الفضيل بن عياض
هو: فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي، أبو علي الزاهد، أحد صلحاء الدنيا و عُبَّادها.
ما ذكر في مولده و توبته: ولد بسمرقند و نشأ بأبيورد و كتب الحديث و تحول إلى مكة فسكنها و مات بها. اهـ
قال الفضل بن موسى : كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد و سرخس، و كان سبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقى الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) * فلما سمعها قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها سابلة فقال بعضهم: نرتحل و قال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا. قال: ففكرت و قلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي و قوم من المسلمين هاهنا يخافونني، و ما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع ، اللهم إني قد تبت إليك، و جعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.
قال إبراهيم بن الأشعث: كان مبتدأ توبة فضيل بن عياض أنه خرج عشية يريد مقطعه وكان يقطع الطريق فإذا بقوم حماره معهم ملح فسمع بعضهم يقول مروا مروا لا يفجأنا فضيل فيأخذ ما معنا فسمع ذلك فضيل فاغتم وتفكر وقال يخافني هذا الخلق الخوف العظيم فتقدم إليهم وسلم عليهم وقال لهم وهم لا يعرفونه تكونون الليلة عندي وأنتم آمنون من الفضيل قال فاستبشروا وفرحوا وذهبوا معه فأنزلهم وخرج يرتاد لهم علفا فرجع إليهم فسمع قارئا يقرأ " ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ الحديد: ١٦ فصاح الفضيل ومزق ثيابه على نفسه وقال بلى والله قد آن وكان هذا مبتدأ توبته .
ما ذكر في توثيقه:
قال سفيان بن عيينة : فضيل ثقة. وقال العجلي : كوفي، ثقة، متعبد، رجل صالح، سكن مكة.وقال عبد الرحمن بن مهدي : فضيل بن عياض رجل صالح و لم يكن بحافظ . وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ثقة مأمون، رجل صالح .وقال الدارقطني: ثقة .
ما ذكر في ورعه وزهده و علمه:
قال عبد الله بن المبارك: أورع الناس الفضيل بن عياض .وقال: ما بقى على ظهر الأرض عندي أفضل من الفضيل بن عياض.
وقال: إن الفضيل ابن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه فالفضيل ممن نفعه علمه .
قال هارون الرشيد: ما رأيت في العلماء أهيب من مالك بن أنس، و لا أورع من الفضيل بن عياض.
قال بشر بن الحارث: عشرة ممن كانوا يأكلون الحلال لا يدخلون بطونهم إلا حلالا و لو استقوا التراب و الرماد، قلت:من هم يا أبا نصر؟ وذكر منهم الفضيل بن عياض.
قال إبراهيم بن الأشعث : ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل بن عياض، كان إذا ذكر الله، أو ذكر عنده أو سمع القرآن ظهر به الخوف و الحزن، و فاضت عيناه، و بكى حتى يرحمه من بحضرته، و كان دائم الحزن شديد الفكرة، ما رأيت رجلا يريد الله بعلمه و عمله و أخذه و عطائه و منعه و بذله و بغضه و حبه و خصاله كلها غيره .
و قال: كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة لا يزال يعظ و يذكر و يبكى كأنه مودع أصحابه ذاهب إلى الآخرة حتى يبلغ المقابر فيجلس ، فكأنه بين الموتى جلس من الحزن و البكاء حتى يقوم ، و كأنه رجع من الآخرة يخبر عنها .
قال شريك بن عبد الله: لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانهم، و إن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه..
من أقواله:
لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق و طلب الحلال. فقال له علي: يا أبه إن الحلال عزيز: قال الفضيل: يا بنى و إن قليله عند الله كثير .
من خاف الله لم يضره أحد، و من خاف غير الله لم ينفعه أحد .
إن رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله، و إن زهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة .
من عمل بما علم استغنى عما لا يعلم ، و من عمل بما علم وفقه الله لما لا يعلم.
من ساء خلقه شان دينه و حسبه و مرؤته.
أكذب الناس العائد في ذنبه، و أجهل الناس المذل بحسناته و أعلم الناس بالله أخوفهم منه .
لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته، و لن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه .
ترك العمل من أجل الناس رياء و العمل من أجل الناس شرك، و الإخلاص: أن يعافيك الله عنهما .
لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه.
لو أن لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام، قيل له: وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال: متى ما صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتى صيرتها في الإمام فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد.
ليس موت أحد أعز علينا من موت الرشيد، لما أتخوف بعده من الحوادث، وإني لأدعو الله أن يزيد في عمره من عمري قالوا: فلما مات الرشيد وظهرت تلك الفتن والحوادث والاختلافات، وظهر القول بخلق القرآن، فعرفنا ما كان تخوفه الفضيل من ذلك.
إذا ولي الرجل القضاء فليجعل للقضاء يوماً وللبكاء يوماً.
من رأى من أخ له منكرا فضحك في وجهه فقد خانه.
والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا ولا خنزيرا بغير حق.
من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة .
لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة .
من أحب صاحب بدعة أحبط الله علمه وأخرج نور الإسلام من قلبه.
من جلس مع صاحب بدعة في طريق فجز في طريق غيره .
من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها.
ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع .
آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد .
إذا علم الله من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة: غفر له وإن قل عمله .
ولا يكن صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا نفاقاً .
ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيماناً .
ومن انتهر صاحب بدعة أمنه الله يوم الفزع الأكبر.
ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة فلا تكن صاحب بدعة في الله أبداً .
إذا رأيت رجلاً من أهل السنة فكأنما رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا رأيت رجلاً من أهل البدعة فكأنما رأيت رجلاً من المنافقين.
قال هارون بن إسحاق الهمدانى : حدثني رجل من أهل مكة ، قال : كنا جلوسا مع الفضيل بن عياض ، فقلنا : يا أبا على كم سنك ؟ فقال :
بلغت الثمانين أو جزتها
أتت لي ثمانون من مولدي
علتني السنون فأبليننـي
-
-
-
فماذا أؤمل أو أنتظــــر
و دون الثمانين لي معتبر
فدق العظام و كل البصــر
وفاته: قال محمد بن سعد: مات بمكة في أول سنة سبع و ثمانين و مئة في خلافة هارون، و كان ثقة نبيلا فاضلا عابدا ورعا كثير الحديث . وقال وكيع يوم مات الفضيل بن عياض: ذهب الحزن اليوم من الأرض. ( ملخصاً من تهذيب الكمال- تهذيب التهذيب- أخبار القضاة – الحلية – السير – طبقات الحنابلة - تاريخ دمشق)
)
إعداد: أبي عبدالله علي باهادي
تعليق