إقامة الحجة والبرهان
على إبطال ما اشتمله التوضيح والبيان من المغالطات والروغان
( حوار مع الشيخ عبد العزيز البرعي )
كتبه /
أبو عبد السلام حسن بن قاسم الريمي الحسني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد :
فقد أوقفني أحد الإخوة الأفاضل على ورقة نُشرت باسم أخينا الشيخ عبد العزيز البرعي وفقه الله محامياً فيها عن أخينا الشيخ عبد الله بن عثمان الذماري في بعض هفواته التي تفوه بها في شريطه المسمى بـ (المخرج من الفتن) ولستُ بصدد مناقشة الشيخ الذماري في تلكم الهفوة لأن عرضها كفيلة في ردها ، ولكن العجب من الشيخ البرعي عفا الله عنا وعنه كيف زلت به القدم أثناء محاماته تلك فوقع في مطبات كثيرة ينأى عن الوقوع فيها طالب علم فضلاً عمن يُنظر إليهم بمنظار المرجعية والعلماء !
ولكن ترى أن العجب ينزاح رويداً رويداً عند أن يُعلم أن طريقة البرعي غفر الله لنا وله أصبحت المحاماة عن الأخطاء ومحاولة تبريرها إن أمكن إلى ذلك سبيلاً ، وأدل دليل نفاحه الشديد عن أبي الحسن عند أن كان متأثراً به مع قيام الأدلة على تبديعه ، وكذا في فتنة ابني مرعي فكم جنّد نفسه للمنافحة عنهما، وكذلك منافحته عن الوصابي وكذا عن إبانة الإمام، واليوم ينافح عن الشيخ الذماري ويحاول بشتى الوسائل الدفاع عنه مع تصريحه بوقوعه في الخطأ ، المهم أن الرجل أصبح يشغل وظيفة المنافحة عن أخطاء بعض الوعاظ والمشتغلين بالدعوة ، والله المستعان ، وكان يكفيه أن يقوم بواجب البيان والنصح ، والحمد لله .
وفي أثناء قراءتي لهذه الورقة المسماة بـ(توضيح وبيان ......) لاحظت بعض الملاحظات أرجو أن تكون مقوّمة لهذا التوضيح وصيانة له علّ الله تعالى أن ينفع بها ،وأرى أن تكون في إحدى عشرة ملاحظة ؛ فإلى المقصود والله المعين :
الملاحظة الثانية: قوله ( إن كلامه كلام أهل السنة ).
أقول : قال الإمام الأوزاعي رحمه الله : "اصبر نفسك على السنة وقل بما قالوا وكف عما كفوا واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم " انظر شرح اعتقاد أهل السنة للآلكائي.
فقول البرعي الآنف الذكر وإطلاقه فيه نظر ، من حيث أن مسألة الخروج والخوارج مسألة مفروغ منها عند علماء السنة قديماً وحديثاً ، فكون الشيخ عبد الله بن عثمان يُحدِث قولاً ليس عليه الأوائل ولا يوافقه عليه علماء العصر وهو ممن يُنظر إليه بمنظار العلم لا يقال في حقه إن كلامه كلام أهل السنة في الفتن بهذا الإطلاق ، بل يقال فيما وافق فيه أهل السنة خصوصاً ونحن في مسألة أنت قمتَ بتخطئته في مطلع كلامك ، ولكن كل هذا منك من باب المحاماة والمدافعة ،حتى يهون من هذا الخطأ ؛ والله المستعان .
الملاحظة الثالثة : قوله :( ولا ينتقص من قدره تخطئتنا إياه ....) .
أقول : نعم لا ينقص من قدره ذلك هذا إذا لم يصر على الخطأ ، وإلى الآن لم نسمع منه خلاف تلكم الفتيا ، هذا أمر.
وأمر آخر وهو أن يقال : الانتقاص من شأنه شيء وبيان حاله في تعامله مع الفتن شيء آخر ، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه ، ولقد أحسن الإمام الحسن البصري حين قال : " إن الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل " فمعرفة الفتن والتبصر بها كما أسلفت نعمة ينعمها الله على من يشاء من عباده .
الملاحظة الرابعة : قوله ( ولكل جواد كبوة ) .
أقول : أيضاً يقال : إن زلة العالِم زلة العالَم ، فإذا استُهينت الأخطاء بالترقيعات التي لا يتحملها الثوب فعلى الدنيا السلام ، والله المستعان .
