التعريف الموجز بالإمام الوادعي ، وفيه خمسة مباحث.
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته.
المبحث الثاني: حياته العلمية وأشهر شيوخه .
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته .
المبحث الرابع: آثاره العلمية
المبحث الخامس: وفاته
المبحث الأول:اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته
هو الشيخ , الزاهد , العلامة , الفقيه , المحدث , إمام عصره , شيخ الإسلام , أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي بن مقبل بن قايدة الوادعي ثم الهمداني , مات أبوه رحمه الله وهو صغير لا يعرفه فعاش يتيما وبقي في حضانة والدته رحمها الله فترة , وكانت تطلب منه أن يشتغل في المال , وتأمره أن ينظر في حال مجتمعه كي يكون مثلهم فيعرض عن ذلك ويقول لها سأذهب أدرس فتقول له : الله يهديك , تدعو له بالهداية كما أخبرتني غير واحدة من القريبات اللاتي أدركن ذلك الحين , ولعل دعوة والدته وافقت ساعة استجابة فصار من المهتدين , وصار هادياً مهدياً , وعالما ً شهيراً نحسبه زكيا , ونشأ في بيئة ساد فيها الجهل والشرك والخرافات والغلو في أهل البيت فكان الدين كله هو حب أهل البيت ملأ ذلك حاضرها وباديها , ولم يكن أحد يعينه على الخير وعلى طلب العلم والاستقامة ,ولم يكتفوا بذلك بل زاد كبراءهم الطين بلة , فحاربوه وآذوه وأثاروا عشيرته والعوام أيما إثارة عليه وهموا بقتله .( )
المبحث الثاني: حياته العلمية , وأشهر شيوخه
إن الأحاديث النبوية ,والآثار المحمدية أصل العلوم بعد القرآن، وقاعدة الشريعة , وأركان الإيمان ، وقد ضل أقوام على مدى الأزمان، لغفلتهم عن هذا الأصل بعد القرآن , فتخبطوا في بعض البدع , والضلالات ، وما هو شر منها من الإلحاد , والشركيات، حتى أتى على الناس زمان ما كان يعرف فيه إلا التعصب لفلان , وفلان من أرباب التمذهب , وعلماء الكلام ، فقل الخير , وزاد الشر والضير.
وفي أثناء ذلك كله يبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة الدين , وما اندرس من السنن ، إلا أن اليمن مع هذا كانت لا تزال في غياهب الجهالات ، من التصوف , والاعتزال المهلكات بعد الأئمة المحدثين كمعمر , وعبد الرزاق اللذين طلبا الحديث من الآفاق ، رغم أنه كان يتخلل هذه الفترة نهضات علمية على أيدي علماء أجلاء كابن الوزير , والصنعاني , والشوكاني , وغيرهم ، إلا أن ثمرتها لم تكن كثمرة دعوة عبد الرزاق ومعمر ثم شيخنا رحمه الله .
ثم بعث الله لليمن من يجدد لها الدين , ويحيي السنن، ويذود عن سنة رسول الله ، وينفي عن الدين تحريف الغالين , وانتحال المبطلين.
فانبثق نور شع في اليمن كلها ، وتعداها إلى ما وراء البحار من بلاد العرب والعجم وغيرها من الديار ، فصار الناس بعده إلى السنن والآثار ، ونبذوا التصوف والاعتزال، والتشيع وغيرها من الأغلال.
ذلك النور هو شيخنا العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله الذي رحل إليه طلاب العلم من سائر الديار ، ينهلون من علم القرآن , والسنة , والآثار ، فأظهر الله على يده خيراً عظيماً ؛ أغاظ أهل البدع ,والأهواء,والضلالات , فأجمعوا كيدهم ,ومكرهم،لإطفاء هذا النور الذي كشف عوارهم وفضحهم ، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ، وأعادوا الكرة بعد الكرة , وفي كل مرة لا تنجح الفكرة.
ثم لجئوا بعد الإفلاس , والإملاق إلى البهت , والكذب، تشويها لسيرة الشيخ , ودعوته، واستعانوا على ذلك بفئات من أهل الدنيا , والتحزبات، فقام الشيخ بالخطب , والمحاضرات ، تبييناً لسبيل الدعوة , ونقضاً للافتراءات ، ثم ألف كتابه هذه دعوتنا , وعقيدتنا، فبين فيه سبيل الدعوة المباركة ، وتضمن الكتاب ذكر ما ألفه طلبة العلم , وعلى رأسهم شيخنا رحمه الله .
وقد وفق شيخنا رحمه الله توفيقاً عظيماً، ووضع الله فيه بركةً جمة ، فمع أنه نشأ يتيماً في حجر أم تنهاه عن العلم ، وترغبه في الدنيا - نسأل الله أن يغفر لها وله - ومع ترعرعه في بيئة زيدية طغى عليها الجهل ، حتى أنه ليحرم فيها القبيلي من أمثال الشيخ من إتقان القراءة والكتابة، ويعاب عليه ذلك فضلاً عن طلب العلم، ومع طلبه المتأخر للعلم الشرعي - فقد طلب العلم في أرض الحرمين , وعمره خمسة وثلاثون عاما تقريباً، ومع هذا قيض الله على يديه خيراً كبيراً بالمقارنة مع بعض الأئمة المعاصرين الذين نشئوا في أول أمرهم في بيئة علمية - ، ومع تكالب الأعداء عليه من كل مكان، ومع حالته الصحية المتردية.
مع كل هذا وذاك فقد أقام الله به اليمن دعوة ملأت الأرجاء في غضون عشرين سنة، لا تكاد تسمع لهذه الدعوة نظيراً في اليمن بعد عصر الإمامين معمر وعبد الرزاق.
ومع انشغاله رحمه الله بالدعوة والتدريس ورّث الأمة أكثر من خمسين مؤلفا منه "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين"، الذي يساوي وحده الدنيا بأسرها، إذ هو تتمة للصحيحين .( )
دراسته ومشايخه :
يقول الشيخ : درست في المكتب حتى انتهيت من منهج المكتب، ثم ضاع من العمر ما شاء الله في غير طلب علم، لأنه ما كان هناك من يرغب أو يساعد على طلب العلم، وكنت محباً لطلب العلم، وطلبت العلم في جامع الهادي فلم أساعد على طلب العلم، وبعد زمن اغتربت إلى أرض الحرمين ونجد، فكنت أسمع الواعظين ويعجبني وعظهم، فاستنصحت بعض الواعظين ما هي الكتب المفيدة حتى أشتريها؟ فأرشد إلى "صحيح البخاري"، "وبلوغ المرام"، و"رياض الصالحين"، و"فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"، وأعطاني نسيخات من مقررات التوحيد، وكنت حارساً في عمارة الحجون بمكة، فعكفت على تلك الكتب، وكانت تعلق بالذهن لأن العمل في بلدنا على خلاف ما فيها، خصوصا "فتح المجيد" .
