إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

" فتح العلي الوهاب **في بيان ما تضمنته أم الكتاب** من المعاني والقراءات و الإعراب**"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • " فتح العلي الوهاب **في بيان ما تضمنته أم الكتاب** من المعاني والقراءات و الإعراب**"



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه الكرام ، وبعد :
    فمن باب قوله تعالى :{{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}}[سورة المائدة:02] .

    وقول رسوله صلى الله عليه وسلم : (( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )) [رواه مسلم] .
    أحببت أن أضع بين يدي إخواني الأفاضل هذا العمل المتواضع الذي أرجوا به الفوز بنعيم الجنان و النجاة من حر النيران
    و موضوعه يتعلق بالتفسير ، أما مضمونه فهو تفسير لـ "سورة الفاتحة " و قد سميته:


    " فتح العلي الوهاب
    **في بيان ما تضمنته أم الكتاب**من المعاني والقراءات و الإعراب**"


    و قد كنت كتبته منذ عام تقريبا في (120)صفحة ثم فترت عنه لأمور يعلم الله ؛ فلما خشيت أن تضيع هذه الفوائد التي جمعتها و الشوارد التي اقتنصتها أردت أن أقوم ببذله ونشره بين إخواني الفضلاء .
    و معلوم أن العلم لابد من بذله بين الناس حتى تعم الفائدة ، ويحصل النفع والبركة و إلا كان عاقبته ذهابه ونسيانه جزاءً من جنس العمل .

    قال ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص/40) : (( و العاقل لا يسعى بفنونه إلا ما أجدى عليه نفعاً في الدارين معاً ، و إذا رزق منه الحظ لا يبخل بالإفادة ، لأن أول بركة العلم الإفادة ، وما رأيت أحداً قط بخل بالعلم إلا لم ينتفع بعلمه، وكما لا ينتفع بالماء الساكن تحت الأرض ما لم ينبع ، و لا الذهب الأحمر ما لم يستخرج معدنه ، ولا باللؤلؤ النفيس ما لم يخرج من بحره ، وكذلك لا ينتفع بالعلم ما دام مكنوناً لا ينشرُ و لا يفاد)) اهـ .
    و قال الإمام ابن المبارك –رحمه الله-: (( من بخل بالعلم ابتلي بثلاث : إما يموت فيذهب علمه ، أو ينساه ، أو يتبع سلطاناً ))اهـ."الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع" (رقم727) .

    و قال ابن القيم –رحمه الله- في " مفتاح دار السعادة" (1/172):(( فإن من خزَّن علمه و لم ينشره ولم يُعلّمه ابتلاه الله بنسيانه و ذهابه منه جزاء من جنس عمله ، وهذا أمر يشهد به الحس و الوجود .))اهـ.
    فأسأل الله تعالى العون و السداد و التوفيق لما فيه الخير و الرشاد .

    و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و سلم

    ************************************************** *************



    ************************************************** *************


    فتح العلي الوهاب
    في بيان ما تضمنته أم الكتاب من المعاني والقراءات والإعراب




    المقدمـة :

    الحمد لله والصَّلا ة و السَّلام على رسول الله و على آله وصحبه ومن تبع هداه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، و بعد :

    [[ الحمد لله الذّي أنزل على خاتم الرسل و الأنبياء أكمل كتاب ، فكشف به ظلمات الجهل و أسباب العذاب ، و أماط به عن نفائس العلوم و دخائرها الحجاب ،و كشف به عن حقائق الدين و أسراره و محاسنه النقاب ، أخلص به العبادة للعزيز الوهَّاب ، و فتح به لنيل مآرب الدَّارين الباب ، أغلق باتِّباعه و العمل به دون الشرِّ جميع الأبواب ، تحي بوابل علومه القلوب النيِّرة أعظم ممَّا تحي الأرض اللباب ، و تُجَلُّ ألفاظه ومعانيه و أحكامه و أخباره عن الوصمة و اللباب { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}([1]) وعد الله متَبعه ما هو خير و أبقى ، و قال فيه :{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)}[2].

    و أوعد المعرضين عنه من جميع الأحزاب النار ، قال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ }[3] وهو عام للكفار ، وشبِّه بالحمر المعرضين عنه من الكفرة ، قال : {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)}[4] فيكفي المعرض عنه أنَّه حمار ، وأنَّه من حمير النَّار .و بيَّن تعالى أنَّ المعرض عنه يحمل يوم القيامة ما لا يستطيع له حملا ً ، قال : { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)}[5] فتح الله به قلوباً غلفاً ، وأعيناً عمياً ، وآذاناً صمّاً ، وقال فيهِ:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) }[6] .]]([7]) .

    فلمَّا كان شرف كل علم بشرف معلومه وشرف كل شيء بشرف ما أضيف إليه، كان علم التفسير من أجل العلوم وأشرفها وأفضلها لأنَّه متعَّلق بالواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤاً أحد، ذلك أن القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق وهو صفة من صفاته سبحانه و تعالى تليق به نثبتها له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف و لا تمثيل ، وكلام الله عزَّو جلَّ صفات ذاتية فعلية متعلق بمشيئته يتكلم متى شاء باعتبار الزمن وبما شاء باعتبار الكلام – يعني موضوع الكلام من أمر أو نهي أو غير ذلك و كيف شاء يعني على الكيفية والصفة التي يريدها- سبحانه وتعالى – بحرف و صوت لا يشبه أصوات المخلوقين . والأدلة على ما قلنا مبسوطة في كتب العقيدة وليس هذا موضع بسطها .

