إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[سلسلة محاضرات عبر الهاتف لخليفة الإمام الوادعي] (1) {العناد وأثره في الصرف عن سبيل الرشاد}

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [سلسلة محاضرات عبر الهاتف لخليفة الإمام الوادعي] (1) {العناد وأثره في الصرف عن سبيل الرشاد}

    بسم الله الرحمن الرحيم

    يسرّنا أن نرفع لإخواننا في كل مكان
    هذه المحاضرة القيمة

    لشيخنا المُحدّث الناصح الأمين
    أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
    حفظه الله ورعاه


    وكانت بعنوان

    العناد وأثره في الصرف عن سبيل الرشاد

    (سُجّلت ليلة الجمعة 17 ربيع ثاني 1431هـ)

    وهي ضمن سلسلة محاضرات ونصائح مباركة عبر الهاتف إلى عدة مناطق في داخل اليمن وخارجها

    تفضلوا بتحميل هذه المحاضرة النافعة
    من موقع الشيخ حفظه الله



    على هذا الرابط

    وبصيغة mp3
    من الخزانة العلمية لشبكة العلوم السلفية

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس هشام بن صالح المسوري; الساعة 25-09-2010, 06:03 AM.

  • #2
    جزاكم الله خيرا و بارك فيكم و حفظ الله الشيخ يحيى و بارك فيه و في علمه

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيرًا
      وجزى الله الشيخ يحيى خيرًا
      محاضرة ماتعة نسأل الله أن يجعل ذالك في ميزان حسناته
      نسأل الله أن يطيل في عمره ويبارك في عمله

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم
        أيها الناس إن أمر العناد صارف شديد من الصوارف عن دين الله إلى الكفر والإلحاد من الحق إلى الباطل .
        إن أمر العناد صارف من الرُشد إلى الغي.
        العنــــــاد وأثره في الصرف عن سبيل الرشاد في الصرف عن سبيل الرشاد .
        محاضرة للشيخ أبي عبد الرحمن يحي بن علي الحجوري .حفظه الله تعالى.

        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
        َ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
        {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
        {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

