إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ترجمة الحسن أبو سعيد البصري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ترجمة الحسن أبو سعيد البصري

    فنقول وبالله التوفيق:

    الحسن أبو سعيد البصري


    فهو أبو سعيد البصري ، الإمام الفقيه المشهور ، أحد التابعين الكبار الإجلاء علما وعملا وإخلاصا .

    فروى ابن أبي الدنيا ، عنه ، قال : كان الرجل يتعبد عشرين سنة لا يشعر به جاره ، وأحدهم يصلي ليلة أو بعض ليلة فيصبح وقد استطال على جاره ، وإن كان القوم ليجتمعون فيتذاكرون فتجيء الرجل عبرته فيردها ما استطاع ، فإن غلب قام عنهم .

    وقال الحسن : تنفس رجل عند عمر بن عبد العزيز فلكزه عمر - أو قال : لكمه - وقال : إن في هذا لفتنة .

    وقد ذكره ابن أبي الدنيا ، عن الحسن ، عن عمر بن الخطاب .
    وروي الطبراني ، عنه ، أنه قال : إن قوما ألهتهم أماني المغفرة ورجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة ، يقول أحدهم : إني لحسن الظن بالله ، وأرجو رحمة الله ، وكذب ، لو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله ، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة ، يوشك من دخل المفازة من غير زاد ولا ماء أن يهلك .

    وروى ابن أبي الدنيا ، عنه ، قال : حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور ، وأقذعوا هذه الأنفس فإنها تنزع إلى شر غاية .
    وقال مالك بن دينار : قلت للحسن : ما عقوبة العالم إذا أحب الدنيا ؟ قال : موت القلب ، فإذا أحب الدنيا طلبها بعمل الآخرة فعند ذلك ترحل عنه بركات العلم ويبقى عليه رسمه .

    وروي الفتني ، عن أبيه ، قال : عاد الحسن عليلا فوجده قد شفي من علته ، فقال : أيها الرجل إن الله قد ذكرك فاذكره ، وقد أقالك فاشكره ، ثم قال الحسن : إنما المرض ضربة سوط من ملك كريم ، فأما أن يكون العليل بعد المرض فرسا جوادا ، وإما أن يكون حماراعثورا معقورا .
    وروى العتبي ، عن أبيه أيضا ، قال : كتب الحسن إلى فرقد : أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله ، والعمل بما علمك الله ، والاستعداد لما وعد الله مما لا حيلة لأحد في دفعه ، ولا ينفع الندم عند نزوله ، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين ، وانتبه من رقدة الجاهلين ، وشمر الساق ، فإن الدنيا ميدان مسابقة ، والغاية الجنة أو النار ، فإن لي ولك من الله مقاما يسألني وإياك فيه عن الحقير والدقيق ، والجليل والخافي ، ولا آمن أن يكون فيما يسألني وإياك عنه وساوس الصدور ، ولحظ العيون ، وإصغاء الأسماع ، وما أعجز عنه .
    وروى ابن قتيبة ، عنه : أنه مر على باب ابن هبيرة فرأى القراء - وكانوا هم : الفقهاء - جلوسا على باب ابن هبيرة ، فقال : طفحتم نعالكم ، وبيضتم ثيابكم ، ثم أتيتم إلى أبوابهم تسعون ؟ ثم قال لأصحابه : ما ظنكم بهؤلاء الحذاء ؟ ليست مجالسهم من مجالس الأتقياء ، وإنما مجالسهم مجالس الشرط .

    وروى الخرائطي ، عن الحسن : أنه كان إذا اشترى شيئا وكان في ثمنه كسر جبره لصاحبه .
    ومر الحسن بقوم يقولون : نقص دانق - أي : عن الدرهم الكامل ، والدينار الكامل - إما أن يكون درهما ينقص نصفا أو ربعا ، والعشرة تسعة ونصف ، وقس على هذا ، فكان الحسن يستحب جبران هذه الأشياء ، وإن كان اشترى السلعة بدرهم ينقص دانقا كمله درهما ، أو بتسعة ونصف كملها عشرة ، مروءةً وكرما .

