إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فائدة في قوله تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ }

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فائدة في قوله تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ }

    الحمد لله رب العالمين
    والصلاة والسلام على رسوله الأمين
    أما بعد



    فمن الأسماء الحسنى الثابتة لله عزوجل والمجمع على إثباتها وتلقيها بالقبول عند السلف اسم الله " النور "
    وقد نص الأئمة على تسمية الرب نوراً وبأن له نوراً مضافاً إليه وبأنه نور السماوات والأرض وبأن حجابه النور
    وذلك بدليل الكتاب والسنة والآثار السلفية والإجماع والقياس المعتبر .

    أما الكتاب : فقد قال الله تعالى { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ }
    وقال في إضافة النور إلى ذاته المقدسة {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}

    قال شيخ الإسلام الثاني العلامة ابن القيم –كما في مختصر الصواعق- ص 423 : فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُشْرِقُ بِنُورِهِ، وَهُوَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَأْتِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَيَنْصِبُ كُرْسِيَّهُ بِالْأَرْضِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تُشْرِقَ بِنُورِهِ، وَعِنْدَ الْمُعَطِّلَةِ لَا يَأْتِي وَلَا يَجِيءُ وَلَا لَهُ نُورٌ تُشْرِقُ بِهِ الْأَرْضُ . ا.هــ

    وأما السنة : فقد قال البخاري في صحيحه (7385) : حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ : كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، قَوْلُكَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ، فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ ، أَنْتَ إِلَهِى لاَ إِلَهَ لِى غَيْرُكَ » .

    وأما الآثار السلفية : فقد قال ابن أبي شيبة في المصنف (30154): حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أَنْ تَجْعَلَنِي فِي حِرْزِكَ وَحِفْظِكَ وَجِوَارِكَ وَتَحْتِ كَنَفِك.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (6-391) : قَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : إنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ نُورُ السَّمَوَاتِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ . ا.هـ المراد

    وقال العلامة ابن القيم في روضة الحبين ص 419 : وقول عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه "نور السموات والأرض من نور وجهه" : تفسيرٌ لقوله تعالى {الله نور السموات والأرض} . ا.هــ المراد

    وأما الإجماع : فقد قال العلامة ابن القيم –كما في مختصر الصواعق- ص 419 : النُّورَ جَاءَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَهَذَا الِاسْمُ مِمَّا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَأَثْبَتُوهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَهُوَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالَّذِي رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ ... ا. هـ المراد

    وقال أيضاً : مُثْبِتِي الصِّفَاتِ كَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَئِمَّةِ أَتْبَاعِهِمَا لَمْ يَذْكُرُوا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ إِلَّا عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ،فَإِنْكَارُ كَوْنِهِ نُورًا هُوَ قَوْلُ الْمُبْتَدِعَةِ ... ا.هــ المراد

    والعجيب أن الجهمية الأوائل لم يكونوا ينكرون هذا الاسم (!)

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (5-493) : كونه نوراً أو تسميته نوراً مما لم يكن ينازع فيه قدماء الجهمية وأئمتهم الذين ينكرون الصفات (!) بل كانوا يقولون إنه نور (!)

    قال الإمام أحمد في الرد على الجهمية : وقلنا للجهمية حين زعموا أن الله بكل مكان لايخلو منه مكان (!)
    فقلنا لهم : أخبرونا عن قول الله جل ثناؤه {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } لِمَ تجلى للجبل إذا كان فيه بزعمكم ؟!!
    فلو كان فيه كما تزعمون لَمْ يكن متجلياً لشيء هو فيه
    لكن الله تبارك وتعالى على العرش وتجلى لشيء لم يكن فيه
    ورأى الجبل شيئاً لم يكن رآه قط قبل ذلك

    وقلنا للجهمية : الله نور ؟
    فقالوا : هو نور كله (!)
    فقلنا قال الله {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} فقد أخبر جل ثناؤه أن له نوراً
    وقلنا لهم : أخبرونا حين زعمتم أن الله في كل مكان وهو نور فلِمَ لايضيء البيت مظلم من النور الذي هو فيه ؟!!
    إذ زعمتم أن الله في كل مكان (!)
    وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم يضيء ؟!!
    فعند ذلك تبين كذبهم على الله .