        أمـــــــا بـعد:
        فإننا في هذه الليلة على ما وعدنا به إخواننا السـامعين حفظهم الله في مذاكرةِ نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياهم وقد وعد الله سبحانه وتعالى مخبرا بقوله {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }وهذا خبر متحقق ولا ذكرى أعظم للمؤمن من كتاب الله عز وجل فإنهما الهدى والنور قال الله عز وجل في كتابه الكريم {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}, فالله عز وجل أقام حججه وأنزل كتبه وأرسل رسله يبين لعباده وهذا هو مُرادُ الله عز وجل قال عز من قائل {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} فهذا مراد الله سبحانه وتعالى البيان لعباده {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.
        وقد بين الله عز وجل الرشد من الغي حتى ترك العباد على بينة واضحة قال سبحانه وتعالى {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وقال الله عز وجل في كتابه مبينا لأمر الرشد كما أخبر بذلك الجن {قلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } فكتاب الله هادي إلى ارشد قال الله عز وجل{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}.
        ألا وإن أمر الرشد يطلبه كل عاقل ويتشرف به كل إنسان ولقد كان يدعيه من ليس من أهله حتى قال فرعون عليه لعائن الله {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } وقال الله عز وجل في سورة هود {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ }.
        أي رشد فيمن يجر قومه إلى النار ويقدمهم إلى جهنم ولكن ما عدا هذا كله يدعي الرشد ولما جاء شعيب عليه الصلاة والسلام إلى قومه {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}وهم بذلك يعرضون أنهم هم الحلماء وأنهم هم الرشداء وأن نبي الله هود عليه الصلاة والسلام ليس بحليمٍ ولا رشيد وهذا شأن كل مبطل فإذا كان أهل الباطل يدعون الرشاد ويحاولون حصوله ما ذلك إلا لأن الرشاد هو المعتبر عند كل مكلف
        والرشاد هو الفارق هو الوازع عن المعاصي والموبقات يقول الله عز وجل {لَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}هذا هو الشاهد من الآية فهو يخاطبهم بالعقول الرشيدة ويطلب منهم من يسترشد إلى الصواب ولما يكونوا كذلك كانوا كلهم سفهاء {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}قال الله عز وجل {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}.
        إن أمر الرشد يعتبر من أعطاه الله عز وجل ذلك يحسن التصرف ويعقل الأمور بقدر ما أعطاه الله عز وجل من الرشد قال الله عز وجل {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا}فالآية فيها أمر أنه لا يدفع إلى اليتيم ماله بمجرد البلوغ الحلم وإنه لا يدفع إليه ماله إلا أن يعلم رشده ويظهر أنه يُحسن التصرف في ماله فلو أُعطي ماله في حال كونه يسيء التصرف فيه لأتلفه ولأضاعه ولأسرف فيه وبذر فيه وربما كان في حالة من الحالات فقيرا مدقعا بعد أن أتاه الله خيرا فكان من حُسن الرعاية أن لايعطى اليتيم ذلك المال إلا بعد أن يُعلم حُسن تصرفه فالقرآن يُلتمس فيه الرشد يُلتمس الرشد في كتاب الله .
        وهكذا في الإيمان بالله عز وجل والاستجابة لرسوله صلى الله عليه وسلم يقول ربنا عز وجل {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}إن أمر الرشد أممر عظيم ألتماسه ينبغي الحث في ذلك وبذل الوسع بدعاء الله عز وجل يقول ربنا سبحانه وتعالى{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} فهم طلبوا الرشد من الله.
        أيها المسلم احرص على الرشد وأطلبه من ربك سبحانه وتعالى واحرص على تلقيه من أهله وممن يدل عليه ويرشد إليه نبي الله موسى عليه الصـلاة والسـلام أخبره ربه أن عبدا له بمجمع البحرين أعلم منه عنده علم ما ليس عند موسى فضرب مجمع البحرين قال الله عز وجل {فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} رحلا مسافات طويلة كل ذلك ابتغاء الرشد والتماسا لمُجالسة أهله فإنما يُلتمس الرشد عند ذويه إنما يلتمس الرشد عند من يكتسبه ويبذله.
        ألا وإن لهذا الأمر العظيم صوارف أمر الرشد الذي سمعتم فضله وأدلته وزينته في القلوب كما يقول الله سبحانه{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}فمن كان راشدا زاد الإيمان في قلبه من كان راشدا أبغض المعاصي من كان راشدا أحب طاعة الله من كان راشدا سعى في تحقيق الإيمان وتقويته كُلُ هذا من فضل الرشد الذي له صوارف كثيرة عن العباد ومن أعظم تلك الصوارف العِناد.
        لهذا اخترنا أن تكون مذاكرتنا في هذه الليلة الطيبة حول هذا الموضوع المهم تحت عنوان:
        العِناد وأثره في الصرف عن سبيل الرشاد
        وأدلة ذلك كثيرة ولكن أصول ذلك تُجملُ في أدلة مع التنويه إلى غيرها.
        أيها الناس إن أمر العناد صارف شديد من الصوارف عن دين الله إلى الكفر والإلحاد إن أمر العناد صارف من الحق إلى الباطل إن أمر العناد صارف من الرشد إلى الغي إن أمر العناد صارف هلكت به أمة لا يحصون كثرة هلك به الشيطان ومن سار على طريق الشيطان, الشيطان أخبر الله سبحانه وتعالى أنه أمره أن يسجد لآدم وأمره على محادة الله سبحانه وتعالى وعلى الكفر بالله عز وجل.
        العُناد يُصرف العبد من الحق إلى الباطل قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} لما تغافلوا عن دين الله وعاندوا آيات الله صُرفوا صرفا شديداً وقابلوا دين الله بالعتو والاستكبار .
        أمر العناد يصرف من الحق إلى الباطل قال الله سبحانه وتعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} هذا دليل أنهم كانوا يعرفون الحق ويعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون آبنائهم كما أخبر الله سبحانه وتعالى قائلاً {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وإنما كتموا ذلك عناداً وألبسوا الحق بالباطل عناداً.
        ومعلوم قصة اليهود عندما كانوا يستفتحون على المشركين قال الله عز وجل في كتابه الكريم {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} دلت هذه الآية أن اليهود ما تركوا الحق عن جهل بأنه حق لأنهم كانوا إذا اختلفوا مع المشركين يقولون سيخرج نبي منا نقاتلكم نحن وإياه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب قام في قلوبهم العناد فتركوا دين رب العباد وأقبلوا على السوء والفساد والكفر والإلحاد ,ومعلوم ما حصل لليهود من لعن في كتاب الله {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} عصوا عاندوا المرسلين وعارضوا رب العالمين {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}ومعلوم مَسخهم مَسَخهُم الله سبحانه بسبب العناد ,الله عز وجل أمرهم أن يصطادوا يوما غير يوم السبت أباح لهم ذلك فقام في ضميرهم العناد إلى أنه لا يكون الصيد إلا في يوم السبت قال الله عز وجل {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} نكل الله سبحانه وتعالى بهم ,وعند أن تستعرض إنكارهم للقرآن وجحودهم له تتعجب جدا مما يصنع العناد بأهله لا لمجرد جهل ولكن لمجرد لمقاومة الحق وأكثر أهل النار من هذا الصنف قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}أي معاندون له لا لأنهم يجهلونه فتأمل قول الله عز وجل {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}قال الله عز وجل{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى}


