إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
صوتي ومفرغ [ شـــــأنُ عــــالِـم ِالهـُـــــدى ] خطبة الجمعة لخليفة الإمام الوادعي رحمه الله (18 شوال 1432هـ)
تقليص
X
-
صوتي ومفرغ [ شـــــأنُ عــــالِـم ِالهـُـــــدى ] خطبة الجمعة لخليفة الإمام الوادعي رحمه الله (18 شوال 1432هـ)
التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس هشام بن صالح المسوري; الساعة 24-09-2011, 11:07 PM.الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
-
[شـــــأنُ عـــــالِـم الهـُـــــدى ]
خطبة الجمعة
لخليفة الإمام الوادعي رحمه الله
الشيخ العلامة الناصح الأمين
يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله تعالى
سجلت هذه المادة في
(18 شوال 1432هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران:(102)] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)}[الأحزاب].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الناس يقول الله عز وجل في كتابه الكريم{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الجمعة :2]،هذه أربع صفات في هذه الآية يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة أي و(السنة ) ويزكيهم، ونظير هذه الآية قول الله عز وجل:
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة : 151]،فهذه الآية فيها زيادة على التي في سورة (الجمعة)، أنه يعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، يعلمهم الكتاب ويعلمهم الحكمة، ويعلمهم ما يتضمن ذلك من الآداب الشرعية، والأخلاق السامية، وفي سائر شؤونهم "إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ"هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، فحاصل معاني هذه الآية، وما كان من بابها من الآيات، تُبين سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعليم، الذي لنا به الأسوة الحسنة كما قال الله عز وجل :{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب :21] ، وأنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الناس الكتاب ؛كتاب الله الذي أنزل عليه،ويعلمهم السنة،وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يزكي الأمة، ويخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الهدى والعلم و الصراط المستقيم، لأنهم كانوا في ضلال مبين، فأخرجهم من الضلال المبين إلى النور المبين{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا}[النساء :174]، وأخرجهم من الغي إلى الرشد، وأخرجهم من الهوى إلى الصراط المستقيم، وإلى الهدى، هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم،{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الجمعة :2] ،{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة :128]، هذه من صفاته، {مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ }،أي يشق عليه عنتكم،{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}،حريص على المؤمنين؛ على بقاء إيمانهم،وازدياد إيمانهم،على أخُوّتهم وتآلفهم، على جميع ما يكون من أنواع الخير لهم، فهو القائل "لا يؤمن أحدكم حتى يحب ما يحب لأخيه ما يحب لنفسه "وهو القائل :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد أذا اشتكى منه عضو تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وهو القائل :" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا "، وهذه أحاديث متفق عليها، شأن عالم الهدى، فلنا به أسوة عليه الصلاة والسلام، وكل عالم هدى يقتبس طريقته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحدو حدوه،ويسلك نهجه ، ويأتسي به،
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [ الأحزاب :36]،سائر الناس يلزمهم ذلك، وذروة الناس في ذلك عالم الهدى، وإن من شأن عالم الهدى تعظيم الله،وتعظيم دينه،وتعظيم هديه، وأن لا يُقدم على دين الله عز وجل رأي بشر، ولا تعظيم أحد كتعظيم الله -سبحانه وتتعالى –قال الله عز وجل :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}
[ البقرة :165]،هذا شأن عالم الهدى، أنه أشد حبا لله يقدم محبة ومرضاة الله –سبحانه وتعالى – على مرضاة غيره،وقال الله عز وجل :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ}[ البقرة :21-22]، وبعد هذه الأوصاف والامتنان منه –سبحانه وتعالى –قال:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة :22]، لا تجعل لله ندا،في تعظيمك، في محبتك،في ولائك، في نصرتك،فإنك إذا جلست على ذلك أو جنحت إلى ذلك، كان هذا نوع من التنديد بالله-سبحانه وتعالى- والله أحق أن يعظم ،والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ،الله أحق أن يعظم، ودين الله أحق أن يعظم ،وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، شأن عالم الهدى ملازمة العلم والقول به وضبط الناس به، حتى يسلموا من الضلال و الهلكة،فإن الله عز وجل أحال إليهم بهذا المعنى العظيم {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[ النحل :43]{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، فهو شأنه استنباط المسائل، وضبط المسائل لإفادة المسلمين،شأن عالم الهدى تعقل الأمور ،{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت :43]، ومعنى تعقل الأمور أي فهمها على حقيقتها بدون جَنفٍ كما قال الله عز وجل :{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ}[سبأ:6]، هذا شأن عالم الهدى؛ أنه تحري الحق، ولزوم الحق وضبط نفسه وغيره قدر المستطاع بذلك، هذا هو شأن عالم الهدى، وهكذا ملازمة الازدياد من العلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله عز وحل و بدينه، ومع ذلك يقول الله عز وجل: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه :114]،أمره الله عز وجل أن يقول وقل ربي زدني علما ،ولا يزال مستزيدا من العلم،يدعو ربه -سبحانه وتعالى- ذلك،وأحاديث ذلك كثيرة, وأدلته ذلك شهيرة، شأن عالم الهدى ملازمة خشية الله عز وجل، فإن الله عز وجل أثنى بذلك على العلم وأهله{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر :28]،قال الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}[الإسراء:107-108-109]،ويقول الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكرها من هذه :{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[الحشر :21] ،هذا شأن عالم الهدى بارك الله فيكم ،شأن عالم الهدى أيها الناس هو القول بالعلم وتعظيم العلم، وهكذا العمل به، العمل بالعلم، فالعالم أحق أن يعمل بعلمه وإلا كان حجة عليه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح صحيح مسلم عن الحارث الأشعري وصحّ الحديث في خارج الصحيح فإنه في الصحيح اُنتقد قال عليه الصلاة والسلام " الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"، ومعلوم حديث أسامة بن زيد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها في النار كما يدور الحمار بالرحا قال فيجتمع أهل النار إليه فيقولون يا فلان أما كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا أتيه وأنهى عن المنكر وآتيه
"وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم" رأى أناسا تشرشر أشداقهم قال أولئك خطباء أمتي" ، وفي هذا الباب كثير من هذا المعنى، وأدلة هذا المعنى، وإنما الشاهد أن العالم أحق وأجدر أن يطبق علمه، حتى يكون حجة له لا عليه، ويضبط نفسه به، ويعظم العلم، ويحتجّ به على من خالفه ،{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[الروم :56]، قال الله عز وجل{و قال الذين أتوا العلم} حينما حصل ما حصل من قرون، قام عليهم أهل العلم يقيمون حجج الله
{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ (80)}[القصص]،قال الله عز وجل {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)} [ القصص: -81-82]، شأن عالم الهدى أنه لا يقول إلا من حيث يعلم {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء:36]، ولا تقف أي (ولا تتبع ما ليس لك به علم){إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} وقال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:33]، وما ذلك كله إلا لأن القول على الله، أو على دينه، أو على عباده بغير علم يضل الناس، ويسبب الهلكة، ويجر الفتنة،ويزعزع النعمة، ويفرق الأخوة،ويسبب الضلال والشر والفتن ،يؤيد ذلك ما في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا من الصدور ولكن ينتزعه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "وشاهدنا من الحديث أن الفتوى بغير علم أو القول بغير علم، هذا باب من أبواب الضلال للناس، يضل الناس ،القول بغير علم سبب لإضلال الناس، ولهذا صار القول بغير العلم مقرونا بالشرك بالله –سبحانه تعالى-كما تقدم ذكر الآية، هذا باب خطير جدا أيها الناس، شأن عالم الهدى مراقبة الله –سبحانه وتعالى –مراقبة الله، فالله ما أحال الأمة إلى العلم إلى أهل العلم إلا لما أثنى سبحانه وتعالى به عليهم من كلمة الحق، والصدع به، ومراقبته -سبحانه وتعالى-،قال الله سبحانه في كتابه الكريم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} [آل عمران:18]،فالله أشهدهم على وحدانيته،وهذا شأن العالم الذي يعمل بعلمه،ثناء عظيم، وفضل عظيم،وأنه من شأنه يرد المتشابه إلى المحكم، والمضطر إلى الواضح، كما أخبر الله عز وجل بذلك، قال في كتابه العزيز: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}
[آل عمران :7]، فانظر كيف أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم، أنهم يردون ما هو متشابه على ما هو معروف وواضح و محتم، ويتركون المتشابه المطرد المختلف،وهذا سير على الصراط المستقيم،وعلى الحجة البينة،شأن عالم الهدى كما وصف الله عز وجل... قال الله سبحانه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}[ البقرة:144] ،شأن عالم الهدى تقديم هذه الشريعة، ونصرة هذه الشريعة، نصرة دين الله --سبحانه وتعالى -، وتجنب الهوى أينما كان، قال الله :{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) }[ الجاثية:18-19]، وشأنه أيضا تجنب الهوى وأهله {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}[البقرة:120] ،{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ}[ البقرة :145]، فخطر عظيم ؛مجانبة العلم، وإتباع الأهواء والمشتبهات، وما إلى ذلك مما يسبب الضرر، ويسبب إضلال الناس .
