سنة إحدى وثمانين من الهجرة
محمد بن علي بن أبي طالب
محمد بن علي بن أبي طالب
أبو القاسم وأبو عبد الله أيضا ، وهو المعروف بابن الحنفية ،وكانت سوداء سندية من بني حنيفة اسمها خولة .
ولد محمد في خلافة عمر بن الخطاب ، ووفد على معاوية وعلى عبد الملك بن مروان وقد صرع مروان يوم الجمل وقعد على صدره وأراد قتله فناشده مروان بالله وتذلل له فأطلقه ، فلما وفد على عبد الملك ذكره بذلك فقال : عفوا يا أمير المؤمنين فعفا عنه وأجزل له الجائزة ، وكان محمد بن علي من سادات قريش ، ومن الشجعان المشهورين ، ومن الأقوياء المذكورين ، ولما بويع لابن الزبير لم يبايعه ، فجرى بينهما شر عظيم ، حتى هم ابن الزبير به وبأهله كما تقدم ذلك ، فلما قتل ابن الزبير واستقر أمر عبد الملك وبايعه ابن عمر تابعه ابن الحنفية ، وقدم المدينة فمات بها في هذه السنة وقيل : في التي قبلها أو في التي بعدها ، ودفن بالبقيع .
والرافضة يزعمون أنه بجبل رضوى وأنه حي يرزق ، وهم ينتظرونه ، وقد قال كثير عزة في ذلك :
ألا إن الأئمة من قريشٍ * ولاة الحق أربعة سواءُ
علي والثلاثة من بنيه * هم الأسباط ليس بهم خفاءُ
فسبط سبط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاءُ
وسبط لا تراه العين حتى * تعود الخيل يقدمها لواءُ
ولما هم ابن الزبير بابن الحنفية كتب ابن الحنفية إلى شيعتهم بالكوفة مع أبي الطفيل وأثلة بن الأسقع وعلى الكوفة المختار بن عبيد الله ، وقد كان ابن الزبير جمع لهم حطبا كثيرا على أبوابهم ليحرقهم بالنار ، فلما وصل كتاب ابن الحنفية إلى المختار ، وقد كان المختار يدعو إليه ويسميه المهدي ، فبعث المختار أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف فاستنقذوا بني هاشم من يدي ابن الزبير ، وخرج معهم ابن عباس فمات بالطائف وبقي ابن الحنفية في شيعته ، فأمره ابن الزبير أن يخرج عنه فخرج إلى أرض الشام بأصحابه وكانوا نحو سبعة آلاف ، فلما وصل إلى أيلة كتب إليه عبد الملك : إما أن تبايعني وإما أن تخرج من أرضي ، فكتب إليه ابن الحنفية : أبايعك على أن تؤمن أصحابي ، قال : نعم ، فقام ابن الحنفية في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ، فقال : الحمد لله الذي حقن دماءكم وأحرز دينكم فمن أحب منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده محفوظا فليفعل ، فرحل عنه الناس إلى بلادهم حتى بقي في سبعمائة رجل ، فأحرم بعمرة وقلد هديا وسار نحو مكة ، فلما أراد دخول الحرم بعث إليه ابن الزبير خيلا فمنعه أن يدخل ، فأرسل إليه : إنا لم نأت لحرب ولا لقتال دعنا ندخل حتى نقضي نسكنا ثم نخرج عنك ، فأبى عليه وكان معه بدن قد قلدها فرجع إلى المدينة فأقام بها محرما حتى قدم الحجاج وقتل ابن الزبير ، فكان ابن الحنفية في تلك المدة محرما ، فلما سار الحجاج إلى العراق مضى ابن الحنفية إلى مكة وقضى نسكه وذلك بعد عدة سنين ، وكان القمل يتناثر منه في تلك المدة كلها ، فلما قضى نسكه رجع إلى المدينة أقام بها حتى مات ، وقيل : إن الحجاج لما قتل ابن الزبير بعث إلى ابن الحنفية : قد قتل عدو الله فبايع ، فكتب إليه إذا بايع الناس كلهم بايعت ، فقال الحجاج : والله لأقتلنك ، فقال ابن الحنفية : إن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة في اللوح المحفوظ ، في كل نظرة ثلاثمائة وستون قضية ، فلعل الله تعالى أن يجعلني في قضية منها فيكفينيك ، فكتب الحجاج إلى عبد الملك بذلك ، فأعجبه قوله ، وكتب إليه قد عرفنا أن محمدا ليس عنده خلاف فارفق به فهو يأتيك ويبايعك ، وكتب عبد الملك بكلامه ذلك - إن لله ثلاثمائة وستين نظرة - إلى ملك الروم ، وذلك أن ملك الروم كتب إلى عبد الملك يتهدده بجموع من الجنود لا يطيقها أحد ، فكتب بكلام ابن الحنفية ، فقال ملك الروم : إن هذا الكلام ليس من كلام عبد الملك ، وإنما خرج من بيت نبوة ، ولما اجتمع الناس على بيعة عبد الملك قال ابن عمر لابن الحنفية : ما بقي شيء فبايع فكتب بيعته إلى عبد الملك ووفد عليه بعد ذلك .