    فطابت لي نفسي أن أقوم بكتابة هذه البحث الذي جمع في طيَّاته تفسيرَ سورة عظيمة من سور القرآن ألا و هي سورة الفاتحة و التي سمَّاها النبيُّ– صلَّى الله عليه و سلَّم – بأسماء منها " أمُّ الكتاب ، والسبع المثاني كما ثبت ذلك عنه في غير ما حديث ، فاستعنت بالله – عزَّ وجلَّ- في بيان ما تضمنته آياتها معتمداً على كتب التفسير،لأئمة المحققين البارعين ، كتفسير الطبري ،و تفسير ابن كثير، والقرطبي ، و زاد المسير لابن الجوزي و الدر المنثور للسيوطي وغيرها ـ رحمهم الله تعالى ـ ، ولم آت بجديد سوى مجرد الجمع من كلام العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ و ترتيبه ، وما نقلته من فوائد ودرر بنصه عزوته إلى مصدره قدر المستطاع .

    ولقد اكتفيت في هذا الجمع - الذي أسأل الله عزَّ و جلَّ أن يبارك فيه – ببيان ما تضمَّنته هذه السورة العظيمة من المعاني والقراءات و الإعراب ، ولم أتوسع في ذكر أسمائها ، و لم أتطرق إلى ذكر فضلها وأسباب نزولها وأحكامها ، وهي مبسوطة في كتب التفسير ومنها ما أفرد في كتاب مستقل فليرجع إليها ، وهذا كلُّه قصد عدم الإطالة و الاكتفاء بالبيان ، ومالا يدرك كلّه لا يترك جلُّه . و سميَته " فتح العليِّ الوهَّاب في بيان ما تضمنته أمُّ الكتاب من المعاني و القراءات والإعراب " .

    فالله الكريم ربَّ العرش العظيم أسأله أن يبارك في هذا الجهد اليسير و ينفع به المسلمين ، كما أسأله أيضا أن يصلح أعمالنا و يرزقنا الإخلاص في ما قدمناه من عمل و فيما لهجت به ألسنتنا من قول ، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه ، ولا حو لا قوة إلاَّ بالله .والله المستعان .

    تفسير سورة الفاتحة :


    معنى التفسير لغة :

    هذه الكلمة " تفسير " مشتقة في الأصل من " الفَسْرِ ". وهذه اللفظة تدور في كلام العرب على معاني " الكشف والبيان والإيضاح و الإظهار" .
    قال ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري (12/406) : ((الفَسْرُ :كشف المغَطَّى ))اهـ .
    قال ابن فارس في " مقاييس اللغة " (2/355 ) : (( الفاء و السين و الراء كلمة واحدة تدُلُّ على بيان شيءٍ و إيضاحه )) اهـ.
    و قال الجرجاني في " التعريفات " (ص109) : ((التفسير : في الأصل :هو الكشف و الإظهار )) اهـ المراد.
    و قال الراغب في " المفرادات " (ص636): (( الفسْرُ : إظهار المعنى المعقول ... ، و التفسير في المبالغة كالفسْر )) اهـ .
    و قال ابن القيم في " الصواعق المرسلة " (1/330) : (( التفسير : أصله في الظهور و البيان )) اهـ .
    و قال ابن دريد في " جمهرة اللغة "(2/718): (( فسَّرت الحديث ،أفسِّره تفسيراً ، إذا بيَّنته و أوضحته .وفسّره تفسيراً . ([8]) .
    لذا جاء عن مجاهد كما في "تفسير الطبري "(19/12) :أنَّه فسَّر قوله تعالى :
    { وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } قال : بياناً)).اهـ
    و الأشهر في الإستعمال : فسَّر تفسيراً _ بتشديد حرف السّين في الماضي _ و به جاء القرآن كما قال تعالى : { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) }[9] .
    و لا تلتفت إلى من قال بأن " فسَّر " هو مقلوب " سَفَرَ "بحيث يقال : أسفر الصبح : إذا ظهر و بان ، وسفرت المرأة عن وجهها : إذا كشفته ، ويقال للكتاب " سِفْر ": لبيانه.
    و الأصل أن يكون للكلمة ترتيبها و معناها ، ثم قد يتشترك غيرها معها في المعنى ، أو تقترب في اللفظ .
    قال الآلوسي في " روح المعاني " (1/4) : (( و القول بأنه مقلوب " السَّفر" ، ممَّا لا يسفر له وجه )) اهـ .و لذا يقول الراغب الأصفهاني كما في " مقدمة جامع التفاسير " (ص47) : (( الفَسْر و السَّفْر يتقارب معناهما ، كتقارب لفظيهما .)) اهـ .

