خمسة عشر سبباً للفلاح
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإنه قد قيل: ليس في لغة العرب كلمةٌ أجمع لخيري الدنيا والآخرة من كلمة الفلاح!
إذ الفَلاحُ لغةً: البَقَاءُ والفَوْزُ والظَّفَرُ.
والمفلحُ الفائزُ بالبُغيةِ، كأنهُ الذي انفتحتْ له وجوهً الظَّفَر ولم تُستَغلق عليه. وقد استعمل الفلاحُ في السَّحور، ومنه الحديث الذي أخرجه أبو داود رحمه الله «حتى كاد يفوتُنا الفلاحُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» قلت: وما الفلاح؟ قال: السَّحورُ " فكأن معنى الحديث: أنَّ السَّحور به بقاءُ الصومِ فلهذا سُمِّيَ فلاحاً.
وعرفه شيخ الإسلام ابن تيمبة رحمه الله بأنه:"هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب."
وأعظم مطلوب يطلبه العبد من ربه عز وجل هو دخول الجنة، وأعظم مرهوب يخافه العبد على نفسه هو الوقوع في النار؛ أعاذنا الله وإياكم من النار!
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) فهذا هو الفلاح كل الفلاح بالزحزحة عن النار ودخول الجنة. نسأل الله من فضله!!
وقد أبان الله تعالى في كتابه الكريم عن أسباب كثيرة لحصول الفلاح، ومثلها مذكورة في سنةِ رسوله الكريم صلى الله عليه و سلم.
وإليك خمسة عشر سبباً من أسباب الفلاح:
الأول: أعظم أسباب الفلاح هو الإيمان بالله و تحقيق توحيد الله عز وجل قال تعالى: ((قد أفلح المؤمنون))الآيات . قال ابن كثير رحمه الله:" أي: قد فازوا وسُعِدُوا وحَصَلوا على الفلاح، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف.
وأخرج الإمام أبوبكر بن خزيمة في ((صحيحه))
عن طارق المحاربي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم مر في سوق ذي المجاز وعليه حلة حمراء وهو يقول: يا أيها الناس قولوا:
لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب فقلت: من هذا؟ قالوا: غلام بني عبد المطلب فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب" وهو في الصحيح المسند للعلامة الوادعي رحمه الله وقال: هذا حديث صحيح
وقد روى مسلم في صحيحه (1054) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه و سلم:" قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه"
فعلم بهذا أن السعادة كل السعادة والفلاح كل الفلاح في الإسلام والهداية له؛ فلا الفلاح إلا بالإسلام! وفيه من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ في قصة صاحب العضباء لما أُسِرَ فمر به النبي عليه الصلاة والسلام فنادى يا محمد؛ فَقَالَ:"مَا شَأْنُكَ؟ " قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. قَالَ:" لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ"
والمعنى: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيد أَنَّك لَوْ تَكَلَّمْت بِكَلِمَةِ الْإِسْلَام طَائِعًا رَاغِبًا فِيهِ قَبْل الْإِسَار أَفْلَحْت فِي الدُّنْيَا بِالْخَلَاصِ مِنْ الرِّقّ وَأَفْلَحْت فِي الْآخِرَة بِالنَّجَاةِ مِنْ النَّار اِنْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ لَوْ قُلْت كَلِمَة الْإِسْلَام قَبْل الْأَسْر حِين كُنْت مَالِك أَمْرك أَفْلَحْت كُلّ الْفَلَاح، لِأَنَّهُ لَا يَجُوز أَسْرك لَوْ أَسْلَمْت قَبْل الْأَسْر، فَكُنْت فُزْت بِالْإِسْلَامِ وَبِالسَّلَامَةِ مِنْ الْأَسْر وَمَنْ اِغْتِنَام مَالِك، وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمْت بَعْد الْأَسْر فَيَسْقُط الْخِيَار فِي قَتْلك وَيَبْقَى الْخِيَار بَيْن الِاسْتِرْقَاق وَالْمَنّ وَالْفِدَاء.
الثاني: الدعوة إلى الخير والإكثار من فعل الخير: وقد قرن الله عز وجل الفلاح بالخير، فأينما وجدت الدعوة إلى الخير، والدلالة على الخير وفعل الخير وجد الفلاح، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]، بفعل الخير وانتشاره في أوساط الناس يفلحون، ويصلحون، وتطيب حياتهم، ويسعدون في مماتهم.
