أحاديث لا تثبت حول يوم عاشوراء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين.أمابعد:
فهذا ما تيسر لي جمعه من كلام بعض العلماء حول بعض الأحاديث التي لا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص يوم عاشوراء.ولقد كان من بين أسباب وضع غالب هذه الأحاديث –كما ذكر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى- اتخاد طائفة من المتسننة لهذا اليوم شعارا للفرح والسرور!! ردا-زعموا!- على الرافضة –أخزاهم الله- الذين اتخدوه شعارا للحزن والأسى!! وغير ذلك من الخرافات التي يقومون بها في هذا اليوم.فقابلوا بذلك باطلا بباطل وبدعة ببدعة،فلم ينصروا سنة ولم يقمعوا بدعة،وهذا دأب كل من ترك الكتاب والسنة واتبع الأهواء المضلة.نسأل الله السلامة والعافية.وأما أهل الحديث والسنة فكانوا طرف وسط، حيث اتبعوا هدي النبي صلى عليه وسلم بصيام هذا اليوم مع يوم قبله أو يوم بعده-على رأي بعض أهل العلم-،فنالوا بذلك ثواب هذا اليوم العظيم، وحققوا مخالفة الكفار من الروافض وغيرهم.
ومن بين هؤلاء العلماء الذين سخرهم الله، فبذلوا جهدهم ووسعهم لبيان بطلان هذه الأحاديث وزيفها، وتبيين الصحيح من السقيم منها حول ما يتعلق بهذا اليوم العظيم:
قال الإمام المحقق ابن القبم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" (1 / 47):44 - ومن ذلك حديث من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة وهذا باطل يرويه حبيب بن أبي حبيب عن إبراهيم الصائغ عن ميمون بن مهران عن ابن عباس وحبيب كان يضع الأحاديث
وقال- (1 / 52):
58 - ومن ذلك حديث إن الله خلق السموات والأرض يوم عاشوراء
موضوع.
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في"اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" - (2 / 92):
(أخبرنا) عبد الله بن علي المقري أنبأنا جدي أبو منصور الخياط أنبأنا عبد السلام بن أحمد الأنصاري حدثنا أبو الفتح بن أبي الفوارس أنبأنا الحسن بن إسحاق بن زيد المعدل حدثنا أحمد بن محمد بن مصعب حدثنا محمد بن عبد الله بن قهزاذ حدثنا حبيب بن أبي حبيب عن إبراهيم الصائغ عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعا من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف ملك ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف شهيد ومن صام يوم عاشوراء كتب الله له أجر سبع سموات ومن أفطر عنده مؤمن في يوم عاشوراء فكأنما أطعم جميع فقراء أمة محمد وأشبع بطونهم ومن مسح على رأس يتيم رفعت له بكل شعرة على رأسه درجة في الجنة فقال عمر يا رسول الله لقد فضل الله يوم عاشوراء قال نعم خلق الله السموات يوم عاشوراء والأرض كمثله وخلق القلم يوم عاشوراء واللوح مثله وخلق جبريل يوم عاشوراء وملائكته يوم عاشوراء وخلق آدم يوم عاشوراء وغفر ذنب داود يوم عاشوراء
وأعطى سليمان ابن داود يوم عاشوراء وولد النبي يوم عاشوراء واستوى الرب عز وجل على العرش يوم عاشوراء ويوم القيامة يوم عاشوراء
آفته حبيب والله أعلم.
وقال العلامة محمد بن علي بن محمد الشوكاني رحمه الله في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة - (1 / 47):
النوع الثامن
صلوات مقيدة بأيام الشهور وبليال منها
103 - حديث من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة واية الكرسي عشر مرات و ( قل هو الله أحد ) إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات فإذا سلم استغفر الله سبعين مرة أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء إلخ رواه الجوزقاني عن أبي هريرة مرفوعا وهو موضوع ورواته مجاهيل.
وقال - (1 / 96):
33 - حديث من صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف ملك ذكره في اللآلىء مطولا عن ابن عباس مرفوعا وهو موضوع
وقال - (1 / 97):
35 - حديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الصرد أول طير صام عاشوراء رواه الخطيب عن أبي غليط مرفوعا ولا يعرف في الصحابة من له هذا الاسم وفي إسناده عبد الله بن معاوية منكر الحديث ورواه الحكيم الترمذي عن أبي غليظ عن أبي هريرة قال الصرد أول طير صام
وروى أبو نعيم في الحلية عن قيس بن عباد قال كانت الوحوش تصوم يوم عاشوراء
وقال - (1 / 440):
4 - حديث ما من عبد يبكي يوم قتل الحسين يعني يوم عاشوراء إلا كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرسل قال في الذيل موضوع وكذا ما روى من أن البكاء يوم عاشوراء نور تام يوم القيامة هو موضوع وضعته الرافضة وقد قدمنا في كتاب الصيام ما في صيام يوم عاشوراء من الأحاديث الموضوعة
وقال الشيخ العلامة المحديث ناصر الدين الألباني رحمه الله في إرواء الغليل - (4 / 111) - (4 / 112)
:عن حفصة قالت : أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر والركعتان قبل الغداة .رواه أحمد والنسائي .
