قال العلامة الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله:
فصل
ورحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب
العبودية
وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب اللسان والجوارح وعلى كل منها عبودية تخصه
والأحكام التي للعبودية خمسة واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارحفواجب القلب منه متفق على وجوبه ومختلف فيه
فالمتفق على وجوبه كالإخلاص والتوكل والمحبة والصبر والإنابة والخوف والرجاء والتصديق الجازم والنية في العبادة وهذه قدر زائد على الإخلاص فإن الإخلاص هو إفراد المعبود عن غيره
ونية العبادة لها مرتبتان
إحداهما تمييز العبادة عن العادة والثانية تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض
يربوالأقسام الثلاثة واجبة
وكذلك الصدق والفرق بينه وبين الإخلاص أن للعبد مطلوبا وطلبا فالإخلاص توحيد مطلوبه والصدق توحيد طلبه
فالإخلاص أن لا يكون المطلوب منقسما والصدق أن لا يكون الطلب منقسما فالصدق بذل الجهل والإخلاص إفراد المطلوب
واتفقت الأمة على وجوب هذه الأعمال على القلب من حيث الجملة
وكذلك النصح في العبودية ومدار الدين عليه وهو بذل الجهد في إيقاع العبودية على الوجه المحبوب للرب المرضي له وأصل هذا واجب وكماله مرتبة المقربين
وكذلك كل واحد من هذه الواجبات القلبية له طرفان واجب مستحق وهو مرتبة أصحاب اليمين وكمال مستحب وهو مرتبة المقربين
وكذلك الصبر واجب بإتفاق الأمة قال الإمام أحمد ذكر الله الصبر في تسعين موضعا من القرآن أو بضعا وتسعين وله طرفان أيضا واجب مستحق وكمال مستحب
وأما المختلف فيه فكالرضا فإن في وجوبه قولين للفقهاء والصوفية والقولان لأصحاب أحمد فمن أوجبه قال السخط حرام ولا خلاص عنه إلا بالرضا ومالا خلاص عن الحرام إلا به فهو واجب
واحتجوا بأثر من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سواي
ومن قال: هو مستحب قال لم يجىء الأمر به في القرآن ولا في السنة بخلاف الصبر فإن الله أمر به في مواضع كثيرة من كتابه
وكذلك التوكل قال ﴿إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين﴾
وأمر بالإنابة فقال ﴿ وأنيبوا إلى ربكم ﴾
وأمر بالإخلاص كقوله: ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ وكذلك الخوف كقوله: ﴿ فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ﴾ وقوله: ﴿ فلا تخشوهم واخشون ﴾
وقوله: ﴿ وإياي فارهبون ﴾
وكذلك الصدق قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ﴾وكذلك المحبة وهي أفرض الواجبات إذ هي قلب العبادة المأمور بها ومخها وروحها
وأما الرضا فإنما جاء في القرآن مدح أهله والثناء عليهم لا الأمر به قالوا وأما الأثر المذكور فإسرائيلي لا يحتج به
قالوا وفي الحديث المعروف عن النبي إن استطعت أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره النفس خيرا كثيرا وهو في بعض السنن
قالوا وأما قولكم لا خلاص عن السخط إلا به فليس بلازم فإن مراتب الناس في المقدور ثلاثة الرضا وهو أعلاها والسخط وهو أسفلها والصبر عليه بدون الرضا به وهو أوسطها فالأولى للمقربين السابقين والثالثة للمقتصدين والثانية للظالمين وكثير من الناس يصبر على المقدور فلا يسخط وهو غير راض به فالرضا أمر آخر وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم وظن أنهما متباينان وليس كما ظنه فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به راض به والصائم في شهر رمضان في شدةالحر متألم بصومه راض به والبخيل متألم بإخراج زكاة ماله راض بها فالتألم كما لا ينافي الصبر لا ينافي الرضا به وهذا الخلاف بينهم إنما هو في الرضا بقضائه الكوني وأما الرضا به ربا وإلها والرضا بأمره الديني فمتفق على فرضيته بل لا يصير العبد مسلما إلا بهذا الرضا أن يرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا
ومن هذا أيضا اختلافهم في الخشوع في الصلاة وفيه قولان للفقهاء وهما في مذهب أحمد وغيره
وعلى القولين اختلافهم في وجوب الإعادة على من غلب عليه الوسواس في صلاته فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد وأبو حامد الغزالي في إحيائه ولم يوجبها أكثر الفقهاء
واحتجوا بأن النبي أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا يثاب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه وخضوعه كما قال النبيإن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها ثلثها ربعها حتى بلغ عشرها وقال ابن عباس رضي الله عنهما ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها فليست صحيحة باعتبار ترتب كمال مقصودها عليها وإن سميت صحيحه باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة ولا ينبغي أن يعلق لفظ الصحة عليها فيقال صلاة صحيحة مع أنه لا يثاب عليها فاعلها
والقصد أن هذه الأعمال واجبها ومستحبها هي عبودية القلب فمن عطلها فقد عطل عبودية الملك وإن قام بعبودية رعيته من الجوارح
والمقصود أن يكون ملك الأعضاء وهو القلب قائما بعبوديته لله سبحانه هو ورعيته