وبعد مدة من الزمن رجعت إلى بلدي أنكر كل ما رأيته يخالف ما في تلك الكتب من الذبح لغير الله، وبناء القباب على الأموات، ونداء الأموات، فبلغ الشيعة ذلك، فأنكروا ما أنا عليه، فقائل يقول منهم: من بدل دينه فاقتلوه، وآخر يرسل إلى أقربائي يقول إن لم تمنعوه فسنسجنه، وبعد ذلك قرروا أن يدخلوني "جامع الهادي" من أجل الدراسة عندهم لإزالة الشبهات التي قد علقت بقلبي، ويدندن بعضهم بقول الشاعر:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وبعد ذلك دخلت للدراسة عندهم في جامع الهادي ومدير الدراسة القاضي (مطهر حنش)، فدرست في "العقد الثمين"، وفي "الثلاثين المسألة وشرحها" لحابس، ومن الذين درسونا فيها (محمد بن حسن المتميز) وكنا في مسألة الرؤية فصار يسخر من ابن خزيمة , وغيره من أئمة أهل السنة، وأنا أكتم عقيدتي، إلا أني ضعفت عن وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة وأرسلت يدي ، ودرسنا في "متن الأزهار" إلى النكاح مفهوما ومنطوقا، وفي شرح الفرائض كتاب ضخم فوق مستوانا فلم أستفد منه.
فلما رأيت الكتب المدرَّسة غير مفيدة، حاشا النحو فإني درست عندهم "الآجرومية" ,و"قطر الندى"،ثم طلبت من القاضي (قاسم بن يحي شويل) أن يدرسني في "بلوغ المرام"، وأنكر علينا ذلك ثم تركنا، فلما رأيت أن الكتب المقررة شيعية معتزلية قررت الإقبال على النحو فدرست "قطر الندى" مراراً على (إسماعيل حطبة) رحمه الله في المسجد الذي أسكن فيه ويصلي فيه وكان يهتم بنا غاية الاهتمام، وفي ذات مرة أتى إلى المسجد (محمد بن حورية) فنصحته أن يترك التنجيم فنصحهم أن يطردوني من الدراسة، فشفعوا لي عنده وسكت، وكان يمر بنا بعض الشيعة ونحن ندرس في "القطر" ويقول: (قبيلي صبن غرارة) بمعنى أن التعليم لا يؤثر في وأنا أسكت وأستفيد في النحوحتى قامت الثورة ,وتركنا البلاد ,ونزلنا إلى نجران ولازمت (أبا الحسين مجد الدين المؤيد), واستفدت منه خصوصاً في اللغة العربية , ومكثت بنجران قدر سنتين، فلما تأكدت أن الحرب بين الجمهورية والملكية لأجل الدنيا عزمت على الرحلة إلى الحرمين ونجد، وسكنت بنجد قدر شهر ونصف في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للشيخ (محمد بن سنان الحدائي) حفظه الله، ولقد كان مكرماً لي لما رأى من استفادتي وينصحني بالاستمرار مدة حتى يرسلني إلى (الجامعة الإسلامية)، فتغير علي الجو بالرياض، وعزمت على السفر إلى مكة، فكنت أشتغل إن وجدت شغلاً، وأطلب العلم في الليل أحضر دروس الشيخ(يحي بن عثمان الباكستاني) في "تفسير ابن كثير"، والبخاري، ومسلم.
وأطالع في الكتب والتقيت بشيخين فاضلين:
أحدهما: القاضي (يحي الأشول) صاحب معمرة، فكنت أدرس عنده في "سبل السلام" للصنعاني ويدرسني في أي شيء أطلب منه.
الثاني: الشيخ (عبد الرزاق الشاحذي المحويتي) وكان أيضا يدرسني فيما أطلب منه.
ثم فتح معهد الحرم المكي , وتقدمت للاختبار مع مجموعة من طلبة العلم، فنجحت والحمد لله، وكان من أبرز مشايخنا فيه الشيخ (عبد العزيز السبيل)، ودرست مع بعض طلبة المعهد عند الشيخ (عبد الله بن حميد) رحمه الله في "التحفة السنية" بعد العشاء في الحرم، فكان رحمه الله يأتي بفوائد من "شرح ابن عقيل" وغيره، وكانت فوق مستوى زملائي فتملصوا، فترك رحمه الله الدرس ,ودرست مع مجموعة من الطلاب عند الشيخ (محمد السبيل) حفظه الله شيئاً من الفرائض.
وبعد الخروج من المعهد خرجت للإتيان بأهلي من نجران فأتيت بهم وسكنا بمكة مدة الدراسة في المعهد ست سنين والدراسة في الحرم نفسه، وبركة دراسة المساجد معلومة، ولا تسأل عن أنس وراحة كنا فيها، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده".
النهار في دراسة المعهد، والدروس كلها تخدم العقيدة والدين، ومن بعد العصر إلى بعد العشاء في الحرم نشرب من ماء زمزم الذي قال النبي فيه: "إنه طعام طعم وشفاء سقم" , ونسمع من الواعظين القادمين من الآفاق لأداء حج أو عمرة.
ومن المدرسين في الحرم بين مغرب وعشاء الشيخ (عبد العزيز بن راشد النجدي) صاحب "تيسير الوحيين في الاقتصار على القرآن والصحيحين" , وله فيه أخطاء لا نوافقه عليها , وكان رحمه الله يقول : الصحيح في غير الصحيحين يعد على الأصابع , فبقيت كلمته في ذهني منكراً لها حتى عزمت على تأليف " الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين " فازددت يقيناً ببطلان كلامه رحمه الله , وكان رحمه الله رجل التوحيد , وله معرفة قوية بعلم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه , ومعلوله من سليمه ...
ومن مشايخي في الحرم المكي الذين استفدت منهم الشيخ (محمد بن عبد الله الصومالي) فقد حضرت عنده حوالي سبعة أشهر أو أكثر، وكان رحمه الله آية في معرفة رجال الشيخين، ومنه استفدت كثيراً في علم الحديث، على إني بحمد ربي من ابتدائي في الطلب لا أحب إلا علم الكتاب والسنة.
وبعد الانتهاء من معهد الحرم من المتوسط والثانوية، وكل الدروس دينية، انتقلنا إلى المدينة إلى الجامعة الإسلامية، فحول أكثرنا إلى كلية الدعوة وأصول الدين، وأبرز من درسنا فيها الشيخ (السيد محمد الحكيم) والشيخ (محمود عبد الوهاب فائد) المصريان.
وعند إن جاءت العطلة خشيت من ذهاب الوقت وضياعه فانتسبت في كلية الشريعة، لأمرين: أحدهم: التزود من العلم، الثاني: إن الدروس متقاربة , وبعضها متحدة، فهي تعتبر مراجعة لما درسناه في كلية الدعوة وانتهيت بحمد الله من الكليتين، وأعطيت شهادتين وأنا بحمد الله لا أبالي بالشهادات، المعتبر عندي هو العلم.
وفي عام انتهائنا من الكليتين فتحت في الجامعة دراسة عالية ما يسمونه بالماجستير، فتقدمت لأخبار المقابلة ونجحت بحمد الله وهي تخصص في علم الحديث، وبحمد الله حصلت الفائدة التي أحبها، وكان من أبرز من درسنا الشيخ (محمد أمين المصري) رحمه الله، والشيخ (السيد محمد الحكيم المصري) وفي آخرها الشيخ (حماد بن محمد الانصاري) وكنت أحضر بعض الليالي درس الشيخ (عبد العزيز بن باز) في الحرم المدني في صحيح مسلم، وأحضر كذلك مع الشيخ (الألباني) في جلساته الخاصة بطلبة العلم للاستفادة.
