بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه ومَنْ تبِعَهُ بإحسان إلى يوم الدِّين، وبعد:
فإننا لم نكد أن نصدق أنفسنا يوم أن رأينا أخانا محمداًً يسلك طريق الاستقامة على الكتاب والسنةبعد أن كان لا يستجيب لأحد منا في ذلك مع محاولة عدد من الإخوة في النصح له
بدأَتْ علامات استقامته باعتكافه في مسجد السنة بمدينتنا في رمضان الماضي (1432 هجرية)
كان رجلاً طلقَ المُحَيَّا بشوشاً صبوراً؛
وكان -بتوفيق الله تعالى- تاركاً للمنكرات ومسابقاً في الخيرات
منها الإكثار من الصيام وحضور الدروس والمحاضرات
فاجأَنا يوماً بإخبارنا أنه عازم على التوجه إلى جبهة القتال بكتاف للجهاد مع إخواننا ضد الرافضة البغاة
لا يزال سِنُّهُ في بداية العشرينات
ولم يمضِ على استقامته على الجادَّة عام واحدمع ذلك بادر بفعل ما لم يفعله مَنْ هو أكبر منه سِنّاً وأقدم منه في الاستقامة
لكن: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ)
انطلقَ إلى الجبهة بشَغَفٍ واشتياق
وحط رحاله في الشافعية
تلقى بعض التدريبات على أيدي بعض إخواننا في الجبهة -حفظهم الله تعالى-
هاتفَهُ بعضُ الإخوة فأخبره أنه في راحة نفسية لا يعلم بها إلا الله تعالى
وهاتفَهُ أخٌ آخر ودعا له بأن يُعيده إلينا بالسلامة فقال له محمد:
(إن شاء الله شهيد)
جاءنا الخبر يوم السبت (12 من شهر رجب 1433 هـ) أن الأعداء شنُّوا –ليلاً- هجوماً مباغتاً على الشافعية بكتاف
وأن محمداً الآن مفقود وربما قُتِل
تأكد عندنا الخبر يوم الأحد أنه وُجد مقتولاً هو وبعض أصحابه بالقرب من أحد المتارس التابعة لإخواننا المجاهدين -نصرهم الله تعالى- في الجبهة
جاد بنفسه في سبيل الله عزَّ وجلَّ
وصدق الله تعالى فصدقه الله تبارك وتعالى
أحسبه كذلك والله تعالى حسيبه
ذكَّرني هذا بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المتفق على صحته قال:حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق-: « إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات، فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار ».
أسأل الله تعالى بمنِّه وكرمه أن يجعله من أهل الجنة
أخبرني أحد الإخوة من طلاب العلم بدماج وأحد مقيمي الدروس فيها -حرسها الله تعالى- وهو ابن عم محمدٍ أنه حين كان محمد مفقوداً رآه في المنام يقول له:
(تقول أني قُتلت -أو: مُت-؟ أنا حي! أنا حي!)
يقول الأخ:
عند أن استيقظت ذكرتُ قول الله تعالى:
(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
وقال أيضاً:(ذكر لنا بعض من شيَّعه أنه رآه مبتسماً)
رحمه الله تعالى، وإنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم أْجُرْنَا في مصيبتنا وأَخْلِفْ لنا خيراً منها
وأجدني متأثراً بما قاله ذلك الناظم لصاحبه ورفيقه الذي مات وكان صائماً:
عَهِدْتُكَ وَاعِظاً فِي كُلِّ خَطْبٍ ... وَأَنْتَ اليَوْمَ أَوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا
تُشَيِّعُكَ القُلُوبُ وَأَنْتَ فِيهَا ... حَبِيباً طَاهِراً عَفّاً نَقِيَّا
رَحَلْتَ وَفِي الحَشَى مِلْيُونَ جُرْحٍ ... عَلَى فُرْقَاكَ تُدْمِي جَانِبَيَّا
حَبِيبَ مَوَدَّتِي وَرَفِيقَ دَرْبِي ... أَمَا كُنَّا عَلَى الدُّنْيَا سَوِيَّا
حَبِيبِي كَمْ تَدَارَسْنَا سَوِيّاً ... بِآيَاتٍ تُرَدِّدُهَا عَلَيَّا
وَدَاعاً يَا أَخِي فِي اللهِ مِنِّي ... فَبَعْدَكَ قَلْبِيَ البَاكِي شَقِيَّا(1)
لَئِنْ عَزَّ اللِقَاءُ هُنَا فَإِنَّا ... سَنَلْقَى بَعْضَنَا يَوْماً أُخَيَّا(2)
أَمَا للهِ صُمْتَ فَنَمْ هَنِيئاً ... فَرَبُّكَ لَمْ يَكُنْ أَبَداً نَسِيَّا
