الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه الكرام ، وبعد :
فمن باب قوله تعالى :{{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}}[سورة المائدة:02] .
وقول رسوله صلى الله عليه وسلم : (( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )) [رواه مسلم] .
أحببت أن أضع بين يدي إخواني الأفاضل هذا العمل المتواضع الذي أرجوا به الفوز بنعيم الجنان و النجاة من حر النيران
و موضوعه يتعلق بالتفسير ، أما مضمونه فهو تفسير لـ "سورة الفاتحة " و قد سميته:
" فتح العلي الوهاب
**في بيان ما تضمنته أم الكتاب**من المعاني والقراءات و الإعراب**"
و قد كنت كتبته منذ عام تقريبا في (120)صفحة ثم فترت عنه لأمور يعلم الله ؛ فلما خشيت أن تضيع هذه الفوائد التي جمعتها و الشوارد التي اقتنصتها أردت أن أقوم ببذله ونشره بين إخواني الفضلاء .
و معلوم أن العلم لابد من بذله بين الناس حتى تعم الفائدة ، ويحصل النفع والبركة و إلا كان عاقبته ذهابه ونسيانه جزاءً من جنس العمل .
قال ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص/40) : (( و العاقل لا يسعى بفنونه إلا ما أجدى عليه نفعاً في الدارين معاً ، و إذا رزق منه الحظ لا يبخل بالإفادة ، لأن أول بركة العلم الإفادة ، وما رأيت أحداً قط بخل بالعلم إلا لم ينتفع بعلمه، وكما لا ينتفع بالماء الساكن تحت الأرض ما لم ينبع ، و لا الذهب الأحمر ما لم يستخرج معدنه ، ولا باللؤلؤ النفيس ما لم يخرج من بحره ، وكذلك لا ينتفع بالعلم ما دام مكنوناً لا ينشرُ و لا يفاد)) اهـ .
و قال الإمام ابن المبارك –رحمه الله-: (( من بخل بالعلم ابتلي بثلاث : إما يموت فيذهب علمه ، أو ينساه ، أو يتبع سلطاناً ))اهـ."الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع" (رقم727) .
و قال ابن القيم –رحمه الله- في " مفتاح دار السعادة" (1/172):(( فإن من خزَّن علمه و لم ينشره ولم يُعلّمه ابتلاه الله بنسيانه و ذهابه منه جزاء من جنس عمله ، وهذا أمر يشهد به الحس و الوجود .))اهـ.
فأسأل الله تعالى العون و السداد و التوفيق لما فيه الخير و الرشاد .
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و سلم
************************************************** *************
************************************************** *************
فتح العلي الوهاب
في بيان ما تضمنته أم الكتاب من المعاني والقراءات والإعراب
المقدمـة :
الحمد لله والصَّلا ة و السَّلام على رسول الله و على آله وصحبه ومن تبع هداه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، و بعد :
[[ الحمد لله الذّي أنزل على خاتم الرسل و الأنبياء أكمل كتاب ، فكشف به ظلمات الجهل و أسباب العذاب ، و أماط به عن نفائس العلوم و دخائرها الحجاب ،و كشف به عن حقائق الدين و أسراره و محاسنه النقاب ، أخلص به العبادة للعزيز الوهَّاب ، و فتح به لنيل مآرب الدَّارين الباب ، أغلق باتِّباعه و العمل به دون الشرِّ جميع الأبواب ، تحي بوابل علومه القلوب النيِّرة أعظم ممَّا تحي الأرض اللباب ، و تُجَلُّ ألفاظه ومعانيه و أحكامه و أخباره عن الوصمة و اللباب { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}([1]) وعد الله متَبعه ما هو خير و أبقى ، و قال فيه :{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)}[2].
و أوعد المعرضين عنه من جميع الأحزاب النار ، قال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ }[3] وهو عام للكفار ، وشبِّه بالحمر المعرضين عنه من الكفرة ، قال : {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)}[4] فيكفي المعرض عنه أنَّه حمار ، وأنَّه من حمير النَّار .و بيَّن تعالى أنَّ المعرض عنه يحمل يوم القيامة ما لا يستطيع له حملا ً ، قال : { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)}[5] فتح الله به قلوباً غلفاً ، وأعيناً عمياً ، وآذاناً صمّاً ، وقال فيهِ:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) }[6] .]]([7]) .
فلمَّا كان شرف كل علم بشرف معلومه وشرف كل شيء بشرف ما أضيف إليه، كان علم التفسير من أجل العلوم وأشرفها وأفضلها لأنَّه متعَّلق بالواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤاً أحد، ذلك أن القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق وهو صفة من صفاته سبحانه و تعالى تليق به نثبتها له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف و لا تمثيل ، وكلام الله عزَّو جلَّ صفات ذاتية فعلية متعلق بمشيئته يتكلم متى شاء باعتبار الزمن وبما شاء باعتبار الكلام – يعني موضوع الكلام من أمر أو نهي أو غير ذلك و كيف شاء يعني على الكيفية والصفة التي يريدها- سبحانه وتعالى – بحرف و صوت لا يشبه أصوات المخلوقين . والأدلة على ما قلنا مبسوطة في كتب العقيدة وليس هذا موضع بسطها .