ضعيف ( أخرجه أحمد ( 6 / 287 ) والنسائي ( 1 / 328 ) من طريق أبى اسحاق الاشجعى - كوفي - عن عمرو بن قيس الملائى عن الحر بن الصباح عن هنيدة بن خالد الخزاعي عنها . قلت : وهذا اسناد ضعيف رجاله ثقات غير أبى إسحاق الاشجعي فهو مجهول على أن الرواة اختلفوا على الحر بن الصباح اختلافا كبيرا في إسناده ومتنه زيادة ونقصا ولذلك قال الحافظ الزيلعى في ( نصب الراية ) : ( هو حديث ضعيف ) . وقد تكلمت على الاختلاف المذكور وذكرت الراجح منه في ( صحيح أبي داود ) ( 2106 ) .
( فائدة ) أخرج ابن أبى شيبة في ( المصنف ) ( 2 / 164 / 2 ) من طريق الهجري عن أبى عياض عن أبى هريرة مرفوعا بلفظ : ( صوم عاشوراء يوم كانت تصومه الانبياء فصوموه أنتم ) . قلت : وهذا منكر بهذا اللفظ وعلته الهجري واسمه إبراهيم بن مسلم قال الحافظ ؟ ( لين الحديث ) .
وقال في الجامع الصغير وزيادته - (1 / 795):
7946 - صوموا يوم عاشوراء و خالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوما أو بعده يوما
( حم هق ) عن ابن عباس .
قال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 3506 في ضعيف الجامع
وقال - (1 / 1005):
10042 - كان يصوم تسع ذي الحجة و يوم عاشوراء و ثلاثة أيام من كل شهر : أول اثنين من الشهر و الخميس و الاثنين من الجمعة الأخرى
( حم د ن ) عن حفصة .
قال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 4570 في ضعيف الجامع
وقال في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - (8 / 312):
3851 - ( عاشوراء عيد نبي كان قبلكم ، فصوموا أنتم ) .
ضعيف
وقال - (8 / 309):
3849 - ( عاشوراء يوم التاسع ) .
موضوع
وقال - (3 / 690):
1499 - " فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء ".
موضوع.
وقال - (9 / 271):
4275 - ( كان يصوم عاشوراء ويأمر به ) .
ضعيف جداً
وقال - (9 / 288):
4297 - ( لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده . يوم عاشوراء ) .
منكر بهذا التمام
وقال - (1 / 453):
285 - " ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء " .
منكر .
وقال - (2 / 89):
624 - " من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا " .
موضوع .
وقال - (14 / 738):
6824 - ( من وسع على عياله يوم عاشوراء ؛ وسع الله عليه سائر سنته ).
ضعيف.
وقال - (1 / 453):
285 - " ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء " .
منكر .
وقال - (11 / 321):
5199 - ( صمتم يومكم هذا ؟ قالوا : لا ، قال : فأتموا بقية يومكم واقضوه . يعني : يوم عاشوراء ) .
منكر بهذا التمام
وقال - (11 / 691):
5413 - ( رجب شهر عظيم ، يضاعف الله فيه الحسنات ؛ فمن صام يوماً من رجب ؛ فكأنما صام سنة ، ومن صام منه سبعة أيام ؛ غلقت عنه سبعة أبواب جهنم ، ومن صام منه ثمانية أيام ؛ فتحت له ثمانية أبواب الجنة ، ومن صام منه عشرة أيام ؛ لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، ومن صام منه خمسة عشر يوماً ؛ نادى مناد في السماء : قد غفر لك ما مضى ، فاستأنف العمل ، ومن زاد ؛ زاده الله عز وجل . وفي رجب حمل الله نوحاً في السفينة ، فصام رجب ، وأمر من معه أن يصوموا ؛ فجرت بهم السفينة ستة أشهر ، آخر ذلك يوم عاشوراء ؛ أهبط على الجودي ، فصام نوح ومن معه والوحش ؛ شكراً لله عز وجل . وفي يوم عاشوراء أفلق الله البحر لبني إسرائيل . وفي يوم عاشوراء تاب الله عز وجل على آدم - صلى الله عليه وسلم - وعلى مدينة يونس ، وفيه ولد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ) .
موضوع .