    وقال عبد الأعلى السمسار : قال الحسن : يا عبد الأعلى ! أما يبيع أحدكم الثوب لأخيه فينقص درهمين أو ثلاثة ؟ قلت : لا والله ! ولا دانق واحد ، فقال الحسن : إن هذه الأخلاق فما بقي من المروءة إذا ؟ .

    قال : وكان الحسن يقول : لا دين إلا بمروءة .
    وباع بغلة له فقال له المشتري : إما تحط لي شيئا يا أبا سعيد ؟ قال : لك خمسون درهما أزيدك ؟ قال : لا ! رضيت . قال : بارك الله لك .
    وروي ابن أبي الدنيا ، عن حمزة الأعمى ، قال : ذهبت بي أمي إلى الحسن فقالت : يا أبا سعيد ! ابني هذا قد أحببت أن يلزمك فلعل الله أن ينفعه بك ، قال : فكنت اختلف إليه ، فقال لي يوما : يا بني ، أدم الحزن على خير الآخرة لعله أن يوصلك إليه ، واِبك في ساعات الليل والنهار في الخلوة لعل مولاك أن يطلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين .
    قال : وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي ، وربما جئت إليه وهو يصلي فاسمع بكاءه ونحيبه ، فقلت له يوما : إنك تكثر البكاء ، فقال : يا بني ! ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبك ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة ، فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل لعله تعالى أن يرحمك ، فإذا أنت نجوت من النار .
    وقال : ما هو إلا حلول الدار إما الجنة وإما النار ، ما هناك منزل ثالث .
    وقال : بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر من دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار .

    وقال : لو أن باكيا بكى في ملأ من خشية الله لرحموا جميعا ، وليس شيء من الأعمال إلا له وزن إلا البكاء من خشية الله فإنه لا يقوم الله بالدمعة منه شيئا .
    وقال : ما بكى عبد إلا شهد عليه قلبه بالصدق أو الكذب .
    وروى ابن أبي الدنيا ، عنه في كتاب اليقين ، قال : من علامات المسلم : قوة دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحكم في علم ، وحبس في رفق ، وإعطاء في حق ، وقصد في غنى ، وتحمل في فاقة ، وإحسان في قدرة ، وطاعة معها نصيحة ، وتورع في رغبة ، وتعفف وصبر في شدة ، لا ترديه رغبته ، ولا يبدره لسانه ، ولا يسبقه بصره ، ولا يغلبه فرجه ، ولا يميل به هواه ، ولا يفضحه لسانه ، ولا يستخفه حرصه ، ولا تقصر به نيته . كذا ذكر هذه الألفاظ عنه .
    قال : حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، عن الحكم بن كثير ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن ، فذكره .
    وقال فيه أيضا عنه : يا ابن آدم ! إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يدي الله عز وجل .
    وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا علي بن إبراهيم اليشكري ، حدثنا موسى بن إسماعيل الجيلي ، حدثنا حفص بن سليمان أبو مقاتل ، عن عون بن أبي شداد ، عن الحسن : قال لقمان لابنه : يا بني ! العمل لا يستطاع إلا باليقين ، ومن يضعف يقينه يضعف عمله .
    وقال : يا بني إذا جاءك الشيطان من قبل الشك والريب فاغلبه باليقين والنصيحة ، وإذا جاءك من قبل الكسل والسآمة فاغلبه بذكر القبر والقيامة ، وإذا جاءك من قبل الرغبة والرهبة فأخبره أن الدنيا مفارقة متروكة .
    وقال الحسن : ما أيقن عبد بالجنة والنار حق يقينهما إلا خشع وذبل واستقام واقتصد حتى يأتيه الموت .
    وقال : باليقين طلبت الجنة ، وباليقين هربت من النار ، وباليقين أديت الفرائض على أكمل وجهها ، وباليقين أصبر على الحق ، وفي معافاة الله خير كثير ، قد والله رأيناهم يتعاونون في العافية ، فإذا نزل البلاء تفارقوا .
    وقال : الناس في العافية سواء ، فإذا نزل البلاء تبين عنده الرجال .

