If this is your first visit, be sure to
check out the FAQ by clicking the
link above. You may have to register
before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages,
select the forum that you want to visit from the selection below.
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
((الأدلة على إعادة بعض العبادات المختلة)) للناصح الأمين حفظه الله
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس! روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، قال: صدقت، قال عمر: فعجبنا له، يسأله ويصدقه، فقال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكة وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، فأخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، أخبرك عن أماراتها: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان، ثم انطلق، فلما ولى قال: ردوه، قال: هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم»، أي: فلم يدركوه.
اشتمل هذا الحديث العظيم على مراتب الدين، وصار كثير من أهل العلم يصنفون في جانب التوحيد في عقيدة أهل السنة على منواله، فيبدءون ببيان الإسلام وأركانه ونواقضه، ثم ببيان الإيمان وأركانه وشعبه، وعلاماته ومناراته ونواقضه، ثم ببيان الإحسان الذي اتفق أهل العلم أنه أرفع مراتب الدين مرتبة الإحسان: وهي أن العبد يعبد الله كأنه يراه رأي العين، وفي هذه الحالة يكون في غاية الخشية وفي غاية المحبة وفي غاية الطمأنينة، إذا عبد ربه كأنه يراه؛ وذلك أنك إن لم تكن تراه فإنه يراك، فالأمر لابد منه على الحالين؛ لابد من الإحسان، فالله بكل شيء محيط، إن الله لا تخفى عليه خافية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾[آل عمران:5]، فمن بلغ حاله كذلك أنه يعبد الله عز وجل راغباً راهباً خاشعاً كأنه يرى ربه، فإن هذا ينال من الله سبحانه وتعالى عظيماً من الأجور، وينال منه سبحانه وتعالى بركات من محاسن الأمور، لو لم يكن من ذلك إلا معية الله له، يقول الله عز وجل مبيناً من توفرت فيه تلك الصفة: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:126-128]، من بلغ أنه يعبد الله كأنه يراه في شدة المراقبة لله سبحانه وتعالى سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، أي مكان كان هو، فإنه مراقب لله، هذا حظي بمعية الله الخاصة له؛ أن الله معه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾[النحل:128]، ويحظى كذلك بمحبة رب العالمين سبحانه وتعالى، الذي من كانت له فقد ظفر بالسعادة العظيمة.
أيها العبد! إذا أحبك عبد صالح تفرح، فكيف إذا أحبك رب العالمين سبحانه وتعالى؟ ومن أحبه الله دافع عنه؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل، قال: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه».
المحبوب إلى الله دعاؤه مجاب لهذا الحديث: «ولئن سألني لأعطينه»، المحبوب إلى الله كروبه مفرجة، لهذا الحديث: «ولئن استعاذني لأعيذنه»، المحبوب إلى الله موفق الجوارح، لهذا الحديث: «كنت سمعه.. كنت بصره».. إلى آخره، معناه عند أهل العلم: أن يوفق هذه الجوارح لا تعمل إلا خيراً، المحبوب إلى الله عز وجل مسدد، فهذه المناقب عظيمة، ومع ذلك فإن الله عز وجل يجعل له الحب في سائر السماوات؛ لأن العباد عباد الله، والملك ملكه، إذا أحب عبداً أحبه من في السماوات بنداء جبريل، ثم يحبه أهل الأرض بنداء جبريل ويوضع له القبول.
هذا كله يستفيده من أحسن في عبادة الله عز وجل كأنه يراه، من بلغ رتبة الإحسان يستفيد ذلك وأكثر وأعظم منه، يقول الله سبحانه وتعالى مبيناً مضاعفة الأجور لمن بلغ درجة الإحسان، أن يعبد الله كأنه يراه، قال سبحانه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[آل عمران:133-134]، منهم هؤلاء المحسنون؟ هم الذين عبدوا الله خلوة وجهرة، سراً وجهاراً ليلاً ونهاراً كأنهم يرونه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[الملك:12-14]، هذه رتبة عظيمة، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾[الزمر:10]، فهذا المحسن الذي يعبد الله كأنه يراه، موعود بالحسنة في هذه الدنيا، وحسنة الله شاملة لساعدته في هذه الدنيا، بل وفي الآخرة، في هذه الدنيا حسنة يسعد بها: ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[الزمر:10]، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ﴾ [المرسلات:41-44].. الآيات، شاهدنا أنه يدخر لهم يوم القيامة أعمالهم وإحسانهم ورزقهم في هذه الدنيا يكون على أحسن حال رزقاً حسناً، ثبت ذلك في السنة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وإن المؤمن إذا عمل حسنة ادخرها الله عز وجل له يوم القيامة ويعقبه على ذلك رزقاً حسناً» أي: على عمله الصالح، وثبت نظيره من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جعل الدنيا همه فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين يعنيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن جعل الآخرة نيته جمع الله عليه شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة»، أي: أنه مرزوق، لابد أن الله يكرمه، الله قد وعد المحسنين بكل خير في الدنيا والآخرة، ولذلك نظائر في كتاب الله وسنة رسوله منها ما اقتطف في هذه الأدلة.
