إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

البرق اللامع نبذة من ترجمة شيخنا محمد بن مانع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البرق اللامع نبذة من ترجمة شيخنا محمد بن مانع

    البرق اللامع
    نبذة من ترجمة الشيخ محمد بن مانع

    كتبها الفقير إلى الله:
    أبو فيروز عبد الرحمن الإندونيسي


    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة

    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
    فقد سألني بعض الإخوة من سلفي الهنود أن أسطر ترجمة لفضيلة شيخنا السني الثابت أبي إبراهيم محمد بن محمد بن مانع الآنسي حفظه الله تعالى لتنشيط إخوانهم على استغلال الفرصة لتضلع العلوم عند شيخنا حفظه الله. ورأيت أن هذا العمل مهمّ لهذا المرام، ولأني قد قرأت مقالة لبعض الأصاغر من حزب المرعي فيها احتقار لفضيلة شيخنا محمد بن مانع حفظه الله.
    وقد اعترض علي بعض الإخوة قائلاً: (كيف تترجم له وهو ما زال حيّاً؟)
    فالجواب مستعيناً بالله: أنه لا دليل على منع ذكر سيرة شخص حيّ ومحاسنه مع أمن الفتنة.
    بل جاءت الأدلة على جواز ذلك. وقد ذكر الله تعالى محاسن محمد صلى الله عليه وسلم وشأنه فقال: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 2 - 4]، وقال جل ذكره: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 2 - 5]، وقال سبحانه: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
    هذا يعتبر ترجمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    وقال سبحانه في الصحابة رضي الله عنهم وهم أحياء: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 29]. وقال جل ذكره: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 8، 9].
    وقد ترجم النبي يوسف عليه السلام لنفسه فقال: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 55].
    وقد ترجم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه فقال: «إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب». (أخرجه البخاري (4896) ومسلم (2354) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه).
    وقال البراء بن عازب رضي الله عنهما في قصة غزوة حنين: ... فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفرّ، فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان آخذ بلجامها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب». (أخرجه البخاري (2864) ومسلم (1776)).
    وقد ترجم عثمان بن عفان رضي الله عنه لنفسه. عن أبي عبد الرحمن، أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر أشرف عليهم، وقال: أنشدكم الله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حفر رومة فله الجنة» ؟ فحفرتها، ألستم تعلمون أنه قال: «من جهز جيش العسرة فله الجنة» ؟ فجهزتهم، قال: فصدقوه بما قال. (أخرجه البخاري (2778)).
    عن ثمامة بن حزن القشيري، قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي. قال: فجيء بهما فكأنهما جملان أو كأنهما حماران، قال: فأشرف عليهم عثمان، فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة» ؟ فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر. قالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة» ؟ فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم، نعم. قال: أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال: فركضه برجله وقال: «اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان؟» قالوا: اللهم، نعم. قال: الله أكبر. اشهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد، ثلاثا. (أخرجه الترمذي (3703)/صحيح لغيره).
    وقد ترجم أيضاً عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لنفسه. قال: «والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت، ولو أعلم أحدا هو أعلم بكتاب الله مني، تبلغه الإبل، لركبت إليه». (أخرجه مسلم (2463)).
    وقد ترجم الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه "البدر الطالع" عدداً من الأعيان في زمنه، فقال في ترجمة إبراهيم بن محمد بن إسحاق بن المهدي اليماني: وهو الآن حي ينتفع به الناس. ("البدر الطالع"/1/ص25).
    بل قد ترجم الحافظ الذهبي رحمه الله لنفسه فقال في "المعجم المختص بالمحدثين" (ص 97): حرف الذال: الذهبي: المصنف، محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ابن الشيخ عبد الله التركماني الفارقي ثم الدمشقي الشافعي المقرئ المحدث، مخرج هذا المعجم. ولد سنة ثلاث وسبعين وست مائة. وأجاز له أبو زكريا ابن المصري ، وابن أبي الخير ، والقطب بن عصرون ، والقاسم الأربلي ، وعدة. وسمع بدمشق من عمر بن القواس، بالعليك من التاج ابن علوان، وبالقاهرة من الدمياطي، وبالقرافة من الأبرقوهي، وبالثغر من الغرافي، وبمكة من التوزري، وبحلب من سنقر المزني، وبنابلس من العماد ابن بدران. وجمع تواليف ، يقال مفيدة ، والجماعة يتفضلون ويثنون عليه، وهو أخبر بنفسه في العلم، والله المستعان ولا قوة إلا به، وإذا سلم لي إيماني فيا فوزي. انتهى.
    فلا إنكار لمن ترجم لشخص حيّ إذا أمن الفتنة، وإذا دعت إليها الحاجة. وبغيتي في هذه الترجمة: الدفاع عن الشيخ محمد ابن مانع، والرد على المحتقرين، وحثّ الناس على الاستفادة من الشيخ قبل فوات الأوان وقبل مجيء المندم.
    ولم أشرع في هذا العمل إلا بعد أن أستأذن من نجل الشيخ وهو فضيلة أخينا الداعي إلى الله أبو العباس إبراهيم بن الشيخ محمد بن مانع حفظهما الله، فأذن لي بذلك، وله في هذه الترجمة يد طولى بالمعلومات المهمة. وليس القصد استقصاء الأخبار وتتبع المواقع لأن ترجمة الشيخ أعظم مما أقدر على تسطيرها، وغيري أولى بذلك وأعلم به. وإنما البغية لفت انتباه المسلمين بشأن هذا العالم الكبير عمله في نصرة الدين وحماية السنة، مع قلة رغبة بعض الناس في علومه خصوصاً وعلوم علماء السنة الخلّص عموماً.
    فأستعين بالله على هذا العمل، والله الموفق إلى أقوم الطريق.