    وفي رواية : فإذا نزل البلاء تبين من يعبد الله وغيره .
    وفي رواية : فإذا نزل البلاء سكن المؤمن إلى إيمانه ، والمنافق إلى نفاقه .
    وقال الفريابي في فضائل القرآن : حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن ، قال : إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ، لم يأتوا الأمر من قبل أوله ، قال الله عز وجل : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [175] وما تدبر آياته إلا أتباعه ، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده .
    حتى إن أحدهم ليقول : قد قرأت القرآن كله فما أسقط منه حرفا واحدا ، وقد والله أسقطه كله ،ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل .
    حتى إن أحدهم ليقول : والله إني لأقرأ السورة في نفس ، لا والله ما هؤلاء بالقرآء ولا بالعلماء ولا الحكماء ولا الورعة ، ومتى كانت القراءة هكذا ، أو يقول مثل هذا ، لا أكثر الله في الناس مثل هؤلاء .
    ثم روى الحسن ، عن جندب ، قال : قال لنا حذيفة : هل تخافون من شيء ؟ قال : قلت : والله إنك وأصحابك لأهون الناس عندنا ، فقال : أما والذي نفسي بيده ، لاتؤتون إلا من قبلنا ، ومع ذلك نشء أخر يقرؤون القرآن يكونون في آخر هذه الأمة ينثرونه نثر الدقل ، لا يجاوز تراقيهم ، تسبق قراءتهم إيمانهم .
    وروي ابن أبي الدنيا ، عنه ، في ذم الغيبة له قال : والله للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في جسده .
    وكان يقول : ابن آدم ! إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تصيب الناس بعيب هو فيك ، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك ، فإذا فعلت ذلك كان ذلك شغلك في طاعة نفسك ، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا .
    وقال الحسن : ليس بينك وبين الفاسق حرمة .
    وقال : ليس لمبتدع غيبة .
    وقال أصلت بن طريف : قلت للحسن : الرجل الفاجر المعلن بفجوره ذكرى له بما فيه غيبة ؟ قال : لا ولا كرامة . وقال : إذا ظهر فجوره فلا غيبة له .
    وقال : ثلاثة لا تحرم عليك غيبتهم : المجاهر بالفسق ، والإمام الجائر ، والمبتدع .
    وقال له رجل : إن قوما يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلا ، فقال : هون عليك يا هذا ، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت ، وأطمعتها في النجاة من النار فطمعت ، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلا ، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم ، فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم ؟
    وقال : كانوا يقولون : من رمى أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يصيب ذلك الذنب .
    وقال الحسن : قال لقمان لابنه : يا بني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يقلاه صاحبه .
    وقال الحسن : اعتبروا الناس بأعمالهم ودعوا أقوالهم فإن الله عز وجل لم يدع قولا إلا جعل عليه دليلا من عمل يصدقه أو يكذبه ، فإن سمعت قولا حسنا فرويدا بصاحبه ، فإن وافق قول عملا فنعم ونعمت عين أخته وأخيه ، وإذا خالف قول عملا فماذا يشبه عليك منه ، أم ماذا يخفي عليك منه ؟ إياك وإياه ، لا يخدعنك كما خدع ابن آدم ، إن لك قولا وعملا ، فعملك أحق بك من قولك ، وإن لك سريرة وعلانية ، فسريرتك أحق بك من علانيتك ، وإن لك عاجلة وعاقبة ، فعاقبتك أحق بك من عاجلتك .
    وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا حمزة بن العباس ، أنبا عبدان بن عثمان ، أنبا معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن ، قال : إذا شبت لقيت الرجل أبيض حديد اللسان ، حديد النظر ، ميت القلب والعمل ، أنت أبصر به من نفسه ، ترى أبدانا ولا قلوبا ، وتسمع الصوت ولا أنيس ،أخصب ألسنة وأجدب قلوبا ، يأكل أحدهم من غير ماله ، ويبكي على عماله ، فإذا كهضته البطنة قال : يا جارية أو يا غلام ايتني بهاضم ، وهل هضمت يا مسكين إلا دينك ؟

