إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(متجدد) مختارات من تفسير ابن كثير رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    قَالَتِ عائشة رضي الله عنها: كَانَ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ
    قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى:
    {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) } .
    قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ سُلَيْم قَالَ: أَمْلَى عليَّ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الوحيُ، يُسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ كدَوِيّ النَّحْلِ فَمَكثنا سَاعَةً، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ، زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وآثِرْنا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَارْضَ عَنَّا وأرضِنا"، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلِيَّ عَشْرُ آيَاتٍ، مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ"، ثُمَّ قَرَأَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حَتَّى خَتَمَ العَشْر.
    وَكَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الصَّلَاةِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِهِ .
    وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: مُنْكَرٌ، لَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ يُونُسَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَيُونُسُ لَا نَعْرِفُهُ.
    وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: أَنْبَأَنَا قُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ بابَنُوس قَالَ: قُلْنَا لِعَائِشَةَ: يَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ خُلُق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتِ: كَانَ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَقَرَأَتْ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حَتَّى انتَهَتْ إِلَى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} ، قَالَتْ: هَكَذَا كَانَ خُلُق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    يتبع إن شاء الله

    تعليق


    • #17
      سُنَّةُ اللَّهِ وَعَادَتُهُ فِي خَلْقِهِ، مَا تَقَابَلَ الكفر والإيمان في موطن إلا نصر الله الْإِيمَانُ عَلَى الْكُفْرِ فَرَفَعَ الْحَقَّ وَوَضَعَ الْبَاطِلَ
      قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى
      (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23))
      قَالَ مُجَاهِدٌ في قوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها هِيَ جَمِيعُ الْمَغَانِمِ إِلَى الْيَوْمِ فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يَعْنِي فَتْحَ خَيْبَرَ، وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يَعْنِي صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ «1» وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ أَيْ لَمْ يَنَلْكُمْ سُوءٌ مِمَّا كَانَ أَعْدَاؤُكُمْ أَضْمَرُوهُ لَكُمْ مِنَ الْمُحَارَبَةِ وَالْقِتَالِ، وَكَذَلِكَ كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ الَّذِينَ خلفتموهم وراء ظهوركم عَنْ عِيَالِكُمْ وَحَرِيمِكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ يعتبرون بذلك، فأن الله تعالى حَافِظُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْدَاءِ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَلِيَعْلَمُوا بِصَنِيعِ اللَّهِ هَذَا بِهِمْ أَنَّهُ العالم بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَأَنَّ الْخِيَرَةَ فِيمَا يَخْتَارُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كِرِهُوهُ فِي الظَّاهِرِ كَمَا قَالَ عز وجل وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 216] وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً أَيْ بِسَبَبِ انْقِيَادِكُمْ لأمره واتباعكم طاعته، وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
      وقوله تبارك وتعالى: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً أَيْ وَغَنِيمَةً أُخْرَى وَفَتْحًا آخَرَ مُعَيَّنًا لَمْ تَكُونُوا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا، قَدْ يَسَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَأَحَاطَ بِهَا لَكُمْ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْغَنِيمَةِ مَا الْمُرَادُ بها فقال الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هي خيبر، وهذا على قوله عز وجل: فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ إِنَّهَا صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَكَّةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ «2» ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هِيَ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ كُلُّ فَتْحٍ وَغَنِيمَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
      وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها قَالَ: هَذِهِ الْفُتُوحُ الَّتِي تُفْتَحُ إِلَى اليوم.
      وقوله تعالى: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً يقول عز وجل مُبَشِّرًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، بِأَنَّهُ لَوْ نَاجَزَهُمُ الْمُشْرِكُونَ لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم، ولا نهزم جيش الكفر فَارًّا مُدْبِرًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، لِأَنَّهُمْ مُحَارِبُونَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِحِزْبِهِ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ قال تبارك وتعالى: سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أَيْ هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَعَادَتُهُ فِي خَلْقِهِ، مَا تَقَابَلَ الكفر والإيمان في موطن إلا نصر الله الْإِيمَانُ عَلَى الْكُفْرِ فَرَفَعَ الْحَقَّ وَوَضَعَ الْبَاطِلَ، كَمَا فَعَلَ تَعَالَى يَوْمَ بَدْرٍ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ نَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَعُدَدِهِمْ وَكَثْرَةِ الْمُشْرِكِينَ وَعُدَدِهِمْ.
      __________
      (1) انظر تفسير الطبري 11/ 351.
      (2) تفسير الطبري 11/ 353.