    الباب الأول: نسب الشيخ ومولده

    اسمه ونسبه:
    هو فضيلة الشيخ المسند الثابت الغيرو على دينه السلفي أبو إبراهيم محمد بن محمد بن عبد الله بن مانع الآنسي حفظه الله.
    مولده:
    ولد حفظه الله في قرية جبل الجموح –بفتح الجيم- في سنة 1378 من الهجرة، في محافظة ذمار، بلاد آنس، مديرية ضوران.
    من أخلاقه:
    كان الشيخ محمد ابن مانع حفظه الله متواضعاً يحب الحق والسنة، ولا يتكبر على غيره وإن كان أصغر منه. وكان كريماً يحب بذل الخير. وكان حفظه الله قوّالاً بالحق أمّاراً بالمعروف ونهّاء عن المنكر ولا يخاف في الله لومة لائم، بقدر ما يستطيع. وكان يخاطر بنفسه في نصرة الدين ومعاونة أهل السنة.
    وللشيخ أبي إبراهيم أولاد صالحون محبو العلم والسنة والسلفية–نحسبهم كذلك والله حسيبهم ولا أزكي على الله أحدا-. فنسأل الله أن يجعلهم بركة لوالديهم وللأمة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك». (أخرجه الإمام أحمد ((10610)/الرسالة)، وغيره وحسنه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" رقم (1389) /دار الآثار).


    الباب الثاني: مشايخ الشيخ محمد ابن مانع الآنسي حفظه الله

    كان الشيخ محمد ابن مانع الآنسي حفظه الله كغيره من بعض المسلمين الجادين في طلب الحق والبحث عن الصواب، فيمرّ عليه الابتلاءات والتغريرات من قبل أهل الأهواء، ولكن الله علم صدقه في طلب المنهج القويم فوفقه إلى المنهج السلفي.
    وقد زار شيخنا أبو إبراهيم الآنسي حفظه الله الإمامَ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في الأردن في مرضه الذي مات على أثره.
    وحضر حفظه الله بعض دروس ومحاضرات للإمام ابن باز رحمه الله.
    وحضر حفظه الله درسين من دروس فضيلة العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله.
    وزار حفظه الله فضيلة العلامة زيد بن محمد بن هادي المدخلي رحمه الله وجلس معه وسمع درسه.
    وسمع حفظه الله درس فضيلة العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله في المسجد الحرام.
    ودرس حفظه الله عند فضيلة العلامة الإمام المحدث مقبل الوادعي رحمه الله.
    وحضر حفظه الله دروس المشايخ القدامى في صنعاء الذين هم أقران الإمام المحدث مقبل الوادعي رحمه الله.
    ودرس حفظه الله عند الشيخ عبد الرزاق الشاحذي المحويتي، وهو من مشايخ الإمام المحدث مقبل الوادعي رحمه الله، وكان شديد الغيرة على السنة.
    وحضر حفظه الله بعض دروس فضيلة العلامة المحدث يحيى بن علي الحجوري حفظه الله.
    وحضر حفظه الله محاضرات الشيخ سليم بن عيد الهلالي وفقه الله.