    وقال الخلال : حدثنا يحيى ن أبي طالب قال كنا عند عمر بن يحيى الواسطي بن أخي علي بن عاصم فتذاكرنا من قال القرآن مخلوق
    فقال حدثني يحيى بن عاصم قال كنت عند أبي فاستأذن عليه بشر المريسي فقلت له : يا أبت مثل هذا يدخل عليك ؟
    قال يا بني ما له ؟
    قلت : إنه يقول القرآن مخلوق وإن الله معه في الأرض
    وإن الشفاعة باطلة وإن الصراط باطل وإن الميزان باطل
    وإن منكراً باطل مع كلامٍ كثير !
    قال : ويحك أدخِله علىَّ
    قال : فأدخلته فجعل يقول : ويلك يا بشر اُدْنُه فما زال يدنيه حتى قرب منه
    ثم قال : ويلك يا بشر ما هذا الكلام الذي بلغني عنك
    قال : وما هو يا أبا الحسن ؟
    قال : بلغني أنك تقول القرآن مخلوق وأن الله في الأرض معك مع كلام كثير
    فقال : ويلك من تعبد وأين ربك ؟
    قال : يا أبا الحسن لم أجئ لهذا إنما جئت لتقرأ عليَّ كتاب خالد
    قال فقال : لا ولا نعمة عين ولا عزازة حتى أعلم ما أنت عليه أين ربك ويلك
    قال فقال : أما إذ أبيت عليَّ يا أبا الحسن فربي نور في نور
    قال : فجعل يزحف إليه من ضعف ويقول ويحكم اقتلوه فإنه والله زنديق وقد كلمت هذا الصنف بخراسان قال فأخرجناه
    . ا.هــ المراد

    وأما القياس : -والمراد بالقياس هنا هو قياس الأولى- وهو أن كل كمال ثبت للمخلوق –لا نقص فيه بوجه- فالخالق أولى به

    قال العلامة ابن القيم في مختصر الصواعق ص 429 : النُّورَ صِفَةُ الْكَمَالِ، وَضِدُّهُ صِفَةُ نَقْصٍ، وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ نُورًا، وَسَمَّى كِتَابَهُ نُورًا
    وَجَعَلَ لِأَوْلِيَائِهِ النُّورَ وَلِأَعْدَائِهِ الظُّلْمَةَ فَقَالَ: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}
    وَيَجِيءُ الْأَنْبِيَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأُمَمُهُمْ لِكُلِّ نَبِيٍّ نُورَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ نُورٌ وَتَجِيءُ هَذِهِ الْأُمَّةُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نُورَانِ وَلِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ نُورٌ، وَلَمَّا كَانَتْ مَادَّةُ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي خُلِقُوا مِنْهَا نُورًا، كَانُوا بِالْمَحَلِّ الَّذِي أَحَلَّهُمُ اللَّهُ بِهِ وَكَانُوا خَيْرًا مَحْضًا
    ... ا.هــ المراد

    والإستدلال بهذا القياس في باب الصفات استدلالٌ أثري دل عليه الكتاب الكريم ومنهج سلفنا الصالح

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الأصفهانية ص117 : الله سبحانه وتعالى يستعمل في حقه قياس الأولى كما جاء بذلك القرآن
    وهو الطريق التي يسلكها السلف والأئمة كأحمد وغيره من الأئمة فكل كمال ثبت للمخلوق فالخالق أولى به
    وكل نقص ينزه عنه مخلوق فالخالق أولى أن ينزه عنه
    كما قال تعالى {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}
    وقال تعالى {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} ...
    وذلك لأن صفات الكمال أمور وجودية
    أو أمور سلبية مستلزمة لأمور وجودية
    كقوله تعالى {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}
    فنفي السنة والنوم استلزم كمال صفة الحياة والقيومية
    وكذلك قوله {وما ربك بظلام للعبيد} استلزم ثبوت العدل ...
    وأما العدم المحض فلا كمال فيه
    وإذا كان كذلك فكل كمال لا نقص فيه بوجه ثبت للمخلوق فالخالق أحق به من وجهين :

    أحدهما : أن الخالق الموجود الواجب بذاته القديم أكمل من المخلوق القابل للعدم المحدث المربوب

    الثاني : أن كل كمال فيه فإنما استفاده من ربه وخالقه فإذا كان هو مبدعا للكمال وخالقا له كان من المعلوم بالاضطرار أن معطي الكمال وخالقه ومبدعه أولى بأن يكون متصفا به من المستفيد المبدع المعطي
    . ا. هــ المراد

