هذه نبذة من الكتاب وسيقدم للطبع بإذن الله تعالى في معرض صنعاء لهذا العام .
مقدمة المؤلف
الحَمْدُ للهِ أَهْلُ الحَمْدِ , وَوَلِيِّهِ , وَالهَادِي إِليْهِ , وَالمُثِيْبُ بِهِ , أَحْمَدُهُ بِأَرْضَى الحَمْدِ له وأزكاهُ لديهِ على تظاهرِ آلائهِ , وجميلِ بلائهِ وأسألهُ أنْ يشغلنَا بذكرهِ , ويلهجنَا بشكرهِ , ويَنفعنَا بحبِ القرآنِ واتباعِ الرسولِ عليهِ السلامِ , وحسنِ القبولِ لما أردناهُ ,ويصرفَنَا عنْ سبلِ الجائرينَ إلى سواءِ السبيلِ , وينورَ بالعلمِ قلوبنَا ,ويفتحَ بالحكمةِ أسماعنَا , ويستعملَ بالطاعةِ أبداننَا , ويجعلنَا ممن صمتَ ليسلمْ ,وقالَ ليغنمْ , وكتبَ ليعلمْ , وعلمَ ليعملْ , ونعوذُ باللهِ منْ حيرةِ الجهلِ ,وفتنةِ العلمِ ,وإفراطِ التعمقِ , وأنْ يشغلنَا التكاثرُ بالعلمِ عنْ التفقهِ فيهِ , ويقطعنَا ما وضعهُ اللهُ عنَّا عمَّا كلفنَا فيهِ , وأنْ يسلكَ بنَا إليه في غيرِ طريقهِ ويقحمنَا فيهِ منْ غيرِ بابهِ , فكمْ منْ طالبٍ حظهُ العناءُ , وضاربٍ في الأرضِ غنيمتهُ الإيابُ .( )
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ , نوجهُ رغباتنَا إليه،ِ ونخلصُ نياتنَا في التوكلِ عليهِ ، نسألهُ أنْ يجعلنَا ممنْ همهُ الصدقُ ، وبغيتهُ الحقُ ، وغرضهُ الصوابُ ، ونعوذُ باللهِ من إدعاءِ علمٍ لا نعلمهُ .
وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ , أتمَّ اللهُ بهِ النعمةَ , وَكَشَفَ بِهِ الْغُمَّةَ ، وَأَقَامَ بِهِ الْحُجَّةَ ،خاتمُ النبيينَ , وإمامُ المرسلينَ , وخليلُ ربِ العالمينَ , عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُ التسليمِ , وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَسَارَ عَلَى سُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ:فإنَّ الاشتغالَ بالعلمِ منْ أفضلِ القربِ , وأجلِ الطاعاتِ ، وأهمِ أنواعِ الخيرِ,وآكدِ العباداتِ،وأولى ما أنفقتْ فيهِ نفائسُ الأوقاتِ ، وشمَّرَ في إدراكهِ والتمكنِ فيهِ أصحابُ الأنفسِ الزكياتِ ، وبادرَ إلى الاهتمامِ بهِ المسارعونَ إلى الخيراتِ ، وسارعَ إلى التحلي بهِ مستبقُو المكرماتِ ، وقدْ تظاهرَ على ما ذكرتهُ جملٌ منْ آياتِ القرآنِ الكريماتِ ، والأحاديثِ الصحيحةِ النبويةِ المشهوراتِ . ( )
ولقدِ اختارَ اللهُ عزَّ وجلَّ رجالاً صادقينَ , وأمناءَ صالحينَ , وأئمةً مجاهدينَ جعلهمْ نبراساً لهذا الدينِ , يضيئونَ للناسِ معَالمهُ , ويذبونَ عنْ حياضهِ , جعلهمْ اللهُ أمناءَ لحفظِ دينهِ ، واختصهمْ منْ بينِ أمتهِ لحراسةِ شريعتهِ , ينفونَ عنهَا انتحالَ المبطلينَ ، وتحريفَ الغالينَ ، وتأويلَ الجاهلينَ , وكذبَ الكاذبينَ ، وخطأَ المخطئينَ ، ولوْ كانوا منَ الثقاتِ المتقنينَ .
قالَ الإمامُ محمدُ بن حاتم بن المظفر : " إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمهم وحديثهم إسناد وإنما هي صحف في أيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثقات وهذه الأمة إنما تنص الحديث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطوا حروفه ويعدوه عدا فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة نستوزع الله شكر هذه النعمة ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه ويمسكنا بطاعته إنه ولي حميد , فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ولا أخاه ولا ولده وهذا علي بن عبد الله المديني وهو إمام الحديث في عصره لا يروى عنه حرف في تقوية أبيه بل يروى عنه ضد ذلك فالحمد لله على ما وفقنا ".( )
قالَ الإمام الجليل أبو حاتمِ الرازيِّ : "لمْ يكنْ في أمةٍ منْ الأممِ منذُ خلقَ اللهُ آدمَ أمناءَ يحفظونَ آثارَ الرسلِ إلا هذهِ الأمةِ " , فقالَ رجلٌ : يَا أبَا حاتم ، ربما روُوا حديثاً لا أصلَ لهُ ولا يصحُ ؟! فقالَ : علماؤهمْ يعرفونَ الصحيحَ منَ السقيمِ ، فروايتهمْ ذلكَ للمعرفةِ ، ليتبينَ لمنْ بعدهمْ أنهمْ مَيزوا الآثارَ وحفظوهَا , ثمَ قالَ : رحمَ اللهُ أبَا زرعةَ كانَ واللهِ مجتهداً في حفظِ آثارِ رسولِ اللهِ ".( )
وقالَ عبدالله بن داود الخريبي :"سمعتُ منْ أئمتنَا,ومنْ فوقنَا أنَّ أصحابَ الحديثِ,وحملةَ العلمِ همْ أمناءُ اللهِ على دينهِ،وحفاظُ سنةَ نبيهِ ما علِمُوا ,وعَمِلُوا ".( )
وقال كهمس الهمذاني : منْ لمْ يتحققْ أنَّ أهلَ الحديثِ حفظةَ الدينِ فإنَّهُ يعدُ في ضعفاءِ المساكين الذينَ لا يدينونَ للهِ بدينٍ ! يقولُ اللهُ تعالى لنبيهِ : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ..[الزمر/23]،ويقول رسول الله >:حدثني جبرائيل عن الله ﻷ .( )
وقالَ سفيانُ الثَّوري:"الملائكةُ حراسُ السماءِ ،وأصحابُ الحديثِ حراسُ الأرضِ ".( )
وقال يزيد بن زريع : " لكل دين فرسان , وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد " .
فقاموا - رحمهم الله- خيرَ القيام بالحفاظِ على السنةِ والذبِ عنها ، فحققوا ، وفحصوا ، وميزوا الصحيح من السقيم ، والمعوج من المستقيم ، وبينوا حال كل ناقل من رواة الأخبار وحملة الآثار .
قال ابن حبان في وصف ما قاموا به :" أمعنوا في الحفظ ، وأكثروا في الكتابة ، وأفرطوا في الرحلة ، وواظبوا على السنن والمذاكرة ، والتصنيف والمدارسة ، حتى أن أحدهم لو سئل عن عدد الأحرف في السنن لكل سنة منها عدها عداً ! ، ولو زيد فيها ألف أو واو لأخرجها طوعاً ولأظهرها ديانة ، ولولاهم لدرست الآثار واضمحلت الأخبار ، وعلا أهل الضلالة والهوى ، وارتفع أهل البدع والعمى ، فهم لأهل البدع قامعون , بالسنن شأنهم جامعون دامغون ، حتى إذا قال وكيع بن الجراح : حدثنا النضر عن عكرمة ، ميزوا بين حديث النضر بن عدي الحراني وبين النضر بن عبدالرحمن الخزاز ، وأحدهما ضعيف ,والآخر ثقة ، وقد رويا جميعاً عن عكرمة ، وروى وكيع عنهما ..".( )
وقد وهب الله هذه الطائفة من المحدثين الحفظ الغزير ، والفهم السديد ، واليقظة التامة ، والهمة العالية ،و الصبر على تحمل الشدائد!
فقاموا بالرحلات الطويلة مشياً على الأقدام ،وبذلوا في ذلك كل غالٍ ونفيس ،ولم يحابوا قريباً ولا بعيداً .
قال الحاكم : " فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له , وكثرة مواظبتهم على حفظه ، لدرس منار الإسلام ،ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث , وقلب الأسانيد ".( )
وقال الخطيب البغدادي : " كم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها ، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها ، فهم الحفاظ لأركانها ، والقوامون بأمرها وشأنها ، إذا صُدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون ، أولئك حزب الله ، ألا إن حزب الله هم الغالبون ." ( )
وقال أيضاً : "ولولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها ، واستنباطها من معادنها ، والنظر في طرقها لبطلت الشريعة ، وتعطلت أحكامها ، إذ كانت مستخرجة من الآثار المحفوظة ، ومستفادة من السنن المنقولة " .( )
فاللهم اجزهم عنا خير ما جزيت به مسلماً ، واجعلنا اللهم من أتباعهم ، ومن حملة لوائهم ، وبلغنا اللهم منازلهم ، واحشرنا في زمرتهم .
هذا وإن من فروع هذا العلم أعني علم الحديث , علم العلل الذي ما انبرى له من أهل العلم إلا الجهابذة فهو كما قال الحافظ ابن حجر :" أغمض أنواع الحديث ,وأدقها مسلكا ، و لا يقوم بها إلا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا و حفظا واسعا و معرفة تامة بمراتب الرواة و ملكة قوية بالأسانيد و المتون ، و لهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن : كعلي بن المديني ، و أحمد بن حنبل ، و البخاري ، و يعقوب بن أبي شيبة ، وأبي حاتم ، و أبي زرعة ، و الدار قطني " .( )
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «ولا بدّ في هذا العلم من طول ممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدمت المذاكرة به فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين، كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد، وعلي بن المديني وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه،وفقُهتْ نفسُه فيه،وصارت له قوةُ نفسٍ وملَكةٌ، صلُح له أن يتكلّم فيه».
هذا وإن من جهابذة هذا العلم بلا نزاع , ومحققيه بلا مِراء , الإمام , العلامة , المحدث : مقبل بن هادي بن مقبل , الوادعي , اليماني , رحمه الله تعالى .
وقد تميز شيخنا العلامة الإمام مقبل الوادعي رحمه الله بكثرة خوضه في علم العلل , وإدامة النظر في الكتب المصنفة فيه , وكثرة البحث , والتفتيش , والتنقيب فقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه ’’أحاديث معلة ظاهرها الصحة ‘‘ : «فإني في بحث الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين كانت تمر بي أحاديث ظاهرها الصحة , فأجدها في كتاب آخر معلة , وربما يطلع عليها باحث من الإخوة الباحثين فيظن أنها مما يلزمني إخراجه , فأفردت لها دفتراً حتى اجتمع لدي نحو أربعمائة حديث .... ». وبعد ذلك ربما استدراك على نفسه أحاديث كان صححها وذكرها في الصحيح المسند فظهرت له علة فيتراجع عن تصحيح الحديث , ويذكره في كتابه أحاديث معلة ,وربما استدرك عليه بعض طلابه شيئا من ذلك فيتقبله بسعة صدر قلما توجد .
