إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها،

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها،

    ذكر الإمام الحافظ ابن كثير في تفسيره،كلاما جميلا حول المعاملة مع العدو الإنسي والعدو الجني
    فقال فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها،
    الكلام على تفسير الاستعاذة (3) قال الله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف: 199، 200]، وقال تعالى: { ادفع بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ } [المؤمنون: 96 -98] وقال تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [فصلت: 34 -36].
    فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها، وهو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه، ليرده عنه طبعُهُ الطَّيب الأصل (4) إلى الموادة (5) والمصافاة، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم، لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل؛ كما قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ } [الأعراف: 27] وقال: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر: 6] وقال { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا } [الكهف: 50]، وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين، وكذب، فكيف معاملته لنا وقد قال: { فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } [ص: 82، 83]، وقال (6) تعالى: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [النحل: 98، 99]
    قالت طائفة من القراء وغيرهم: نتعوذ بعد القراءة، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة؛ وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره (7) ابن قلوقا عنه، وأبو حاتم السجستاني، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جُبارة الهذلي المغربي في كتاب " الكامل " .
    وروي عن أبي هريرة -أيضا-وهو غريب.
    __________
    (1) تفسير القرطبي (1/154).
    (2) زيادة من جـ، ط، أ، و.
    (3) زيادة من جـ، ط، أ، و.
    (4) صحيح البخاري برقم (891) وصحيح مسلم برقم (880).
    (5) في ط، ب، أ، و: "السورة".
    (6) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
    (7) في جـ: "وروي".
    ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي (1) في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال: وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة عن مالك، رحمه الله تعالى، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة، واستغربه ابن العربي. وحكى قول ثالث وهو الاستعاذة أولا وآخرا جمعا بين الدليلين نقله فخر الدين (2) ] (3) .
    والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها، إنما تكون قبل التلاوة، ومعنى الآية عندهم: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [النحل: 98] أي: إذا أردت القراءة كقوله: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } الآية [المائدة: 6] أي: إذا أردتم القيام. والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
    حدثنا محمد بن الحسن بن آتش (4) حدثنا جعفر بن سليمان، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبَّر قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك " . ويقول: " لا إله إلا (5) الله " ثلاثًا، ثم يقول: " أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من هَمْزه ونَفْخِه ونَفْثه " .
    وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان، عن علي بن علي، وهو الرّفاعي (6) ، وقال الترمذي: هو أشهر حديث في هذا الباب. وقد فسَر الهمز بالموتة وهي الخنق، والنَّفخ بالكبر، والنفث بالشعر. كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة، عن عمرو بن مُرّة، عن عاصم العَنزيّ، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة، قال: " الله أكبر كبيرًا، ثلاثًا، الحمد لله كثيرا، ثلاثًا، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من هَمْزه ونَفْخه ونفْثه " .
    قال عمرو: وهمزه الموتة، ونفخه الكبر، ونفثه الشعر (7) .
    وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فُضيل، حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهَمْزه ونفخه ونفثه " .
    قال: همزه: الموتة، ونَفْثُه: الشعر، ونفخه: الكِبْر (8) .
    __________
    (1) في جـ: "اسمه اللطيف"، وفي أ: "اسم لطيف".
    (2) في جـ: "المجيد".
    (3) في جـ، ط، ب، أ، و: "فالألف".
    (4) زيادة من جـ، ط، ب.
    (5) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و: "وما أشبهه".
    (6) في أ: "هنا".
    (7) في ط، ب: "كل من".
    (8) البيت في تفسير الطبري (1/212).
    وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا شريك، عن يعلى بن عطاء، عن رجل حدثه: أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبَّر ثلاثًا، ثم قال: " لا إله إلا الله " ثلاث مرات، وسبحان الله وبحمده "، ثلاث مرات. ثم قال: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه (1) .وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، قال: تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فَتَمزّع أنف أحدهما غضبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " .
    وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة، عن يوسف بن عيسى المروزي، عن الفضل بن موسى، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد (2) ، به (3) .
    وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل، عن أبي سعيد، عن زائدة، وأبو داود عن يوسف بن موسى، عن جرير بن عبد الحميد، والترمذي، والنسائي في اليوم والليلة عن بُنْدَار، عن ابن مهدي، عن الثوري، والنسائي -أيضًا-من حديث زائدة بن قدامة، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: استَب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما غضبًا شديدًا حتى خُيّل إليّ أن أحدهما يَتَمزّع أنفه من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب " قال: ما هي يا رسول الله؟ قال: " يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم " . قال: فجعل معاذ يأمره، فأبى [ومحك] (4) ، وجعل يزداد غضبًا. وهذا لفظ أبي داود (5) .وقال الترمذي: مرسل، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل، فإنه مات قبل سنة عشرين.
    قلت: وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبيّ بن كعب، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة، رضي الله عنهم. قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، قال: قال سليمان بن صُرَد: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده جلوس، فأحدهما يسب صاحبه مغضَبًا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد،
    __________
    (1) البيت في تفسير الطبري (1/213).
    (2) تفسير القرطبي (1/156) والحديث رواه ابن ماجة في السنن برقم (2620) من طريق يزيد بن أبي زياد، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه به مرفوعا، وقال البوصيري في الزوائد (2/334): "هذا إسناد ضعيف، يزيد بن أبي زياد الدمشقي قال فيه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث" .