    التَّفسير اصطلاحاً : اختلفت عبارات المعرِّفين لمصطلح التفسير ، وكان فيها توسُّع من بعضهم و اختصار من البعض الآخر، فممن عرَّفه :
    أبو حيَّان في "البحر المحيط " (1/26) فقال : (( التفسير : علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ،و مدلولاتها ،وأحكامها الإفراديَّة و التركيبَّية ومعانيها التي تحمل عليها حال التركيب، وتتمات ذلك .
    فقولنا : ((علم )) :هو جنس يشمل سائر العلوم .
    وقولنا : (( يبحث فيه عن كيفييةَّ النطق بألفاظ القرآن )) : هذا علمُ القراءات .
    وقولنا : (( ومدلولاتها )) ، أي : مدلولاتِ تلك الألفاظ ، وهذا علمُ اللُّغة الذي يحتاج إليه في هذا العلمِ .
    وقولنا : (( وأحكامها الإفرادية و التركيبية )): هذا يشمل علمَ التصريف ، وعلم الإعراب ،وعلم البيان ، وعلم البديع .
    (( ومعنيها التي تحمل عليها حال التركيب )) : شمل َ بقوله : ((التي تحمل عليها )) : ما لا دلالة عليه بالحقيقة ، وما دلالته عليه بالمجاز ، فإنَّ التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ، و يصدُّ عن الحمل على الظَّاهر صادٌّ ، فيحتاج لأجل ذلك أن يحملَ على غير الظَّاهر ، وهو المجاز[10] .
    وقولنا : (( وتتمات ذلك )) : هو معرفة النسخ ،وسبب النُّزول ، وقصَّة توضِّح ما انبهم في القرآن ، ونحو ذلك ))اهـ .وقد نقله عنه باختصار الكفويُّ في "الكلِّيات " (ص260) .
    * و ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في " دقائق التفسير " (6/433) أن تفسير الكلام هو : بيانه و شرحه و كشف معناه ، ثم قال "فالتفسير من جنس الكلام ، يفسر الكلام بكلام يوضحه .)) اهـ .
    *و قال ابن جزِّي كما في " التسهيل لعلوم التنزيل " (1/6) ، قال : (( معنى التفسير : شرح القرآن([11]) ، وبيان معناه ، و الإفصاح بما يقتضيه بنصِّه أو إشارته أو فحواه )) اهـ.
    * و عرفه ابن القيم في " الصواعق المرسلة "(1/215) بقوله : (( فالتفسير : هو إبانة المعنى وإيضاحه ، قال الله تعالى : { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)} [ الفرقان : 33] .
    * وعرَّفه الزركشي في موضعين من كتابه " البرهان في علوم القرآن"(1/13):فقال في الموضع الأوَّل : (( علمٌ يعرف به فهمُ كتاب الله المنزَّل على نبيه محمدٍ وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه و حِكَمِهِ )
    وعرَّفه في الموضع الثاني (2/148) فقال : (( هو علم نزول الآية و سورتها وأقاصيصها و الإشارات النَّازلة فيها ،ثم ترتيب مكيِّها ومدنيِّها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصّها وعامّها ، ومطلقها و مقيدِها ، ومجملها ومفسّرها .
    وزاد فيه قوم فقالوا : علم حلالها و حرامها ، ووعدها ووعيدها ،وأمرها و نهيها ، وعِبَرها وأمثالها ))اهـ .
    وقال الكافيجيَّ في "التيسير في قواعد التفسير " (ص124_125) نقلاً من كلام شمس الدين الأصفهاني في " مقدمات تفسير الأصفهاني " (ص150) : ((وأمَّا التفسير في العرف ، فهو كشف معاني القرآن ، وبيان المراد)) اهـ.
    والمراد من معاني القرآن أعمّ ، سواءً كانت معاني لغوية أو شرعية ، وسواءً كانت بالوضع أو بمعونة المقام و سوْقِ الكلام وبقرائن الأحوال ، نحو : السماء و الأرض و الجنّة والنّار، وغير ذلك .ونحو : الأحكام الخمسة .ونحو: خواصّ التركيب اللازمة له بوجه من الوجوه )) اهـ .

    * و قال الجرجاني في " التعريفات " (ص67) : ((التفسير في الشرع :توضيح معنى الآية ، وشأنها ، وقصتها ، و السبب الذي نزلت فيه بلفظ يدل عليه دلالة ظاهرة .)) اهـ .

    * و قال العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي في " مجالس في تفسير قوله تعالى : { لقد منَّ الله على المؤمنين } " : (( وعلوم القرآن كثيرة منها : علم ألفاظه و ما أريدَ به ، وهذا هو الذي يقال له : التفسير )) وقال بعد بيان معناه اللغوي : (( وأما معناه (التفسير) اصطلاحاً فهو : الكلام على أسباب نزول القرآن ، وبيان أحكامه المجملة فيه من السنة )) اهـ .

    * وقال محمد الطاهر بن عاشور في " التحرير و التنوير " (1/11) : (( التفسير ...:اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن ، وما يستفيد منها ، باختصار أو بتوسُّع )) اهـ .
    * و قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين في " أصول التفسير" (ص25) :(( بيان معاني القرآن الكريم )).
    وقال عبد العظيم الزرقاني في " مناهل العرفان " (2/3) : (( علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية )).

