[ أصح ما قيل في معلقات محمد بن إسماعيل ] ...
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه ..
أما بعد :
الحديث المعلق : هو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر ولو إلى آخر الإسناد .
مثاله : قول البخاري في صحيحه [1/9 ط الكتب العلمية ] وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي . هذا علقه البخاري لأنه لم يذكر له إسناد .
والأصل في المعلقات أنها ضرب من أضرب الأحاديث الضعيفة ما لم توصل من وجه آخر صحيح وسبب ضعفها هو الجهل بحال الراوي المحذوف .
والمعلقات كثيرة جداً في كتب الحديث لاسيما صحيح البخاري فقد أكثر منها رحمه الله تعالى .
واختلف أهل العلم – رحمهم الله تعالى – في معلقات البخاري هل هي صحيحة ؟
لأنه رحمه الله ذكر أن كل ما في كتابه صحيح وهي داخلة في كتابه .
أو ضعيفة على الأصل .
أو ما جزم بصحته فهو صحيح وما لم يجزم فهو ضعيف .
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في الإستقامة [ 2/187 ط مكتبة ابن تيمية ] : ما روى البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوماً به هو داخل في الصحيح الذي شرطه . أ هــ
يفهم من كلام شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – أن ما رواه البخاري بصيغة التمريض فإنه ضعيف .
وهذا القول قاله الحافظ ابن الصلاح – رحمه الله تعالى – في كتابه علوم الحديث وتبعه عليه أكثر الناس
[ ينظر النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي ص75 -76-77- ط الكتب العلمية ] .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى – في إختصار علوم الحديث [ ص 23 ط النوادر الكويتية ] : أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم – مثل : قال وروي وجاء وذكر وعن – فصحيح إلى من علقه ثم النظر فيما بعد ذلك , وما كان بصيغة التمريض – مثل : قيل ويروى ويذكر ويحكى – فلا يستفاد منها صحة. أ هــ
وهذا التفصيل انتقده بعض العلماء كالزركشي ومغلطاي . [ ينظر النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي ص 78 -80 ط الكتب العلمية ] وقالوا : بأن البخاري قد يعلق الحديث بصيغة التمريض وهو صحيح عنده وعند غيره وقد يعلقه بصيغة الجزم وهو ضعيف أو حسن .
والقول الصحيح في معلقات البخاري هو قول الزركشي ومغلطاي لعدة أسباب :
أولها : أنه قد يعلق الحديث بصيغة الجزم ويعلقه في موضع آخر بصيغة التمريض .
مثاله : قوله في كتاب العلم : باب الخروج في طلب العلم [ 1 / 34 ط الكتب العلمية ] ورحل جابر بن عبدالله مسيرة شهر إلى عبدالله بن أنيس في حديث واحد.
وعلقه - رحمه الله تعالى – في كتاب التوحيد : باب قوله تعالى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } [ 8 / 557 ط الكتب العلمية ] : ويذكر عن جابر بن عبد الله عن عبدالله بن أنيس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ..... الحديث .
هذا الحديث علقه البخاري في كتاب العلم بصيغة الجزم وفي كتاب التوحيد بصيغة التمريض . وهو حديث واحد رواه أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد والحاكم في المستدرك .
ثانياً : قد يعلق البخاري الحديث بصيغة التمريض ويسنده في موضع آخر من صحيحة :
مثاله : ما جاء في كتاب مواقيت الصلاة : باب ذكر العشاء والعتمة [ 1/175 ط الكتب العلمية ] : ويذكر عن أبي موسى قال : كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء , فأعتم بها .
ثم أسنده في موضع آخر من كتاب مواقيت الصلاة : باب فضل العشاء [ ح 567] حدثنا محمد بن العلاء قال أخبرنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى ... وذكره .
ثالثاً : أنه قد يعلق الحديث بصيغة الجزم , ورجاله مختلف فيهم .
مثاله : ما جاء في كتاب الغسل : باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة [ 1 /91 ط الكتب العلمية ]:
وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الله أحق أن يستحي منه من الناس .
