[الاستعانة على نوائب الحياة بالصبر والصلاة]
خطبة جمعة بتاريخ: (17-4-1428هـ)
(للشيخ المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)
خطبة جمعة بتاريخ: (17-4-1428هـ)
(للشيخ المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)
ملاحظـــة: هذا الملف ناقص التسجيل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس! يقول الله عز وجل في كتابه الكريم:
﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾[البلد:1-4]، ويقول الله عز وجل: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾[الانشقاق:1- 12] .. الآيات، ويقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾[العنكبوت:1-3]، وقد علمهم سبحانه وتعالى، وهم أجنة في بطون أمهاتهم، بل وهم تراب لم يكونوا شيئاً، وعلم الله سبحانه وتعالى ذلك منهم، ولكن ذلك يظهر حسب علم الله سبحانه وتعالى.
أيها الناس! لما كانت هذه الحياة الدنيا بهذه المثابة التي ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه كان لابد من الاستعانة عليها، على هذه الحياة، وهذه الاستعانة أعظم ما تكون بالله عز وجل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5]، وقد أبان الله عز وجل أموراً يستعين بها الإنسان على حياته الدنيا حتى يلقى ربه، ومن أعظم تلك الأمور: الصبر والصلاة، فهذان أمران عبادتان جليلتان هي في الحقيقة يجد الإنسان خير عيشه بهما، بالصبر والصلاة، فإذا اختلت هاتان العبادتان تنغص على العبد عيشه وتكدرت حياته، وضاق عليه صدره، ونحل جسمه، وتشتت باله، وبلد ذهنه، وشغلت أفكاره، وهذه الحالات كلها تنهمر على الإنسان إذا لم يوفق للاستعانة بهذين الأمرين وبهاتين العبادتين، أما إذا وفق للاستعانة بهاتين العبادتين العظيمتين: الصبر والصلاة فإن الله يعينه على مهامه، وعبادة تعينه على عبادة، وصبر يعينه على أمر، واسمع إلى قول الله عز وجل منادياً عباده المؤمنين الذين قد تحملوا من التكاليف العظيمة ما يحتاجون معها إلى صبر جميل، فقال عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:153]، ويا سبحان الله! الصبر له مرارة، والصبر له شدة على النفوس، ومع ذلك هو عون، والصلاة أيضاً فيها جهد، تحتاج إلى جهد من طهارة ولاسيما في أوقات الحر والبرد؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى البردين دخل الجنة»، وكذلك أيضاً من جهد ومشي إلى أماكن أدائها في جماعة، وقد يكون ذلك في الرمضاء والظلماء، وقد يكون ذلك على أتعاب عنده، وهو يمشي بخطوات إلى الصلوات، إحداها ترفع له حسنة والأخرى تحط خطيئة .. وهكذا تحتاج إلى قيام وقعود، وإلى استحضار بال، وإلى طمأنينة وخشوع، وإلى تعلم شيء من القرآن وتلاوته وتدبره، ولا شك أن هذا جهد يحصل في الصلاة ومطلوب في الصلاة، ولكن هو في الحقيقة إعانة، فإذا فعلت ذلك أعنت على غيره، عليها وعلى غيرها؛ ولهذا تجد أنبياء الله ورسله وتقرأ عنهم في كتاب الله وفي السنن الصحيحة أنهم اختارهم الله عز وجل من أعبد الناس، وأخضع الناس لله سبحانه وتعالى وما ذلك إلا أن أمر النبوة والرسالة تكليف عظيم لا يقوم به إلا أشداء الرجال، وذلك الأمر ليس عائداً إلى الأشخاص ذواتهم، ولكن عائد إلى عون رب العالمين سبحانه، قال الله عز وجل لنبيه: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾[الأحقاف:35]، أي: للمشركين، لا تستعجل لهم: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾[الأحقاف:35]، وسلى الله عز وجل نبيه بقوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾[الكهف:6]، وسلاه وبين أن التكليف عليه عظيم، وأن الله ليس بغافل عن نصرته: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:97-99]، وهذا برهان على أن السجود لله سبحانه وتعالى: أنه من دوافع الكرب ومزيلة الشدائد، وأن الإنسان يستعين بالسجود لله عز وجل على ما يحصل له من الأضرار والبلايا، وثبت عند الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حبب إليّ الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة»، وهذا الحديث فيه بيان شاف على أن الإنسان إذا دخل في الصلاة وأداها أداءً جميلاً أن عينه تقر، وأنها تذهب عنه مهامه ومشكلاته، وهذا في الحقيقة عون له من الله عز وجل فصارت الصلاة التي يؤديها دافعاً عظيماً لشر كثير عنه، وعوناً عظيماً له على استحضار ما يريد استحضاره من أمور أخرى، نعم؛ لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله عز وجل: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[العنكبوت:45]، وإذا نهت الإنسان عن فحشائه وعن منكراته، فإنه سلم من ذنوبه، وهل يرهق الإنسان إلا ذنوبه، فإذا سلم من ذنوبه تفرغ لطاعة الله عز وجل، واستفاد من حياته كثيراً، واستفاد من وقته كثيراً.
الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[البقرة:45-46]، ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾[البقرة:157]، هؤلاء الأصناف الذين ذكرهم الله عز وجل في هذه الآية استفادوا هذه الفوائد من الصبر والصلاة، مع العظيم الذي فيها، والثقل الذي فيها إلا على من خشع واطمأن فإنه في هذا الحال تنزل عليه الصلوات من الله سبحانه وتعالى، وتتداركه رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى بسبب صبره وصلاته: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾[مريم:65]، فالله عز وجل أمر نبيه أن يصطبر لعبادته: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾[المدثر:1-7]، الأمر لله سبحانه وتعالى، ومؤمن آل فرعون يقول: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[غافر:44]، فالله أبصر بعباده من أنفسهم، إن شاء أن يضلهم أضلهم، وإن شاء أن يهديهم هداهم، وإن شاء أن يفقرهم أفقرهم، وإن شاء أن يغنيهم أغناهم، وإن شاء أن يعزهم أعزهم، وإن شاء أن يذلهم أذلهم: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران:128]، ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾[فاطر:8]، استعن بالصبر والصلاة كما أمر الله عز وجل نبيه: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[هود:114-115]، استعن بالصبر والصلاة حتى على الأعداء وعلى كيدهم، فإنه ما من كيد إلا ولله فيه حكمة، ولله سبحانه وتعالى في صاحبه ملكة: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[هود:56]، استعن بالصبر والصلاة: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[آل عمران:120]، فالله محيط بعباده، برهم وفاجرهم مسلمهم وكافرهم، محقهم ومبطلهم، كثروا أو قلوا، ضعفوا أو قووا، الله محيط بعباده جميعاً، ولكن أنت استعن بالصبر والصلاة، رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيرته كافية لمن تأسى، وأحواله كافية لمن تذكر، فبات ليلة بدر وكثير من الصحابة نائمون وهو يستعين بالصلاة؛ لأنه مصبح على جحافل المشركين بعددهم وعددهم، وليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يساوي الثلث مما عنده المشركين من العَدد والعُدد الثلث، ومع ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[الأنفال:9-10]، هذه بشرى بس.
وهكذا يوم بدر أيضاً ينزل الله سبحانه وتعالى عليه ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، فنعم. ذلك؛ لأنه كان مستعيناً، مستعيناً بما أمره الله سبحانه وتعالى أن يستعين به، ويقول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾[المائدة:12]، هذه مواعيد من الله سبحانه وتعالى: أن من أقام الصلاة وأدى ما أوجب الله عليه: أن الله ناصره، ومكفر سيئاته، ومزيل أوزاره هذا وعد الله، الصلاة تتبصر بها تصير نوراً لك، والصبر كذلك أيضاً تستضيء به، وهذا في الحقيقة عون عظيم إذا أنت تبصرت في الشيء الذي تقدم عليه؛ بحيث أنك لا تهزم، وأنه إن أحد بغى عليك يكون من باب قول الله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾[البقرة:150]، فإذا بصرك الله بسبب صبرك وصلاتك نصرت، نعم، ثبت من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور والصدقة برهان، والصبر ضياء»، فاستضئ واستنر بما أبانه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك تكون قد سلكت سبيل الأنبياء الذين يقول الله عز وجل في كتابه: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾[الأنعام:34-36]... [ نقص في الشريط].