    * قلت: إذا أمعنت النظر وجدت أن المعنى اللغوي للتفسر يتوافق مع المعنى الإصطلاحي ، و قد استعملت في هذه التعريفات عبارات : بيان ، وكشف و إيضاح ، للتعبير عن معنى " التفسير" .
    فمن خلال العرض السابق للمعنى اللغوي و ماذكره العلماء في المعنى الإصطلاحي ، يستخلص معنىً مختار يكشف عن حدِّ التفسير و مفهومه فيقال :علم التفسير" هو علم بيان القرآن الكريم " ،فما كان خارج نطاق البيان فإنَّه غير داخل في مصطلح التفسير.

    * و وجه اختيار هذا التعريف دون غيره لأمور :
    أولها : أن هذا المعنى منطلقٌ من الأصل اللغوي لكلمة التفسير ، وهو " البيان والكشف و الإيضاح " كما سبق .
    ثانيا : أن هذا المعنى مشترك في جميع تعريفات أهل العلم الإصطلاحية السابقة ، نصًّا أو لزوماًّ ، فليس هو محلُّ خلافٍ بينهم .
    ثالثاً : أن هذا القدر من التعريف هو الذي دلَّ عليه الواقع العملي عند المفسرين ، فلو استعرضنا كتب التفسير القديمة والحديثة و الموسعة والمختصرة ، يتبين اشتراكها في هذا القدر من التعريف ـ الذي هو "بيان المعنى " ـ سواء كان ببيان اللفظة أو الجملة أو المعنى العام للآية أو السورة . و الله أعلم و أحكم.


    التوسع في ذكر المسائل الفقهية وغيرها ليس محلها كتب التفسير :

    * ولقد أشار بعض المفسرين إلى أن التوسع في ذكر المسائل الفقهية المتعلقة بهذا الحكم الذي نصت عليه الآية محلها كتب الفقه ، وكذلك المسائل اللغوية و الصرفية والنحوية ليس محلها كتب التفسير .

    قال ابن جرير الطبري في "جامعه "(11/12) عند تفسيره لقوله تعالى :{{ و من قتله منكم متعمّداً فجزاء مثل ما قتل من النَّعَمِ }} [المائدة 95] :(( و الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنَّ الله ـ تعالى ذكره ـ حرَّم قتل صيد البرِّ على كل مُحْرِمٍ في حال إحرامه ما دام مُحرما بقوله : {{ يــأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد }} [ المائدة95] ثم بين حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدا ً لقتله ، و لم يخصص به المتعمد قتله في حال نسيانه لإحرامه ، و لا المخطئ في قتله في حال ذكره إحرامه ، بل عمَّ في التنزيل ـ بإيجاب الجزاء ـ كل قاتل صيد في حال إحرامه متعمداًّ ... و أمَّا ما يلزم بالخطأ قاتله ، فقد بينا القول فيه في كتابنا : "كتاب لطيف القول في أحكام الشرائع " بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع .

    وليس هذا الموضع موضع ذكره ، لأنَّ قصدنا في هذا الكتاب ، الإبانة عن تأويل التنزيل ، وليس في التنزيل للخطأ ذكرٌ ، فنذكر أحكامه )) .

    و قال ابن أبي حاتم في مقدمة تفسيره (1/14) : (( سألني جماعة من إخواني إخراج تفسير القرآن مختصراً بأصح الأسانيد ، وحذف الطرق والشواهد ، والحروف و الروايات و تنزيل السور ، وأن نقصد لأخراج التفسير مجرَّداً دون غيره ، متقصِّين تفسير الآي حتى لا نترك حرفاً من القرآن يوجد له تفسير إلاَّ أخرج ذلك .)) اهـ .
    و قال أبو حيَّان في " البحر المحيط " (1/32) : (( وقد تعرض المفسرون في كتبهم لحكم التسمية في الصلاة ، و ذكروا اختلاف العلماء في ذلك ، وأطالوا التفريع في ذلك ، و كذلك فعلوا في غير ما آية ، وموضع هذا كتب الفقه ، وكذلك تكلم بعضهم على التعوذ ، وعلى حكمه ، و ليس من القرآن بإجماع .

    ونحن في كتابنا هذا لا نتعرض لحكم شرعي إلاَّ إذا كان لفظ القرآن يدل على ذلك الحكم ، أو يمكن استنباطه منه بوجه من وجوه الإستنباطات )) ([12]) .

    و قال الشوكاني في " فتح القدير " (3/289) في مفتتح سورة الإسراء : (( و اعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير و السيوطي و غيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها ، وليس في ذلك كثير فائدة ، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث ، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام و المسجد الأقصى ، وهو بحث آخر . والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز ، وذكر أسباب النُّزول ، و بيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية ، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة .)) .اهـ

    * قلت : لقد ذكر الطبري و أبو حيان ها هنا الضابط الذي يعتمد عليه في ذكر مثل هذه الأحكام ، وهو أن يكون القرآن نصَّ على الحكم الفقهي ، فإنَّهم يبيّنون هذا الحكم و لا يتوسَّعون في بيان ما يتعلَّق به من الأحكام التي لم يرد النصَّ عليها في القرآن .