***************
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا ،أما بعد:
يقول الله عز وجل مبينا لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[ النساء:165]، فالله أنزل كتبه، وأرسل رسله، إقامة للحجج على الناس، وبيانا للحق من الباطل ،ليكون لهم بشارة ونذارة فيحذروا عذاب الله، ويجتنبوا مضلات الفتن،ويتحروا لهدى قال الله -سبحانه وتعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[النساء :135]، شأن عالم الهدى عباد الله معلم الخير، يرجى خيره،ويؤمن شره،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "أَلَا أُنَبِئِكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِكُمْ قَالُوْا بلَىَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ"وقد ثبت من حديث أبي أمامة وله شواهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"، ِشأن عالم الهدى الصبر على الأذى،والتماس الخير والهدى لعباد الله،فإنه عبارة عن خلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن ، ووارث تركته فيه ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الْعُلَمَاءَ لم يورثوا درهما ولا دنارا إنما ورثوا العلم فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"ورسول الله صلى الله عليه وسلم ان خلقه القرآن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان رفيقا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم له من الأوصاف ما لا يتسع الوقت لذكره في هذا المقام، وما أبان الله عزو جل إجماله أو بعض إجماله في قوله{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) }[ القلم] ، وأبانه في قوله{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم]، فهو ما ينطق عن الهوى ، يتحرى الحق ولا يقول إلا بما أنزل الله عز وجل وأمره به، وواجب تحري الحق على كل مسلم ،وهكذا ما أبانه الله سبحانه وتعالى في قوله:{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}[الشرح]،أي ادع الله عز وجلوارغب إليه،واعبده قال الله عز وجل :{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)}[العلق]،وقال الله له :{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ } أي بالحجة والبرهان{ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا (47) وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً(48)}[الأحزاب]، وغير ذلك من الآيات التي أبانها الله -سبحانه وتعالى- في شأن معلم الهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي شأن من تابعه من معلم الهدى ، ومن تأسى به فإنه يصير قدوة وأسوة في ذلك الشأن {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام :90]، هكذا أمر الله –سبحانه وتعالى – في كتابه ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"وما ذلك إلا أن من توصل إلى هذه المرتبة صار من معلم الهدى بإذن الله عز وجل إذا عمل بما علم، روى مسلم في صحيحه عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ"، ويفسر هذا الحديث ويبينه أكثر ما في الصحيح أيضا أن النبي صلى لله عليه قال"" يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به،تقدمه(البقرة)و(آل عمران)تحاجان عن صاحبهما ، هذا الذي يرفعهاقْرَأُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يوم القيامة شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ القرآن ،هذا الذي يرفعه العلم ، هذا الذي يرفعه الله {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[الحشر :11]، على هذه المعاني التي أبانها الله –سبحانه وتعالى- من شأن عالم الهدى ، نسأل الله عز وجل الهدى والتقى والعفاف والغنى ، وأن يدفع عنا وعن بلادنا وسائر بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله.
قام بتفريغ المادة الصوتية:
أبو عبد الرحمان إبراهيم غفر الله له ولوالديه.
أكادير- المغرب
25 شوال 1432هـ
تعليق