ومنذ كنت في الحرم المكي وأنا أدرس بعض طلبة العلم في "قطر الندى" وفي "التحفة السنية"، وعند أن كنت بالمدينة كنت أدرس بعض إخواني بالحرم المدني في "التحفة السنية" ثم وعدت إخواني في الله بدروس في بيتي بعد العصر في "جامع الترمذي"، و"قطر الندى"، و"الباعث الحثيث"، وانتشرت دعوة كبيرة من المدينة ملأت الدنيا في مدة ست سنوات، بعض أهل الخير هم الذين يسعون في تمويلها، و(مقبل بن هادي) وبعض إخوانه هم الذين يقومون بتعليم إخوانهم، وأما الرحلات للدعوة إلى الله في جميع أنحاء المملكة فمشتركة بين الإخوان كلهم، طالب العلم للتزود من العلم ولإفادة الآخرين، والعامي للتعلم، حتى استفاد كثير من العامة وأحبوا الدعوة.
ولما وصلت إلى اليمن عدت إلى قريتي ومكثت بها أعلم الأولاد القرآن، فما شعرت إلا بتكالب الدنيا عليَّ، فكأني خرجت لخراب البلاد والدين والحكم، وأنا آنذاك لا أعرف مسئولا , ولا شيخ قبيلة فأقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وإذا ضقت أذهب إلى صنعاء أو إلى حاشد، أو إلى ذمار، وهكذا إلى تعز و إب والحديدة، دعوة وزيارة للإخوان في الله.
وبعد هذا مكثت في مكتبتي - بعد مشقة ومساعدة بعض الإخوان في استردادها - وما هي إلا أيام وفتحت دروساً مع بعض الإخوة المصريين في بعض كتب الحديث وبعض كتب اللغة، وبعد هذا مازال طلبة العلم يفدون من مصر، ومن الكويت ومن أرض الحرمين ونجد... وكثير من البلاد الإسلامية وغيره. ( )
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته
أولا : إمامته :
لا يشك منصف أن الإمام العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله من العلماء الراسخين الذين أفتوا أعمارهم في العلم والتعليم , ولا شك في إمامته في جميع فنون العلم , في العقيدة , و التفسير , والحديث , والفقه , واللغة , وغيرها من العلوم و يشهد لتبحره وتفننه كتبه المتنوعة في جميع هذه الأبواب , وسيأتي بيانها في فصل خاص .
ثانيا : مكانته :
كان شيخنا رحمه الله شغوفا ومحبا للعلم عامة وعلم الحديث خاصة وقد وهب نفسه رحمه الله للعلم والتعليم فأحيا الله به أمة وخلقا كثيرا وأحيا العلم مذاكرة وعلما وتعليما وتأليفا ودعوة إلى الله سفرا وحضرا فكانت مكانته في النفوس عالية , ومنزلته مرموقة .
* مكانته في علم العلل خاصة :
لا يخفى أن علم العلل من العلوم الدقيقة التي لم يتخرج منها ويبرز فيها إلا جهابذة النقاد كما في كثير من أقوالهم حول هذه العبارة , وشيخنا رحمه الله نادرة من نوادر هذا العلم في زمنه رحمه الله , ولا يزال طلابه ومحبيه وممن يعكف على كتبه يغترفون من جهوده وعلومه التي أبرزها ويتتلمذون على طريقته التي انتهجها , تلك الطريق التي لا تخالف سير الأئمة المتقدمين الذين هم نوادر هذا العلم .
يقول الشيخ : وإنني أحمد الله فبسبب كثرة الممارسة لهذا الفن في الكتابة على تتبع الدارقطني واستدراكه على البخاري ومسلم وهو من كتب العلل فقد سهلت عليَّ بعض الشيء ، ومع هذا فلا أزال أهاب هذا الفن , وكتابي " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " أغلبها نقل من كتب علمائنا رحمهم الله . ( )
ويقول في بيان منهج تصحيحه وتعليله:"قاعدتي في الحكم على الحـديث أنّني أبحث في كتـب المحدثين، فإن وجدت حكمًا لمحدث نقلته، ثم نظرت في رجال السّند فإن ظهر لي خلاف ذلك الحكم من تصحيح ,أو تضعيـف, عقّبت به على حكمه، وإلا أقررته كما هو، وأعتقد أنّ هذه الطريقـة أسلم، فقد يظن الـباحث أنّ السنـد صحيح , ويكون قد اطلع العلماء على عـلّة فيه، وقد يصححه متسـاهل، فيتناقله من بعده معتمدين على تصحيحه،من أجـل هـذا ألزمت نفسي بالجمع بين البحث عمّا قاله العلمـاء،والنظر في السـند،وأيضًا النـّاس يطمئنون إلى تصحيح المتقدمين لعلمهم أنّهم أوسع علمًا من المتأخرين فإذا لم أجد لهم كلامًا حكمت على الحديث بظاهر السّند.( )
المبحث الرابع: آثاره العلمية
خلف الشيخ رحمه الله تعالى ثروة علمية عظيمة منها ما ألفه خارج اليمن , ومنها مؤلفات باليمن وهي الأكثر , وقد ذكرت مرتبة ترتيبا زمنيا في كتابه : ’’ الترجمة ‘‘ ( ) كالتالي :
1 - " الطليعة في الرد على غلاة الشيعة "كتبها رحمه الله وهو بمعهد الحرم وهي مطبوعة مع " رياض الجنة " .
2- " تحريم الخضاب بالسواد " . كتبها رحمه الله وهو بمعهد الحرم وهي مطبوعة في كتيب غلاف , وجمعت أيضا مع عدة رسائل في مجلد لطيف .
3- "شرعية الصلاة في النعال." كتبها بالمدينة , وهي مطبوعة في كتيب غلاف , وجمعت أيضا مع عدة رسائل في مجلد لطيف .
4- "الصحيح المسند من أسباب النزول. " قدمه -رحمه الله - رسالة لكلية الدعوة , وهو مطبوع .
5- "حول القبة المبنية على قبر الرسول ." قدمه رسالة لكلية الشريعة , مطبوع في آخر :" رياض الجنة " .
6- تحقيق ودراسة كتابي " الإلزامات , والتتبع " للدارقطني , قدم رسالة ماجستير للدراسات العليا , وهو مطبوع , وسيطبع طبعة جديدة مصححة إن شاء الله .
وأما المؤلفات في اليمن :
"الشفاعة."
" رياض الجنة في الرد على أعداء السنة."
"تحقيق مجلدين من تفسير ابن كثير وصل إلى أول سورة المائدة ".
"الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين."
"السيوف الباترة لإلحاد الشيوعية الكافرة. "
"المخرج من الفتنة."
"إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن " .وهو تعليقات على الرسالة الوازعة للمعتدين على سب الصحابة ".
"الصحيح المسند من دلائل النبوة " .
"الإلحاد الخميني في أرض الحرمين."
" الجامع الصحيح في القدر ".
" ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر " .
" الجمع بين الصلاتين في السفر " .
" قرة العين في أجوبة قائد العلابي وصاحب العدين ".
" الفواكه الجنية من الخطب والمحاضرات السنية ".
" المصارعة ".
"قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد. "
" الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين ".
"إجابة السائل عن أهم المسائل".
"أحاديث معلة ظاهرها الصحة ".
" مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني رحمه الله ".
" غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة ".
" تتبع أوهام الحاكم في المستدرك التي لم ينبه عليها الذهبي ".
" تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني. "
"غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل."
"إيضاح المقال في أسباب الزلزال."
" إعلان النكير على أصحاب عيد الغدير."
"إقامة البرهان على ضلال عبد الرحيم الطحان."
"فضائح ونصائح."
"البركان لنسف جامعة الإيمان."
"إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي."
"تحفة المجيب عن أسئلة الحاضر والغريب."