وقال - (14 / 549):
6749 - ( كان يعظم يوم عاشوراء ، حتى إن كان ليدعوا بصبيانه، وصبيان فاطمة المراضيع ، فيقول لأمهاتهم : لا ترضعوهم إلى الليل، ويتفل في أفواههم ، فكان ريقه يجزئهم ).
ضعيف.
وقال في صحيح وضعيف سنن النسائي - (6 / 60):
( سنن النسائي )
2416 أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر قال حدثني أبو النضر قال حدثنا أبو إسحق الأشجعي كوفي عن عمرو بن قيس الملائي عن الحر بن الصياح عن هنيدة بن خالد الخزاعي عن حفصة قالت أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة .
تحقيق الألباني :
ضعيف ، الإرواء ( 954 )
وقال في تمام المنة - (1 / 410)
قوله تحت عنوان : التوسعة يوم عاشوراء : " عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته "
رواه البيهقي في " الشعب " وابن عبد البر وللحديث طرق أخرى كلها ضعيفة ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض ازدادت قوة كما قال السخاوي "
قلت : هذا رأي السخاوي ولا نراه صوابا لأن شرط تقوي الحديث بكثرة الطرق وهو خلوها من متروك أو متهم لم يتحقق في هذا الحديث فانظر مثلا حديث جابر هذا فإن له طريقين : الأول : عن محمد بن يونس : حدثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري : حدثنا عبد الله بن أبي بكر ابن أخي محمد بن المنكدر عن محمد بن المنكدر عنه
أخرجه البيهقي
فهذا إسناد موضوع من أجل محمد بن يونس - وهو الكديمي - فإنه كذاب قال ابن عدي : " قد اتهم الكديمي بالوضع "
وقال ابن حبان : " لعله قد وضع أكثر من ألف حديث "
وشيخه عبد الله بن إبراهيم الغفاري قال الذهبي : " وهو عبد الله بن أبي عمرو المدني يدلسونه لوهنه نسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث وذكر له ابن عدي في فضل أبي بكر وعمر حديثين وهما باطلان تال الحاكم : يروي عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة "
قلت : وهذا منها فإن شيخه عبد الله بن أبي بكر ابن أخي محمد بن المنكدر ضعيف كما في " الميزان "
وأما الطريق الثاني ؟ فأخرجه ابن عبد البر في " الاستذكار " من طريق أبي الزبير عنه وهذه الطريق مع أنها أصح طرق الحديث - كما قال السيوطي في " اللآلئ " ( 2 / 63 ) - فقد قال فيها الحافظ ابن حجر : " هذا حديث منكر جدا "
كما نقله السيوطي نفسه عنه ولم يتعقبه بشيء وقد حمل فيه الحافظ على الفضل بن الحباب وقال : " لعله حدث به بعد احتراق كتبه "
قلت : وفيه علة أخرى وهي عنعنة أبي الزبير فإنه مدلس وقد أورده في " المدلسين " الحافظ وابن العجمي وقالا : " إنه مشهور بالتدليس "
وهكذا سائر طرق الحديث مدارها على متروكين أو مجهولين ومن الممكن أن يكونوا من أعداء الحسين رضي الله عنه الذين وضعوا الأحاديث في فضل الإطعام والاكتحال وغير ذلك يوم عاشوراء معارضة منهم للشيعة الذين جعلوا هذا اليوم يوم حزن على الحسين رضي الله عنه لأن قتله كان فيه
ولذلك جزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن هذا الحديث كذب وذكر أنه سئل الإمام أحمد عنه فلم يره شيئا وأيد ذلك بأن أحدا من السلف لم يستحب التوسعة يوم عاشوراء وأنه لا يعرف شئ من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة وقد فصل القول في هذا في " الفتاوى " ( 2 / 248 - 256 ) فراجعه وقد نقل المناوي عن المجد اللغوي أنه قال : " ما يروى في فضل صوم يوم عاشوراء والصلاة فيه والإنفاق والخضاب والادهان والاكتحال بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه "
وقال العلامة المحدث الشيخ مقبل رحمه الله في أحاديث معلة ظاهرها الصحة - (1 / 206):
215- قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج3ص459) : حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس: قال أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر
قال أبو عيسى حديث ابن عباس حسن صحيح.
