إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

القاضي أبو يوسف رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القاضي أبو يوسف رحمه الله

    سنة ثنتين وثمانين ومائة من الهجرة


    القاضي أبو يوسف رحمه الله


    واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حسنة ، وهي أمه ، وأبوه بجير بن معاوية ، استصغر يوم أحد ، وأبو يوسف كان أكبر أصحاب أبي حنيفة .

    روى الحديث عن : الأعمش ، وهمام بن عروة ، ومحمد بن إسحاق ، ويحيى بن سعيد ، وغيرهم .
    وعنه : محمد بن الحسن ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين .
    قال علي بن الجعد : سمعته يقول : توفي أبي وأنا صغير فأسلمتني أمي إلى قصار ، فكنت أمرُّ على حلقة أبي حنيفة فأجلس فيها ، فكانت أمي تتبعني فتأخذ بيدي من الحلقة وتذهب بي إلى القصار ، ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى أبي حنيفة ، فلما طال ذلك عليها قالت لأبي حنيفة : إن هذا صبي يتيم ليس له شيء إلا ما أطعمه من مغزلي ، وإنك قد أفسدته علي .
    فقال لها : اسكتي يا رعناء ، هاهوذا يتعلم العلم وسيأكل الفالوذج بدهن الفستق في صحون الفيروزج .
    فقالت له : إنك شيخ قد خرفت .
    قال أبو يوسف : فلما وليت القضاء - وكان أول من ولاه القضاء الهادي ، وهو أول من لقب قاضي القضاة ، وكان يقال له : قاضي قضاة الدنيا ، لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم فيها الخليفة - .
    قال أبو يوسف : فبينا أنا ذات يوم عند الرشيد إذ أتي بفالوذج في صحن فيروزج فقال لي : كل من هذا ، فإنه لا يصنع لنا في كل وقت .
    وقلت : وما هذا يا أمير المؤمنين ؟
    فقال : هذا الفالوذج .
    قال : فتبسمت ، فقال : مالك تتبسم ؟
    فقلت : لاشيء أبقى الله أمير المؤمنين .
    فقال : لتخبرني .

    فقصصت عليه القصة فقال : إن العلم ينفع ويرفع في الدنيا والآخرة .
    ثم قال : رحم الله أبا حنيفة ، فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه .
    وكان أبو حنيفة يقول عن أبي يوسف : إنه أعلم أصحابه .
    وقال المزني : كان أبو يوسف أتبعهم للحديث .
    وقال ابن المديني : كان صدوقا .
    وقال ابن معين : كان ثقة .
    وقال أبو زرعة : كان سليما من التجهم .
    وقال بشار الخفاف : سمعت أبا يوسف ، يقول : من قال : القرآن مخلوق ، فحرام كلامه ، وفرض مباينته ، ولا يجوز السلام ولا رده عليه .

    ومن كلامه الذي ينبغي كتابته بماء الذهب قوله : من طلب المال بالكيما ، أفلس ، ومن تتبع غرائب الحديث كذب ، ومن طلب العلم بالكلام تزندق .
    ولما تناظر هو ومالك بالمدينة بحضرة الرشيد في مسألة الصاع وزكاة الخضروات احتج مالك بما استدعى به من تلك الصيعان المنقولة عن آبائهم وأسلافهم ، وبأنه لم يكن الخضروات يخرج فيها شيء في زمن الخلفاء الراشدين .
    فقال أبو يوسف : لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت . وهذا إنصاف منه .
    وقد كان يحضر في مجلس حكمه العلماء على طبقاتهم ، حتى إن أحمد بن حنبل كان شابا وكان يحضر مجلسه في أثناء الناس فيتناظرون ويتباحثون ، وهو مع ذلك يحكم ويصنف أيضا .
    وقال : وليت هذا الحكم وأرجو الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل إلى أحد ، إلا يوما واحدا جاءني رجل فذكر أن له بستانا وأنه في يد أمير المؤمنين ، فدخلت إلى أمير المؤمنين فأعلمته فقال : البستان لي اشتراه لي المهدي .
    فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يحضره لأسمع دعواه .
    فأحضره فادعى بالبستان فقلت : ما تقول يا أمير المؤمنين ؟
    فقال : هو بستاني .
    فقلت للرجل : قد سمعت ما أجاب .
    فقال الرجل : يحلف .
    فقلت : أتحلف يا أمير المؤمنين ؟

    فقال : لا .
    فقلت : سأعرض عليك اليمين ثلاثا فإن حلفت وإلا حكمت عليك يا أمير المؤمنين .
    فعرضتها عليه ثلاثا فامتنع فحكمت بالبستان للمدعي .
    قال : فكنت في أثناء الخصومة أود أن ينفصل ولم يمكني أن أجلس الرجل مع الخليفة .
    وبعث القاضي أبو يوسف في تسليم البستان إلى الرجل .
    وروى المعافى بن زكريا الجريري ، عن محمد بن أبي الأزهر ، عن حماد بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن بشر بن الوليد ، عن أبي يوسف ، قال : بينا أنا ذات ليلة قد نمت في الفراش ، إذا رسول الخليفة يطرق الباب ، فخرجت منزعجا فقال : أمير المؤمنين يدعوك .
    فذهبت فإذا هو جالس ومعه عيسى بن جعفر ، فقال لي الرشيد : إن هذا قد طلبت منه جارية يهبنيها فلم يفعل ، أو يبعنيها ، وإني أشهدك إن لم يجبني إلى ذلك قتلته .
    فقلت لعيسى : لم لم تفعل ؟
    فقال : إني حالف بالطلاق والعتاق وصدقة مالي كله أن لا أبيعها ولا أهبها .
    فقال لي الرشيد : فهل له من مخلص ؟
    فقلت : نعم ، يبيعك نصفها ويهبك نصفها .
    فوهبه النصف وباعه النصف بمائة ألف دينار .
    فقبل منه ذلك وأحضرت الجارية ، فلما رآها الرشيد قال : هل لي من سبيل عليها الليلة ؟

    قلت : إنها مملوكة ولا بد من استبرائها ، إلا أن تعتقها وتتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ .
    قال : فأعتقها وتزوجها منه بعشرين ألف دينار ، وأمر لي بمائتي ألف درهم وعشرين تختا من ثياب ، وأرسلت إلى الجارية بعشرة آلاف دينار .
    قال يحيى بن معين : كنت عند أبي يوسف فجاءته هدية من ثياب ديبقي وطيب وفانيل ندٍّ وغير ذلك ، فذاكرني رجل في إسناد حديث : « من أهديت له هدية وعنده قوم جلوس فهم شركاؤه » .
    فقال أبو يوسف : إنما ذاك في الأقط والتمر والزبيب ، ولم تكن الهدايا في ذلك الوقت ما ترون ، يا غلام ارفع هذا إلى الخزائن ، ولم يعطهم منها شيئا . وقال بشر بن غياث المريسي : سمعت أبا يوسف ، يقول : صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة ثم انصبت على الدنيا سبع عشرة سنة ، وما أظن أجلي إلا أن اقترب .
    فما مكث بعد ذلك إلا شهورا حتى مات .
    وقد مات أبو يوسف في ربيع الأول من هذه السنة عن سبع وستين سنة ، ومكث في القضاء بعده ولده يوسف .
    وقد كان نائبه على الجانب الشرقي من بغداد .

يعمل...
X