الملاحظة الخامسة : قوله ( أن من خرج من هؤلاء وحصل منه التكفير فهو خارجي ، ومن لم يحصل منه التكفير وإنما خرج يريد السلطة والصراع عليها فهو باغي وكلهم على باطل ).
أقول : إن ربطك الخروج بالتكفير في إطلاق لفظة خارجي عليه فيه نظر ، فإنه من المعلوم أن الخوارج من أبرز سيماهم الخروج على السلطان سواء كفروه أم لم يكفروه ، فيسمى فاعل ذلك خارجياً ويسمى أيضاً باغياً لأن البغي أعم من الخروج فهو ظلم مطلقاً ،
بل إنهم يصرفون نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الخروج على الأئمة ؛وهذا كما لا يخفى من أصول عقائد المعتزلة وهو الخروج على أئمة الجور والظلم ؛ وكم قد شابهت المعتزلةُ الخوارجَ في كثير من المعتقدات ، فالمهم أن الخوارج لهم عقائد منها الخروج على السلطان والتكفير بالكبيرة وتخليد أصحاب المعاصي التي هي دون الشرك في النار إذا ماتوا ولم يتوبوا ونحو ذلك ، فمن أبرز عقائدهم كما أسلفت الخروج على الحاكم ولو كان مسلماً عاصياً ،
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :( فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة قَيْد شِبْر فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَة الْإِسْلَام مِنْ عُنُقه ) هذا لفظ الحاكم ، ولفظ مسلم (مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ).
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : "الرِّبْقَة مَا يُجْعَل فِي عُنُق الدَّابَّة كَالطَّوْقِ يُمْسِكهَا لِئَلَّا تَشْرُد ، يَقُول مَنْ خَرَجَ مِنْ طَاعَة إِمَام الْجَمَاعَة أَوْ فَارَقَهُمْ فِي الْأَمْر الْمُجْتَمَع عَلَيْهِ فَقَدْ ضَلَّ وَهَلَكَ وَكَانَ كَالدَّابَّةِ إِذَا خَلَعَتْ الرِّبْقَة الَّتِي هِيَ مَحْفُوظَة بِهَا فَإِنَّهَا لَا يُؤْمَن عَلَيْهَا عِنْد ذَلِكَ الْهَلَاك وَالضَّيَاع "اِنْتَهَى .عون المعبود (10/380) .
قال المبارك فوري كما في تحفة الأحوذي(7/183):" وَالْمَعْنَى مَنْ فَارَقَ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ الْبِدْعَةِ وَنَزَعَ الْيَدَ عَنْ الطَّاعَةِ وَلَوْ كَانَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُقَدَّرُ فِي الشَّاهِدِ بِقَدْرِ شِبْرٍ ".
مما تقدم يظهر جلياً أن إطلاق خارجي على من خرج على إمام من الأئمة حتى بقدر شبر من الأرض إطلاق صحيح ولو لم يحصل التكفير ، وعلى ذلك كلام أهل العلم ،
قال الإمام الآجري رحمه الله :" فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلا كان الإمام أو جائرا ، فخرج وجمع جماعة وسل سيفه ، واستحل قتال المسلمين ، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ، ولا بطول قيامه في الصلاة ، ولا بدوام صيامه ، ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قلته أخبار لا يدفعها كثير من علماء المسلمين ، بل لعله لا يختلف في العلم بها جميع أئمة المسلمين" الشريعة (1/145).
وقال الإمام اللالكائي رحمه الله : "ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين ، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية . ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق. " شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/116).
أما الباغي فهو أعم من الخارجي ، قال صاحب تحفة الأحوذي (7/181):" بغي الباغي وهو الظلم أو الخروج على السلطان ".
أيضاً من معاني البغي الجور والعند ، كما في تحفة الأحوذي (7/249).
وأيضاً هو الصائل المعتدي ، كما في تيسير العلام (2/136).
فالباغي كما يشمل أولئك أيضا يشمل الخوارج ، كما في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :(لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ) .
قال النووي رحمه الله :"قَالَ الْعُلَمَاء : وَيَتَنَاوَل أَيْضًا كُلّ خَارِج عَنْ الْجَمَاعَة بِبِدْعَةٍ أَوْ بَغْي أَوْ غَيْرهمَا ، وَكَذَا الْخَوَارِج . وَاللَّهُ أَعْلَم ".شرح مسلم (6/87).