    الباب الثالث: حرص الشيخ على نشر العلوم وتطبيق السنن النبوية

    كان شيخنا حفظه الله غيوراً على الدين فقام بالدفاع عنه ونشر السنة.
    من تصانيف الشيخ أبي إبراهيم محمد بن مانع الآنسي حفظه الله
    وللشيخ محمد بن مانع الآنسي حفظه الله بعض التصانيف، منها:
    1- "الفواكه الجنية من الآثار السلفية". (ط. المطبوعات السلفية).
    قال شيخنا يحيى بن علي الحجوري حفظه الله في تقديمه على هذا الكتاب: ...فإن العناية بالعلم الشامل لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله وما والاه؛ على سير السلف من الصحابة والتابعين لمن أعظم القربات الموعود أهله برضوان الله والخلود في جنات النعيم. كما دل عليه قول الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
    فهذا سبيل الهداية ودليل الأمن من الهلاك والغواية، كما قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: 123، 127].
    وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
    لذا اجتهد العلماء وسائر الصالحين في نيله، والحث على سلوك سبيله بأعمال صالحة حميدة، وأقوال رشد سديدة، تناقلها فحول الأجيال عنهم، ودوّنوها في مصنفاتهم؛ كمصنف ابن أبي شيبة، ومصنف أبي بكر عبد الرزاق الصنعاني، وسنن سعيد بن منصور، وسنن البيهقي، وتفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي، وجامع بيان العلم لابن عبد البر، وجلّ كتب الخطيب، والطحاوي وغيرهم، وترى الإمام البخاري في صحيحه الذي هو أصحّ الكتب المصنفة يعلقها تحت الأبواب فزادت كثيراً في نفع الأبواب.
    ومن الاستفادة منهم وسلوك دربهم؛ ما جمعه أخونا العالم السلفي المفضال الشيخ محمد بن مانع الآنسي –حفظه الله- في هذه الرسالة المفيدة "الفواكه الجنية من الآثار السلفية" ، وكلها أو جلّها من حفظه وإفادته إخوانه أهل السنة في محاضراته النافعة، ودروسه محلياً أو شارحاً بها ما يستند إليه موضوعه من أدلة الكتاب والسنة، فجزاه الله خيراً ونفع به كثيراً.
    وتقديم الشيخ سليم الهلالي وفقه الله: ... فإن هذه الرسالة التي بين يديك درر سلفية نظمتها يد أثرية، فأخرجت لنا هذه الجواهر السنية، آخذ بعضها براق بعض؛ ما تنتهي من فائدة حتى تدخل في أختها مشتاقاً، حتى تأتي على آخر هذه الرسالة المباركة. وقد قرأت جميها أثناء رحلتنا من صنعاء إلى دار الحديث بدماج الخير؛ لزياردة إخواننا السلفيين هناك ونصرتهم وتثبيتهم على السنة، فوجدت هذه الرسالة أحسن مما وصفت لكن العبارة تقصر أحياناً عن بلوغ المراد، وبخاصة أن أخانا الشيخ محمد من مانع –حفظه الله- ممن رأينا فيه خيراً كثيراً في المدة التي قضيناها معاً في اليمن السعيد؛ سواء في الرحلة الأولى أو الثانية.
    فأسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ أن يجعل هذه الرسالة مناراً للحق لجميع السلفيين، وأن يجزي أخانا الشيخ محمد بن مانع خيراً، ويمتنع بالصحة والعافية، ويبارك في جهوده، ويصلح له ذريته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    2- "منهج السلف في التعامل مع كتب أهل البدع"
    تقديم فضيلة الشيخ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله:
    الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أما بعد: فإن أهل البدع والأهواء اسم لمسماه: أهل الأهواء، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن مجالستهم ممرضة وسواه في ذلك مجالسة ذواتهم أو كتبهم. ولذا فالنصح بالبعد عنهم وعن كتبهم دلالة المسلمين على سبيل السلامة من الهوى والفتنة، ومن ذلك النصح المبارك: ما جمعه فضيلة الشيخ محمد مانع حفظه الله من أقوال أئمة السنة في هذه الشأن، ونقل أقوالهم الموثقة في التعامل مع كتب الضلال، فكان نصيب فضيلة الشيخ محمد حفظه الله هو جمع ذلك وعزوه إلى قائله، لقصد تحذير المسلمين مما يضرّهم، فجزاه الله خيرا. انتهى.
    3- "ثلاثيات البخاري"
    وله بعض الفتاوى كتبها أجوبة لأسئلة بعض العوام وبعض الإخوة السلفيين من بعض البلدان.
    وقال الإمام البربهاري رحمه الله: واعلم أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب ولكن العالم من اتبع الكتاب والسنة وإن كان قليل العلم والكتب ومن خالف الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة وإن كان كثير الرواية والكتب. ("شرح السنة"/ص 45).
    وكان الشيخ محمد بن مانع حفظه الله حريصاً جدا على تطبيق السنن النبوية. وكان يقصر الخطبة مع كثرة محفوظاته، تحرياً لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