لَكَ الرَّيَّانُ شَرَّعَ مِصْرَعَيْهِ ... وَفِطْرُكَ مِنْ جَنَى عَدْنٍ شَهِيَّا(3)
وَتُبْعَثُ صَائِماً فِي يَوْمٍ كَرْبٍ ... وَوَجْهُكَ فَاقَ نُورَ الشَّمْسِ ضِيَّا
وَثَغْرُكَ بَاسِمُ القَسَمَاتِ طَلْقٌ ... وَيَعْبِقُ رِيحُهُ مِسْكاً زَكِيَّا
قَبَضْتَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَتْلُو ... قُبَيْلَ المَوْتِ كُنْتَ بِهِ نَجِيَّا
أَلاَ يَا دَارُ أَيْنَ أَبُو مُعَاذٍ ... أُسَائِلُهَا فَمَا رَدَّتْ عَلَيَّا
أَمَا كَانَ الكَرِيمُ هُنَا أَجِيبِي ... أَلَمْ يَسْكُنْ مَرَابِعَكِ الوَفِيَّا
وَيَا جَدَثَ الفَقِيدِ حَوَيْتَ سَمْحاً ... حَبِيباً زَاهِداً بَرّاً تَقِيَّا(4)
وَيَا جَدَثَ الفَقِيدِ حَوَيْتَ خِلاًّ ... عَلَى العَزَمَاتِ وَثَّاباً أَبِيَّا
لَكَ الدَّعَوَاتُ مِنَّا كُلَّ يَوْمٍ ... وَمَا لاَحَتْ عَلَى الدُّنْيَا ثُرَيَّا
فَكَمْ نَاصَحْتَنِي حَيّاً وَلَكِنْ ... أَرَاكَ اليَوْمَ أَوْعَظَ مِنْكَ حَيَّا
أسأل الله تعالى أن يكتبه في الشهداء وأن يرفع درجته عنده مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
هو وكل إخواننا الذين جادوا بأنفسهم لله تبارك وتعالى
وأسأل الله تعالى أن يُصبِّر والديه وأهله على مُصابهم بفقده وأن يُجزل لنا ولهم الأجر والمثوبة
وأن يُلحقنا وإخواننا بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين بفضله ومنِّه وكرمه
إنه سميع عليم حليم كريم غفور رحيم وعلى كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه ومَنْ تبِعَهُ بإحسان إلى يوم الدِّين، وبعد:
فإننا لم نكد أن نصدق أنفسنا يوم أن رأينا أخانا محمداًً يسلك طريق الاستقامة على الكتاب والسنةبعد أن كان لا يستجيب لأحد منا في ذلك مع محاولة عدد من الإخوة في النصح له
بدأَتْ علامات استقامته باعتكافه في مسجد السنة بمدينتنا في رمضان الماضي (1432 هجرية)
كان رجلاً طلقَ المُحَيَّا بشوشاً صبوراً؛
وكان -بتوفيق الله تعالى- تاركاً للمنكرات ومسابقاً في الخيرات
منها الإكثار من الصيام وحضور الدروس والمحاضرات
فاجأَنا يوماً بإخبارنا أنه عازم على التوجه إلى جبهة القتال بكتاف للجهاد مع إخواننا ضد الرافضة البغاة
لا يزال سِنُّهُ في بداية العشرينات
ولم يمضِ على استقامته على الجادَّة عام واحدمع ذلك بادر بفعل ما لم يفعله مَنْ هو أكبر منه سِنّاً وأقدم منه في الاستقامة
لكن: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ)
انطلقَ إلى الجبهة بشَغَفٍ واشتياق
وحط رحاله في الشافعية
تلقى بعض التدريبات على أيدي بعض إخواننا في الجبهة -حفظهم الله تعالى-
هاتفَهُ بعضُ الإخوة فأخبره أنه في راحة نفسية لا يعلم بها إلا الله تعالى
وهاتفَهُ أخٌ آخر ودعا له بأن يُعيده إلينا بالسلامة فقال له محمد:
(إن شاء الله شهيد)
جاءنا الخبر يوم السبت (12 من شهر رجب 1433 هـ) أن الأعداء شنُّوا –ليلاً- هجوماً مباغتاً على الشافعية بكتاف
وأن محمداً الآن مفقود وربما قُتِل
تأكد عندنا الخبر يوم الأحد أنه وُجد مقتولاً هو وبعض أصحابه بالقرب من أحد المتارس التابعة لإخواننا المجاهدين -نصرهم الله تعالى- في الجبهة
جاد بنفسه في سبيل الله عزَّ وجلَّ
وصدق الله تعالى فصدقه الله تبارك وتعالى
أحسبه كذلك والله تعالى حسيبه
ذكَّرني هذا بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المتفق على صحته قال:حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق-: « إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات، فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار ».