فطابت لي نفسي أن أقوم بكتابة هذه البحث الذي جمع في طيَّاته تفسيرَ سورة عظيمة من سور القرآن ألا و هي سورة الفاتحة و التي سمَّاها النبيُّ– صلَّى الله عليه و سلَّم – بأسماء منها " أمُّ الكتاب ، والسبع المثاني كما ثبت ذلك عنه في غير ما حديث ، فاستعنت بالله – عزَّ وجلَّ- في بيان ما تضمنته آياتها معتمداً على كتب التفسير،لأئمة المحققين البارعين ، كتفسير الطبري ،و تفسير ابن كثير، والقرطبي ، و زاد المسير لابن الجوزي و الدر المنثور للسيوطي وغيرها ـ رحمهم الله تعالى ـ ، ولم آت بجديد سوى مجرد الجمع من كلام العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ و ترتيبه ، وما نقلته من فوائد ودرر بنصه عزوته إلى مصدره قدر المستطاع .
ولقد اكتفيت في هذا الجمع - الذي أسأل الله عزَّ و جلَّ أن يبارك فيه – ببيان ما تضمَّنته هذه السورة العظيمة من المعاني والقراءات و الإعراب ، ولم أتوسع في ذكر أسمائها ، و لم أتطرق إلى ذكر فضلها وأسباب نزولها وأحكامها ، وهي مبسوطة في كتب التفسير ومنها ما أفرد في كتاب مستقل فليرجع إليها ، وهذا كلُّه قصد عدم الإطالة و الاكتفاء بالبيان ، ومالا يدرك كلّه لا يترك جلُّه . و سميَته " فتح العليِّ الوهَّاب في بيان ما تضمنته أمُّ الكتاب من المعاني و القراءات والإعراب " .
فالله الكريم ربَّ العرش العظيم أسأله أن يبارك في هذا الجهد اليسير و ينفع به المسلمين ، كما أسأله أيضا أن يصلح أعمالنا و يرزقنا الإخلاص في ما قدمناه من عمل و فيما لهجت به ألسنتنا من قول ، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه ، ولا حو لا قوة إلاَّ بالله .والله المستعان .
تفسير سورة الفاتحة :
معنى التفسير لغة :
هذه الكلمة " تفسير " مشتقة في الأصل من " الفَسْرِ ". وهذه اللفظة تدور في كلام العرب على معاني " الكشف والبيان والإيضاح و الإظهار" .
قال ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري (12/406) : ((الفَسْرُ :كشف المغَطَّى ))اهـ .
قال ابن فارس في " مقاييس اللغة " (2/355 ) : (( الفاء و السين و الراء كلمة واحدة تدُلُّ على بيان شيءٍ و إيضاحه )) اهـ.
و قال الجرجاني في " التعريفات " (ص109) : ((التفسير : في الأصل :هو الكشف و الإظهار )) اهـ المراد.
و قال الراغب في " المفرادات " (ص636): (( الفسْرُ : إظهار المعنى المعقول ... ، و التفسير في المبالغة كالفسْر )) اهـ .
و قال ابن القيم في " الصواعق المرسلة " (1/330) : (( التفسير : أصله في الظهور و البيان )) اهـ .
و قال ابن دريد في " جمهرة اللغة "(2/718): (( فسَّرت الحديث ،أفسِّره تفسيراً ، إذا بيَّنته و أوضحته .وفسّره تفسيراً . ([8]) .
لذا جاء عن مجاهد كما في "تفسير الطبري "(19/12) :أنَّه فسَّر قوله تعالى :
{ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } قال : بياناً)).اهـ
و الأشهر في الإستعمال : فسَّر تفسيراً _ بتشديد حرف السّين في الماضي _ و به جاء القرآن كما قال تعالى : { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) }[9] .
و لا تلتفت إلى من قال بأن " فسَّر " هو مقلوب " سَفَرَ "بحيث يقال : أسفر الصبح : إذا ظهر و بان ، وسفرت المرأة عن وجهها : إذا كشفته ، ويقال للكتاب " سِفْر ": لبيانه.
و الأصل أن يكون للكلمة ترتيبها و معناها ، ثم قد يتشترك غيرها معها في المعنى ، أو تقترب في اللفظ .
قال الآلوسي في " روح المعاني " (1/4) : (( و القول بأنه مقلوب " السَّفر" ، ممَّا لا يسفر له وجه )) اهـ .و لذا يقول الراغب الأصفهاني كما في " مقدمة جامع التفاسير " (ص47) : (( الفَسْر و السَّفْر يتقارب معناهما ، كتقارب لفظيهما .)) اهـ .
التَّفسير اصطلاحاً : اختلفت عبارات المعرِّفين لمصطلح التفسير ، وكان فيها توسُّع من بعضهم و اختصار من البعض الآخر، فممن عرَّفه :
أبو حيَّان في "البحر المحيط " (1/26) فقال : (( التفسير : علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ،و مدلولاتها ،وأحكامها الإفراديَّة و التركيبَّية ومعانيها التي تحمل عليها حال التركيب، وتتمات ذلك .
فقولنا : ((علم )) :هو جنس يشمل سائر العلوم .