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس! يقول الله عز وجل في كتابه الكريم:
﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾[البلد:1-4]، ويقول الله عز وجل: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾[الانشقاق:1- 12] .. الآيات، ويقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾[العنكبوت:1-3]، وقد علمهم سبحانه وتعالى، وهم أجنة في بطون أمهاتهم، بل وهم تراب لم يكونوا شيئاً، وعلم الله سبحانه وتعالى ذلك منهم، ولكن ذلك يظهر حسب علم الله سبحانه وتعالى.
أيها الناس! لما كانت هذه الحياة الدنيا بهذه المثابة التي ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه كان لابد من الاستعانة عليها، على هذه الحياة، وهذه الاستعانة أعظم ما تكون بالله عز وجل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة:5]، وقد أبان الله عز وجل أموراً يستعين بها الإنسان على حياته الدنيا حتى يلقى ربه، ومن أعظم تلك الأمور: الصبر والصلاة، فهذان أمران عبادتان جليلتان هي في الحقيقة يجد الإنسان خير عيشه بهما، بالصبر والصلاة، فإذا اختلت هاتان العبادتان تنغص على العبد عيشه وتكدرت حياته، وضاق عليه صدره، ونحل جسمه، وتشتت باله، وبلد ذهنه، وشغلت أفكاره، وهذه الحالات كلها تنهمر على الإنسان إذا لم يوفق للاستعانة بهذين الأمرين وبهاتين العبادتين، أما إذا وفق للاستعانة بهاتين العبادتين العظيمتين: الصبر والصلاة فإن الله يعينه على مهامه، وعبادة تعينه على عبادة، وصبر يعينه على أمر، واسمع إلى قول الله عز وجل منادياً عباده المؤمنين الذين قد تحملوا من التكاليف العظيمة ما يحتاجون معها إلى صبر جميل، فقال عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:153]، ويا سبحان الله! الصبر له مرارة، والصبر له شدة على النفوس، ومع ذلك هو عون، والصلاة أيضاً فيها جهد، تحتاج إلى جهد من طهارة ولاسيما في أوقات الحر والبرد؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى البردين دخل الجنة»، وكذلك أيضاً من جهد ومشي إلى أماكن أدائها في جماعة، وقد يكون ذلك في الرمضاء والظلماء، وقد يكون ذلك على أتعاب عنده، وهو يمشي بخطوات إلى الصلوات، إحداها ترفع له حسنة والأخرى تحط خطيئة .. وهكذا تحتاج إلى قيام وقعود، وإلى استحضار بال، وإلى طمأنينة وخشوع، وإلى تعلم شيء من القرآن وتلاوته وتدبره، ولا شك أن هذا جهد يحصل في الصلاة ومطلوب في الصلاة، ولكن هو في الحقيقة إعانة، فإذا فعلت ذلك أعنت على غيره، عليها وعلى غيرها؛ ولهذا تجد أنبياء الله ورسله وتقرأ عنهم في كتاب الله وفي السنن الصحيحة أنهم اختارهم الله عز وجل من أعبد الناس، وأخضع الناس لله سبحانه وتعالى وما ذلك إلا أن أمر النبوة والرسالة تكليف عظيم لا يقوم به إلا أشداء الرجال، وذلك الأمر ليس عائداً إلى الأشخاص ذواتهم، ولكن عائد إلى عون رب العالمين سبحانه، قال الله عز وجل لنبيه: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾[الأحقاف:35]، أي: للمشركين، لا تستعجل لهم: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾[الأحقاف:35]، وسلى الله عز وجل نبيه بقوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾[الكهف:6]، وسلاه وبين أن التكليف عليه عظيم، وأن الله ليس بغافل عن نصرته: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:97-99]، وهذا برهان على أن السجود لله سبحانه وتعالى: أنه من دوافع الكرب ومزيلة الشدائد، وأن الإنسان يستعين بالسجود لله عز وجل على ما يحصل له من الأضرار والبلايا، وثبت عند الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حبب إليّ الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة»، وهذا الحديث فيه بيان شاف على أن الإنسان إذا دخل في الصلاة وأداها أداءً جميلاً أن عينه تقر، وأنها تذهب عنه مهامه ومشكلاته، وهذا في الحقيقة عون له من الله عز وجل فصارت الصلاة التي يؤديها دافعاً عظيماً لشر كثير عنه، وعوناً عظيماً له على استحضار ما يريد استحضاره من أمور أخرى، نعم؛ لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله عز وجل: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[العنكبوت:45]، وإذا نهت الإنسان عن فحشائه وعن منكراته، فإنه سلم من ذنوبه، وهل يرهق الإنسان إلا ذنوبه، فإذا سلم من ذنوبه تفرغ لطاعة الله عز وجل، واستفاد من حياته كثيراً، واستفاد من وقته كثيراً.
الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[البقرة:45-46]، ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾[البقرة:157]، هؤلاء الأصناف الذين ذكرهم الله عز وجل في هذه الآية استفادوا هذه الفوائد من الصبر والصلاة، مع العظيم الذي فيها، والثقل الذي فيها إلا على من خشع واطمأن فإنه في هذا الحال تنزل عليه الصلوات من الله سبحانه وتعالى، وتتداركه رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى بسبب صبره وصلاته: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾[مريم:65]، فالله عز وجل أمر نبيه أن يصطبر لعبادته: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾[المدثر:1-7]، الأمر لله سبحانه وتعالى، ومؤمن آل فرعون يقول: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[غافر:44]، فالله أبصر بعباده من أنفسهم، إن شاء أن يضلهم أضلهم، وإن شاء أن يهديهم هداهم، وإن شاء أن يفقرهم أفقرهم، وإن شاء أن يغنيهم أغناهم، وإن شاء أن يعزهم أعزهم، وإن شاء أن يذلهم أذلهم: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾[آل عمران:128]، ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾[فاطر:8]، استعن بالصبر والصلاة كما أمر الله عز وجل نبيه: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[هود:114-115]، استعن بالصبر والصلاة حتى على الأعداء وعلى كيدهم، فإنه ما من كيد إلا ولله فيه حكمة، ولله سبحانه وتعالى في صاحبه ملكة: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[هود:56]، استعن بالصبر والصلاة: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[آل عمران:120]، فالله محيط بعباده، برهم وفاجرهم مسلمهم وكافرهم، محقهم ومبطلهم، كثروا أو قلوا، ضعفوا أو قووا، الله محيط بعباده جميعاً، ولكن أنت استعن بالصبر والصلاة، رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيرته كافية لمن تأسى، وأحواله كافية لمن تذكر، فبات ليلة بدر وكثير من الصحابة نائمون وهو يستعين بالصلاة؛ لأنه مصبح على جحافل المشركين بعددهم وعددهم، وليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يساوي الثلث مما عنده المشركين من العَدد والعُدد الثلث، ومع ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[الأنفال:9-10]، هذه بشرى بس.
وهكذا يوم بدر أيضاً ينزل الله سبحانه وتعالى عليه ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، فنعم. ذلك؛ لأنه كان مستعيناً، مستعيناً بما أمره الله سبحانه وتعالى أن يستعين به، ويقول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾[المائدة:12]، هذه مواعيد من الله سبحانه وتعالى: أن من أقام الصلاة وأدى ما أوجب الله عليه: أن الله ناصره، ومكفر سيئاته، ومزيل أوزاره هذا وعد الله، الصلاة تتبصر بها تصير نوراً لك، والصبر كذلك أيضاً تستضيء به، وهذا في الحقيقة عون عظيم إذا أنت تبصرت في الشيء الذي تقدم عليه؛ بحيث أنك لا تهزم، وأنه إن أحد بغى عليك يكون من باب قول الله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾[البقرة:150]، فإذا بصرك الله بسبب صبرك وصلاتك نصرت، نعم، ثبت من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور والصدقة برهان، والصبر ضياء»، فاستضئ واستنر بما أبانه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك تكون قد سلكت سبيل الأنبياء الذين يقول الله عز وجل في كتابه: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾[الأنعام:34-36]... [ نقص في الشريط].