المهم أنه لا يلزم في إطلاق خارجي على شخص خرج على سلطان أن يكون كافراً ولو في نظر الخارج، وهذا هو الواقع؛ فذو الخويصرة التميمي عند أن قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعدل ... أكان يكفره ؟!!،
وهل عند أن خرج ابن الأشعث ومن معه من القراء على الحجاج وعبد الملك بن مروان كانوا يكفرونهما ؟!
وقِس على ذلك ، وقد خرجت الخوارج على علي -رضي الله عنه- وكانوا يكفرونه بناءً على أمور ثلاثة ناقشهم فيها ابن عباس رضي الله عنهما ليس الآن موضع ذكرها ، فالحاصل أن الخارجي قد يخرج على السلطان وهو يرى تكفيره فيسمى خارجي وباغي وقد يخرج على السلطان ولا يرى تكفيره ويسمى خارجي وباغي.
ثم يقال أيضاً ما هذا التناقض الغريب منك يا برعي فعلى كلامك السابق تصحح كلام الشيخ الذماري في أن هؤلاء ليسوا بخوارج وإنما هم عصاة وبغاة والمعاصي نوع من البغي، لأننا لم نسمع من هؤلاء الذين خرجوا على والي هذه البلاد أنهم يكفرونه، ولم يخرجوا لهذا السبب وإنما خرجوا للظلم والجور وقِلّة الأعمال حسب قولهم ، وحالهم ، فكيف تسميهم بالخوارج وتُبطل كلام الذماري وهم على كلامك السابق لا يسمون خوارج وإنما بغاة ، فاضبط يا برعي ألفاظك وقيدها بقيود الشرع والمسلك السلفي الرصين ٍ ، ولقد أحسن القائل :
الملاحظة السادسة: قوله ( ولهذا نتحدى من فرح بهذا الكلام من الشيخ عبد الله بن عثمان أن يأتينا بفتوى من الشيخ عبد الله بن عثمان تؤيده على ما هو عليه ) .
أقول: لا داعي أصلحك الله لكل هذا التحدي والمسألة مسألة حق أو باطل ، فما دمت أقررت بأن الشيخ عبدالله بن عثمان أخطأ وكلامه باطل في هذه الفتيا فلِم كل هذا الغضب والتحدي ، وإنما الواجب عليك أن تقدم النصح للشيخ حتى يعلن تراجعه عن هذه الفتيا الجائرة ؛هذا أمر.
وأمر آخر وهو أن يقال لك : لماذا تُطالب من قلتَ بأنه فرح بهذه الفتيا بأن يأتيك بفتوى تويده على فرحه؟، فالخطأ خطأ ، وليس عندنا أن هذه الفتيا من الشيخ عبدالله مجملة حتى يُحتاج إلى فتيا أخرى تفصل هذا الإجمال على طريقة أبي الحسن في حمل المجمل على المفصل ، فالفتيا باطلة باطلة يجب على الشيخ عبد الله أن يتراجع عنها عاجلاً غير آجل كونه يُعد من دعاة السنة ومشايخها ؛فالحق أحق بالا تباع ، والحق أعلى وأغلى من أقوال الرجال.
الملاحظة السابعة: قوله (بكلمة لا ينبني عليها كبير شيء)
أقول: كيف تقول يا شيخ برعي أن فتيا الشيخ عبد الله بأن هؤلاء لا يطلق عليهم خوارج وهم قد خرجوا على والي هذه البلاد لا ينبني عليها شيء ؛ مع تبرير الشيخ عبدالله فتياه هذه بما أنت قد رددت عليه وبينت بطلان هذه المبررات التي لا يوافقه عليها أدنى طلاب العلم فهماً فضلاً عن غيرهم ، والله المستعان ؟!!! ،
فإذا كان الأمر كذلك فلم أتعبت نفسك في بيان بطلانها والمسألة مسألة خطأ لا ينبني عليه شيء ؟!!
ثم كيف تقول ذلك وأنت تعلم أن هذه المسألة من أصول أهل السنة وأن المخالف فيها يعد خارجياً قد نقض أصلاً من أصول أهل السنة ؟!