    وقال رحمه الله في بيان تلبيس الجهمية (5-424) : مثل هذا القياس العقلي والمثل المضروب هو الذي يستعمل في باب الربوبية في كتاب الله تعالى في باب التنزيه عن الشركاء والأولاد وغير ذلك

    ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزئ عنه قال نعم قال فاقضوا الله فالله أحق بالقضاء "

    وهذا المعنى جاء في أحاديث متعددة صحيحة فقبول الاستيفاء من الإنسان عن غيره لما كان من باب العدل والإحسان كان الله أحق بالعدل والإحسان من العباد وكان الذي يقضي عن غيره حق المخلوق هو أحق بأن يقضي عنه حق الخالق من جهتين :
    من جهة أن حق الخالق أعظم
    ومن جهة أنه أعدل وأرحم

    ونظير ذلك في جانب النفي ما رواه الإمام أحمد في مسنده أنهم لما فاتتهم الصلاة سألوه هل يقضونها مرتين فقال ( أينهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم ) يقول إنه نهى عن الربا لما فيه من الظلم وهو المعاوضة عن الشيء بما هو أكبر منه في الديون الثابتة في الذمة بعوض أو غيره وهو أحق بتنزيهه عن الظلم من عباده ...

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما رأى امرأة من السبي لما رأت طفلاً أخذته فأرضعته ( أترون هذه طارحة ولدها في النار قالوا لا يا رسول الله قال للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها ) فيه قياس الأولى لكن من باب التصور

    وقد يستعمل من باب التصديق بأن يقال إذا كانت هذه لكونها كانت سبباً في وجود هذا فيها هذه الرحمة فالرب الخالق لكل شيء ووجود كل شيء منه أحق بأن يكون رحيماً بذلك ومن باب الأمر قول ابن عمر لغلامه نافع وقد رآه يصلي في ثياب ناقصة فقال ( أرأيت لو أرسلتك في حاجة أكنت تذهب هكذا فقال لا فقال فالله أحق من تُزُيِّنَ له من الناس )
    ... ا. هــ المراد

    والمقصود : أن الاستدلال بقياس الأولى قد دل عليه القرآن والسنة وأقوال السلف والأئمة

    وأما ما ورد عن بعض العلماء من نفي القياس في العقائد فمرادهم بذلك هو "قياس الشمول" و "قياس التمثيل"

    قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2-347) : إن الله ضرب للناس في القرآن من كل مثل وبين بالأقيسة العقلية المقبولة بالعقل الصريح من المطالب الإلهية والمقاصد الربانية ما لم تصل إليه آراء هؤلاء المتكلفين في المسائل والوسائل في الأحكام والدلائل كما قد تكلمنا على ذلك في غير موضع .
    والله تعالى له المثل الأعلى فلا يجوز أن يقاس على غيره قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع
    ولا يقاس مع غيره قياس شمول تستوي أفراده في حكمه
    فإن الله سبحانه ليس مثلاً لغيره ولا مساويًا له أصلاً
    بل مثل هذا القياس هو ضرب الأمثال لله
    وهو من الشرك والعدل بالله
    وجعل الند لله وجعل غيره له كفوًا وسميًّا
    . ا.هــ المراد

    وقد أنكر هذا الإسم –أعني النور- بعض المعاصرين الفضلاء زعماً بأنه لم يثبت في الكتاب والسنة (!) وفسر على إثر ذلك قوله تعالى {الله نور السماوات والأرض} بأنه منورهما (!) و قد أورد على ذلك شبهتين (!)

    وانطلاقاً من قول نبينا صلى الله عليه وسلم ( الدين النصيحة ) (1)

    وعملاًً بمنهج السلف في بيان الحق ورد الخطأ على المخطئ - سواءاً كان المردود عليه من أهل السنة أو من أهل البدع - أنقل كلام الأئمة في إبطال هذه الشبهة مع التنبيه - أولاً - على فارق مهم بين طريقة الرد على السني من غيره
    فإن السني يرد على خطئه ولا يتابع على زلته مع حفظ كرامته والأدب معه في ذلك

    فمن صعب عليه فهم هذا الكلام ولم يتسع صدره للنقد العلمي بالحجة والأدب (!)
    فليتأمل كم بين الهدهد ونبي الله سليمان عليه السلام وهو يقول له {أحطت بما لم تحط به}
    وليس الشيخ فلان أو علان بأعلم من نبي الله (!)
    ولا الكاتب لهذه الكلمات بأجهل من الهدهد والله المستعان .

