عبد الله بن صالح ( خ ، د ، ت ، ق )
ابن محمد بن مسلم ، الإمام ، المحدث ، شيخ المصريين أبو صالح الجهني مولاهم المصري ، كاتب
الليث بن سعد .
قد شرحت حاله في " ميزان الاعتدال " وليناه . وبكل حال ، فكان صدوقا في نفسه ، من أوعية
العلم ، أصابه داء شيخه ابن لهيعة ، وتهاون بنفسه حتى ضعف حديثه ، ولم يترك بحمد الله ،
والأحاديث التي نقموها عليه معدودة في سعة ما روى .
مولده في سنة سبع وثلاثين ومائة .
ورأى زبان بن فائد ، وعمرو بن الحارث ، وسمع من : موسى بن علي بن رباح ، ومعاوية بن
صالح ، ويحيى بن أيوب ، وعبد العزيز بن الماجشون ، والليث بن سعد ، وسعيد بن عبد العزيز
الدمشقي ، ونافع بن يزيد ، وضمام بن إسماعيل ، وابن وهب ، وخلق سواهم .
ولازم الليث ، فأكثر عنه وحمل عنه تصانيفه ، وكان كاتبا له على أمواله
حدث عنه : الليث شيخه ، ويحيى بن معين ، والبخاري وأبو حاتم ، وأبو إسحاق الجوزجاني ،
وإسماعيل سمويه ، وحميد بن زنجويه ، وأبو محمد الدارمي وعثمان الدارمي ، وأبو زرعة
الدمشقي ، ومحمد بن إسماعيل الترمذي ، وإبراهيم بن ديزيل ، وعدد كثير ، خاتمتهم محمد بن
عثمان بن أبي السوار المصري المتوفى سنة٢٩٧.
قال إبراهيم بن ديزيل : حدثنا خلف بن الوليد أبو المهنى ، حدثنا الليث بن سعد ، عن عبد الله بن
صالح ، عمن أخبره ، يرفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما أعطي أحد
الشكر ، فمنع الزيادة " الحديث .
قال ابن ديزيل : ثم لقيت أبا صالح فقال : أنا حدثت الليث بهذا .
قلت : فمن حدثك ؟ قال : يحيى بن عطارد بن مصعب ، عن أبيه ، قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم .
قلت : وهو مرسل ، لا ، بل معضل .
استشهد البخاري في " صحيحه " بأبي صالح ، بل قد روى عنه حديثا وقال : حدثني عبد الله بن
صالح ، وهذا ثابت في بعض النسخ المتقنة ، فقال في أول الحديث : قال الليث حدثنا جعفر بن
ربيعة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة بحديث الذي استدان من رجل ألف دينار ، فقال : ائتني بكفيل
، قال : كفى بالله وكيلا والحديث مشهور ، علقه البخاري في غير موضع .
وقد استشكل المحدثون قبلنا في تفسير الفتح من " الصحيح " : حدثنا عبد الله حدثنا عبد العزيز بن
أبي سلمة ، عن هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو ، فذكر حديث : إنا أرسلناك
شاهدا ومبشرا ونذيرا .
فقال أبو نصر الكلاباذي ، والوليد بن بكر الأندلسي ، وهبة الله اللالكائي : عبد الله هذا هو عبد الله
بن صالح العجلي الكوفي .
وقال أبو علي بن السكن في روايته الصحيح عن الفربري ، عن البخاري ، حدثنا عبد الله بن مسلمة
- يعني القعنبي - حدثنا عبد العزيز . . فذكره .
وقال أبو مسعود الحافظ في " الأطراف " : عبد الله هو عبد الله بن رجاء ، ثم قال : والحديث عند
عبد الله بن رجاء ، وعند عبد الله بن صالح .
وقال أبو علي الغساني الحافظ بل هو عبد الله بن صالح كاتب الليث .
قال لنا أبو الحجاج الحافظ : وهذا أولى الأقوال بالصواب ، قال : لأن البخاري رواه في كتاب "
الأدب " في باب الانبساط إلى الناس ، فقال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن عبد العزيز . ذكره
عقيب حديث محمد بن سنان العوقي ، عن فليح ، عن هلال . ورواه في البيوع من " الجامع
الصحيح " عن العوقي . فالحديث عند البخاري عن الرجلين في " الأدب " وفي " الصحيح " . . .
إلى أن قال : فإذا تقرر أنه سمعه من الرجلين ، وقع الاشتراك في قوله : حدثنا عبد الله بن صالح
بين العجلي الكوفي ، وبين الجهني الكاتب ، فكونه الكاتب أولى ، لأنا تيقنا أن البخاري قد سمع من
كاتب الليث ، وأكثر عنه في " تاريخه " وفي أماكن ، وهذا معدوم في حق العجلي ، فإن البخاري
ذكر له ترجمة صغيرة مختصرة جدا في " تاريخه " لم يرو عنه فيها شيئا ، ولا وجدنا أبدا له
رواية متيقنة عنه لا في " الصحيح " ولا في شيء من تواليفه ، بل قد روى في " تاريخه " عن
رجل عنه . نعم ولم نجد للعجلي رواية عن عبد العزيز بن أبي سلمة سوى حديث واحد ، متنه : "
الظلم ظلمات " رواه عنه إبراهيم الحربي بخلاف كاتب الليث ، فإنه مكثر عن ابن أبي سلمة .
قلت : وأيضا فإن غير واحد روى الحديث المذكور عن كاتب الليث ، فتعين أنه هو .
وفي الجهاد من " الصحيح " أيضا : حدثنا عبد الله ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن صالح
بن كيسان ، عن سالم ، عن أبيه قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم -إذا قفل من حج . .
وذكر الحديث .
فقال أبو علي بن السكن : حدثنا الفربري : حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن يوسف فذكر . .
رواه ابن السكن في " مصنفه " .
وقال أبو مسعود في " الأطراف " : هذا الحديث يرويه الناس عن عبد الله بن صالح . قال : وقد
روي أيضا عن عبد الله بن رجاء ، فالله أعلم أيهما هو .
وقال الغساني : بل هو كاتب الليث .
قال ابن حبان : كان أبو صالح كاتبا على مغل الليث ، منكر الحديث جدا ، وكان في نفسه صدوقا ،
سمعت ابن خزيمة يقول : كان له جار يعاديه ، فكان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ،
ويكتب في قرطاس بخط يشبه خط عبد الله ، ويطرحه في داره بين الكتب ، فيجده عبد الله ، فيحدث
به على التوهم أنه خطه .
ثم قال ابن حبان : روى عبد الله بن صالح ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن سعيد ، عن عطاء
بن يسار ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حجة لمن لم
يحج خير من عشر غزوات ، وغزوة لمن حج خير من عشر حجج ، وغزوة في البحر خير من
عشرة في البر " حدثناه أبو عروبة ، حدثنا علي بن إبراهيم بن عزون ، حدثنا عبد الله .
ثم قال : وروى عن الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن
شفي الأصبحي ، سمع عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" يكون خلفي اثنا عشر خليفة : أبو بكر لا يلبث إلا قليلا ، وصاحب رحا دارة العرب عمر . . "
وذكر الحديث حدثناه أحمد بن الحسن الصوفي ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا عبد الله .
قلت : قرأت على أحمد بن المؤيد بمصر ، أخبرنا أحمد بن صرما ، وابن عبد السلام ، قالا : أخبرنا
محمد بن عمر ، أخبرنا أبو الحسين بن النقور ، أخبرنا علي بن عمر الحربي ، حدثنا الصوفي ،
فذكره بتمامه .
فأنا أتعجب من أبي زكريا ونقده ، كيف يستحل رواية مثل هذا ، ويسكت عن توهيته ؟ !
وساق له ابن حبان وابن عدي جماعة أحاديث تفرد بها منكرة .
وقال أبو محمد بن أبي حاتم : عبد الله بن صالح ، روى عنه الليث ، وابن وهب ، ودحيم .
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : سمعت أبي وسئل عن عبد الله بن صالح ، فقال : أتسألوني
عن أقرب رجل إلى الليث ؟ رجل معه في ليله ونهاره ، وسفره وحضره ، ويخلو معه غالبا ، فلا
ينكر لمثله أن يكثر عن الليث .
وقال أبي أبو حاتم : هو أمين صدوق ما علمته . وأثنى على عبد الله سعيد بن عفير عالم مصر .
وقال عبد الملك بن شعيب بن الليث : هو ثقة مأمون ، سمع من جدي حديثه ، وكان أبي يحضه
على التحديث .
وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عنه ، فقال : فسد بأخرة ، وليس بشيء .
وقال أبو حاتم : سمعت ابن معين يقول : أقل الأحوال أنه قرأ هذه الكتب على الليث ، فأجازها له ،
ويمكن أن يكون ابن أبي ذئب كتب إلى الليث بهذا الدرج .
قال أحمد بن صالح : لا أعلم أحدا روى عن الليث عن ابن أبي ذئب إلا أبا صالح ، وذكر أن أبا
صالح أخرج درجا قد ذهب أعلاه ، ولم يدر حديث من هو ، فقيل له : حديث ابن أبي ذئب ، فروى
عن الليث عن ابن أبي ذئب .
وقال صالح جزرة : كان يحيى بن معين يوثقه ، وعندي أنه كان يكذب في الحديث .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وروى إسماعيل بن عبد الله ، عن عبد الله بن صالح قال : صحبت الليث عشرين سنة .
قال الفضل بن محمد الشعراني : ما رأيت عبد الله بن صالح إلا وهو يحدث أو يسبح .
وقال يعقوب الفسوي : حدثنا الرجل الصالح عبد الله بن صالح الرمادي ، عن أبي صالح : شهدنا
الأضحى ببغداد مع الليث في سنة إحدى وستين ومائة .
وقال علي بن المديني : ضربت على حديث كاتب الليث ، ولا أروي عنه شيئا .
وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : حديث " إن الله اختار أصحابي " موضوع ،
والحمل فيه على أبي صالح .
قلت : ومن أنكر ما نقموا على أبي صالح روايته عن نافع بن يزيد ، عن زهرة بن معبد ، عن سعيد
بن المسيب ، عن جابر مرفوعا : " إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين " الحديث بطوله ،
لكن قد تابعه عليه سعيد بن أبي مريم ، عن نافع ، رواه علي بن داود القنطري ، ومحمد بن
الحارث العسكري ، عن ابن أبي مريم ، فتخلص أبو صالح .
وقال أبو زرعة الرازي وغيره : هو من وضع خالد بن نجيح المصري ، وكان يضع في كتب
الشيوخ .
قلت : لعله أدخله على نافع بن يزيد مع أن نافعا صدوق ، قد احتج به مسلم .
قال أبو أحمد بن عدي : أبو صالح عندي مستقيم الحديث إلا أنه يقع في حديثه غلط ، ولا يتعمد
الكذب .
نقل ابن يونس وغيره موت أبي صالح في يوم عاشوراء سنة ثلاث وعشرين ومائتين .
قلت : قد كان قارب التسعين - رحمه الله ، وهو في عقلي أقوى من نعيم بن حماد ، وأسيد الجمال ،
وما هو بدون إسماعيل بن أبي أويس الأصبحي .
أنبئت عن جماعة ، عن أبي علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا الطبراني ، حدثنا مطلب بن شعيب
، وبكر بن سهل قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، حدثنا العلاء بن الحارث
، عن مكحول : أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الجهاد واجب
عليكم مع كل بر وفاجر ، وإن هو عمل الكبائر ، والصلاة واجبة عليكم على كل مسلم يموت ، برا
كان أو فاجرا ، وإن هو عمل الكبائر " .
سير أعلام النبلاء مجلد ١٠ صفحة٤٠٥