الثالث: الجهاد في سبيل الله تعالى الجهاد الشرعي بالمال والنفس:
يقول الله في كتابه الكريم: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وقال جلَّ شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
الرابع: اتباع الكتاب والسنة وتعزير الرسول ونصرته ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) فالفلاح كل الفلاح في الاعتصام بالكتاب، والسنة .
وأخرج الإمام أحمد رحمه الله: عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه وسلم: "لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك ". وهو في الصحيح المسند للعلامة الوادعي رحمه الله وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
الخامس: الإذعان لحكم الله ورسوله والسمع والطاعة: قال الله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)
قال ابن كثير رحمه الله:"أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله، الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله، فقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أي: سمعًا وطاعة؛ ولهذا وصفهم تعالى بالفلاح، وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب، فقال: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أهـ
السادس: المحافظة على فرائض الإسلام العظام وشعائره الظاهرة من صلاة وزكاة وصيام وحج فقد أخرج البخاري في صحيحه عن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ"
السايع: أداء الصلاة ة والحفاظ عليها والقيام بها على الوجه الأكمل بطمأنينة وخشوع قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) إلى أن قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) قال ابن كثير رحمه الله:"والخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فَرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقُرَّة عين"
ولذلك ينادى لها بحَيَّ على الفَلاح حي على الفلاح!
ومعناه: هَلُمُّوا إلى سَبَب البَقاء في الجنة والفَوْز بها وهو الصلاة في الجَماعة!
وأخرج الترمذي رحمه الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً، قال الرب، عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ، فيكمل منها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر أعماله على هذا" قال الترمذي حديث حسن.
الثامن: التوبة إلى الله عز وجل و الإنابة إليه فقد أمرالله عباده المؤمنين بها في كتابه الكريم؛ ففي سورة النور بعد أن أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وما يتعلق من أحكام زينة المرأة فقال:
(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
قال ابن كثير رحمه الله أي:"افعلوا ما آمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة، فإن الفَلاح كل الفَلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهيا عنه، والله تعالى هو المستعان وعليه التكلان" .
و قال الله في كتابه الكريم: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)
وقد كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير التوبة ـ وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ـ ففي صحيح مسلم عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ"و روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرةً "
التاسع: اجتناب المحرمات وكبائر الذنوب و الآثام كالخمر والميسر والربا وغيرها؛ قال تعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره:" فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله، خصوصا هذه الفواحش المذكورة "
وقال في الفوائد المستنبطة منها: "أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو: الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوِّقة له."
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
العاشر: تحقيق تقوى الله سبحانه وتعالى؛ قال الله في كتابه الكريم: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
وقال الله تعالى ((قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
قال العلامة السعدي: "أخبر أن الفلاح متوقف على التقوى التي هي موافقةُ اللهِ في أمرهِ ونهيهِ، فمن اتقاه أفلح كل الفلاح، ومن ترك تقواه حصل له الخسران وفاتتهُ الأرباح. "
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الحادي عشر: الإكثار من ذكر الله عز وجل على كل حال: قال الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45) وقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) قال ابن القيم رحمه الله في بيان فوائد ذكر الله عز وجل:"أنّ الذّكر يوجبُ صلاةَ اللّهِ- عزّ وجلّ- وملائكتِهِ على الذّاكر، ومن صلّى اللّهُ تعالى عليه وملائكتُهُ فقد أفلح كلّ الفلاح وفاز كلّ الفوز.
الثاني عشر: الاستكثارُ من الحسنات والاستزادة منها: قال الله في كتابه الكريم: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ (9)
وقال الله في كتابه الكريم: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ (101) فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)
وجاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه:"قال يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ الآيات "!!
فما أحوجنا عباد الله ـ إلى ما يثقل موازيننا يوم القيامة!
ألا وإن مما يكون ثقيلاُ في ميزان العبد يوم القيامة من الحسنات؛ حسنة التوحيد وهي أعظم الحسنات؛ فقد أخرج الإمام الترمذي رحمه الله من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لا يَا رَبِّ فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ فَقَالَ إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ".قال العلامة الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند: هذا حديث صحيح.
