رسائل الإصلاح (3)
ملاحظات وتنبيهات على رسالة أبي الحسن المأربي -هداه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونتستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.بسم الله الرحمن الرحيم
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
من سليم بن عيد الهلالي إلى أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني المصري ثم المأربي -هدانا الله وإياه للحق واتباع صراطه المستقيم-:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد أوفقني بعض إخواني على رسالتك التي وسمتها بـ (وقفات مع الرسالة المفتوحة..)؛ فكان لي عليها جملة ملاحظات، وعدة تنبيهات؛ لننتفع جميعاً بالذكرى.
1- رسالتك في نظري مما تشكر عليه، وإن حاول (بعضهم) تفسيرها وتحليلها حسب هواه . . لأني -بحمد الله- أذن واعية لكل نصيحة من محب أو مبغض، واستفيد من القسم الآخر أكثر مما أستفيد من الأول؛ فالذي يهدي إليك عيوبك يبصرك بها؛ فإن كانت معايب بحق فالناصح لنفسه لا يرضى بنفسه بدلاً؛ فنفسه أولى بالإصلاح قبل غيرها، وإن كانت عين السخط أبدت المناقب مثالب؛ فيزداد الإنسان بنفسه بصيرة، وبطريقه وضوحاً.
ورحم الله القائل:
عداتي لهم فضل علي ومنة . . . . . . . . لا أبعد الله عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبها . . . . . . . . وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
هذا أولاً.هم بحثوا عن زلتي فاجتنبها . . . . . . . . وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
2- وتشكر عليها ثانياً؛ لأن هذا التحاور أعده -من جهتي- من باب التشاور- وإن لم نقصده بادئ بدء، أو نسعى إليه- لأن السلفيين وإن اختلفوا فيما بينهم لو تشاوروا وتحاورا وتناقشوا بإخلاص وتضرع إلى الله؛ لهداهم الله إلى أرشد أمرهم؛ كما قال قتادة: ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمرهم.
فنسأل الله أن يهدينا جميعاً إلى أرشد أمرنا.
3- لكن أرجو صادقاً وأتمنى مخلصاً: أن لا تكون وقفاتك بدافع الرد، وشهوة النقد، التي تتولد من حب الانتقام، وتصفية الحسابات، وتعكير العلاقات . . !!
ولك أن تسأل لم تتصور ذلك؟
ولي حق أن أجيبك بسؤال لحوح: لم أقحمت الشيخ ربيع في الموضوع؟
فإن قلت: هو جزء من موضوع الرسالة!
فنسألك: وهل هذه النقولات التي زعمت أنها جرت بيني وبينك جزء من الموضوع أو تساعد في حلِّ الموضوع أم أنها ستزيد الخلاف خلافاً وتملأ القلوب غيظاً والنفوس حقداً؟
هذا لو كانت حقاً؛ ولكنها وضعت في غير سياقها فكيف وقد شابها كثير من الزخرفة والفضفضة والزور؟!
كيف يخفى عليك أن الصدق الذي يوقع الخلاف، ويشتت الشمل، ويفرق الكلمة يعد في الشرع غيبة أو نميمة؟
كيف يخفى عليك أن من أراد الإصلاح يجوز له الكذب في سبيل ذلك، فكيف بمن يزخرف القول ليفسد ونعوذ بالله -أنا وأنت وجميع إخواننا أن نكون من المفسدين؟!
لكن حب الانتقام وتصفية الحسابات قد تعمي البصر عن هذه الحقائق الإيمانية، وتغلق العقل عن هذه الحقائق المنهجية.
4- ثم أعزز سؤالي اللحوح بآخر صريح: لم تتعمد الرد -الآن- وقد كنت صامتاً الأيام التي خلت؛ كما قلت: (ومع ذلك فلم أرد عليك يوماً من الأيام . . إلخ)؟ فعندما تكلم الآخرون وآذوني بسببك ولا يزالون سكت(!) وعندما سكت الآخرون نطقت وكتبت(!!) ولكن في وجه كلمة إصلاح أطلقتها، ورغبة في جمع الكلمة ولم الشمل نشدتها؛ فلم تفاجئنا (بتحولك المريب والمفاجئ)؟!