    وعوداً على المراد فقد كانت الشبهة الأولى هي الاستدلال بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فالنور مضاف للحجاب لا إلى الرب ؟!

    والجواب عن هذه الشبهة من وجوه :

    الوجه الأول : أن نور الحجاب دليل على أنه سبحانه نور أيضاً

    قال العلامة ابن القيم –كما في مختصر الصواعق- ص420 : لَا رَيْبَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ نُورُ الْحِجَابِ مَانِعًا مِنْ رُؤْيَةِ ذَاتِهِ فَنُورُ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ مِنْ نُورِ الْحِجَابِ
    بَلِ الْحِجَابُ إِنَّمَا اسْتَنَارَ بِنُورِهِ، فَإِنَّ نُورَ السَّمَاوَاتِ إِذَا كَانَ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَنُورُ الْحِجَابِ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ نُورِهِ
    وَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ النُّورُ حِجَابَ مَنْ لَيْسَ لَهُ نُورٌ؟!!
    هَذَا أَبْيَنُ الْمُحَالِ
    . ا.هــ المراد

    الوجه الثاني : أن إضافة النور إلى الحجاب لا تنفي إضافة النور إلى الرب سبحانه إذ لا يلزم من إثبات هذا نفي ذاك وقد جاءت النصوص بإثباتهما جميعاً .

    قال العلامة ابن القيم : النَّصَّ قَدْ وَرَدَ بِتَسْمِيَةِ الرَّبِّ نُورًا، وَبِأَنَّ لَهُ نُورًا مُضَافًا إِلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَبِأَنَّ حِجَابَهُ نُورٌ، هَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ، فَالْأَوَّلُ يُقَالُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنَّهُ النُّورُ الْهَادِي

    وَالثَّانِي يُضَافُ إِلَيْهِ كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ حَيَاتُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعِزَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَعَلِمُهُ، وَتَارَةً يُضَافُ إِلَى وَجْهِهِ، وَتَارَةً يُضَافُ إِلَى ذَاتِهِ، فَالْأَوَّلُ إِضَافَتُهُ كَقَوْلِهِ: " أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ " وَقَوْلِهِ: " نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ "، وَالثَّانِي إِضَافَتُهُ إِلَى ذَاتِهِ كَقَوْلِهِ {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " ذَلِكَ نُورُهُ الَّذِي إِذَا تَجَلَّى بِهِ "، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو " «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ» " الْحَدِيثَ.

    الثَّالِثُ وَهُوَ إِضَافَةُ نُورِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

    وَالرَّابِعُ كَقَوْلِهِ: " حِجَابُهُ النُّورُ " فَهَذَا النُّورُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ يَجِيءُ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ، وَالنُّورُ الَّذِي احْتَجَبَ بِهِ سُمِّيَ نُورًا وَنَارًا، كَمَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي لَفْظِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: " حِجَابُهُ النُّورُ أَوِ النَّارُ "، فَإِنَّ هَذِهِ النَّارَ هِيَ نُورٌ، وَهِيَ الَّتِي كَلَّمَ اللَّهُ كَلِيمَهُ مُوسَى فِيهَا، وَهِيَ نَارٌ صَافِيَةٌ لَهَا إِشْرَاقٌ بِلَا إِحْرَاقٍ.
    ا.هــ المراد

    وقال إمام الأئمة في زمانه أبوبكر ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1-78) : كنت خبرت منذ ذهر طويل أن بعض من كان يدعي العلم ممن كان لا يفهم هذا الباب يزعم أنه غير جائز أن يقرأ {الله نور السموات والأرض} (!)
    وكان يقرأ {الله نَورَ السموات والأرض} (!)
    فبعثت إليه بعض أصحابي وقلت له : ما الذى تنكر أن يكون لله عز و جل اسم يسمي الله بذلك الاسم بعض خلقه فقد وجدنا الله قد سمى بعض خلقه بأسام هي له أسامي ... فالنور وإن كان اسما لله فقد يقع اسم النور على بعض المخلوقين فليس معنى النور الذى هو اسم لله في المعنى مثل النور الذى هو خلق الله قال الله جل وعلا {يهدي الله لنوره من يشاء} واعلم أيضاً أن لأهل الجنة نورا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم وقد أوقع الله اسم النور على معان
    . ا.هــ المراد

    الوجه الثالث : أن أئمة السنة مصابيح الدجى وأعلام الهدى الذين رووا هذا الحديث (أعني حديث أبي موسى) ونقلوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يفهموا هذا الفهم من هذا الحديث ولم يروا أن فيه معارضة في نسبة النور إليه وأنه هو نفسه نور سبحانه
    بل أثبتوا هذا النور وذاك ولم يختلفوا في ذلك وقد سبق نقل إجماعهم .