    فبيان الحكم الذي نصَّ عليه القرآن من التفسير ، و ما يذكر من المسائل الفقهية المتعلقة بهذا الحكم ، و لم ينص عليها القرآن فهي ليست من التفسير ، ومحلها كتب الفقه ، لأنَّ الغاية من التفسير معرفة المعنى الذي أراده الله ـ عزَّ وجلَّ ـ من كلامه ، فما تحصل به المعرفة فإنَّه بيان و تفسير ، و ما عاد ذلك ، فإنَّه توُّسع حاصل بعد هذا الفهم و البيان .
    و المقصود : أنَّ ما يقع به بيان عن معنى الآية ، فإنَّه تفسير للقرآن .

    قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ كما في شرحه لـ "مقدمة التفسير"(ص19ـ 20) عند قوله "معرفة تفسيره ومعانيه" : ((ولهذا يفسر القرآن على الناحيتين :
    تفسيراً لفظياً مطابقاً للفظ فقط ، وتفسيراً معنوياً وهو ما يراد به ، ثم قد يتوافقان و قد يختلفان .
    فإذا أردنا أن نجعل العطف في كلام المؤلف على التأسيس لا التوكيد ، و الترادف نقول : (( فهم القرآن )) يريد به الحِـكَم و الأسرار التـي يتضمنها ، و((معرفة تفسيره )) يعني تفسير اللفظ فقط ، ومعانيه يعني معرفة المراد به. )) اهـ .

    * و من ثمَّ ، فإنَ أيَّ معلومة أو لفظة لها أثر في فهم المعنى أو تغيُّره ، فإنَّها تفسير ، أما ما كانت معرفته غير مؤثرة في معنى الآية ، فإنَّه خارج عن معنى التفسير ، وهو من باب التوسُّع في هذا العلم.و الله أعلم .)).



    يتبع إن شاء الله ....



    1 ـ سورة محمد [الآية29 ].


    2- سور طه [الآية123 ] .


    3- سورة هود [الآية17] .


    4- سورة المدثر[الآية49-50] .


    5- سورة طه [الآيات من 99-101] .


    6- سورة طه[الآية 124] .


    7ـ مقتطع من مقدمة الإمام الشنقيطي في تفسيره" أضواء البيان " (1/5-6 ).


    8 ـ انظر في مادة (فسر ) كتاب العين للخليل (7/246) ،و المحيط في اللغة لابن عباد (8/311) .

    9- سورة الفرقان [ الآية33] .

    10- و الصحيح أن المجاز حمار المبتدعة ، وليس في كتاب الله ، وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- شيء اسمه"مجاز" ، بل يكفي في رده أنه لم يكن معروفاً عند الصحابة و لا أئمة اللغة كسيبويه والخليل و الأصمعي و ابن الأعرابي وغيرهم ، و قد رد أهل السنة على هذا الطاغوت المسمى بالمجاز ، كما تجده في " مجموع الفتاوى" (20/7،12،24،28) لشيخ الإسلام-رحمه الله- ، وهكذا في "الصواعق المرسلة" وهو في " المختصر" (2/231) لتلميذه ابن القيم-رحمه الله- ، وللإمام الشنقيطي -رحمه الله- رسالة في هذا و قد ردَّه بأدلة ساطعة تشفي الغليل –إن شاء الله -. و الله أعلم .

    11 ـ قلـت : قوله ـ رحمه الله تعالى ـ " شرح القرآن " : لفظة " شرح " منع بعض العلماء إطلاقها على القرآن . قال أبو هلال العسكري كما في " الفروق اللغوية " (ص70) في الفرق بين الشرح و التفصيل : (( الشرح : بيان المشروح وإخراجه من وجه الإشكال إلى التجلِّي و الظهور ، ولهذا لا يستعمل " الشرح "في القرآن ، والتفصيل :هو ذكر ما تتضمَّنه الجملة على سبيل الإفراد ، ولهذا قال تعالى : { ثمَّ فصِّلت من لدنَّ حكيمٍ خبيرٍ }و لم يقل : شرحتْ .)) اهـ . والله أعلـم .


    12 ـ و الملاحظ أن أبا حيان لم يلتزم بهذا الضابط الذي ذكره في عدم التوسع و التعرض للمسائل اللغوية و الصرفية و النحوية بل توسع فيها ، حتى خرج بها عن شرطه الذي وضعه
    .

    التعديل الأخير تم بواسطة حسين بن مسعود الجيجلي; الساعة 30-03-2012, 01:44 AM.

  • #2

    جزاك الله خيراً يا أخانا حسين

    عملٌ طيّب ، أسأل الله أن يوفّقك لإتمامه

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيراً أخانا الفاضل حسين على هذا الفوائد الطيبة
      نسأل الله أن يجعل فيها النفع والبركة

      تعليق


      • #4
        تتمّة
        " فتح العلي الوهاب **في بيان ما تضمنته أم الكتاب** من المعاني والقراءات و الإعراب**"

        معنى السورة لغة :

        (سور) :
        السين والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على علوٍّ وارتفاع. من ذلك سَار يَسُور إذا غضب وثار. وإنَّ لغضبِهِ لَسَورةً. والسُّور: جمع سُورة، وهي كلُّ منْزلةٍ من البناء. قال:
        فرب ذي سُرادق محجور **** سُرْتُ إليه في أعالي السُّور([1]) . "معجم مقاييس اللغة"(3/15) مادة(سور) .