توفي ابن الحنفية في المحرم بالمدينة وعمره خمس وستون سنة ، وكان له من الولد عبد الله وحمزة وعلي وجعفر الأكبر والحسن وإبراهيم والقاسم وعبد الرحمن وجعفر الأصغر وعون ورقية ، وكلهم لأمهات شتى . وقال الزبير بن بكار : كانت شيعته تزعم أنه لم يمت وفيه يقول السيد :
ألا قل للوصي فدتك نفسي * أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشر والوكَ منا * وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طرا * مقامك فيهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت * ولا وارث له أرض عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى * تراجعه الملائكة الكلاما
وإن له به لمقيل صدق * وأندية تحدثه كراما
هدانا الله ادخرتم لأمر * به عليه يلتمس التماما
تمامٌ ثورة المهدي حتى * تروا راياته تترى نظاما
وقد ذهب طائفة من الرافضة إلى إمامته وأنه ينتظر خروجه في آخر الزمان ، كما ينتظر طائفة أخرى منهم الحسن بن محمد العسكري ، الذي يخرج في زعمهم من سرداب سامرا ، وهذا من خرافاتهم وهذيانهم وجهلهم وضلالهم وترهاتهم ، وسنزيد ذلك وضوحا في موضعه وإن شاء الله .
ولد محمد في خلافة عمر بن الخطاب ، ووفد على معاوية وعلى عبد الملك بن مروان وقد صرع مروان يوم الجمل وقعد على صدره وأراد قتله فناشده مروان بالله وتذلل له فأطلقه ، فلما وفد على عبد الملك ذكره بذلك فقال : عفوا يا أمير المؤمنين فعفا عنه وأجزل له الجائزة ، وكان محمد بن علي من سادات قريش ، ومن الشجعان المشهورين ، ومن الأقوياء المذكورين ، ولما بويع لابن الزبير لم يبايعه ، فجرى بينهما شر عظيم ، حتى هم ابن الزبير به وبأهله كما تقدم ذلك ، فلما قتل ابن الزبير واستقر أمر عبد الملك وبايعه ابن عمر تابعه ابن الحنفية ، وقدم المدينة فمات بها في هذه السنة وقيل : في التي قبلها أو في التي بعدها ، ودفن بالبقيع .