      تعليق


      • #18
        {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}
        قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى :

        {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) } .
        يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَأَنَابُوا إِلَيْهِ شَرَّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدَ الْفُجَّارِ، وَيَحْفَظُهُمْ وَيَكْلَؤُهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزُّمَرِ: 36] وَقَالَ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطَّلَاقِ: 3] .
        وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} أَيْ: لَا يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذَا، وَهُوَ الْخِيَانةُ فِي الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ، لَا يَفِي بِمَا قَالَ. وَالْكُفْرُ : الْجَحْدُ لِلنِّعَمِ، فَلَا يَعْتَرِفُ بِهَا.

        تعليق


        • #19
          قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
          قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى:
          وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
          يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا تَمَالَأَ عليه فرعون وملؤه وما أضمروه لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمِهِ مِنَ الْأَذَى وَالْبِغْضَةِ وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَيْ لِفِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ أَيْ أَتَدَعُهُمْ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أَيْ يُفْسِدُوا أَهْلَ رَعَيَّتِكَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى عبادة ربهم دونك يا لله العجب صَارَ هَؤُلَاءِ يُشْفِقُونَ مِنْ إِفْسَادِ مُوسَى وَقَوْمِهِ! أَلَا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ وَلِهَذَا قَالُوا وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ بعضهم الواو هاهنا حالية أي أتذره وقومه يفسدون في الأرض وَقَدْ تَرَكَ عِبَادَتَكَ؟ وَقَرَأَ ذَلِكَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَقَدْ تَرَكُوكَ أَنْ يَعْبُدُوكَ وَآلِهَتَكَ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .
          وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عَاطِفَةٌ أَيْ أتدعهم يصنعون مِنَ الْفَسَادِ مَا قَدْ أَقْرَرْتَهُمْ عَلَيْهِ وَعَلَى ترك آلهتك، وقرأ بعضهم إلا هتك أَيْ عِبَادَتَكَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ومجاهد وغيره وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ لِفِرْعَوْنَ إِلَهٌ يَعْبُدُهُ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَانَ لِفِرْعَوْنَ إِلَهٌ يَعْبُدُهُ فِي السِّرِّ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أخرى كان له حنانة فِي عُنُقِهِ مُعَلَّقَةٌ يَسْجُدُ لَهَا .
          وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ وَآلِهَتُهُ فِيمَا زعم ابن عباس كَانُوا إِذَا رَأَوْا بَقَرَةً حَسْنَاءَ أَمَرَهُمْ فِرْعَوْنُ أن يعبدوها فلذلك أخرج لهم السامري عجلا جسدا له خوار.
          فَأَجَابَهُمْ فِرْعَوْنُ فِيمَا سَأَلُوهُ بِقَوْلِهِ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَهَذَا أَمْرٌ ثَانٍ بِهَذَا الصَّنِيعِ وقد كان نكل بهم قَبْلَ وِلَادَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَذَرًا مِنْ وُجُودِهِ فَكَانَ خِلَافَ مَا رَامَهُ وَضِدَّ مَا قصده فرعون.
          وهكذا عومل في صنيعه أيضا لما أراد إذلال بني إسرائيل وقهرهم فجاء الأمر على خلاف ما أراد: أعزهم الله وَأَذَلَّهُ وَأَرْغَمَ أَنْفَهُ وَأَغْرَقَهُ وَجُنُودَهُ. وَلَمَّا صَمَّمَ فرعون على ما ذكره من الْمُسَاءَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا وَوَعْدَهُمْ بِالْعَاقِبَةِ وَأَنَّ الدَّارَ سَتَصِيرُ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا أي قد فعلوا بنا مِثْلُ مَا رَأَيْتَ مِنَ الْهَوَانِ وَالْإِذْلَالِ مِنْ قَبْلِ مَا جِئْتَ يَا مُوسَى وَمِنْ بَعْدِ ذلك فقال منبها لهم على حالهم الحاضر وَمَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ الآية، وهذا تخصيص لَهُمْ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الشُّكْرِ عِنْدَ حُلُولِ النعم وزوال النقم.
          التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن هيثم الشبوي; الساعة 12-11-2013, 11:23 PM.

