سنة سبع وعشرين و مائتين من الهجرة
بشر الحافي الزاهد المشهور
وهو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله ، المروزي ، أبو نصر ، الزاهد المعروف : بالحافي ، نزل بغداد .
قال ابن خلكان : وكان اسم جده : عبد الله الغيور ، أسلم على يدي علي بن أبي طالب .
بشر الحافي الزاهد المشهور
وهو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله ، المروزي ، أبو نصر ، الزاهد المعروف : بالحافي ، نزل بغداد .
قال ابن خلكان : وكان اسم جده : عبد الله الغيور ، أسلم على يدي علي بن أبي طالب .
قلت : وكان مولده ببغداد سنة خمسين ومائة ، وسمع بها شيئا كثيرا من : حماد بن زيد ، وعبد الله بن المبارك ، وابن مهدي ، ومالك ، وأبي بكر بن عياش ، وغيرهم .
وعنه جماعة منهم : أبو خيثمة ، وزهير بن حرب ، وسري السقطي ، والعباس بن عبد العظيم ، ومحمد بن حاتم .
قال محمد بن سعيد : سمع بشرا كثيرا ثم اشتغل بالعبادة واعتزل الناس ولم يحدث .
وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته وورعه ونسكه وتقشفه .
قال الإمام أحمد يوم بلغه موته : لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد قيس ، ولو تزوج لتم أمره .
وفي رواية عنه أنه قال : ما ترك بعده مثله .
وقال إبراهيم الحربي : ما أخرجت بغداد أتم عقلا منه ، ولا أحفظ للسانه منه ، ما عرف له غيبة لمسلم ، وكان في كل شعرة منه عقل ، ولوقسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء .
وذكر غير واحد أن بشرا كان شاطرا في بدء أمره ، وأن سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام فرفعها ورفع طرفه إلى السماء وقال : سيدي اسمك ههنا ملقى يداس !
ثم ذهب إلى عطار فاشترى بدرهم غالية وضمخ تلك الرقعة منها ووضعها حيث لا تنال ، فأحيى الله قلبه وألهمه رشده وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة .
من كلامه : من أحب الدنيا فليتهيأ للذل .
وكان بشر يأكل الخبز وحده ، فقيل له : أما لك أدم ؟
فقال : بلى ! أذكر العافية فأجعلها أدما .
وكان لا يلبس نعلا بل يمشي حافيا ، فجاء يوما إلى باب فطرقه فقيل : من ذا ؟
فقال : بشر الحافي .
فقالت له جارية صغيرة : لو اشترى نعلا بدرهم لذهب عنه اسم الحافي .
قالوا : وكان سبب تركه النعل أنه جاء مرة إلى حذّاء فطلب منه شراكا لنعله فقال : ما أكثر كلفتكم يا فقراء على الناس ؟ !
فطرح النعل من يده وخلع الأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا أبدا .
قال ابن خلكان : وكانت وفاته يوم عاشوراء .
وقيل : في رمضان ببغداد .
وقيل : بمرو .
قلت : الصحيح ببغداد في هذه السنة .
وقيل : في سنة ست وعشرين .
والأول أصح ، والله أعلم .
وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم ، فأخرج بعد صلاة الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة .
وكان علي المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلا صوته في الجنازة : هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة .
وقد روي أن الجن كانت تنوح عليه في بيته الذي كان يسكنه .
وقد رآه بعضهم في المنام فقال : ما فعل الله بك ؟
فقال : غفر لي ولكل من أحبني إلى يوم القيامة .
وذكر الخطيب أنه كان له أخوات ثلاث وهن : مخة ، ومضغة ، وزبدة .
وكلهن عابدات زاهدات مثله ، وأشد ورعا أيضا .
ذهبت إحداهن إلى الإمام أحمد بن حنبل فقالت : إني ربما طفئ السراج وأنا أغزل على ضوء القمر فهل عليَّ عند البيع أن أميز هذا من هذا ؟
فقال : إن كان بينهما فرق فميزي للمشتري .
وقالت له مرة إحداهن : ربما تمرُّ بنا مشاعل بني طاهر في الليل ونحن نغزل فنغزل الطاق والطاقين والطاقات فخلصني من ذلك .
فأمرها أن تتصدق بذلك الغزل كله لما اشتبه عليها من معرفة ذلك المقدار .
وسألته عن أنين المريض : أفيه شكوى ؟
قال : لا ! إنما هو شكوى إلى الله عز وجل .
ثم خرجت فقال لابنه عبد الله : يا بني ! اذهب خلفها فاعلم لي من هذه المرأة ؟
قال عبد الله : فذهبت وراءها فإذا هي قد دخلت دار بشر ، وإذا هي أخته مخة .
وروى الخطيب أيضا عن زبدة قالت : جاء ليلة أخي بشر فدخل برجله في الدار وبقيت الأخرى خارج الدار ، فاستمر كذلك ليلته حتى أصبح .
فقيل له : فيم تفكرت ليلتك ؟
فقال : تفكرت في بشر النصراني ، وبشر اليهودي ، وبشر المجوسي ، وفي نفسي ، لأن اسمي بشر ، فقلت في نفسي : ما الذي سبق لي من الله حتى خصني بالإسلام من بينهم ؟ فتفكرت في فضل الله عليَّ وحمدته أن هداني للإسلام ، وجعلني ممن خصه به ، وألبسني لباس أحبابه .
