ابن أبي عروبة
سعيد بن أبي عروبة ، الإمام ، الحافظ عالم أهل البصرة ، وأول من صنف السنن
النبوية ، أبو النضر بن مهران العدوي ، مولاهم البصري .
حدث عن الحسن ، ومحمد بن سيرين ، وأبي رجاء العطاردي ، والنضر بن أنس وعبد
الله الداناج ، وقتادة ، وأبي نضرة العبدي ، ومطر الوراق ، وخلق سواهم . وكان من
بحور العلم إلا أنه تغير حفظه لما شاخ . وأكبر شيخ له هو أبو رجاء .
حدث عنه : شعبة ، والثوري ، ويزيد بن زريع ، وروح بن عبادة ، والنضر بن شميل ،
وبشر بن المفضل ، وإسماعيل ابن علية ، ويحيى بن سعيد القطان ، وخالد بن
الحارث ، ومحمد بن جعفر غندر ، وأبو عاصم النبيل ، وسعيد بن عامر الضبعي ،
وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف راوي كتبه ، ومحمد بن بكر البرساني ، ويزيد بن
هارون ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وخلق سواهم . وثقه يحيى بن معين ،
والنسائي ، وجماعة .
قال يزيد بن زريع : سمعت سعيد بن أبي عروبة يقول : من لم يسمع الاختلاف ، فلا
تعده عالما .
قال أحمد بن حنبل : لم يكن لسعيد كتاب ، إنما كان يحفظ ذلك كله . وقال يحيى بن
معين : أثبت الناس في قتادة : سعيد ، وهشام الدستوائي ، وشعبة .
قال أبو عوانة : لم يكن عندنا في ذلك الزمان أحد أحفظ من سعيد بن أبي عروبة .
وقال حفص بن عبد الرحمن النيسابوري :قال لي سعيد بن أبي عروبة : إذا رويت
عني ، فقل : حدثنا سعيد الأعرج ، عن قتادة الأعمى ، عن الحسن الأحدب . قلت : لم
نسمع بأن الحسن البصري كان أحدب إلا في هذه الحكاية .
قال أحمد بن حنبل : كان قتادة وسعيد يقولان بالقدر ويكتمان .
قلت : لعلهما تابا ورجعا عنه كما تاب شيخهما .
أخبرنا جماعة ، منهم شيخ الإسلام شمس الدين بن أبي عمر إجازة ، أن عمر بن
محمد أخبرهم قال : أنبأنا هبة الله بن محمد الشيباني ، أنبأنا محمد بن محمد ،
أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي ، حدثنا يزيد ، حدثنا
ابن أبي عروبة ، عن عبد الله الداناج ، عن حصين بن المنذر قال : " صلى الوليد بن
عقبة أربعا وهو سكران ، ثم انفتل فقال : أزيدكم ؟ فرفع ذلك إلى عثمان ، فقال له علي
: اضربه الحد ، فأمر بضربه . فقال علي للحسن : قم فاضربه . قال : فما أنت وذاك ؟
قال : إنك ضعفت ، ووهنت ، وعجزت . قم يا عبد الله بن جعفر ، فقام عبد الله بن
جعفر فجعل يضربه ، وعلي يعد حتى إذا بلغ أربعين ، قال : كف - أو : اكفف - ثم
قال : ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين ، وضرب أبو بكر أربعين ،
وضرب عمر صدرا من خلافته أربعين ، وثمانين ، وكل سنة . هذا حديث صحيح ،
أخرجه مسلم وأبو داود ، والقزويني .
روى إسحاق الكوسج عن ابن معين : ثقة .
وقال أبو زرعة : ثقة مأمون .
وقال أبو حاتم : ثقة قبل أن يختلط ، وكان أعلم الناس بحديث قتادة .
وقال أحمد بن حنبل : من سمع منه قبل الهزيمة ، فسماعه جيد عنى هزيمة نوبة
إبراهيم بن عبد الله بن حسن . وهي في شوال سنة خمس وأربعين ومائة .
وقال يزيد بن هارون : لقيت ابن أبي عروبة ، قبل الأربعين ومائة بدهر ، ورأيته سنة
اثنتين وأربعين ومائة فأنكرته .
وكان يحيى بن سعيد القطان يوثقه . وقال أبو نعيم
: كتبت عنه بعدما اختلط حديثين . فقمت ، وتركته .
قال محمد بن مثنى : حدثنا الأنصاري قال : دخلت أنا وعبد الله بن سلمة الأفطس
على سعيد بن أبي عروبة بعدما تغير ، فجعل ينظر في وجوهنا ولا يعرفنا .
محمد بن سلام الجمحي : كان ابن أبي عروبة يمزح ، وكان يحدث ، فإذا أعجبه
حفظه . قال : دقك بالمنجاز حب القلقل
وقال بعضهم : أتيت ابن أبي عروبة فتمارى عنده رجلان ، فبقي يغري
بينهما قليلا .