          تعليق


          • #20
            قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى
            قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى:

            وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23)
            يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ تَمَنَّوْا شَرْعِيَّةَ الْجِهَادِ، فَلَمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَرَ بِهِ نَكَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ كقوله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النِّسَاءِ: 77] وقال عز وجل هَاهُنَا: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ أَيْ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حُكْمِ الْقِتَالِ وَلِهَذَا قَالَ: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أَيْ مِنْ فَزَعِهِمْ وَرُعْبِهِمْ وَجُبْنِهِمْ مِنْ لِقَاءِ الْأَعْدَاءِ، ثُمَّ قَالَ مُشَجِّعًا لَهُمْ فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ أَيْ وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِمْ أَنْ يَسْمَعُوا وَيُطِيعُوا أَيْ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ أَيْ جَدَّ الْحَالُ، وَحَضَرَ الْقِتَالُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ أي خلصوا له النية لَكانَ خَيْراً لَهُمْ.

            تعليق


            • #21
              وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
              قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى:

              أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)
              يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ أُحُدٍ وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ أَيْ قَدْ جَرَى نَحْوَ هَذَا عَلَى الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا مَنْ قَبْلِكُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ لَهُمْ، وَالدَّائِرَةُ على الكافرين، ولهذا قال تعالى: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ثم قال تعالى: هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ بَيَانٌ الأمور عَلَى جَلِيَّتِهَا وَكَيْفَ كَانَ الْأُمَمُ الْأَقْدَمُونَ مَعَ أَعْدَائِهِمْ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ خَبَرُ ما قبلكم.
              وهُدىً لقلوبكم، وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ زَاجِرٌ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ. ثُمَّ قَالَ تعالى مُسَلِّيًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا تَهِنُوا أَيْ لَا تَضْعُفُوا بِسَبَبِ مَا جَرَى وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَيِ الْعَاقِبَةُ وَالنُّصْرَةُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَصَابَتْكُمْ جِرَاحٌ وَقُتِلَ مِنْكُمْ طَائِفَةٌ، فَقَدْ أَصَابَ أَعْدَاءَكُمْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلٍ وَجِرَاحٍ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ أَيْ نُدِيلُ عليكم الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي مِثْلِ هَذَا لِنَرَى مَنْ يَصْبِرُ عَلَى مُنَاجَزَةِ الْأَعْدَاءِ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ يَعْنِي يُقْتَلُونَ فِي سَبِيلِهِ وَيَبْذُلُونَ مُهَجَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
              أَيْ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ مِنْ ذنوبهم إن كانت لَهُمْ ذُنُوبٌ. وَإِلَّا رُفِعَ لَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ بِحَسَبِ مَا أُصِيبُوا بِهِ. وَقَوْلُهُ وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ أَيْ فَإِنَّهُمْ إِذَا ظَفَرُوا بَغَوْا وَبَطَرُوا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ دَمَارِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ وَمَحْقِهِمْ وَفَنَائِهِمْ، ثُمَّ قال تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ أَيْ أَحَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمْ تُبْتَلَوْا بِالْقِتَالِ وَالشَّدَائِدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [الْبَقَرَةِ: 214] . وَقَالَ تَعَالَى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت: 2] الآية، وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ أَيْ لَا يَحْصُلُ لَكُمْ دُخُولُ الْجَنَّةِ حَتَّى تُبْتَلَوْا وَيَرَى اللَّهُ مِنْكُمُ الْمُجَاهِدِينَ في سبيله، والصابرين على مقاومة الْأَعْدَاءِ.
              وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ أَيْ قَدْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ، تَتَمَنَّوْنَ لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَتَتَحَرَّقُونَ عَلَيْهِمْ وَتَوَدُّونَ مُنَاجَزَتَهُمْ وَمُصَابَرَتَهُمْ، فَهَا قَدْ حَصَلَ لَكُمُ الَّذِي تَمَنَّيْتُمُوهُ وَطَلَبْتُمُوهُ، فَدُونَكُمْ فَقَاتِلُوا وَصَابِرُوا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم قال: «لا تتمنوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ» ولهذا قال تعالى: فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ يعني الموت شاهدتموه وقت لَمَعَانِ السُّيُوفِ وَحَدِّ الْأَسِنَّةِ وَاشْتِبَاكِ الرِّمَاحِ وَصُفُوفِ الرِّجَالِ لِلْقِتَالِ وَالْمُتَكَلِّمُونَ يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذَا بِالتَّخْيِيلِ. وَهُوَ مُشَاهَدَةُ مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ كَالْمَحْسُوسِ كَمَا تتخيل الشاة صداقة الكبش، وعداوة الذئب.