وقد ترجمه ابن عساكر فأطنب وأطيب وأطال من غير ملال ، وقد ذكر له أشعارا حسنة ، وذكر أنه كان يتمثل بهذه الأبيات :
تعاف القذى في الماء لا تستطيعه * وتكرع من حوض الذنوب فتشرب
وتؤثر من أكل الطعام ألذه * ولا تذكر المختار من أين يكسب
وترقد يا مسكين فوق نمارق * وفي حشوها نار عليك تلهب
فحتى متى لا تستفيق جهالة * وأنت ابن سبعين بدينك تلعب.
البداية والنهاية
وعنه جماعة منهم : أبو خيثمة ، وزهير بن حرب ، وسري السقطي ، والعباس بن عبد العظيم ، ومحمد بن حاتم .
قال محمد بن سعيد : سمع بشرا كثيرا ثم اشتغل بالعبادة واعتزل الناس ولم يحدث .
وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته وورعه ونسكه وتقشفه .
قال الإمام أحمد يوم بلغه موته : لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد قيس ، ولو تزوج لتم أمره .
وفي رواية عنه أنه قال : ما ترك بعده مثله .
وقال إبراهيم الحربي : ما أخرجت بغداد أتم عقلا منه ، ولا أحفظ للسانه منه ، ما عرف له غيبة لمسلم ، وكان في كل شعرة منه عقل ، ولوقسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء .
وذكر غير واحد أن بشرا كان شاطرا في بدء أمره ، وأن سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام فرفعها ورفع طرفه إلى السماء وقال : سيدي اسمك ههنا ملقى يداس !
ثم ذهب إلى عطار فاشترى بدرهم غالية وضمخ تلك الرقعة منها ووضعها حيث لا تنال ، فأحيى الله قلبه وألهمه رشده وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة .
من كلامه : من أحب الدنيا فليتهيأ للذل .
وكان بشر يأكل الخبز وحده ، فقيل له : أما لك أدم ؟
فقال : بلى ! أذكر العافية فأجعلها أدما .
وكان لا يلبس نعلا بل يمشي حافيا ، فجاء يوما إلى باب فطرقه فقيل : من ذا ؟
فقال : بشر الحافي .
فقالت له جارية صغيرة : لو اشترى نعلا بدرهم لذهب عنه اسم الحافي .
قالوا : وكان سبب تركه النعل أنه جاء مرة إلى حذّاء فطلب منه شراكا لنعله فقال : ما أكثر كلفتكم يا فقراء على الناس ؟ !
فطرح النعل من يده وخلع الأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا أبدا .
قال ابن خلكان : وكانت وفاته يوم عاشوراء .
وقيل : في رمضان ببغداد .
وقيل : بمرو .
قلت : الصحيح ببغداد في هذه السنة .
وقيل : في سنة ست وعشرين .
والأول أصح ، والله أعلم .
وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم ، فأخرج بعد صلاة الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة .
وكان علي المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلا صوته في الجنازة : هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة .
وقد روي أن الجن كانت تنوح عليه في بيته الذي كان يسكنه .
وقد رآه بعضهم في المنام فقال : ما فعل الله بك ؟
فقال : غفر لي ولكل من أحبني إلى يوم القيامة .
وذكر الخطيب أنه كان له أخوات ثلاث وهن : مخة ، ومضغة ، وزبدة .
وكلهن عابدات زاهدات مثله ، وأشد ورعا أيضا .
ذهبت إحداهن إلى الإمام أحمد بن حنبل فقالت : إني ربما طفئ السراج وأنا أغزل على ضوء القمر فهل عليَّ عند البيع أن أميز هذا من هذا ؟
فقال : إن كان بينهما فرق فميزي للمشتري .
وقالت له مرة إحداهن : ربما تمرُّ بنا مشاعل بني طاهر في الليل ونحن نغزل فنغزل الطاق والطاقين والطاقات فخلصني من ذلك .
فأمرها أن تتصدق بذلك الغزل كله لما اشتبه عليها من معرفة ذلك المقدار .
وسألته عن أنين المريض : أفيه شكوى ؟
قال : لا ! إنما هو شكوى إلى الله عز وجل .
ثم خرجت فقال لابنه عبد الله : يا بني ! اذهب خلفها فاعلم لي من هذه المرأة ؟
قال عبد الله : فذهبت وراءها فإذا هي قد دخلت دار بشر ، وإذا هي أخته مخة .
وروى الخطيب أيضا عن زبدة قالت : جاء ليلة أخي بشر فدخل برجله في الدار وبقيت الأخرى خارج الدار ، فاستمر كذلك ليلته حتى أصبح .
فقيل له : فيم تفكرت ليلتك ؟
فقال : تفكرت في بشر النصراني ، وبشر اليهودي ، وبشر المجوسي ، وفي نفسي ، لأن اسمي بشر ، فقلت في نفسي : ما الذي سبق لي من الله حتى خصني بالإسلام من بينهم ؟ فتفكرت في فضل الله عليَّ وحمدته أن هداني للإسلام ، وجعلني ممن خصه به ، وألبسني لباس أحبابه .
وقد ترجمه ابن عساكر فأطنب وأطيب وأطال من غير ملال ، وقد ذكر له أشعارا حسنة ، وذكر أنه كان يتمثل بهذه الأبيات :
تعاف القذى في الماء لا تستطيعه * وتكرع من حوض الذنوب فتشرب
وتؤثر من أكل الطعام ألذه * ولا تذكر المختار من أين يكسب
وترقد يا مسكين فوق نمارق * وفي حشوها نار عليك تلهب
فحتى متى لا تستفيق جهالة * وأنت ابن سبعين بدينك تلعب.
البداية والنهاية