"الزنداني ومجلس الشورى للشيخات في اليمن."
"صعقة الزلزال لنسف أباطيل أهل الرفض والاعتزال " .
ومما لم يذكره الشيخ :
"المقترح في أجوبة المصطلح ".
"ذم المسألة ".
"الباعث على شرح الحوادث" .
"ترجمة الشيخ بقلمه , ومعها : هذه دعوتنا وعقيدتنا ".
"رجال الحاكم الذين لم يترجموا في تهذيب التهذيب " .
"تراجم رجال الدارقطني في سننه الذين ليسوا في التقريب ولا في رجال الحاكم ".
"القول الأمين في أخطاء المذبذبين ".
"نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أهل العلم في أبي حنيفة ".
"الديباج في رثاء سماحة الشيخ ابن باز ".
"حكم تصوير ذوات الأرواح" .
"مشاهداتي في المملكة العربية السعودية ".
ومما لم يطبع للشيخ رحمه الله تعالى :
"الجامع الصحيح من التفسير بالمأثور ".
المبحث الخامس: وفاته
كانت وفاته –رحمه الله تعالى - مع غروب شمس السبت 30 ربيع الآخر 1422هـ/2001م في مدينة جدة بعد رحلة علاجية دامت أكثر من سنة.
الفصل الثاني:التعريف ببعض الكتب التي ألفها
وفيه مباحث:
المبحث الأول:
الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
موضوعه، وخصائصه، وقيمته .
المبحث الثاني:
أحاديث معلة ظاهرها الصحة
موضوعه،وخصائصه، وقيمته .
المبحث الأول: الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
موضوعه، وخصائصه، وقيمته .
موضوع هذا الكتاب يتضح جليا من اسمه وهو (( الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) أي أنه كتاب جمع فيه الشيخ أحاديث صحيحة انتقاها وهي ليست موجودة في ((الصحيحين )) .
قال الشيخ في مقدمة الكتاب ( ): " وكنت أتمنى لو قدر لي أن أجمع مجموعة من الحديث الصحيح , تضاف إلى ((الصحيحين)) تكون نقية من الأحاديث الضعيفة والموضوعة . "
ويقول الشيخ رحمه الله مبينا هذا الجهد الذي كتبه : " فإني بحمد الله قد نظرت في أكثر كتب السنة الموجودة بمكتبتي , ولكن شرطي فيه شديد ؛ فإني إذا أردت أن أكتب الحديث انظر ((تحفة الأشراف)) هل اختلف في رفع الحديث ووقفه ,أو وصله وانقطاعه ؟ فإن ترجح لي الرفع كتبته .
وهكذا انظر في كتب العلل إذا كان الحديث معللا بعلة قادحة تركته , وإذا شككت في الحديث تركته , وقد فعل هذا الإمام مالك كما في ((مناقب الشافعي )) (ج1 ص 503) , وعفان بن مسلم ففي ((تقريب التهذيب )) قال ابن المديني : كان إذا شك في حرف من الحديث تركه , وربما وهم .
وفي ((تهذيب التهذيب)) أن علي بن المديني قال :((إن عفان شك في حديث فضرب على خمسة أسطر )) . ورب حديث سنده كالشمس بعد النظر في كتب أهل العلم تظهر فيه علة ..." ( )
وقال الشيخ : هذا ومما لا أعرج عليه ما إذا كان التابعي يرسل ولم يذكروا أنه سمع من ذلك الصحابي , ولا أنه لم يسمع منه , ولم أجد الشيخين رحمهما الله قد أخرجا له عن ذلك الصحابي , فهذا مما أتوقف في الإخراج عنه .
ومنها أن يكون التابعي مكثرا , والصحابي مكثرا أيضا , ولم يصرح بالتحديث عن ذلك الصحابي , ولم يخرج له الشيخان عنه , فهذا مما أتوقف فيه , وإن لم يكن التابعي ممن قيل فيه يرسل , ولا يقال إن عنعنة غير المدلس مقبولة فإنه مقيد بما إذا قد سمع منه فعنعنة غير المدلس عمن سمع منه محمولة على السماع .
ومنها أن يكون الراوي لم يوثقه معتبر ,وليس مشهورا بالطلب فإني أتوقف فيه , فإن كان قد روى له الشيخان فإني أتوقف فيما كان خارج ’’الصحيحين‘‘, ولست بحمد الله أجهل انتقاد الحافظ الذهبي في ’’الميزان‘‘ لابن القطان حيث جهل بعض من روى عنه جماعة كمالك بن الخير المصري , ولكني غير مقتنع بكلام الحافظ الذهبي فالذي يظهر لي أنه لا بد من توثيق من معتبر أو شهرة في الطلب كما في فتح المغيث , والله أعلم .
ثم إن هذه ليست قاعدة مطردة , فرب راو يروي عنه جماعة , ويقول الحافظ الذهبي في ’’الميزان ‘‘لم يوثق , ويقول الحافظ فيه : مقبول , فهي مسألة اجتهادية .
ورب حديث قد صححه علماؤنا الأفاضل المعاصرون, فأرى فيه علة فأعرض عنه صفحاً وربما ذكرته في"أحاديث ظاهرها الصحة وهي معلة ".( )
المبحث الثاني: أحاديث معلة ظاهرها الصحة
موضوعه، وخصائصه، وقيمته
موضوع هذا الكتاب جاء نتيجة بحثٍ وكدٍ للشيخ رحمه الله في أثناء عمله الكبير ومشروعه الجليل "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ".
قال الشيخ العلامة الوادعي رحمه الله في مقدمة كتابه أحاديث معلة ظاهرها الصحة ( ): « فإني في بحث الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين كانت تمر بي أحاديث ظاهرها الصحة , فأجدها في كتاب آخر معلة , وربما يطلع عليها باحث من الإخوة الباحثين فيظن أنها مما يلزمني إخراجه , فأفردت لها دفتراً حتى اجتمع لدي نحو أربعمائة حديث .... ».
هذا بداية ثم بعد ذلك ربما استدراك على نفسه أحاديث كان صححها وذكرها في الصحيح المسند فظهرت له علة فيتراجع عن تصحيح الحديث , ويذكره في كتابه أحاديث معلة ,وربما استدرك عليه بعض طلابه شيئا من ذلك فيتقبله بسعة صدر قلما توجد ويضعه في هذا الكتاب الذي لا يقل نفاسة عن غيره من كتب الشيخ , بل إني لأعتبره الأنموذج المفيد لطالب علم الحديث الذي درس من المصطلح ما يوصله إلى علم العلل فإن هذا الكتاب ميدان رحب لأمثلة عملية وتطبيقية للدراسة النظرية في علم المصطلح .
ومن الأمور التي يجب أن يتنبه لها أن الشيخ رحمه الله في كتابه هذا سلك مسلك المتقدمين في بيان العلل وقد يكون الحديث صحيحا بل وفي الصحيحين لكنه معل من طريق أو عن صحابي وهكذا .
وقد قال الشيخ رحمه الله : " وأنت خبير أننا إذا ذكرنا حديثا في هذا الكتاب فلا يعني أنه ضعيف من جميع الطرق , ولكن يعني أنه معل من هذه الطريق , هذا شأن كتب العلل ككتاب ابن أبي حاتم وكتاب الدارقطني .". ( )
وقال أيضا :( ) "وتعليل الحديث من طريق أو طريقين لا يعني انه معل من جميع طرقه إلا إذا جزم حافظ من الحفاظ أنه لا يصح بوجه من الوجوه" .