    تنبيه: وقع في بعض النسخ المساعدة: قال سفيان، بدل شقيق، والذي في تفسير القرطبي موافق لما هاهنا، وقد روي هذا القول عن سفيان الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم (2329).
    (3) زيادة من جـ، ط، أ، و.
    (4) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
    لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم قال: إني لست بمجنون (2) .
    وقد رواه -أيضًا-مع مسلم، وأبي داود، والنسائي، من طرق متعددة، عن الأعمش، به (3) .
    وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال، والله أعلم. وقد رُوِيَ أن جبريل عليه السلام، أوّل ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير:
    حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا بشر بن عمارة، حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد، استعذ. قال: " أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " ثم قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } قال عبد الله: وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان جبريل (4) .وهذا الأثر غريب، وإنما ذكرناه ليعرف، فإن في إسناده ضعفًا وانقطاعًا، والله أعلم.
    مسألة: وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال: وقال ابن سيرين: إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية: { فَاسْتَعِذْ } وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب. وقال بعضهم: كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه.
    مسألة: وقال الشافعي في الإملاء، يجهر بالتعوذ، وإن أسر فلا يضر، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى: هل يستحب التعوذ فيها؟ على قولين، ورجح عدم الاستحباب، والله أعلم. فإذا قال المستعيذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد (5) بعضهم: أعوذ بالله السميع العليم، وقال آخرون: بل يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لمطابقة أمر الآية ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ،والأحاديث الصحيحة، كما تقدم، أولى بالاتباع من هذا، والله أعلم.
    مسألة: ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف:
    __________
    (1) في ط: "وما".
    (2) في ط: "إذا".
    (3) في ب: "ولا".
    (4) في جـ، ط: "لا ينبغي".
    بل للصلاة، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد، والجمهور بعدها قبل القراءة.
    ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يدارى بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني، وقال تعالى: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا } [الإسراء: 65]، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر، ومن قتله العدو البشري كان شهيدًا، ومن قتله العدو الباطني كان طرِيدًا، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورًا، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورًا، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان.
    فصل: والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر، والعياذة تكون لدفع الشر، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي:
    يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به ممن أحاذره
    لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ... ولا يهيضون عظما أنت جابره (1)
    فصل معنى الاستعاذة
    ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه؛ فإن الشيطان لا يكفُّه عن الإنسان إلا الله؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته (2) بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه عمَّا هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة، قوله في الأعراف: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين } [الأعراف: 199]، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر، ثم قال: { وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف: 200]، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : { ادفع بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ } [المؤمنون: 96 -98]، وقال تعالى في سورة " حم السجدة " : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [فصلت: 34 -36].
    __________
    (1) في ط: "أنعم".
    والشيطان في لغة العرب مشتق من شَطَن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير، وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار، ومنهم من يقول: كلاهما صحيح في المعنى، ولكن الأول أصح، وعليه يدل كلام العرب؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان، عليه (1) السلام:
    أيما شاطِنٍ عصاه عكاه ... ثمّ يُلْقى في السِّجْن والأغلال (2)
    فقال: أيما شاطن، ولم يقل: أيما شائط.
    وقال النابغة الذبياني -وهو: زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذُبْيان-:
    نأت بسعاد عنك نَوًى شَطُونُ ... فبانت والفؤادُ بها رَهِينُ (3)
    يقول: بعدت بها طريق بعيدة.
    [وقال سيبويه: العرب تقول: تشيطن فلان إذا فَعَل فِعْل الشيطان ولو كان من شاط لقالوا: تشيط] (4) .والشيطان (5) مشتق من البعد على (6) الصحيح؛ ولهذا يسمون كل ما (7) تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانًا، قال الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } [الأنعام: 112]. وفي مسند الإمام أحمد، عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر، تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن "، فقلت: أو للإنس شياطين؟ قال: " نعم " (8) .وفي صحيح مسلم عن أبي ذر -أيضًا-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود " . فقلت: يا رسول الله، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر (9) فقال: " الكلب الأسود شيطان " (10) .وقال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ركب برْذونًا، فجعل يتبخْتر به، فجعل لا يضربه فلا يزداد إلا تبخترًا، فنزل عنه، وقال: ما حملتموني (11) إلا على شيطان، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي. إسناده (12) صحيح (13) .
    __________
    (1) في جـ، ط: "من يهود".
    (2) زيادة من ب.
    (3) في جـ، ط: "أجاءك".
    (4) في جـ: "ما نعلمهم".
    (5) في أ: "فقال".
    (6) في جـ: "تسعون"، وفي ط، ب، أ، و: "ستون".
    (7) في جـ: "إحدى وستون".
    (8) في جـ، أ، و: "هل مع هذا غيره يا محمد".
    (9) في جـ، ط، ب، و: "ماذا".
    (10) في جـ، ط، ب: "هذه".
    (11) في جـ: "أبو إياس".
    (12) في جـ: "إحدى وستون".
    (13) في جـ: "أربع وثلاثين سنة".
    والرّجيم: فعيل بمعنى مفعول، أي: إنه مرجوم مطرود عن الخير كله، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } [الملك: 5]، وقال تعالى: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 6 -10]، وقال تعالى: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ } [الحجر: 16 -18]، إلى غير ذلك من الآيات.
    [وقيل: رجيم بمعنى راجم؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر] (1) .
    التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن هيثم الشبوي; الساعة 20-10-2008, 08:58 AM.

  • #2
    جزاك الله خيرا

    و هذا تعليق الشيخ يحيى حفظه الله

    http://www.aloloom.net/show_sound.php?id=3640

    تعليق

    يعمل...
    X