    وأما الشبهة الثانية هي أن الله تعالى أتبع قوله {الله نور} بقولــه {مثل نوره} فلو فسر النور الأول وأرجع إلى الله تعالى للزم أن يرجع الضمير الثاني كذلك (!)
    وهذا باطل –أعني إعادة الضمير الثاني إلى الله - لأنه جاء مشبهاً بغيره والله لا يشبهه شيءٌ من خلقه (هذا معنى الإيراد الثاني)

    والجواب عن هذه الشبهة من وجوه :

    الوجه الأول : أن إضافة النور الأول إلى الله لا يلزم منه إرجاع الضمير الثاني إلى الله كذلك
    فإنه قد ورد عن بعض السلف ما يدل على هذا وهم أعلم بتفسير القرآن واللغة من المعاصرين ولا ريب .

    قال ابن أبي حاتم في تفسيره (15350) : حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ, ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ, ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ, عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ, عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ, عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ, فِي قَوْلِ اللَّهِ:" " اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ " , قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ الإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ فِي صَدْرِهِ فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهُ فَقَالَ: " اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ " فَبَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَرَ نُورَ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ: " مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ " , قَالَ: فَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَؤُهَا: " مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ " فَهُوَ الْمُؤْمِنُ جُعِلَ الإِيمَانُ وَالْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ".

    كثير بن شهاب : هو المذحجي قال عنه ابن أبي حاتم : كتبت عنه بقزوين وهو صدوق.

    وأما الرازي ففيه كلام معروف عند أهل الحديث وخلاصة ما قيل فيه هو ما قاله عمرو بن على : فيه ضعف ، و هو من أهل الصدق ، سيىء الحفظ .

    لكن روايته عن الربيع عن أبي العالية في التفسير مقبولة لأنها نسخة - منقولة معروفة - عند أهل العلم فأُمن بذلك من سوء حفظه .

    قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (16-513) : وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَرَوَاهُ عَنْ أبي بْنِ كَعْبٍ . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أبي بْنِ كَعْبٍ . ا.هــ

    وقال في الدرء (4-318) : وروى بإسناده في التفسير المعروف عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قول الله عز و جل : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } .. ا.هـ المراد

    وقال السيوطي في الإتقان (2-498) : وأما أبي بن كعب فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه وهذا إسناد صحيح
    وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا وكذا الحاكم في مستدركه وأحمد في مسنده
    . ا.هــ

    وممن صحح هذا السند –غير السيوطي- الحاكم في المستدرك والذهبي وجوده الحافظ في "الفتح" (8-172) .

    الوجه الثاني : أن إعادة الضمير إلى الله لا يلزم منها محظور وهو قول لبعض السلف مع استحضار أنهم قد أجمعوا على تسمية الله نوراً كما ذكر آنفاً

    قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (6-58) : قوله: { مَثَلُ نُورِهِ } في هذا الضمير قولان:

    أحدهما: أنه عائد إلى الله، عز وجل أي: مثل هداه في قلب المؤمن قاله ابن عباس { كمشكاة } .

    والثاني: أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلام: تقديره: مثل نور المؤمن الذي في قلبه، كمشكاة. فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى، وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه، كما قال تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل، الذي لا كدر فيه ولا انحراف
    . ا. هــ

    الوجه الثالث : قد ورد على ألسن الكثير من المعاصرين (نفي التشبيه عن الله عزوجل) وفي هذا النفي نظر
    إذ لفظ التشبيه يحتمل حقاً وباطلاً وما كان كذلك فلا يجوز نفيه ولا إثباته
    والواجب استخدام ما ورد في القرآن من نفي التمثيل
    أو التفصيل في ذلك دون الإطلاق .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الدرء (6-67) : لفظ ( التشبيه ) و ( التركيب ) لفظ فيه إجمال وهؤلاء أنفسهم - هم وجماهير العقلاء - يعلمون أن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك ونفي ذلك القدر المشترك ليس هو نفس التمثيل والتشبيه الذي قام الدليل العقلي والسمعي على نفيه وإنما التشبيه الذي قام الدليل على نفيه ما يستلزم ثبوت شيء من خصائص المخلوقين لله سبحانه وتعالى إذ هو سبحانه : { ليس كمثله شيء } ولا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .

    ولهذا اتفق جميع طوائف المسلمين وغيرهم على الرد على هؤلاء الملاحدة وبيان أنه ليس كل ما اتفق شيئان في شيء من الأشياء يجب أن يكون أحدهما مثلا للآخر ولا يجوز أن ينفي عن الخالق سبحانه كل ما يكون فيه موافقة لغيره في معنى ما فإنه يلزمه عدمه بالكلية كما فعله هؤلاء الملاحدة بل يلزم نفي وجوده ونفي عدمه وهو غاية التناقض والإلحاد والكفر والجهل
    . ا.هــ المراد

    وقال في بيان تلبيس الجهمية : وتحقيق الأمر أن لفظ النظير إن أراد به هذا القائل أني لا أعقل شيئًا إن لم يكن له نظير من كل وجه فهذا لا ينفعه فإنه يسلم أن الله تعالى ليس له نظير من كل وجه وإن قال إن لم يكن له نظير من بعض الوجوه بمعنى أن يكون بينه وبين غيره مشابهة في شيء فالرازي لم يقم دليلاً على إفساد هذا بل قد سلم في كتبه أن هذا يقوله كل أحد قال في كتابه نهاية العقول وهو اجل ماصنفه في الكلام في المسألة الثالثة في أن مخالف الحق من أهل الصلاة يكفر أولا قال قال أبو الحسن الأشعري ... إلى أن قال أي الرازي : قوله المجسم مشبه والمشبه كافر قلنا إن عنيتم بالمشبه من يكون قائلاً بكون الله تعالى وتقدس شبيهًا بخلقه من كل الوجوه فلا شك في كفره لكن المجسمة لايقولون بذلك فلا يلزم من قولهم بالتجسيم قولهم بذلك ألا ترى أن الشمس والقمر والنمل والبق أجسام ولايلزم من اعترافنا باشتراكهما في الجسمية كوننا مشبهين للشمس والقمر بالنمل والبق
    قال : وإن عنيتم بالمشبه من يقول بكون الله تعالى شبيهًا بخلقه من بعض الوجوه فهذا لايقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أن الله موجود وشيء وعالم وقادر والحيوانات أيضًا كذلك وذلك لايوجب الكفر

    وإن عنيتم بالمشبه من يقول الإله جسم مختص بالمكان فلا نسلم انعقاد الإجماع على تكفير من يقول بذلك بل هو دعوى الإجماع في محل النزاع فلا يلتفت إليه .

    قلت (أي ابن تيمية) : هذا الكلام منه تسليم لأن كون الله شبيهًا بخلقه من بعض الوجوه متفق عليه بين المسلمين لاتفاقهم على أن الله تعالى موجود وشيء وعالم وقادر وعلى هذا فما من موجود إلا وله شبيه من بعض الوجوه لاشتراكهما في الوجود والشيئية
    ... ا. هــ المراد

    وقال ابن تيمية في المجموع (3-166) : قُلْت لَهُ أَيْضًا : ذَكَرْت فِي النَّفْيِ التَّمْثِيلَ وَلَمْ أَذْكُرْ التَّشْبِيهَ ؛ لِأَنَّالتَّمْثِيلَ نَفَاهُ اللَّهُ بِنَصِّ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وَقَالَ : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } وَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ لَفْظٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُعْنَى بِنَفْيِهِ مَعْنًى صَحِيحٌ كَمَا قَدْ يُعْنَى بِهِ مَعْنًى فَاسِدٌ .. ا. هــ المراد

    وأما القول بأنه لم يثبت في الكتاب والسنة اسم الله النور !
    وأن معنى قوله تعالى {الله نور السماوات والأرض} أي أن الله منورهما !

    فالجواب على هذا الإيراد أن يقال :

    أولاً : قد مضى ذكر دلالة الكتاب والسنة على إثبات هذا الاسم
    وأن السلف لم يختلفوا في إثباته فظهر بذلك بطلان هذا الزعم

    ثانياً : تفسير الآية المذكورة بأن الله منور السماوات والأرض ((فقط)) خطأ وبيانه من وجوه :

    الوجه الأول : صح في حديث ابن عباس مرفوعاً (أنت نور السموات والأرض .. أنت رب السموات والأرض .. أنت قيم السموات ومن فيهن) وهو يدل على أن معنى كونه {نُور السماوات وَالأرض} وراء ربوبيته لها لتفريقه بين الأمرين
    وكونه منوراً للسماوات والأرض أمر داخل في تدبيره وتصريفه .

    قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (5-488) : وهذا (أي الحديث الآنف الذكر) يقتضي أن كونه نور السموات والأرض أمر مغاير لكونه رب ذلك وقيمه ومن المعلوم أن إصلاح ذلك وهدايته وجعله نيِّراً هو داخل في كونه ربه وقيمه فعلم أن معنى كونه نور السموات والأرض غير ذلك . ا.هــ

    الوجه الثاني : أن هذا التفسير (أي كونه منوراً) لا ينافي كونه نوراً سبحانه إذ لا تعارض في إثبات المعنيين معاً

    قال ابن القيم في إجتماع الجيوش الإسلامية ص11 : في معجم الطبراني والسنة له وكتاب عثمان الدارمي وغيرها عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السموات والأرض من نور وجهه
    وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض
    وأما من فسرها بأنه منور السموات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود
    والحق أنه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها
    . ا.هـ

    الوجه الثالث : أن هذا التفسير نفسه هو دليل على أنه نور في ذاته سبحانه (!)
    لأنه ما من شيئ منور لغيره وهو في نفسه ليس بنور
    بل إنارته لغيره دليل على كونه نوراً في نفسه.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في البيان (5-525) : وأما ما ذكره عن ابن مسعود أنه قال " منور " وأنها في مصحفه كذلك
    فهذا لا ينافي كونه نوراً بل هو توكيد فإن الموجودات النورانية نوعان
    منها ما هو ينفسه مستنير كالجمرة فهذا لا يقال له نور
    ومنها ما هو مستنير وهو ينير غيره فهذا هو النور كالشمس والقمر والنار

    وليس في الموجودات ما ينوِّر غيره وهو في نفسه ليس بنور فقراءة ابن مسعود منوِّر هو تحقيق لمعنى كونه نوراً

    وهذا مثل كونه مكلماً ومعلماً فإن ذلك فرعُ كونه في نفسه متكلماً عالماً
    يؤيد ذلك أن ابن مسعود كان يقول إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه
    . ا.هــ المراد

    الوجه الرابع : أن نفي تسمية الله نوراً حتى لا يلزم منه إرجاع الضمير في قوله {مثل نوره} إلى الله –ولازم ذلك التشبيه (!) كما يزعم- فإن هذا واردٌ بعينه على من فسر النور بـالمنور (!) فإن المسمى بـ "النور" لا يخرج عن كلا القولين من أنه الرب نفسه (!)
    فإذا كان ذاك اللازم –المحذور- وارداً على كلا القولين عُلم أن رد أحدهما وقبول الآخر مع مساواته للآخر في العلة تحكم غير مقبول .

    قال شيخ الإسلام في المجموع (6-388) : هَذَا يَرِدُ عَلَيْكُمْ لَا يَخْتَصُّ بِمَنْ يُسَمِّيهِ بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ وَبَيَّنَهُ ؛ فَأَنْتَ إذَا قُلْت : " هَادٍ " أَوْ " مُنَوِّرٌ " أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ : فَالْمُسَمَّى " نُورًا " هُوَ الرَّبُّ نَفْسُهُ ؛ لَيْسَ هُوَ النُّورَ الْمُضَافَ إلَيْهِ .
    فَإِذَا قُلْت : " هُوَ الْهَادِي فَنُورُهُ الْهُدَى "
    جَعَلْت أَحَدَ النورين عَيْنًا قَائِمَةً وَالْآخَرَ صِفَةً ؛ فَهَكَذَا يَقُولُ مَنْ يُسَمِّيهِ نُورًا
    وَإِذَا كَانَ السُّؤَالُ يَرِدُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْقَائِلَيْنِ كَانَ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ ظُلْمًا وَلَدَدًا فِي الْمُحَاجَّةِ أَوْ جَهْلًا وَضَلَالًا عَنْ الْحَقِّ
    . ا.هــ

    فإن قيل أن إنكار ثبوت هذا الاسم لم يتفرد به فلان من المعاصرين (!) بل قد سبقه إلى ذلك فلانٌ وعلانٌ من المتأخرين أيضاً ! فلم كل هذا التشديد في هذه المسألة ؟