يتبع إن شاء الله
فصل
ورحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب
العبودية
وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب اللسان والجوارح وعلى كل منها عبودية تخصه
والأحكام التي للعبودية خمسة واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارحفواجب القلب منه متفق على وجوبه ومختلف فيه
فالمتفق على وجوبه كالإخلاص والتوكل والمحبة والصبر والإنابة والخوف والرجاء والتصديق الجازم والنية في العبادة وهذه قدر زائد على الإخلاص فإن الإخلاص هو إفراد المعبود عن غيره
ونية العبادة لها مرتبتان
إحداهما تمييز العبادة عن العادة والثانية تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض
يربوالأقسام الثلاثة واجبة
وكذلك الصدق والفرق بينه وبين الإخلاص أن للعبد مطلوبا وطلبا فالإخلاص توحيد مطلوبه والصدق توحيد طلبه
فالإخلاص أن لا يكون المطلوب منقسما والصدق أن لا يكون الطلب منقسما فالصدق بذل الجهل والإخلاص إفراد المطلوب
واتفقت الأمة على وجوب هذه الأعمال على القلب من حيث الجملة
وكذلك النصح في العبودية ومدار الدين عليه وهو بذل الجهد في إيقاع العبودية على الوجه المحبوب للرب المرضي له وأصل هذا واجب وكماله مرتبة المقربين
وكذلك كل واحد من هذه الواجبات القلبية له طرفان واجب مستحق وهو مرتبة أصحاب اليمين وكمال مستحب وهو مرتبة المقربين
وكذلك الصبر واجب بإتفاق الأمة قال الإمام أحمد ذكر الله الصبر في تسعين موضعا من القرآن أو بضعا وتسعين وله طرفان أيضا واجب مستحق وكمال مستحب
وأما المختلف فيه فكالرضا فإن في وجوبه قولين للفقهاء والصوفية والقولان لأصحاب أحمد فمن أوجبه قال السخط حرام ولا خلاص عنه إلا بالرضا ومالا خلاص عن الحرام إلا به فهو واجب
واحتجوا بأثر من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سواي
ومن قال: هو مستحب قال لم يجىء الأمر به في القرآن ولا في السنة بخلاف الصبر فإن الله أمر به في مواضع كثيرة من كتابه
وكذلك التوكل قال ﴿إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين﴾
وأمر بالإنابة فقال ﴿ وأنيبوا إلى ربكم ﴾
وأمر بالإخلاص كقوله: ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ وكذلك الخوف كقوله: ﴿ فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ﴾ وقوله: ﴿ فلا تخشوهم واخشون ﴾
وقوله: ﴿ وإياي فارهبون ﴾
وكذلك الصدق قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ﴾وكذلك المحبة وهي أفرض الواجبات إذ هي قلب العبادة المأمور بها ومخها وروحها
وأما الرضا فإنما جاء في القرآن مدح أهله والثناء عليهم لا الأمر به قالوا وأما الأثر المذكور فإسرائيلي لا يحتج به
قالوا وفي الحديث المعروف عن النبي إن استطعت أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره النفس خيرا كثيرا وهو في بعض السنن
قالوا وأما قولكم لا خلاص عن السخط إلا به فليس بلازم فإن مراتب الناس في المقدور ثلاثة الرضا وهو أعلاها والسخط وهو أسفلها والصبر عليه بدون الرضا به وهو أوسطها فالأولى للمقربين السابقين والثالثة للمقتصدين والثانية للظالمين وكثير من الناس يصبر على المقدور فلا يسخط وهو غير راض به فالرضا أمر آخر وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم وظن أنهما متباينان وليس كما ظنه فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به راض به والصائم في شهر رمضان في شدةالحر متألم بصومه راض به والبخيل متألم بإخراج زكاة ماله راض بها فالتألم كما لا ينافي الصبر لا ينافي الرضا به وهذا الخلاف بينهم إنما هو في الرضا بقضائه الكوني وأما الرضا به ربا وإلها والرضا بأمره الديني فمتفق على فرضيته بل لا يصير العبد مسلما إلا بهذا الرضا أن يرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا
ومن هذا أيضا اختلافهم في الخشوع في الصلاة وفيه قولان للفقهاء وهما في مذهب أحمد وغيره
وعلى القولين اختلافهم في وجوب الإعادة على من غلب عليه الوسواس في صلاته فأوجبها ابن حامد من أصحاب أحمد وأبو حامد الغزالي في إحيائه ولم يوجبها أكثر الفقهاء
واحتجوا بأن النبي أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا يثاب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه وخضوعه كما قال النبيإن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها ثلثها ربعها حتى بلغ عشرها وقال ابن عباس رضي الله عنهما ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها فليست صحيحة باعتبار ترتب كمال مقصودها عليها وإن سميت صحيحه باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة ولا ينبغي أن يعلق لفظ الصحة عليها فيقال صلاة صحيحة مع أنه لا يثاب عليها فاعلها
والقصد أن هذه الأعمال واجبها ومستحبها هي عبودية القلب فمن عطلها فقد عطل عبودية الملك وإن قام بعبودية رعيته من الجوارح
والمقصود أن يكون ملك الأعضاء وهو القلب قائما بعبوديته لله سبحانه هو ورعيته
يتبع إن شاء الله
تعليق