وقولنا : (( يبحث فيه عن كيفييةَّ النطق بألفاظ القرآن )) : هذا علمُ القراءات .
وقولنا : (( ومدلولاتها )) ، أي : مدلولاتِ تلك الألفاظ ، وهذا علمُ اللُّغة الذي يحتاج إليه في هذا العلمِ .
وقولنا : (( وأحكامها الإفرادية و التركيبية )): هذا يشمل علمَ التصريف ، وعلم الإعراب ،وعلم البيان ، وعلم البديع .
(( ومعنيها التي تحمل عليها حال التركيب )) : شمل َ بقوله : ((التي تحمل عليها )) : ما لا دلالة عليه بالحقيقة ، وما دلالته عليه بالمجاز ، فإنَّ التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ، و يصدُّ عن الحمل على الظَّاهر صادٌّ ، فيحتاج لأجل ذلك أن يحملَ على غير الظَّاهر ، وهو المجاز[10] .
وقولنا : (( وتتمات ذلك )) : هو معرفة النسخ ،وسبب النُّزول ، وقصَّة توضِّح ما انبهم في القرآن ، ونحو ذلك ))اهـ .وقد نقله عنه باختصار الكفويُّ في "الكلِّيات " (ص260) .
* و ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في " دقائق التفسير " (6/433) أن تفسير الكلام هو : بيانه و شرحه و كشف معناه ، ثم قال "فالتفسير من جنس الكلام ، يفسر الكلام بكلام يوضحه .)) اهـ .
*و قال ابن جزِّي كما في " التسهيل لعلوم التنزيل " (1/6) ، قال : (( معنى التفسير : شرح القرآن([11]) ، وبيان معناه ، و الإفصاح بما يقتضيه بنصِّه أو إشارته أو فحواه )) اهـ.
* و عرفه ابن القيم في " الصواعق المرسلة "(1/215) بقوله : (( فالتفسير : هو إبانة المعنى وإيضاحه ، قال الله تعالى : { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)} [ الفرقان : 33] .
* وعرَّفه الزركشي في موضعين من كتابه " البرهان في علوم القرآن"(1/13):فقال في الموضع الأوَّل : (( علمٌ يعرف به فهمُ كتاب الله المنزَّل على نبيه محمدٍ وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه و حِكَمِهِ )
وعرَّفه في الموضع الثاني (2/148) فقال : (( هو علم نزول الآية و سورتها وأقاصيصها و الإشارات النَّازلة فيها ،ثم ترتيب مكيِّها ومدنيِّها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصّها وعامّها ، ومطلقها و مقيدِها ، ومجملها ومفسّرها .
وزاد فيه قوم فقالوا : علم حلالها و حرامها ، ووعدها ووعيدها ،وأمرها و نهيها ، وعِبَرها وأمثالها ))اهـ .
وقال الكافيجيَّ في "التيسير في قواعد التفسير " (ص124_125) نقلاً من كلام شمس الدين الأصفهاني في " مقدمات تفسير الأصفهاني " (ص150) : ((وأمَّا التفسير في العرف ، فهو كشف معاني القرآن ، وبيان المراد)) اهـ.
والمراد من معاني القرآن أعمّ ، سواءً كانت معاني لغوية أو شرعية ، وسواءً كانت بالوضع أو بمعونة المقام و سوْقِ الكلام وبقرائن الأحوال ، نحو : السماء و الأرض و الجنّة والنّار، وغير ذلك .ونحو : الأحكام الخمسة .ونحو: خواصّ التركيب اللازمة له بوجه من الوجوه )) اهـ .
* و قال الجرجاني في " التعريفات " (ص67) : ((التفسير في الشرع :توضيح معنى الآية ، وشأنها ، وقصتها ، و السبب الذي نزلت فيه بلفظ يدل عليه دلالة ظاهرة .)) اهـ .
* و قال العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي في " مجالس في تفسير قوله تعالى : { لقد منَّ الله على المؤمنين } " : (( وعلوم القرآن كثيرة منها : علم ألفاظه و ما أريدَ به ، وهذا هو الذي يقال له : التفسير )) وقال بعد بيان معناه اللغوي : (( وأما معناه (التفسير) اصطلاحاً فهو : الكلام على أسباب نزول القرآن ، وبيان أحكامه المجملة فيه من السنة )) اهـ .
* وقال محمد الطاهر بن عاشور في " التحرير و التنوير " (1/11) : (( التفسير ...:اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن ، وما يستفيد منها ، باختصار أو بتوسُّع )) اهـ .
* و قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين في " أصول التفسير" (ص25) :(( بيان معاني القرآن الكريم )).
وقال عبد العظيم الزرقاني في " مناهل العرفان " (2/3) : (( علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية )).
* قلت: إذا أمعنت النظر وجدت أن المعنى اللغوي للتفسر يتوافق مع المعنى الإصطلاحي ، و قد استعملت في هذه التعريفات عبارات : بيان ، وكشف و إيضاح ، للتعبير عن معنى " التفسير" .
