[ موافقة الذهبي للحاكم ]
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه
أما بعد :
فقد اشتهر كثيراً في الآونة الأخيرة عند المحققين من أهل العلم ممن اشتغل في علم الحديث كلمة
( صححه الحاكم ووافقه الذهبي ) .
ولا يختلف اثنان أن الإمام الذهبي – رحمه الله تعالى - قد لخص كتاب المستدرك للإمام الحاكم - رحمه الله – وتعقبه في بعض التصحيحات وسكت على بعض .
وظن من ظن من أهل العلم أن هذا السكوت من الذهبي ما هو إلا إقرار للإمام الحاكم على تصحيحه . بينما القاعدة تقول
[ لا ينسب لساكت قول ] .
فمن هذا المنطلق أحببت أن أبين خطأ هذه المقولة أعني قولهم ( وافقه الذهبي ) وأبين أن الأصح أن يقال ( وسكت عليه الذهبي )
أقول وبالله التوفيق :
أولاً : لم يذكر الإمام الذهبي – رحمه الله – أن ما سكت عليه في المستدرك يعد موافقة للإمام الحاكم
ثانياً : لم يذكر إمام من الأئمة المتأخرين هذه المقولة , بل يقولون صححه الحاكم . ولا يزيدون على هذا , ومنهم تلاميذ الذهبي كابن كثير – رحمه الله – وغيره وهم أعرف الناس بشيخهم ومراده من غيرهم .
ثالثاً : أن الإمام الذهبي – رحمه الله – قد يضعف الحديث في المستدرك ثم يروي الإمام الحاكم نفس الحديث في موضع آخر ويسكت عليه الذهبي .
مثاله : روى الحاكم من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه –
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإسلام .
هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك ( كتاب الصلاة – ح 801 ط دار المعرفة ).
وقال : حديث صحيح . و قال الذهبي : دراج كثير المناكير .
وذكر الذهبي – رحمه الله – في كتابه ميزان الإعتدال ( 2/24 – ط دار المعرفة ) أقوال العلماء المعتبرين في دراج .
ثم روى الإمام الحاكم – رحمه الله – نفس الحديث في مستدركه من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – مرفوعاً : إذا رأيتم الرجل يلزم المساجد فلا تحرجوا أن تشهدوا أنه مؤمن .
رواه الحاكم في المستدرك ( كتاب التفسير ح 3333 ط دار المعرفة ) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وسكت عليه الذهبي .
فهذا السكوت من الإمام الذهبي – رحمه الله تعالى- هل هو إقرار للحاكم على تصحيحه كما ظنه طائفة من المعاصرين أم أنه اكتفى بالتضعيف الأول وسكت هنا ؟
رابعا: أن الإمام الذهبي رحمه الله تعالى قد يسكت على الحديث في المستدرك ويضعفه في موضع آخر غير المستدرك .
مثاله :
أ – روى الحاكم من طريق عيسى بن عبيد عن غيلان بن عبدالله العامري عن أبي زرعة عن جرير – رضي الله عنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل أوحى إلى أي هؤلاء البلاد الثلاث نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين .
رواه الحاكم في المستدرك ( ح 4317 ط : دار المعرفة ) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وسكت عليه الذهبي .
وفي ميزان الإعتدال للذهبي ( 3/ 338 ط : دار المعرفة ) قال الذهبي في ترجمة غيلان العامري : ما علمت روى عنه سوى عيسى بن عبيد الكندي وحديثه منكر ما أقدم الترمذي على تحسينه . أ هـ
ب – روى الحاكم من طريق خالد بن نافع الأشعري عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى - رضي الله عنه – قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري ذات ليلة ومعه عائشة وأبو موسى يقرأ فقاما فاستمعا لقراءته ثم مضى ... الحديث
رواه الحاكم في المستدرك ( ح 6020 ط : دار المعرفة ) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وسكت عليه الذهبي .
وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ( 2/ 387 ط: الرسالة ) قال الذهبي : خالد بن نافع ضعيف .
وترجم له أيضاً في ميزان الإعتدال ( 1/643 ط : دار المعرفة ) ذكر أقوال الأئمة في تضعيفه .
خامساً : قال محدث البلاد اليمنية / مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله – في ( المقترح /154 ط : دار الآثار ) : ومما ينبغي أن يعلم أن سكوت الحافظ الذهبي على بعض الأحاديث التي يصححها الحاكم وهي ضعيفة لا يعد تقريراً للحاكم بل الذي ينبغي أن يقول الكاتب : صححه الحاكم وسكت عليه الذهبي لأمور :
منها : أن الذهبي لم يذكر في مقدمة تلخيصه ( ما سكت عليه فانا مقر للحاكم )
ومنها : أنه ذكر في سير أعلام النبلاء في ترجمة الحاكم أن كتابه التلخيص محتاج إلى نظر .
ومنها : أن الحاكم قد يقول صح على شرط الشيخين ولم يخرجاه أو صحيح على شرط أحدهما أو صحيح ولم يخرجاه ويكون في سنده من قال الذهبي في الميزان : أنه كذاب أو ضعيف وربما يذكر الحديث في ترجمته في الميزان .
فعلا هذا فلا تقل ( صححه الحاكم وأقره الذهبي ) بل تقول ( صححه الحاكم وسكت عنه الذهبي )
على أني وقعت في كثير من هذا قبل أن أتنبه لهذا . أ هـ
قلت : ثم بعد هذا أصبح الشيخ مقبل – رحمه الله – يقول : صححه الحاكم وسكت عليه الذهبي – كما في كتابه النفيس ( أحاديث معلة ظاهرها الصحة ص280 ط : دار الآثار )
هذا ما تيسر لي جمعه في هذه المسألة المهمة جداً لاسيما عند المشتغلين في علم الحديث ممن اعتاد على قول هذه المقولة, ليتنبه لها .
وكتبه
بدر بن محمد آل بدر
ليلة الجمعة الموافق 22/ جمادي الأول / 1431