى كما في مقدمته لكتاب شيخنا حفظه الله "ضياء السالكين" [ص5]: والأخ الشيخ يحيى هو ذاك الرجل المحبوب لدى إخوانه لما يرون فيه من حسن الاعتقاد ومحبة السنة وبغض الحزبية المساخة ونفع إخوانه المسلمين بالفتاوى التي تعتمد على الدليل. اهـ
فالشيخ رعاه الله عالم من علماء أهل السنة والجماعة, لا يحبه إلا سني ولا يبغضه إلا مبتدع حزبي. فانتبه هداك الله واحفظ لسانك, واعرف ما تقول، فإن الأمر ليس بالهين.
وكان الشيخ الوالد يحيى حفظه الله تعالى ذات يوم في درسه بين مغرب وعشاء, فرفع إليه أحد الإخوة ورقة فيها أن ذاك الليبي المخذول المفتون اتصل بالشيخ أحمد النجمي والشيخ ربيع المدخلي حفظهما الله من كل سؤء ومكروه محرشًا بين الشيخ يحيى والشيخين حفظ الله الجميع, إلا أن الله تعالى رد كيده في نحره، ولم يلتفت الشيخان إلى تحريشه وسوء قصده، وإفساده ووشايته ومنهم من زجره.
وإذا بواحد خلفي يقول: كذاب, والشيخ يحيى رعاه الله كان يقرأ الرسالة, وهو يقول مثل هذه الكلمة الأثيمة.
فالقوم قد بلغوا القمة في قلة الأدب مع الشيخ ومع دروسه ومع داره, وصوروا دماج خلاف ما هي عليه ظلمًا وزورًا!.
كنت ذات يوم في صنعاء وودعت أحد الإخوان لأجل سفري إلى هذه الدار المباركة الطيب أهلها, فرأيت الأخ حفظه الله يطلب مني لو تأخرت كذا يوم حتى تهدأ الأمور, ولأجل ما فيها, أظنه قال من الامتحان، وحصل أن بعض الإخوان ها هنا ذكر لي أنه سيبيع بيته.
فقلت له: لماذا؟ قال انظر بكرة أو بعده تمتحن.
وهكذا صوروا للناس دماج أن فيها امتحانًا, وهذا منهم كذب وزور.
فالشيخ رعاه الله تبلغه أخبارًا سيئة عن هؤلاء القوم فدعاهم فأنكروا، فطلب منهم أن يتبرأوا مما نسب إليهم فأحجم القوم، فهذا يدلك على ماذا؟ على أن القوم قد كثرت سوآتهم وخشوا على أنفسهم وعلى من معهم من الضحايا فأذاعوا مثل هذا الدعايات.
وبعضهم باع بيته . فقلت له: إن فعلك هذا يعتبر تزهيدًا وتنفيرًا عن هذا المكان فأنكر ذلك واستغفر الله.
وأنا على ما أنا عليه أن هؤلاء الإخوة الذي باعوا بيوتهم في هذه الأيام خاصة أن فعلهم هذا يؤول إلى التنفير والتزهيد في هذا المكان المبارك شعروا بذلك أم لم يشعروا رضوا أم أبوا.
فيتساءل بعض الناس لماذا فلان باع بيته, وبعضهم خرج من دماج وترك بيته؟
فإذا كان الشخص هذا الذي وقع في نفسه فعل هؤلاء القوم موفقًا, فإنه بتوفيق الله عز وجل له ينكر صنيع هؤلاء القوم, ويقول ما وفقوا بنوا ثم هدموا، عرفوا ثم أنكروا, وما أراهم سددوا ولا وفقوا هداهم الله، وأما إذا كان مخذولاً ولُبِّس عليه فيتحقق ما في نفسه ما أشاعه القوم وأذاعوه من أن دماج ليست كما كانت وأنها وأنها.
فنقول لكم أن دماج عروس وخطابها من آتاكم ترضون دينه و خلقه فزوجوه.
ولقد علمتم وعلم غيركم أن هذه الدار فيها من بركات الله الشيء العظيم فهو الذي يقبل بقلوب الناس إليها وحده سبحانه وتعالى، فلا يبقى فيها إلا من وفقه الله عز وجل, وعلم صدق نيته وصدق محبته لهذا الدار.
ولقد قال شيخنا الكريم الوالد الناصح الأمين: يخرج من هذه الدار واحد ويأتي بدله عشرة ربما عشرين بل ربما خمسين, وهذا من فضل الله, فهذه بعض سوءات القوم مما عرفتها وعرفها غيري وسمعها من الإساءة إلى هذه الدار, والإساءة إلى من يقوم عليها.
ذلك لتعلم أخي الكريم أن القوم اتخذوا هذه الفتنة درعًا لكي يقضوا وطرهم وقد فعلوا.
وإلا أخي الكريم أنت ما هو تفسير هذه الأمر عندك أنا خالفت شيخي في قضية من القضايا ما الدافع إلى السبِّ والشتم والطعن في عرض الشيخ والتزهيد في داره، أليس وراء هذا الأمر ما وراءه!!؟ نسأل الله السلامة والهداية لنا ولهم.
على أن هناك أمرًا آخر مهم جدًا، وهو أ ن شيخنا مقبلاً رحمة الله عليه ورفع درجته في أعلى عليين، قد ارتضى أن يكون الشيخ يحيى خليفته على كرسيه ومعهده، والشيخ رحمه الله من أهل العلم والدين وإمام من أئمة المسلمين فلا يختار إلا من هو من أهل العلم والدين, وقد قال عنه: أنه ناصح أمين.
فالطعن في الشيخ يحيى رعاه الله طعن في الشيخ مقبل رحمه الله، أعرفتم هذا أم أن حب الشيء يعمي ويصم!.
والذي حملني على كتابة هذه النصيحة التي أرجوا من الله تعالى أن ينفعني بها أولاً وينفع بها من شاء من عباده وأن يتقبلها مني ويجعلها خالصة لوجه الكريم، الأمر الذي دعاني إلى هذا حفاظًا على الإخوان الذين شوش عليهم هؤلاء القوم, وحفاظًا على الخير الذي هم فيه أن لا يضيعوه, فو جدت بعض الإخوان وقال لي أنه سيسافر، فقلت له متى ترجع؟ فقال حتى تهدأ الأمور!.
سبحان الله! أي أمور تهدأ، اتقوا الله ما هذه الصورة السيئة عن هذه الدار، فالأمور هادئة والخير مستمر والدار على ما هي عليه من قبل ومن بعد, ولكن أنتم تصطادون في الماء العكر، أنتم أصحاب الفتن والقلاقل والتشويش وقلة الأدب.