    عن الحكم بن حزن الكلفي رضي الله عنه قال: فلبثنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما، شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على قوس، - أو قال على عصا -، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات، طيبات، مباركات، ثم قال: «يا أيها الناس إنكم لن تفعلوا، ولن تطيقوا كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا». (أخرجه الإمام أحمد في مسنده (17856) وأبو داود في سننه (1096) وابن خزيمة في صحيحه (1452) بسند حسن).
    وقال أبو وائل: خطبنا عمار، فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرا». (أخرجه مسلم (869)).
    وكان يحث الجماعة على تسوية الصفوف في الصلاة وأن يكونوا على صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنسأل الله تعالى أن يحفظه كما كان يحفظ سنن نبيه صلى الله عليه وسلم.
    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة رضي الله عنه: «حفظك الله بما حفظت به نبيه». (أخرجه مسلم (681)).
    ولا يكاد يجلس في مجلس علم ولا طعام ولا غير ذلك إلا وهو يحيى مذاكرة الأحاديث والآثار. فنسأل الله أن يبيض وجهه في الدنيا والآخرة.
    عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع منا حديثا، فحفظه حتى يبلغه غيره». (أخرجه الإمام أحمد في المسند (21590) وأبو داود في سننه (3660) والترمذي (2656)/صححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" برقم (351)).
    وقال الحميدي رحمه الله: سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه». ("شرف أصحاب الحديث"/ للخطيب البغدادي /ص 19).
    وقال الإمام حمد الخطابي رحمه الله: قوله: «نضر الله» معناه الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة. ("معالم السنن"/4/ص187).
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإن النضرة هي البهجة والحسن الذي يكساه الوجه من آثار الايمان وابتهاج الباطن به وفرح القلب وسروره والتذاذه به، فتظهر هذه البهجة والسرور والفرحة نضارة على الوجه. ولهذا يجمع له سبحانه بين البهجة والسرور والنضرة كما في قوله تعالى: ﴿فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا﴾. فالنضرة في وجوههم والسرور في قلوبهم، فالنعيم وطيب القلب يظهر نضارة في الوجه، كما قال تعالى: ﴿تعرف في وجوههم نضرة النعيم﴾. والمقصود: أن هذه النضرة في وجه من سمع سنة رسول الله ووعاها وحفظها وبلغها، فهي أثر تلك الحلاوة والبهجة والسرور الذي في قلبه وباطنه. ("مفتاح دار السعادة"/1/ص72).
    وكان شيخنا محمد ابن مانع حفظه الله يحث الناس على ملازمة السمع والطاعة في المعروف مع ولاة الأمور، وعلى الصبر على ظلم الأمراء، وألا يعملوا المظاهرات والخروج على الحكام، والانقلابات، التفجيرات وغير ذلك من الأباطيل.
    وكان ينكر التحزبات وتعدد الجماعات في ساحة الدعوة والسياسة.
    وكان كثير من الناس يستغربون بدعوته وندائه لتمكن البدع في المجتمع فكان سعيه كما يقال:
    لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
    ولو ناراً نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في الرماد
    ("نيل الأوطار"/4 /ص131).
    وقد استجاب له أناس كثير بتوفيق من الله تعالى.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». (أخرجه مسلم (4310)).
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: إن ثقل ميزانه هناك بحسب تحمله ثقل الحق في هذه الدار لا بحسب مجرد كثرة الأعمال، وإنما يثقل الميزان باتباع الحق والصبر عليه وبذله إذا سئل، وأخذه إذا بذل كما قال الصديق في وصيته لعمر: (واعلم أن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار وله حق بالنهار لا يقبله بالليل، واعلم أنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق وثقل ذلك عليهم في دار الدنيا وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في دار الدنيا خفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا. .). ("اجتماع الجيوش الإسلامية"/2/ص85).
    ونسأل الله أن ييسر له أموره في الدنيا والآخرة وأن ينجيه من شدة هول القيامة، وهو من أهل قيام الليل. فالجزاء من جنس العمل.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: طول وقوفه في الموقف ومشقته عليه وتهوينه عليه إن طال وقوفه في الصلاة ليلا ونهارا لله، وتحمل لأجله المشاق في مرضاته وطاعته خف عليه الوقوف في ذلك اليوم وسهل عليه. وإنْ آثر الراحة هنا والدعة البطالة والنعمة: طال عليه الوقوف هناك واشتدت مشقته عليه.
    وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله: ﴿إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا﴾ [الإنسان: 23]. فمن سبح الله ليلا طويلا لم يكن ذلك اليوم ثقيلا عليه بل كان أخف شيء عليه.
    (انتهى من "اجتماع الجيوش الإسلامية"/2/ص84-85).
    وللشيخ أبي إبراهيم دروس كثيرة في مسجد السنة بسعوان صنعاء، منها:
    بلوغ المرام لابن حجر
    صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني
    كتاب التوحيد للإمام النجدي
    الأصول الثلاثة للإمام النجدي
    الأجرومية
    صحيح البخاري
    صحيح مسلم
    تيسير الكريم الرحمن للإمام السعدي
    عمدة الأحكام للإمام المقدسي
    "الفواكه الجنية من الآثار السلفية" ،
    نسأل الله أن يثبت الشيخ على هذا الخير إلى أن يرد الحوض، لأن الجزاء من جنس العمل. عن ابن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم، ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». (أخرجه البخاري (6576) ومسلم (2297)).
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إن ورود الناس الحوض وشربهم منه يوم العطش الأكبر بحسب ورودهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشربهم منها، فمن وردها في هذه الدار وشرب منها وتضلع ورد هناك حوضه وشرب منه وتضلع. فله حوضان عظيمان حوض في الدنيا وهو سنته وما جاء به، وحوض في الآخرة. فالشاربون من هذا الحوض في الدنيا هم الشاربون من حوضه يوم القيامة. فشارب ومحروم ومستقل ومستكثر. والذين يذودهم هو والملائكة عن حوضه يوم القيامة. هم الذين كانوا يذودون أنفسهم وأتباعهم عن سنته ويؤثرون عليها غيرها فمن ظمأ من سنته في هذه الدنيا ولم يكن له منها شأن فهو في الآخرة أشد ظمأً وأحر كبداً ..إلخ ("اجتماع الجيوش الإسلامية" /ص 85-86/مكتبة الرشد).
    وقد اشتهر أهل اليمن بنصرة الرسول وحزب الرسول في كل زمن.
    عن سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه قال: دنوت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كادت ركبتاي تمسان فخذه فقلت : يا رسول الله تركت الخيل وألقي السلاح، وزعم أقوام أن لا قتال. فقال: «كذبوا، الآن جاء القتال. لا تزال من أمتي أمة قائمة على الحق ظاهرة على الناس، يزيغ الله قلوب قوم قاتلوهم لينالوا منهم». وقال وهو مول ظهره إلى اليمن: «إني أجد نفس الرحمن من هاهنا. ولقد أوحي إلي أني مكفوت غير ملبث، وتتبعوني أفناداً. والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها». (أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6358)/صحيح).
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله في شأن أهل اليمن: وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات. ("مجموع الفتاوى" /6/ص398).
    عن ثوبان أن نبي الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم ». فسئل عن عرضه، فقال: «من مقامي إلى عمان». وسئل عن شرابه فقال: «أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق ». (أخرجه مسلم (كتاب الفضائل / باب إثبات حوض / (2301)/دار الكتاب العربي)).
    قال الإمام النووي رحمه الله تحت الحديث: معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ليرفض على أهل اليمن وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام والأنصار من اليمن. فيدفع غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أعداءه والمكروهات. ومعنى يرفض عليهم أي يسيل عليهم اهـ. ("شرح النووي على مسلم" /15 / ص62-63/دار المعرفة).
    ونسأل الله أن يثبته على الصراط الحسي يوم القيامة كما كان يثبت على الصراط المعنوي في الدنيا ويبذل مجهوده في تثبيت أقدام الناس على الحق أيام الفتن. قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم : 71 ، 72].
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: « ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم». قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: «دحض مزلة. فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها: السعدان. فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم». (أخرجه البخاري (كتاب التوحيد/باب قول الله تعالى: ﴿وجوه يومئذ ناضرة﴾ /(7439)/دار السلام) ومسلم (كتاب الإيمان /باب معرفة طريق الرؤية/ (183)/دار الكتاب العربي)).
    فالجزاء من جنس العمل: أن مرور الإنسان على الصراط الحسي بين ظهراني جهنم الآخرة هو على حسب جوازهم الصراط المعنوي بين ظهراني بحار المحن في الدنيا.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إنّ مشيهم على الصراط في السرعة والبطء، بحسب سرعة سيرهم وبطئه على صراط اللهّ المستقيم في الدنيا، فأسرعهم سيراً هنا أسرعهم هناك، وأبطأهم هنا أبطأهم هناك. وأشدهم ثباتاً على الصراط المستقيم هنا أثبتهم هناك، ومن خطفته كلاليبُ الشهوات والشبهات والبدع المضلّة هنا، خطفته الكلاليبُ التي كأنها شوك السعدان هناك، ويكون تأثير كلاليب الشهوات والشبهات والبدع فيه ها هنا، فناج مسلم ومخدوش مسلم ومخردل. أي مقطع بالكلاليب مكردس في النار، كما أثر فيهم تلك الكلاليب في الدنيا جزاء وفاقاً. وما ربك بظلام للعبيد. ("اجتماع الجيوش الإسلامية"/ص 19).

