الإمام ، العلامة ، الحافظ البوشنجي
الإمام ، العلامة ، الحافظ ، ذو الفنون ، شيخ الإسلام أبو عبد الله ، محمد بن إبراهيم
بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى العبدي ، الفقيه المالكي ، البوشنجي ، شيخ أهل
الحديث في عصره بنيسابور . مولده في سنة أربع ومائتين .
وارتحل شرقا وغربا ، ولقي الكبار ، وجمع ، وصنف ، وسار ذكره ، وبعد صيته .
سمع : يحيى بن بكير ، وروح بن صلاح ، ويوسف بن عدي ، ومحمد بن
سنان العوقي ، ومسددا ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وسعيد بن منصور ، وأحمد بن
عبد الله بن يونس .
ومحمد بن المنهال الضرير ، وهدبة بن خالد ، وعبد الله بن محمد بن أسماء ، وأمية
بن بسطام ، وأبا نصر التمار ، وأحمد بن حنبل ، وعبيد الله بن محمد العيشي ،
وإبراهيم بن حمزة الزبيري .
وسليمان بن بنت شرحبيل ، ومحبوب بن موسى الأنطاكي ، وعبد العزيز بن عمران
بن مقلاص ، إبراهيم بن المنذر الحزامي ، وأبا الربيع الزهراني ، وطبقتهم .
حدث عنه : محمد بن إسحاق الصاغاني ، ومحمد بن إسماعيل البخاري - وهما أكبر
منه - وأبو حامد بن الشرقي ، وابن خزيمة ، وأبو العباس الدغولي .
وأبو بكر بن إسحاق الصبغي ، وأبو عبد الله بن الأخرم ، ويحيى بن محمد العنبري
، ودعلج السجزي ، وعلي بن حمشاذ ، وإسماعيل بن نجيد ، وخلق خاتمتهم : أبو
الفوارس أحمد بن محمد بن جمعة ، المتوفى بعد ابن نجيد بعام .
قال دعلج : حدثني فقيه من أصحاب داود بن علي : أن أبا عبد الله دخل عليهم يوما
، وجلس في أخريات الناس ، ثم إنه تكلم مع داود ، فأعجب به ، وقال : لعلك أبو عبد
الله البوشنجي ؟ قال : نعم . فقام إليه ، وأجلسه إلى جنبه ، وقال : قد حضركم من
يفيد ولا يستفيد .
وقال أبو زكريا العنبري : شهدت جنازة الحسين القباني ، فصلى بنا عليه أبو عبد
الله البوشنجي ، فلما أرادوا الانصراف ، قدمت دابة أبي عبد الله ، وأخذ أبو عمرو
الخفاف بلجامه ، وأخذ إمام الأئمة بركابه ، وأبو بكر الجارودي ، وإبراهيم بن أبي
طالب يسويان عليه ثيابه ، فلم يمنع واحدا منهم ، ومضى .
قال أبو زكريا العنبري : قال لي البوشنجي مرة : أحسنت . ثم التفت إلى أبي ، وقال
: قلت لابنك : أحسنت ، ولو قلت هذا لأبي عبيد لفرح به .
قال أبو عمرو بن نجيد : سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل يقول : تقدمت لأصافح
أبا عبد الله البوشنجي تبركا به ، فقبض عني يده ، ثم قال : يا أبا عثمان ! لست
هناك .
قال أبو بكر محمد بن جعفر المزكي : أخبرنا البوشنجي ، عن أحمد بن حنبل ، عن
ابن مهدي ، عن زهير بن محمد ، عن صالح بن كيسان ، عن عبد الله بن أبي أمامة ،
عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : البذاذة من الإيمان فقال:
البوشنجي : البذاء خلاف البذاذة ، إنما البذاء : طول [ ص: 584 ] اللسان
برمي الفواحش والبهتان ، والبذاذة : رثاثة الثياب في الملبس والمفرش ، تواضعا عن
رفيع الثياب وثمين الملابس والمفترش ، وهي ملابس أهل الزهد ، يقال : فلان بذ
الهيئة : رث الملبس .