أيها الناس! احرصوا على أن تعبدوا الله كأنكم ترونه فيما بينكم وبين الله سبحانه وتعالى، وقد وعدكم بالزيادة أيضاً على ما يعطيكم مقابل أعمالكم، بالحسنة عشر أمثالها: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾[الأنعام:160]، قال: ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[البقرة:261]، وقال سبحانه: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾[يونس:26]، ومع ذلك لهم نظارة في الوجوه، ولهم كرم عند الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[يونس:26]، وفي الآية الأخرى: ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[البقرة:38]، كل هذا من ثواب الله سبحانه وتعالى لمن حقق رتبة الإحسان، فيعبد الله في السر كما يعبده في العلن، أمام الناس وبمفرده وفي أي حال، وهو مراقب لرب العالمين فيما يأتي ويذر ويقول ويفعل ويحرك ويسكن، كل ذلك يراقب فيه الله سبحانه وتعالى، هذه رتبة المحسنين وحال المحسنين.
أيها الناس! هذا الأمر العظيم لا تظنوا أنه في شأن دون آخر، بل هو شامل لحياة العبد المؤمن، روى مسلم في صحيحه عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، كل من ألفاظ العموم، هل هناك شيء في حياة المؤمن لا يتطلب فيه الإحسان؟ أبداً؛ ما من حركة أو سكنة في حياة المؤمن إلا وهو بحاجة أن يضيف الإحسان إليها وأن يجعل الإحسان إليها، ففي جانب الكلام: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾[الإسراء:53]، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة:83]، وفي جانب العشرة: ﴿فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة:229]، فهو مع الناس حسن الحال، ومع أهله حسن الحال، ومع ربه سبحانه وتعالى حسن الحال، مع القريب ومع العبيد على كل شيء.
وهكذا يتطلب أول ذلك توحيد الله؛ أن يحسن الإنسان عبادته لله، فيتفقه في دين الله ويتبصر فيه، ويعبد الله عبادة حسنة صحيحة حتى تكون مقبولة، موافقة للإخلاص والمتابعة: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾[البينة:5]، هذا هو الدين الذي أقامه الله عز وجل وارتضاه؛ أن يعبد وحده لا شريك له، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، وقال الله عن نبيه: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:11-15]، هذا هو الإخلاص لله، وهذا هو الإحسان في توحيد رب العالمين سبحانه وتعالى.
ثم الإحسان في الطهارة، لتعلم بهذه النماذج أن الإحسان شامل لحياة العبد ولسائر عباداته، الإحسان في الطهارة بدءاً بالنية، لا تصح طهارة من اغتسل من الجنابة ولا من اغتسل للجمعة، ولا من توضأ لصلاة من الصلوات من فرض أو نفل إلا أن يحسن فيها، فيصحح النية لله سبحانه وتعالى ويعقد النية أنه يريد تلك العبادة لا مجرد غسل التبرد، ولا مجرد تمسح وتنظف، للحديث المذكور، وبعد ذلك وضوؤه إذا اختل منه شيء من أركانه أو شروطه لا يقبل؛ لأنه تخلف فيه شيء من إحسانه الذي أمر الله به.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:6]، وذكرهم بنعمة الله سبحانه وتعالى على هذا التيسير والمنن منه سبحانه وتعالى، فلو أن إنساناً توضأ في سائر أعضائه وترك جزءاً يسيراً من أعضاء الوضوء ما قبل الله وضوءه، ولا صحت به صلاته، بل لو ترك لمعة يسيرة من أعضاء الوضوء، لم يترك يداً كاملة، ولا رجلاً كاملة، ولا يترك عضواً كاملاً؛ أخل بالاستنشاق أو أخل بالمضمضة، أو أخل بمسح الرأس، أو أخل ببعض المواضع من القدم وضوؤه باطل؛ لأنه لم يحسن وضوءه، وقد جاء في صحيح مسلم: «أن رجلاً توضأ فبقيت لمعة في رجلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك»، أي: تخلف الإحسان في هذا الوضوء، لذا لا يقبل الله عز وجل وضوءاً هذا حاله.