    الباب الرابع: تحقير أهل الحديث هلاك

    من هم أهل الحديث؟
    قال أبو محمد ابن قتيبة رحمه الله: فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانه وتقربوا من الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم وطلبهم لآثاره وأخباره براً وبحراً وشرقاً وغرباً، ... إلخ. ("تأويل مختلف الحديث"/ص 73).
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه، أو كتابته أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه، ومعرفته وفهمه ظاهرا وباطنا، واتباعه باطنا وظاهرا، وكذلك أهل القرآن . ("مجموع الفتاوى"/4 /ص95).
    وقال رحمه الله: يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها واتباعا لها، تصديقا وعملا وحبا وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عادها، الذين يروون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه . ("مجموع الفتاوى"/3 /ص347).
    وقال رحمه الله: أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم من الخلف، ...إلخ. ("مجموع الفتاوى"/6 /ص355).
    هؤلاء هم أهل الحديث.
    وقد رأينا شدة اهتمام فضيلة شيخنا أبي إبراهيم محمد بن مانع الآنسي بإسناد الحديث ومتنه، وصحته وسقيمه، وحفظه والانقياد له، فهو كغيره من مشايخ السنة أنهم من جملة أهل الحديث بفضل الله وكرمه، ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [الإسراء: 20].
    والاهتمام وأسانيد الروايات من مميزات هذه الأمة التي حفظها الله بأهل الحديث أمثال الشيخ محمد بن مانع الآنسي حفظه الله.
    قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: المقصود المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها . ("علوم الحديث"/لابن الصلاح/4/ص105/ط. دار ابن القيم).
    وقال الإمام الحافظ ابن رجب رحمه الله: فإن الإسناد من خصائص هذه الأمة، مع أن في السماع فوائد جمة: من نشر السنة النبوية، وإظهارها، وبعث الهمم على الاشتغال بها دراية ورواية، وغير ذلك من المصالح. انتهى (رسالة "جميع الرسل كان دينهم الإسلام"/لابن رجب/نقله شارح "علوم الحديث"/4/ص105/ط. دار ابن القيم).
    وللشيخ أبي إبراهيم ولجميع مشايخ السنة الثابتين قسط ممن أثنى عليهم الإمام العلامة شيخ الإسلام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم. ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن الضالين. ("الرد على الجهمية والزنادقة"/ص55-56).
    وأهل الحديث من أشدّ الناس فطنة وأصفاهم ذهنا وأحدّهم فراسة. علموا دين الرسول صلى الله عليه وسلم ومراده، وعلموا أحوال العباد، بنور من الله عز وجل.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال ويمتازون عنهم بما ليس عندهم. فإن المنازع لهم لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى؛ مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوجد والذوق ونحو ذلك. وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخلاصتها: فهم أكمل الناس عقلا؛ وأعدلهم قياسا وأصوبهم رأيا وأسدهم كلاما وأصحهم نظرا وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة وأصدقهم إلهاما وأحدهم بصرا ومكاشفة وأصوبهم سمعا ومخاطبة وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا. وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل. فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحد وأسد عقلا وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك متمتعين. ("مجموع الفتاوى"/4/ ص9-10).
    وشيخنا أبو إبراهيم الآنسي حفظه الله ممن بصّره الله فوفقه في كثير من الفتن حصلت في الدعوة السلفية باليمن فعلم الحق وأهله فنصرهم على المبطلين مهما عظمت غبار شبهاتهم، ومهما قلّ المتبصِّرين بالحق في بداية الوقت.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصححه قال تعالى: ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى﴾ وقال: ﴿ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا * وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما﴾ . ("مجموع الفتاوى"/4/ ص10).

    أهل الأهواء يحتقرون بأهل الحديث ويبغضونهم ويطعنون فيهم
    قال الحاكم النيسابوري رحمه الله: وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ، ويسميها الحشوية ...إلخ. ("معرفة علوم الحديث" /1/ص 7).
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فصل: في أنَّ أهل الحديث هم أنصار رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وخاصّته ولا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر: يا مبغضاً أهل الحديث وشاتما * أبشر بعقد ولاية الشيطان. ("الكافية والشافية" /1/ص57).
    وهي من علامات أهل البدع من قديم الزمن. قال الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله: عَلامةُ أَهلِ البدَعِ الوَقيعةُ في أَهلِ الأَثَر. ("عقيدة السلف" /ص110/للإمام الصابوني/دار المنهاج/حسن لغيره).
    وقال أحمد بن سنان القطان رحمه الله: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث؛ وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه ("عقيدة السلف" /ص 109/للإمام الصابوني/دار المنهاج/حسن لغيره).