قال أبو بكر محمد بن جعفر : سمعت البوشنجي يقول للمستملي : الزم لفظي ،
وخلاك ذم .
الحاكم : سمعت الحسن بن أحمد بن موسى ، سمعت أبا عبد الله البوشنجي يقول
في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو كان القرآن في إهاب ما مسته
النار قال : معناه : أن من حمل القرآن وقرأه ، لم تمسه النار .
الحاكم : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني ، سمعت البوشنجي غير
مرة يقول : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، وذكره يملأ الفم . وقال : سمعت أبا
بكر محمد بن جعفر ، سمعت البوشنجي غير مرة يقول : عبد العزيز بن محمد
الأندراوردي .
قال : وحدثنا يحيى بن محمد العنبري ، حدثنا البوشنجي ، حدثنا النفيلي ، حدثنا
عكرمة بن إبراهيم الأزدي قاضي الري ، عن عبد الملك بن عمير ، عن موسى بن طلحة
، قال : ما رأيت أخطب من عائشة ولا أعرب ، لقد رأيتها يوم الجمل ، وثار إليها
الناس ، فقالوا : يا أم المؤمنين ! حدثينا عن عثمان وقتله . فاستجلست الناس ، ثم
حمدت الله ، وأثنت عليه ، ثم قالت :
أما بعد . . . فإنكم نقمتم على عثمان خصالا ثلاثا : إمرة الفتى ، وضربة السوط ،
وموقع الغمامة المحماة ، فلما أعتبنا منهن ، موصتموه موص الثوب بالصابون ،
عدوتم به الفقر الثلاث : حرمة الشهر الحرام ، وحرمة البلد الحرام ، وحرمة الخلافة .
والله لعثمان كان أتقاكم للرب ، وأوصلكم للرحم ، وأحصنكم فرجا . أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم .
قال البوشنجي : إمرة الفتى : عزله سعدا ، وتوليته مكانه الوليد بن عقبة ، لقرابته
منه . وضربة السوط : فإنه تناول عمارا ، وأبا ذر ببعض التقويم . وموقع الغمامة :
فإنه حمى أحماء في بلاد العرب لإبل الصدقة ، وقد فعله عمر ، فما أنكره الناس ،
والموص : الغسل ، والفقر : الفرص .
الحاكم : حدثنا محمد بن أحمد بن موسى الأديب ، حدثنا محمد بن إبراهيم
البوشنجي ، حدثنا عبد الله بن يزيد الدمشقي ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن
جابر ، قال : رأيت في المقسلاط صنما من نحاس ، إذا عطش ، نزل ، فشرب .
ثم قال البوشنجي : ربما تكلمت العلماء على سبيل تفقدهم مقدار أفهام حاضريهم ،
تأديبا لهم ، وتنبيها على العلم ، وامتحانا لأوهامهم ، فهذا ابن جابر ، وهو أحد
علماء الشام ، وله كتب في العلم ، يقول هذا ، والمقسلاط : موضع بدمشق بسوق
الدقيق ، يريد أن الصنم لا يعطش ، ولو عطش نزل فشرب ، فينفي عنه النزول
والعطش .
قال : وسمعت أبا زكريا العنبري ، سمعت البوشنجي ، سمعت قتيبة بن سعيد ،
سمعت يونس بن سليم يقول : الأرز من طعام الكرام .
قال قتيبة : فلما حججت صيروه حديثا ، فكانوا يجيئون ببغداد ، فيقولون : حديث
الأرز ، حديث الأرز .
سمعت العنبري ، سمعت البوشنجي ، سمعت أبا صالح الفراء ، سمعت يوسف بن
أسباط يقول : قال لي سفيان : إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان ، فاعلم أنه لص ،
وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراء ، وإياك أن تخدع ، ويقال لك : ترد مظلمة ،
وتدفع عن مظلوم ، فإن هذه خدعة إبليس ، اتخذها القراء سلما .
وسمعت العنبري ، سمعت البوشنجي يقول : ابن إسحاق عندنا ثقة ثقة .
قال : وسمعت أبا عمرو بن حمدان ، سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول : لو لم
يكن في أبي عبد الله من البخل بالعلم ما كان ، ما خرجت إلى مصر .
