بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن ولا حول ولا قوة إلا بالله
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم . أما بعد رب يسر وأعن ولا حول ولا قوة إلا بالله
فهذا جمع لطرق ألفاظ حديث ابن عباس أو عمر بن الخطاب لا تكاد تجده في مكان آخر أحببت أن أسوقه - على طوله - لما فيه من الفوائد والعظات والعبر .
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِي اللَّه عَنْهمَا - قَالَ :
لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِي اللَّه عَنْه - عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا : ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا حَتَّى مَكَثْتُ سَنَةً فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ حَتَّى حَجَّ فَحَجَجْتُ مَعَه فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بِظَهْرَانَ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ فَقَالَ :
أَدْرِكْنِي بِالْوَضُوءِ .
فَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالْإِدَاوَةِ فَتَبَرَّزَ فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ الْمَاءَ مِنَ الْإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ وَرَأَيْتُ مَوْضِعًا فَقُلْتُ :
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)؟.
فَقَالَ :وَا عَجَبِي لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ! .
فَمَا أَتْمَمْتُ كَلَامِي حَتَّى قَالَ :
تِلْكَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ .
فَقُلْتُ : وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ .
قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ .
ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ :
فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَهُ . وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَغْلِبُ النِّسَاءَ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِنَا .
فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ . فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي كَلَامٌ فَأَغْلَظَتْ لِي إِذْ قَالَتِ :
لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا .
قَالَ : فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ لَهَا :
وَإِنَّكِ لَهُنَاكِ مَا لَكَ وَلِمَا هَا هُنَا وَفِيمَ تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ . فَرَاجَعَتْنِي !
فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي ! .
فَقَالَتْ لِي : عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ ! وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -ليُرَاجِعْنَهُ وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - .
وفي لفظ [تَقُولُ هَذَا لِي وَابْنَتُكَ تُؤْذِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-]حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ .
فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ :
لَهَا خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ .
ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالت لَهَا :
أَيْ حَفْصَةُ ! يَا بُنَيَّةُ ! إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ حَتَّى اللَّيْلِ ؟ .
فَقَالَتْ حَفْصَةُ : نَعَمْ وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ .
فَقُلْتُ : خَابَتْ وَخَسِرَتْ أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -فَتَهْلِكِينَ لَا تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلَا تَهْجُرِيهِ وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ إِنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكَ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -يُرِيدُ عَائِشَةَ
[وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -لا يُحِبُّكِ وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ ] وَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهَا فِي أَذَاهُ .
قَالَ : ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا فَكَلَّمْتُهَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ :
عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي أُمُورِنَا فَلَمْ يَبْقَ إِلا أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -وَأَزْوَاجِهِ .
فَأَخَذَتْنِي وَاللَّهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا [فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ فَقُلْتُ :
يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.
فَقَالَتْ : مَا لِي وَمَا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ عَلَيْكَ بِعَيْبَتِكَ ].
وَكَانَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -قَدِ اسْتَقَامَ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَلِكُ غَسَّانَ بِالشَّأْمِ .
وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا لِغَزْوِنَا فَقَدِ امْتَلَأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ .
فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ إِلَيْنَا يَدُقُّ الْبَابَ عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ :
أَنَائِمٌ هُوَ ؟ .
فَفَزِعْتُ ! .
فَقَالَ : افْتَحْ افْتَحْ .
فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ .
وَقَالَ : حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ .
قُلْتُ : مَا هُوَ جَاءَ الْغَسَّانِيُّ ؟! .
قَالَ : لَا . بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَهْوَلُ ! طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -نِسَاءَهُ.
فَقُلْتُ : رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ . قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ .
قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ .
فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَجِئْتُ [دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ] فَإِذَا الْبُكَاءُ مِنْ حُجَرِهِنَّ كُلِّهَا و[النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ :
طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -نِسَاءَهُ] .
فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -مَشْرُبَةً لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا .
[ فَقُلْتُ : لَأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ ] .
وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ :
مَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا . أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -قَالَتْ :
لا أَدْرِي هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ .
فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ الْمِنْبَرَ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَعَلَى بَابِ الْمَشْرُبَةِ وَصِيفٌ فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ:
اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ .
وفي لفظ : [فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -وَيَنْحَدِرُ فَنَادَيْتُ :
يَا رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ].
فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ :
ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ .
فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلَامَ [ثُمَّ رَفَعْتُ صَوْتِي فَقُلْتُ:
يَا رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -ظَنَّ أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ وَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -بِضَرْبِ عُنُقِهَا لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا وَرَفَعْتُ صَوْتِي] .
فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا فَإِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي قَالَ أَذِنَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ [فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ] قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا وَعِنْدَ رَأْسِهِ أُهُبٌ مُعَلَّقَةٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ [وَأَنَا أَرَى فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ] ثُمَّ قُلْتُ - وَأَنَا قَائِمٌ - :
طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ ؟ .
وفي لفظ : [فَقُلْتُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ وَأَحْمَدُ اللَّهَ بِكَلَامٍ إِلا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ آيَةُ التَّخْيِيرِ ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ) ( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ )] فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيَّ
فَقَالَ : لا .
فَقُلْتُ : اللَّهُ أَكْبَرُ .
[قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى يَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -نِسَاءَهُ أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ .
قَالَ : نَعَمْ . إِنْ شِئْتَ .
فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي :
لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ . وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ] .
ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَذَكَرَهُ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - .
ثُمَّ قُلْتُ : لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ : لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -يُرِيدُ عَائِشَةَ فَتَبَسَّمَ أُخْرَى .
فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ .
[فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا] .
ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ [فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ] فَبَكَيْتُ فَقَالَ :
مَا يُبْكِيكَ ؟ .
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ [فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ] وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -[وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ] .
فَقَالَ : أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ .
[قُلْتُ : بَلَى] .
وفي لفظ : فَقُلْتُ : ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ .
فَجَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ :
أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ .
أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي .
[ثُمَّ نَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -وَنَزَلْتُ فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذْعِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ] .
فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً . [وَكَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -] وَكَانَ قَدْ [آلَى مِنْهُنَّ] قَالَ :
مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا . مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ .
فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا .
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ .
وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ فَقَالَ :
إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا وَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ .
قَالَتْ : قَدْ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِكَ .
ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ) إِلَى قَوْلِهِ ( عَظِيمًا).
قُلْتُ : أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ ؟! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ . فَاخْتَرْتُهُ .
[فَقلت لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُخْبِرْ أَزْوَاجَكَ أَنِّي اخْتَرْتُكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -إِنَّمَا بَعَثَنِي اللَّهُ مُبَلِّغًا وَلَمْ يَبْعَثْنِي مُتَعَنِّتًا].
ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ .
رواه البخاري 2468 5191 89 4913 4914 4915 5218 7256 7263 5843 ومسلم 1479 واللفظ للبخاري وما بين الأقواس لمسلم ما عدا الأخير فهي عند الترمذي .
تعليق