فقلت له: يا أخي إياك وهؤلاء القوم لا يشوشون عليك, فوالله أنهم غير موفقين, ولو كانوا ناصحين لنصحوا أنفسهم، فنصحته أن يحافظ على نفسه ويبقى في هذا المكان, ويقضي حاجته في سفره ثم يعجل العودة: وقلت له: يُخشى عليك أن يصير حالك إما في مقهى أو في ركن من الأركان.
صحيح أن هؤلاء القوم الذين أفسدوا وأساءوا, إن لم يلطف الله بهم ويوفقهم ويتوبوا ويؤوبوا ويرجعوا إلى ما كانوا عليه من الخير ومن محبة هذه الدار والحفاظ عليها ومعرفة قدر شيخهم الكريم حفظه الله ورعاه فإنهم بين أمرين: إما أن يكونوا صيدًا للحزبيين وإما أن يكونوا رواد المقاهي والأركان، اللهم أسألك أن تسلمنا وإياهم وتدفع عنا جميعًا كل سوء ومكروه، وأسألك التوفيق لي ولهم وأن تهدينا سواء السبيل.
فانتبه يا أخي رعاك الله لا يشوش القوم عليك، واذكر الخير الذي أنت فيه وكيف كنت قبل, فمن الله عليك ووفقك إلى هذا المكان المبارك الطيب, وتذكر أنك فارقت أحب الناس إليك بعد الله عز و جل ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهما والداك، فصبرت وصابرت لأجل هذا الخير وربما وجدت جفوة من بعض أهلك وقلة معروف ومواساة, فصبرت لذلك واحتسبت الأجر من الله ابتغاء العلم وابتغاء هذا الخير العظيم حتى فتح الله عليك ومنَّ عليك من فضله, وعلمك ما لم تكن تعلم، ثم بعد هذا كله تقابل نعمة الله عليك بالكفر والإعراض؛ بسبب أناس قل حظهم في هذا الخير، لا يا أخي انتبه فإن عذاب الله شديد، قال تعالى: ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب، وهذا نبيك -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يدعوا ربه إ ن يحفظ نعمته عليه من الزوال, وأن لا يرجع من الطاعة إلى المعصية.
روى مسلم في "صحيحه" عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك, وتحول عافيتك, وفجاءة نقمتك, وجميع سخطك).
وفيه من حديث عبدالله بن سرجس رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر, وكآبة المنقلب, والحور بعد الكور, و دعوة المظلوم, وسوء المنظر في الأهل والمال.
قوله: (الحور بعد الكور) الكور: جاء بالنون وبالراء، ومعناه بالنون والراء جميعًا: الرجوع من الاستقامة, أو الزيادة إلى النقص. انظر "شرح مسلم".
وأذكرك أخي الحميم، بقوله تعالى: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا... الآية.
قوله: ولا تكونوا: في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها, وذلك كالتي تغزل غزلاً قويًا, فإذا استحكم وتمّ ما أريد منه نقضت غزلها من بعد قوة فجعلته أنكاثًا فتعبت على الغزل ثم على النقض, ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص العقل والمروءة. اهـ من تفسير العلامة السعدي رحمه الله.
وبقوله تعالى: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها أعصار في نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون.
أخرج البخاري رحمه الله في "صحيحه" عن عبيد بن عمير قال: قال عمر رضي الله عنه يومًا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيم ترون هذه الآية نزلت أيود أحدكم أن تكون له جنة قالوا الله أعلم؟ فغضب عمر، فقال: قولوا نعلم أولا نعلم، فقال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك, قال ابن عباس: ضُربت مثلاً لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل, قال عمر: لرجل غنيٌّ يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وتبين ما فيها من المَثَل بعمل من أحسن العمل أولاً , ثم بعد ذلك انعكس سيره، فبدل الحسنات بالسيئات, عياذًا بالله من ذلك, فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح, واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال, فلم يحصل منه شيء, وخانه أحوج ما كان إليه.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في تفسيره: وهذه الآية تمثيل من يعمل خيرًا ويضم إليه ما يحبطه، فيجده يوم القيامة عند شدة حاجته إليه لا يسمن ولا يغني من جوع, بحال من له هذه الجنة الموصوفة وهو متصف بتلك الصفة. اهـ
وقال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: وهذا مثل مطابق لقلب المرائي الذي ليس فيه إيمان, بل هو قاس لا يلين ولا يخشع, فهذا أعماله ونفقاته لا أصل لها تؤسَّس عليه و لا غاية لها تنتهي إليها, بل ما عمله فهو باطل لعدم شرطه، والذي قبله بطل بعدم وجود الشرط لوجود المانع، والأول مقبول مضاعف لوجود شرطه الذي هو الإيمان والإخلاص والثبات, وانتفاء الموانع المفسدة.
وهذا الأمثال الثلاثة تنطبق على جميع العاملين، فيزن العبد نفسه وغيره بهذه الموازين العادلة والأمثال المطابقة، وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون. اهـ
واطلب منك أن ترجع قليلاً إلى الخلف وتقلب صفحات ما مضى من أحوال المنتكسين, لا لأجل الشماتة, ولكن لأجل العبرة والعظة.
فانظر كيف صار حال من تنكر لهذه الدار ومن يقوم عليها, من أصحاب الجمعيات وغيرهم, كيف صار حالهم الآن!, وأين هم الآن؟ وأين علمهم؟ وأين مؤلفاتهم؟ وأين تحقيقاتهم؟ وأين دفاعهم عن السنة؟وأين, وأين, وأين.
وما فتنة أبي الحسن عنا ببعيد، وصدق الله إذ يقول: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
فانتبه يا أخي رعاك الله واحذر من كل من يوشوش عليك ويريد منك الحيلولة بينك وبين هذا المكان الطيب، فكن منهم على حذر.
فإن هؤلاء القوم قد أساءوا الأدب وأنكروا المعروف, ولم ينصحوا لأنفسهم, لا لأنهم التزموا بكلام العلماء فسكتوا, ولا أنهم تأدبوا حين تكلموا ونطقوا.
فكن منهم على حذر فأنا لك ناصح وعليك مشفق, وأعرض عنهم وعن مجالسهم.
يقول تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وقال تعالى: والذين هم عن اللغو معرضون، وقال تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا، وقال جل شأنه: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
وما أرى في عينيك يا أخي إلا غشاءً لو رفعته وكشفته وأزلته عن عينيك مستعينًا بالله لتذكرت الخير الذي كنت عليه, وتذكرت نعمة الله سبحانه وتعالى عليك, وعرفت أنك كنت في سبات ونوم عميق وغفلة؛ بسبب طيش هؤلاء القوم.