فهكذا تميز رحمه الله بتوقفه في تعليل الأحاديث عند كلام المتقدمين , أساطين هذا العلم , حملة الدين , وحفظة الشريعة .
ولما رأيت شخصية هذا الإمام في هذا العِلم مرموقة ، وأعين الناظرين لكتبه شاخصة , وقلوب محبيه متطلعة , ولجديد مآثره ناظرة , وما لكلامه في إعلال الأحاديث من وقع وتأثير في نفوس العلماء وطلاب العلم اخترت أن يكون موضوع بحثي , وجعلت عنوان البحث :
"منهج الإمام الوادعي في إعلال الأحاديث ".
وهو القسم الأول وأن بعون الله وتوفيقه عازم على إكمال هذا البحث بالقسم الثاني وهو منهجه الإمام الوادعي رحمه الله في تصحيح الأحاديث .
أهمية الموضوع والسبب في اختياره
لاشك عند المشتغلين بعلم الحديث النبوي ومصطلحه أهمية الكتابة في موضوع مناهج العلماء وقد رأيت كتباً في مناهج العلماء في شتى العلوم , ومنها مناهج بعض العلماء والأئمة في علوم الحديث عموماً وفي مفردات منه خصوصاً واستفدت من أغلب تلك الكتب في وضع اللبنات الأولى لهذا البحث المتواضع ومنها استنبطت خطة العمل مع تغييرات وزيادات من هنا وهناك مما يسر الله لي الوقوف عليه منها .
فانطلقت في كتاب بحث في غاية الأهمية في نظري , ألا وهو بيان منهج إمام من أئمة هذا الدين , وعلم من أعلامه , وله من هذا العلم النصيب الأوفر بشهادة علماء زمانه , وأقرانه , وطلابه , ومن قرأ أو سمع عنه ولو شيئا يسيرا .
والسبب في اختياري لهذا الموضوع يرجع إلى أمور هي:
1- تفوق الإمام الوادعي في علم الحديث عموماً , وفي علم علل الحديث خصوصاً على علماء عصره ، فقد كان من أكثر الأئمة كلاماً في إعلال الأحاديث في عصره ومن أكثرهم تحريا ونصحا للدارسين والمحققين بانتهاج هذا النهج وهو من منهج أئمتنا رحمهم الله فمن أقواله ونصائحه في ذلك قوله رحمه الله :فالذي أنصح به إخواني في الله أن يعرضوا ما كتبوه على كتب العلل، والحمد لله كتب العلل تغربل الأحاديث غربلة، وقد قال علي بن المديني -وهو كما يقول الحافظ ابن حجر: أعلم أهل عصره بعلل الحديث- يقول: الحديث إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه.والله المستعان ( ).
2- أهمية معرفة مناهج الأئمة في باب العلل ، ولقلة المعرفة لمنهاجهم اضطرب كثير(من المعاصرين)في باب التصحيح والتضعيف ، فيصححون ما هو معل وقد تتابع الأئمة على إعلاله أو تضعيفه ، أو يضعفون بعلة قد اطلع الأئمة عليها ولم يروها قادحة .
3- كون هذا الإمام الكبير مع شهرته وتقدمه في هذا العلم بين علماء عصره لم يفرد منهجه في أي باب من أبواب العلم بالدراسة ومنها هذا الباب أعني إعلال الأحاديث .
4- إيجاد خدمة علمية متينة لما أعله الإمام الوادعي وتصنيفها على أبواب وموضوعات علم المصطلح ليتيسر الإستفادة العظمى من كتابه الجليل : " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " .
وهذه الخدمة اعتبرها فهرسة علمية لخبايا وفوائد هذا الكتاب وبالتالي إثراء موضوعات المصطلح النظرية بأمثلة عملية من هذا الكتاب الذي قد يغفل عنه كثير ممن يدرس المصطلح أو يعلمه لغيره .
5- إن دراسة منهج هذا الإمام تبرز دقة هذا العلم , وما يحتاج إليه دارسه من سعة المعرفة ، فيكون في ذلك إسهام في تنبيه الباحثين المشتغلين بهذا العلم على أهمية التروي وطول النظر قبل إصدار الحكم على الأحاديث.
خطة البحث
جعلت البحث في مقدمة، وأبواب، وخاتمة.
المقدمة:وفيها بيان أهمية الموضوع،والسبب في اختياره،وذكر خطة البحث ومنهجه.
الباب الأول:التعريف بالإمام الوادعي وببعض الكتب التي ألفها
وفيه فصلان:
الفصل الأول: التعريف الموجز بالإمام الوادعي،وفيه عدة مباحث.
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وأسرته، ومولده، ونشأته.
المبحث الثاني: حياته العلمية - طلبه للعلم .
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته .
المبحث الرابع: آثاره العلمية.
المبحث الخامس:وفاته.
الفصل الثاني: التعريف ببعض الكتب التي ألفها وفيه مباحث:
المبحث الأول: كتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين :
موضوعه، وخصائصه، وقيمته .
المبحث الثاني : أحاديث معلة ظاهرها الصحة .
موضوعه، وخصائصه، وقيمته.
الباب الثاني : ذكرت فيه أهمية علم العلل , ثم مفهوم العلة والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ,وأجناس العلل وأنواعها وجاء في فصلين .
الفصل الأول : في أهمية هذا العلم ومفهوم العلة وهو في مبحثين :
المبحث الأول : أهمية علم علل الحديث .
المبحث الثاني : مفهوم العلة لغة واصطلاحا .
الفصل الثاني :في أقسام العلة وأجناسها وهو في مبحثين :
المبحث الأول : أقسام العلة .
المبحث الثاني : أجناس العلة .
الباب الثالث : إعلال الأحاديث بالطعن في رواتها، وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول: الإعلال بالطعن في الراوي بالجهالة، وفيه عدة مباحث:
المبحث الأول : الجهالة ضابطها , وأقسامها .
المبحث الثاني: نماذج من إعلال الإمام الوادعي للأحاديث بجهالة بعض رواتها.
الفصل الثاني: الإعلال بالطعن في الراوي بما يخل بعدالته، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الإعلال بالطعن في الراوي بالكذب أو التهمة به،وفيه عدة مطالب:
المطلب الأول : إثبات الوضع بالقرائن .
المطلب الثاني: نماذج مما أعله الإمام الوادعي بهذه العلة .
المبحث الثاني:الطعن في الراوي ببدعة والإعلال به عند الإمام الوادعي.
الفصل الثالث:الإعلال بالطعن في الراوي بما يخل بضبطه وفيه مباحث:
المبحث الأول: الإعلال بسوء الحفظ الملازم للراوي، وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: سوء الحفظ المطلق والإعلال به عند الإمام الوادعي.
المطلب الثاني: الحالات التي لا يعلّ بها حديث الراوي المتصف بسوء الحفظ.
المطلب الثالث: سوء الحفظ المقيد برواية الراوي عن بعض شيوخه والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الرابع: سوء الحفظ المقيد برواية الراوي عن أهل بعض البلدان والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الخامس: سوء الحفظ المقيد برواية الراوي حين يروي بالمعنى.
المبحث الثاني: الإعلال بسوء الحفظ الطارئ على الراوي .
المبحث الثالث: الإعلال بالطعن في الراوي بشدة الغفلة وعدم التيقظ.
المبحث الرابع: من حدّث في مكان لم تكن معه كتبه فوهِم، وحدّث في مكان آخر كانت معه كتبه فضبط .
المبحث الخامس: من لم يضبط أهل إقليم حديثه .
الباب الرابع : إعلال الأحاديث بما يخل باتصال أسانيدها، وفيه فصلان
الفصل الأول: ما يثبت به إتصال السند وفيه عدة مباحث :
المبحث الأول: السند , تعريفه وأهميته .
المبحث الثاني : الإتصال في اللغة والإصطلاح .
المبحث الثالث : صيغ الأداء ودلالتها .وفيه مطلبان :
المطلب الأول : الصيغ الصريحة في الإتصال .
المطلب الثاني : الصيغ المحتملة للسماع وعدمه .
المبحث الرابع : الإسناد المعنعن والإختلاف في الإحتجاج به .وفيه عدة مطالب :
المطلب الأول : تعريف العنعنة , وعلاقتها بالتدليس والإنقطاع .
المطلب الثاني : الإختلاف في الإحتجاج بالعنعنة , وحكم الألفاظ التي بمنزلتها .
المطلب الثالث : العنعنة في السند ممن ؟
الفصل الثاني: الإعلال بما يخل باتصال الأسانيد،وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الإنقطاع والإعلال به عند الإمام الوادعي :
المطلب الأول : الإرسال والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الثاني: المنقطع والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الثالث : المعضل والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الرابع: المزيد في متصل الأسانيد والإعلال به عند الإمام الوادعي
المبحث الثاني: التدليس والإعلال به عند الإمام أحمد، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالتدليس .
المطلب الثاني: وجوه الإعلال بالتدليس .
الوجه الأول: عدم تصريح المدلس بالسماع في السند.
الوجه الثاني: رواية الحديث عن الراوي المدلس من وجه آخر بالتصريح بالواسطة بينه وبين شيخه.
الوجه الثالث: أن يذكر الراوي أنه لم يسمع الحديث من شيخه الذي روى عنه.
الوجه الرابع: تنصيص الإمام على عدم سماع الراوي لحديث معين من شيخه.
الوجه الخامس: تنصيص الإمام على عدم سماع المدلس من شيخه إلا أحاديث معينة.
الوجه السادس: الإعلال بالنكارة التي سببها التدليس.
الباب الخامس: ألفاظ التعليل ومدلولاتها عند الإمام الوادعي،وفيه فصول :
الفصل الأول: لفظ النكارة ومدلوله عند الإمام الوادعي , وتحته مطالب
المطلب الأول: التعريف اللغوي للمنكر .
المطلب الثاني : تعريفات الأئمة للمنكر ومنا قشتها .
المطلب الثالث : العلاقة بين المنكر والفرد .
المطلب الرابع : العلاقة بين المنكر والشاذ .
المطلب الخامس : نماذج لما أعله الإمام الوادعي بالنكارة .
المطلب السادس : نماذج لما أعله الإمام الوادعي بالشذوذ .
المطلب السابع :موقف الإمام الوادعي من تفرد الراوي الثقة.
المطلب الثامن :موقف الإمام الوادعي من زيادات الثقات.
الفصل الثاني : الخطأ والوهم ومدلولهما عند الإمام الوادعي .
الفصل الثالث : ألفاظ الغرابة والتفرد ومدلولها عند الإمام الوادعي , وتحته عدة مباحث :
المبحث الأول: التفرد والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المبحث الثاني: الإعلال بالمخالفة عند الإمام الوادعي ,وفيه أربعة مطالب
بعد مقدمة نظرية تتضمن تعريف المخالفة وأسبابها وضابطها وصورها .