الملاحظة الثامنة: قوله (فإنما هو متوقف في الحكم ليس متوقفاً في صحة الفعل وعدم صحته ....).
أقول: ما كل هذه المحاماة، والرجل قد أفتى وجزم بالحكم بأنهم ليسوا بخوارج ثم أكد ذلك بالتبريرات التي ذكرها لهم ، وأنت تقول أنه متوقف !!!
ألا تفرق بين التوقف في الشيء والحكم عليه ؟!!!
ما هذا يا شيخ برعي ؟ هل أنستك المحاماةُ عن أخطاء الرجال التمييزَ ، لو كان هذا الكلام من غيرك لكان لنا معه موقف آخر ، والله المستعان ،
الملاحظة التاسعة: قولك ( الذين شنعوا على الشيخ فوق المعلوم بهذا الكلام )
أقول: هلاّ سميت لنا هؤلاء الذين شنّعوا على الشيخ ، ثم هل أنت ترى أن دحض الباطل يُعتبر تشنيعاً ؟!
فسمه ما شئت؛ أهم شيء يُدحض ، وأُذكرك أيضاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال و ليس بخارج ) رواه أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنه ،
الملاحظة العاشرة: قوله (يا إخوة هناك من الناس من هو راغب يتكلم بالشيخ فقط يبحث عن مبرر).
أقول: قال تعالى :(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) .
وثبت في البخاري من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال ( يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ) . قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ) .
فرمي المسلمين بما ليس فيهم هذا من الظلم ، وكذا التنقيب عما في القلب ليس هذا موكول إلينا ، وإطلاق الكلام على عواهنه ليس من صفات أهل العلم ، والله المستعان .
الملاحظة الحادية عشرة: قوله (فعلينا أن نتقي الله في أعراض العلماء ) .
أقول: من تقوى الله أن يُبين خطأ من أخطأ في الدين وليس هذا طعناً في أعراض العلماء وإنما هو رحمة بالذي أخطأ حتى يرجع إلى الصواب وحتى لا يُغتر بكلامه مَن قلّة بضاعته في العلم الشرعي، وهذا معلوم لديك ولكن لعل الفيزة قد أنستك شيئاً من ذلك ، والله المستعان .
وفي الأخير : هذه بعض الملاحظات على ورقة الشيخ البرعي الذي أذن بنشرها أحببت أن أقف به عليها علّها تجد أذناً صاغية وقلباً واعياً منه فيقوِّم ويصون ورقته.
وأنصح الشيخ عبد الله بن عثمان الذماري وفقه الله بالرجوع عن هذه الفتيا(*) وتبيين ذلك قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم) وأن لا يتكلم فيما لا يحسنه كما قد حصل من الإمام أصلحه الله في إبانته ، وعلى الأخ البرعي أن لا يمتهن مهنة المحاماة عن أخطاء الدعاة ،فيكفيه مهنة الخياطة ، وعلينا جميعاً أن نتقي الله فيما نتفوه به ونكتبه ، هذه والله نصيحة أردت بها الخير للمنصوح والنصح لمن اغتر من المسلمين بهذة الورقة، ونعوذ بالله أن نكون من الذين قال تعالى فيهم ( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) .
والله من وراء القصد , والحمد لله رب العالمين .
كتبه برأس القلم /
ـــــــــــــ
(*)من عدم إطلاق اسم الخوارج على هؤلاء الثوار الذين خرجوا على والي هذه البلاد.
فقد أوقفني أحد الإخوة الأفاضل على ورقة نُشرت باسم أخينا الشيخ عبد العزيز البرعي وفقه الله محامياً فيها عن أخينا الشيخ عبد الله بن عثمان الذماري في بعض هفواته التي تفوه بها في شريطه المسمى بـ (المخرج من الفتن) ولستُ بصدد مناقشة الشيخ الذماري في تلكم الهفوة لأن عرضها كفيلة في ردها ، ولكن العجب من الشيخ البرعي عفا الله عنا وعنه كيف زلت به القدم أثناء محاماته تلك فوقع في مطبات كثيرة ينأى عن الوقوع فيها طالب علم فضلاً عمن يُنظر إليهم بمنظار المرجعية والعلماء !
