سنة ثنتين وثمانين ومائة من الهجرة
القاضي أبو يوسف رحمه الله
واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حسنة ، وهي أمه ، وأبوه بجير بن معاوية ، استصغر يوم أحد ، وأبو يوسف كان أكبر أصحاب أبي حنيفة .
روى الحديث عن : الأعمش ، وهمام بن عروة ، ومحمد بن إسحاق ، ويحيى بن سعيد ، وغيرهم .
وعنه : محمد بن الحسن ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين .
قال علي بن الجعد : سمعته يقول : توفي أبي وأنا صغير فأسلمتني أمي إلى قصار ، فكنت أمرُّ على حلقة أبي حنيفة فأجلس فيها ، فكانت أمي تتبعني فتأخذ بيدي من الحلقة وتذهب بي إلى القصار ، ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى أبي حنيفة ، فلما طال ذلك عليها قالت لأبي حنيفة : إن هذا صبي يتيم ليس له شيء إلا ما أطعمه من مغزلي ، وإنك قد أفسدته علي .
فقال لها : اسكتي يا رعناء ، هاهوذا يتعلم العلم وسيأكل الفالوذج بدهن الفستق في صحون الفيروزج .
فقالت له : إنك شيخ قد خرفت .
قال أبو يوسف : فلما وليت القضاء - وكان أول من ولاه القضاء الهادي ، وهو أول من لقب قاضي القضاة ، وكان يقال له : قاضي قضاة الدنيا ، لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم فيها الخليفة - .
قال أبو يوسف : فبينا أنا ذات يوم عند الرشيد إذ أتي بفالوذج في صحن فيروزج فقال لي : كل من هذا ، فإنه لا يصنع لنا في كل وقت .
وقلت : وما هذا يا أمير المؤمنين ؟
فقال : هذا الفالوذج .
قال : فتبسمت ، فقال : مالك تتبسم ؟
فقلت : لاشيء أبقى الله أمير المؤمنين .
فقال : لتخبرني .
فقصصت عليه القصة فقال : إن العلم ينفع ويرفع في الدنيا والآخرة .
ثم قال : رحم الله أبا حنيفة ، فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه .
وكان أبو حنيفة يقول عن أبي يوسف : إنه أعلم أصحابه .
وقال المزني : كان أبو يوسف أتبعهم للحديث .
وقال ابن المديني : كان صدوقا .
وقال ابن معين : كان ثقة .
وقال أبو زرعة : كان سليما من التجهم .
وقال بشار الخفاف : سمعت أبا يوسف ، يقول : من قال : القرآن مخلوق ، فحرام كلامه ، وفرض مباينته ، ولا يجوز السلام ولا رده عليه .
ومن كلامه الذي ينبغي كتابته بماء الذهب قوله : من طلب المال بالكيما ، أفلس ، ومن تتبع غرائب الحديث كذب ، ومن طلب العلم بالكلام تزندق .
ولما تناظر هو ومالك بالمدينة بحضرة الرشيد في مسألة الصاع وزكاة الخضروات احتج مالك بما استدعى به من تلك الصيعان المنقولة عن آبائهم وأسلافهم ، وبأنه لم يكن الخضروات يخرج فيها شيء في زمن الخلفاء الراشدين .
فقال أبو يوسف : لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت . وهذا إنصاف منه .
وقد كان يحضر في مجلس حكمه العلماء على طبقاتهم ، حتى إن أحمد بن حنبل كان شابا وكان يحضر مجلسه في أثناء الناس فيتناظرون ويتباحثون ، وهو مع ذلك يحكم ويصنف أيضا .
وقال : وليت هذا الحكم وأرجو الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل إلى أحد ، إلا يوما واحدا جاءني رجل فذكر أن له بستانا وأنه في يد أمير المؤمنين ، فدخلت إلى أمير المؤمنين فأعلمته فقال : البستان لي اشتراه لي المهدي .
فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يحضره لأسمع دعواه .
فأحضره فادعى بالبستان فقلت : ما تقول يا أمير المؤمنين ؟
فقال : هو بستاني .
فقلت للرجل : قد سمعت ما أجاب .
فقال الرجل : يحلف .
فقلت : أتحلف يا أمير المؤمنين ؟
فقال : لا .
فقلت : سأعرض عليك اليمين ثلاثا فإن حلفت وإلا حكمت عليك يا أمير المؤمنين .
فعرضتها عليه ثلاثا فامتنع فحكمت بالبستان للمدعي .
قال : فكنت في أثناء الخصومة أود أن ينفصل ولم يمكني أن أجلس الرجل مع الخليفة .
وبعث القاضي أبو يوسف في تسليم البستان إلى الرجل .