أسأل الله تعالى بمنِّه وكرمه أن يجعله من أهل الجنة
أخبرني أحد الإخوة من طلاب العلم بدماج وأحد مقيمي الدروس فيها -حرسها الله تعالى- وهو ابن عم محمدٍ أنه حين كان محمد مفقوداً رآه في المنام يقول له:
(تقول أني قُتلت -أو: مُت-؟ أنا حي! أنا حي!)
يقول الأخ:
عند أن استيقظت ذكرتُ قول الله تعالى:
(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
وقال أيضاً:(ذكر لنا بعض من شيَّعه أنه رآه مبتسماً)
رحمه الله تعالى، وإنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم أْجُرْنَا في مصيبتنا وأَخْلِفْ لنا خيراً منها
وأجدني متأثراً بما قاله ذلك الناظم لصاحبه ورفيقه الذي مات وكان صائماً:
عَهِدْتُكَ وَاعِظاً فِي كُلِّ خَطْبٍ ... وَأَنْتَ اليَوْمَ أَوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا
تُشَيِّعُكَ القُلُوبُ وَأَنْتَ فِيهَا ... حَبِيباً طَاهِراً عَفّاً نَقِيَّا
رَحَلْتَ وَفِي الحَشَى مِلْيُونَ جُرْحٍ ... عَلَى فُرْقَاكَ تُدْمِي جَانِبَيَّا
حَبِيبَ مَوَدَّتِي وَرَفِيقَ دَرْبِي ... أَمَا كُنَّا عَلَى الدُّنْيَا سَوِيَّا
حَبِيبِي كَمْ تَدَارَسْنَا سَوِيّاً ... بِآيَاتٍ تُرَدِّدُهَا عَلَيَّا
وَدَاعاً يَا أَخِي فِي اللهِ مِنِّي ... فَبَعْدَكَ قَلْبِيَ البَاكِي شَقِيَّا(1)
لَئِنْ عَزَّ اللِقَاءُ هُنَا فَإِنَّا ... سَنَلْقَى بَعْضَنَا يَوْماً أُخَيَّا(2)
أَمَا للهِ صُمْتَ فَنَمْ هَنِيئاً ... فَرَبُّكَ لَمْ يَكُنْ أَبَداً نَسِيَّا
لَكَ الرَّيَّانُ شَرَّعَ مِصْرَعَيْهِ ... وَفِطْرُكَ مِنْ جَنَى عَدْنٍ شَهِيَّا(3)
وَتُبْعَثُ صَائِماً فِي يَوْمٍ كَرْبٍ ... وَوَجْهُكَ فَاقَ نُورَ الشَّمْسِ ضِيَّا
وَثَغْرُكَ بَاسِمُ القَسَمَاتِ طَلْقٌ ... وَيَعْبِقُ رِيحُهُ مِسْكاً زَكِيَّا
قَبَضْتَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَتْلُو ... قُبَيْلَ المَوْتِ كُنْتَ بِهِ نَجِيَّا
أَلاَ يَا دَارُ أَيْنَ أَبُو مُعَاذٍ ... أُسَائِلُهَا فَمَا رَدَّتْ عَلَيَّا
أَمَا كَانَ الكَرِيمُ هُنَا أَجِيبِي ... أَلَمْ يَسْكُنْ مَرَابِعَكِ الوَفِيَّا
وَيَا جَدَثَ الفَقِيدِ حَوَيْتَ سَمْحاً ... حَبِيباً زَاهِداً بَرّاً تَقِيَّا(4)
وَيَا جَدَثَ الفَقِيدِ حَوَيْتَ خِلاًّ ... عَلَى العَزَمَاتِ وَثَّاباً أَبِيَّا
لَكَ الدَّعَوَاتُ مِنَّا كُلَّ يَوْمٍ ... وَمَا لاَحَتْ عَلَى الدُّنْيَا ثُرَيَّا
فَكَمْ نَاصَحْتَنِي حَيّاً وَلَكِنْ ... أَرَاكَ اليَوْمَ أَوْعَظَ مِنْكَ حَيَّا
أسأل الله تعالى أن يكتبه في الشهداء وأن يرفع درجته عنده مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
هو وكل إخواننا الذين جادوا بأنفسهم لله تبارك وتعالى
وأسأل الله تعالى أن يُصبِّر والديه وأهله على مُصابهم بفقده وأن يُجزل لنا ولهم الأجر والمثوبة
وأن يُلحقنا وإخواننا بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين بفضله ومنِّه وكرمه
إنه سميع عليم حليم كريم غفور رحيم وعلى كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين.
(1) حزيناً.
(2) إن شاء الله تعالى.
(3) إن شاء الله تعالى.
(4) أحسبه كذلك والله تعالى حسيبه.
تعليق