فمن خلال العرض السابق للمعنى اللغوي و ماذكره العلماء في المعنى الإصطلاحي ، يستخلص معنىً مختار يكشف عن حدِّ التفسير و مفهومه فيقال :علم التفسير" هو علم بيان القرآن الكريم " ،فما كان خارج نطاق البيان فإنَّه غير داخل في مصطلح التفسير.
* و وجه اختيار هذا التعريف دون غيره لأمور :
أولها : أن هذا المعنى منطلقٌ من الأصل اللغوي لكلمة التفسير ، وهو " البيان والكشف و الإيضاح " كما سبق .
ثانيا : أن هذا المعنى مشترك في جميع تعريفات أهل العلم الإصطلاحية السابقة ، نصًّا أو لزوماًّ ، فليس هو محلُّ خلافٍ بينهم .
ثالثاً : أن هذا القدر من التعريف هو الذي دلَّ عليه الواقع العملي عند المفسرين ، فلو استعرضنا كتب التفسير القديمة والحديثة و الموسعة والمختصرة ، يتبين اشتراكها في هذا القدر من التعريف ـ الذي هو "بيان المعنى " ـ سواء كان ببيان اللفظة أو الجملة أو المعنى العام للآية أو السورة . و الله أعلم و أحكم.
التوسع في ذكر المسائل الفقهية وغيرها ليس محلها كتب التفسير :
* ولقد أشار بعض المفسرين إلى أن التوسع في ذكر المسائل الفقهية المتعلقة بهذا الحكم الذي نصت عليه الآية محلها كتب الفقه ، وكذلك المسائل اللغوية و الصرفية والنحوية ليس محلها كتب التفسير .
قال ابن جرير الطبري في "جامعه "(11/12) عند تفسيره لقوله تعالى :{{ و من قتله منكم متعمّداً فجزاء مثل ما قتل من النَّعَمِ }} [المائدة 95] :(( و الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنَّ الله ـ تعالى ذكره ـ حرَّم قتل صيد البرِّ على كل مُحْرِمٍ في حال إحرامه ما دام مُحرما بقوله : {{ يــأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد }} [ المائدة95] ثم بين حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدا ً لقتله ، و لم يخصص به المتعمد قتله في حال نسيانه لإحرامه ، و لا المخطئ في قتله في حال ذكره إحرامه ، بل عمَّ في التنزيل ـ بإيجاب الجزاء ـ كل قاتل صيد في حال إحرامه متعمداًّ ... و أمَّا ما يلزم بالخطأ قاتله ، فقد بينا القول فيه في كتابنا : "كتاب لطيف القول في أحكام الشرائع " بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع .
وليس هذا الموضع موضع ذكره ، لأنَّ قصدنا في هذا الكتاب ، الإبانة عن تأويل التنزيل ، وليس في التنزيل للخطأ ذكرٌ ، فنذكر أحكامه )) .
و قال ابن أبي حاتم في مقدمة تفسيره (1/14) : (( سألني جماعة من إخواني إخراج تفسير القرآن مختصراً بأصح الأسانيد ، وحذف الطرق والشواهد ، والحروف و الروايات و تنزيل السور ، وأن نقصد لأخراج التفسير مجرَّداً دون غيره ، متقصِّين تفسير الآي حتى لا نترك حرفاً من القرآن يوجد له تفسير إلاَّ أخرج ذلك .)) اهـ .
و قال أبو حيَّان في " البحر المحيط " (1/32) : (( وقد تعرض المفسرون في كتبهم لحكم التسمية في الصلاة ، و ذكروا اختلاف العلماء في ذلك ، وأطالوا التفريع في ذلك ، و كذلك فعلوا في غير ما آية ، وموضع هذا كتب الفقه ، وكذلك تكلم بعضهم على التعوذ ، وعلى حكمه ، و ليس من القرآن بإجماع .
ونحن في كتابنا هذا لا نتعرض لحكم شرعي إلاَّ إذا كان لفظ القرآن يدل على ذلك الحكم ، أو يمكن استنباطه منه بوجه من وجوه الإستنباطات )) ([12]) .
و قال الشوكاني في " فتح القدير " (3/289) في مفتتح سورة الإسراء : (( و اعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير و السيوطي و غيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها ، وليس في ذلك كثير فائدة ، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث ، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام و المسجد الأقصى ، وهو بحث آخر . والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز ، وذكر أسباب النُّزول ، و بيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية ، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة .)) .اهـ
* قلت : لقد ذكر الطبري و أبو حيان ها هنا الضابط الذي يعتمد عليه في ذكر مثل هذه الأحكام ، وهو أن يكون القرآن نصَّ على الحكم الفقهي ، فإنَّهم يبيّنون هذا الحكم و لا يتوسَّعون في بيان ما يتعلَّق به من الأحكام التي لم يرد النصَّ عليها في القرآن .
فبيان الحكم الذي نصَّ عليه القرآن من التفسير ، و ما يذكر من المسائل الفقهية المتعلقة بهذا الحكم ، و لم ينص عليها القرآن فهي ليست من التفسير ، ومحلها كتب الفقه ، لأنَّ الغاية من التفسير معرفة المعنى الذي أراده الله ـ عزَّ وجلَّ ـ من كلامه ، فما تحصل به المعرفة فإنَّه بيان و تفسير ، و ما عاد ذلك ، فإنَّه توُّسع حاصل بعد هذا الفهم و البيان .