وروى المعافى بن زكريا الجريري ، عن محمد بن أبي الأزهر ، عن حماد بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن بشر بن الوليد ، عن أبي يوسف ، قال : بينا أنا ذات ليلة قد نمت في الفراش ، إذا رسول الخليفة يطرق الباب ، فخرجت منزعجا فقال : أمير المؤمنين يدعوك .
فذهبت فإذا هو جالس ومعه عيسى بن جعفر ، فقال لي الرشيد : إن هذا قد طلبت منه جارية يهبنيها فلم يفعل ، أو يبعنيها ، وإني أشهدك إن لم يجبني إلى ذلك قتلته .
فقلت لعيسى : لم لم تفعل ؟
فقال : إني حالف بالطلاق والعتاق وصدقة مالي كله أن لا أبيعها ولا أهبها .
فقال لي الرشيد : فهل له من مخلص ؟
فقلت : نعم ، يبيعك نصفها ويهبك نصفها .
فوهبه النصف وباعه النصف بمائة ألف دينار .
فقبل منه ذلك وأحضرت الجارية ، فلما رآها الرشيد قال : هل لي من سبيل عليها الليلة ؟
قلت : إنها مملوكة ولا بد من استبرائها ، إلا أن تعتقها وتتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ .
قال : فأعتقها وتزوجها منه بعشرين ألف دينار ، وأمر لي بمائتي ألف درهم وعشرين تختا من ثياب ، وأرسلت إلى الجارية بعشرة آلاف دينار .
قال يحيى بن معين : كنت عند أبي يوسف فجاءته هدية من ثياب ديبقي وطيب وفانيل ندٍّ وغير ذلك ، فذاكرني رجل في إسناد حديث : « من أهديت له هدية وعنده قوم جلوس فهم شركاؤه » .
فقال أبو يوسف : إنما ذاك في الأقط والتمر والزبيب ، ولم تكن الهدايا في ذلك الوقت ما ترون ، يا غلام ارفع هذا إلى الخزائن ، ولم يعطهم منها شيئا . وقال بشر بن غياث المريسي : سمعت أبا يوسف ، يقول : صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة ثم انصبت على الدنيا سبع عشرة سنة ، وما أظن أجلي إلا أن اقترب .
فما مكث بعد ذلك إلا شهورا حتى مات .
وقد مات أبو يوسف في ربيع الأول من هذه السنة عن سبع وستين سنة ، ومكث في القضاء بعده ولده يوسف .
وقد كان نائبه على الجانب الشرقي من بغداد .
القاضي أبو يوسف رحمه الله
واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حسنة ، وهي أمه ، وأبوه بجير بن معاوية ، استصغر يوم أحد ، وأبو يوسف كان أكبر أصحاب أبي حنيفة .
روى الحديث عن : الأعمش ، وهمام بن عروة ، ومحمد بن إسحاق ، ويحيى بن سعيد ، وغيرهم .
وعنه : محمد بن الحسن ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين .
قال علي بن الجعد : سمعته يقول : توفي أبي وأنا صغير فأسلمتني أمي إلى قصار ، فكنت أمرُّ على حلقة أبي حنيفة فأجلس فيها ، فكانت أمي تتبعني فتأخذ بيدي من الحلقة وتذهب بي إلى القصار ، ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى أبي حنيفة ، فلما طال ذلك عليها قالت لأبي حنيفة : إن هذا صبي يتيم ليس له شيء إلا ما أطعمه من مغزلي ، وإنك قد أفسدته علي .
فقال لها : اسكتي يا رعناء ، هاهوذا يتعلم العلم وسيأكل الفالوذج بدهن الفستق في صحون الفيروزج .
فقالت له : إنك شيخ قد خرفت .
قال أبو يوسف : فلما وليت القضاء - وكان أول من ولاه القضاء الهادي ، وهو أول من لقب قاضي القضاة ، وكان يقال له : قاضي قضاة الدنيا ، لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم فيها الخليفة - .
قال أبو يوسف : فبينا أنا ذات يوم عند الرشيد إذ أتي بفالوذج في صحن فيروزج فقال لي : كل من هذا ، فإنه لا يصنع لنا في كل وقت .
وقلت : وما هذا يا أمير المؤمنين ؟
فقال : هذا الفالوذج .
قال : فتبسمت ، فقال : مالك تتبسم ؟
فقلت : لاشيء أبقى الله أمير المؤمنين .
فقال : لتخبرني .
فقصصت عليه القصة فقال : إن العلم ينفع ويرفع في الدنيا والآخرة .
ثم قال : رحم الله أبا حنيفة ، فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه .
وكان أبو حنيفة يقول عن أبي يوسف : إنه أعلم أصحابه .
وقال المزني : كان أبو يوسف أتبعهم للحديث .
وقال ابن المديني : كان صدوقا .
وقال ابن معين : كان ثقة .