ولذلك أرجو صادقاً وأتمنى مخلصاً مرة أخرى: أن لا تكون وقفاتك رأس حربة تعيق مشروع الإصلاح، وصدى لآخرين لا ينعقون إلا بالفرقة والاختلاف . . وأنا لا أشك في نيتك -ولكن أنبهك وأحذرك- ومن حقي -أيضاً- أن أتخوف؛ لأنا قد بلونا مثل ذلك من أناس كنا نحسن الظن فيهم، ووضعناهم زمناً طويلاً بين أهداب العيون.
5- قولك -هدانا الله وإياك للحق-: «إن كان المقصود في ذلك الشيخ ربيع وحزبه والحجوري وأشباهه -وهؤلاء الذين رأينا ارتماء الشيخ سليم في أحضانهم مؤخراً بل رأينا هرولته وراءهم وحرصه على كسب ثقتهم بما لا يليق به».
اعلم يا رعاك الله: أنني عندما قرأت هذه الكلمات أشفقت عليك(!) فهذه الكلمات سمعتها ممن تعرفهم ولست بحاجة إلى ذكرهم . . فهل هذا توارد أفكار أم تواصي بالباطل؟!
وتعجبت كيف زل لسانك بمثل الكلمات؟ وكيف نبا قلمك بها على هاتيك الورقات؟ . . لأنها مخالفة للواقع، وفيها مجازفة في الدافع؛ ولذلك؛ فهي لا تليق بك من وجوه:
أ- إن الشيخ ربيعاً -وفقه الله- والشيخ يحيى -سلمه الله- هم من إخواننا الذين لم يغيروا أو يبدلوا أو يتلونوا -وإن حصلت بينهم جفوة بسبب بطانة السوء، والأيدي الخفية التي تمكر بالدعوة- والذين شابت رؤوسنا ونحن وإياهم في هذه الدعوة المباركة منذ عقود؛ فإن كُنت ارتميت في أحضانهم؛ فهذا الارتماء منذ ثلاثين سنة وعلى نظر مشايخي ومشايخك الألباني ومقبل -رحمهما الله- . . أليس كذلك؛ فإن كان كذلك فلم يعاب عليَّ ذلك وأنت نفسك -وقتئذٍ- كنت مرتمياً بين أحضانهم . . وإن لم يكن كذلك فقولك مخالف للوقائع مجازف للدافع.
ب- إن الشيخ ربيعاً -وفقه الله- والشيخ يحيى -سلمه الله- هم من السلفيين وأهل السنة بإقرارك واعترافك . . اسمع لكلامك: «وأما الشيخ ربيع ومن كان على شاكلته، فلسْتُ ممن يقول: لا يمكن أن تجتمع كلمتنا معهم، ولا يجمعنا وإياهم عمل، بل أنا مستعد لمدّ يد التعاون معهم في المسائل المتفق عليها بيننا، وهي أكثر من المسائل المختلف فيها، وليحتفظوا برأيهم فيَّ، وحكمهم عليّ بالبدعة والضلالة والمروق من الدين، أو حكمهم بأني منافق زنديق دجال، هذا بينهم وبين الله، ولا أشترط في تعاوني معهم أن يكفوا عن ذلك، بل أتمثل قول الإمام أحمد في أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني عندما أمر بالكتابة عنه، فقيل له: إنه يطعن فيك، فقال: ما حيلتي شيخ صالح بُلي بي، فلا مانع عندي من الاجتماع معهم على كثير أو قليل من مسائل الحق التي تنفع الإسلام في الحال والمآل، وأما رأيي فيهم: فهم من أهل السنة، وإن بَغَوْا علينا، وإن انحرفوا في أشياء، فإنها لا تخرجهم من دائرة السنة والجماعة، وأنصح من سألني بالاستفادة منهم، إلا في المواضع التي أثاروا فيها الفتن، وخالفوا بها منهج السنة وأهلها، والله يغفر لنا ولهم الزلات، وأسأله أن يبدلها بعظيم الحسنات»؛ فإن كانوا باعترافك أهل السنة ودعاة سلفية فلم تنكر علي ارتمائي -إن صح- في أحضان أهل السنة . . وقد ارتميت -هداك الله- في أحضان أهل البدع . . فمدخلك ومخرجك عندما تزور السعودية مع السرورية (سعد! وخالد!! ومتعب!!! و!!!!!!! إلخ)، ونصرتك في اليمن للإخوان المسلمين؛ فمدحك لهم مسطر في الجرائد والمجلات.