و المقصود : أنَّ ما يقع به بيان عن معنى الآية ، فإنَّه تفسير للقرآن .
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ كما في شرحه لـ "مقدمة التفسير"(ص19ـ 20) عند قوله "معرفة تفسيره ومعانيه" : ((ولهذا يفسر القرآن على الناحيتين :
تفسيراً لفظياً مطابقاً للفظ فقط ، وتفسيراً معنوياً وهو ما يراد به ، ثم قد يتوافقان و قد يختلفان .
فإذا أردنا أن نجعل العطف في كلام المؤلف على التأسيس لا التوكيد ، و الترادف نقول : (( فهم القرآن )) يريد به الحِـكَم و الأسرار التـي يتضمنها ، و((معرفة تفسيره )) يعني تفسير اللفظ فقط ، ومعانيه يعني معرفة المراد به. )) اهـ .
* و من ثمَّ ، فإنَ أيَّ معلومة أو لفظة لها أثر في فهم المعنى أو تغيُّره ، فإنَّها تفسير ، أما ما كانت معرفته غير مؤثرة في معنى الآية ، فإنَّه خارج عن معنى التفسير ، وهو من باب التوسُّع في هذا العلم.و الله أعلم .)).
قال ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري (12/406) : ((الفَسْرُ :كشف المغَطَّى ))اهـ .
قال ابن فارس في " مقاييس اللغة " (2/355 ) : (( الفاء و السين و الراء كلمة واحدة تدُلُّ على بيان شيءٍ و إيضاحه )) اهـ.
و قال الجرجاني في " التعريفات " (ص109) : ((التفسير : في الأصل :هو الكشف و الإظهار )) اهـ المراد.
و قال الراغب في " المفرادات " (ص636): (( الفسْرُ : إظهار المعنى المعقول ... ، و التفسير في المبالغة كالفسْر )) اهـ .
و قال ابن القيم في " الصواعق المرسلة " (1/330) : (( التفسير : أصله في الظهور و البيان )) اهـ .
و قال ابن دريد في " جمهرة اللغة "(2/718): (( فسَّرت الحديث ،أفسِّره تفسيراً ، إذا بيَّنته و أوضحته .وفسّره تفسيراً . ([8]) .
لذا جاء عن مجاهد كما في "تفسير الطبري "(19/12) :أنَّه فسَّر قوله تعالى :
{ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } قال : بياناً)).اهـ
و الأشهر في الإستعمال : فسَّر تفسيراً _ بتشديد حرف السّين في الماضي _ و به جاء القرآن كما قال تعالى : { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) }[9] .
و لا تلتفت إلى من قال بأن " فسَّر " هو مقلوب " سَفَرَ "بحيث يقال : أسفر الصبح : إذا ظهر و بان ، وسفرت المرأة عن وجهها : إذا كشفته ، ويقال للكتاب " سِفْر ": لبيانه.
و الأصل أن يكون للكلمة ترتيبها و معناها ، ثم قد يتشترك غيرها معها في المعنى ، أو تقترب في اللفظ .
قال الآلوسي في " روح المعاني " (1/4) : (( و القول بأنه مقلوب " السَّفر" ، ممَّا لا يسفر له وجه )) اهـ .و لذا يقول الراغب الأصفهاني كما في " مقدمة جامع التفاسير " (ص47) : (( الفَسْر و السَّفْر يتقارب معناهما ، كتقارب لفظيهما .)) اهـ .
التَّفسير اصطلاحاً : اختلفت عبارات المعرِّفين لمصطلح التفسير ، وكان فيها توسُّع من بعضهم و اختصار من البعض الآخر، فممن عرَّفه :
أبو حيَّان في "البحر المحيط " (1/26) فقال : (( التفسير : علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ،و مدلولاتها ،وأحكامها الإفراديَّة و التركيبَّية ومعانيها التي تحمل عليها حال التركيب، وتتمات ذلك .
فقولنا : ((علم )) :هو جنس يشمل سائر العلوم .
وقولنا : (( يبحث فيه عن كيفييةَّ النطق بألفاظ القرآن )) : هذا علمُ القراءات .
وقولنا : (( ومدلولاتها )) ، أي : مدلولاتِ تلك الألفاظ ، وهذا علمُ اللُّغة الذي يحتاج إليه في هذا العلمِ .
وقولنا : (( وأحكامها الإفرادية و التركيبية )): هذا يشمل علمَ التصريف ، وعلم الإعراب ،وعلم البيان ، وعلم البديع .
(( ومعنيها التي تحمل عليها حال التركيب )) : شمل َ بقوله : ((التي تحمل عليها )) : ما لا دلالة عليه بالحقيقة ، وما دلالته عليه بالمجاز ، فإنَّ التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ، و يصدُّ عن الحمل على الظَّاهر صادٌّ ، فيحتاج لأجل ذلك أن يحملَ على غير الظَّاهر ، وهو المجاز[10] .