وقال أبو زرعة : كان سليما من التجهم .
وقال بشار الخفاف : سمعت أبا يوسف ، يقول : من قال : القرآن مخلوق ، فحرام كلامه ، وفرض مباينته ، ولا يجوز السلام ولا رده عليه .
ومن كلامه الذي ينبغي كتابته بماء الذهب قوله : من طلب المال بالكيما ، أفلس ، ومن تتبع غرائب الحديث كذب ، ومن طلب العلم بالكلام تزندق .
ولما تناظر هو ومالك بالمدينة بحضرة الرشيد في مسألة الصاع وزكاة الخضروات احتج مالك بما استدعى به من تلك الصيعان المنقولة عن آبائهم وأسلافهم ، وبأنه لم يكن الخضروات يخرج فيها شيء في زمن الخلفاء الراشدين .
فقال أبو يوسف : لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت . وهذا إنصاف منه .
وقد كان يحضر في مجلس حكمه العلماء على طبقاتهم ، حتى إن أحمد بن حنبل كان شابا وكان يحضر مجلسه في أثناء الناس فيتناظرون ويتباحثون ، وهو مع ذلك يحكم ويصنف أيضا .
وقال : وليت هذا الحكم وأرجو الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل إلى أحد ، إلا يوما واحدا جاءني رجل فذكر أن له بستانا وأنه في يد أمير المؤمنين ، فدخلت إلى أمير المؤمنين فأعلمته فقال : البستان لي اشتراه لي المهدي .
فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يحضره لأسمع دعواه .
فأحضره فادعى بالبستان فقلت : ما تقول يا أمير المؤمنين ؟
فقال : هو بستاني .
فقلت للرجل : قد سمعت ما أجاب .
فقال الرجل : يحلف .
فقلت : أتحلف يا أمير المؤمنين ؟
فقال : لا .
فقلت : سأعرض عليك اليمين ثلاثا فإن حلفت وإلا حكمت عليك يا أمير المؤمنين .
فعرضتها عليه ثلاثا فامتنع فحكمت بالبستان للمدعي .
قال : فكنت في أثناء الخصومة أود أن ينفصل ولم يمكني أن أجلس الرجل مع الخليفة .
وبعث القاضي أبو يوسف في تسليم البستان إلى الرجل .
وروى المعافى بن زكريا الجريري ، عن محمد بن أبي الأزهر ، عن حماد بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن بشر بن الوليد ، عن أبي يوسف ، قال : بينا أنا ذات ليلة قد نمت في الفراش ، إذا رسول الخليفة يطرق الباب ، فخرجت منزعجا فقال : أمير المؤمنين يدعوك .
فذهبت فإذا هو جالس ومعه عيسى بن جعفر ، فقال لي الرشيد : إن هذا قد طلبت منه جارية يهبنيها فلم يفعل ، أو يبعنيها ، وإني أشهدك إن لم يجبني إلى ذلك قتلته .
فقلت لعيسى : لم لم تفعل ؟
فقال : إني حالف بالطلاق والعتاق وصدقة مالي كله أن لا أبيعها ولا أهبها .
فقال لي الرشيد : فهل له من مخلص ؟
فقلت : نعم ، يبيعك نصفها ويهبك نصفها .
فوهبه النصف وباعه النصف بمائة ألف دينار .
فقبل منه ذلك وأحضرت الجارية ، فلما رآها الرشيد قال : هل لي من سبيل عليها الليلة ؟
قلت : إنها مملوكة ولا بد من استبرائها ، إلا أن تعتقها وتتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ .
قال : فأعتقها وتزوجها منه بعشرين ألف دينار ، وأمر لي بمائتي ألف درهم وعشرين تختا من ثياب ، وأرسلت إلى الجارية بعشرة آلاف دينار .
قال يحيى بن معين : كنت عند أبي يوسف فجاءته هدية من ثياب ديبقي وطيب وفانيل ندٍّ وغير ذلك ، فذاكرني رجل في إسناد حديث : « من أهديت له هدية وعنده قوم جلوس فهم شركاؤه » .
فقال أبو يوسف : إنما ذاك في الأقط والتمر والزبيب ، ولم تكن الهدايا في ذلك الوقت ما ترون ، يا غلام ارفع هذا إلى الخزائن ، ولم يعطهم منها شيئا . وقال بشر بن غياث المريسي : سمعت أبا يوسف ، يقول : صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة ثم انصبت على الدنيا سبع عشرة سنة ، وما أظن أجلي إلا أن اقترب .
فما مكث بعد ذلك إلا شهورا حتى مات .
وقد مات أبو يوسف في ربيع الأول من هذه السنة عن سبع وستين سنة ، ومكث في القضاء بعده ولده يوسف .
وقد كان نائبه على الجانب الشرقي من بغداد .