        اشتقاقها :

        قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (1/81) : (( واختلفوا في معنى السورة مما هي مشتقَّة فقيل :من الإبانة والإرتفاع ، قال النابغة ([2]) :

        ألم تر أن الله أعطاك سورة **** ترى كل ملك دونها يتذبذب.([3])

        فكأن القارئ ينتقل بها من منزلة إلى منزلة .
        ـ وقيل : لشرفها و ارتفاعها كسور البلد .
        ـ و قيل : سمِّيت سورة لكونها قطعة من القرآن و جزءاً منه ، مأخوذ من أسآر([4]) الإناء و هو البقية ، و عليها فيكون أصلها مهموزاً ، وإنَّما خففت فأبدلت الهمزة واواً لانضم ما قبلها .
        ـ و قيل : لتمامها و كمالها ، لأنَّ العرب يسمُّون النافة التَّامة ، سورة .

        قلت : ويحتمل أن يكون من الجمع و الإحاطة لآيـاتها كما سُمِّيَ سور البلد لإحاطته بمنازله و دوره .و الله أعلم .
        ـ و جمع السورة ، سور ـ بفتح الواو وقد تجمع على سورات و سوْرَاتٍ([5]). ) اهـ .

        و قال ابن جرير الطبري في " جامعه " (1/104) : (( والسورة بغير الهمز : المنزلة من منازل الإرتفاع . ومن ذلك سوُر المدينة ، سمِّي بذلك الحائط الذِّي يحويها ، لارتفاعه على ما يحويه . غير أنّ السورة من سُوَرِ المدينة لم يسمع في جمعها (( سُوَر)) ، كما سمع في جمع سورة من القرآن ((سور)) .

        معنى الآية :


        قال الحافظ ابن كثير في "مقدمة تفسيره"(1/100) : ((أما الآية فمن العلامَةِ على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصاله، أي: هي بائنة من أختها. قال (2) الله تعالى: { إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ } [البقرة : 248] ، وقال النابغة:
        تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرفْتُها *** لستَّةِ أعوامٍ وذا العامُ سابعُ
        وقيل: لأنها جماعةُ حروفٍ من القرآن([6]) وطائفة منه، كما يقال: خرج القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم. قال الشاعر:
        خَرَجْنَا من النَّقبين لا حَىَّ مِثلُنا *** بآيتنا نزجِي اللقاحَ المَطَافِلا

        وقيل: سُمِّيت آيةً لأنها عَجَبٌ يَعْجِز البشر عن التكلّم بمثلها..

        قال سيبويه: وأصلها أَيَيَة مثل أَكَمَة وشَجَرَة، تحرَّكت الياءُ وافتتح ما قبلها فقلبت ألفًا فصارت آية، بهمزة بعدها مدة. وقال الكسائي: آيِيَة على وزن آمِنة، فَقُلِبت ألفًا، ثم حُذفت لالتباسها.

        وقال الفَرَّاء: أصلها أَيَّة -بتشديد الياء-فَقُلِبَت الأولى ألفًا، كراهيةَ التشديد فصارت آية، وجمعُها: آىٌ وآياىٌ وآياتٌ.))اهـ..

        ذكر بعض أسمائها :

        1/ فاتحة الكتاب :

        عن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه- أن الرسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).[متفق عليه ]
        .
        قال ابن جرير الطبري رحمه الله في " تفسيره" (1/105) : (( و سمِّيت " فاتحة الكتاب " لأنَّه يُفتَتَح بكتابتهـا المصاحف ، و بقراءتهـا الصلـوات ، فهي فواتح لما يتْلـوها من سور القرآن في الكتاب و القرآءة .)) اهـ .([7])

        2/ أمُّ القرآن و أمُّ الكتاب :

        فأما تسميتها بـ"أم القرآن " فقد ثبت هذا الإسم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم ) . [ رواه البخاري (رقم4704)] .
        و كره ابن سيرين –رحمه الله-([8])، تسميتها بهذا الإسم ، فتعقبه الحافظ في "الفتح"(8/7) بقوله : (( و إذا ثبت النص طاح ما دونه ))اهـ .

        قال الإمام النووي رحمه الله في " شرح مسلم"(4/101) : (وأم القرآن اسم الفاتحة وسميت أم القرآن لأنها فاتحته كما سميت مكة "أم القرى" لأنها أصلها([9]).)اهـ .

        أمَّا تسميتهابـ"أمُّ الكتاب"([10]) فلقوله –صلى الله عليه وسلم-: (( إذا قرأتم : ( الحمد لله ) فاقرءوا : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) إنها أم القرآن و أم الكتاب و السبع المثاني و ( بسم الله الرحمن الرحيم ) إحداها )) .
        أخرجه الدارقطني في"سننه" ( رقم 1190 ) و البيهقي في "الكبرى" ( 2 / 45 ) وغيرهما من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- مرفوعاً وموقوفاً .

        قال الإمام الألباني-رحمه الله- في " الصحيحة "( 3 / 179 ): (قلت : و هذا إسناد صحيح مرفوعا و موقوفا فإن نوحًا ثقة و كذا من دونه و الموقوف لا يعل المرفوع . لأن الراوي قد يوقف الحديث أحيانا فإذا رواه مرفوعا - و هو ثقة - فهو زيادة يجب قبولها منه . و الله أعلم . و بعضه عند أبي داود و غيره من حديث أبي هريرة ، و عند البخاري و غيره من حديث أبي سعيد بن المعلى ، و عزاه السيوطي إليه من حديث أبي بكر و هو وهم محض كما نهت عليه في " تخريج الترغيب "( 2 / 216 ) و غيره و هو في " صحيح أبي داود " ( 1310 - 1311 ) . ))اهـ.