قال أبو النضر الفقيه : سمعت البوشنجي يقول : من أراد العلم والفقه بغير أدب ،
فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله .
ذكر السليماني الحافظ أبا عبد الله البوشنجي ، فقال : أحد أئمة أصحاب مالك .
وقال الحسن بن يعقوب : كان مقام أبي عبد الله البوشنجي بنيسابور على الليثية ،
فلما انقضت أيامهم ، خرج إلى بخارى ، إلى حضرة الأمير إسماعيل ، فالتمس منه -
بعد أن أقام عنده برهة - أن يكتب أرزاقه بنيسابور .
الحاكم : سمعت الحسين بن الحسن الطوسي ، سمعت أبا عبد الله البوشنجي
يقول : وصلني من الليثية سبع مائة ألف درهم .
وقال دعلج : سمعت أبا عبد الله يقول - وأشار إلىابن خزيمة - : كيس ، وأنا لا
أقول ذالأبي ثور .
قال أبو عبد الله بن الأخرم : روى البخاري حديثا في " الصحيح " ، عن أبي عبد
الله البوشنجي .
قال ابن الذهبي في " الصحيح " حدثنا محمد ، حدثنا أبو جعفر النفيلي . . . فذكر
حديثا في تفسير سورة ( البقرة ) ، فإن لم يكن البوشنجي ، فهو محمد بن يحيى ،
والأغلب أنه البوشنجي ، لأن الحديث بعينه قد رواه الحاكم : حدثنا أبو بكر بن أبي
نصر ، حدثنا البوشنجي ، حدثنا النفيلي ، حدثنا مسكين بن بكير ، حدثنا شعبة ،
عن خالد الحذاء ، عن مروان الأصفر ، عن رجل ، وهو ابن عمر : أنها نسخت :وإن
تبدوا ما في أنفسكم الآية . من سورة البقرة
الحاكم : حدثنا الأصم ، حدثنا الصغاني ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا النفيلي
. . . فذكر حديثا ، ثم قال الحاكم : حدثناه محمد بن جعفر ، حدثنا البوشنجي . . .
فذكره .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام التميم مدرس الشامية وأبو الفضل بن تاج
الأمناء وزينب بنت كندي قراءة عليهم ، عن المؤيد بن محمد الطوسي ، وعبد المعز بن
محمد الهروي ، وزينب بنت أبي القاسم الشعري .
قال المؤيد : أخبرنا محمد بن الفضل الصاعدي . وقال عبد المعز : أخبرنا تميم بن أبي
سعيد المعلم . وقالت زينب : أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم ، قالوا : أخبرنا عمر بن
أحمد بن مسرور .
أخبرنا أبو عمرو بن نجيد ، سنة أربع وستين وثلاث مائة ، حدثنا محمد بن إبراهيم
البوشنجي ، حدثنا روح بن صلاح المصري ، حدثنا موسى بن علي ، عن أبيه ، عن
عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الحسد في اثنتين
: رجل آتاه الله القرآن ، فقام به ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، ورجل آتاه الله مالا ،
فوصل منه أقرباءه ورحمه ، وعمل بطاعة الله ، تمنى أن يكون مثله . ومن تكن فيه
أربع ، لم يضره ما زوي عنه من الدنيا : حسن خليقة ، وعفاف ، وصدق حديث ،
وحفظ أمانة
حديث غريب ، عال جدا . وروح : ضعفه ابن عدي ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وبالغ الحاكم ، فقال : ثقة مأمون .
وقد طول الحاكم ترجمة البوشنجي بفنون من الفوائد . قال : وتوفي في غرة المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين .
وقيل : مات في سلخ ذي الحجة من سنة تسعين فدفن من الغد ، وصلى عليه ابن
خزيمة .
وبوشنج ، بشين معجمة : قيده أبو سعد السمعاني وقال : بلدة على سبعة فراسخ
من هراة .
قلت : وبعضهم يقولها بسين مهملة .
سير أعلام النبلاء مجلد١٣ صفحة٥٨١