وأحذرك وأنذرك مغبة وخطورة الكلام في أهل ا لعلم الذين عرفوا بصحة المعتقد وسلامة المنهج, وعرف صدقهم وإخلاصهم في هذه الدعوة المباركة والدفاع عنها, فإن الكلام فيهم ليس بالأمر الهين بل هو عظيم وصاحبه على خطر جسيم وشر مستطير, ويكفيهم شرفًا أن الله تعالى تولى الدفاع عنهم ومحاربة من عاداهم.
يقول الله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا.
قال الحافظ ابن كثر رحمه الله: وقوله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا أي: ينسبون ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا وهذا هو البهت الكبير أن يحكي أو يقل على المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم اهـ المراد.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بوجه من وجه الأذى من قول أو فعل ومعنى بغير ما اكتسبوا أنه لم يكن ذلك السبب فعلوه يوجب عليه الأذية ويستحقونها بها فقال فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا أي: ظاهرًا واضحًا لا شك في كونه من البهتان والإثم. اهـ المراد باختصار.
وقال العلامة السعدي رحمه الله وإثمًا مبينًا حيث تعدوا عليهم وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها، ولهذا كان سبُّ آحاد المؤمنين موجبًا للتعزير بحسب حالته وعلو مرتبته, فتعزير من سب الصحابة, أبلغ وتعزير من سب العلماء وأهل الدين أعظم من غيرهم. اهـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (أتدرون ما الغيبة، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه فقد بهته). رواه مسلم.
قوله: (فقد بتهته) يقال بهته بفتح الهاء مخففة، قُلتَ فيه البهتان وهو الباطل، وأصل البهت: أن يقال له الباطل في وجهه وهو محرم. اهـ. من "شرح النووي" رحمه الله مع تصرف.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في تفسير آية النساء [رقم112]: والبهتان: مأخوذ من البهت وهو الكذب على البريء بما ينبهت له ويتحير منه, يقال بهته بهتًا إذا قال عليه ما لم يقل, ويقال بهِت الرجل بالكسر إذا دهش وتحير. اهـ
وقال رحمه الله عند آية [رقم 156] من نفس السورة: والبهتان: الكذب المفرط الذي يتعجب منه. اهـ
وقال تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه يدافع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابو إليه شر الأشرار وكيد الفجار ويحفظهم ويكلأهم وينصرهم، كما قال تعالى: أليس الله بكافٍ عبده وقال تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله: والمعنى: يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين، وقيل: يعلي حجتهم، وقيل يوفقهم، والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من رب العالمين, وأنه المتولي للمدافعة عنهم، وجملة إن الله لا يحب كل خوان كفور مقررة لمضمون الجملة الأولى, فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنهم مبغوضون إلى الله غير محبوبين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب...) الحديث. رواه البخاري
وقوله: (من عادى) من المعاداة ضد الموالاة (لي) متعلق بقوله (وليًا) وهو من تولى الله بالطاعة, فتولاه الله بالحفظ والنصر، فالولي هنا: القريب من الله بإتباع أمره وتجنب نهيه وإكثار النفل. اهـ باختصار من "فيض القدير" [2/240].
وقال الحافظ رحمه الله: المراد بولي الله: العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته.
قوله: (فقد آذنته بالحرب) قال الحافظ رحمه الله: بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي: أعلمته، والإيذان الإعلام, ومنه أخذ الأذان.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في "شرح الأربعين" [ص437] يعني: فقد أعلمته بأني محارب له حيث كان محاربًا لي بمعاداته أوليائي، فأولياء الله تجب موالاتهم وتحرم معاداتهم, كما أن أعداءه تجب معاداتهم وتحرم موالاتهم.
قال تعالى: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، وقال: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون. اهـ
وقال الفاكهاني رحمه الله: في هذا تهديد شديد؛ لأن من حاربه الله أهلكه. ذكره الحافظ رحمه الله في "الفتح".
عن يحيى بن راشد قال: جلسنا لعبدالله بن عمر, فخرج إلينا, فجلس, فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله, ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه فقد اسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال. أخرجه أبو داود وصححه شيخنا رحمة الله عليه في "الصحيح المسند" [1/رقم755].
قوله: (ردغة الخبال) بفتح الراء وسكون الدال المهملة وتحريكها أيضًا, وبالغين المعجمة: هي الوحل وردْغة الخبال بفتح الخاء والباء الموحدة هي عصارة أهل النار أو عرقهم, كما جاء مفسرًا في "صحيح مسلم" وغيره. اهـ من "الترغيب والترهيب" [ 3/198].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا, فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم, فطرحت عليه ثم يطرح في النار). رواه مسلم.
قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى: وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام, والمعدوم الإعدام المقطع, فتؤخذ حسناته لغرمائه, فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار, فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه. اهـ المراد
قال الحافظ شيخ الإسلام عبدالله بن المبارك رحمه الله: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه ومن استخف بالإخوان ذهبت مرؤته. انظر "سير أعلام النبلاء" [8/408].
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله في "تبيين كذب المفتري" [ص29-30]. واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم, والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم, والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم, والاقتداء بما مدح الله به قول المتبعين من الاستغفار لمن سبقهم وصف كريم، إذ قال مثنيًا عليهم في كتابه وهو بمكارم الأخلاق عليم والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
والارتكاب لنهي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عن الاغتياب وسبِّ الأموات جسيم, فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبيهم عذاب أليم. اهـ
سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
أشكر ربي سبحانه وتعالى الذي وفقني لكتابة هذه النصيحة التي ما أردت من وراءها إلا النصح والله يعلم ذلك وهو من وراء القصد فله الحمد والمنة.
كما اشكر لشيخي الكريم أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله ورعاه ، الذي تفضل وتكرم بقراءة هذه الرسالة وأذن بنشرها وصحح منها ما يحتاج إلى تصحيح فله مني جزيل الشكر والتقدير والدعاء.
وأشكر الأخ أبا المنذر عبدالرحمن بن دعاس المشوشي الذي قام بكتابة هذه الرسالة، وكذا الأخ أبا اليمان عدنان المصقري على إعانته شكر الله لهما سعيهما وجزاهما خيرًا وأثابهما على ما قاما به من معروف.
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المؤمنين, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المرسلين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد
من محمد العمودي, إلى إخوانه طلبة العلم من أهل عدن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الكرام: فإني أحمد الله عز وجل إليكم وأسأله لي ولكم التوفيق والسداد والرشاد والإصابة في القول والعمل, وأن يجنبنا جمعيًا الفتن ما ظهر منها وما بطن, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إخوتاه: يقول الله سبحانه وتعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر الآية.