وقولنا : (( وتتمات ذلك )) : هو معرفة النسخ ،وسبب النُّزول ، وقصَّة توضِّح ما انبهم في القرآن ، ونحو ذلك ))اهـ .وقد نقله عنه باختصار الكفويُّ في "الكلِّيات " (ص260) .
* و ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في " دقائق التفسير " (6/433) أن تفسير الكلام هو : بيانه و شرحه و كشف معناه ، ثم قال "فالتفسير من جنس الكلام ، يفسر الكلام بكلام يوضحه .)) اهـ .
*و قال ابن جزِّي كما في " التسهيل لعلوم التنزيل " (1/6) ، قال : (( معنى التفسير : شرح القرآن([11]) ، وبيان معناه ، و الإفصاح بما يقتضيه بنصِّه أو إشارته أو فحواه )) اهـ.
* و عرفه ابن القيم في " الصواعق المرسلة "(1/215) بقوله : (( فالتفسير : هو إبانة المعنى وإيضاحه ، قال الله تعالى : { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)} [ الفرقان : 33] .
* وعرَّفه الزركشي في موضعين من كتابه " البرهان في علوم القرآن"(1/13):فقال في الموضع الأوَّل : (( علمٌ يعرف به فهمُ كتاب الله المنزَّل على نبيه محمدٍ وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه و حِكَمِهِ )
وعرَّفه في الموضع الثاني (2/148) فقال : (( هو علم نزول الآية و سورتها وأقاصيصها و الإشارات النَّازلة فيها ،ثم ترتيب مكيِّها ومدنيِّها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصّها وعامّها ، ومطلقها و مقيدِها ، ومجملها ومفسّرها .
وزاد فيه قوم فقالوا : علم حلالها و حرامها ، ووعدها ووعيدها ،وأمرها و نهيها ، وعِبَرها وأمثالها ))اهـ .
وقال الكافيجيَّ في "التيسير في قواعد التفسير " (ص124_125) نقلاً من كلام شمس الدين الأصفهاني في " مقدمات تفسير الأصفهاني " (ص150) : ((وأمَّا التفسير في العرف ، فهو كشف معاني القرآن ، وبيان المراد)) اهـ.
والمراد من معاني القرآن أعمّ ، سواءً كانت معاني لغوية أو شرعية ، وسواءً كانت بالوضع أو بمعونة المقام و سوْقِ الكلام وبقرائن الأحوال ، نحو : السماء و الأرض و الجنّة والنّار، وغير ذلك .ونحو : الأحكام الخمسة .ونحو: خواصّ التركيب اللازمة له بوجه من الوجوه )) اهـ .
* و قال الجرجاني في " التعريفات " (ص67) : ((التفسير في الشرع :توضيح معنى الآية ، وشأنها ، وقصتها ، و السبب الذي نزلت فيه بلفظ يدل عليه دلالة ظاهرة .)) اهـ .
* و قال العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي في " مجالس في تفسير قوله تعالى : { لقد منَّ الله على المؤمنين } " : (( وعلوم القرآن كثيرة منها : علم ألفاظه و ما أريدَ به ، وهذا هو الذي يقال له : التفسير )) وقال بعد بيان معناه اللغوي : (( وأما معناه (التفسير) اصطلاحاً فهو : الكلام على أسباب نزول القرآن ، وبيان أحكامه المجملة فيه من السنة )) اهـ .
* وقال محمد الطاهر بن عاشور في " التحرير و التنوير " (1/11) : (( التفسير ...:اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن ، وما يستفيد منها ، باختصار أو بتوسُّع )) اهـ .
* و قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين في " أصول التفسير" (ص25) :(( بيان معاني القرآن الكريم )).
وقال عبد العظيم الزرقاني في " مناهل العرفان " (2/3) : (( علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية )).
* قلت: إذا أمعنت النظر وجدت أن المعنى اللغوي للتفسر يتوافق مع المعنى الإصطلاحي ، و قد استعملت في هذه التعريفات عبارات : بيان ، وكشف و إيضاح ، للتعبير عن معنى " التفسير" .
فمن خلال العرض السابق للمعنى اللغوي و ماذكره العلماء في المعنى الإصطلاحي ، يستخلص معنىً مختار يكشف عن حدِّ التفسير و مفهومه فيقال :علم التفسير" هو علم بيان القرآن الكريم " ،فما كان خارج نطاق البيان فإنَّه غير داخل في مصطلح التفسير.
* و وجه اختيار هذا التعريف دون غيره لأمور :
أولها : أن هذا المعنى منطلقٌ من الأصل اللغوي لكلمة التفسير ، وهو " البيان والكشف و الإيضاح " كما سبق .
ثانيا : أن هذا المعنى مشترك في جميع تعريفات أهل العلم الإصطلاحية السابقة ، نصًّا أو لزوماًّ ، فليس هو محلُّ خلافٍ بينهم .
ثالثاً : أن هذا القدر من التعريف هو الذي دلَّ عليه الواقع العملي عند المفسرين ، فلو استعرضنا كتب التفسير القديمة والحديثة و الموسعة والمختصرة ، يتبين اشتراكها في هذا القدر من التعريف ـ الذي هو "بيان المعنى " ـ سواء كان ببيان اللفظة أو الجملة أو المعنى العام للآية أو السورة . و الله أعلم و أحكم.