ومن ذلك قول سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده:
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ "
ومن ذلكم حسن الخلق: أخرج أبو داود رحمه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق." قال العلامة الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند:
هذا حديث صحيح
الثالث عشر: تذكر نعم الله وآلائه على عباده؛ فقد أمر الله جل وعلا في كتابه الكريم قوم هود عليه الصلاة والسلام بتذكر نعمه عليهم إذ جعلهم خلفاء وزادهم بسطة في الخلق؛ لأن تذكر النعم سبب في طاعة المنعم والإيمان به فقال: (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
فذكر آلائه تبارك وتعالى ونعمه على عبده سبب الفلاح والسعادة، لأن ذلك لا يزيده إلا محبةً لله وحمداً وشكراً وطاعة.
الرابع عشر: أن بكون العبد من حزب الله الذين يمتثلون أوامره، ويقاتلون أعداءه، وينصرون أولياءه: يقول الله في كتابه الكريم: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في تفسيره: عند قوله: (أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون) أي: الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة، الكاملون في الفلاح الذين صار فلاحهم هو الفرد الكامل، حتى كان فلاح غيرهم بالنسبة إلى فلاحهم كلا فلاح.
وقال ابن كثير رحمه الله وقوله: (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرهم في الدنيا والآخرة، في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان." أهـ
الخامس عشر: تزكية النفوس؛ قال الله في كتابه الكريم: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)
قال العلامة السعدي رحمه الله:" ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا))
أي؛ طهّر نفسه من الذنوب، ونقّاها من العيوب، ورقّاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح. (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) أي: ... بالتدنُّس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها."أهـ
وقد يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى اللهُ نفسَهُ، وقد خاب من دَسَّى اللهُ نفسَهُ "
وفي الحديث الحسن بشواهده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقرأ: ((فألهمها فجورها وتقواها)) قال: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها "
وجاء من حديث زيد بن أرقم، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يستجاب لها "
هذا ما أحببت أن أذكِّرَ به نفسي أولاً وإخواني ثانياً من أسباب الفلاح الواردة في الكتاب والسنة (1).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبه وسلم، والحمد لله رب العالمين!
إذ الفَلاحُ لغةً: البَقَاءُ والفَوْزُ والظَّفَرُ.
والمفلحُ الفائزُ بالبُغيةِ، كأنهُ الذي انفتحتْ له وجوهً الظَّفَر ولم تُستَغلق عليه. وقد استعمل الفلاحُ في السَّحور، ومنه الحديث الذي أخرجه أبو داود رحمه الله «حتى كاد يفوتُنا الفلاحُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» قلت: وما الفلاح؟ قال: السَّحورُ " فكأن معنى الحديث: أنَّ السَّحور به بقاءُ الصومِ فلهذا سُمِّيَ فلاحاً.
وعرفه شيخ الإسلام ابن تيمبة رحمه الله بأنه:"هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب."
وأعظم مطلوب يطلبه العبد من ربه عز وجل هو دخول الجنة، وأعظم مرهوب يخافه العبد على نفسه هو الوقوع في النار؛ أعاذنا الله وإياكم من النار!
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) فهذا هو الفلاح كل الفلاح بالزحزحة عن النار ودخول الجنة. نسأل الله من فضله!!
وقد أبان الله تعالى في كتابه الكريم عن أسباب كثيرة لحصول الفلاح، ومثلها مذكورة في سنةِ رسوله الكريم صلى الله عليه و سلم.
وإليك خمسة عشر سبباً من أسباب الفلاح:
الأول: أعظم أسباب الفلاح هو الإيمان بالله و تحقيق توحيد الله عز وجل قال تعالى: ((قد أفلح المؤمنون))الآيات . قال ابن كثير رحمه الله:" أي: قد فازوا وسُعِدُوا وحَصَلوا على الفلاح، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف.