ويقول سبحانه: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. ويقول جل في علاه: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين إخويكم.
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال : بايعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والنصح لكل مسلم). متفق عليه.
وفيهما عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى).
وفيهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها, كمثل قوم استهموا على سفينة, فصار بعضهم أعلاها, وبعضهم أسفلها, وكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم, فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا) أخرجه البخاري.
وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل يا رسول الله انصره إذا كان مظلومًا, أرأيت إن كان ظالمًا كيف انصره، قال تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك من نصره).
وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم.
ففي هذه الأدلة فضيلة النصيحة والتعاون على البر والتقوى.
فمما أنصح به نفسي أولاً ثم إخواني وفقني الله وإياهم بتقوى الله إذ هي وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله.
فهي من أسباب الفقه في دين الله تعالى، يقول الله عز وجل: واتقوا الله ويعلمكم الله.
وهي من أسباب الرزق وتفريج الكربات، يقول تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
وأنصحكم إخواني الفضلاء, أن تحافظوا على هذا الخير الذي أنتم فيه, فوالله الذي لا إله غيره أنكم في خير ونعمة, لا يعرف قدرها إلا من حرمها, فكم من أناس يتمنون هذا الخير الذي أنتم فيه, وهم على أتم استعداد أن يبذلوا كل ما في وسعهم حتى يصلوا إلى هذا الخير الذي وفقكم الله عز وجل إليه.
فاتقوا الله عز وجل في هذا الخير العظيم وحافظوا عليه بقدر ما تستطيعون, وأعرضوا عن كل ما يحول بينكم وبينه.
فإن من الخذلان والحماقة بمكان وقلة التوفيق أن الشخص يكون قد عرف هذا الخير حق المعرفة, بل وأشرب قلبه حبه، ما إن تعرض له فتنة إلا وتجده من أوائل المتساقطين فيها، فيتنكر لهذا الخير ويتنكر على من يقوم عليه, ويصير المعروف عنده منكرًا, والمنكر معروفًا, والحق باطلاً, والباطل حقًا، وهذا والله لهو عين الخذلان وقلة التوفيق، أسأل الله السلامة والعافية لي ولكم.
والسبب في هذا: أن القوم ما ربّوا أنفسهم على هذا الخير العظيم, ولا عرفوا قدره, ولا قدر من يقوم عليه, فأُعْجِبوا بأنفسهم, واغتروا بما عندهم من خير، فرفعوا أنفسهم فوق قدرها، فتجاوزوا الحد, وأساءوا الأدب, وأعرضوا عن هذا الخير وعن أهله، فكان ماذا بعد هذا؟ كان أنهم وقعوا على أم رأسهم.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ناقة تسمى العضباء, لا تسبق أو لا تكاد تسبق, فجاء أعرابي على قعود فسبقها, فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه, فقال: (حق على الله أن لا يرتفع شيء من ا لدنيا إلا وضعه الله) أخرجه البخاري.
فصار من لم يعرفهم عرفهم, ومن أغتر بهم صار في حذر منهم, ومن كان محسن الظن بهم صار مسيء الظن بهم.
فحذار، حذار، إخوتي في الله من الشهوة الخفية [حب الرياسة], ومن الهوى والعجب والغرور.
قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات, وثلاث كفارات, وثلاث درجات، فأما المهلكات: فشح مطاع, وهوى متبع, وإعجاب المرء بنفسه...) الحديث، ذكره العلامة الألباني رحمة الله عليه في "صحيح الجامع" [3045] , من حديث ابن عمر رضي الله عنهما, وعزاه الطبراني في "الأوسط" وحسنه.
وقوله: (ثلاث مهلكات) أي: موبقات لفاعلها في الهلاك.
قوله: (وهوى متبع) بأن يتبع كل أحد ما يأمره به هواه.
قوله: (وإعجاب المرء بنفسه) أي: تحسين كل أحد نفْسَه على غيره, وإن كان قبيحًا.
قال القرطبي: وإعجاب المرء بنفسه: هو ملاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله، والإعجاب: وجدان شيئًا حسنًا.
قال الله تعالى في قصة قارون: قال إنما أوتيته على علم عندي, قال الله تعالى: فخسفنا به, فثمرة العجب: الهلاك. اهـ من "فيض القدير" [3/307].
فهذه هي آفات مهلكات في طريقك يا طالب العلم، فكن منها على حذر حتى لا تقع فيما وقع فيه غيرك, فتزل قدمك وتزلق كما زلوا وزلقوا.
ورضي الله عن أبي الدرادء إذ قال: لولا ثلاث صلح الناس: شح مطاع, وهوى متبع, وإعجاب كل ذي رأي برأيه. أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في "الزهد" [733] بإسناد حسن.
فاحرص يا طالب العلم أن تؤدب نفسك بآداب الكتاب والسنة, وأن تستفيد من آداب علماءك المتأخرين منهم والمتقدمين؛ فإنهم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم, وهم أهل الدين والأدب.
ولعظم الموضوع, أعني الآداب بشكلها العام, اهتم به علماؤنا رحمة الله عليهم، فقلّما تجد كتابًا من كتب السنة إلا وفيه كتاب خاص يسمى كتاب الأدب، ومنهم من أفرده بمصنف مستقل ومنهم من خصه بأبواب معينة, وغير ذلك.
ففيها الأدب مع الله, ومع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ومع المؤمنين, وفيها أدب الطالب مع شيخه ومعلمه، وغير ذلك من الفضائل والأخلاق الحسنة.
فهذه كتب علماؤنا, وهذه هي أخلاق أسلافنا, فكن منها على حرص يا طالب العلم واجتهاد وبغية وطلبٍ حثيث تسعد وتفز بإذن الله تعالى.
فهذا الباب لا بد أن نعطيه شيئًا من أوقاتنا, ونحرص عليه غاية الحرص ونهتم به غاية الاهتمام، حتى قال شيخ الإسلام أبو عبدالرحمن المروزي عبدالله بن المبارك رحمة الله عليه: كاد الأدب يكون ثلثي الدين. ذكره الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في "صفة الصفوة" [4/97].
ونحن في عصرٍ, القليل من اهتم بهذا الباب, فحصل ما حصل من قلة الأدب على أهل العلم والتطاول عليهم.
ومتى كان طالب العلم سيء الأدب مع شيخه؛ فإنه يحرم منه خيرًا عظيمًا.