المطلب الأول: مخالفة الراوي لرواية الأحفظ.
المطلب الثاني: مخالفة الراوي لرواية الأكثر عدداً.
المطلب الثالث: إعلال حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه.
المطلب الرابع: نماذج من نقد الإمام الوادعي للمتون لمخالفتها للثابت المعروف.
الفصل الثاني: الإعلال بالعلل الخفية، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: نماذج من الأخطاء الواقعة في أحاديث الثقات، وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: أخطاء الحفاظ في الأسماء.
المطلب الثاني: أخطاء الثقات في الألفاظ.
المطلب الثالث: التصحيف.
المطلب الرابع: القلب.
المطلب الخامس: رفع الموقف ووصل المرسل.
المطلب السادس: الإدراج.
المطلب السابع: ذكر بعض القرائن يتوصل بها إلى معرفة أخطاء الثقات في الأحاديث .
كلمة شكر وتقدير
وبعد، فأحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره على ما منّ عليّ من إتمام كتابة هذه الرسالة، فله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً كما يحب ربُّنا ويرضى .
ثم انطلاقاً من قول الرسول > : "لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناسَ" , أتوجه بالشكر الجزيل والثناء الجميل وخالص الامتنان إلى فضيلة شيخي العلامة الجليل , والمحدث النبيل , الزاهد , الورع , التقي , النقي الذي لا بغي فيه ولا حسد : مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى الذي تتلمذت عليه من أول قدومي إلى هذا الصرح العلمي الشامخ –دار الحديث بدماج - واستفدت من توجيهاته , ونصحه الغالي الثمين الذي يعرفه له كل طالب علم منصف , فعليه رحمة الله , وأسكنه الفردوس .
ثم أتوجّه بالشكر إلى صاحب الفضيلة : شيخنا الشيخ الفاضل العلامة المحدث الفقيه الزاهد الورع الناصح الأمين :يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى .
فأسأل الله العلي القدير أن يجزيه عني خير الجزاء وأن يبارك له في علمه وعمره وعقبه، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين وينصر به الدين ، إنه قريب مجيب , وعلى كل شيء قدير .
ثم أسأل من الله عز وجل أن يجزي والدي الذين ربياني فأحسنا تربيتي خير الجزاء وأن يمتعني بهما ويعينني على برهما و يسكنهما جنة الفردوس .
وختاماً أسأل الله العظيم أن يكتب القبول لعملي هذا، وأن ينفع به .
الباب الأول:التعريف بالإمام الوادعي وببعض الكتب التي ألفها ،
وفيه فصلان:
الفصل الأول:
التعريف الموجز بالإمام الوادعي ، وفيه خمسة مباحث.
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته.
المبحث الثاني: حياته العلمية وأشهر شيوخه .
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته .
المبحث الرابع: آثاره العلمية
المبحث الخامس: وفاته
المبحث الأول:اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته
هو الشيخ , الزاهد , العلامة , الفقيه , المحدث , إمام عصره , شيخ الإسلام , أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي بن مقبل بن قايدة الوادعي ثم الهمداني , مات أبوه رحمه الله وهو صغير لا يعرفه فعاش يتيما وبقي في حضانة والدته رحمها الله فترة , وكانت تطلب منه أن يشتغل في المال , وتأمره أن ينظر في حال مجتمعه كي يكون مثلهم فيعرض عن ذلك ويقول لها سأذهب أدرس
فتقول له : الله يهديك , تدعو له بالهداية كما أخبرتني غير واحدة من القريبات اللاتي أدركن ذلك الحين , ولعل دعوة والدته وافقت ساعة استجابة فصار من المهتدين , وصار هادياً مهدياً , وعالما ً شهيراً نحسبه زكيا , ونشأ في بيئة ساد فيها الجهل والشرك والخرافات والغلو في أهل البيت فكان الدين كله هو حب أهل البيت ملأ ذلك حاضرها وباديها , ولم يكن أحد يعينه على الخير وعلى طلب العلم والاستقامة ,ولم يكتفوا بذلك بل زاد كبراءهم الطين بلة , فحاربوه وآذوه وأثاروا عشيرته والعوام أيما إثارة عليه وهموا بقتله .( )
المبحث الثاني: حياته العلمية , وأشهر شيوخه
إن الأحاديث النبوية ,والآثار المحمدية أصل العلوم بعد القرآن، وقاعدة الشريعة , وأركان الإيمان ، وقد ضل أقوام على مدى الأزمان، لغفلتهم عن هذا الأصل بعد القرآن , فتخبطوا في بعض البدع , والضلالات ، وما هو شر منها من الإلحاد , والشركيات، حتى أتى على الناس زمان ما كان يعرف فيه إلا التعصب لفلان , وفلان من أرباب التمذهب , وعلماء الكلام ، فقل الخير , وزاد الشر والضير.
وفي أثناء ذلك كله يبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة الدين , وما اندرس من السنن ، إلا أن اليمن مع هذا كانت لا تزال في غياهب الجهالات ، من التصوف , والاعتزال المهلكات بعد الأئمة المحدثين كمعمر , وعبد الرزاق اللذين طلبا الحديث من الآفاق ، رغم أنه كان يتخلل هذه الفترة نهضات علمية على أيدي علماء أجلاء كابن الوزير , والصنعاني , والشوكاني , وغيرهم ، إلا أن ثمرتها لم تكن كثمرة دعوة عبد الرزاق ومعمر ثم شيخنا رحمه الله .
ثم بعث الله لليمن من يجدد لها الدين , ويحيي السنن، ويذود عن سنة رسول الله ، وينفي عن الدين تحريف الغالين , وانتحال المبطلين.
فانبثق نور شع في اليمن كلها ، وتعداها إلى ما وراء البحار من بلاد العرب والعجم وغيرها من الديار ، فصار الناس بعده إلى السنن والآثار ، ونبذوا التصوف والاعتزال، والتشيع وغيرها من الأغلال.
ذلك النور هو شيخنا العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله الذي رحل إليه طلاب العلم من سائر الديار ، ينهلون من علم القرآن , والسنة , والآثار ، فأظهر الله على يده خيراً عظيماً ؛ أغاظ أهل البدع ,والأهواء,والضلالات , فأجمعوا كيدهم ,ومكرهم،لإطفاء هذا النور الذي كشف عوارهم وفضحهم ، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ، وأعادوا الكرة بعد الكرة , وفي كل مرة لا تنجح الفكرة.
ثم لجئوا بعد الإفلاس , والإملاق إلى البهت , والكذب، تشويها لسيرة الشيخ , ودعوته، واستعانوا على ذلك بفئات من أهل الدنيا , والتحزبات، فقام الشيخ بالخطب , والمحاضرات ، تبييناً لسبيل الدعوة , ونقضاً للافتراءات ، ثم ألف كتابه هذه دعوتنا , وعقيدتنا، فبين فيه سبيل الدعوة المباركة ، وتضمن الكتاب ذكر ما ألفه طلبة العلم , وعلى رأسهم شيخنا رحمه الله .
وقد وفق شيخنا رحمه الله توفيقاً عظيماً، ووضع الله فيه بركةً جمة ، فمع أنه نشأ يتيماً في حجر أم تنهاه عن العلم ، وترغبه في الدنيا - نسأل الله أن يغفر لها وله - ومع ترعرعه في بيئة زيدية طغى عليها الجهل ، حتى أنه ليحرم فيها القبيلي من أمثال الشيخ من إتقان القراءة والكتابة، ويعاب عليه ذلك فضلاً عن طلب العلم، ومع طلبه المتأخر للعلم الشرعي - فقد طلب العلم في أرض الحرمين , وعمره خمسة وثلاثون عاما تقريباً، ومع هذا قيض الله على يديه خيراً كبيراً بالمقارنة مع بعض الأئمة المعاصرين الذين نشئوا في أول أمرهم في بيئة علمية - ، ومع تكالب الأعداء عليه من كل مكان، ومع حالته الصحية المتردية.
مع كل هذا وذاك فقد أقام الله به اليمن دعوة ملأت الأرجاء في غضون عشرين سنة، لا تكاد تسمع لهذه الدعوة نظيراً في اليمن بعد عصر الإمامين معمر وعبد الرزاق.
ومع انشغاله رحمه الله بالدعوة والتدريس ورّث الأمة أكثر من خمسين مؤلفا منه "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين"، الذي يساوي وحده الدنيا بأسرها، إذ هو تتمة للصحيحين .( )
دراسته ومشايخه :
يقول الشيخ : درست في المكتب حتى انتهيت من منهج المكتب، ثم ضاع من العمر ما شاء الله في غير طلب علم، لأنه ما كان هناك من يرغب أو يساعد على طلب العلم، وكنت محباً لطلب العلم، وطلبت العلم في جامع الهادي فلم أساعد على طلب العلم، وبعد زمن اغتربت إلى أرض الحرمين ونجد، فكنت أسمع الواعظين ويعجبني وعظهم، فاستنصحت بعض الواعظين ما هي الكتب المفيدة حتى أشتريها؟ فأرشد إلى "صحيح البخاري"، "وبلوغ المرام"، و"رياض الصالحين"، و"فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"، وأعطاني نسيخات من مقررات التوحيد، وكنت حارساً في عمارة الحجون بمكة، فعكفت على تلك الكتب، وكانت تعلق بالذهن لأن العمل في بلدنا على خلاف ما فيها، خصوصا "فتح المجيد" .
وبعد مدة من الزمن رجعت إلى بلدي أنكر كل ما رأيته يخالف ما في تلك الكتب من الذبح لغير الله، وبناء القباب على الأموات، ونداء الأموات، فبلغ الشيعة ذلك، فأنكروا ما أنا عليه، فقائل يقول منهم: من بدل دينه فاقتلوه، وآخر يرسل إلى أقربائي يقول إن لم تمنعوه فسنسجنه، وبعد ذلك قرروا أن يدخلوني "جامع الهادي" من أجل الدراسة عندهم لإزالة الشبهات التي قد علقت بقلبي، ويدندن بعضهم بقول الشاعر:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وبعد ذلك دخلت للدراسة عندهم في جامع الهادي ومدير الدراسة القاضي (مطهر حنش)، فدرست في "العقد الثمين"، وفي "الثلاثين المسألة وشرحها" لحابس، ومن الذين درسونا فيها (محمد بن حسن المتميز) وكنا في مسألة الرؤية فصار يسخر من ابن خزيمة , وغيره من أئمة أهل السنة، وأنا أكتم عقيدتي، إلا أني ضعفت عن وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة وأرسلت يدي ، ودرسنا في "متن الأزهار" إلى النكاح مفهوما ومنطوقا، وفي شرح الفرائض كتاب ضخم فوق مستوانا فلم أستفد منه.