    الباب الخامس: المحن والبلايا بسبب الثبات على الحق هي من لوازم معاداة الشياطين

    قد سعا جنود إبليس في إضرار الشيخ محمد بن مانع حفظه الله، مراراً بثباته على الحق، وبنصرته أهل الحق. وهذا من سنة الله تعالى في العالمين، والعاقبة للمتقين.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ذكر مراتب إغواء الشيطان للعباد: وتصدى للنبي صلى الله عليه وسلم وظاهر الكفار على قتله بجهده والله تعالى يكبته ويرده خاسئاً. وتفلت على النبي صلى الله عليه وسلم بشهاب من نار يريد أن يرميه به وهو في الصلاة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ألعنك بلعنة الله»، وأعان اليهود على سحرهم للنبي صلى الله عليه وسلم. فإذا كان هذا شأنه وهمته في الشرّ فكيف الخلاص منه إلا بمعونة الله وتأييده وإعاذته؟ ولا يمكن حصر أجناس شره فضلاً عن آحادها، إذ كل شرّ في العالم فهو السبب فيه. ويمكن ينحصر شره في ستة أجناس لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحداً منها أو أكثر.
    الشر الأول: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه، وهو أول ما يريد من العبد فلا يزال به حتى يناله منه. فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره واستنابه على أمثاله وأشكاله فصار من دعاة إبليس ونوابه.
    فإذا يئس منه من ذلك وكان ممن سبق له الإسلام في بطن أمه نقله إلى المرتبة الثانية من الشر: وهي البدعة، وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي لأن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد، وهي ذنب لا يتاب منه، وهي مخالفة لدعوة الرسل ودعا إلى خلاف ما جاءوا به، وهي باب الكفر والشرك. فإذا نال منه البدعة، وجعله من أهلها بقي أيضا نائبه وداعيا من دعائه.
    فإن أعجزه من هذه المرتبة، وكان العبد ممن سبقت له من الله موهبة السنة ومعاداة أهل البدع والضلال نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر: وهي الكبائر على اختلاف أنواعها، فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها، ولا سيما إن كان عالما متبوعا فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه، ثم يشيع من ذنوبه ومعاصيه في الناس ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تديناً وتقربا بزعمه إلى الله تعالى، وهو نائب إبليس ولا يشعر. فـ: ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم﴾. هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها لا نصيحة منهم، ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه. كل ذلك لينفر الناس عنه وعن الانتفاع به. وذنوب هذا ولو بلغت عنان السماء أهون عند الله من ذنوب هؤلاء، فإنها ظلم منه لنفسه، إذا استغفر الله وتاب إليه قبل الله توبته وبدل سيئاته حسنات. وأما ذنوب أولئك فظلم للمؤمنين وتتبع لعورتهم وقصد لفضيحتهم، والله سبحانه بالمرصاد، لا تخفى عليه كمائن الصدور ودسائس النفوس.
    فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة: وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض» صحيح، وذكر حديثاً معناه: «أن كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى أوقدوا ناراً عظيمة فطبخوا واشتووا»]1[. ولا يزال يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالاً منه.
    فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الخامسة: وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها.
    فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظا لوقته شحيحا به يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله إلى المرتبة السادسة: وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه، وقلّ من يتنبه لهذا من الناس، فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا ومحركا إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة، فإنه لا يكاد يقول: إن هذا الداعي من الشيطان، فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير فيقول: هذا الداعي من الله، وهو معذور ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين باباً من أبواب الخير إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرا أعظم من تلك السبعين باباً وأجل وأفضل. وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله تعالى ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين خاصتهم وعامتهم. ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه في الأمة وخلفائه في الأرض. وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك فلا يخطر بقلوبهم والله تعالى يمن بفضله على من يشاء من عباده.
    فإن أعجزه العبد من هذه المراتب الست وأعيا عليه، سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه، وقصد إخماله وإطفائه ليشوش عليه قلبه ويشغل بحربه فكره، وليمنع الناس من الانتفاع به فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه ولا يفتر ولا يني، فحينئذ يلبس المؤمن لأمة الحرب ولا يضعها عنه إلى الموت ومتى وضعها أسر أو أصيب، فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله. فتأمل هذا الفصل وتدبر موقعه وعظيم منفعته واجعله ميزانك تزن به الناس وتزن به الأعمال.
    (انتهى من "بدائع الفوائد"/2/ص260-262).
    ولكن الله مع جنده وحزبه، ومن كان الله معه فمن يخاف؟ ومن كان الله خاذله فمن يرجو؟ فحسبنا الله ونعم الوكيل.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقال تعالى : ﴿ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون﴾ [ التوبة : 59 ] ، وقال تعالى : ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل﴾ [ آل عمران : 173 ]. فهؤلاء قالوا : حسبنا الله، أي : كافينا الله في دفع البلاء، وأولئك أمروا أن يقولوا : حسبنا في جلب النعماء، فهو سبحانه كاف عبده في إزالة الشر وفي إنالة الخير، أليس الله بكاف عبده، ومن توكل على غير الله ورجاه، خذل من جهته وحرم. ("مجموع الفتاوى"/8/ص165).
    قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36].
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فالكفاية التامة مع العبودية التامة والناقصة، فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوه عليهم سلطان، قال تعالى: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾. ولما علم عدو الله إبليس أن الله تعالى لا يسلم عباده إليه ولا يسلطه عليهم قال: ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين﴾. ("الوابل الصيب"/ص5-6).
    وقال رحمه الله: فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا، وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء، ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها، وجعل له فرجا ومخرجاً. ("إعلام الموقعين"/2/ص122).



