هدية ثقيلة لعبيد الفتنة من الحافظ ابن حجر العسقلاني
قال السخاوي في ترجمة الحافظ ابن حجر _ رحمه الله _ في قسم المسائل :ومنها أنه سئل عن اعتراض على القاضي عياض حيث قال في "الشفا" ( أما تواضعه على علو منصبه فكان أشد الناس تواضعاً وأقلهم كبراً ) فإنه _ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم _ منتف عنه الكبر أصلاً و رأساً .
وصار هذا المعترض يتتبع نسخ "الشفاء " فيمحو ذلك منها . أهو مصيب ؟
فأجاب : الاعتراض باطل لأن العلماء قد تكلموا على الحديث الذي رواه النسائي عن عبد الله بن أبي أوفى أنه _ رضي الله عنه _ قال : كان رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يكثر الذكر ويقل اللغو .. الحديث َ فقالوا : قول الراوي يقل اللغو أي لا يلغو أصلاً .
قال ابن الأثير في النهاية (مادة قلل ) : ومنه الحديث كان يغل اللغو , لا يلغو أصلاً وهذه الفظة قد تستعمل في نفي الشيء كقوله تعالى { قليلاً ما تؤمنون } [ الحاقة : 41]
فالمعنى في كلام القاضي عياض حينئذ أنه قليل الكبر ، أي لا يقع منه أصلاً كما قيل ذلك في الحديث
وليس في ذكره بأفعل التفضيل ما يقتضي مشاركة الناس في الكبر ، لأن أفعل التفضيل قد تخرج عن المشاركة كما في قوله تعالى : { أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 42 ] . ولا خيرية في مستقر النار ولا حسن في مقيلها .
وقد وقع مثل ذلك في الحديث المتفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص _ رضي الله عنه _ : استأذن عمر _ رضي الله عنه _ على رسول الله _ صلى الله عليه وسلم -_ وعنهد نسوة .. الحديث وفيه : أنت أفظ وأغلظ " فقال النووي في شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 137)
قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَيْسَتْ لَفْظَة أَفْعَل هُنَا لِلْمُفَاضَلَةِ ، بَلْ هِيَ بِمَعْنَى فَظّ غَلِيظ . قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ يَصِحُّ حَمْلهَا عَلَى الْمُفَاضَلَة ، وَأَنَّ الْقَدْر الَّذِي مِنْهَا فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا كَانَ مِنْ إِغْلَاظه عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى { جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } وَكَانَ يَغْضَب وَيُغْلِظ عِنْد اِنْتَهَاك حُرُمَات اللَّه انتهى
وحينئذ قول القاضي : (وأقلهم كبراً ) بمعنى انتفى عنه الكبر البتة كما تقدم وقد يؤول على شدته على الكفار والمنافقين كما في الذي قبله لأنه تواضعه ورأفته ورحمته كانت بالمؤمنين كما في قوله : { بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة 128]
وقوله في الصحيح " إنه في التوراة ليس بفظ ولا غليظ " معناه على المؤمنين ونظيره قوله تعالى :{ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] فمعنى { أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} [ المائدة : 54 ] أي عاطفين عليهم {أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } أي متكبرين عليهم يغازونهم ويعادونهم .
ولا يجوز إتلاف نسخ " الشفا " والله أعلم اهـ [ الدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر ص951ــ953]
قال أبو عيسى _ وفقه الله _ : _ رحمة الله _ على هذا الإمام فقد أفاد وأجاد ونقل كلام الأمجاد وفند ما يتشبث الأوغاد !
قولوا لعبيد الجابري : أيهما أجرم عندك ؟!!!
القاضي عياض الذي يقول في سياق الكلام على تواضعه _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ : .. (فكان أشد الناس تواضعاً وأقلهم كبراً ) !!!
أم الشيخ العلامة يحيى بن علي الحجوري الذي قال كغيره من الأعلام :إن أقرب الطوائف إلى الحق أهل السنة
هذا إن سلكت مسلك ذلك الذي كان جاداً في إتلاف نسخ " الشفا " وقد علمت أنه كان جاهلاً ظن أن هذه الكلمة فيه تنقص عن جناب النبي _ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم _
أما إن سلكت مسلك العلماء كما قال الحافظ فستعلم علم اليقين بأنك لا تصلح للفتوى ففي كل حين تظهر لنا زلقة تدل على أنك جاهل
وأفيدك بأن السبكي الأشعري أبا نصر قال عن الأشعرية : أنهم أقرب الطوائف إلى الحق !
فهل تظن بأنه يقصد أنهم ليسوا على الحق ولكنهم أقرب !! وهو الذي يلعن أهل السنة من الحنابلة وغيرهم انتقاماً لهم بل لقد هم أن يقول : إن أبابكر وعمر من الأشاعرة !!! مقابلة لبعض المعتزلة الذين عدوا ابن مسعود منهم !! لولا أن أباه نهاه بما ذكرته في "سلسة الفوائد والفرائد والغرائب "
وقد أساء الأدب مع شيخه الذهبي وجرده عن الفضائل وألبسه الرذائل كل ذلك انتصاراً للأشاعرة ! وفي نهاية المطاف أنهم أقرب إلى الحق وأراد بذلك أنهم ليسوا على الحق : ولكنهم أقرب ! _ على مقياس الجابري _
تعليق