    وقال : من رق ثوبه رق دينه ، ومن سمن جسده هزل دينه ، ومن طاب طعامه أنتن كسبه .
    وقال فيما رواه عنه الآجري : رأس مال المؤمن دين حيث ما زال زال معه ، لا يخلفه في الرحال ، ولا يأتمن عليه الرجال .
    وقال في قوله تعالى : { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } [176] قال : لا تلقى المؤمن إلا يلوم نفسه ، ما أردت بكلمة كذا ، ما أردت بأكلة كذا ، ما أردت بمجلس كذا ، وأما الفاجر فيمضي قدما قدما لا يلوم نفسه .
    وقال : تصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد ،وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت ، فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم ، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم ، وإنما يصبر على هذا الحق من عرف فضله وعاقبته .
    وقال : لا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة من همته .
    وقال ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس : حدثنا عبد الله ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن ، قال : المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل ، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما شق الحساب يوم القيامة على أقوام أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة .

    إن المؤمن يفجأه الشيء ويعجبه فيقول : والله إنك لمن حاجتي وإني لاشتهيك ، ولكن والله ما من صلة إليك ، هيهات حيل بيني وبينك .
    ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول : ما أردت إلى هذا أبدا إن شاء الله : إن المؤمنين قوم قد أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم .
    إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته ، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز وجل ، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه ، وفي جوارحه كلها .
    وقال : الرضا صعب شديد ، وإنما معول المؤمن الصبر .
    وقال : ابن آدم عِنْ نفسك فكايس ، فإنك إن دخلت النار لم تجبر بعدها أبدا .