فلما رأيت الكتب المدرَّسة غير مفيدة، حاشا النحو فإني درست عندهم "الآجرومية" ,و"قطر الندى"،ثم طلبت من القاضي (قاسم بن يحي شويل) أن يدرسني في "بلوغ المرام"، وأنكر علينا ذلك ثم تركنا، فلما رأيت أن الكتب المقررة شيعية معتزلية قررت الإقبال على النحو فدرست "قطر الندى" مراراً على (إسماعيل حطبة) رحمه الله في المسجد الذي أسكن فيه ويصلي فيه وكان يهتم بنا غاية الاهتمام، وفي ذات مرة أتى إلى المسجد (محمد بن حورية) فنصحته أن يترك التنجيم فنصحهم أن يطردوني من الدراسة، فشفعوا لي عنده وسكت، وكان يمر بنا بعض الشيعة ونحن ندرس في "القطر" ويقول: (قبيلي صبن غرارة) بمعنى أن التعليم لا يؤثر في وأنا أسكت وأستفيد في النحوحتى قامت الثورة ,وتركنا البلاد ,ونزلنا إلى نجران ولازمت (أبا الحسين مجد الدين المؤيد), واستفدت منه خصوصاً في اللغة العربية , ومكثت بنجران قدر سنتين، فلما تأكدت أن الحرب بين الجمهورية والملكية لأجل الدنيا عزمت على الرحلة إلى الحرمين ونجد، وسكنت بنجد قدر شهر ونصف في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للشيخ (محمد بن سنان الحدائي) حفظه الله، ولقد كان مكرماً لي لما رأى من استفادتي وينصحني بالاستمرار مدة حتى يرسلني إلى (الجامعة الإسلامية)، فتغير علي الجو بالرياض، وعزمت على السفر إلى مكة، فكنت أشتغل إن وجدت شغلاً، وأطلب العلم في الليل أحضر دروس الشيخ(يحي بن عثمان الباكستاني) في "تفسير ابن كثير"، والبخاري، ومسلم.
وأطالع في الكتب والتقيت بشيخين فاضلين:
أحدهما: القاضي (يحي الأشول) صاحب معمرة، فكنت أدرس عنده في "سبل السلام" للصنعاني ويدرسني في أي شيء أطلب منه.
الثاني: الشيخ (عبد الرزاق الشاحذي المحويتي) وكان أيضا يدرسني فيما أطلب منه.
ثم فتح معهد الحرم المكي , وتقدمت للاختبار مع مجموعة من طلبة العلم، فنجحت والحمد لله، وكان من أبرز مشايخنا فيه الشيخ (عبد العزيز السبيل)، ودرست مع بعض طلبة المعهد عند الشيخ (عبد الله بن حميد) رحمه الله في "التحفة السنية" بعد العشاء في الحرم، فكان رحمه الله يأتي بفوائد من "شرح ابن عقيل" وغيره، وكانت فوق مستوى زملائي فتملصوا، فترك رحمه الله الدرس ,ودرست مع مجموعة من الطلاب عند الشيخ (محمد السبيل) حفظه الله شيئاً من الفرائض.
وبعد الخروج من المعهد خرجت للإتيان بأهلي من نجران فأتيت بهم وسكنا بمكة مدة الدراسة في المعهد ست سنين والدراسة في الحرم نفسه، وبركة دراسة المساجد معلومة، ولا تسأل عن أنس وراحة كنا فيها، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده".
النهار في دراسة المعهد، والدروس كلها تخدم العقيدة والدين، ومن بعد العصر إلى بعد العشاء في الحرم نشرب من ماء زمزم الذي قال النبي فيه: "إنه طعام طعم وشفاء سقم" , ونسمع من الواعظين القادمين من الآفاق لأداء حج أو عمرة.
ومن المدرسين في الحرم بين مغرب وعشاء الشيخ (عبد العزيز بن راشد النجدي) صاحب "تيسير الوحيين في الاقتصار على القرآن والصحيحين" , وله فيه أخطاء لا نوافقه عليها , وكان رحمه الله يقول : الصحيح في غير الصحيحين يعد على الأصابع , فبقيت كلمته في ذهني منكراً لها حتى عزمت على تأليف " الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين " فازددت يقيناً ببطلان كلامه رحمه الله , وكان رحمه الله رجل التوحيد , وله معرفة قوية بعلم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه , ومعلوله من سليمه ...
ومن مشايخي في الحرم المكي الذين استفدت منهم الشيخ (محمد بن عبد الله الصومالي) فقد حضرت عنده حوالي سبعة أشهر أو أكثر، وكان رحمه الله آية في معرفة رجال الشيخين، ومنه استفدت كثيراً في علم الحديث، على إني بحمد ربي من ابتدائي في الطلب لا أحب إلا علم الكتاب والسنة.
وبعد الانتهاء من معهد الحرم من المتوسط والثانوية، وكل الدروس دينية، انتقلنا إلى المدينة إلى الجامعة الإسلامية، فحول أكثرنا إلى كلية الدعوة وأصول الدين، وأبرز من درسنا فيها الشيخ (السيد محمد الحكيم) والشيخ (محمود عبد الوهاب فائد) المصريان.
وعند إن جاءت العطلة خشيت من ذهاب الوقت وضياعه فانتسبت في كلية الشريعة، لأمرين: أحدهم: التزود من العلم، الثاني: إن الدروس متقاربة , وبعضها متحدة، فهي تعتبر مراجعة لما درسناه في كلية الدعوة وانتهيت بحمد الله من الكليتين، وأعطيت شهادتين وأنا بحمد الله لا أبالي بالشهادات، المعتبر عندي هو العلم.
وفي عام انتهائنا من الكليتين فتحت في الجامعة دراسة عالية ما يسمونه بالماجستير، فتقدمت لأخبار المقابلة ونجحت بحمد الله وهي تخصص في علم الحديث، وبحمد الله حصلت الفائدة التي أحبها، وكان من أبرز من درسنا الشيخ (محمد أمين المصري) رحمه الله، والشيخ (السيد محمد الحكيم المصري) وفي آخرها الشيخ (حماد بن محمد الانصاري) وكنت أحضر بعض الليالي درس الشيخ (عبد العزيز بن باز) في الحرم المدني في صحيح مسلم، وأحضر كذلك مع الشيخ (الألباني) في جلساته الخاصة بطلبة العلم للاستفادة.
ومنذ كنت في الحرم المكي وأنا أدرس بعض طلبة العلم في "قطر الندى" وفي "التحفة السنية"، وعند أن كنت بالمدينة كنت أدرس بعض إخواني بالحرم المدني في "التحفة السنية" ثم وعدت إخواني في الله بدروس في بيتي بعد العصر في "جامع الترمذي"، و"قطر الندى"، و"الباعث الحثيث"، وانتشرت دعوة كبيرة من المدينة ملأت الدنيا في مدة ست سنوات، بعض أهل الخير هم الذين يسعون في تمويلها، و(مقبل بن هادي) وبعض إخوانه هم الذين يقومون بتعليم إخوانهم، وأما الرحلات للدعوة إلى الله في جميع أنحاء المملكة فمشتركة بين الإخوان كلهم، طالب العلم للتزود من العلم ولإفادة الآخرين، والعامي للتعلم، حتى استفاد كثير من العامة وأحبوا الدعوة.
ولما وصلت إلى اليمن عدت إلى قريتي ومكثت بها أعلم الأولاد القرآن، فما شعرت إلا بتكالب الدنيا عليَّ، فكأني خرجت لخراب البلاد والدين والحكم، وأنا آنذاك لا أعرف مسئولا , ولا شيخ قبيلة فأقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وإذا ضقت أذهب إلى صنعاء أو إلى حاشد، أو إلى ذمار، وهكذا إلى تعز و إب والحديدة، دعوة وزيارة للإخوان في الله.
وبعد هذا مكثت في مكتبتي - بعد مشقة ومساعدة بعض الإخوان في استردادها - وما هي إلا أيام وفتحت دروساً مع بعض الإخوة المصريين في بعض كتب الحديث وبعض كتب اللغة، وبعد هذا مازال طلبة العلم يفدون من مصر، ومن الكويت ومن أرض الحرمين ونجد... وكثير من البلاد الإسلامية وغيره. ( )
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته
أولا : إمامته :
لا يشك منصف أن الإمام العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله من العلماء الراسخين الذين أفتوا أعمارهم في العلم والتعليم , ولا شك في إمامته في جميع فنون العلم , في العقيدة , و التفسير , والحديث , والفقه , واللغة , وغيرها من العلوم و يشهد لتبحره وتفننه كتبه المتنوعة في جميع هذه الأبواب , وسيأتي بيانها في فصل خاص .
ثانيا : مكانته :
كان شيخنا رحمه الله شغوفا ومحبا للعلم عامة وعلم الحديث خاصة وقد وهب نفسه رحمه الله للعلم والتعليم فأحيا الله به أمة وخلقا كثيرا وأحيا العلم مذاكرة وعلما وتعليما وتأليفا ودعوة إلى الله سفرا وحضرا فكانت مكانته في النفوس عالية , ومنزلته مرموقة .
* مكانته في علم العلل خاصة :
لا يخفى أن علم العلل من العلوم الدقيقة التي لم يتخرج منها ويبرز فيها إلا جهابذة النقاد كما في كثير من أقوالهم حول هذه العبارة , وشيخنا رحمه الله نادرة من نوادر هذا العلم في زمنه رحمه الله , ولا يزال طلابه ومحبيه وممن يعكف على كتبه يغترفون من جهوده وعلومه التي أبرزها ويتتلمذون على طريقته التي انتهجها , تلك الطريق التي لا تخالف سير الأئمة المتقدمين الذين هم نوادر هذا العلم .