        هؤلاء يهود وأحبار يهود يقولون ما أنزل الله على بشرٍ من شيء فحاجهم الله عز وجل على عنادهم ذلك من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا تجعلونه قراطيس {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ}فالله عز وجل أخبر أنهم إنما تركوا ذلك عنادا ونظير ذلك قول الله عز وجل {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}فأنظر كيف كانت عاقبة المفسدين و ففرعون لم يكن يدعي الربوبية عن جهل بأنه هو الله ولكن عاندا وطغى وأستكبر نعم هذا الجحود معناه ترك الحق والإعراض عنه عن علم بأنه حق فلما كان ذلك سُميا عنادا فادعى الربوبية واستيقن في نفسه أنه ليس برب ولما كان الأمر كذلك حين أن غط في البحر قال الله سبحانه وتعالى {قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال الله سبحانه وتعالى {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَفَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} هذا شأن المعاندين .

        احذروا عباد الله التشبه بهم في ذلك فإن أمر العناد أهلك أمماً لا سبيل إلى إقناع المعاند يقول الله سبحانه {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}انظر على شدة ,كتاب يلمسونه بأيديهم ويقرءونه ويفهمونه لأنه بلغة العرب ومع هذا يقابلون هذه الحقائق بأنها سحر مبين.
        العناد يُعمي ويُصم عطلوا حواسهم حاسة السمع وحاسة البصر وحاسة العقول والأفهام عطلوها مقابل العناد للمرسلين عليهم الصلاة والسلام وتأمل قول الله سبحانه {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}
        الأصل في المحسوسات إنها ما تنكر وهذا شيء محسوس ملموس ,ولكن لما تراكم على قلوبهم العناد جعلهم يعطلون جوارحهم على حساب مضادة أهل الحق لا سبيل إلى إقناع المعاند قال الله سبحانه وتعالى {إِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا}أي عليهم {يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} العذاب عليهم نازل وهم يعاندون الحقائق الواضحة ويموهون على الناس أنه عبارة عن سحاب, وهكذا يخبر الله سبحانه وتعالى عن إنكارهم للمحسوسات قال{حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}.
        الله أعطاهم جوارح سمعا وأبصار وأفئدة قال الله سبحانه وتعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} من عليهم بجوارح يدركون بها ويسمعون ويعقلون فعطلوها على حساب معاندة للحق حتى صاروا كالأنعام {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}وحتى انتفت عنهم تلك الجوارح بأنهم لم يستعملوها بطاعة الله ولم ينتفعوا بها يقول الله سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}عطلوها,وأخبر الله أنه مكنهم من هذه الجوارح كما مكن من بعدهم ولما لم يستعملوها بطاعة الله عنادا للحقائق عطلوها ولم يستفيدوا منها قال عز وجل{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}الجحود هو إنكار المعلومات الواضحة فلما عاندوا الحقائق لم ينتفعوا من هذه الجوارح ومن هذه النعم التي من الله سبحانه وتعالى عليهم بها ,مهما تأتي المعاند ببرهان وحجة أيئس أنك تقنعه وتأمل قول الله عز وجل {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}قال الله {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا}مازالوا مع عنادهم حتى مع هذه الآيات الواضحة.