              تعليق


              • #22
                فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
                قال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى:
                إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
                يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ عَاوَضَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إِذْ بَذَلُوهَا فِي سَبِيلِهِ بِالْجَنَّةِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَإِنَّهُ قَبِلَ الْعِوَضَ عَمَّا يَمْلِكُهُ بِمَا تَفَضَّلَ به على عبيده الْمُطِيعِينَ لَهُ. وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ: بَايَعَهُمْ وَاللَّهِ فَأَغْلَى ثَمَنَهُمْ. وَقَالَ شَمِرُ بْنُ عَطِيَّةَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ إِلَّا وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، وَفَّى بِهَا أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ . وَلِهَذَا يُقَالُ مَنْ حَمَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَايَعَ اللَّهَ أَيْ قَبِلَ هَذَا الْعَقْدَ وَوَفَّى بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ: اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ «أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ» قَالُوا فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؟ قَالَ «الْجَنَّةُ» قَالُوا:
                رَبِحَ الْبَيْعُ لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ، فَنَزَلَتْ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ .
                الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ أَيْ سَوَاءٌ قَتَلُوا أَوْ قُتِلُوا، أَوِ اجْتَمَعَ لَهُمْ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُمُ الْجَنَّةُ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَتَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادٌ فِي سَبِيلِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي بِأَنْ تَوَفَّاهُ أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى منزله الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» .
                وَقَوْلُهُ: وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ تَأْكِيدٌ لِهَذَا الْوَعْدِ وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُ قَدْ كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ وَأَنْزَلَهُ عَلَى رُسُلِهِ فِي كُتُبِهِ الْكِبَارِ، وَهِيَ التَّوْرَاةُ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلُ الْمُنَزَّلُ عَلَى عِيسَى، وَالْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
                وَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فإنه لا يخلف الميعاد. هذا كقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النِّسَاءِ: 87] وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النِّسَاءِ: 122] وَلِهَذَا قَالَ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أَيْ فَلْيَسْتَبْشِرْ مَنْ قَامَ بِمُقْتَضَى هَذَا الْعَقْدِ وَوَفَى بِهَذَا الْعَهْدِ بِالْفَوْزِ الْعَظِيمِ والنعيم المقيم.