يقول الشيخ : وإنني أحمد الله فبسبب كثرة الممارسة لهذا الفن في الكتابة على تتبع الدارقطني واستدراكه على البخاري ومسلم وهو من كتب العلل فقد سهلت عليَّ بعض الشيء ، ومع هذا فلا أزال أهاب هذا الفن , وكتابي " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " أغلبها نقل من كتب علمائنا رحمهم الله . ( )
ويقول في بيان منهج تصحيحه وتعليله:"قاعدتي في الحكم على الحـديث أنّني أبحث في كتـب المحدثين، فإن وجدت حكمًا لمحدث نقلته، ثم نظرت في رجال السّند فإن ظهر لي خلاف ذلك الحكم من تصحيح ,أو تضعيـف, عقّبت به على حكمه، وإلا أقررته كما هو، وأعتقد أنّ هذه الطريقـة أسلم، فقد يظن الـباحث أنّ السنـد صحيح , ويكون قد اطلع العلماء على عـلّة فيه، وقد يصححه متسـاهل، فيتناقله من بعده معتمدين على تصحيحه،من أجـل هـذا ألزمت نفسي بالجمع بين البحث عمّا قاله العلمـاء،والنظر في السـند،وأيضًا النـّاس يطمئنون إلى تصحيح المتقدمين لعلمهم أنّهم أوسع علمًا من المتأخرين فإذا لم أجد لهم كلامًا حكمت على الحديث بظاهر السّند.( )
مقدمة المؤلف
الحَمْدُ للهِ أَهْلُ الحَمْدِ , وَوَلِيِّهِ , وَالهَادِي إِليْهِ , وَالمُثِيْبُ بِهِ , أَحْمَدُهُ بِأَرْضَى الحَمْدِ له وأزكاهُ لديهِ على تظاهرِ آلائهِ , وجميلِ بلائهِ وأسألهُ أنْ يشغلنَا بذكرهِ , ويلهجنَا بشكرهِ , ويَنفعنَا بحبِ القرآنِ واتباعِ الرسولِ عليهِ السلامِ , وحسنِ القبولِ لما أردناهُ ,ويصرفَنَا عنْ سبلِ الجائرينَ إلى سواءِ السبيلِ , وينورَ بالعلمِ قلوبنَا ,ويفتحَ بالحكمةِ أسماعنَا , ويستعملَ بالطاعةِ أبداننَا , ويجعلنَا ممن صمتَ ليسلمْ ,وقالَ ليغنمْ , وكتبَ ليعلمْ , وعلمَ ليعملْ , ونعوذُ باللهِ منْ حيرةِ الجهلِ ,وفتنةِ العلمِ ,وإفراطِ التعمقِ , وأنْ يشغلنَا التكاثرُ بالعلمِ عنْ التفقهِ فيهِ , ويقطعنَا ما وضعهُ اللهُ عنَّا عمَّا كلفنَا فيهِ , وأنْ يسلكَ بنَا إليه في غيرِ طريقهِ ويقحمنَا فيهِ منْ غيرِ بابهِ , فكمْ منْ طالبٍ حظهُ العناءُ , وضاربٍ في الأرضِ غنيمتهُ الإيابُ .( )
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ , نوجهُ رغباتنَا إليه،ِ ونخلصُ نياتنَا في التوكلِ عليهِ ، نسألهُ أنْ يجعلنَا ممنْ همهُ الصدقُ ، وبغيتهُ الحقُ ، وغرضهُ الصوابُ ، ونعوذُ باللهِ من إدعاءِ علمٍ لا نعلمهُ .
وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ , أتمَّ اللهُ بهِ النعمةَ , وَكَشَفَ بِهِ الْغُمَّةَ ، وَأَقَامَ بِهِ الْحُجَّةَ ،خاتمُ النبيينَ , وإمامُ المرسلينَ , وخليلُ ربِ العالمينَ , عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتمُ التسليمِ , وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَسَارَ عَلَى سُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ:فإنَّ الاشتغالَ بالعلمِ منْ أفضلِ القربِ , وأجلِ الطاعاتِ ، وأهمِ أنواعِ الخيرِ,وآكدِ العباداتِ،وأولى ما أنفقتْ فيهِ نفائسُ الأوقاتِ ، وشمَّرَ في إدراكهِ والتمكنِ فيهِ أصحابُ الأنفسِ الزكياتِ ، وبادرَ إلى الاهتمامِ بهِ المسارعونَ إلى الخيراتِ ، وسارعَ إلى التحلي بهِ مستبقُو المكرماتِ ، وقدْ تظاهرَ على ما ذكرتهُ جملٌ منْ آياتِ القرآنِ الكريماتِ ، والأحاديثِ الصحيحةِ النبويةِ المشهوراتِ . ( )
ولقدِ اختارَ اللهُ عزَّ وجلَّ رجالاً صادقينَ , وأمناءَ صالحينَ , وأئمةً مجاهدينَ جعلهمْ نبراساً لهذا الدينِ , يضيئونَ للناسِ معَالمهُ , ويذبونَ عنْ حياضهِ , جعلهمْ اللهُ أمناءَ لحفظِ دينهِ ، واختصهمْ منْ بينِ أمتهِ لحراسةِ شريعتهِ , ينفونَ عنهَا انتحالَ المبطلينَ ، وتحريفَ الغالينَ ، وتأويلَ الجاهلينَ , وكذبَ الكاذبينَ ، وخطأَ المخطئينَ ، ولوْ كانوا منَ الثقاتِ المتقنينَ .
قالَ الإمامُ محمدُ بن حاتم بن المظفر : " إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمهم وحديثهم إسناد وإنما هي صحف في أيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثقات وهذه الأمة إنما تنص الحديث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطوا حروفه ويعدوه عدا فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة نستوزع الله شكر هذه النعمة ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه ويمسكنا بطاعته إنه ولي حميد , فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ولا أخاه ولا ولده وهذا علي بن عبد الله المديني وهو إمام الحديث في عصره لا يروى عنه حرف في تقوية أبيه بل يروى عنه ضد ذلك فالحمد لله على ما وفقنا ".( )
قالَ الإمام الجليل أبو حاتمِ الرازيِّ : "لمْ يكنْ في أمةٍ منْ الأممِ منذُ خلقَ اللهُ آدمَ أمناءَ يحفظونَ آثارَ الرسلِ إلا هذهِ الأمةِ " , فقالَ رجلٌ : يَا أبَا حاتم ، ربما روُوا حديثاً لا أصلَ لهُ ولا يصحُ ؟! فقالَ : علماؤهمْ يعرفونَ الصحيحَ منَ السقيمِ ، فروايتهمْ ذلكَ للمعرفةِ ، ليتبينَ لمنْ بعدهمْ أنهمْ مَيزوا الآثارَ وحفظوهَا , ثمَ قالَ : رحمَ اللهُ أبَا زرعةَ كانَ واللهِ مجتهداً في حفظِ آثارِ رسولِ اللهِ ".( )
وقالَ عبدالله بن داود الخريبي :"سمعتُ منْ أئمتنَا,ومنْ فوقنَا أنَّ أصحابَ الحديثِ,وحملةَ العلمِ همْ أمناءُ اللهِ على دينهِ،وحفاظُ سنةَ نبيهِ ما علِمُوا ,وعَمِلُوا ".( )
وقال كهمس الهمذاني : منْ لمْ يتحققْ أنَّ أهلَ الحديثِ حفظةَ الدينِ فإنَّهُ يعدُ في ضعفاءِ المساكين الذينَ لا يدينونَ للهِ بدينٍ ! يقولُ اللهُ تعالى لنبيهِ : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ..[الزمر/23]،ويقول رسول الله >:حدثني جبرائيل عن الله ﻷ .( )
وقالَ سفيانُ الثَّوري:"الملائكةُ حراسُ السماءِ ،وأصحابُ الحديثِ حراسُ الأرضِ ".( )
وقال يزيد بن زريع : " لكل دين فرسان , وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد " .
فقاموا - رحمهم الله- خيرَ القيام بالحفاظِ على السنةِ والذبِ عنها ، فحققوا ، وفحصوا ، وميزوا الصحيح من السقيم ، والمعوج من المستقيم ، وبينوا حال كل ناقل من رواة الأخبار وحملة الآثار .
قال ابن حبان في وصف ما قاموا به :" أمعنوا في الحفظ ، وأكثروا في الكتابة ، وأفرطوا في الرحلة ، وواظبوا على السنن والمذاكرة ، والتصنيف والمدارسة ، حتى أن أحدهم لو سئل عن عدد الأحرف في السنن لكل سنة منها عدها عداً ! ، ولو زيد فيها ألف أو واو لأخرجها طوعاً ولأظهرها ديانة ، ولولاهم لدرست الآثار واضمحلت الأخبار ، وعلا أهل الضلالة والهوى ، وارتفع أهل البدع والعمى ، فهم لأهل البدع قامعون , بالسنن شأنهم جامعون دامغون ، حتى إذا قال وكيع بن الجراح : حدثنا النضر عن عكرمة ، ميزوا بين حديث النضر بن عدي الحراني وبين النضر بن عبدالرحمن الخزاز ، وأحدهما ضعيف ,والآخر ثقة ، وقد رويا جميعاً عن عكرمة ، وروى وكيع عنهما ..".( )
وقد وهب الله هذه الطائفة من المحدثين الحفظ الغزير ، والفهم السديد ، واليقظة التامة ، والهمة العالية ،و الصبر على تحمل الشدائد!
فقاموا بالرحلات الطويلة مشياً على الأقدام ،وبذلوا في ذلك كل غالٍ ونفيس ،ولم يحابوا قريباً ولا بعيداً .
قال الحاكم : " فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له , وكثرة مواظبتهم على حفظه ، لدرس منار الإسلام ،ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث , وقلب الأسانيد ".( )
وقال الخطيب البغدادي : " كم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها ، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها ، فهم الحفاظ لأركانها ، والقوامون بأمرها وشأنها ، إذا صُدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون ، أولئك حزب الله ، ألا إن حزب الله هم الغالبون ." ( )
وقال أيضاً : "ولولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها ، واستنباطها من معادنها ، والنظر في طرقها لبطلت الشريعة ، وتعطلت أحكامها ، إذ كانت مستخرجة من الآثار المحفوظة ، ومستفادة من السنن المنقولة " .( )
فاللهم اجزهم عنا خير ما جزيت به مسلماً ، واجعلنا اللهم من أتباعهم ، ومن حملة لوائهم ، وبلغنا اللهم منازلهم ، واحشرنا في زمرتهم .
هذا وإن من فروع هذا العلم أعني علم الحديث , علم العلل الذي ما انبرى له من أهل العلم إلا الجهابذة فهو كما قال الحافظ ابن حجر :" أغمض أنواع الحديث ,وأدقها مسلكا ، و لا يقوم بها إلا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا و حفظا واسعا و معرفة تامة بمراتب الرواة و ملكة قوية بالأسانيد و المتون ، و لهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن : كعلي بن المديني ، و أحمد بن حنبل ، و البخاري ، و يعقوب بن أبي شيبة ، وأبي حاتم ، و أبي زرعة ، و الدار قطني " .( )
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «ولا بدّ في هذا العلم من طول ممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدمت المذاكرة به فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين، كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد، وعلي بن المديني وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه،وفقُهتْ نفسُه فيه،وصارت له قوةُ نفسٍ وملَكةٌ، صلُح له أن يتكلّم فيه».
هذا وإن من جهابذة هذا العلم بلا نزاع , ومحققيه بلا مِراء , الإمام , العلامة , المحدث : مقبل بن هادي بن مقبل , الوادعي , اليماني , رحمه الله تعالى .
وقد تميز شيخنا العلامة الإمام مقبل الوادعي رحمه الله بكثرة خوضه في علم العلل , وإدامة النظر في الكتب المصنفة فيه , وكثرة البحث , والتفتيش , والتنقيب فقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه ’’أحاديث معلة ظاهرها الصحة ‘‘ : «فإني في بحث الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين كانت تمر بي أحاديث ظاهرها الصحة , فأجدها في كتاب آخر معلة , وربما يطلع عليها باحث من الإخوة الباحثين فيظن أنها مما يلزمني إخراجه , فأفردت لها دفتراً حتى اجتمع لدي نحو أربعمائة حديث .... ». وبعد ذلك ربما استدراك على نفسه أحاديث كان صححها وذكرها في الصحيح المسند فظهرت له علة فيتراجع عن تصحيح الحديث , ويذكره في كتابه أحاديث معلة ,وربما استدرك عليه بعض طلابه شيئا من ذلك فيتقبله بسعة صدر قلما توجد .