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته.
المبحث الثاني: حياته العلمية وأشهر شيوخه .
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته .
المبحث الرابع: آثاره العلمية
المبحث الخامس: وفاته
المبحث الأول:اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته
هو الشيخ , الزاهد , العلامة , الفقيه , المحدث , إمام عصره , شيخ الإسلام , أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي بن مقبل بن قايدة الوادعي ثم الهمداني , مات أبوه رحمه الله وهو صغير لا يعرفه فعاش يتيما وبقي في حضانة والدته رحمها الله فترة , وكانت تطلب منه أن يشتغل في المال , وتأمره أن ينظر في حال مجتمعه كي يكون مثلهم فيعرض عن ذلك ويقول لها سأذهب أدرس فتقول له : الله يهديك , تدعو له بالهداية كما أخبرتني غير واحدة من القريبات اللاتي أدركن ذلك الحين , ولعل دعوة والدته وافقت ساعة استجابة فصار من المهتدين , وصار هادياً مهدياً , وعالما ً شهيراً نحسبه زكيا , ونشأ في بيئة ساد فيها الجهل والشرك والخرافات والغلو في أهل البيت فكان الدين كله هو حب أهل البيت ملأ ذلك حاضرها وباديها , ولم يكن أحد يعينه على الخير وعلى طلب العلم والاستقامة ,ولم يكتفوا بذلك بل زاد كبراءهم الطين بلة , فحاربوه وآذوه وأثاروا عشيرته والعوام أيما إثارة عليه وهموا بقتله .( )
المبحث الثاني: حياته العلمية , وأشهر شيوخه
إن الأحاديث النبوية ,والآثار المحمدية أصل العلوم بعد القرآن، وقاعدة الشريعة , وأركان الإيمان ، وقد ضل أقوام على مدى الأزمان، لغفلتهم عن هذا الأصل بعد القرآن , فتخبطوا في بعض البدع , والضلالات ، وما هو شر منها من الإلحاد , والشركيات، حتى أتى على الناس زمان ما كان يعرف فيه إلا التعصب لفلان , وفلان من أرباب التمذهب , وعلماء الكلام ، فقل الخير , وزاد الشر والضير.
وفي أثناء ذلك كله يبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة الدين , وما اندرس من السنن ، إلا أن اليمن مع هذا كانت لا تزال في غياهب الجهالات ، من التصوف , والاعتزال المهلكات بعد الأئمة المحدثين كمعمر , وعبد الرزاق اللذين طلبا الحديث من الآفاق ، رغم أنه كان يتخلل هذه الفترة نهضات علمية على أيدي علماء أجلاء كابن الوزير , والصنعاني , والشوكاني , وغيرهم ، إلا أن ثمرتها لم تكن كثمرة دعوة عبد الرزاق ومعمر ثم شيخنا رحمه الله .
ثم بعث الله لليمن من يجدد لها الدين , ويحيي السنن، ويذود عن سنة رسول الله ، وينفي عن الدين تحريف الغالين , وانتحال المبطلين.
فانبثق نور شع في اليمن كلها ، وتعداها إلى ما وراء البحار من بلاد العرب والعجم وغيرها من الديار ، فصار الناس بعده إلى السنن والآثار ، ونبذوا التصوف والاعتزال، والتشيع وغيرها من الأغلال.
ذلك النور هو شيخنا العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله الذي رحل إليه طلاب العلم من سائر الديار ، ينهلون من علم القرآن , والسنة , والآثار ، فأظهر الله على يده خيراً عظيماً ؛ أغاظ أهل البدع ,والأهواء,والضلالات , فأجمعوا كيدهم ,ومكرهم،لإطفاء هذا النور الذي كشف عوارهم وفضحهم ، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ، وأعادوا الكرة بعد الكرة , وفي كل مرة لا تنجح الفكرة.
ثم لجئوا بعد الإفلاس , والإملاق إلى البهت , والكذب، تشويها لسيرة الشيخ , ودعوته، واستعانوا على ذلك بفئات من أهل الدنيا , والتحزبات، فقام الشيخ بالخطب , والمحاضرات ، تبييناً لسبيل الدعوة , ونقضاً للافتراءات ، ثم ألف كتابه هذه دعوتنا , وعقيدتنا، فبين فيه سبيل الدعوة المباركة ، وتضمن الكتاب ذكر ما ألفه طلبة العلم , وعلى رأسهم شيخنا رحمه الله .
وقد وفق شيخنا رحمه الله توفيقاً عظيماً، ووضع الله فيه بركةً جمة ، فمع أنه نشأ يتيماً في حجر أم تنهاه عن العلم ، وترغبه في الدنيا - نسأل الله أن يغفر لها وله - ومع ترعرعه في بيئة زيدية طغى عليها الجهل ، حتى أنه ليحرم فيها القبيلي من أمثال الشيخ من إتقان القراءة والكتابة، ويعاب عليه ذلك فضلاً عن طلب العلم، ومع طلبه المتأخر للعلم الشرعي - فقد طلب العلم في أرض الحرمين , وعمره خمسة وثلاثون عاما تقريباً، ومع هذا قيض الله على يديه خيراً كبيراً بالمقارنة مع بعض الأئمة المعاصرين الذين نشئوا في أول أمرهم في بيئة علمية - ، ومع تكالب الأعداء عليه من كل مكان، ومع حالته الصحية المتردية.
مع كل هذا وذاك فقد أقام الله به اليمن دعوة ملأت الأرجاء في غضون عشرين سنة، لا تكاد تسمع لهذه الدعوة نظيراً في اليمن بعد عصر الإمامين معمر وعبد الرزاق.
ومع انشغاله رحمه الله بالدعوة والتدريس ورّث الأمة أكثر من خمسين مؤلفا منه "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين"، الذي يساوي وحده الدنيا بأسرها، إذ هو تتمة للصحيحين .( )
دراسته ومشايخه :
يقول الشيخ : درست في المكتب حتى انتهيت من منهج المكتب، ثم ضاع من العمر ما شاء الله في غير طلب علم، لأنه ما كان هناك من يرغب أو يساعد على طلب العلم، وكنت محباً لطلب العلم، وطلبت العلم في جامع الهادي فلم أساعد على طلب العلم، وبعد زمن اغتربت إلى أرض الحرمين ونجد، فكنت أسمع الواعظين ويعجبني وعظهم، فاستنصحت بعض الواعظين ما هي الكتب المفيدة حتى أشتريها؟ فأرشد إلى "صحيح البخاري"، "وبلوغ المرام"، و"رياض الصالحين"، و"فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"، وأعطاني نسيخات من مقررات التوحيد، وكنت حارساً في عمارة الحجون بمكة، فعكفت على تلك الكتب، وكانت تعلق بالذهن لأن العمل في بلدنا على خلاف ما فيها، خصوصا "فتح المجيد" .
