ثَلاثُون فَائِدَة مِنْ حَدِيث ابن عُمر :(إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً)
بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ وَهُوَ يَأْكُلُه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً خَضْرَاء (كَالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ) (مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ) (لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ) لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلَا وَلَا وَلَا... ، تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا فَحَدِّثُونِي (أَخْبِرُونِي) مَا هِيَ ؟ .
فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، فَقَالُوا : هِيَ شَجَرَةُ كَذَا، هِيَ شَجَرَةُ كَذَا [زاد أحمد في مسنده : فَلَمْ يُصِيبُوا] .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ فَإِذَا أَنَا غُلَامٌ شَابٌّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ (أَحْدَثُهُمْ).
ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَسَكَتُّ وَاسْتَحْيَيْتُ .
ثُمَّ قَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَخْبِرْنَا بِهَا) ؟ .
فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ النَّخْلَةُ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَلَمَّا قُمْنَا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ : يَا أَبَتَاهُ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ .
فَقَالَ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا ؟ .
قَالَ : لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا .
قَالَ عُمَرُ : لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا .
الحديث رواه البخاري في صحيحة في عشر مواضع فجمعت بعضها مع بعض فخرج لنا هذا الخير.
ورواه كذلك مسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، والأوسط، وفي مكارم الأخلاق، وابن حبان في صحيحه، وعبد بن حميد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد، والطبري في تفسيره جامع البيان في تأويل القرآن، وأبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان، وأبو الشيخ الأصبهاني في أمثال الحديث، والرامهرمزي في الأمثال، وابن منده في الإيمان، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة.
فيه من الفوائد :
1. إِكْرَام الْكَبِيرِ وتوقيره وَيَبْدَأُ الْأَكْبَرُ بِالْكَلَامِ وَالسُّؤَالِ.
2. وفيه أنه لَا يُسْتَحْيَا مِنْ الْحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ.
3. وفيه بَرَكَةِ النَّخْلِ وفضله.
4. وفيه جواز أَكْلِ الْجُمَّارِ وبيعه.
5. وفيه جواز الأكل بين الطلاب والرعية.
6. وفيه جواز تجمير النخل، وأنه هذا التجمير ليس من إضاعة المال .
7. وفيه الْحَيَاء فِي الْعِلْمِ.
8. وفيه التحريض على الْفَهْم فِي الْعِلْمِ.
9. وفيه طَرْح الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ.
10. وفيه عدم الفرق بين قَوْلِ الْمُحَدِّثِ حَدَّثَنَا أوْ أَخْبَرَنَا.
11. الرد على من كره إظهار الأكل واستحب إخفاؤه قياسيا على إخفاء مخرجة.
12. وفيه الرد على من زعم أن المراد بالشجرة في الآية شجرة جوز الهند.
13. وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن.
14. وفيه أنه ينبغي إذا لم يعرف الكبار المسألة ينبغي للصغير الذي يعرفها أن يقولها.
15. وفيه سرور الإنسان بنجابة ولده وحسن فهمه .
16. وَفِيهِ الْإِشَارَة إِلَى حَقَارَة الدُّنْيَا فِي عَيْن عُمَر لِأَنَّهُ قَابَلَ فَهْم اِبْنه لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَة بِحُمْرِ النَّعَم مَعَ عِظَم مِقْدَارهَا وَغَلَاء ثَمَنهَا .
17. وفيه أن المُلَغَّز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عن السؤال.
18. وفيه أن على المُلَغِّز ينبغي له ألا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز باب يدخل منه.
19. وفيه جواز اللغز مع بيانه.
20. وفيه امتحان العالم أو الإمام أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه.
21. وفيه إجابة من عجز عن الجواب.
22. وفيه استحباب الحياة ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة.
23. وفيه ذكاء أبن عمر وفهمه السديد.
24. وفيه تَقْدِيم الصَّغِير أَبَاهُ فِي الْقَوْل ، وَأَنَّهُ لَا يُبَادِرهُ بِمَا فَهِمَهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الصَّوَاب.
25. وفيه هيبة الولد لوالده.
26. وفيه هيبة أهل العلم.
27. وفيه إشارة على أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه.
28. وفيه الرد على المشبهة.
29. وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِم الْكَبِير قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْض مَا يُدْرِكهُ مَنْ هُوَ دُونه ؛ لِأَنَّ الْعِلْم مَوَاهِب.
30. وفيه أن إجابة الطالب إجابة غير صحيحة ليس فيه حرج.
31. وفيه أَنَّ الْخَوَاطِر الَّتِي تَقَع فِي الْقَلْب مِنْ مَحَبَّة الثَّنَاء عَلَى أَعْمَال الْخَيْر لَا يَقْدَح فِيهَا إِذَا كَانَ أَصْلهَا لِلَّهِ ، وَذَلِكَ مُسْتَفَاد مِنْ تَمَنِّي عُمَر الْمَذْكُور.
32. وفيه مَا طُبِعَ الْإِنْسَان عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّة الْخَيْر لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ ، وَلِتَظْهَر فَضِيلَة الْوَلَد فِي الْفَهْم مِنْ صِغَره.
من بقيت عنده فائدة لم أذكرها فليأت بها لتتم الفائدة
كذلك من أشكلت عليه فائدة كيف ذكرتها فلينبهني لأبين له .
والحمد لله رب العالمين.