الحديث إذا نظرت إلى سنده وجدتهم رجال الصحيح، ولكنه منقطع، الحسن لم يسمع من ابن عباس كما في "جامع التحصي" عن أحمد ويحيى وبهز بن أسد وابن المديني. وفي "عون المعبود" أن أصحاب الأطراف حملو قول الترمذي: حسن صحيح على حديث قبله لابن عباس.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع فتاويه - (26 / 249) - (26 / 250) - (26 / 251) - (26 / 252) - (26 / 253):
117 ـ حديث : من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام
... جميع الأحاديث الواردة في الاغتسال يوم عاشوراء والكحل والخضاب وغير ذلك مما يفعله أهل السنة يوم عاشوراء ضد الشيعة فهو موضوع ما عدا الصيام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ج4 ص513 ما نصه : ( وقوم من المتسننة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعارا في هذا اليوم - يعني يوم عاشوراء - يعارضون به شعار ذلك القوم -يعني الرافضة - فقابلوا باطلا بباطل وردوا بدعة ببدعة ، وإن كانت إحداهما -يعني بدعة الرافضة - أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد مثل : الحديث الطويل الذي روي فيه : « من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام ، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام » وأمثال ذلك من الخضاب يوم عاشوراء والمصافحة فيه ونحو ذلك ، فإن هذا الحديث ونحوه كذب مختلق باتفاق من يعرف علم الحديث ، وإن كان قد ذكره بعض أهل الحديث ، وقال : إنه صحيح وإسناده على شرط الصحيح ، فهذا من الغلط الذي لا ريب فيه كما هو مبين في غير هذا الموضع ، ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم ويرجع إليهم في معرفة ما أمر الله به ونهى عنه ، ولا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم ، ولا ذكر مثل هذا الحديث في شيء من الدواوين التي صنفها علماء الحديث لا في المسندات كمسند أحمد وإسحاق وأحمد بن منيع الحميدي والدالاني ([1]) وأبي يعلى الموصلي وأمثالها ، ولا في المصنفات على الأبواب كالصحاح والسنن ، ولا في الكتب المصنفة الجامعة للمسند والآثار مثل موطأ مالك ووكيع وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأمثالها
انتهى المقصود من كلامه رحمه الله .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه ( لطائف المعارف ) عند الكلام على صوم عاشوراء ما نصه :
وكل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح ، وأما الصدقة فيه فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : « من صام عاشوراء فكأنما صام السنة, ومن تصدق فيه كان كصدقة السنة » أخرجه أبو موسى المديني .
وأما التوسعة فيه على العيال ، فقال حرب : سألت أحمد عن الحديث الذي جاء « من وسع على أهله يوم عاشوراء » فلم يره شيئا . وقال ابن منصور : قلت لأحمد : هل سمعت في الحديث « من وسع على أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة » فقال : نعم . رواه سفيان بن عينية عن جعفر الأحمر ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، وكان من أفضل أهل زمانه أنه بلغه أنه « من وسع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة » قال ابن عينية جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيرا ، وقول حرب : إن أحمد لم يره شيئا إنما أراد به الحديث الذي يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح إسناده .وقد روي من وجوه متعددة لا يصح منها شيء ، وممن روى ذلك محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وقال العقيلي : هو غير محفوظ ، وقد روي عن عمر من قوله وفي إسناده مجهول لا يعرف ، وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين رضي الله عنه فيه ، فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا ، وهو يحسب أنه يحسن صنعا, ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم ... ا هـ . كلامه رحمه الله .
وبما ذكرنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب رحمهما الله يعلم أن الأحاديث الواردة في تخصيص يوم عاشوراء بالاكتحال أو الاغتسال أو الاختضاب موضوعة ، وهكذا أحاديث التوسعة على العيال كلها غير صحيحة ، وأما ما نقله إبراهيم بن محمد المنتشر وهو من صغار التابعين عن غيره ولم يسمه, وهكذا عمل سفيان بن عينية الإمام المشهور فلا يجوز الاحتجاج بذلك على شرعية التوسعة على العيال ؛ لأن الحجة في الكتاب والسنة لا في عمل التابعين ومن بعدهم ؛ وبذلك يعتبر أمر التوسعة على العيال يوم عاشوراء بدعة غير مشروعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » خرجه مسلم في صحيحه وعلقه البخاري جازما به , ولقوله صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .
وأما الصدقة فيه: ففيها حديث عبد الله بن عمرو المذكور آنفا في كلام الحافظ ابن رجب وهو موقوف عليه, رواه عنه أبو موسى المديني ، ولم يتكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله على سنده والغالب على أفراد أبي موسى المديني الضعف وعدم الصحة فلا يشرع الأخذ به إلا بعد صحة سنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ومتى صح عنه وهو حكم الرفع ؛ لأن مثله لا يقال من جهة الرأي. وأما اتخاذ يوم عاشوراء مأتما فهو من البدع المنكرة التي أحدثها الرافضة ، وخالفوا بها أهل السنة والجماعة ، وما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز التشبه بهم في ذلك والله المستعان .
[1] كذا في الأصل ولعله الدولابي.(التعقيب من المصدر)