ولكن ترى أن العجب ينزاح رويداً رويداً عند أن يُعلم أن طريقة البرعي غفر الله لنا وله أصبحت المحاماة عن الأخطاء ومحاولة تبريرها إن أمكن إلى ذلك سبيلاً ، وأدل دليل نفاحه الشديد عن أبي الحسن عند أن كان متأثراً به مع قيام الأدلة على تبديعه ، وكذا في فتنة ابني مرعي فكم جنّد نفسه للمنافحة عنهما، وكذلك منافحته عن الوصابي وكذا عن إبانة الإمام، واليوم ينافح عن الشيخ الذماري ويحاول بشتى الوسائل الدفاع عنه مع تصريحه بوقوعه في الخطأ ، المهم أن الرجل أصبح يشغل وظيفة المنافحة عن أخطاء بعض الوعاظ والمشتغلين بالدعوة ، والله المستعان ، وكان يكفيه أن يقوم بواجب البيان والنصح ، والحمد لله .
وفي أثناء قراءتي لهذه الورقة المسماة بـ(توضيح وبيان ......) لاحظت بعض الملاحظات أرجو أن تكون مقوّمة لهذا التوضيح وصيانة له علّ الله تعالى أن ينفع بها ،وأرى أن تكون في إحدى عشرة ملاحظة ؛ فإلى المقصود والله المعين :
الملاحظة الأولى : قوله ( ولا نقول إنه عاجز عن الكلام في الفتن ...)
أقول : يا أخي بارك الله فيك ، إن معرفة الفتن تُعتبر نعمة ينعم الله تعالى بها على من يشاء من عباده ، فالكلام فيها ينبني على ذلك ، وكم من فتنة قد داك فيه الشيخ عبد الله بن عثمان وغيره وما تبصروا فيها إلا في آخر المطاف ، وما فتنة أبي الحسن عنا ببعيد ، وكذا هذه الفتنة أعني فتنة ابني مرعي فما زلتم إلى يومنا هذا ما تبصرتم بها مع قيام الأدلة البراهين عليها ، ولكن الأمر لله من قبل ومن بعد ، ورحم الله امرئً عرف قدر نفسه ، وقديماً قالوا :
أقول : يا أخي بارك الله فيك ، إن معرفة الفتن تُعتبر نعمة ينعم الله تعالى بها على من يشاء من عباده ، فالكلام فيها ينبني على ذلك ، وكم من فتنة قد داك فيه الشيخ عبد الله بن عثمان وغيره وما تبصروا فيها إلا في آخر المطاف ، وما فتنة أبي الحسن عنا ببعيد ، وكذا هذه الفتنة أعني فتنة ابني مرعي فما زلتم إلى يومنا هذا ما تبصرتم بها مع قيام الأدلة البراهين عليها ، ولكن الأمر لله من قبل ومن بعد ، ورحم الله امرئً عرف قدر نفسه ، وقديماً قالوا :
يا باري القوس برياً ليس يصلحه ... لا تظلم القوس، اعط القوس باريها
الملاحظة الثانية: قوله ( إن كلامه كلام أهل السنة ).
أقول : قال الإمام الأوزاعي رحمه الله : "اصبر نفسك على السنة وقل بما قالوا وكف عما كفوا واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم " انظر شرح اعتقاد أهل السنة للآلكائي.
فقول البرعي الآنف الذكر وإطلاقه فيه نظر ، من حيث أن مسألة الخروج والخوارج مسألة مفروغ منها عند علماء السنة قديماً وحديثاً ، فكون الشيخ عبد الله بن عثمان يُحدِث قولاً ليس عليه الأوائل ولا يوافقه عليه علماء العصر وهو ممن يُنظر إليه بمنظار العلم لا يقال في حقه إن كلامه كلام أهل السنة في الفتن بهذا الإطلاق ، بل يقال فيما وافق فيه أهل السنة خصوصاً ونحن في مسألة أنت قمتَ بتخطئته في مطلع كلامك ، ولكن كل هذا منك من باب المحاماة والمدافعة ،حتى يهون من هذا الخطأ ؛ والله المستعان .
الملاحظة الثالثة : قوله :( ولا ينتقص من قدره تخطئتنا إياه ....) .
أقول : نعم لا ينقص من قدره ذلك هذا إذا لم يصر على الخطأ ، وإلى الآن لم نسمع منه خلاف تلكم الفتيا ، هذا أمر.