        ثم إن هذا الاسم –أم الكتاب- وقع فيه خلاف في تسمية سورة الفاتحة به ؛ فذهب الجمهور إلى جواز التسمية به([11]) ، وكرهه أنس([12])، والحسن([13]) ذلك،و وافقهما بقي بن مخلد([14]).
        و الراجح ما ذهب إليه الجمهور لأمرين :

        1/ لورود الدليل (و إذا ورد الأثر بطل النظر) ، ولا يحل القياس و الخبر موجود([15]) .
        2/ أن المعنى مغاير لما تصوروه .

        قال الإمام البخاري –رحمه الله- في "صحيحه"(7/6) : (( و سمِّيت أم الكتاب أنَّه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأُ بقراءتها في الصلاة) اهـ .
        و قال ابن جرير في " تفسيره " (1/107) : (( و إنّما قيل لها ــ بكونها كذلك ــ أمَّ القرآن ، لتسمية العرب كل جامع أمراً ــ أو مقدَّم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه ، هو لها إمام جامع ــ (( أمَّا )) . فتقول للجلدة التي تجمع الدّماغ : (( أم الرأس )) . و تسمى لواء الجيش و رايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش ــ (أُماَّ) .و من ذلك قول ذي الرُّمة ، يصف راية([16]) معقودة على قناة يجتمع تحتها هو و صحبه :
        و أسمر ، قوَّام إذا نام صُحبتي * * * * خفيف الثياب لا توارى له أزرا ([17])
        على رأسه أمٌّ لنا نقتدي بها * * * * جماع أمور لا نعاصي لها أمــرا
        إذا نزلت قيل : انزلوا و إذا غدت * * * * غدت ذات برزيق([18]) ننال بها فخرا
        يعني بقوله : (( على رأسه أمٌّ لنا )) : أي على رأس الرمح راية راية يجتمعون لها في النزول و الرحيل و عند لقاء العدو.))اهـ .

        4/ السبع المثاني :

        عن أبي سعيد بن المعلى قال : ((كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم أجبه فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: (( ألم يقل الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} )) . ثم قال لي: (( لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد)) . ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن . قال: (( { الحمد لله رب العالمين } هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)).[رواه البخاريرقم(4474)].
        قال الباجي رحمه الله: (( يريد قوله تعالى :{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}. وسميت السبع ؛ لأنها سبع آيات . والمثاني ؛ لأنها تثنى في كل ركعة (أي :تعاد). وإنما قيل لها :(القرآن العظيم) على معنى التخصيص لها بهذا الإسم ، وإن كان كل شيء من القرآن عظيماً ؛كما يقال في الكعبة(بيت الله) ، وإن كانت البيوت كلها لله ؛ ولكن على سبيل التخصيص و النعظيم له. ))اهـ.([19]) .
        و لها أسماء أخرى غير هذه التي ذكرنا و لمن أراد الاستزادة فليرجع إلى "تفسير ابن كثير" و سيجد بغيته . والله أعلم .





        (1)- و البيت للعجاج و هو في "ديوانه" (ص/224) . و (السرادق) : كل ما أحاط بشيء نحو الشقَّة في المضرب أو الحائط المشتمل على الشيء."اللسان"
        (س ر د ق ). و (محجور) : محرم ممنوع لا يوطأ إلاَّ بإذن . و (سُرْتُ) الحائط سَوراً ـ بالفتح ـ وتسوَّرتُه : علوتُه ." التاج " ( س و ر ).


        (2)- زياد بن معاوية الذبياني ، يكنى أبا أمامة ، والنابغة لقب له وهو من فحول الشعراء ،والبيت في "ديوانه " (18) .انظر " الشعر والشعراء " (1/157).

        (3) - قال الطبري في " جامعه " (1/103) في معنى هذا البيت :( يعني أنَّ الله أعطاه منزلة من منازل الشرف التي قصرت عنها منازل الملوك )اهـ .

        (4)- قال الأعشى :
        بانت و قد أسْأَرت في النفس حاجتها **** بعد ائتلاف و خير الوُدِّ ما نفعا
        ـ و البيت في ديوانه (101) .و استشهد الطبري به في "جامعه" (1/104).

        (5)- وقال القرطبي في "جامعه " (1/107) : (( وجمع سورة : سُوَرُ ، بفتح الواو . وقال الشاعر :
        ................*******سُودُ المحاجر لا يقرأن السُور
        ويجوز أن يجمع على : سُوْرات ، سُورات .)) اهـ

        .قلت : قائله أبو جندل عبيد بن حصين النُّمري، من شعراء العصر الأموي . وصدر البيت :
        هنَّ الحرائر لا ربَّات أحمر****...................
        .و هو في ديوانه (ص122). انظر "الشعر و الشعراء" (1/415) .

        (6)- "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس(1/169).

        (7) ـ انظر :تفسير القرطبي "1/172" ، وتفسير ابن كثير "1/151" .