وبعد مدة من الزمن رجعت إلى بلدي أنكر كل ما رأيته يخالف ما في تلك الكتب من الذبح لغير الله، وبناء القباب على الأموات، ونداء الأموات، فبلغ الشيعة ذلك، فأنكروا ما أنا عليه، فقائل يقول منهم: من بدل دينه فاقتلوه، وآخر يرسل إلى أقربائي يقول إن لم تمنعوه فسنسجنه، وبعد ذلك قرروا أن يدخلوني "جامع الهادي" من أجل الدراسة عندهم لإزالة الشبهات التي قد علقت بقلبي، ويدندن بعضهم بقول الشاعر:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وبعد ذلك دخلت للدراسة عندهم في جامع الهادي ومدير الدراسة القاضي (مطهر حنش)، فدرست في "العقد الثمين"، وفي "الثلاثين المسألة وشرحها" لحابس، ومن الذين درسونا فيها (محمد بن حسن المتميز) وكنا في مسألة الرؤية فصار يسخر من ابن خزيمة , وغيره من أئمة أهل السنة، وأنا أكتم عقيدتي، إلا أني ضعفت عن وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة وأرسلت يدي ، ودرسنا في "متن الأزهار" إلى النكاح مفهوما ومنطوقا، وفي شرح الفرائض كتاب ضخم فوق مستوانا فلم أستفد منه.
فلما رأيت الكتب المدرَّسة غير مفيدة، حاشا النحو فإني درست عندهم "الآجرومية" ,و"قطر الندى"،ثم طلبت من القاضي (قاسم بن يحي شويل) أن يدرسني في "بلوغ المرام"، وأنكر علينا ذلك ثم تركنا، فلما رأيت أن الكتب المقررة شيعية معتزلية قررت الإقبال على النحو فدرست "قطر الندى" مراراً على (إسماعيل حطبة) رحمه الله في المسجد الذي أسكن فيه ويصلي فيه وكان يهتم بنا غاية الاهتمام، وفي ذات مرة أتى إلى المسجد (محمد بن حورية) فنصحته أن يترك التنجيم فنصحهم أن يطردوني من الدراسة، فشفعوا لي عنده وسكت، وكان يمر بنا بعض الشيعة ونحن ندرس في "القطر" ويقول: (قبيلي صبن غرارة) بمعنى أن التعليم لا يؤثر في وأنا أسكت وأستفيد في النحوحتى قامت الثورة ,وتركنا البلاد ,ونزلنا إلى نجران ولازمت (أبا الحسين مجد الدين المؤيد), واستفدت منه خصوصاً في اللغة العربية , ومكثت بنجران قدر سنتين، فلما تأكدت أن الحرب بين الجمهورية والملكية لأجل الدنيا عزمت على الرحلة إلى الحرمين ونجد، وسكنت بنجد قدر شهر ونصف في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للشيخ (محمد بن سنان الحدائي) حفظه الله، ولقد كان مكرماً لي لما رأى من استفادتي وينصحني بالاستمرار مدة حتى يرسلني إلى (الجامعة الإسلامية)، فتغير علي الجو بالرياض، وعزمت على السفر إلى مكة، فكنت أشتغل إن وجدت شغلاً، وأطلب العلم في الليل أحضر دروس الشيخ(يحي بن عثمان الباكستاني) في "تفسير ابن كثير"، والبخاري، ومسلم.
وأطالع في الكتب والتقيت بشيخين فاضلين:
أحدهما: القاضي (يحي الأشول) صاحب معمرة، فكنت أدرس عنده في "سبل السلام" للصنعاني ويدرسني في أي شيء أطلب منه.
الثاني: الشيخ (عبد الرزاق الشاحذي المحويتي) وكان أيضا يدرسني فيما أطلب منه.
ثم فتح معهد الحرم المكي , وتقدمت للاختبار مع مجموعة من طلبة العلم، فنجحت والحمد لله، وكان من أبرز مشايخنا فيه الشيخ (عبد العزيز السبيل)، ودرست مع بعض طلبة المعهد عند الشيخ (عبد الله بن حميد) رحمه الله في "التحفة السنية" بعد العشاء في الحرم، فكان رحمه الله يأتي بفوائد من "شرح ابن عقيل" وغيره، وكانت فوق مستوى زملائي فتملصوا، فترك رحمه الله الدرس ,ودرست مع مجموعة من الطلاب عند الشيخ (محمد السبيل) حفظه الله شيئاً من الفرائض.
وبعد الخروج من المعهد خرجت للإتيان بأهلي من نجران فأتيت بهم وسكنا بمكة مدة الدراسة في المعهد ست سنين والدراسة في الحرم نفسه، وبركة دراسة المساجد معلومة، ولا تسأل عن أنس وراحة كنا فيها، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده".
النهار في دراسة المعهد، والدروس كلها تخدم العقيدة والدين، ومن بعد العصر إلى بعد العشاء في الحرم نشرب من ماء زمزم الذي قال النبي فيه: "إنه طعام طعم وشفاء سقم" , ونسمع من الواعظين القادمين من الآفاق لأداء حج أو عمرة.
ومن المدرسين في الحرم بين مغرب وعشاء الشيخ (عبد العزيز بن راشد النجدي) صاحب "تيسير الوحيين في الاقتصار على القرآن والصحيحين" , وله فيه أخطاء لا نوافقه عليها , وكان رحمه الله يقول : الصحيح في غير الصحيحين يعد على الأصابع , فبقيت كلمته في ذهني منكراً لها حتى عزمت على تأليف " الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين " فازددت يقيناً ببطلان كلامه رحمه الله , وكان رحمه الله رجل التوحيد , وله معرفة قوية بعلم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه , ومعلوله من سليمه ...
ومن مشايخي في الحرم المكي الذين استفدت منهم الشيخ (محمد بن عبد الله الصومالي) فقد حضرت عنده حوالي سبعة أشهر أو أكثر، وكان رحمه الله آية في معرفة رجال الشيخين، ومنه استفدت كثيراً في علم الحديث، على إني بحمد ربي من ابتدائي في الطلب لا أحب إلا علم الكتاب والسنة.
وبعد الانتهاء من معهد الحرم من المتوسط والثانوية، وكل الدروس دينية، انتقلنا إلى المدينة إلى الجامعة الإسلامية، فحول أكثرنا إلى كلية الدعوة وأصول الدين، وأبرز من درسنا فيها الشيخ (السيد محمد الحكيم) والشيخ (محمود عبد الوهاب فائد) المصريان.
وعند إن جاءت العطلة خشيت من ذهاب الوقت وضياعه فانتسبت في كلية الشريعة، لأمرين: أحدهم: التزود من العلم، الثاني: إن الدروس متقاربة , وبعضها متحدة، فهي تعتبر مراجعة لما درسناه في كلية الدعوة وانتهيت بحمد الله من الكليتين، وأعطيت شهادتين وأنا بحمد الله لا أبالي بالشهادات، المعتبر عندي هو العلم.
وفي عام انتهائنا من الكليتين فتحت في الجامعة دراسة عالية ما يسمونه بالماجستير، فتقدمت لأخبار المقابلة ونجحت بحمد الله وهي تخصص في علم الحديث، وبحمد الله حصلت الفائدة التي أحبها، وكان من أبرز من درسنا الشيخ (محمد أمين المصري) رحمه الله، والشيخ (السيد محمد الحكيم المصري) وفي آخرها الشيخ (حماد بن محمد الانصاري) وكنت أحضر بعض الليالي درس الشيخ (عبد العزيز بن باز) في الحرم المدني في صحيح مسلم، وأحضر كذلك مع الشيخ (الألباني) في جلساته الخاصة بطلبة العلم للاستفادة.