وأمر آخر وهو أن يقال : الانتقاص من شأنه شيء وبيان حاله في تعامله مع الفتن شيء آخر ، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه ، ولقد أحسن الإمام الحسن البصري حين قال : " إن الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل " فمعرفة الفتن والتبصر بها كما أسلفت نعمة ينعمها الله على من يشاء من عباده .
الملاحظة الرابعة : قوله ( ولكل جواد كبوة ) .
أقول : أيضاً يقال : إن زلة العالِم زلة العالَم ، فإذا استُهينت الأخطاء بالترقيعات التي لا يتحملها الثوب فعلى الدنيا السلام ، والله المستعان .
الملاحظة الخامسة : قوله ( أن من خرج من هؤلاء وحصل منه التكفير فهو خارجي ، ومن لم يحصل منه التكفير وإنما خرج يريد السلطة والصراع عليها فهو باغي وكلهم على باطل ).
أقول : إن ربطك الخروج بالتكفير في إطلاق لفظة خارجي عليه فيه نظر ، فإنه من المعلوم أن الخوارج من أبرز سيماهم الخروج على السلطان سواء كفروه أم لم يكفروه ، فيسمى فاعل ذلك خارجياً ويسمى أيضاً باغياً لأن البغي أعم من الخروج فهو ظلم مطلقاً ،
بل إنهم يصرفون نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الخروج على الأئمة ؛وهذا كما لا يخفى من أصول عقائد المعتزلة وهو الخروج على أئمة الجور والظلم ؛ وكم قد شابهت المعتزلةُ الخوارجَ في كثير من المعتقدات ، فالمهم أن الخوارج لهم عقائد منها الخروج على السلطان والتكفير بالكبيرة وتخليد أصحاب المعاصي التي هي دون الشرك في النار إذا ماتوا ولم يتوبوا ونحو ذلك ، فمن أبرز عقائدهم كما أسلفت الخروج على الحاكم ولو كان مسلماً عاصياً ،
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :( فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة قَيْد شِبْر فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَة الْإِسْلَام مِنْ عُنُقه ) هذا لفظ الحاكم ، ولفظ مسلم (مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ).
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : "الرِّبْقَة مَا يُجْعَل فِي عُنُق الدَّابَّة كَالطَّوْقِ يُمْسِكهَا لِئَلَّا تَشْرُد ، يَقُول مَنْ خَرَجَ مِنْ طَاعَة إِمَام الْجَمَاعَة أَوْ فَارَقَهُمْ فِي الْأَمْر الْمُجْتَمَع عَلَيْهِ فَقَدْ ضَلَّ وَهَلَكَ وَكَانَ كَالدَّابَّةِ إِذَا خَلَعَتْ الرِّبْقَة الَّتِي هِيَ مَحْفُوظَة بِهَا فَإِنَّهَا لَا يُؤْمَن عَلَيْهَا عِنْد ذَلِكَ الْهَلَاك وَالضَّيَاع "اِنْتَهَى .عون المعبود (10/380) .
قال المبارك فوري كما في تحفة الأحوذي(7/183):" وَالْمَعْنَى مَنْ فَارَقَ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ الْبِدْعَةِ وَنَزَعَ الْيَدَ عَنْ الطَّاعَةِ وَلَوْ كَانَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُقَدَّرُ فِي الشَّاهِدِ بِقَدْرِ شِبْرٍ ".
مما تقدم يظهر جلياً أن إطلاق خارجي على من خرج على إمام من الأئمة حتى بقدر شبر من الأرض إطلاق صحيح ولو لم يحصل التكفير ، وعلى ذلك كلام أهل العلم ،
قال الإمام الآجري رحمه الله :" فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلا كان الإمام أو جائرا ، فخرج وجمع جماعة وسل سيفه ، واستحل قتال المسلمين ، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ، ولا بطول قيامه في الصلاة ، ولا بدوام صيامه ، ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قلته أخبار لا يدفعها كثير من علماء المسلمين ، بل لعله لا يختلف في العلم بها جميع أئمة المسلمين" الشريعة (1/145).
وقال الإمام اللالكائي رحمه الله : "ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين ، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية . ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق. " شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/116).
أما الباغي فهو أعم من الخارجي ، قال صاحب تحفة الأحوذي (7/181):" بغي الباغي وهو الظلم أو الخروج على السلطان ".