قال الزركشي في النكت [ ص 80 ط الكتب العلمية ] قال البخاري في تاريخه : بهز بن حكيم عن أبيه عن جده , مما يختلفون فيه .
فهذا تصريح بأنه ليس عنده صحيحاً بل إما حسن أو ضعيف . أ هــ .
وقال شيخ الإسلام : ابن تيمية في الإقتضاء [ ص 480 ط إحياء التراث ] قول البخاري في المعلقات : بهز بن حكيم عن أبيه عن جده . ونحو ذلك فإنه حسن عنده .
رابعاً : أنه قد يعلق الحديث بصيغة التمريض ويضعفه .
كقوله في كتاب الصلاة : باب وجوب الصلاة في الثياب [ 1/ 117 ط الكتب العلمية ] ويذكر عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يزره ولو بشوكة . وفي إسناده نظر .
قال الزركشي في النكت [ ص 77 ط الكتب العلمية ] ولو كان هذا اللفظ نصاً في التضعيف لما احتاج إلى تضعيفه بعد . أ هــ .
خامساً : أنه قد يعلق الحديث بصيغة الجزم ويسنده في موضع آخر من صحيحة .
مثاله : في كتاب الصلاة : باب الصلاة على الفراش [ 1/ 126 ط الكتب العلمية ] وقال أنس : كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه .
أسنده في كتاب الصلاة : باب السجود على الثوب في شدة الحر [ ح 385 ] حدثنا أبو الوليد هشام بن عبدالملك قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثني غالب القطان عن بكر بن عبد الله عن أنس بن مالك . أ هــ
الخلاصة :
أن ما علقه البخاري في صحيحة : إذا أسنده في موضع آخر من الصحيح فهو صحيح سواء علقه أو بصيغة الجزم أو التمريض .
وأما إذا علقه ولم يسنده إن نص على تضعيفه فهو ضعيف كقوله عن حديث سلمة في سنده نظر .
أما إذا لم ينص على تضعيفه في الجامع ينظر في كتبه الأخرى كالتاريخ وعلل الترمذي فإن لم يوجد فيها شيء ينظر أقوال أهل العلم المعتبرين فيها .
وقد جمع الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني هذه المعلقات وعلق عليها في كتابه [ تغليق التعليق ] واختصره - رحمه الله تعالى – أيضاً وذكر مختصره في كتابه : هدي الساري [ ص 15 ط دار طيبة ]
توضيح :
قول البخاري : قال فلان لنا أو قال لي فلان كذا أو زادني ونحو ذلك . فهو متصل عند الأكثر .
قاله ابن كثير في إختصار علوم الحديث [ ص 33 ط النوادر الكويتية ]
وقاله الزركشي في النكت على مقدمة ابن الصلاح [ ص 177 – 178 ط الكتب العلمية ] : قول البخاري عمن لقيه من شيوخه : وقال فلان ليس حكمه حكم التعليق بل هو من قبيل المتصل . أ هـ
وقال أيضاً [ ص 173 ] : قال ابن حزم في كتاب الإحكام : وإذا علم أن العدل قد أدرك من روى عنه من العدول فهو على اللقاء والسماع سواء قال - أخبرنا أو حدثنا أو عن فلان أو قال فلان – كل ذلك محمول على السماع منه . انتهى وهذا قد يشكل على تعليقه حديث المعازف . أ هــ
قلت : يقصد حديث تحريم المعازف [ ح 559] قال البخاري : قال هشام بن عمار ... الحديث قال ابن حزم : هذا معلق ضعيف . وهو نقيض ما قاله في كتابه الإحكام في [ قال ] والأئمة – رحمهم الله – يقولون : أن ما رواه البخاري حال المذاكرة يقول فيه [ قال فلان ] .
هذا والله أعلم .
وكتبه
بدر بن محمد آل بدر
16 / جمادي الآخرة / 1431
بدر بن محمد آل بدر
16 / جمادي الآخرة / 1431
تعليق