فهكذا تميز رحمه الله بتوقفه في تعليل الأحاديث عند كلام المتقدمين , أساطين هذا العلم , حملة الدين , وحفظة الشريعة .
ولما رأيت شخصية هذا الإمام في هذا العِلم مرموقة ، وأعين الناظرين لكتبه شاخصة , وقلوب محبيه متطلعة , ولجديد مآثره ناظرة , وما لكلامه في إعلال الأحاديث من وقع وتأثير في نفوس العلماء وطلاب العلم اخترت أن يكون موضوع بحثي , وجعلت عنوان البحث :
"منهج الإمام الوادعي في إعلال الأحاديث ".
وهو القسم الأول وأن بعون الله وتوفيقه عازم على إكمال هذا البحث بالقسم الثاني وهو منهجه الإمام الوادعي رحمه الله في تصحيح الأحاديث .
أهمية الموضوع والسبب في اختياره
لاشك عند المشتغلين بعلم الحديث النبوي ومصطلحه أهمية الكتابة في موضوع مناهج العلماء وقد رأيت كتباً في مناهج العلماء في شتى العلوم , ومنها مناهج بعض العلماء والأئمة في علوم الحديث عموماً وفي مفردات منه خصوصاً واستفدت من أغلب تلك الكتب في وضع اللبنات الأولى لهذا البحث المتواضع ومنها استنبطت خطة العمل مع تغييرات وزيادات من هنا وهناك مما يسر الله لي الوقوف عليه منها .
فانطلقت في كتاب بحث في غاية الأهمية في نظري , ألا وهو بيان منهج إمام من أئمة هذا الدين , وعلم من أعلامه , وله من هذا العلم النصيب الأوفر بشهادة علماء زمانه , وأقرانه , وطلابه , ومن قرأ أو سمع عنه ولو شيئا يسيرا .
والسبب في اختياري لهذا الموضوع يرجع إلى أمور هي:
1- تفوق الإمام الوادعي في علم الحديث عموماً , وفي علم علل الحديث خصوصاً على علماء عصره ، فقد كان من أكثر الأئمة كلاماً في إعلال الأحاديث في عصره ومن أكثرهم تحريا ونصحا للدارسين والمحققين بانتهاج هذا النهج وهو من منهج أئمتنا رحمهم الله فمن أقواله ونصائحه في ذلك قوله رحمه الله :فالذي أنصح به إخواني في الله أن يعرضوا ما كتبوه على كتب العلل، والحمد لله كتب العلل تغربل الأحاديث غربلة، وقد قال علي بن المديني -وهو كما يقول الحافظ ابن حجر: أعلم أهل عصره بعلل الحديث- يقول: الحديث إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه.والله المستعان ( ).
2- أهمية معرفة مناهج الأئمة في باب العلل ، ولقلة المعرفة لمنهاجهم اضطرب كثير(من المعاصرين)في باب التصحيح والتضعيف ، فيصححون ما هو معل وقد تتابع الأئمة على إعلاله أو تضعيفه ، أو يضعفون بعلة قد اطلع الأئمة عليها ولم يروها قادحة .
3- كون هذا الإمام الكبير مع شهرته وتقدمه في هذا العلم بين علماء عصره لم يفرد منهجه في أي باب من أبواب العلم بالدراسة ومنها هذا الباب أعني إعلال الأحاديث .
4- إيجاد خدمة علمية متينة لما أعله الإمام الوادعي وتصنيفها على أبواب وموضوعات علم المصطلح ليتيسر الإستفادة العظمى من كتابه الجليل : " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " .
وهذه الخدمة اعتبرها فهرسة علمية لخبايا وفوائد هذا الكتاب وبالتالي إثراء موضوعات المصطلح النظرية بأمثلة عملية من هذا الكتاب الذي قد يغفل عنه كثير ممن يدرس المصطلح أو يعلمه لغيره .
5- إن دراسة منهج هذا الإمام تبرز دقة هذا العلم , وما يحتاج إليه دارسه من سعة المعرفة ، فيكون في ذلك إسهام في تنبيه الباحثين المشتغلين بهذا العلم على أهمية التروي وطول النظر قبل إصدار الحكم على الأحاديث.
خطة البحث
جعلت البحث في مقدمة، وأبواب، وخاتمة.
المقدمة:وفيها بيان أهمية الموضوع،والسبب في اختياره،وذكر خطة البحث ومنهجه.
الباب الأول:التعريف بالإمام الوادعي وببعض الكتب التي ألفها
وفيه فصلان:
الفصل الأول: التعريف الموجز بالإمام الوادعي،وفيه عدة مباحث.
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وأسرته، ومولده، ونشأته.
المبحث الثاني: حياته العلمية - طلبه للعلم .
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته .
المبحث الرابع: آثاره العلمية.
المبحث الخامس:وفاته.
الفصل الثاني: التعريف ببعض الكتب التي ألفها وفيه مباحث:
المبحث الأول: كتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين :
موضوعه، وخصائصه، وقيمته .
المبحث الثاني : أحاديث معلة ظاهرها الصحة .
موضوعه، وخصائصه، وقيمته.
الباب الثاني : ذكرت فيه أهمية علم العلل , ثم مفهوم العلة والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ,وأجناس العلل وأنواعها وجاء في فصلين .
الفصل الأول : في أهمية هذا العلم ومفهوم العلة وهو في مبحثين :
المبحث الأول : أهمية علم علل الحديث .
المبحث الثاني : مفهوم العلة لغة واصطلاحا .
الفصل الثاني :في أقسام العلة وأجناسها وهو في مبحثين :
المبحث الأول : أقسام العلة .
المبحث الثاني : أجناس العلة .
الباب الثالث : إعلال الأحاديث بالطعن في رواتها، وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول: الإعلال بالطعن في الراوي بالجهالة، وفيه عدة مباحث:
المبحث الأول : الجهالة ضابطها , وأقسامها .
المبحث الثاني: نماذج من إعلال الإمام الوادعي للأحاديث بجهالة بعض رواتها.
الفصل الثاني: الإعلال بالطعن في الراوي بما يخل بعدالته، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الإعلال بالطعن في الراوي بالكذب أو التهمة به،وفيه عدة مطالب:
المطلب الأول : إثبات الوضع بالقرائن .
المطلب الثاني: نماذج مما أعله الإمام الوادعي بهذه العلة .
المبحث الثاني:الطعن في الراوي ببدعة والإعلال به عند الإمام الوادعي.
الفصل الثالث:الإعلال بالطعن في الراوي بما يخل بضبطه وفيه مباحث:
المبحث الأول: الإعلال بسوء الحفظ الملازم للراوي، وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: سوء الحفظ المطلق والإعلال به عند الإمام الوادعي.
المطلب الثاني: الحالات التي لا يعلّ بها حديث الراوي المتصف بسوء الحفظ.
المطلب الثالث: سوء الحفظ المقيد برواية الراوي عن بعض شيوخه والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الرابع: سوء الحفظ المقيد برواية الراوي عن أهل بعض البلدان والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الخامس: سوء الحفظ المقيد برواية الراوي حين يروي بالمعنى.
المبحث الثاني: الإعلال بسوء الحفظ الطارئ على الراوي .
المبحث الثالث: الإعلال بالطعن في الراوي بشدة الغفلة وعدم التيقظ.
المبحث الرابع: من حدّث في مكان لم تكن معه كتبه فوهِم، وحدّث في مكان آخر كانت معه كتبه فضبط .
المبحث الخامس: من لم يضبط أهل إقليم حديثه .
الباب الرابع : إعلال الأحاديث بما يخل باتصال أسانيدها، وفيه فصلان
الفصل الأول: ما يثبت به إتصال السند وفيه عدة مباحث :
المبحث الأول: السند , تعريفه وأهميته .
المبحث الثاني : الإتصال في اللغة والإصطلاح .
المبحث الثالث : صيغ الأداء ودلالتها .وفيه مطلبان :
المطلب الأول : الصيغ الصريحة في الإتصال .
المطلب الثاني : الصيغ المحتملة للسماع وعدمه .
المبحث الرابع : الإسناد المعنعن والإختلاف في الإحتجاج به .وفيه عدة مطالب :
المطلب الأول : تعريف العنعنة , وعلاقتها بالتدليس والإنقطاع .
المطلب الثاني : الإختلاف في الإحتجاج بالعنعنة , وحكم الألفاظ التي بمنزلتها .
المطلب الثالث : العنعنة في السند ممن ؟
الفصل الثاني: الإعلال بما يخل باتصال الأسانيد،وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الإنقطاع والإعلال به عند الإمام الوادعي :
المطلب الأول : الإرسال والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الثاني: المنقطع والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الثالث : المعضل والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المطلب الرابع: المزيد في متصل الأسانيد والإعلال به عند الإمام الوادعي
المبحث الثاني: التدليس والإعلال به عند الإمام أحمد، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالتدليس .
المطلب الثاني: وجوه الإعلال بالتدليس .
الوجه الأول: عدم تصريح المدلس بالسماع في السند.
الوجه الثاني: رواية الحديث عن الراوي المدلس من وجه آخر بالتصريح بالواسطة بينه وبين شيخه.
الوجه الثالث: أن يذكر الراوي أنه لم يسمع الحديث من شيخه الذي روى عنه.
الوجه الرابع: تنصيص الإمام على عدم سماع الراوي لحديث معين من شيخه.
الوجه الخامس: تنصيص الإمام على عدم سماع المدلس من شيخه إلا أحاديث معينة.
الوجه السادس: الإعلال بالنكارة التي سببها التدليس.
الباب الخامس: ألفاظ التعليل ومدلولاتها عند الإمام الوادعي،وفيه فصول :
الفصل الأول: لفظ النكارة ومدلوله عند الإمام الوادعي , وتحته مطالب
المطلب الأول: التعريف اللغوي للمنكر .
المطلب الثاني : تعريفات الأئمة للمنكر ومنا قشتها .
المطلب الثالث : العلاقة بين المنكر والفرد .
المطلب الرابع : العلاقة بين المنكر والشاذ .
المطلب الخامس : نماذج لما أعله الإمام الوادعي بالنكارة .
المطلب السادس : نماذج لما أعله الإمام الوادعي بالشذوذ .
المطلب السابع :موقف الإمام الوادعي من تفرد الراوي الثقة.
المطلب الثامن :موقف الإمام الوادعي من زيادات الثقات.
الفصل الثاني : الخطأ والوهم ومدلولهما عند الإمام الوادعي .
الفصل الثالث : ألفاظ الغرابة والتفرد ومدلولها عند الإمام الوادعي , وتحته عدة مباحث :
المبحث الأول: التفرد والإعلال به عند الإمام الوادعي .
المبحث الثاني: الإعلال بالمخالفة عند الإمام الوادعي ,وفيه أربعة مطالب
بعد مقدمة نظرية تتضمن تعريف المخالفة وأسبابها وضابطها وصورها .