أيضاً من معاني البغي الجور والعند ، كما في تحفة الأحوذي (7/249).
وأيضاً هو الصائل المعتدي ، كما في تيسير العلام (2/136).
فالباغي كما يشمل أولئك أيضا يشمل الخوارج ، كما في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :(لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ) .
قال النووي رحمه الله :"قَالَ الْعُلَمَاء : وَيَتَنَاوَل أَيْضًا كُلّ خَارِج عَنْ الْجَمَاعَة بِبِدْعَةٍ أَوْ بَغْي أَوْ غَيْرهمَا ، وَكَذَا الْخَوَارِج . وَاللَّهُ أَعْلَم ".شرح مسلم (6/87).
المهم أنه لا يلزم في إطلاق خارجي على شخص خرج على سلطان أن يكون كافراً ولو في نظر الخارج، وهذا هو الواقع؛ فذو الخويصرة التميمي عند أن قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعدل ... أكان يكفره ؟!!،
وهل عند أن خرج ابن الأشعث ومن معه من القراء على الحجاج وعبد الملك بن مروان كانوا يكفرونهما ؟!
وقِس على ذلك ، وقد خرجت الخوارج على علي -رضي الله عنه- وكانوا يكفرونه بناءً على أمور ثلاثة ناقشهم فيها ابن عباس رضي الله عنهما ليس الآن موضع ذكرها ، فالحاصل أن الخارجي قد يخرج على السلطان وهو يرى تكفيره فيسمى خارجي وباغي وقد يخرج على السلطان ولا يرى تكفيره ويسمى خارجي وباغي.
ثم يقال أيضاً ما هذا التناقض الغريب منك يا برعي فعلى كلامك السابق تصحح كلام الشيخ الذماري في أن هؤلاء ليسوا بخوارج وإنما هم عصاة وبغاة والمعاصي نوع من البغي، لأننا لم نسمع من هؤلاء الذين خرجوا على والي هذه البلاد أنهم يكفرونه، ولم يخرجوا لهذا السبب وإنما خرجوا للظلم والجور وقِلّة الأعمال حسب قولهم ، وحالهم ، فكيف تسميهم بالخوارج وتُبطل كلام الذماري وهم على كلامك السابق لا يسمون خوارج وإنما بغاة ، فاضبط يا برعي ألفاظك وقيدها بقيود الشرع والمسلك السلفي الرصين ٍ ، ولقد أحسن القائل :
ولا تفه بكلمة حتى ترى *** موقعها مستحسناً محررا
فإن في الزوايا خبايا
فإن في الزوايا خبايا
الملاحظة السادسة: قوله ( ولهذا نتحدى من فرح بهذا الكلام من الشيخ عبد الله بن عثمان أن يأتينا بفتوى من الشيخ عبد الله بن عثمان تؤيده على ما هو عليه ) .
أقول: لا داعي أصلحك الله لكل هذا التحدي والمسألة مسألة حق أو باطل ، فما دمت أقررت بأن الشيخ عبدالله بن عثمان أخطأ وكلامه باطل في هذه الفتيا فلِم كل هذا الغضب والتحدي ، وإنما الواجب عليك أن تقدم النصح للشيخ حتى يعلن تراجعه عن هذه الفتيا الجائرة ؛هذا أمر.
وأمر آخر وهو أن يقال لك : لماذا تُطالب من قلتَ بأنه فرح بهذه الفتيا بأن يأتيك بفتوى تويده على فرحه؟، فالخطأ خطأ ، وليس عندنا أن هذه الفتيا من الشيخ عبدالله مجملة حتى يُحتاج إلى فتيا أخرى تفصل هذا الإجمال على طريقة أبي الحسن في حمل المجمل على المفصل ، فالفتيا باطلة باطلة يجب على الشيخ عبد الله أن يتراجع عنها عاجلاً غير آجل كونه يُعد من دعاة السنة ومشايخها ؛فالحق أحق بالا تباع ، والحق أعلى وأغلى من أقوال الرجال.