حتى أصبحت محسوباً عليهم في المنشط والمكره، ولا يخفى عليك أن ولي الأمر في بلدكم قال مرة عندما قيل له: السلفيون يؤيدونك في الانتخابات . . مثل أبي الحسن قال: أبو الحسن من الإخوان المسلمين وليس سلفياً.
ألم تسمع هذا؟
ألم تقرأه؟
أظنه لا يخفى عليك.
ت- واعلم يا أبا الحسن -هداك الله- إن هذه الأحضان التي تعيرني بالارتماء فيها وجدتها أحضان إخوة محبين يفرحون بثبات أخيهم على السلفية، وإن وقع من بعضهم ما أكره ولحقني منهم أذى . . فصبري عليهم ومناصحتي لهم خير من تشميت أهل الأهواء بنا وبدعوتنا.
ث- سليم يا أبا الحسن لا يهرول وراء أحد . . وليس عنده مطمع عند أحد . . وهؤلاء الذين تزعم أني أهرول وراءهم ليس عندهم دنيا أصيبها، أو منصباً أتبوؤه، ولو كانت الهرولة وراء مطمع أو نيل ثقة؛ لهرولت وراء أصحاب الأموال(!) وزكيت أصحاب الفضائيات(!!) وتلقيت تعليماتي من رجال الأعمال(!!!) وتواصلت مع دعاة الصحوة(!!!!)
ولو أردت يا أبا الحسن ذلك لما وصلت لغيري منذ خمس وعشرين سنة . . ولكني هرولت منذ بواكير الصبا وراء الدعوة، وحرصت على جمع كلمة السلفيين منذ نعومة أظفاري، فإني بحمد الله طيلة ما مضى من عمري لم أتلوث بالأهواء سواء أكانت تكفيرية، أم إخوانية، أم تبليغية . . إلخ، وأسأل الله أن يحفظني فيما بقي، ومن أجل ذلك فهأنذا أجعل نفسي ووقتي في سبيلها ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: 220].
ج- ولذلك يا أبا الحسن فالشيخ ربيع وإخوانه والشيخ يحيى وتلاميذه ربعي وربعك وفئتي وفئتك من قبل ومن بعد -وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً- وستدركون جميعاً إن لم تستوعبوا نصيحتي (الآن): أننا في هذه الدعوة المباركة لا يستغني بعضنا عن بعض . . ولكن أخشى أن يكون بعد فوات (الأوان)، فإن وقعت أخطاء منهم أو حصلت مجازفات عندهم أو بغوا عليك؛ فإن صبرك عليهم، ومناصحتك لهم، وحرصك على الإصلاح بينهم خير لك مما أنت فيه الآن من الخصومة والفرقة وكثرة الردود التي لا تروي الغليل، ولا تشفي العليل؛ ولكنها قال وقيل؛ تطمع أهل البدع بك، وتشمت أعداء الدعوة بنا، ألا تذكر عندما قلت لك في بعض مواسم الحج وقد نُقل أنك تذهب إلى بعض الحزبيين، فقلت لي: عندنا مراكز تحتاج إلى دعم . . فقلت لك يومها: المراكز التي تحوجنا إلى أهل البدع لا خير فيها، وأفضل لنا أن تغلقها.
واعلم يا -هداك الله- أنه ليس أحد فوق النصح؛ فكل يؤخذ ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6- أما تساؤلك عن الطريق العملي للإصلاح وأن التنظير لا يفيد؟
لا يخفى عليك أن البداية في كل طريق تفكير، ثم تنظير، ثم يأتي الشرح والتفصيل والتأصيل.
وما طرحته هو دعوة للإصلاح وحملة لِلَمِّ الشمل، وجمع الكلمة، وتوحيد الصف على منهج السلف، وليس برنامج عملي لذلك . . لأن طرح برنامج قبل أن تكون الفكرة مقبولة، ثم تصبح مطلوبة، ثم حاجة، ثم ضرورة لا ينفع.
وأمر آخر: إن وضع الخطوات العملية للخروج من هذا النفق المظلم تحتاج لجهود وخبرات -كما ذكرت-، ولذلك وضعت نفسي وقلمي وجهدي ووقتي في سبيل ذلك؛ فإن وجدت أنصاراً من المشايخ والدعاة، فعندئذ يبدأ التشاور؛ لنصل إلى البرنامج العلمي، والمراحل التي تنتظم عملية الإصلاح من ألفها إلى يائها.