انظر هذا المثال في طالبَيْنِ عند شيخ واحد, كيف كان أحدهما من اللطف معه بمكان, وكان الآخر خلاف ذلك.
قال معمر عن الزهري: كان أبو سملة يسأل ابن عباس وكان يخزن عنه, وكان عبيد الله يلطفه فكان يغر غرًا، ذكره الحافظ رحمه الله في "التهذيب" في ترجمة عبيدالله بن عبدالله بن عتبة .
وعن الزهري عن أبي سلمة قال: لو رفقت بابن عباس لأصبت منه علمًا كثيرًا. أخرجه الدارمي في "المقدمة" رقم [426و587] وإسناده صحيح.
وذكر الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله مسألتين شذ فيهما أبوسلمة رحمه الله ثم قال: فرحم الله القائل- كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم علمًا كثيرًا. اهـ من "الاستذكار" [7/137].
فأي خير ترجوه يا طالب العلم من معلِّمِك إذا كنت سيء الأدب معه، تنبه يا أخي رعاك الله ولا تكن من الغافلين, فعلينا جميعًا أن نتقي الله عز وجل في علمائنا, وأن نشكر لهم معروفهم وفضلهم وإحسانهم, ونثني عليهم, ولا نذكرهم إلا بخير، يقول الله تعالى: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، أخرجه أبو داود، وذكره شيخنا رحمة الله عليه في "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين" [2/رقم1330]، وقال غفر الله له: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه, ومن سأل بالله فأعطوه, ومن دعاكم فأجيبوه, ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوا به فادعوا له حتى ترون أنكم قد كافأتموه) أخرجه أبو داود، وقال شيخنا رحمة الله عليه في "الصحيح المسند" [2/737]: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
ولعظم هذا الأمر, أعني معرفة حق أهل العلم, والثناء عليهم, ولأهميته دوَّنه بعض علماء أهل السنة في العقيدة.
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته: وعلماء السلف من السابقين, ومن بعدهم من التابعين, أهل الخير والأثر, وأهل الفقه والنظر, لا يذكرون إلا بالجميل, ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، انظر "العقيدة الطحاوية مع شرحها" لابن أبي العز رحمه الله [ص491].
قال العلامة السعدي رحمة الله عليه: ويدينون لله باحترام العلماء الهداة, وأئمة العدل، ومن لهم المقامات العالية في الدين, والفضل المتنوع على المسلمين, ويسألون الله أن يعيذهم من الشك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق, وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات.
هذه الأصول الكلية بها يؤمنون, ولها يعتقدون, وإليها يدعون. اهـ انظر "القول السديد في مقاصد التوحيد" [ص9].
هذا وإننا نرى في هذه الأيام أمورًا عجيبة, وأقوالاً منكرة شنيعة, وأخلاقًا سقيمة رديئة، من أناس دخلوا أو أُدخلوا في أمرٍ, هم في غنى عنه, وحمَّلوا أنفسهم ما لا تحتمل، فكان منهم سوء الأدب, وقلة المعروف, وعدم إخلاص النصيحة, فزهدوا وزهَّدوا في هذا الخير, وفي القائمين عليه، فكان جزاؤهم الطرد, والإهانة, بعد النصح والتوجيه, من قبل شيخنا الكريم, الناصح الأمين, حفظه الله تعالى؛ لأن القوم أبوا إلا أن يتمادوا في غيهم, وتعصبهم, وتكتلهم الحزبي, وولاؤهم الضيق، فتمردوا فصاروا أسوة للحمقى والمغفلين، وصدق الله إذ يقول: وإما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى.
هذا وإن من الأمور المعروفة المشتهرة أن الطالب ربما يخالف شيخه في قضية من القضايا, أو رأي من الآراء، وهذا أمر مسلم به ولا غضاضة فيه، وكم في سيَر العلماء سواء المتأخرين منهم أو المتقدمين من هذا الشيء الكثير.
إلا أن هذه المخالفة التي هي من قبل الطالب لشيخه لابد أن يصحبها أدب واحترام وتقدير وإجلال لشيخك والدعاء له والثناء عليه، فيبقى شيخك شيخٌ لك من قَبل المخالفة ومن بعدها، له قدره ومنزلته واحترامه وثقله، هذه هي أخلاق طالب العلم السلفي، إلا أننا رأينا القوم هؤلاء على خلاف هذا الأمر تمامًا، فتجلدوا في هذه الفتنة وتعصبوا بحجة الدفاع عن الشيخ عبدالرحمن وفقه الله وسدد في الخير خطاه، فماذا كان بعد هذا التعصب والتجلد؟ هل القوم وقفوا عند الحد الشرعي والخلق السلفي؟ فقالوا: إن الشيخ حفظه الله تعالى ورعاه رأى رأيًا، ورأينا خلافه فهو لا يزال شيخنا ومعلمنا وأستاذنا ومؤدبنا....الخ.
لا والله, لا والله، لا والله، ما رأينا منهم هذا الأمر الذي هو من أخلاق طلبة العلم السلفيين.
بل كان منهم الطعن والغمز والهمز واللمز في الشيخ الكريم يحيى حفظه الله ورعاه, والاستنقاص منه وازدراؤه وعدم المبالاة به وبما يقول والتزهيد فيه ومن دروسه وداره والتشويش على الناس بأن هذا المكان ليس كما كان, ونخاف أن يضيع معهد أبينا, وخدشوا في دينه, ورموه بالكذب, وأنه حاقد وصاحب دنيا, وأن أبا الحسن المصري أحسن منه, وهلمّ شرًا.
فحصل لي أني سلمت على واحد منهم فقال لي إيش جابك روِّح .
فقلت له: هذه ما هي نصيحة، قال: سترى، فوالله ما رأيت إلا الخير الذي كان معهودًا من قبل الفتنة ومن بعدها.
وقال لي آخر: أن دماج ليست كما كانت قبل, فحصل بيني وبينه كلام، وقلت له لا تتكلم بمثل هذا الكلام لأن فيه صدًا عن الخير وعن أهله, ولا تنسى أنك تربيت في هذا المكان, وغير ذلك.
وبعضهم كان شديد البغض للشيخ يحيى رفع الله قدره وعوضه خيرًا.
فقال لي: إنني [أظنه حلف بالله] لأبغض الشيخ يحيى ولا أريد أن انظر إلى صورته.
يا سبحان الله! لماذا هذا البغض الشديد, حتى أنك لا تريد أن تنظر إلى صورته ما رأيت من الشيخ الكريم حفظه المولى العلي العظيم حتى تفوهت بمثل هذا الكلام الذي ينبئ عن غلٍّ وحنق وحقد دفين.
