شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وقوة اهتمامه بهم
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: 128و129].
هذه الآية تلخيص أمين لمجمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العطرة التي ملئت لحرصه الشديد على أمته، وحبه التيسير عليهم، وكثرة اهتمامه بهم لتكون خير الأمم دنيا وأخرى.
1- شفاعته العظمى لهم يوم القيامة:
عن جابر بن عبد الله قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة».
ويظهر حرص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من وجوه:
أ- دعوة النبي المستجابة تكون لقومه أو عليهم، وبعض الأنبياء؛ كنوح دعا على قومه، فبينما رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم جعل دعوته لأمته.
ب- كل الأنبياء دعو هذه الدعوة سواء كانت لقومهم أو عليهم في الدنيا، بينما خبأها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته في الآخرة أحوج ما يكونوا لها.
ت-خص رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الشفاعة للمذنبين من أمته لأنهم أحوج من غيرهم، فقد جعلها لأهل الكبائر من أمته.
2- بكاؤه صلى الله عليه وسلم شفقة على أمته:
عن عبد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- تلا صلى الله عليه وسلم يوماً قول إبراهيم –عليه السلام-: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: 39].
وقال عيسى -عليه السلام-: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118].
فرفع يديه، وقال: «اللهم أمتي أمتي» وبكى، فقال الله -عز وجل-: «يا جبريل، اذهب إلى محمد وربك أعلم،ـ فسله: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل -عليه الصلاة والسلام- فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم؟ فقال الله: «يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك». [أخرجه مسلم].
ويظهر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمته في هذا الحديث من وجوه؛ منها:
أ-بكاؤه صلى الله عليه وسلم على أمته يدل على اهتمامه بهم.
ب- لم يقل كباقي الأنبياء نفسي نفسي، بل قال: «أمتي أمتي».
ت- دعاؤه ربه أن ينجي أمته.
ث- إن الله سيرضيه في أمته ولن يسوءه فيهم، قال بعض العلماء: لن يرضى رسولنا صلى الله عليه وسلم وواحد من أمته في النار، ولذلك فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها في الجنة إنا ابتداء أو انتهاء، فلا يخلد أحد من أهل التوحيد في النار.
3- خوفه على أمته صلى الله عليه وسلم:
أ-خوفه عليهم من العذاب؛ عن عائشة –رضي الله عنها-: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر فإذا مطرت سر به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة فسألته، فقال: «إني خشيت أن يكون عذاباً مسلطاً على أمتي»، ويقول: «إذا رأى المطر رحمة» [أخرجه مسلم].
ب- خوفه على أمته من الأئمة المضلين؛ عن أبي الدرداء –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون» [صحيح – أحمد والدارمي].
ت- خوفه على أمته من المنافقين، عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليه اللسان» [صحيح – أحمد].
ث- خوفه عليهم من جور الحكام، عن أبي أمامة الباهلي –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها تصديق النجوم وتكذيب بالقدر وحيف السلطان» [صحيح – أخرجه الطبراني في «الكبير»].
ج- خوفه عليهم من الشرك والرياء.
عن محمود بن لبيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر». قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله -عز وجل- لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» [أحمد والبيهقي].
4- الأنبياء يقولون يوم القيامة: نفسي نفسي اللهم سلم سلم، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الفزع الأكبر، والهول الأعظم: أمتي أمتي.
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض»، ثم ذكر مجيئهم إلى الأنبياء فقال: فيأتونني فأقول: «أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامده أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأخر ساجداً له، فقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي ...» [متفق عليه].
قال التابعي الجليل ابو عبد الرحمن السلمي في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ الآية.
انظر هل وصف الله -عز وجل- أحداً من عباده بهذا الوصف من الشفقة والرحمة التي وصف بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ألا تراه في القيامة إذا اشتغل الناس بأنفسهم كيف يدع نفسه ويقول: أمتي أمتي.
للاستماع اضغط هنـــا
http://www.مستقبل-الإسلام.com/sound....how&id=273&n=0
:. الموضوع الاصلى: خطبة صلاة الجمعة: شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وقوة اهتمامه بهم: للشيخ سليم الهلالي | المصدر: مُنْتَدَيَات مِنْهَاج الْرَّسُوْل الْسَّلَفِيَّة | كاتب الموضوع: أسامة الهلالي .: