عبد الله بن نافع الصائغ
من كبار فقهاء المدينة بالغ القاضي عياض في تقريظه ، وذكره في صدر كتاب " المدارك " له ،
فقال ولقد بعث سحنون في محمد بن رزين ، وقد بلغه أنه يروي عن عبد الله بن نافع ، فقال له :
أنت سمعت من ابن نافع ؟ فقال : أصلحك الله إنما هو الزبيري وليس بالصائغ ، فقال له : فلم دلست
؟ ثم قال سحنون : ماذا يخرج بعدي من العقارب ؟ ! فقد رأى سحنون وجوب بيانهما ، وإن كانا
ثقتين إمامين ، حتى لا تختلط رواياتهما ، فإن الصائغ أكبر وأقدم وأثبت في مالك لطول صحبته له ،
وهو الذي خلفه في مجلسه بعد ابن كنانة ، وهو الذي يحكي عنه يحيى بن يحيى وسحنون ،
ويرويان عنه ، ولم يسمع منه سحنون سماعه وإنما سمعه من أشهب كما نذكره بعد . ووفاته سنة
ست وثمانين ومائة .
قلت : هذا قد قيل في وفاته ، والأصح ما سنذكره بعد فيها .
قال ومات الزبيري سنة ست عشرة ومائتين ، وهو شيخ ابن حبيب ، وسعيد بن حسان ، وكثيرا ما
تختلط روايتهم عند الفقهاء ، حتى لا علم عند أكثرهم بأنهما رجلان ، وربما جاءت رواية أحدهما
مخالفة لرواية الآخر ، فيقولون : في ذلك اختلاف عن ابن نافع . وقد وهم فيهما عظيم من شيوخ
الأندلسيين بعد أن فرق بينهما ؛ لكنه زعم أن أحدهما ولد نافع مولى ابن عمر ، وإنما عبد الله بن
نافع العمري شيخ قديم يذكر مع ابن أبي ذئب ونحوه .
قلت : وعبد الله الصائغ حديثه مخرج في الكتب الستة سوى " صحيح البخاري " وهو من موالي
بني مخزوم .
ولد سنة نيف وعشرين ومائة .
وحدث عن : محمد بن عبد الله بن حسن الذي قام بالمدينة وقتل وأسامة بن زيد الليثي ، ومالك بن
أنس ، وابن أبي ذئب ، وسليمان بن يزيد الكعبي صاحب أنس ، وكثير بن عبد الله بن عوف ، وداود
بن قيس الفراء وخلق سواهم وليس هو بالمتوسع في الحديث جدا ، بل كان بارعا في الفقه .
حدث عنه : محمد بن عبد الله بن نمير ، وأحمد بن صالح ، وسحنون بن سعيد ، وسلمة بن شبيب ،
والحسن بن علي الخلال ، ويونس بن عبد الأعلى ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، والزبير بن
بكار ، وأحمد بن الحسن الترمذي ، وعدة .
روى أبو طالب عن أحمد بن حنبل قال : كان صاحب رأي مالك .
وكان يفتي أهل المدينة ، ولم يكن صاحب حديث ، كان ضيقا فيه .
وقال يحيى بن معين : ثقة .
وقال البخاري : تعرف وتنكر .
وقال أبو حاتم : هو لين في حفظه ، وكتابه أصح .
وقال النسائي : ليس به بأس .
وقال ابن عدي : روى عن مالك غرائب .
وقال ابن سعد : كان قد لزم مالكا لزوما شديدا ، ثم قال : وهو دون معن ، قال : وتوفي في شهر
رمضان سنة ست ومائتين .
قلت : فهذا الصواب في وفاته ، وما عداه ، فوهم وتصحيف .
وقد أخطأ الإمام أبو أحمد بن عدي في ترجمته خطأ لا يحتمل منه ، وذلك أنه لم يرو في ترجمته
سوى حديث واحد ، فساقه بإسناده ، إلى عبد الوهاب بن بخت المكي ، عن عبد الله بن نافع ، عن
هشام بن عروة ، عن أبيه ، فذكر حديثا ، ثم إنه قال : وإذا روى عن عبد الله مثل عبد الوهاب بن
بخت ، يكون ذلك دليلا على جلالته ، وهو من رواية الكبار عن الصغار .
قلت : من أين يمكن أن يروي عبد الله بن نافع الصائغ عن هشام ، ولم يأخذ عن أحد حتى مات
هشام ؟ ومن أين يمكن أن يحدث عبد الوهاب عن الصائغ ، وإنما ولد الصائغ بعد موت عبد الوهاب
بأعوام عديدة ؟ وإنما عبد الله بن نافع المذكور في الحديث مولى ابن عمر ، مات قديما في دولة أبي
جعفر المنصور .
سير أعلام النبلاء مجلد ١٠ صفحة ٣٧١