وصدق الله إذ يقول: قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور.
فالشيخ يحيى رعاه الله تعالى قد شهد له خزيمة وناهيك به إذ قال رحمه الله تعالى كما في مقدمته لكتاب شيخنا حفظه الله "ضياء السالكين" [ص5]: والأخ الشيخ يحيى هو ذاك الرجل المحبوب لدى إخوانه لما يرون فيه من حسن الاعتقاد ومحبة السنة وبغض الحزبية المساخة ونفع إخوانه المسلمين بالفتاوى التي تعتمد على الدليل. اهـ
فالشيخ رعاه الله عالم من علماء أهل السنة والجماعة, لا يحبه إلا سني ولا يبغضه إلا مبتدع حزبي. فانتبه هداك الله واحفظ لسانك, واعرف ما تقول، فإن الأمر ليس بالهين.
وكان الشيخ الوالد يحيى حفظه الله تعالى ذات يوم في درسه بين مغرب وعشاء, فرفع إليه أحد الإخوة ورقة فيها أن ذاك الليبي المخذول المفتون اتصل بالشيخ أحمد النجمي والشيخ ربيع المدخلي حفظهما الله من كل سؤء ومكروه محرشًا بين الشيخ يحيى والشيخين حفظ الله الجميع, إلا أن الله تعالى رد كيده في نحره، ولم يلتفت الشيخان إلى تحريشه وسوء قصده، وإفساده ووشايته ومنهم من زجره.
وإذا بواحد خلفي يقول: كذاب, والشيخ يحيى رعاه الله كان يقرأ الرسالة, وهو يقول مثل هذه الكلمة الأثيمة.
فالقوم قد بلغوا القمة في قلة الأدب مع الشيخ ومع دروسه ومع داره, وصوروا دماج خلاف ما هي عليه ظلمًا وزورًا!.
كنت ذات يوم في صنعاء وودعت أحد الإخوان لأجل سفري إلى هذه الدار المباركة الطيب أهلها, فرأيت الأخ حفظه الله يطلب مني لو تأخرت كذا يوم حتى تهدأ الأمور, ولأجل ما فيها, أظنه قال من الامتحان، وحصل أن بعض الإخوان ها هنا ذكر لي أنه سيبيع بيته.
فقلت له: لماذا؟ قال انظر بكرة أو بعده تمتحن.
وهكذا صوروا للناس دماج أن فيها امتحانًا, وهذا منهم كذب وزور.
فالشيخ رعاه الله تبلغه أخبارًا سيئة عن هؤلاء القوم فدعاهم فأنكروا، فطلب منهم أن يتبرأوا مما نسب إليهم فأحجم القوم، فهذا يدلك على ماذا؟ على أن القوم قد كثرت سوآتهم وخشوا على أنفسهم وعلى من معهم من الضحايا فأذاعوا مثل هذا الدعايات.
وبعضهم باع بيته . فقلت له: إن فعلك هذا يعتبر تزهيدًا وتنفيرًا عن هذا المكان فأنكر ذلك واستغفر الله.
وأنا على ما أنا عليه أن هؤلاء الإخوة الذي باعوا بيوتهم في هذه الأيام خاصة أن فعلهم هذا يؤول إلى التنفير والتزهيد في هذا المكان المبارك شعروا بذلك أم لم يشعروا رضوا أم أبوا.
فيتساءل بعض الناس لماذا فلان باع بيته, وبعضهم خرج من دماج وترك بيته؟
فإذا كان الشخص هذا الذي وقع في نفسه فعل هؤلاء القوم موفقًا, فإنه بتوفيق الله عز وجل له ينكر صنيع هؤلاء القوم, ويقول ما وفقوا بنوا ثم هدموا، عرفوا ثم أنكروا, وما أراهم سددوا ولا وفقوا هداهم الله، وأما إذا كان مخذولاً ولُبِّس عليه فيتحقق ما في نفسه ما أشاعه القوم وأذاعوه من أن دماج ليست كما كانت وأنها وأنها.
فنقول لكم أن دماج عروس وخطابها من آتاكم ترضون دينه و خلقه فزوجوه.
ولقد علمتم وعلم غيركم أن هذه الدار فيها من بركات الله الشيء العظيم فهو الذي يقبل بقلوب الناس إليها وحده سبحانه وتعالى، فلا يبقى فيها إلا من وفقه الله عز وجل, وعلم صدق نيته وصدق محبته لهذا الدار.
ولقد قال شيخنا الكريم الوالد الناصح الأمين: يخرج من هذه الدار واحد ويأتي بدله عشرة ربما عشرين بل ربما خمسين, وهذا من فضل الله, فهذه بعض سوءات القوم مما عرفتها وعرفها غيري وسمعها من الإساءة إلى هذه الدار, والإساءة إلى من يقوم عليها.
ذلك لتعلم أخي الكريم أن القوم اتخذوا هذه الفتنة درعًا لكي يقضوا وطرهم وقد فعلوا.
وإلا أخي الكريم أنت ما هو تفسير هذه الأمر عندك أنا خالفت شيخي في قضية من القضايا ما الدافع إلى السبِّ والشتم والطعن في عرض الشيخ والتزهيد في داره، أليس وراء هذا الأمر ما وراءه!!؟ نسأل الله السلامة والهداية لنا ولهم.
على أن هناك أمرًا آخر مهم جدًا، وهو أ ن شيخنا مقبلاً رحمة الله عليه ورفع درجته في أعلى عليين، قد ارتضى أن يكون الشيخ يحيى خليفته على كرسيه ومعهده، والشيخ رحمه الله من أهل العلم والدين وإمام من أئمة المسلمين فلا يختار إلا من هو من أهل العلم والدين, وقد قال عنه: أنه ناصح أمين.
فالطعن في الشيخ يحيى رعاه الله طعن في الشيخ مقبل رحمه الله، أعرفتم هذا أم أن حب الشيء يعمي ويصم!.
والذي حملني على كتابة هذه النصيحة التي أرجوا من الله تعالى أن ينفعني بها أولاً وينفع بها من شاء من عباده وأن يتقبلها مني ويجعلها خالصة لوجه الكريم، الأمر الذي دعاني إلى هذا حفاظًا على الإخوان الذين شوش عليهم هؤلاء القوم, وحفاظًا على الخير الذي هم فيه أن لا يضيعوه, فو جدت بعض الإخوان وقال لي أنه سيسافر، فقلت له متى ترجع؟ فقال حتى تهدأ الأمور!.