        (8)- أخرجه ابن الضريس في " فضائل القرآن " ( ص149) عن أيوب أنَّ محمدا[بن سيرين ]كان يكره أن يقول : أمُّ القرآن و يقول : قال الله : )وعنده أمُّ الكتاب ( [ الرعد: 49] .ولكن يقول : (( فاتحة الكتاب )) . و ذكره السيوطي في " الدر المنثور " (1/8) وعزاه إلى ابن ضريس .و الله أعلم .

        (9) ـ قال ابن الجوزي في " زاد المسير " (5/391) : (( و في تسمية ((مكَّة )) أربعة أقوال :
        أحدها : لأنَّها مثابة يؤمّها الخلق من كلّ فجّ و كأنَّها هي التي تجذبهم إليها ، وذلك من قول العرب : امْتَكَّ الفيصل ما في ضرع النّاقة .
        و الثاني : أنَّها سمّيت (مكَّة ) من قولك : بَكَكَت الرجل : إذا وضعت منه و ردَدْتَ نخوته فكأنها تمُكُّ من ظلم فيها ، أي تهلكه وتنقصه و أنشدوا :
        يا مكَّة الفاجر مُكّي مَكَّا ....ولا تَمُكّي مذحجاً و عكَّا
        و الثالث : أنَّها سمّيت بذلك لجهد أهلها .
        و الرابع : لقَّة الماء بها .

        (10)- قلت :هذه الكلمة أتى ذكرها في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم :
        الموضع الأول :عند قوله تعالى:{ هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ }[آل عمران:07] . قوله تعالى: (هي أم الكتاب) أي أصله الذي يرجع إليه كل متشابه ."تفسير السعدي"(ص/122).
        ، فذكر -جل وعلا- أن الآيات المحكمات الواضحات الدلالة التي ليس فيها شبهة أنها هي الأصل الذي يرجع إليه كل متشابه .
        الموضع الثاني : عند قوله تعالى:{يمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}[الرعد:39] .
        فاختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى :(و عنده أم الكتاب) على ثلاثة أقوال هي :
        1/ الحلال والحرام ، قاله الحسن .
        2/ جملة الكتاب وأصله ، قاله ابن عباس في رواية عنه ، و قتادة ، والضحاك .
        3/ الذكر ، قاله ابن عباس .
        قال ابن جرير في "تفسيره"(16/490-492) بعد أن سرد هذه الأقوال كلها قال : (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قولُ من قال:(وعنده أصل الكتاب وجملته)، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحُو ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم عقَّب ذلك بقوله:(وعنده أم الكتاب) ، فكان بيِّنًا أن معناه. وعنده أصل المثبّت منه والمَمْحُوّ، وجملتُه في كتاب لديه .)اهـ
        و أصل هذا الكتاب وجملته هو اللوح المحفوظ ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء فهو أصلها، وهي فروع له وشعب.
        فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ.قاله العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله في "تفسيره"(ص/419).
        و الموضع الثالث : عند قوله تعالى:{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} [الزخرف:04] .
        قال ابن عباس و مجاهد : (أم الكتاب) : اللوح المحفوظ ." تفسير ابن كثير" (7/218) .

        (11) - تفسير ابن كثير (1/151) .

        (12)- السابق .

        (13) - قال ابن كثير في " تفسيره" (1/151) : ((قال الحسن وابن سيرين : إنَّما ذلك اللوح المحفوظ .و قال الحسن :الآيات المحكمات هنَّ أمُّ الكتاب .ولذا كرها أيضاً أن يقال لها : (أمُّ الكتاب ) . )) اهـ. و قال القرطبي في " جامعه " (1/172) : ((قال الحسن : أمُّ الكتاب ، الحلال و الحرام ، قال تعالى : )منه ءايـاتٌ محكمات هنَّ أمُّ الكتاب و أخر متشابهات ( [آل عمران :7].

        (14)- " الفتح " (8/7) .

        (15)- " الرسالة" للشافعي(ص/516) .

        (16)- و هو في ديوانه (ص 183) .

        (17)- الأزر : الظهر. قال صاحب " مختارالصحاح " (ص19) ـ مادَّة أ ز رـ : (( أزر ــ : ( الأزر ) القوَّة . وقوله تعالى : [[ اشدد به أزري ]] أي ظهري .)) اهـ المراد .

        (18) ـ قال أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير ابن جرير (1/108) : (( البرزيق : الموكب الضخم فيه جماعات الناس .و قوله : (( ننال بها فخراً )) أي نغزو في ظلالها ، فنظهر على عدوّنا و نظفر و نغنم ، و ذلك هو الفخر .و في الديوان : (( تخال بها فخرا )) و في المخطوطة : (( تخال لها )) كأنَّه من صفة الراية نفسها .تهتزّ و تميل فخرا و تيها لكثرة أتباعها من الغزاة و الفرسان .)) اهـ المراد .

        (18)- "صفة الصلاة" للإمام الألباني(1/318) .


        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا يا أبا عبد الله فقد بذلت جهدا كبيرا في هذا الكتاب

          تعليق


          • #6
            بورك فيك أبا عبدالله عمل مبارك بإذن الله إستمر حفظك الله

            تعليق

            يعمل...
            X