ومنذ كنت في الحرم المكي وأنا أدرس بعض طلبة العلم في "قطر الندى" وفي "التحفة السنية"، وعند أن كنت بالمدينة كنت أدرس بعض إخواني بالحرم المدني في "التحفة السنية" ثم وعدت إخواني في الله بدروس في بيتي بعد العصر في "جامع الترمذي"، و"قطر الندى"، و"الباعث الحثيث"، وانتشرت دعوة كبيرة من المدينة ملأت الدنيا في مدة ست سنوات، بعض أهل الخير هم الذين يسعون في تمويلها، و(مقبل بن هادي) وبعض إخوانه هم الذين يقومون بتعليم إخوانهم، وأما الرحلات للدعوة إلى الله في جميع أنحاء المملكة فمشتركة بين الإخوان كلهم، طالب العلم للتزود من العلم ولإفادة الآخرين، والعامي للتعلم، حتى استفاد كثير من العامة وأحبوا الدعوة.
ولما وصلت إلى اليمن عدت إلى قريتي ومكثت بها أعلم الأولاد القرآن، فما شعرت إلا بتكالب الدنيا عليَّ، فكأني خرجت لخراب البلاد والدين والحكم، وأنا آنذاك لا أعرف مسئولا , ولا شيخ قبيلة فأقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وإذا ضقت أذهب إلى صنعاء أو إلى حاشد، أو إلى ذمار، وهكذا إلى تعز و إب والحديدة، دعوة وزيارة للإخوان في الله.
وبعد هذا مكثت في مكتبتي - بعد مشقة ومساعدة بعض الإخوان في استردادها - وما هي إلا أيام وفتحت دروساً مع بعض الإخوة المصريين في بعض كتب الحديث وبعض كتب اللغة، وبعد هذا مازال طلبة العلم يفدون من مصر، ومن الكويت ومن أرض الحرمين ونجد... وكثير من البلاد الإسلامية وغيره. ( )
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته
أولا : إمامته :
لا يشك منصف أن الإمام العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله من العلماء الراسخين الذين أفتوا أعمارهم في العلم والتعليم , ولا شك في إمامته في جميع فنون العلم , في العقيدة , و التفسير , والحديث , والفقه , واللغة , وغيرها من العلوم و يشهد لتبحره وتفننه كتبه المتنوعة في جميع هذه الأبواب , وسيأتي بيانها في فصل خاص .
ثانيا : مكانته :
كان شيخنا رحمه الله شغوفا ومحبا للعلم عامة وعلم الحديث خاصة وقد وهب نفسه رحمه الله للعلم والتعليم فأحيا الله به أمة وخلقا كثيرا وأحيا العلم مذاكرة وعلما وتعليما وتأليفا ودعوة إلى الله سفرا وحضرا فكانت مكانته في النفوس عالية , ومنزلته مرموقة .
* مكانته في علم العلل خاصة :
لا يخفى أن علم العلل من العلوم الدقيقة التي لم يتخرج منها ويبرز فيها إلا جهابذة النقاد كما في كثير من أقوالهم حول هذه العبارة , وشيخنا رحمه الله نادرة من نوادر هذا العلم في زمنه رحمه الله , ولا يزال طلابه ومحبيه وممن يعكف على كتبه يغترفون من جهوده وعلومه التي أبرزها ويتتلمذون على طريقته التي انتهجها , تلك الطريق التي لا تخالف سير الأئمة المتقدمين الذين هم نوادر هذا العلم .
يقول الشيخ : وإنني أحمد الله فبسبب كثرة الممارسة لهذا الفن في الكتابة على تتبع الدارقطني واستدراكه على البخاري ومسلم وهو من كتب العلل فقد سهلت عليَّ بعض الشيء ، ومع هذا فلا أزال أهاب هذا الفن , وكتابي " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " أغلبها نقل من كتب علمائنا رحمهم الله . ( )
ويقول في بيان منهج تصحيحه وتعليله:"قاعدتي في الحكم على الحـديث أنّني أبحث في كتـب المحدثين، فإن وجدت حكمًا لمحدث نقلته، ثم نظرت في رجال السّند فإن ظهر لي خلاف ذلك الحكم من تصحيح ,أو تضعيـف, عقّبت به على حكمه، وإلا أقررته كما هو، وأعتقد أنّ هذه الطريقـة أسلم، فقد يظن الـباحث أنّ السنـد صحيح , ويكون قد اطلع العلماء على عـلّة فيه، وقد يصححه متسـاهل، فيتناقله من بعده معتمدين على تصحيحه،من أجـل هـذا ألزمت نفسي بالجمع بين البحث عمّا قاله العلمـاء،والنظر في السـند،وأيضًا النـّاس يطمئنون إلى تصحيح المتقدمين لعلمهم أنّهم أوسع علمًا من المتأخرين فإذا لم أجد لهم كلامًا حكمت على الحديث بظاهر السّند.( )
المبحث الرابع: آثاره العلمية
خلف الشيخ رحمه الله تعالى ثروة علمية عظيمة منها ما ألفه خارج اليمن , ومنها مؤلفات باليمن وهي الأكثر , وقد ذكرت مرتبة ترتيبا زمنيا في كتابه : ’’ الترجمة ‘‘ ( ) كالتالي :
1 - " الطليعة في الرد على غلاة الشيعة "كتبها رحمه الله وهو بمعهد الحرم وهي مطبوعة مع " رياض الجنة " .
2- " تحريم الخضاب بالسواد " . كتبها رحمه الله وهو بمعهد الحرم وهي مطبوعة في كتيب غلاف , وجمعت أيضا مع عدة رسائل في مجلد لطيف .
3- "شرعية الصلاة في النعال." كتبها بالمدينة , وهي مطبوعة في كتيب غلاف , وجمعت أيضا مع عدة رسائل في مجلد لطيف .
4- "الصحيح المسند من أسباب النزول. " قدمه -رحمه الله - رسالة لكلية الدعوة , وهو مطبوع .
5- "حول القبة المبنية على قبر الرسول ." قدمه رسالة لكلية الشريعة , مطبوع في آخر :" رياض الجنة " .
6- تحقيق ودراسة كتابي " الإلزامات , والتتبع " للدارقطني , قدم رسالة ماجستير للدراسات العليا , وهو مطبوع , وسيطبع طبعة جديدة مصححة إن شاء الله .
وأما المؤلفات في اليمن :
"الشفاعة."
" رياض الجنة في الرد على أعداء السنة."
"تحقيق مجلدين من تفسير ابن كثير وصل إلى أول سورة المائدة ".
"الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين."
"السيوف الباترة لإلحاد الشيوعية الكافرة. "
"المخرج من الفتنة."
"إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن " .وهو تعليقات على الرسالة الوازعة للمعتدين على سب الصحابة ".
"الصحيح المسند من دلائل النبوة " .
"الإلحاد الخميني في أرض الحرمين."
" الجامع الصحيح في القدر ".
" ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر " .
" الجمع بين الصلاتين في السفر " .
" قرة العين في أجوبة قائد العلابي وصاحب العدين ".
" الفواكه الجنية من الخطب والمحاضرات السنية ".
" المصارعة ".
"قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد. "
" الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين ".
"إجابة السائل عن أهم المسائل".
"أحاديث معلة ظاهرها الصحة ".
" مقتل الشيخ جميل الرحمن الأفغاني رحمه الله ".
" غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة ".
" تتبع أوهام الحاكم في المستدرك التي لم ينبه عليها الذهبي ".
" تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني. "
"غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل."
"إيضاح المقال في أسباب الزلزال."
" إعلان النكير على أصحاب عيد الغدير."
"إقامة البرهان على ضلال عبد الرحيم الطحان."
"فضائح ونصائح."
"البركان لنسف جامعة الإيمان."
"إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي."
"تحفة المجيب عن أسئلة الحاضر والغريب."
