إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بشر الحافي الزاهد المشهور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بشر الحافي الزاهد المشهور

    سنة سبع وعشرين و مائتين من الهجرة

    بشر الحافي الزاهد المشهور
    وهو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله ، المروزي ، أبو نصر ، الزاهد المعروف : بالحافي ، نزل بغداد .

    قال ابن خلكان : وكان اسم جده : عبد الله الغيور ، أسلم على يدي علي بن أبي طالب .
    قلت : وكان مولده ببغداد سنة خمسين ومائة ، وسمع بها شيئا كثيرا من : حماد بن زيد ، وعبد الله بن المبارك ، وابن مهدي ، ومالك ، وأبي بكر بن عياش ، وغيرهم .

    وعنه جماعة منهم : أبو خيثمة ، وزهير بن حرب ، وسري السقطي ، والعباس بن عبد العظيم ، ومحمد بن حاتم .
    قال محمد بن سعيد : سمع بشرا كثيرا ثم اشتغل بالعبادة واعتزل الناس ولم يحدث .
    وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته وورعه ونسكه وتقشفه .
    قال الإمام أحمد يوم بلغه موته : لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد قيس ، ولو تزوج لتم أمره .

    وفي رواية عنه أنه قال : ما ترك بعده مثله .
    وقال إبراهيم الحربي : ما أخرجت بغداد أتم عقلا منه ، ولا أحفظ للسانه منه ، ما عرف له غيبة لمسلم ، وكان في كل شعرة منه عقل ، ولوقسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء .
    وذكر غير واحد أن بشرا كان شاطرا في بدء أمره ، وأن سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام فرفعها ورفع طرفه إلى السماء وقال : سيدي اسمك ههنا ملقى يداس !
    ثم ذهب إلى عطار فاشترى بدرهم غالية وضمخ تلك الرقعة منها ووضعها حيث لا تنال ، فأحيى الله قلبه وألهمه رشده وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة .
    من كلامه : من أحب الدنيا فليتهيأ للذل .
    وكان بشر يأكل الخبز وحده ، فقيل له : أما لك أدم ؟
    فقال : بلى ! أذكر العافية فأجعلها أدما .

    وكان لا يلبس نعلا بل يمشي حافيا ، فجاء يوما إلى باب فطرقه فقيل : من ذا ؟
    فقال : بشر الحافي .
    فقالت له جارية صغيرة : لو اشترى نعلا بدرهم لذهب عنه اسم الحافي .
    قالوا : وكان سبب تركه النعل أنه جاء مرة إلى حذّاء فطلب منه شراكا لنعله فقال : ما أكثر كلفتكم يا فقراء على الناس ؟ !
    فطرح النعل من يده وخلع الأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا أبدا .
    قال ابن خلكان : وكانت وفاته يوم عاشوراء .
    وقيل : في رمضان ببغداد .
    وقيل : بمرو .

    قلت : الصحيح ببغداد في هذه السنة .
    وقيل : في سنة ست وعشرين .
    والأول أصح ، والله أعلم .
    وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم ، فأخرج بعد صلاة الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة .

    وكان علي المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلا صوته في الجنازة : هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة .
    وقد روي أن الجن كانت تنوح عليه في بيته الذي كان يسكنه .
    وقد رآه بعضهم في المنام فقال : ما فعل الله بك ؟
    فقال : غفر لي ولكل من أحبني إلى يوم القيامة .
    وذكر الخطيب أنه كان له أخوات ثلاث وهن : مخة ، ومضغة ، وزبدة .
    وكلهن عابدات زاهدات مثله ، وأشد ورعا أيضا .
    ذهبت إحداهن إلى الإمام أحمد بن حنبل فقالت : إني ربما طفئ السراج وأنا أغزل على ضوء القمر فهل عليَّ عند البيع أن أميز هذا من هذا ؟
    فقال : إن كان بينهما فرق فميزي للمشتري .
    وقالت له مرة إحداهن : ربما تمرُّ بنا مشاعل بني طاهر في الليل ونحن نغزل فنغزل الطاق والطاقين والطاقات فخلصني من ذلك .
    فأمرها أن تتصدق بذلك الغزل كله لما اشتبه عليها من معرفة ذلك المقدار .

    وسألته عن أنين المريض : أفيه شكوى ؟
    قال : لا ! إنما هو شكوى إلى الله عز وجل .
    ثم خرجت فقال لابنه عبد الله : يا بني ! اذهب خلفها فاعلم لي من هذه المرأة ؟
    قال عبد الله : فذهبت وراءها فإذا هي قد دخلت دار بشر ، وإذا هي أخته مخة .

    وروى الخطيب أيضا عن زبدة قالت : جاء ليلة أخي بشر فدخل برجله في الدار وبقيت الأخرى خارج الدار ، فاستمر كذلك ليلته حتى أصبح .
    فقيل له : فيم تفكرت ليلتك ؟
    فقال : تفكرت في بشر النصراني ، وبشر اليهودي ، وبشر المجوسي ، وفي نفسي ، لأن اسمي بشر ، فقلت في نفسي : ما الذي سبق لي من الله حتى خصني بالإسلام من بينهم ؟ فتفكرت في فضل الله عليَّ وحمدته أن هداني للإسلام ، وجعلني ممن خصه به ، وألبسني لباس أحبابه .
    وقد ترجمه ابن عساكر فأطنب وأطيب وأطال من غير ملال ، وقد ذكر له أشعارا حسنة ، وذكر أنه كان يتمثل بهذه الأبيات :
    تعاف القذى في الماء لا تستطيعه * وتكرع من حوض الذنوب فتشرب
    وتؤثر من أكل الطعام ألذه * ولا تذكر المختار من أين يكسب
    وترقد يا مسكين فوق نمارق * وفي حشوها نار عليك تلهب
    فحتى متى لا تستفيق جهالة * وأنت ابن سبعين بدينك تلعب.

    البداية والنهاية







يعمل...
X