التوسع في ذكر المسائل الفقهية وغيرها ليس محلها كتب التفسير :
* ولقد أشار بعض المفسرين إلى أن التوسع في ذكر المسائل الفقهية المتعلقة بهذا الحكم الذي نصت عليه الآية محلها كتب الفقه ، وكذلك المسائل اللغوية و الصرفية والنحوية ليس محلها كتب التفسير .
قال ابن جرير الطبري في "جامعه "(11/12) عند تفسيره لقوله تعالى :{{ و من قتله منكم متعمّداً فجزاء مثل ما قتل من النَّعَمِ }} [المائدة 95] :(( و الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنَّ الله ـ تعالى ذكره ـ حرَّم قتل صيد البرِّ على كل مُحْرِمٍ في حال إحرامه ما دام مُحرما بقوله : {{ يــأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد }} [ المائدة95] ثم بين حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدا ً لقتله ، و لم يخصص به المتعمد قتله في حال نسيانه لإحرامه ، و لا المخطئ في قتله في حال ذكره إحرامه ، بل عمَّ في التنزيل ـ بإيجاب الجزاء ـ كل قاتل صيد في حال إحرامه متعمداًّ ... و أمَّا ما يلزم بالخطأ قاتله ، فقد بينا القول فيه في كتابنا : "كتاب لطيف القول في أحكام الشرائع " بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع .
وليس هذا الموضع موضع ذكره ، لأنَّ قصدنا في هذا الكتاب ، الإبانة عن تأويل التنزيل ، وليس في التنزيل للخطأ ذكرٌ ، فنذكر أحكامه )) .
و قال ابن أبي حاتم في مقدمة تفسيره (1/14) : (( سألني جماعة من إخواني إخراج تفسير القرآن مختصراً بأصح الأسانيد ، وحذف الطرق والشواهد ، والحروف و الروايات و تنزيل السور ، وأن نقصد لأخراج التفسير مجرَّداً دون غيره ، متقصِّين تفسير الآي حتى لا نترك حرفاً من القرآن يوجد له تفسير إلاَّ أخرج ذلك .)) اهـ .
و قال أبو حيَّان في " البحر المحيط " (1/32) : (( وقد تعرض المفسرون في كتبهم لحكم التسمية في الصلاة ، و ذكروا اختلاف العلماء في ذلك ، وأطالوا التفريع في ذلك ، و كذلك فعلوا في غير ما آية ، وموضع هذا كتب الفقه ، وكذلك تكلم بعضهم على التعوذ ، وعلى حكمه ، و ليس من القرآن بإجماع .
ونحن في كتابنا هذا لا نتعرض لحكم شرعي إلاَّ إذا كان لفظ القرآن يدل على ذلك الحكم ، أو يمكن استنباطه منه بوجه من وجوه الإستنباطات )) ([12]) .
و قال الشوكاني في " فتح القدير " (3/289) في مفتتح سورة الإسراء : (( و اعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير و السيوطي و غيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها ، وليس في ذلك كثير فائدة ، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث ، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام و المسجد الأقصى ، وهو بحث آخر . والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز ، وذكر أسباب النُّزول ، و بيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية ، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة .)) .اهـ
* قلت : لقد ذكر الطبري و أبو حيان ها هنا الضابط الذي يعتمد عليه في ذكر مثل هذه الأحكام ، وهو أن يكون القرآن نصَّ على الحكم الفقهي ، فإنَّهم يبيّنون هذا الحكم و لا يتوسَّعون في بيان ما يتعلَّق به من الأحكام التي لم يرد النصَّ عليها في القرآن .
فبيان الحكم الذي نصَّ عليه القرآن من التفسير ، و ما يذكر من المسائل الفقهية المتعلقة بهذا الحكم ، و لم ينص عليها القرآن فهي ليست من التفسير ، ومحلها كتب الفقه ، لأنَّ الغاية من التفسير معرفة المعنى الذي أراده الله ـ عزَّ وجلَّ ـ من كلامه ، فما تحصل به المعرفة فإنَّه بيان و تفسير ، و ما عاد ذلك ، فإنَّه توُّسع حاصل بعد هذا الفهم و البيان .
و المقصود : أنَّ ما يقع به بيان عن معنى الآية ، فإنَّه تفسير للقرآن .
قال العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ كما في شرحه لـ "مقدمة التفسير"(ص19ـ 20) عند قوله "معرفة تفسيره ومعانيه" : ((ولهذا يفسر القرآن على الناحيتين :
تفسيراً لفظياً مطابقاً للفظ فقط ، وتفسيراً معنوياً وهو ما يراد به ، ثم قد يتوافقان و قد يختلفان .
فإذا أردنا أن نجعل العطف في كلام المؤلف على التأسيس لا التوكيد ، و الترادف نقول : (( فهم القرآن )) يريد به الحِـكَم و الأسرار التـي يتضمنها ، و((معرفة تفسيره )) يعني تفسير اللفظ فقط ، ومعانيه يعني معرفة المراد به. )) اهـ .
