إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإمام محمد بن إسماعيل البخاري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإمام محمد بن إسماعيل البخاري


    سنة ست وخمسين مائتين من الهجرة


    الإمام محمد بن إسماعيل البخاري



    صاحب الصحيح ، وقد ذكرنا له ترجمة حافلة في أول شرحنا لصحيحه ، ولنذكر هاهنا نبذة يسيرة من ذلك فنقول : هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن يزدزبه الجعفي مولاهم أبو عبد الله البخاري الحافظ ، إمام أهل الحديث في زمانه ، والمقتدى به في أوانه ، والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه ، وكتابه الصحيح يستقى بقراءته الغمام ، وأجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه ، وكذلك سائر أهل الإسلام ، ولد البخاري - رحمه الله - في ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة أربع.

    وتسعين ومائة ، ومات أبوه وهو صغير فنشأ في حجر أمه فألهمه الله حفظ الحديث وهو في المكتب ، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشر سنة حتى قيل : إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردا ، وحج وعمره ثماني عشرة سنة .

    فأقام بمكة يطلب بها الحديث ، ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها ، وكتب عن أكثر من ألف شيخ .

    وروى عنه خلائق وأمم .

    وقد روى الخطيب البغدادي عن الفربري أنه قال : سمع الصحيح من البخاري معي نحو من سبعين ألفا لم يبق منهم أحد غيري



    وقد روى البخاري من طريق الفربري كما هي رواية الناس اليوم من طريقه ، وحماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل وطاهر بن مخلد . وآخر من حدث عنه أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البردي النسفي ؛ وقد توفي النسفي هذا في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة . ووثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا .

    وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح ، وكان مسلم يتلمذ له ويعظمه ، وروى عنه الترمذي في جامعه ، والنسائي في سننه في قول بعضهم .

    وقد دخل بغداد ثمان مرات ، وفي كل منها يجتمع بالإمام أحمد ، فيحثه أحمد

    على المقام

    ببغداد ويلومه على الإقامة بخراسان .

    وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ، ويكتب الفائدة تمر بخاطرة ثم يطفئ سراجه ، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة . وقد كان أصيب بصره وهو صغير فرأت أمه إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - فقال : يا هذه قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك ، أو قال : بكائك ، فأصبح وهو بصير .

    وقال البخاري : فكرت البارحة فإذا أنا قد كتبت لي مصنفات نحوا من مائتي ألف حديث مسندة .

    وكان يحفظها كلها .

    ودخل مرة إلى سمرقند فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها ، فركبوا أسانيد وأدخلوا

    إسناد الشام في إسناد العراق ، وخلطوا الرجال في الأسانيد وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها ، ثم قرؤوها على البخاري فرد كل حديث إلى إسناده ، وقوم تلك الأحاديث والأسانيد كلها ، وما تعنتوا عليه فيها ، ولم يقدروا أن يعلفوا عليه سقطة في إسناد ولا متن .

    وكذلك صنع في بغداد .

    وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظه من نظرة واحدة .

    والأخبار عنه في ذلك كثيرة .

    وقد أثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه .

    فقال الإمام أحمد : ما أخرجت خراسان مثله .

    وقال علي بن المديني : لم ير البخاري مثل نفسه .



    وقال إسحاق بن راهويه : لو كان في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه في الحديث ومعرفته وفقهه .

    وقال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير : ما رأينا مثله .

    وقال علي بن حجر : لا أعلم مثله .

    وقال محمود بن النظر بن سهل الشافعي : دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها ، كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فضلوه على أنفسهم .

    وقال أبو العباس الدعولي : كتب أهل بغداد إلى البخاري :

    المسلمون بخير ما حييت لهم * * وليس بعدك

    خير حين تفتقد

    وقال الفلاس : كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث .

    وقال أبو نعيم أحمد بن حماد : هو فقيه هذه الأمة .

    وكذا قال يعقوب بن إبراهيم الدورقي .

    ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

    وقال قتيبة بن سعيد : رحل إلي من شرق الأرض وغر بها خلق ، فما رحل إلى مثل محمد بن إسماعيل البخاري .

    وقال مرجى بن رجاء : فضل البخاري على العلماء كفضل الرجال على النساء - يعني في زمانه - وأما قبل زمانه مثل قرب الصحابة والتابعين فلا .



    وقال : هو آية من آيات الله تمشي على الأرض .

    وقال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدرامي : محمد بن إسماعيل البخاري أفقهنا وأعلمنا وأغوصنا وأكثرنا طلبا .

    وقال إسحاق بن راهويه : هو أبصر مني .

    وقال أبو حاتم الرازي : محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق . وقال عبد الله العجلي : رأيت أبا حاتم وأبا زرعة يجلسان إليه يسمعان ما يقول ، ولم يكن مسلم يبلغه ، وكان أعلم من محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا ، وكان حييا فاضلا يحسن كل شيء .

    وقال غيره : رأيت محمد بن يحيى الذهلي يسأل البخاري عن الأسامي والكنى والعلل ، وهو يمر فيه كالسهم ، كأنه يقرأ قل هو الله أحد .



    وقال أحمد بن حمدون القصار : رأيت مسلم بن الحجاج جاء إلى البخاري فقبل بن عينيه وقال : دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله ، ثم سأله عن حديث كفارة المجلس فذكر له علته فلما فرغ قال مسلم : لا يبغضك إلا حاسد ، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك .

    وقال الترمذي : لم أر بالعراق ولا في خراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من البخاري ، وكنا يوما عند عبد الله بن منير فقال للبخاري : جعلك الله زين هذه الأمة .

    قال الترمذي : فاستجيب له فيه .

    وقال ابن خزيمة : ما رأيت تحت أديم السماء

    أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - - ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري .

    ولو استقصينا ثناء العلماء عليه في حفظه وإتقانه وعلمه وفقهه وورعه وزهده وعبادته لطال علينا ، ونحن على عجل من أجل الحوادث والله سبحانه المستعان .

    وقد كان البخاري - رحمه الله - في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء ، والرغبة في الآخرة دار البقاء .

    وقال البخاري : إني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطالبني أني اغتبته .
    فذكر له التاريخ وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك . فقال : ليس هذا من هذا .
    قال النبي صلى الله عليه وسلم - : « إيذنوا له فلبئس أخو العشيرة » .



    ونحن إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا .

    وقد كان - رحمه الله - يصلي في كل ليلة ثلاث عشرة ركعة ، وكان يختم القرآن في كل ليلة رمضان ختمة ، وكانت له جدة ومال جيد ينفق منه سرا وجهرا ، وكان يكثر الصدقة بالليل والنهار ، وكان مستجاب الدعوة مسدد الرمية شريف النفس ، بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه فأرسل إليه : في بيته العلم والحلم يؤتى - يعني إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إلي - وأبى أن يذهب إليهم .

    والسلطان خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى ، فبقي في نفس الأمير من ذلك ، فاتفق أن جاء كتاب من

    محمد بن يحيى الذهلي بأن البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق - وكان وقد وقع بين محمد بن يحيى الذهلي وبين البخاري في ذلك كلام وصنف البخاري في ذلك كتاب أفعال العباد - فأراد أن يصرف الناس عن السماع من البخاري ، وقد كان الناس يعظمونه جدا ، وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل بخارى عائدا إلى أهله ، وكان له مجلس يجلس فيه للإملاء بجامعها فلم يقبلوا من الأمير ، فأمر عند ذلك بنفيه من تلك البلاد ، فخرج منها ودعا على خالد بن أحمد ، فلم يمض شهر حتى أمر ابن طاهر بأن ينادى على خالد بن أحمد على أتان ، وزال ملكه وسجن في بغداد حتى مات ، ولم يبق أحد يساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد ، فنزح البخاري. البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق - وكان وقد وقع بين محمد بن يحيى الذهلي وبين البخاري في ذلك كلام وصنف البخاري في ذلك كتاب أفعال العباد - فأراد أن يصرف الناس عن السماع من البخاري ، وقد كان الناس يعظمونه جدا ، وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل بخارى عائدا إلى أهله ، وكان له مجلس يجلس فيه للإملاء بجامعها فلم يقبلوا من الأمير ، فأمر عند ذلك بنفيه من تلك البلاد ، فخرج منها ودعا على خالد بن أحمد ، فلم يمض شهر حتى أمر ابن طاهر بأن ينادى على خالد بن أحمد على أتان ، وزال ملكه وسجن في بغداد حتى مات ، ولم يبق أحد يساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد ، فنزح البخاري من بلده إلى بلدة يقال لها : خرتنك على فرسخين من سمرقند ، فنزل عند أقارب له بها وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين ، لما جاء في الحديث : « وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين » . ثم اتفق مرضه على إثر ذلك .

    فكانت وفاته ليلة عيد الفطر - وكان ليلة السبت - عند صلاة العشاء وصلى عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة - أعنى سنة ست وخمسين ومائتين - وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ، وفق ما أوصى به ، وحين ما دفن فاحت من قبره رائحة غالية أطيب من ريح المسك ، ثم دام ذلك أياما ،
    ثم جعلت ترى. سواري بيض بحذاء قبره .
    وكان عمره يوم مات ثنتين وستين سنة .
    وقد ترك - رحمه الله - بعده علما نافعا لجميع المسلمين ، فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - - : « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، علم ينتفع به » .
    الحديث رواه مسلم وشرطه في صحيحه هذا أعز من شرط كل كتاب ، صنف في الصحيح لا يوازيه فيه غيره ، لا صحيح مسلم ولا غيره .
    وما أحسن ما قال بعض الفصحاء من الشعراء :
    صحيح البخاري لو أنصفوه * * لما خط إلا بماء. الذهب
    هو الفرق بين الهدى والعمى * * هو السد بين الفتى والعطب
    أسانيد مثل نجوم السماء * * أمام متون لها كالشهب
    بها قام ميزان دين الرسول * * ودان به العجم بعد العرب
    حجاب من النار لا شك فيه * * يميز بين الرضى والغضب
    وستر رقيق إلى المصطفى * * ونص مبين لكشف الريب
    فيا عالما أجمع العالمو * * ن على فضل رتبته في الرتب
    سبق الأئمة فيما جمعت * * وفزت على زعمهم. بالقصب
    نفيت الضعف من الناقل * * ين ومن كان متهما بالكذب
    وأبرزت في حسن ترتيبه * * وتبويبه عجبا للعجب
    فأعطاك مولاك ما تشتهيه * * وأجزل حظك فيما وهب

    نقلته من البداية والنهاية للحافظ إبن كثير رحمه الله








  • #2
    بارك الله فيك ورفع قدرك أخانا أبوحذيفة .

    تعليق

    يعمل...
    X