وعلى هذا فمن توضأ وفي جسمه مقداراً يسيراً كالظفر أو أقل من ذلك لم يبلغه من أعضاء الوضوء، فإن واجباً عليه أن يعيد الصلاة؛ على قول الجمهور: متى ذكر ذلك، وعلى قول من عداهم: مادام الوقت باقياً، فإن صلى على ذلك الحال لا يقبل الله صلاته، لما ثبت في الآية المذكورة ولما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول»، ولما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ».
فانظر كيف أهمية الإحسان، إن اختل شيء يسير في الإحسان اختلت العبادة، صلاة تصير باطلة.
ثم ينتقل إلى مرحلة الصلاة، ودخل في الصلاة واتجه إلى غير القبلة لا تقبل صلاته؛ لأنه والحال ذلك لم يحسن كما أمر الله عز وجل، فالله أمره بالإحسان بقوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾[البقرة:144].. الآية، صلاته باطلة، سواء اتجه إلى غير القبلة عمداً وقصداً أو جهلاً ونسياناً، كل ذلك وصلاته باطلة للآية المذكورة، وهكذا بعد دخوله في الصلاة أيضاً إذا شرع في الصلاة للقبلة مباشرة، ولو كان مشاهداً لها ومعايناً لها، ولم يعط الصلاة إحسانها المطلوب، فإن صلاته لا تصح، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه حين أتى ذلك الرجل وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، وسمي هذا الرجل: المسيء في صلاته، رجل من الصحابة رضوان الله عليه: «ارجع فصل»، أي: لم تحسن صلاتك، لم تصلها على ما أمر الله من الإحسان فيها، فعل ذلك مرتين وهو يصلي، ثم يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه، وهو يرده ويأمره أن يعود فيحسن صلاته، ثم علمه الإحسان فيها: «إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة، ثم كبر، ثم اقرأ ما تيسر من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تعتدل قاعداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»، علمه الإحسان، عبادة بغير إحسان مرفوضة، ما هي مقبولة البتة.
وانظر إلى أمر الأذان أيضاً، من أداه على غير ما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان فيه لا يقبل، وكذا الصلاة بعده، من إحسان الصلاة ومن إحسان الأذان أن يكون في الوقت، فلو أن إنساناً أذن في غير الوقت، أو صلى في غير الوقت لا يقبل أذانه ولا صلاته، فرضاً كان أو نفلاً مما يتعلق بتلك الصلاة، لقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن مالك بن الحويرث: «فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أقرؤكم -وفي رواية-: أكبركم».
الشاهد: عند عامة أهل العلم أن الأذان والصلاة في غير وقتها ولو تقدمت ببضع دقائق لا تصح، تخلف إحسانها المأمور به شرعاً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو أن إنساناً توضأ ونكس الوضوء، فبدأ بقدميه ثم يديه ثم وجهه لم يرتب، وضوء مرفوض؛ لأنه تخلف فيه الإحسان الموصوف في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد من الترتيب بدءاً بغسل الكفين سنة، ثم المضمضة والاستنشاق، ثم غسل الوجه، ثم اليدين إلى المرفقين، ثم مسح الرأس، ثم القدمين إلى الكعبين حتى شرع في الساق، هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فيما يضده: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، فالقول بصحة الوضوء مع عدم الترتيب قول غير صحيح، بل ومع عدم الموالاة أيضاً: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، فلو أن إنساناً توضأ هنا؛ غسل وجهه ثم يديه ثم عمد إلى صعدة بعد أن نشفت أعضاؤه وأكمل قدميه كان هذا الوضوء غير صحيح، اختل فيه الموالاة، فينبغي أن يغسل عضواً حتى يكمله، ثم ينتقل إلى الآخر مباشرة، وإذا كان هناك شيء يسير من الفوت والفرق بحيث لا ينشف عضو قبل الآخر فلا بأس، أما أن ينشف العضو وهو لم يغسل الآخر يعيد الوضوء من أوله إلى آخره عملاً بالموالاة، بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل غير الموالاة والترتيب ولا يتوضأ وضوءاً منكساً، ولا يصلي على غير طمأنينة.