* و من ثمَّ ، فإنَ أيَّ معلومة أو لفظة لها أثر في فهم المعنى أو تغيُّره ، فإنَّها تفسير ، أما ما كانت معرفته غير مؤثرة في معنى الآية ، فإنَّه خارج عن معنى التفسير ، وهو من باب التوسُّع في هذا العلم.و الله أعلم .)).
يتبع إن شاء الله ....
1 ـ سورة محمد [الآية29 ].
2- سور طه [الآية123 ] .
3- سورة هود [الآية17] .
4- سورة المدثر[الآية49-50] .
5- سورة طه [الآيات من 99-101] .
6- سورة طه[الآية 124] .
7ـ مقتطع من مقدمة الإمام الشنقيطي في تفسيره" أضواء البيان " (1/5-6 ).
8 ـ انظر في مادة (فسر ) كتاب العين للخليل (7/246) ،و المحيط في اللغة لابن عباد (8/311) .
9- سورة الفرقان [ الآية33] .
10- و الصحيح أن المجاز حمار المبتدعة ، وليس في كتاب الله ، وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- شيء اسمه"مجاز" ، بل يكفي في رده أنه لم يكن معروفاً عند الصحابة و لا أئمة اللغة كسيبويه والخليل و الأصمعي و ابن الأعرابي وغيرهم ، و قد رد أهل السنة على هذا الطاغوت المسمى بالمجاز ، كما تجده في " مجموع الفتاوى" (20/7،12،24،28) لشيخ الإسلام-رحمه الله- ، وهكذا في "الصواعق المرسلة" وهو في " المختصر" (2/231) لتلميذه ابن القيم-رحمه الله- ، وللإمام الشنقيطي -رحمه الله- رسالة في هذا و قد ردَّه بأدلة ساطعة تشفي الغليل –إن شاء الله -. و الله أعلم .
11 ـ قلـت : قوله ـ رحمه الله تعالى ـ " شرح القرآن " : لفظة " شرح " منع بعض العلماء إطلاقها على القرآن . قال أبو هلال العسكري كما في " الفروق اللغوية " (ص70) في الفرق بين الشرح و التفصيل : (( الشرح : بيان المشروح وإخراجه من وجه الإشكال إلى التجلِّي و الظهور ، ولهذا لا يستعمل " الشرح "في القرآن ، والتفصيل :هو ذكر ما تتضمَّنه الجملة على سبيل الإفراد ، ولهذا قال تعالى : { ثمَّ فصِّلت من لدنَّ حكيمٍ خبيرٍ }و لم يقل : شرحتْ .)) اهـ . والله أعلـم .
12 ـ و الملاحظ أن أبا حيان لم يلتزم بهذا الضابط الذي ذكره في عدم التوسع و التعرض للمسائل اللغوية و الصرفية و النحوية بل توسع فيها ، حتى خرج بها عن شرطه الذي وضعه .
2- سور طه [الآية123 ] .
3- سورة هود [الآية17] .
4- سورة المدثر[الآية49-50] .
5- سورة طه [الآيات من 99-101] .
6- سورة طه[الآية 124] .
7ـ مقتطع من مقدمة الإمام الشنقيطي في تفسيره" أضواء البيان " (1/5-6 ).
8 ـ انظر في مادة (فسر ) كتاب العين للخليل (7/246) ،و المحيط في اللغة لابن عباد (8/311) .
9- سورة الفرقان [ الآية33] .
10- و الصحيح أن المجاز حمار المبتدعة ، وليس في كتاب الله ، وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- شيء اسمه"مجاز" ، بل يكفي في رده أنه لم يكن معروفاً عند الصحابة و لا أئمة اللغة كسيبويه والخليل و الأصمعي و ابن الأعرابي وغيرهم ، و قد رد أهل السنة على هذا الطاغوت المسمى بالمجاز ، كما تجده في " مجموع الفتاوى" (20/7،12،24،28) لشيخ الإسلام-رحمه الله- ، وهكذا في "الصواعق المرسلة" وهو في " المختصر" (2/231) لتلميذه ابن القيم-رحمه الله- ، وللإمام الشنقيطي -رحمه الله- رسالة في هذا و قد ردَّه بأدلة ساطعة تشفي الغليل –إن شاء الله -. و الله أعلم .
11 ـ قلـت : قوله ـ رحمه الله تعالى ـ " شرح القرآن " : لفظة " شرح " منع بعض العلماء إطلاقها على القرآن . قال أبو هلال العسكري كما في " الفروق اللغوية " (ص70) في الفرق بين الشرح و التفصيل : (( الشرح : بيان المشروح وإخراجه من وجه الإشكال إلى التجلِّي و الظهور ، ولهذا لا يستعمل " الشرح "في القرآن ، والتفصيل :هو ذكر ما تتضمَّنه الجملة على سبيل الإفراد ، ولهذا قال تعالى : { ثمَّ فصِّلت من لدنَّ حكيمٍ خبيرٍ }و لم يقل : شرحتْ .)) اهـ . والله أعلـم .
12 ـ و الملاحظ أن أبا حيان لم يلتزم بهذا الضابط الذي ذكره في عدم التوسع و التعرض للمسائل اللغوية و الصرفية و النحوية بل توسع فيها ، حتى خرج بها عن شرطه الذي وضعه .
تعليق