سبحان الله! أي أمور تهدأ، اتقوا الله ما هذه الصورة السيئة عن هذه الدار، فالأمور هادئة والخير مستمر والدار على ما هي عليه من قبل ومن بعد, ولكن أنتم تصطادون في الماء العكر، أنتم أصحاب الفتن والقلاقل والتشويش وقلة الأدب.
فقلت له: يا أخي إياك وهؤلاء القوم لا يشوشون عليك, فوالله أنهم غير موفقين, ولو كانوا ناصحين لنصحوا أنفسهم، فنصحته أن يحافظ على نفسه ويبقى في هذا المكان, ويقضي حاجته في سفره ثم يعجل العودة: وقلت له: يُخشى عليك أن يصير حالك إما في مقهى أو في ركن من الأركان.
صحيح أن هؤلاء القوم الذين أفسدوا وأساءوا, إن لم يلطف الله بهم ويوفقهم ويتوبوا ويؤوبوا ويرجعوا إلى ما كانوا عليه من الخير ومن محبة هذه الدار والحفاظ عليها ومعرفة قدر شيخهم الكريم حفظه الله ورعاه فإنهم بين أمرين: إما أن يكونوا صيدًا للحزبيين وإما أن يكونوا رواد المقاهي والأركان، اللهم أسألك أن تسلمنا وإياهم وتدفع عنا جميعًا كل سوء ومكروه، وأسألك التوفيق لي ولهم وأن تهدينا سواء السبيل.
فانتبه يا أخي رعاك الله لا يشوش القوم عليك، واذكر الخير الذي أنت فيه وكيف كنت قبل, فمن الله عليك ووفقك إلى هذا المكان المبارك الطيب, وتذكر أنك فارقت أحب الناس إليك بعد الله عز و جل ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهما والداك، فصبرت وصابرت لأجل هذا الخير وربما وجدت جفوة من بعض أهلك وقلة معروف ومواساة, فصبرت لذلك واحتسبت الأجر من الله ابتغاء العلم وابتغاء هذا الخير العظيم حتى فتح الله عليك ومنَّ عليك من فضله, وعلمك ما لم تكن تعلم، ثم بعد هذا كله تقابل نعمة الله عليك بالكفر والإعراض؛ بسبب أناس قل حظهم في هذا الخير، لا يا أخي انتبه فإن عذاب الله شديد، قال تعالى: ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب، وهذا نبيك -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يدعوا ربه إ ن يحفظ نعمته عليه من الزوال, وأن لا يرجع من الطاعة إلى المعصية.
روى مسلم في "صحيحه" عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك, وتحول عافيتك, وفجاءة نقمتك, وجميع سخطك).
وفيه من حديث عبدالله بن سرجس رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر, وكآبة المنقلب, والحور بعد الكور, و دعوة المظلوم, وسوء المنظر في الأهل والمال.
قوله: (الحور بعد الكور) الكور: جاء بالنون وبالراء، ومعناه بالنون والراء جميعًا: الرجوع من الاستقامة, أو الزيادة إلى النقص. انظر "شرح مسلم".
وأذكرك أخي الحميم، بقوله تعالى: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا... الآية.
قوله: ولا تكونوا: في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها, وذلك كالتي تغزل غزلاً قويًا, فإذا استحكم وتمّ ما أريد منه نقضت غزلها من بعد قوة فجعلته أنكاثًا فتعبت على الغزل ثم على النقض, ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص العقل والمروءة. اهـ من تفسير العلامة السعدي رحمه الله.
وبقوله تعالى: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها أعصار في نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون.
أخرج البخاري رحمه الله في "صحيحه" عن عبيد بن عمير قال: قال عمر رضي الله عنه يومًا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيم ترون هذه الآية نزلت أيود أحدكم أن تكون له جنة قالوا الله أعلم؟ فغضب عمر، فقال: قولوا نعلم أولا نعلم، فقال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك, قال ابن عباس: ضُربت مثلاً لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل, قال عمر: لرجل غنيٌّ يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وتبين ما فيها من المَثَل بعمل من أحسن العمل أولاً , ثم بعد ذلك انعكس سيره، فبدل الحسنات بالسيئات, عياذًا بالله من ذلك, فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح, واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال, فلم يحصل منه شيء, وخانه أحوج ما كان إليه.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في تفسيره: وهذه الآية تمثيل من يعمل خيرًا ويضم إليه ما يحبطه، فيجده يوم القيامة عند شدة حاجته إليه لا يسمن ولا يغني من جوع, بحال من له هذه الجنة الموصوفة وهو متصف بتلك الصفة. اهـ
وقال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: وهذا مثل مطابق لقلب المرائي الذي ليس فيه إيمان, بل هو قاس لا يلين ولا يخشع, فهذا أعماله ونفقاته لا أصل لها تؤسَّس عليه و لا غاية لها تنتهي إليها, بل ما عمله فهو باطل لعدم شرطه، والذي قبله بطل بعدم وجود الشرط لوجود المانع، والأول مقبول مضاعف لوجود شرطه الذي هو الإيمان والإخلاص والثبات, وانتفاء الموانع المفسدة.
وهذا الأمثال الثلاثة تنطبق على جميع العاملين، فيزن العبد نفسه وغيره بهذه الموازين العادلة والأمثال المطابقة، وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون. اهـ
واطلب منك أن ترجع قليلاً إلى الخلف وتقلب صفحات ما مضى من أحوال المنتكسين, لا لأجل الشماتة, ولكن لأجل العبرة والعظة.
فانظر كيف صار حال من تنكر لهذه الدار ومن يقوم عليها, من أصحاب الجمعيات وغيرهم, كيف صار حالهم الآن!, وأين هم الآن؟ وأين علمهم؟ وأين مؤلفاتهم؟ وأين تحقيقاتهم؟ وأين دفاعهم عن السنة؟وأين, وأين, وأين.
وما فتنة أبي الحسن عنا ببعيد، وصدق الله إذ يقول: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
فانتبه يا أخي رعاك الله واحذر من كل من يوشوش عليك ويريد منك الحيلولة بينك وبين هذا المكان الطيب، فكن منهم على حذر.
فإن هؤلاء القوم قد أساءوا الأدب وأنكروا المعروف, ولم ينصحوا لأنفسهم, لا لأنهم التزموا بكلام العلماء فسكتوا, ولا أنهم تأدبوا حين تكلموا ونطقوا.
فكن منهم على حذر فأنا لك ناصح وعليك مشفق, وأعرض عنهم وعن مجالسهم.