الملاحظة السابعة: قوله (بكلمة لا ينبني عليها كبير شيء)
أقول: كيف تقول يا شيخ برعي أن فتيا الشيخ عبد الله بأن هؤلاء لا يطلق عليهم خوارج وهم قد خرجوا على والي هذه البلاد لا ينبني عليها شيء ؛ مع تبرير الشيخ عبدالله فتياه هذه بما أنت قد رددت عليه وبينت بطلان هذه المبررات التي لا يوافقه عليها أدنى طلاب العلم فهماً فضلاً عن غيرهم ، والله المستعان ؟!!! ،
فإذا كان الأمر كذلك فلم أتعبت نفسك في بيان بطلانها والمسألة مسألة خطأ لا ينبني عليه شيء ؟!!
ثم كيف تقول ذلك وأنت تعلم أن هذه المسألة من أصول أهل السنة وأن المخالف فيها يعد خارجياً قد نقض أصلاً من أصول أهل السنة ؟!
الملاحظة الثامنة: قوله (فإنما هو متوقف في الحكم ليس متوقفاً في صحة الفعل وعدم صحته ....).
أقول: ما كل هذه المحاماة، والرجل قد أفتى وجزم بالحكم بأنهم ليسوا بخوارج ثم أكد ذلك بالتبريرات التي ذكرها لهم ، وأنت تقول أنه متوقف !!!
ألا تفرق بين التوقف في الشيء والحكم عليه ؟!!!
ما هذا يا شيخ برعي ؟ هل أنستك المحاماةُ عن أخطاء الرجال التمييزَ ، لو كان هذا الكلام من غيرك لكان لنا معه موقف آخر ، والله المستعان ،
الملاحظة التاسعة: قولك ( الذين شنعوا على الشيخ فوق المعلوم بهذا الكلام )
أقول: هلاّ سميت لنا هؤلاء الذين شنّعوا على الشيخ ، ثم هل أنت ترى أن دحض الباطل يُعتبر تشنيعاً ؟!
فسمه ما شئت؛ أهم شيء يُدحض ، وأُذكرك أيضاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال و ليس بخارج ) رواه أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنه ،
الملاحظة العاشرة: قوله (يا إخوة هناك من الناس من هو راغب يتكلم بالشيخ فقط يبحث عن مبرر).
أقول: قال تعالى :(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) .
وثبت في البخاري من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال ( يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ) . قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ) .
فرمي المسلمين بما ليس فيهم هذا من الظلم ، وكذا التنقيب عما في القلب ليس هذا موكول إلينا ، وإطلاق الكلام على عواهنه ليس من صفات أهل العلم ، والله المستعان .
الملاحظة الحادية عشرة: قوله (فعلينا أن نتقي الله في أعراض العلماء ) .
أقول: من تقوى الله أن يُبين خطأ من أخطأ في الدين وليس هذا طعناً في أعراض العلماء وإنما هو رحمة بالذي أخطأ حتى يرجع إلى الصواب وحتى لا يُغتر بكلامه مَن قلّة بضاعته في العلم الشرعي، وهذا معلوم لديك ولكن لعل الفيزة قد أنستك شيئاً من ذلك ، والله المستعان .
وفي الأخير : هذه بعض الملاحظات على ورقة الشيخ البرعي الذي أذن بنشرها أحببت أن أقف به عليها علّها تجد أذناً صاغية وقلباً واعياً منه فيقوِّم ويصون ورقته.
وأنصح الشيخ عبد الله بن عثمان الذماري وفقه الله بالرجوع عن هذه الفتيا(*) وتبيين ذلك قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم) وأن لا يتكلم فيما لا يحسنه كما قد حصل من الإمام أصلحه الله في إبانته ، وعلى الأخ البرعي أن لا يمتهن مهنة المحاماة عن أخطاء الدعاة ،فيكفيه مهنة الخياطة ، وعلينا جميعاً أن نتقي الله فيما نتفوه به ونكتبه ، هذه والله نصيحة أردت بها الخير للمنصوح والنصح لمن اغتر من المسلمين بهذة الورقة، ونعوذ بالله أن نكون من الذين قال تعالى فيهم ( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) .
والله من وراء القصد , والحمد لله رب العالمين .
أبو عبد السلام حسن بن قاسم الريمي الحسني
إمام وخطيب مسجد الإمام الوادعي رحمه الله
تعز – مفرق الراهدة
29/ذو القعدة /1432هـ
(*)من عدم إطلاق اسم الخوارج على هؤلاء الثوار الذين خرجوا على والي هذه البلاد.
ويمكنكم تحميل نسخل تعمل على الهاتف المحمول
من هنا
تعليق