        ونبي الله موسى قال الله عز وجل عنه {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} قال الله بينات أي واضحات جليات ومع هذا الوضوح كله الذي أخبر الله عز وجل وهو أصدق القائلين أنها بينات قابلها فرعون بالعناد والجحود والمحاذاة والإنكار {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}.
        العناد يجعل الإنسان يتعامى عن الحقائق,تأمل قول الله عز وجل {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}يقابلون كل ذلك بالإعراض وبالتمويه هذا سحر هذا شر وإنهم يعتقدون أن ذلك ليس كما يقولون ولكنه العناد والمحاذاة , ولما أسري بالنبي صلى الله عليهم لبيت المقدس وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم بمكة أتاه أبو جهل والنبي صلى الله عليه وسلم كان مغموما لذلك إذا أخبر الناس ربما كذبوه قال مالك؟ أحدث شيء قال نعم ,قال اسري بي البارحة إلى بيت المقدس ثم ,قال تخبر قومك بذلك, قال نعم, فنادى فرحا مستبشرا أن هذا عبارة عن شيء يكذبون فيه , ولما اجتمعوا وأخبرهم وجعل يصف لهم قافلته وقال بعضهم ممن رأى بيت المقدس صف لنا بيت المقدس, فوصفه وهو ينظر إليهم ,قالوا .....بعد هذا هل أمنوا , قاموا وانصرفوا وهكذا يفعل المعاندون لا تطمع في أنك تقنعه حتى لو نزلت الملائكة {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}.
        أمر خطير يا أيها النـاس معشر المسلمين أمر خطير احذروا العناد للحق والعناد للدين دين الله سبحانه وتعالى فإن هذا أفسد أمما وأهلكهم , ولو تدبرت القرآن عرفت أن كل أمة كانت سبب هلاكتها نصيب من ذلك لهم نصيب من العناد وتقلييد للحقائق ,حتى إنك ترى شدة عناد قوم نوح {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}وأخبر الله عز وجل عن شعيب أنه قال {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}إيش عطلوا الآن عطلوا أفهامهم الله يخبر أنهم ما يرسل نبي إلا بلسان قومه ,ولكن لما كان العناد هو المسيطر عليهم أفهامهم عطلوها واستعملوها في مضادة الحق {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُوَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}عطلوا الحقائق والمفهومات ولجئوا إلى العضلات والمضاربات ولجئوا ماذا برزوا القوة أنك ضعيف فينا وما إلى ذلك ولكن الحق له صولته والحق له نصرته .

        أيها الناس إن مطالب المعاندين لا تنتهي إلى حد وهكذا أيضا أمر المعاندين من حيث مضادة الحقائق أمر عجيب جدا أنظر إلى ما وصف الله سبحانه وتعالى حالهم فيه وإنهم يطالبون حتى يؤمنوا وحتى يسلموا {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا}يريدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بربه عز وجل هذا ليس في طوقه قال{قُلْسُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}فمن عنادهم حتى تأتي بالله وتأتي بملائكة الله والله لو جاء بملائكة الله ولو أتتهم الملائكة ما أمنوا كما قال الله عز وجل {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} فلا سبيل إلى إقناع المعاند وإلى هدايته إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى .

        إن من عاند تشبه بالكافرين وارتكس في كل بلاء مهين يخبر ربنا سبحانه وتعالى عن مطالبهم ومعاندتهم أنها أشياء يستنكف الإنسان عن أن يذكرها لولا أن القرآن نزل بها وبينها {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا}.
        وقد مر معنا من الأدلة أنهم لا يؤمنون حتى بالمحسوسات حتى لو نزلت آيات عليهم أو فتحت لهم السماء أو لمسوه في قرطاس كل ذلك لا يقنعهم ولكنهم يتطورون من مرحلة إلى مرحلة ومن ترم إلى ترم ومن حال إلى حال كل ما فشلوا من جانب لجئوا إلى آخر , من شدة عناد من مضى من الأمم أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام راودهم على أمر يسير لا مشقة لهم عليهم فيه {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ}{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}أي اعبدوا الله عز وجل واتركوا هذه الذنوب تغفر لكم خطاياكم فعاندوا ذلك كله واستثقلوه واستكبر وه ودخلوا يزحفون على إسفافهم مستهزئين مستهترين ويقولون حبة في شعرة حبة في شعرة شأن السفهاء.
        هكذا ترى مطالب السفهاء واعتراضاتهم لا نهاية لها معشر المسلمين نحن نذكر هذا لأن العناد تفشى ولأن العناد قد لا يسلم منه إلا من سلمه الله سبحانه وتعالى وهو مشرك هلكت به أمم كان الواجب أن نتذاكر ما نخشى هلكته على أنفسنا.