يقول تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وقال تعالى: والذين هم عن اللغو معرضون، وقال تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا، وقال جل شأنه: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
وما أرى في عينيك يا أخي إلا غشاءً لو رفعته وكشفته وأزلته عن عينيك مستعينًا بالله لتذكرت الخير الذي كنت عليه, وتذكرت نعمة الله سبحانه وتعالى عليك, وعرفت أنك كنت في سبات ونوم عميق وغفلة؛ بسبب طيش هؤلاء القوم.
وأحذرك وأنذرك مغبة وخطورة الكلام في أهل ا لعلم الذين عرفوا بصحة المعتقد وسلامة المنهج, وعرف صدقهم وإخلاصهم في هذه الدعوة المباركة والدفاع عنها, فإن الكلام فيهم ليس بالأمر الهين بل هو عظيم وصاحبه على خطر جسيم وشر مستطير, ويكفيهم شرفًا أن الله تعالى تولى الدفاع عنهم ومحاربة من عاداهم.
يقول الله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا.
قال الحافظ ابن كثر رحمه الله: وقوله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا أي: ينسبون ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا وهذا هو البهت الكبير أن يحكي أو يقل على المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم اهـ المراد.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بوجه من وجه الأذى من قول أو فعل ومعنى بغير ما اكتسبوا أنه لم يكن ذلك السبب فعلوه يوجب عليه الأذية ويستحقونها بها فقال فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا أي: ظاهرًا واضحًا لا شك في كونه من البهتان والإثم. اهـ المراد باختصار.
وقال العلامة السعدي رحمه الله وإثمًا مبينًا حيث تعدوا عليهم وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها، ولهذا كان سبُّ آحاد المؤمنين موجبًا للتعزير بحسب حالته وعلو مرتبته, فتعزير من سب الصحابة, أبلغ وتعزير من سب العلماء وأهل الدين أعظم من غيرهم. اهـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: (أتدرون ما الغيبة، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه فقد بهته). رواه مسلم.
قوله: (فقد بتهته) يقال بهته بفتح الهاء مخففة، قُلتَ فيه البهتان وهو الباطل، وأصل البهت: أن يقال له الباطل في وجهه وهو محرم. اهـ. من "شرح النووي" رحمه الله مع تصرف.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في تفسير آية النساء [رقم112]: والبهتان: مأخوذ من البهت وهو الكذب على البريء بما ينبهت له ويتحير منه, يقال بهته بهتًا إذا قال عليه ما لم يقل, ويقال بهِت الرجل بالكسر إذا دهش وتحير. اهـ
وقال رحمه الله عند آية [رقم 156] من نفس السورة: والبهتان: الكذب المفرط الذي يتعجب منه. اهـ
وقال تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه يدافع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابو إليه شر الأشرار وكيد الفجار ويحفظهم ويكلأهم وينصرهم، كما قال تعالى: أليس الله بكافٍ عبده وقال تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله: والمعنى: يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين، وقيل: يعلي حجتهم، وقيل يوفقهم، والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من رب العالمين, وأنه المتولي للمدافعة عنهم، وجملة إن الله لا يحب كل خوان كفور مقررة لمضمون الجملة الأولى, فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنهم مبغوضون إلى الله غير محبوبين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب...) الحديث. رواه البخاري
وقوله: (من عادى) من المعاداة ضد الموالاة (لي) متعلق بقوله (وليًا) وهو من تولى الله بالطاعة, فتولاه الله بالحفظ والنصر، فالولي هنا: القريب من الله بإتباع أمره وتجنب نهيه وإكثار النفل. اهـ باختصار من "فيض القدير" [2/240].
وقال الحافظ رحمه الله: المراد بولي الله: العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته.
قوله: (فقد آذنته بالحرب) قال الحافظ رحمه الله: بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي: أعلمته، والإيذان الإعلام, ومنه أخذ الأذان.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في "شرح الأربعين" [ص437] يعني: فقد أعلمته بأني محارب له حيث كان محاربًا لي بمعاداته أوليائي، فأولياء الله تجب موالاتهم وتحرم معاداتهم, كما أن أعداءه تجب معاداتهم وتحرم موالاتهم.
قال تعالى: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، وقال: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون. اهـ
وقال الفاكهاني رحمه الله: في هذا تهديد شديد؛ لأن من حاربه الله أهلكه. ذكره الحافظ رحمه الله في "الفتح".
عن يحيى بن راشد قال: جلسنا لعبدالله بن عمر, فخرج إلينا, فجلس, فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله, ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه فقد اسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال. أخرجه أبو داود وصححه شيخنا رحمة الله عليه في "الصحيح المسند" [1/رقم755].
قوله: (ردغة الخبال) بفتح الراء وسكون الدال المهملة وتحريكها أيضًا, وبالغين المعجمة: هي الوحل وردْغة الخبال بفتح الخاء والباء الموحدة هي عصارة أهل النار أو عرقهم, كما جاء مفسرًا في "صحيح مسلم" وغيره. اهـ من "الترغيب والترهيب" [ 3/198].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا, فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم, فطرحت عليه ثم يطرح في النار). رواه مسلم.
قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى: وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام, والمعدوم الإعدام المقطع, فتؤخذ حسناته لغرمائه, فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار, فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه. اهـ المراد
قال الحافظ شيخ الإسلام عبدالله بن المبارك رحمه الله: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه ومن استخف بالإخوان ذهبت مرؤته. انظر "سير أعلام النبلاء" [8/408].
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله في "تبيين كذب المفتري" [ص29-30]. واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم, والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم, والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم, والاقتداء بما مدح الله به قول المتبعين من الاستغفار لمن سبقهم وصف كريم، إذ قال مثنيًا عليهم في كتابه وهو بمكارم الأخلاق عليم والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
والارتكاب لنهي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عن الاغتياب وسبِّ الأموات جسيم, فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبيهم عذاب أليم. اهـ
سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
أخوكم في الله ومحبكم فيه
أبو حمزة
محمد العمودي
دار الحديث بدماج رحم الله مؤسسها وحفظ الله خليفته القائم عليها، وجعله ذخرًا للسنة وأهلها وشجًى في حلوق الحزبيين والمبتدعة.
22/ رجب/ 1428هـ
**حمل الرسالة من**
**الخزانة العلمية**
**لشبكة العلوم السلفية**
أبو حمزة
محمد العمودي
دار الحديث بدماج رحم الله مؤسسها وحفظ الله خليفته القائم عليها، وجعله ذخرًا للسنة وأهلها وشجًى في حلوق الحزبيين والمبتدعة.
22/ رجب/ 1428هـ
**حمل الرسالة من**
**الخزانة العلمية**
**لشبكة العلوم السلفية**
تعليق