"الزنداني ومجلس الشورى للشيخات في اليمن."
"صعقة الزلزال لنسف أباطيل أهل الرفض والاعتزال " .
ومما لم يذكره الشيخ :
"المقترح في أجوبة المصطلح ".
"ذم المسألة ".
"الباعث على شرح الحوادث" .
"ترجمة الشيخ بقلمه , ومعها : هذه دعوتنا وعقيدتنا ".
"رجال الحاكم الذين لم يترجموا في تهذيب التهذيب " .
"تراجم رجال الدارقطني في سننه الذين ليسوا في التقريب ولا في رجال الحاكم ".
"القول الأمين في أخطاء المذبذبين ".
"نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أهل العلم في أبي حنيفة ".
"الديباج في رثاء سماحة الشيخ ابن باز ".
"حكم تصوير ذوات الأرواح" .
"مشاهداتي في المملكة العربية السعودية ".
ومما لم يطبع للشيخ رحمه الله تعالى :
"الجامع الصحيح من التفسير بالمأثور ".
المبحث الخامس: وفاته
كانت وفاته –رحمه الله تعالى - مع غروب شمس السبت 30 ربيع الآخر 1422هـ/2001م في مدينة جدة بعد رحلة علاجية دامت أكثر من سنة.
الفصل الثاني:التعريف ببعض الكتب التي ألفها
وفيه مباحث:
المبحث الأول:
الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
موضوعه، وخصائصه، وقيمته .
المبحث الثاني:
أحاديث معلة ظاهرها الصحة
موضوعه،وخصائصه، وقيمته .
المبحث الأول: الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
موضوعه، وخصائصه، وقيمته .
موضوع هذا الكتاب يتضح جليا من اسمه وهو (( الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) أي أنه كتاب جمع فيه الشيخ أحاديث صحيحة انتقاها وهي ليست موجودة في ((الصحيحين )) .
قال الشيخ في مقدمة الكتاب ( ): " وكنت أتمنى لو قدر لي أن أجمع مجموعة من الحديث الصحيح , تضاف إلى ((الصحيحين)) تكون نقية من الأحاديث الضعيفة والموضوعة . "
ويقول الشيخ رحمه الله مبينا هذا الجهد الذي كتبه : " فإني بحمد الله قد نظرت في أكثر كتب السنة الموجودة بمكتبتي , ولكن شرطي فيه شديد ؛ فإني إذا أردت أن أكتب الحديث انظر ((تحفة الأشراف)) هل اختلف في رفع الحديث ووقفه ,أو وصله وانقطاعه ؟ فإن ترجح لي الرفع كتبته .
وهكذا انظر في كتب العلل إذا كان الحديث معللا بعلة قادحة تركته , وإذا شككت في الحديث تركته , وقد فعل هذا الإمام مالك كما في ((مناقب الشافعي )) (ج1 ص 503) , وعفان بن مسلم ففي ((تقريب التهذيب )) قال ابن المديني : كان إذا شك في حرف من الحديث تركه , وربما وهم .
وفي ((تهذيب التهذيب)) أن علي بن المديني قال :((إن عفان شك في حديث فضرب على خمسة أسطر )) . ورب حديث سنده كالشمس بعد النظر في كتب أهل العلم تظهر فيه علة ..." ( )
وقال الشيخ : هذا ومما لا أعرج عليه ما إذا كان التابعي يرسل ولم يذكروا أنه سمع من ذلك الصحابي , ولا أنه لم يسمع منه , ولم أجد الشيخين رحمهما الله قد أخرجا له عن ذلك الصحابي , فهذا مما أتوقف في الإخراج عنه .
ومنها أن يكون التابعي مكثرا , والصحابي مكثرا أيضا , ولم يصرح بالتحديث عن ذلك الصحابي , ولم يخرج له الشيخان عنه , فهذا مما أتوقف فيه , وإن لم يكن التابعي ممن قيل فيه يرسل , ولا يقال إن عنعنة غير المدلس مقبولة فإنه مقيد بما إذا قد سمع منه فعنعنة غير المدلس عمن سمع منه محمولة على السماع .
ومنها أن يكون الراوي لم يوثقه معتبر ,وليس مشهورا بالطلب فإني أتوقف فيه , فإن كان قد روى له الشيخان فإني أتوقف فيما كان خارج ’’الصحيحين‘‘, ولست بحمد الله أجهل انتقاد الحافظ الذهبي في ’’الميزان‘‘ لابن القطان حيث جهل بعض من روى عنه جماعة كمالك بن الخير المصري , ولكني غير مقتنع بكلام الحافظ الذهبي فالذي يظهر لي أنه لا بد من توثيق من معتبر أو شهرة في الطلب كما في فتح المغيث , والله أعلم .
ثم إن هذه ليست قاعدة مطردة , فرب راو يروي عنه جماعة , ويقول الحافظ الذهبي في ’’الميزان ‘‘لم يوثق , ويقول الحافظ فيه : مقبول , فهي مسألة اجتهادية .
ورب حديث قد صححه علماؤنا الأفاضل المعاصرون, فأرى فيه علة فأعرض عنه صفحاً وربما ذكرته في"أحاديث ظاهرها الصحة وهي معلة ".( )
المبحث الثاني: أحاديث معلة ظاهرها الصحة
موضوعه، وخصائصه، وقيمته
موضوع هذا الكتاب جاء نتيجة بحثٍ وكدٍ للشيخ رحمه الله في أثناء عمله الكبير ومشروعه الجليل "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ".
قال الشيخ العلامة الوادعي رحمه الله في مقدمة كتابه أحاديث معلة ظاهرها الصحة ( ): « فإني في بحث الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين كانت تمر بي أحاديث ظاهرها الصحة , فأجدها في كتاب آخر معلة , وربما يطلع عليها باحث من الإخوة الباحثين فيظن أنها مما يلزمني إخراجه , فأفردت لها دفتراً حتى اجتمع لدي نحو أربعمائة حديث .... ».
هذا بداية ثم بعد ذلك ربما استدراك على نفسه أحاديث كان صححها وذكرها في الصحيح المسند فظهرت له علة فيتراجع عن تصحيح الحديث , ويذكره في كتابه أحاديث معلة ,وربما استدرك عليه بعض طلابه شيئا من ذلك فيتقبله بسعة صدر قلما توجد ويضعه في هذا الكتاب الذي لا يقل نفاسة عن غيره من كتب الشيخ , بل إني لأعتبره الأنموذج المفيد لطالب علم الحديث الذي درس من المصطلح ما يوصله إلى علم العلل فإن هذا الكتاب ميدان رحب لأمثلة عملية وتطبيقية للدراسة النظرية في علم المصطلح .
ومن الأمور التي يجب أن يتنبه لها أن الشيخ رحمه الله في كتابه هذا سلك مسلك المتقدمين في بيان العلل وقد يكون الحديث صحيحا بل وفي الصحيحين لكنه معل من طريق أو عن صحابي وهكذا .
وقد قال الشيخ رحمه الله : " وأنت خبير أننا إذا ذكرنا حديثا في هذا الكتاب فلا يعني أنه ضعيف من جميع الطرق , ولكن يعني أنه معل من هذه الطريق , هذا شأن كتب العلل ككتاب ابن أبي حاتم وكتاب الدارقطني .". ( )
وقال أيضا :( ) "وتعليل الحديث من طريق أو طريقين لا يعني انه معل من جميع طرقه إلا إذا جزم حافظ من الحفاظ أنه لا يصح بوجه من الوجوه" .
تعليق