        المعاندون أمر الله باستقبال بيت المقدس في الصلاة برغبة النبي صلى الله عليه وسلم {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}هذه رغبة النبي صلى الله عليه وسلم فحقق الله له أمنيته كان يحب أن يتجها للبيت لحرام مكث ستة عشرة سنة يصلي إلى بيت المقدس وهو يطمع أن يجعل الله له عز وجل هذه القبلة,فالله أعطاه أمنيته ونعمة القبلة {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَفِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا}وكم من فضائل مكة في القرآن ومن السُنة ومع ذلك لما توجه بهم إلى بيت المقدس أنقسم المعاندون ثلاثة أقسام فطائفة منهم قالوا "إنه د اتجه لقبلتنا وعما قريب سيرجع إلى ديننا هؤلاء معاندو المشركين "وطائفة منهم قالوا ترك قبلة الأنبياء فقد ترك دينهم هؤلاء اليهود " وطائفة أشد نكاية وهم المنافقون قالوا هذا الرجل لا يدري إلى أين يتجه سماهم الله جميعا سفهاء فقال سبحانه وتعالى {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}نعم.
        ثم بين خيرة هذه الأمة وأن قبلتهم خير قبلة وأنهم خير أمة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}من شدة عناد الكفار أنك ترى المعاند ربما حاول إهلاك نفسه ولا يتحقق أمر ذلك الذي عانده هذا غاية في المعاندة قال الله سبحانه وتعالى {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}كان يسعهم أنهم يدعون الله هداية ويعيشون في خير ونعمة ولكنهم لشدة العناد استفتحوا على نفسهم بالهلاك وقالوا أيضا كما أخبر الله عز وجل {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}أي عذابنا قطنا"أي هلاكنا وعذابنا قبل يوم الحساب كل ذلك استكبارا وهم يطلبون تعجيل العذاب إذا تحقق من جاء به من خالفهم قال الله عز وجل {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
        فإذا كان الأمر لا سبيل إلى المعاند فإن السبيل في التصرف معه والسلوك معه هو ما أبانه الله سبحانه وتعالى في كتابه قال الله عز وجل في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًاوَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًاوَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ }{ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}هذا هو السبيل { وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ }قال أهل التفسير أي أعرض عنهم لا يضرك أذاهم ودع أذاهم {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
        المعاند مادام لا سبيل إلى إقناعه أصبر على أذاه وتوكل على الله سبحانه وتعالى {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}ونظير ذلك من كتاب الله سبحانه وتعالى { فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}الشاهد من ذلك أنه الإعراض عنهم ونموذج عظيم قد وصفه الله سبحانه وتعالى بأخذ طريق الحق والبعد عن الباطل والإعراض عن المعاندين حفاظا على الوقت وحفاظا على العمر وحفاظا على الدين وحفاظا على الهداية وحفاظا على القلوب فاستقم قال الله عز وجل {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
        قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية هذه آية واحدة اشتملت على عشرة أحكام كل حكم مستقل بنفسه نعم {فَلِذَلِكَ فَادْعُ }أي مما تقدم ذكره ما شرعه الله للأمم الماضية وللأنبياء الماضين.
        {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ }أنت مأمور بالاستقامة كما أمرك الله سبحانه وتعالى.
        {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }أنت محذر من أن تتبع أهوائهم.
        {وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُاللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ }الله رب الجميع فإنه هو الحَكم وله الحُكم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}هكذا يخبر الله سبحانه مهما كان عناد المعاند فأفطرهم وما يفترون فالله به بصير وبه خبير {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُمُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}
        {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}عشرة أحكام في آية واحدة مثل آية الكرسي اشتملت عشرة أحكام كل حكم مستقل بذاته أي ينبني عليه مسائل أخر فهذه الآية مما حض الله سبحانه وتعالى نبيه على أنه يستقيم وأنه يقول لا حجة بيننا وبينكم هذه الآية من أوائل القرآن قبل أن ينزل الأمر بالسيف لكن إذا كان لا سبيل إلى إقناع المخالف فإنك تجنح إلى طاعة الله سبحانه وإلى عبادة الله عز وجل {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}وإذا خطبهم الجاهلون قالوا سلاما هذا هو الحل وهذا هو المخرج لك من الفتنة أيها المسلم مع بيان الحق كما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} ويقول الله سبحانه وتعالى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌإِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
        أتترك الحق ثم تجنح إلى عناد المعاندين ومشادة المشادين وضياع المضيعين وفراغ المتفرغين لهذا الشأن وللأعيب جنود إبليس أجمعين لا داعي لذلك.
        ولكن العبادة في الهرج كهجرة إليا سواء كان يعني تلك العبادة سواء كانت تلك العبادة في حالة فتن أو مخاصمات أو كانت تلك العبادة في حالة حروب ودماء ومقاتلات فكلها تطلق على أنها هرج واختلافات نعم.
        إن أمر المعاند عباد الله يعرض نفسه ذلك المعاند إلى الخيبة فكل معاند للحق يعرض نفسه للخيبة عاجلا أو أجلا أو في كليهما بنص كلام الله عز وجل {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}هذا في شأن الكافرين , والمؤمنون محذرون من إتباع المشركين والكافرين في المعاندات للحقائق الجرية والبينات العلمية يحذرون بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم {كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}الآيات{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَبِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
        الشاهد أنه لا يجوز مجاراة أهل العناد الذين وصفهم الله بتقليب الحقائق ومعاندة البينات الواضحات الجليات نعم.
        وأمر العناد صاحبه يعتبر من حصب جهنم وهو نصيب جهنم بنص قول الله عز وجل {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُوَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ جَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ}.
        ما لنا صبر على عذاب الله ولا والله لا يرتضي ذلك مؤمن ومسل لنفسه ولكن يريد السلامة بالرشد والهداية في دين الله عز وجل وفي الإسلام {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}.
        فليحذر أمريء على نفسه من معاندة الحق فقد ثبت من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يخرج عنق من النار له عينان يبصر بهما وأذنان يسمع بهما ولسان ينطق يقول كلت بكل جبار عنيد وبالمصورين وبمن دعا مع الله إلها أخر "
        هذا شأن العناد وشأن أصحابه وشأن أضراره وآفاته الذي من سلمه فقد سلم شرا كثيرا ومن هدي إلى الرشاد وإلى الاستقامة فقد وفر على نفسه وعلى المسلمين ونماذج ذلك كثيرة وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كلها تدل على هذا المعنى دعوة جميع المرسلين ,ولكن كما بينا ذلك في أول الكلام أن المقصود إشارات إلى أصول هذه المسائل وأوائلها وإلا فإن المسألة مطولة جدا في أمرهم وأمرهم يطول ذكره .
        والذي نتواصى به بعد هذا كله أنه أوصانا ربنا سبحانه وتعالى بالإستقامة على دينه كما أمر الله {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌوَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ }
        والحمد لله رب العالميـن ونسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه .

        منقول
        قامت بثفريغ المادة إحدى الأخوات السلفيات فجزاها الله خيرًا
        التعديل الأخير تم بواسطة أبو إبراهيم علي مثنى; الساعة 14-06-2010, 01:21 PM.

        تعليق


        • #5

          جزاك الله خيرًا
          أبا المنذر
          على نقل هذا التفريغ النافع لهذه
          المحاضرة القيمة

          وجزى الله الجميع خير الجزاء


          تعليق

          يعمل...
          X