    وقال ابن أبي الدنيا : أنبا إسحاق بن إبراهيم ، قال : سمعت حماد بن زيد ، يذكر عن الحسن ، قال : المؤمن في الدنيا كالغريب لا ينافس في غِيرها ولا يجزع من ذلها ، للناس حال وله حال ، الناس منه في راحة ، ونفسه منه في شغل .
    وقال : لولا البلاء ما كان في أيام قلائل ما يهلك المرء نفسه .
    وقال : أدركت صدر هذه الأمة وخيارها وطال عمري فيهم ، فوالله إنهم كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم لله عليكم ، أدركتهم عاملين بكتاب ربهم ، متبعين سنة نبيهم ، ما طوى أحدهم ثوبا ، و لا جعل بينه و بين الأرض شيئا ، و لا أمر أهله بصنع طعام ، كان أحدهم يدخلمنزله فإن قُرب إليه شيء أكل وإلا سكت فلا يتكلم في ذلك .
    وقال : إن المنافق إذا صلى صلى رياء أو حياء من الناس أو خوفا ، وإذا صلى صلى فقرأهم الدنيا ، وإن فاتته الصلاة لم يندم عليها ولم يحزنه فواتها .
    وقال الحسن فيما رواه عنه صاحب كتاب النكت : من جعل الحمد لله على النعم حصنا وحابسا ، وجعل أداء الزكاة على المال سياجا وحارسا ، وجعل العلم له دليلا وسائسا ، أمن العطب ، وبلغ أعلى الرتب .
    ومن كان للمال قانصا ، وله عن الحقوق حابسا ، وشغله وألهاه عن طاعة الله ، كان لنفسه ظالما ، ولقلبه بما جنت يداه كالما ، وسلطه الله على ماله سالبا وخالسا ، ولم يأمل العطب في سائروجود الطلب . وقيل : إن هذا لغيره ، والله أعلم .
    وقال الحسن : أربع من كن فيه ألقى الله عليه محبته ، ونشر عليه رحمته : من رق لوالديه ، ورق لمملوكه ، وكفل اليتيم ، وأعان الضعيف .
    وسئل الحسن عن النفاق فقال : هو اختلاف السر والعلانية والمدخل والمخرج ، وقال : ما خافه إلا مؤمن ، ولا أمنه إلا منافق - يعني : النفاق - وحلف الحسن : ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق .
    وفي رواية : إلا وهو من النفاق مشفق ، ولا مضى منافق ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن .
    وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن : كيف حبك الدينار والدرهم ؟ قال : لا أحبهما ، فكتب إليه : تولَّ فإنك تعدل .
    وقال إبراهيم بن عيسى : ما رأيت أطول حزنامن الحسن ، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة .
    وقال مسمع : لو رأيت الحسن لقلت : قد بث عليه حزن الخلائق .
    وقال يزيد بن حوشب : ما رأيت أحزن من الحسن وعمر بن عبد العزيز ، كأن النار لم تخلق إلا لهما .
    وقال ابن اسباط : مكث الحسن ثلاثين سنة لم يضحك ، و أربعين سنة لم يمزح .
    وقال : ما سمع الخلائق بعورة بادية ، وعين باكية مثل يوم القيامة .
    وقال : ابن آدم ! إنك ناظرا غدا إلى عملك يوزن خيره وشره ، فلا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه ، فإنك إذا رأيته غدا في ميزانك سركمكانه .
    وقال : ذهبت الدنيا وبقيت أعمالكم قلائد في أعناقكم .
    وقال : ابن آدم ! بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ، ولاتبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا ، وهذا مأثور عن لقمان أنه قاله لولده .
    وقال الحسن : تجد الرجل قد لبس الأحمر والأبيض وقال : هلموا فانظروا إليَّ ، قال الحسن : قد رأيناك يا أفسق الفاسقين فلا أهلا بك ولا سهلا ، فأما أهل الدنيا فقد اكتسبوا بنظرهم إليك مزيد حرص على دنياهم ، وجرأة على شهوات الغنى في بطونهم وظهورهم .
    وأما أهل الآخرة فقد كرهوك ومقتوك .
    وقال : إنهم وإن هملجت بهم البراذين ، وزفرت بهم البغال ، وطئت أعقابهم الرجال ، إن ذل المعاصي لا يفارق رقابهم ، يأبى الله إلا أن يذل من عصاه .
    وقال فرقد : دخلنا على الحسن فقلنا : يا أبا سعيد ! ألا يعجبك من محمد بن الأهتم ؟ فقال : ماله ؟ فقلنا : دخلنا عليه أنفا وهو يجود بنفسه .
    فقال : انظروا إلى ذاك الصندوق - و أومأ إلى صندوق في جانب بيته - فقال : هذا الصندوق فيه ثمانون ألف دينار - أو قال : درهم - لم أؤد منها زكاة ، ولم أصل منها رحما ، ولم يأكل منها محتاج .
    فقلنا : يا أبا عبد الله ، فلمن كنت تجمعها ؟ قال : لروعة الزمان ، و مكاثرة الأقران ، وجفوة السلطان .
    فقال : انظروا من أين أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه ، ومكاثرة أقرانه ، وجفوة سلطانه ؟
    ثم قال : أيها الوارث ! لا تخدعن كما خدع صويحبك بالأمس ، جاءك هذا المال لم تتعب لك فيه يمين ، ولم يعرق لك فيه جبين ، جاءك ممن كان له جموعا منوعا ، من باطل جمعه ، من حق منعه .
    ثم قال الحسن : إن يوم القيامة لذو حسرات ، الرجل يجمع المال ثم يموت ويدعه لغيره فيرزقه الله فيه الصلاح والإنفاق في وجوه البر ، فيجد ماله في ميزان غيره .
    وكان الحسن يتمثل بهذا البيت في أول النهار يقول :

    وما الدنيا بباقية لحيٍّ * ولا حيّ على الدنيا بباق

    وبهذا البيت في آخر النهار :يسر الفتى ما كان قدم من تقى * إذا عرف الداء الذي هو قاتله

    ولد الحسن في خلافة عمر بن الخطاب ، وأتي به إليه فدعا له وحنكه .

    ومات بالبصرة في سنة عشر ومائة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .


يعمل...
X