وأخرج الإمام أبوبكر بن خزيمة في ((صحيحه))
عن طارق المحاربي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم مر في سوق ذي المجاز وعليه حلة حمراء وهو يقول: يا أيها الناس قولوا:
لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب فقلت: من هذا؟ قالوا: غلام بني عبد المطلب فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب" وهو في الصحيح المسند للعلامة الوادعي رحمه الله وقال: هذا حديث صحيح
وقد روى مسلم في صحيحه (1054) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه و سلم:" قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه"
فعلم بهذا أن السعادة كل السعادة والفلاح كل الفلاح في الإسلام والهداية له؛ فلا الفلاح إلا بالإسلام! وفيه من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ في قصة صاحب العضباء لما أُسِرَ فمر به النبي عليه الصلاة والسلام فنادى يا محمد؛ فَقَالَ:"مَا شَأْنُكَ؟ " قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. قَالَ:" لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ"
والمعنى: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيد أَنَّك لَوْ تَكَلَّمْت بِكَلِمَةِ الْإِسْلَام طَائِعًا رَاغِبًا فِيهِ قَبْل الْإِسَار أَفْلَحْت فِي الدُّنْيَا بِالْخَلَاصِ مِنْ الرِّقّ وَأَفْلَحْت فِي الْآخِرَة بِالنَّجَاةِ مِنْ النَّار اِنْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ لَوْ قُلْت كَلِمَة الْإِسْلَام قَبْل الْأَسْر حِين كُنْت مَالِك أَمْرك أَفْلَحْت كُلّ الْفَلَاح، لِأَنَّهُ لَا يَجُوز أَسْرك لَوْ أَسْلَمْت قَبْل الْأَسْر، فَكُنْت فُزْت بِالْإِسْلَامِ وَبِالسَّلَامَةِ مِنْ الْأَسْر وَمَنْ اِغْتِنَام مَالِك، وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمْت بَعْد الْأَسْر فَيَسْقُط الْخِيَار فِي قَتْلك وَيَبْقَى الْخِيَار بَيْن الِاسْتِرْقَاق وَالْمَنّ وَالْفِدَاء.
الثاني: الدعوة إلى الخير والإكثار من فعل الخير: وقد قرن الله عز وجل الفلاح بالخير، فأينما وجدت الدعوة إلى الخير، والدلالة على الخير وفعل الخير وجد الفلاح، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]، بفعل الخير وانتشاره في أوساط الناس يفلحون، ويصلحون، وتطيب حياتهم، ويسعدون في مماتهم.
الثالث: الجهاد في سبيل الله تعالى الجهاد الشرعي بالمال والنفس:
يقول الله في كتابه الكريم: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وقال جلَّ شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
الرابع: اتباع الكتاب والسنة وتعزير الرسول ونصرته ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) فالفلاح كل الفلاح في الاعتصام بالكتاب، والسنة .
وأخرج الإمام أحمد رحمه الله: عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه وسلم: "لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك ". وهو في الصحيح المسند للعلامة الوادعي رحمه الله وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
الخامس: الإذعان لحكم الله ورسوله والسمع والطاعة: قال الله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)
قال ابن كثير رحمه الله:"أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله، الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله، فقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أي: سمعًا وطاعة؛ ولهذا وصفهم تعالى بالفلاح، وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب، فقال: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أهـ
السادس: المحافظة على فرائض الإسلام العظام وشعائره الظاهرة من صلاة وزكاة وصيام وحج فقد أخرج البخاري في صحيحه عن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ"
السايع: أداء الصلاة ة والحفاظ عليها والقيام بها على الوجه الأكمل بطمأنينة وخشوع قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) إلى أن قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) قال ابن كثير رحمه الله:"والخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فَرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقُرَّة عين"
ولذلك ينادى لها بحَيَّ على الفَلاح حي على الفلاح!
ومعناه: هَلُمُّوا إلى سَبَب البَقاء في الجنة والفَوْز بها وهو الصلاة في الجَماعة!
وأخرج الترمذي رحمه الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً، قال الرب، عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ، فيكمل منها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر أعماله على هذا" قال الترمذي حديث حسن.
الثامن: التوبة إلى الله عز وجل و الإنابة إليه فقد أمرالله عباده المؤمنين بها في كتابه الكريم؛ ففي سورة النور بعد أن أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وما يتعلق من أحكام زينة المرأة فقال:
(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
قال ابن كثير رحمه الله أي:"افعلوا ما آمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة، فإن الفَلاح كل الفَلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهيا عنه، والله تعالى هو المستعان وعليه التكلان" .
و قال الله في كتابه الكريم: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)
وقد كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير التوبة ـ وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ـ ففي صحيح مسلم عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ"و روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرةً "
التاسع: اجتناب المحرمات وكبائر الذنوب و الآثام كالخمر والميسر والربا وغيرها؛ قال تعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره:" فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله، خصوصا هذه الفواحش المذكورة "
وقال في الفوائد المستنبطة منها: "أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو: الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوِّقة له."