المطلب الأول: مخالفة الراوي لرواية الأحفظ.
المطلب الثاني: مخالفة الراوي لرواية الأكثر عدداً.
المطلب الثالث: إعلال حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه.
المطلب الرابع: نماذج من نقد الإمام الوادعي للمتون لمخالفتها للثابت المعروف.
الفصل الثاني: الإعلال بالعلل الخفية، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: نماذج من الأخطاء الواقعة في أحاديث الثقات، وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: أخطاء الحفاظ في الأسماء.
المطلب الثاني: أخطاء الثقات في الألفاظ.
المطلب الثالث: التصحيف.
المطلب الرابع: القلب.
المطلب الخامس: رفع الموقف ووصل المرسل.
المطلب السادس: الإدراج.
المطلب السابع: ذكر بعض القرائن يتوصل بها إلى معرفة أخطاء الثقات في الأحاديث .
كلمة شكر وتقدير
وبعد، فأحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره على ما منّ عليّ من إتمام كتابة هذه الرسالة، فله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً كما يحب ربُّنا ويرضى .
ثم انطلاقاً من قول الرسول > : "لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناسَ" , أتوجه بالشكر الجزيل والثناء الجميل وخالص الامتنان إلى فضيلة شيخي العلامة الجليل , والمحدث النبيل , الزاهد , الورع , التقي , النقي الذي لا بغي فيه ولا حسد : مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى الذي تتلمذت عليه من أول قدومي إلى هذا الصرح العلمي الشامخ –دار الحديث بدماج - واستفدت من توجيهاته , ونصحه الغالي الثمين الذي يعرفه له كل طالب علم منصف , فعليه رحمة الله , وأسكنه الفردوس .
ثم أتوجّه بالشكر إلى صاحب الفضيلة : شيخنا الشيخ الفاضل العلامة المحدث الفقيه الزاهد الورع الناصح الأمين :يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى .
فأسأل الله العلي القدير أن يجزيه عني خير الجزاء وأن يبارك له في علمه وعمره وعقبه، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين وينصر به الدين ، إنه قريب مجيب , وعلى كل شيء قدير .
ثم أسأل من الله عز وجل أن يجزي والدي الذين ربياني فأحسنا تربيتي خير الجزاء وأن يمتعني بهما ويعينني على برهما و يسكنهما جنة الفردوس .
وختاماً أسأل الله العظيم أن يكتب القبول لعملي هذا، وأن ينفع به .
الباب الأول:التعريف بالإمام الوادعي وببعض الكتب التي ألفها ،
وفيه فصلان:
الفصل الأول:
التعريف الموجز بالإمام الوادعي ، وفيه خمسة مباحث.
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته.
المبحث الثاني: حياته العلمية وأشهر شيوخه .
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته .
المبحث الرابع: آثاره العلمية
المبحث الخامس: وفاته
المبحث الأول:اسمه، ونسبه، ومولده، ونشأته
هو الشيخ , الزاهد , العلامة , الفقيه , المحدث , إمام عصره , شيخ الإسلام , أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي بن مقبل بن قايدة الوادعي ثم الهمداني , مات أبوه رحمه الله وهو صغير لا يعرفه فعاش يتيما وبقي في حضانة والدته رحمها الله فترة , وكانت تطلب منه أن يشتغل في المال , وتأمره أن ينظر في حال مجتمعه كي يكون مثلهم فيعرض عن ذلك ويقول لها سأذهب أدرس
فتقول له : الله يهديك , تدعو له بالهداية كما أخبرتني غير واحدة من القريبات اللاتي أدركن ذلك الحين , ولعل دعوة والدته وافقت ساعة استجابة فصار من المهتدين , وصار هادياً مهدياً , وعالما ً شهيراً نحسبه زكيا , ونشأ في بيئة ساد فيها الجهل والشرك والخرافات والغلو في أهل البيت فكان الدين كله هو حب أهل البيت ملأ ذلك حاضرها وباديها , ولم يكن أحد يعينه على الخير وعلى طلب العلم والاستقامة ,ولم يكتفوا بذلك بل زاد كبراءهم الطين بلة , فحاربوه وآذوه وأثاروا عشيرته والعوام أيما إثارة عليه وهموا بقتله .( )
المبحث الثاني: حياته العلمية , وأشهر شيوخه
إن الأحاديث النبوية ,والآثار المحمدية أصل العلوم بعد القرآن، وقاعدة الشريعة , وأركان الإيمان ، وقد ضل أقوام على مدى الأزمان، لغفلتهم عن هذا الأصل بعد القرآن , فتخبطوا في بعض البدع , والضلالات ، وما هو شر منها من الإلحاد , والشركيات، حتى أتى على الناس زمان ما كان يعرف فيه إلا التعصب لفلان , وفلان من أرباب التمذهب , وعلماء الكلام ، فقل الخير , وزاد الشر والضير.
وفي أثناء ذلك كله يبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة الدين , وما اندرس من السنن ، إلا أن اليمن مع هذا كانت لا تزال في غياهب الجهالات ، من التصوف , والاعتزال المهلكات بعد الأئمة المحدثين كمعمر , وعبد الرزاق اللذين طلبا الحديث من الآفاق ، رغم أنه كان يتخلل هذه الفترة نهضات علمية على أيدي علماء أجلاء كابن الوزير , والصنعاني , والشوكاني , وغيرهم ، إلا أن ثمرتها لم تكن كثمرة دعوة عبد الرزاق ومعمر ثم شيخنا رحمه الله .
ثم بعث الله لليمن من يجدد لها الدين , ويحيي السنن، ويذود عن سنة رسول الله ، وينفي عن الدين تحريف الغالين , وانتحال المبطلين.
فانبثق نور شع في اليمن كلها ، وتعداها إلى ما وراء البحار من بلاد العرب والعجم وغيرها من الديار ، فصار الناس بعده إلى السنن والآثار ، ونبذوا التصوف والاعتزال، والتشيع وغيرها من الأغلال.
ذلك النور هو شيخنا العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله الذي رحل إليه طلاب العلم من سائر الديار ، ينهلون من علم القرآن , والسنة , والآثار ، فأظهر الله على يده خيراً عظيماً ؛ أغاظ أهل البدع ,والأهواء,والضلالات , فأجمعوا كيدهم ,ومكرهم،لإطفاء هذا النور الذي كشف عوارهم وفضحهم ، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ، وأعادوا الكرة بعد الكرة , وفي كل مرة لا تنجح الفكرة.
ثم لجئوا بعد الإفلاس , والإملاق إلى البهت , والكذب، تشويها لسيرة الشيخ , ودعوته، واستعانوا على ذلك بفئات من أهل الدنيا , والتحزبات، فقام الشيخ بالخطب , والمحاضرات ، تبييناً لسبيل الدعوة , ونقضاً للافتراءات ، ثم ألف كتابه هذه دعوتنا , وعقيدتنا، فبين فيه سبيل الدعوة المباركة ، وتضمن الكتاب ذكر ما ألفه طلبة العلم , وعلى رأسهم شيخنا رحمه الله .
وقد وفق شيخنا رحمه الله توفيقاً عظيماً، ووضع الله فيه بركةً جمة ، فمع أنه نشأ يتيماً في حجر أم تنهاه عن العلم ، وترغبه في الدنيا - نسأل الله أن يغفر لها وله - ومع ترعرعه في بيئة زيدية طغى عليها الجهل ، حتى أنه ليحرم فيها القبيلي من أمثال الشيخ من إتقان القراءة والكتابة، ويعاب عليه ذلك فضلاً عن طلب العلم، ومع طلبه المتأخر للعلم الشرعي - فقد طلب العلم في أرض الحرمين , وعمره خمسة وثلاثون عاما تقريباً، ومع هذا قيض الله على يديه خيراً كبيراً بالمقارنة مع بعض الأئمة المعاصرين الذين نشئوا في أول أمرهم في بيئة علمية - ، ومع تكالب الأعداء عليه من كل مكان، ومع حالته الصحية المتردية.
مع كل هذا وذاك فقد أقام الله به اليمن دعوة ملأت الأرجاء في غضون عشرين سنة، لا تكاد تسمع لهذه الدعوة نظيراً في اليمن بعد عصر الإمامين معمر وعبد الرزاق.
ومع انشغاله رحمه الله بالدعوة والتدريس ورّث الأمة أكثر من خمسين مؤلفا منه "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين"، الذي يساوي وحده الدنيا بأسرها، إذ هو تتمة للصحيحين .( )
دراسته ومشايخه :
يقول الشيخ : درست في المكتب حتى انتهيت من منهج المكتب، ثم ضاع من العمر ما شاء الله في غير طلب علم، لأنه ما كان هناك من يرغب أو يساعد على طلب العلم، وكنت محباً لطلب العلم، وطلبت العلم في جامع الهادي فلم أساعد على طلب العلم، وبعد زمن اغتربت إلى أرض الحرمين ونجد، فكنت أسمع الواعظين ويعجبني وعظهم، فاستنصحت بعض الواعظين ما هي الكتب المفيدة حتى أشتريها؟ فأرشد إلى "صحيح البخاري"، "وبلوغ المرام"، و"رياض الصالحين"، و"فتح المجيد شرح كتاب التوحيد"، وأعطاني نسيخات من مقررات التوحيد، وكنت حارساً في عمارة الحجون بمكة، فعكفت على تلك الكتب، وكانت تعلق بالذهن لأن العمل في بلدنا على خلاف ما فيها، خصوصا "فتح المجيد" .
وبعد مدة من الزمن رجعت إلى بلدي أنكر كل ما رأيته يخالف ما في تلك الكتب من الذبح لغير الله، وبناء القباب على الأموات، ونداء الأموات، فبلغ الشيعة ذلك، فأنكروا ما أنا عليه، فقائل يقول منهم: من بدل دينه فاقتلوه، وآخر يرسل إلى أقربائي يقول إن لم تمنعوه فسنسجنه، وبعد ذلك قرروا أن يدخلوني "جامع الهادي" من أجل الدراسة عندهم لإزالة الشبهات التي قد علقت بقلبي، ويدندن بعضهم بقول الشاعر:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وبعد ذلك دخلت للدراسة عندهم في جامع الهادي ومدير الدراسة القاضي (مطهر حنش)، فدرست في "العقد الثمين"، وفي "الثلاثين المسألة وشرحها" لحابس، ومن الذين درسونا فيها (محمد بن حسن المتميز) وكنا في مسألة الرؤية فصار يسخر من ابن خزيمة , وغيره من أئمة أهل السنة، وأنا أكتم عقيدتي، إلا أني ضعفت عن وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة وأرسلت يدي ، ودرسنا في "متن الأزهار" إلى النكاح مفهوما ومنطوقا، وفي شرح الفرائض كتاب ضخم فوق مستوانا فلم أستفد منه.