وهكذا قل في أمر الزكاة الذي يخرجها من الدنانير أخرجها على غير ما أبان إحسانه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أمر بإخراجها صاع من تمر أو صاعاً من شعير، وفي حديث أبي سعيد ما يدل على أنه يخرج من غالب قوت البلد، فمن أخرجها غير ذلك مفروضة، خالف فيها الإحسان الموصوف بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأمر الرحمن سبحانه وتعالى، الذي هو أعلم بعباده من عباده، من أخرجها من الدراهم وجب عليه أن يعيدها مما أبان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان.
والصيام، من صام على غير هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلا قليل، أو عقد الصيام من وسط النهار، فإن صومه مرفوض: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[البقرة:187]، ليس هناك صوم نصف نهار، وما جاء من قصة عاشورا أمر منسوخ بهذه الشرعية، أي: بما جاء في القرآن بآية الصيام في سورة البقرة.
وهكذا قل في الحج وما إلى ذلك من التفريعات المتعلقة بكل فصل وفي كل مسألة: «خذوا عني مناسككم»، «الحج عرفة»، من وقف في غير عرفة في سائر حجه أو لم يدرك الوقوف بعرفة لم يأت بالإحسان في الحج حجه باطل، من ترك طواف الإفاضة أو ترك التطوف بين الصفا والمروة، فإن حجه لا يصح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عقرى حلقاء حابستنا هي»، أي: لابد من الاحتباس على ذلك الطواف؛ لأنه أمر مطلوب وشرط من شروط الحج، وقالت عائشة: والله يا بني ما قبل الله حج من لم يطوف بينهما، أي: بين الصفا والمروة، وكثير من هذا العمل وما يفعله أيضاً بعض الناس من الرمي قبل الزوال في الأيام الثلاثة، هذا من المحدثات، لابد من إعادة ذلك؛ لأنه تخلف عنه أمر الإحسان، انتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى زالت الشمس وذهب يرمي عمداً وقصداً، مع كثرة أشغاله وأعماله في ذلك اليوم، مما يدل على أن رمى في تلك الأيام قبل الزوال يجب عليه أن يعيد؛ لأن رميه الأول لم يحسن فيه، ومن لم يرتب في رمي الجمار فلم يبدأ بها كما جاء في السنة يجب أن يعيد، فيبدأ برمي الصغرى، ثم الوسطى ثم العليا في سائر الثلاثة الأيام، من نكس وجب عليه الإعادة: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وهكذا تتوالى الأدلة في أمر الإحسان، من أخل به في أمر يسير أو قليل كان ذلك خلل في دينه، خلل في خلقه، خلل في معاملته، خلل في عبادته حسب خلله بذلك الإحسان بين مستقل ومستكثر.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
خلق الله العباد لعبادته على ما أمر به وعلى ما علمه لهم، وابتلاهم بذلك، فقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك:1-2]، فالله ابتلى العباد، وكانت بلوى الله سبحانه وتعالى للعباد منوطة بالإحسان، فمن أحسن في عبادة الله كان قربه من الله سبحانه وتعالى بقدر إحسانه، ومن أساء في عبادة الله سبحانه وفي سائر حياته حياة ذلك العبد كان بعده الله بقدر ما أساء، فإن عبادة الله سبحانه وتعالى مضبوطة بأوامر ونواهي وقيود، سواء كان تعاملك مع الخلق أو تعاملك مع الرب سبحانه أو فيما بينك وبين نفسك أو ظاهرك وباطنك، كل ذلك مضبوط عند الله لا تخفى على الله منه خافية، قال الله سبحانه: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الكهف:49]، يجد أحدهم مثاقيل الذر من إحسان وغير إحسان، كل ذلك موجود: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾[الزلزلة:7-8]، ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾[الأنبياء:47].
إن الله عز وجل أعلم بعباده، فيعطي من شاء من عباده على قدر إحسانه، ويحرم من شاء من عباده على قدر إساءته، وقال سبحانه: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾[الليل:5-10].
تعليق