والرافضة يزعمون أنه بجبل رضوى وأنه حي يرزق ، وهم ينتظرونه ، وقد قال كثير عزة في ذلك :
ألا إن الأئمة من قريشٍ * ولاة الحق أربعة سواءُ
علي والثلاثة من بنيه * هم الأسباط ليس بهم خفاءُ
فسبط سبط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاءُ
وسبط لا تراه العين حتى * تعود الخيل يقدمها لواءُ
ولما هم ابن الزبير بابن الحنفية كتب ابن الحنفية إلى شيعتهم بالكوفة مع أبي الطفيل وأثلة بن الأسقع وعلى الكوفة المختار بن عبيد الله ، وقد كان ابن الزبير جمع لهم حطبا كثيرا على أبوابهم ليحرقهم بالنار ، فلما وصل كتاب ابن الحنفية إلى المختار ، وقد كان المختار يدعو إليه ويسميه المهدي ، فبعث المختار أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف فاستنقذوا بني هاشم من يدي ابن الزبير ، وخرج معهم ابن عباس فمات بالطائف وبقي ابن الحنفية في شيعته ، فأمره ابن الزبير أن يخرج عنه فخرج إلى أرض الشام بأصحابه وكانوا نحو سبعة آلاف ، فلما وصل إلى أيلة كتب إليه عبد الملك : إما أن تبايعني وإما أن تخرج من أرضي ، فكتب إليه ابن الحنفية : أبايعك على أن تؤمن أصحابي ، قال : نعم ، فقام ابن الحنفية في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ، فقال : الحمد لله الذي حقن دماءكم وأحرز دينكم فمن أحب منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده محفوظا فليفعل ، فرحل عنه الناس إلى بلادهم حتى بقي في سبعمائة رجل ، فأحرم بعمرة وقلد هديا وسار نحو مكة ، فلما أراد دخول الحرم بعث إليه ابن الزبير خيلا فمنعه أن يدخل ، فأرسل إليه : إنا لم نأت لحرب ولا لقتال دعنا ندخل حتى نقضي نسكنا ثم نخرج عنك ، فأبى عليه وكان معه بدن قد قلدها فرجع إلى المدينة فأقام بها محرما حتى قدم الحجاج وقتل ابن الزبير ، فكان ابن الحنفية في تلك المدة محرما ، فلما سار الحجاج إلى العراق مضى ابن الحنفية إلى مكة وقضى نسكه وذلك بعد عدة سنين ، وكان القمل يتناثر منه في تلك المدة كلها ، فلما قضى نسكه رجع إلى المدينة أقام بها حتى مات ، وقيل : إن الحجاج لما قتل ابن الزبير بعث إلى ابن الحنفية : قد قتل عدو الله فبايع ، فكتب إليه إذا بايع الناس كلهم بايعت ، فقال الحجاج : والله لأقتلنك ، فقال ابن الحنفية : إن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة في اللوح المحفوظ ، في كل نظرة ثلاثمائة وستون قضية ، فلعل الله تعالى أن يجعلني في قضية منها فيكفينيك ، فكتب الحجاج إلى عبد الملك بذلك ، فأعجبه قوله ، وكتب إليه قد عرفنا أن محمدا ليس عنده خلاف فارفق به فهو يأتيك ويبايعك ، وكتب عبد الملك بكلامه ذلك - إن لله ثلاثمائة وستين نظرة - إلى ملك الروم ، وذلك أن ملك الروم كتب إلى عبد الملك يتهدده بجموع من الجنود لا يطيقها أحد ، فكتب بكلام ابن الحنفية ، فقال ملك الروم : إن هذا الكلام ليس من كلام عبد الملك ، وإنما خرج من بيت نبوة ، ولما اجتمع الناس على بيعة عبد الملك قال ابن عمر لابن الحنفية : ما بقي شيء فبايع فكتب بيعته إلى عبد الملك ووفد عليه بعد ذلك .
توفي ابن الحنفية في المحرم بالمدينة وعمره خمس وستون سنة ، وكان له من الولد عبد الله وحمزة وعلي وجعفر الأكبر والحسن وإبراهيم والقاسم وعبد الرحمن وجعفر الأصغر وعون ورقية ، وكلهم لأمهات شتى . وقال الزبير بن بكار : كانت شيعته تزعم أنه لم يمت وفيه يقول السيد :
ألا قل للوصي فدتك نفسي * أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشر والوكَ منا * وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طرا * مقامك فيهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت * ولا وارث له أرض عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى * تراجعه الملائكة الكلاما
وإن له به لمقيل صدق * وأندية تحدثه كراما
هدانا الله ادخرتم لأمر * به عليه يلتمس التماما
تمامٌ ثورة المهدي حتى * تروا راياته تترى نظاما
وقد ذهب طائفة من الرافضة إلى إمامته وأنه ينتظر خروجه في آخر الزمان ، كما ينتظر طائفة أخرى منهم الحسن بن محمد العسكري ، الذي يخرج في زعمهم من سرداب سامرا ، وهذا من خرافاتهم وهذيانهم وجهلهم وضلالهم وترهاتهم ، وسنزيد ذلك وضوحا في موضعه وإن شاء الله .