عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: نزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: 97]، وكان بمكة رجل يقال له: ضمرة من بني بكر، وكان مريضاً؛ فقال لأهله: أخرجوني من مكة؛ فإني أجد الحر، فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة؛ فنزلت هذه الآية: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ﴾ [النساء: 100].
1- تعظيم أمر الهجرة إلى الله ورسوله، وهذا ما جاء مفسراً في حديث عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- المتفق عليه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
ففي هذه الآية وهذا الحديث اتحد الشرط والجزاء في المهاجر إلى الله، وذلك تعظيم لأمره وتنويه يعظم قدره.
وأما المهاجر لغير الله فلم يتحد الشرط والجزاء، وإنما أنكر الجزاء، فقال: فهجرته إلى ما هاجر إليه للدلالة على حقارته وتفاهته وأنه لا يستحق الذكر.
2- الهجرة أهم منازل السفر على الله، وهي فرض عين على كل أحد في كل وقت ولا انفكاك لأحد عن وجود بها، وهي مطلوب الله ومراده من عباده، ففي حديث معاوية –رضي الله عنه- الصحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» أبو داود، وأحمد، والدارمي.
3- إذ الهجرة هجرتان:
الأولى: هجرة بالجسد من بلد إلى بلد.
الثانية: الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي الهجرة المقصودة، والهجرة الحقيقة، وهي الأصل وهجرة الجسد تابعة لها.
فهذا الصحابي الجليل ضمرة بن جندب –رضي الله عنه- كان مريضاً جسمه في مكة، ولكن قلبه وروحه وأشواقه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما طفح به الشوق واستفزه نداء الإيمان خرج محمولاً على بعيره صوب المدينة فأدركته منيته، فلما شعر بقربها ضرب كفاً بكف، وقال: يا رب هذه بيعتي لك، ثم ضرب كفاً بكف، وقال: هذه بيعتي لرسولك فأدركه الموت فنزل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 100].
4- وهذه الهجرة تتضمن (من) و(إلى)؛ فالمهاجر إلى الله ورسوله يهجر ما نهى الله عنه، ففي حديث عبد الله بن عمرو –رضي الله عنه- الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه فهو يهاجر بقلبه من الشرك إلى التوحيد:﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: 5].
ويهاجر من حب المشركين وموالاتهم إلى حب المؤمنين وموالاتهم: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً﴾ [المزمل: 10]، ويهاجر من الفتن إلى عبادة ربه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «عبادة في الهرج كهجرة إلي».
ويهاجر من موطن الزور والإفك إلى بيوت يذكر فيها الله كثيراً.
5- هذه الهجرة التي لا تنقطع لأنها تتضمن الحاجة إلى الله في كل وقت والافتقار إليه في كل حين، وهي تتضمن إفراده بالطلب والعبودية فهي مدارها على توحيد الألوهية الذي اتفقت عليها دعوة الرسل جميعاً.
6- إنها تتضمن الفرار إلى الله.
من المخلوقين إلى الله.
من الطواغيت إلى الله.
من الأنداد إلى الله.
من كل ما نخافه إلى الله.
وتتضمن أيضاً الفرار من الله إلى الله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الذاريات: 50]؛ لأنه لا منجى منه إلا إليه، ولا استعاذة منه إلا به.
للاستماع اضغط هنــــا
الموضوع الأصلي: خطبة الجمعة : المهاجرون إلى الله : الشيخ سليم بن عيد الهلالي || الكاتب: أسامة الهلالي || المصدر: منتديات منهاج الرسول السلفية
تعليق