    الباب الخامس: من ثناءات المشايخ على الشيخ محمد بن مانع الآنسي حفظه الله

    قد مرّت بنا أقوال العلماء في كتب الشيخ محمد بن مانع حفظه الله.
    وقال شيخنا أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله في الطبقات الأولى: محمد بن مانع شيخ ثبت فاضل قائم بدعوة في صنعاء، وله رسالة في تحريق كتب الضلال. ("الطبقات"/الطبقات الأولى/رقم (108) على الترتيب الهجائي).
    وقال لي فضيلة الشيخ أبي حذيفة عبد الغني العمري حفظه الله في الشيخ محمد بن مانع: لا أعلم عنه إلا أنه سلفي صلب.
    وقال لي فضيلة الشيخ أبو عبد الله طارق بن محمد البعداني حفظه الله: والشيخ محمد بن مانع من دعاة أهل السنة ومشائخهم ومن المنافحين عن السنة وأهلها. انتهى.
    وقال لي فضيلة الشيخ أبو اليمان عدنان بن حسين المصقري حفظه الله في الشيخ محمد ابن مانع: ما علمناه إلا صاحب سنة ومحباً للآثار ومبغضاً لأهل الأهواء والتحزب. انتهى.
    وقال شيخنا أبو عبد الرحمن عبد الرقيب الكوكباني حفظه الله:
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله، أما بعد:
    فالذي أعرف من الخير والمواقف المشكورة عن الوالد الشيخ المبارك أبي إبراهيم محمد بن مانع الآنسي شيء كثير وهو من أقدم الدعاة السلفية في العاصمة اليمنية صنعاء، وهو ممن وفق للجمع بين الدعوة العبادة والتأليف والمواظبة على القيام بالمهامّ الملقاة على عاتقه وهو رجل قوال بالحق ملازم للسنة والآثار شديد البغض للأهواء وأهلها ولقد مكثت عنده للدعوة بمسجده عاماً ونصفه فلم يكن بيني وبينه إلا ما بين الوالد الشفيق والولد البارّ ولا زال التواصل بيننا مكللاً بالودّ والمحبة والدعاء لبعضنا في ظهر الغيب، وأسأل الله أن يمنّ عليه بواسع فضله وإحسانه وأن يحفظه من كل سوء ومكروه، إن ربنا بكل خير كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. انتهى.


    نسأل الله عز وجل أن يديم توفيقه وكلاءته على الشيخ أبي إبراهيم حتى يلقاه.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: والتوفيق: إرادة الله من نفسه أن يفعل بعبده ما يصلح به العبد بأن يجعله قادراً على فعل ما يرضيه مريداً له محبّاً له مؤثراً له على غيره ويبغض إليه ما يسخطه ويكرهه إليه. ("مدارج السالكين"/2 /46).
    ونسأل الله أن يجعله من المكرمين بأعظم الكرامات: الاستقامة.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته. ("مجموع الفتاوى"/11/ص 298).
    عن عمرو بن الحمق رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد خيرا عسله» قالوا: يا رسول الله، وما عسله؟ قال: «يوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه»]2[.
    وأعاذه الله من الخذلان ولا سيما في آخر الحياة كما حصل في بعض الكبار المدعين لنصرة السنة فظهر سوء قصده في آخر حياته. ويتوب الله على من تاب.
    عن أبي بكرة، عن أبيه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الناس أفضل؟، أو قال: خير شك يزيد، قال: «من طال عمره، وحسن عمله»، قيل: فأي الناس شر؟ قال: «من طال عمره، وساء عمله». (أخرجه الإمام أحمد في مسنده (20480)]3[.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: أغبى الناس من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل. ("الفوائد"/ص 107).
    فالله الله إياك –وإيانا- وسوء الخاتمة. قال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الاشبيلي رحمه الله: واعلم أن لسوء الخاتمة -أعاذنا الله منها- أسباب، ولها طرق، وأبواب أعظمها الانكباب على الدنيا وطلبها، والحرص عليها، والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز و جل. وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية وجانب من الإعراض ونصيب من الجرأة والإقدام، فملك قلبه وسبي عقله وأطفأ نوره وأرسل عليه حجبه، فلم تنفع فيه تذكرة، ولا نجعت فيه موعظة. فربما جاءه الموت على ذلك فسمع النداء من مكان بعيد، فلم يتبين له المراد، ولا علم ما أراد وإن كرر عليه الداعي وأعاد. (كما في "الجواب الكافي"/لابن القيم/ ص 116).
    وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: ولسوء الخاتمة أسباب تتقدم على الموت، مثل البدعة، والنفاق، والكبر، ونحو ذلك من الصفات المذمومة، ولذلك اشتد خوف السلف من النفاق. ("مختصر منهاج القاصدين"/للمقدسي /4/ص69).
    صنعاء، 18 جمادى الأولى 1436 هـ.

    _____________________________
    (1) الحديث صحيح. أخرجه الإمام أحمد في مسنده (22808) بسند صحيح عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه».
    و جاء من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3818)، وفي سنده عبد ربه، وهو مجهول الحال.
    وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (25177) وابن أبي شيبة في مصنفه (34337) بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يا عائشة، إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله عز وجل طالبا».
    (2) أخرجه البزار في مسنده (2309) والحاكم في المستدرك (1258) بسند حسن.
    وجاء بسند صحيح من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: «وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته»، قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: «يوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه». (أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (12214)).
    (3) في سنده علي بن زيد وهو ابن جدعان، وهو ضعيف في الشواهد.
    وتابعه الحسن البصري كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (20481)، وقد عنعن، فالحديث حسن بالطريقين.
    وللفظ: «من طال عمره، وحسن عمله» شاهد قوي من حديث عبد الله بن بسر، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان، فقال أحدهما: من خير الرجال يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من طال عمره، وحسن عمله»، وقال الآخر: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فباب نتمسك به جامع؟ قال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله». (أخرجه الإمام أحمد في مسنده (17680)، وسنده صحيح).
يعمل...
X