                تعليق


                • #23
                  وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ
                  قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى:
                  وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)
                  يَذْكُرُ تَعَالَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ إِنْزَالِ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ وَجَعْلِهِ الْمُلْكَ فِيهِمْ، وَلِهَذَا قال تبارك وتعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَيْ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ أَيْ فِي زَمَانِهِمْ وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ أَيْ حُجَجًا وَبَرَاهِينَ وَأَدِلَّةً قَاطِعَاتٍ، فَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَجُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَغْيًا مِنْهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أَيْ سَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ، وَهَذَا فِيهِ تَحْذِيرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ تَسْلُكَ مَسْلَكَهُمْ وَأَنْ تَقْصِدَ مَنْهَجَهُمْ.
                  وَلِهَذَا قَالَ جل وعلا:
                  ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها أَيِ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وقال جل جلاله هَاهُنَا: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أَيْ وَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ وِلَايَتُهُمْ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا فَإِنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَهُمْ إِلَّا خَسَارًا وَدَمَارًا وَهَلَاكًا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ وَهُوَ تَعَالَى يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ، ثم قال عز وجل: هَذَا بَصائِرُ لِلنَّاسِ يَعْنِي الْقُرْآنَ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
                  __________

                  تعليق


                  • #24
                    {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}
                    قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى
                    {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} أَيِ: الْمَرْأَةُ نَاقِصَةٌ يَكْمُلُ نَقْصُهَا بِلُبْسِ الْحُلِيِّ مُنْذُ تَكُونُ طِفْلَةً، وَإِذَا خَاصَمَتْ فَلَا عِبَارَةَ لَهَا، بَلْ هِيَ عَاجِزَةٌ عَيِيَّة، أوَ مَنْ يَكُونُ هَكَذَا يُنْسَبُ إِلَى جَنَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟! فَالْأُنْثَى نَاقِصَةُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، فَيَكْمُلُ نَقْصُ ظَاهِرِهَا وَصُورَتِهَا بِلُبْسِ الْحُلِيِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، لِيُجْبَرَ مَا فِيهَا مِنْ نَقْصٍ، كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ:
                    وَمَا الحَلْي إِلَّا زينَةٌ مِنْ نقيصةٍ ... يتمّمُ مِنْ حُسْن إِذَا الحُسْن قَصَّرا ...
                    وأمَّا إذَا كَانَ الجمالُ موفَّرا ... كحُسْنك، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يزَوَّرا ...

                    وَأَمَّا نَقْصُ مَعْنَاهَا، فَإِنَّهَا ضَعِيفَةٌ عَاجِزَةٌ عَنِ الِانْتِصَارِ عِنْدَ الِانْتِصَارِ، لَا عِبَارَةَ لَهَا وَلَا هِمَّةَ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ وَقَدْ بُشِّرَ بِبِنْتٍ: "مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَدِ: نَصْرُهَا بِالْبُكَاءِ، وَبِرُّهَا سَرِقَةٌ".


                    التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن هيثم الشبوي; الساعة 08-02-2014, 12:25 PM.

                    تعليق


                    • #25
                      وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
                      قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى:
                      وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ اخْتَلَفَ مُفَسِّرُو هذه الآية على أقوال، بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول القائلين، تعالى عن قولهم علوا كبيرا، بأنه فِي كُلِّ مَكَانٍ، حَيْثُ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى ذلك، فالأصح من الْأَقْوَالِ: أَنَّهُ الْمَدْعُوُّ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ، أَيْ يَعْبُدُهُ وَيُوَحِّدُهُ وَيُقِرُّ لَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَيُسَمُّونَهُ اللَّهَ وَيَدْعُونَهُ رَغَبًا وَرَهَبًا، إِلَّا مَنْ كَفَرَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزُّخْرُفِ: 84] أَيْ هُوَ إِلَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَإِلَهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ خَبَرًا أَوْ حَالًا [وَالْقَوْلُ الثَّانِي] أَنَّ المراد أنه اللَّهَ الَّذِي يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، مِنْ سِرٍّ وَجَهْرٍ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ يَعْلَمُ، مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ تَقْدِيرُهُ، وَهُوَ اللَّهُ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ، فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ، [وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ] أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَقْفٌ تَامٌّ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْخَبَرَ، فَقَالَ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَقَوْلُهُ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ أي جميع أعمالكم خيرها وشرها.

                      تعليق

                      يعمل...
                      X