ولذلك؛ فتساؤلك حول الموضوع أكثر من مرة ليس في موضعه وليس وقته (الآن)، وإنما الواجب عليك مناصرة الفكرة والسعي نحو تحقيقها قبل فوات (الأوان).
7- وأما ما أبديته من حرصٍ من الرجوع إلى الحق والتعاون مع الشيخ ربيع وغيره؛ فمشكور عليه، لكن نحن نتعاون بالمنهج النبوي: «تطاوعا ولا تختلفا»، وليس على المنهج الإخواني: «نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما احتلفنا فيه».
وأما أنا فالله يعلم أني أشتاق لرجوعك إلى دعوتك، فتصير على غربتها، وتثبت على لأوائها، ولا يضرك قلة الأنصار عليها، وتكون مفتاح خير، مغلاق شر تصبر على أذى إخوانك، وتنصح لهم بالتي هي أحسن للتي هي أقوم، وتحرص على جمع الكلمة، ولم الشمل؛ فلا يطمع بنا أهل البدع؛ لأن ذلك من الفتن، ولا تشمت بنا الأعداء؛ لأن ذلك من البلاء.
ولذلك أقول لجميع السلفيين من علماء وطلابٍ ودعاةٍ: تعالوا إلى كلمة سواء؛ لننصر هذه الدعوة المباركة، ونتواصى بالحق، ونتواصى بالصبر، ونتواصى بالمرحمة.
فيا أبا الحسن لا تنس الفضل بينك وبين إخوانك، أنسيت وأنت تدافع عن الشيخ ربيع -وفقه الله- والشيخ مقبل -رحمه الله- وتطلب من شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- أن يقول كلمة فيهما تردع خصومهم، وتقمع أعداءهم؛ فقال -رحمه الله-: لا يطعن فيهما إلا صاحب هوى، أو جاهل -أو نحو هذا-.
وإن بغوا عليك يا أبا الحسن كما زعمت فلم تعجلت بالقطيعة؟ ولِمَ لَمْ تثبت يوم الوقيعة، فلإنْ نكون ذنباً في الحق خير لنا من أن نكون رأساً في الباطل، نريد منك ذكر أيام الصفا في هذه الأيام: أيام الجفا؛ لأن ذكر الجفا في وقت الصفا من الجفا؛ كما قال ابن القيم في «الفوائد».
تعالوا نطهر إخلاصنا في هذا الباب من حظوظ النفس، وحب الانتقام، وشهوة التصدر، وتصفية الحسابات.
تعالوا نريد الإصلاح بحق: ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: 35].
والله . . وبالله . . لو صدقنا في ذلك؛ لوفقنا الله؛ لأن الإصلاح بين أهل العلم وطلابه ودعاته أولى ألف مرة ومرة من الإصلاح بين رجل وامرأة، فإن عدم توافق الرجل والمرأة فيه هدم أسرة، لكن عدم توافق العلماء وطلاب العلم والدعاة فيه هدم أمة.
هذا ملخص ما جال به الفكر، وجرى به القلم، فإن أصبت ووفقت؛ فذلك بفضل الله ورحمته: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ [الكهف: 64]، وإن أخطأت وقصرت؛ فمن نفسي والشيطان؛ لكن عذري عند ربي: أنني ما تجانفت لأثم، وما خطر على قلبي تحقير عبد مسلم، ولا فكرت في الانتصار لنفسي؛ لكن طلبَ شرحاً؛ فشرحت، وأراد توضيحاً؛ فوضحت، فذكرت ما يعين على الخير، وأعرضت عن تفاصيل لا تعمق إلا الجرح، ولا تظهر إلا القبح.
اللهم إني قد بلغت فاشهد
وكتبه أبو أسامة الهلالي
السبت (فجراً) الموافق لـ 26/ شوال/ 1432 هـ
في عمان البلقاء عاصمة جند الأردن
من بلاد الشام المحروسة
وكتبه أبو أسامة الهلالي
السبت (فجراً) الموافق لـ 26/ شوال/ 1432 هـ
في عمان البلقاء عاصمة جند الأردن
من بلاد الشام المحروسة
:. الموضوع الاصلى: ملاحظات وتنبيهات على رسالة أبي الحسن المأربي -هداه الله- | المصدر: منتديات منهاج الرسول السلفية | كاتب الموضوع: أسامـة الهـلالـي .:
تعليق