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
العاشر: تحقيق تقوى الله سبحانه وتعالى؛ قال الله في كتابه الكريم: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
وقال الله تعالى ((قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
قال العلامة السعدي: "أخبر أن الفلاح متوقف على التقوى التي هي موافقةُ اللهِ في أمرهِ ونهيهِ، فمن اتقاه أفلح كل الفلاح، ومن ترك تقواه حصل له الخسران وفاتتهُ الأرباح. "
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الحادي عشر: الإكثار من ذكر الله عز وجل على كل حال: قال الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45) وقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) قال ابن القيم رحمه الله في بيان فوائد ذكر الله عز وجل:"أنّ الذّكر يوجبُ صلاةَ اللّهِ- عزّ وجلّ- وملائكتِهِ على الذّاكر، ومن صلّى اللّهُ تعالى عليه وملائكتُهُ فقد أفلح كلّ الفلاح وفاز كلّ الفوز.
الثاني عشر: الاستكثارُ من الحسنات والاستزادة منها: قال الله في كتابه الكريم: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ (9)
وقال الله في كتابه الكريم: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ (101) فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)
وجاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه:"قال يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ الآيات "!!
فما أحوجنا عباد الله ـ إلى ما يثقل موازيننا يوم القيامة!
ألا وإن مما يكون ثقيلاُ في ميزان العبد يوم القيامة من الحسنات؛ حسنة التوحيد وهي أعظم الحسنات؛ فقد أخرج الإمام الترمذي رحمه الله من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لا يَا رَبِّ فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ فَقَالَ إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ".قال العلامة الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند: هذا حديث صحيح.
ومن ذلك قول سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده:
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ "
ومن ذلكم حسن الخلق: أخرج أبو داود رحمه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق." قال العلامة الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند:
هذا حديث صحيح
الثالث عشر: تذكر نعم الله وآلائه على عباده؛ فقد أمر الله جل وعلا في كتابه الكريم قوم هود عليه الصلاة والسلام بتذكر نعمه عليهم إذ جعلهم خلفاء وزادهم بسطة في الخلق؛ لأن تذكر النعم سبب في طاعة المنعم والإيمان به فقال: (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
فذكر آلائه تبارك وتعالى ونعمه على عبده سبب الفلاح والسعادة، لأن ذلك لا يزيده إلا محبةً لله وحمداً وشكراً وطاعة.
الرابع عشر: أن بكون العبد من حزب الله الذين يمتثلون أوامره، ويقاتلون أعداءه، وينصرون أولياءه: يقول الله في كتابه الكريم: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في تفسيره: عند قوله: (أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون) أي: الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة، الكاملون في الفلاح الذين صار فلاحهم هو الفرد الكامل، حتى كان فلاح غيرهم بالنسبة إلى فلاحهم كلا فلاح.
وقال ابن كثير رحمه الله وقوله: (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرهم في الدنيا والآخرة، في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان." أهـ
الخامس عشر: تزكية النفوس؛ قال الله في كتابه الكريم: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)
قال العلامة السعدي رحمه الله:" ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا))
أي؛ طهّر نفسه من الذنوب، ونقّاها من العيوب، ورقّاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح. (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) أي: ... بالتدنُّس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها."أهـ
وقد يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى اللهُ نفسَهُ، وقد خاب من دَسَّى اللهُ نفسَهُ "
وفي الحديث الحسن بشواهده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقرأ: ((فألهمها فجورها وتقواها)) قال: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها "
وجاء من حديث زيد بن أرقم، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يستجاب لها "
هذا ما أحببت أن أذكِّرَ به نفسي أولاً وإخواني ثانياً من أسباب الفلاح الواردة في الكتاب والسنة (1).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبه وسلم، والحمد لله رب العالمين!
كتبه/ أبو عبد الرحمن عمر بن صبيح
(1) وقد نظمتُ هذه الأسباب في أبيات بعنوان (نظم أسباب الفلاح)
وهي منشورة على شبكة العلوم السلفية المباركة.
(1) وقد نظمتُ هذه الأسباب في أبيات بعنوان (نظم أسباب الفلاح)
وهي منشورة على شبكة العلوم السلفية المباركة.
تعليق