    فأقول هذا الكلام وإن كان يذكره بعض إخواننا المحبين للسنة وأهلها إلا أنه لا يمت بصلة لمنهج السلف الصالح بتاتاً

    ولا يقوله من يعرف منهج السلف -حق المعرفة- والا فكيف تترك الأدلة الشرعية وتنقض إجماعات الأولين وأقوال الأئمة المتبوعين بمثل هذه الزلات لبعض الفضلاء من المتأخرين أو المعاصرين ؟! ولا يكتفى بذلك حتى ينكَر على من ينكِر هذا القول

    وهذه المصيبة في الحقيقة لا تنحصر في المسائل العقدية فقط ! بل تتعدى وتصل إلى المسائل الفقهية والحديثية وغيرها من أبواب العلم (!)

    والمقصود أن يُعلم بأن القول بنفي اسم الله "النور" قول الجهمية وليس من أقوال أهل الحديث
    وخلاف (بعض) المتأخرين للسلف الماضين وموافقتهم لأهل التعطيل في ذلك لا يجعل المسألة مسألة اجتهادية ! لا ينكر فيها على المخالف !
    كما يقال في غيرها من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها أهل الحديث .

    فينبغي لمن رام النجاة بدينه و أراد التمسك –حقاً- بما كان عليه السلف أن يأخذ بِنُصح الناصحين من علماء هذه الأمة الربانيين

    فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول لمن هو في عصره وزمانه –زمان السلف- " عليكم بالعتيق " (2)

    وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول " عليكم بالاستقامة والأثر " (3)

    وكان بعض السلف يقول " عليكم بالأمر الأول "

    قال الشيخ المحدث سليمان آل شيخ في تيسير العزيز الحميد ص42 : العتيق هو القديم يعني : ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه من الهدى دون ما حدث بعدهم فالهرب الهرب و النجاء النجاء والتمسك بالطريق المستقيم والسنن القويم وهو الذي كان عليه السلف الصالح وفيه المتجر الرابح قاله القرطبي . ا.هــ

    ويزيد مقصودي بياناً ما قاله الإمام الربيع : لنرجع إلى الحق ولنرجع إلى أبواب الولاء والبراء وادرسوا يا إخوتاه في هذا الباب

    "خلق أفعال العباد" للبخاري وانظروا في موقف السلف من أهل البدع ، "الاعتصام" للشاطبي ، "السنة" لعبد الله بن أحمد ، "الشريعة" للآجري ، "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي ، "الإبانتين" لابن بطة ، الذي لايقرأ هذه الكتب لا يتضح له منهج السلف خاصة في باب الولاء والبراء ، باب الولاء والبراء قد مسحه أعداء السلفية مسحه من صفحة المنهج السلفي فلنعد هذا الباب وندرسه ونحفظه ونترسم خطى السلف الصالح رضوان الله عليهم
    . اهـ

    وقال حفظه الله في مجموعه (4-340) : على كل حال أنا أحيل الشباب إلى كتب أئمة السنة لينهلوا منها مباشرة لا يأخذون من أشرطة فلان وكتاب فلان وإنما يأخذون العلم من مناهله الأصلية ويرجعون إلى العلماء فيما يشكل عليهم . ا. هــ المراد

    أسأل الله أن يوفقنا لاتباع السلف الصالح قولاً وعملاً واعتقاداً
    وأن يجنبنا البدع ما ظهر منها وما بطن
    وأن يجعل الحق بغيتنا واتباعه مقصودنا
    وأن يعظمه في قلوبنا فوق مرتبة فلان وعلان إنه سميع مجيب

    وصل اللهم على محمد وصحبه


    ______________________

    (1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (17403) ومسلم في صحيحه (205)
    (2) أخرجه المروزي في السنة (85) بإسناد صحيح إلى أبي قلابة قال قال ابن مسعود : به
    (3) أخرجه المروزي في السنة (83) بسند رجاله ثقات الا أن فيه موسى بن مسعود النهدي وهو صدوق يخطئ ويصحف ولعل مثله قد يمشى في الموقوفات

  • #2
    قلت فائدة وهي فوائد جزاك الله خيرا .

    بقي تضيف لها فائدة وهي قولك : ((وقد أنكر هذا الإسم –أعني النور- بعض المعاصرين الفضلاء))
    هلا أفدتنا من هو

    تعليق

    يعمل...
    X