قلت : وكان من المدلسين . قال أحمد بن حنبل : لم يسمع سعيد بن أبي عروبة من
الحكم ، ولا من الأعمش ، ولا من حماد ، ولا من عمرو بن دينار ، ولا من هشام بن
عروة ، ولا من إسماعيل بن أبي خالد ، ولا من عبيد الله بن عمر ، ولا من أبي بشر ،
ولا من ابن عقيل ، ولا من زيد بن أسلم ، ولا من عمر بن أبي سلمة ، ولا من أبي
الزناد . وقد حدث عن هؤلاء ، على التدليس ، ولم يسمع منهم .
وقال أبو حفص الفلاس : سمعت يحيى القطان يقول : لم يسمع سعيد من يحيى بن
سعيد الأنصاري ، ولا من عبيد الله ، ولا هشام بن عروة .
وقال عبدة بن سليمان : سمعت من سعيد في الاختلاط .
وقد قال يحيى بن معين : أثبت الناس سماعا من سعيد عبدة .
قال الجراح بن مخلد : سمعت مسلم بن إبراهيم يقول : قال لي سعيد بن أبي عروبة
: مالك خازن النار من أي حي هو ؟ قلت : هذا من قبيل المزاح .
عبدان الأهوازي : سمعت أصحابنا يحكون عن مسلم بن إبراهيم قال : كتبت عن
سعيد التصانيف فخاصمني أبي ، فسجرت التنور وطرحتها فيه . وقال عبد الرحمن
بن مهدي : سمع غندر من سعيد ، يعني في الاختلاط . وقال أبو عمر الحوضي :
دخلت على سعيد بن أبي عروبة ، أريد أن أسمع منه ، فسمعت منه كلاما عجيبا .
سمعته يقول :
الأزد أزد عريضه ذبحوا شاة مريضه *** *** أطعموني فأبيت
ضربوني فبكيت
وقال يحيى القطان : سمع خالد بن الحارث من سعيد إملاء ، وكان سفيان بن حبيب
عالما بشعبة وسعيد .
وعن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال : ليست رواية وكيع والمعافى بن عمران
، عن سعيد بشيء ، إنما سمع منه وكيع في الاختلاط . فقال لي وكيع : رأيتني
حدثت عنه إلا بحديث مستو ؟
وروى وهيب ، عن أيوب قال : لا يفقه رجل لا يدخل حجرة سعيد بن أبي عروبة .
روى محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن ابن أبي عروبة قال : من سب عثمان افتقر .
شعيب بن إسحاق ، عن سعيد قال : أتيت ابن سيرين مع قتادة فأنشدنا بيتا .
قال أبو أحمد بن عدي في " كامله " : سعيد بن أبي عروبة من الثقات ، وله أصناف
كثيرة ، ومن سمع منه في الاختلاط فلا يعتمد عليه . وأرواهم عنه : عبد الأعلى
الشامي ، ثم شعيب بن إسحاق ، وعبدة بن سليمان ، وعبد الوهاب بن عطاء . قال :
وأثبتهم فيه يزيد بن زريع ، وخالد بن الحارث ، ويحيى بن سعيد القطان . وروى
جميع مصنفاته عبد الوهاب الخفاف .
قال عبد الصمد بن عبد الوارث وغيره : مات ابن أبي عروبة في ست وخمسين ومائة .
قلت : توفي في عشر الثمانين ومات معه في السنة مقرئ الكوفة حمزة الزيات ،
وقاضي البصرة سوار بن عبد الله العنبري ونزيل بيت المقدس عبد الله بن شوذب
البلخي ، ومحدث حمص أبو بكر بن أبي مريم الغساني ، وعمر بن ذر بالكوفة ،
ومحدث المغرب عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي .
قال أحمد بن حنبل : زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال : لم أكتب إلا تفسير قتادة ،
وذلك أن أبا معشر كتب إلي أن اكتبه . وقال أبو داود الطيالسي : كان سعيد أحفظ
أصحاب قتادة .
أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ ، أنبأنا علي بن مختار ( ح ) وأنبأنا أحمد بن
عبد الكريم بن الأغلاقي ، أنبأنا نصر بن جرو ( ح ) وأنبأنا أبو المعالي أحمد بن
المؤيد ، أنبأنا عبد القوي بن الحباب ، وأنبأنا علي بن أحمد الحسيني ، أنبأنا
مرتضى بن حاتم ، وأنبأنا أبو القاسم بن عمر الهواري وعبد الرحمن بن مخلوق
وطائفة قالوا : أنبأنا جعفر بن منير ، قالوا خمستهم : أنبأنا أبو طاهر
أحمد بن محمد بن سلفة ، أنبأنا عبد الرحمن بن عمر ، والحسين بن الحسين
الهاشمي والمبارك بن عبد الجبار ، ومحمد بن عبد الملك ، ومحمد بن عبد الكريم ،
قالوا خمستهم : أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد البزاز ، أنبأنا عثمان بن أحمد
الدقاق ، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا سعيد بن
أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي : إن
الله أمرني أن أقرئك القرآن ، أو أقرأ عليك القرآن . قال : الله سماني لك ؟ قال : وذكرت
عند رب العالمين ؟ قال : نعم ، فذرفت عيناه أخرجه البخاري عن ابن المنادي ، لكن
سماه أحمد .
سير أعلام النبلاء مجلد ٦ صفحة ٤١٣