فلما رأيت الكتب المدرَّسة غير مفيدة، حاشا النحو فإني درست عندهم "الآجرومية" ,و"قطر الندى"،ثم طلبت من القاضي (قاسم بن يحي شويل) أن يدرسني في "بلوغ المرام"، وأنكر علينا ذلك ثم تركنا، فلما رأيت أن الكتب المقررة شيعية معتزلية قررت الإقبال على النحو فدرست "قطر الندى" مراراً على (إسماعيل حطبة) رحمه الله في المسجد الذي أسكن فيه ويصلي فيه وكان يهتم بنا غاية الاهتمام، وفي ذات مرة أتى إلى المسجد (محمد بن حورية) فنصحته أن يترك التنجيم فنصحهم أن يطردوني من الدراسة، فشفعوا لي عنده وسكت، وكان يمر بنا بعض الشيعة ونحن ندرس في "القطر" ويقول: (قبيلي صبن غرارة) بمعنى أن التعليم لا يؤثر في وأنا أسكت وأستفيد في النحوحتى قامت الثورة ,وتركنا البلاد ,ونزلنا إلى نجران ولازمت (أبا الحسين مجد الدين المؤيد), واستفدت منه خصوصاً في اللغة العربية , ومكثت بنجران قدر سنتين، فلما تأكدت أن الحرب بين الجمهورية والملكية لأجل الدنيا عزمت على الرحلة إلى الحرمين ونجد، وسكنت بنجد قدر شهر ونصف في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للشيخ (محمد بن سنان الحدائي) حفظه الله، ولقد كان مكرماً لي لما رأى من استفادتي وينصحني بالاستمرار مدة حتى يرسلني إلى (الجامعة الإسلامية)، فتغير علي الجو بالرياض، وعزمت على السفر إلى مكة، فكنت أشتغل إن وجدت شغلاً، وأطلب العلم في الليل أحضر دروس الشيخ(يحي بن عثمان الباكستاني) في "تفسير ابن كثير"، والبخاري، ومسلم.
وأطالع في الكتب والتقيت بشيخين فاضلين:
أحدهما: القاضي (يحي الأشول) صاحب معمرة، فكنت أدرس عنده في "سبل السلام" للصنعاني ويدرسني في أي شيء أطلب منه.
الثاني: الشيخ (عبد الرزاق الشاحذي المحويتي) وكان أيضا يدرسني فيما أطلب منه.
ثم فتح معهد الحرم المكي , وتقدمت للاختبار مع مجموعة من طلبة العلم، فنجحت والحمد لله، وكان من أبرز مشايخنا فيه الشيخ (عبد العزيز السبيل)، ودرست مع بعض طلبة المعهد عند الشيخ (عبد الله بن حميد) رحمه الله في "التحفة السنية" بعد العشاء في الحرم، فكان رحمه الله يأتي بفوائد من "شرح ابن عقيل" وغيره، وكانت فوق مستوى زملائي فتملصوا، فترك رحمه الله الدرس ,ودرست مع مجموعة من الطلاب عند الشيخ (محمد السبيل) حفظه الله شيئاً من الفرائض.
وبعد الخروج من المعهد خرجت للإتيان بأهلي من نجران فأتيت بهم وسكنا بمكة مدة الدراسة في المعهد ست سنين والدراسة في الحرم نفسه، وبركة دراسة المساجد معلومة، ولا تسأل عن أنس وراحة كنا فيها، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده".
النهار في دراسة المعهد، والدروس كلها تخدم العقيدة والدين، ومن بعد العصر إلى بعد العشاء في الحرم نشرب من ماء زمزم الذي قال النبي فيه: "إنه طعام طعم وشفاء سقم" , ونسمع من الواعظين القادمين من الآفاق لأداء حج أو عمرة.
ومن المدرسين في الحرم بين مغرب وعشاء الشيخ (عبد العزيز بن راشد النجدي) صاحب "تيسير الوحيين في الاقتصار على القرآن والصحيحين" , وله فيه أخطاء لا نوافقه عليها , وكان رحمه الله يقول : الصحيح في غير الصحيحين يعد على الأصابع , فبقيت كلمته في ذهني منكراً لها حتى عزمت على تأليف " الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين " فازددت يقيناً ببطلان كلامه رحمه الله , وكان رحمه الله رجل التوحيد , وله معرفة قوية بعلم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه , ومعلوله من سليمه ...
ومن مشايخي في الحرم المكي الذين استفدت منهم الشيخ (محمد بن عبد الله الصومالي) فقد حضرت عنده حوالي سبعة أشهر أو أكثر، وكان رحمه الله آية في معرفة رجال الشيخين، ومنه استفدت كثيراً في علم الحديث، على إني بحمد ربي من ابتدائي في الطلب لا أحب إلا علم الكتاب والسنة.
وبعد الانتهاء من معهد الحرم من المتوسط والثانوية، وكل الدروس دينية، انتقلنا إلى المدينة إلى الجامعة الإسلامية، فحول أكثرنا إلى كلية الدعوة وأصول الدين، وأبرز من درسنا فيها الشيخ (السيد محمد الحكيم) والشيخ (محمود عبد الوهاب فائد) المصريان.
وعند إن جاءت العطلة خشيت من ذهاب الوقت وضياعه فانتسبت في كلية الشريعة، لأمرين: أحدهم: التزود من العلم، الثاني: إن الدروس متقاربة , وبعضها متحدة، فهي تعتبر مراجعة لما درسناه في كلية الدعوة وانتهيت بحمد الله من الكليتين، وأعطيت شهادتين وأنا بحمد الله لا أبالي بالشهادات، المعتبر عندي هو العلم.
وفي عام انتهائنا من الكليتين فتحت في الجامعة دراسة عالية ما يسمونه بالماجستير، فتقدمت لأخبار المقابلة ونجحت بحمد الله وهي تخصص في علم الحديث، وبحمد الله حصلت الفائدة التي أحبها، وكان من أبرز من درسنا الشيخ (محمد أمين المصري) رحمه الله، والشيخ (السيد محمد الحكيم المصري) وفي آخرها الشيخ (حماد بن محمد الانصاري) وكنت أحضر بعض الليالي درس الشيخ (عبد العزيز بن باز) في الحرم المدني في صحيح مسلم، وأحضر كذلك مع الشيخ (الألباني) في جلساته الخاصة بطلبة العلم للاستفادة.
ومنذ كنت في الحرم المكي وأنا أدرس بعض طلبة العلم في "قطر الندى" وفي "التحفة السنية"، وعند أن كنت بالمدينة كنت أدرس بعض إخواني بالحرم المدني في "التحفة السنية" ثم وعدت إخواني في الله بدروس في بيتي بعد العصر في "جامع الترمذي"، و"قطر الندى"، و"الباعث الحثيث"، وانتشرت دعوة كبيرة من المدينة ملأت الدنيا في مدة ست سنوات، بعض أهل الخير هم الذين يسعون في تمويلها، و(مقبل بن هادي) وبعض إخوانه هم الذين يقومون بتعليم إخوانهم، وأما الرحلات للدعوة إلى الله في جميع أنحاء المملكة فمشتركة بين الإخوان كلهم، طالب العلم للتزود من العلم ولإفادة الآخرين، والعامي للتعلم، حتى استفاد كثير من العامة وأحبوا الدعوة.
ولما وصلت إلى اليمن عدت إلى قريتي ومكثت بها أعلم الأولاد القرآن، فما شعرت إلا بتكالب الدنيا عليَّ، فكأني خرجت لخراب البلاد والدين والحكم، وأنا آنذاك لا أعرف مسئولا , ولا شيخ قبيلة فأقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وإذا ضقت أذهب إلى صنعاء أو إلى حاشد، أو إلى ذمار، وهكذا إلى تعز و إب والحديدة، دعوة وزيارة للإخوان في الله.
وبعد هذا مكثت في مكتبتي - بعد مشقة ومساعدة بعض الإخوان في استردادها - وما هي إلا أيام وفتحت دروساً مع بعض الإخوة المصريين في بعض كتب الحديث وبعض كتب اللغة، وبعد هذا مازال طلبة العلم يفدون من مصر، ومن الكويت ومن أرض الحرمين ونجد... وكثير من البلاد الإسلامية وغيره. ( )
المبحث الثالث: إمامته , ومكانته
أولا : إمامته :
لا يشك منصف أن الإمام العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله من العلماء الراسخين الذين أفتوا أعمارهم في العلم والتعليم , ولا شك في إمامته في جميع فنون العلم , في العقيدة , و التفسير , والحديث , والفقه , واللغة , وغيرها من العلوم و يشهد لتبحره وتفننه كتبه المتنوعة في جميع هذه الأبواب , وسيأتي بيانها في فصل خاص .
ثانيا : مكانته :
كان شيخنا رحمه الله شغوفا ومحبا للعلم عامة وعلم الحديث خاصة وقد وهب نفسه رحمه الله للعلم والتعليم فأحيا الله به أمة وخلقا كثيرا وأحيا العلم مذاكرة وعلما وتعليما وتأليفا ودعوة إلى الله سفرا وحضرا فكانت مكانته في النفوس عالية , ومنزلته مرموقة .
* مكانته في علم العلل خاصة :
لا يخفى أن علم العلل من العلوم الدقيقة التي لم يتخرج منها ويبرز فيها إلا جهابذة النقاد كما في كثير من أقوالهم حول هذه العبارة , وشيخنا رحمه الله نادرة من نوادر هذا العلم في زمنه رحمه الله , ولا يزال طلابه ومحبيه وممن يعكف على كتبه يغترفون من جهوده وعلومه التي أبرزها ويتتلمذون على طريقته التي انتهجها , تلك الطريق التي لا تخالف سير الأئمة المتقدمين الذين هم نوادر هذا العلم .
يقول الشيخ : وإنني أحمد الله فبسبب كثرة الممارسة لهذا الفن في الكتابة على تتبع الدارقطني واستدراكه على البخاري ومسلم وهو من كتب العلل فقد سهلت عليَّ بعض الشيء ، ومع هذا فلا أزال أهاب هذا الفن , وكتابي " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " أغلبها نقل من كتب علمائنا رحمهم الله . ( )
ويقول في بيان منهج تصحيحه وتعليله:"قاعدتي في الحكم على الحـديث أنّني أبحث في كتـب المحدثين، فإن وجدت حكمًا لمحدث نقلته، ثم نظرت في رجال السّند فإن ظهر لي خلاف ذلك الحكم من تصحيح ,أو تضعيـف, عقّبت به على حكمه، وإلا أقررته كما هو، وأعتقد أنّ هذه الطريقـة أسلم، فقد يظن الـباحث أنّ السنـد صحيح , ويكون قد اطلع العلماء على عـلّة فيه، وقد يصححه متسـاهل، فيتناقله من بعده معتمدين على تصحيحه،من أجـل هـذا ألزمت نفسي بالجمع بين البحث عمّا قاله العلمـاء،والنظر في السـند،وأيضًا النـّاس يطمئنون إلى تصحيح المتقدمين لعلمهم أنّهم أوسع علمًا من المتأخرين فإذا لم أجد لهم كلامًا حكمت على الحديث بظاهر السّند.( )
تعليق