بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلاّمة المحدّث محمد ناصر الدّين الألباني - رحمه الله – تحت حديث رقم 964 من "السلسلة الضعيفة"
( كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها و هو على المنبر )
لا أصل له بهذه الزيادة ( وهو على المنبر ) فيما أعلم وقد أورده هكذا الزرقاني في " شرح المواهب اللدنية " ( 7/394 ) من رواية أبي داود ؟... والذي رأيته في " سنن أبي داود " ( 1/158 ) من طريق أبي جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه ( أنّ النبي نوول يوم العيد قوساً فخطب عليه )....
ثمّ قال الشيخ - رحمه الله – " فأنت ترى أنّه ليس في الحديث أنّ ذلك كان على المنبر ويوم الجمعة , بل هو صريح في يوم العيد دون المنبر , ولم يكن صلى الله عليه و سلم يخطب فيه على المنبر , لأنّه كان يصلي في المصلى , و لذلك لم يصح التعقب به كما فعل الزرقاني تبعا لأصله : القسطلاني على ابن القيم في قوله في " زاد المعاد " ( 1 – 166 ) :
" ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره , و إنّما كان يعتمد على عصا , ولم يحفظ عنه أنّه اعتمد على سيف , و ما يظنه بعض الجهال أنّه كان يعتمد على السيف دائما , و أنّ ذلك إشارة إلى أنّ الدّين قام بالسيف فمن فرط جهله , فإنّه لا يحفظ عنه بعد اتّخاذ المنبر أنّه كان يرقاه بسيف و لا قوس و لا غيره , و لا قبل اتّخاذه أنّه أخذ بيده سيفا البتة , و إنّما كان يعتمد على عصا أو قوس " .
فقوله " قبل أن يتخذ المنبر " صواب لا غبار عليه.
وإن نظر فيه القسطلاني و تعقبه الزرقاني كما أشرنا آنفا , و ذلك قوله في شرحه :
" كيف وفي أبي داود : كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها و هو على المنبر " !
فقد علمت مما سبق أنّ هذا لا أصل له عند أبي داود , بل و لا عند غيره من أهل السنن الأربعة و غيرهم , فقد تتبعت الحديث فيما أمكنني من المصادر , فوجدته روي عن جماعة من الصحابة , و هم الحكم بن حزن الكلفي , و عبد الله بن الزبير , و عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس , وسعد القرظ المؤذن , وعن عطاء مرسلاً , وليس في شيء منها ما ذكره الزرقاني , و إليك ألفاظ أحاديثهم مع تخريجها :
1 – عن الحكم بن حزن قال:
" شهدنا الجمعة مع رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فقام متوكئا على عصا أو قوس , فحمد الله , و أثنى عليه .." الحديث .
أخرجه أبو داود ( 1 – 172 ) بسند حسن و كذا البيهقي ( 3 – 206 ) و أحمد و ابنه في زوائد " المسند" ( 4 – 212 ) , قال الحافظ في " التلخيص " ( 137 ) :
" و إسناده حسن , فيه شهاب بن خراش , و قد اختلف فيه , و الأكثر وثقوه و قد صححه ابن السكن و ابن خزيمة ".
2 – عن عبد الله بن الزبير :
" أنّ النبي – صلى الله عليه و سلم – كان يخطب بمخصرة في يده " .
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " ( 1 – 377 ) و أبو الشيخ ( 155 ) بسند رجاله ثقات , غير أنّ فيه ابن لهيعة , سيّء الحفظ .
3- عن عبد الله بن عبّاس قال :
" كان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يخطبهم يوم الجمعة في السفر , متوكئا على قوس قائما " .
رواه أبو الشيخ ( 146 ) بسند واه جدا , فيه الحسن بن عمارة و هو متروك .
4- عن سعد القرظ المؤذن :
" أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس , و إذا خطب في الجمعة خطب على عصا "
أخرجه البيهقي ( 3 – 206 ) , و فيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار و هو ضعيف .
5 – عن عطاء يرويه عنه ابن جريج قال :
" قلت لعطاء : أكان رسول الله – صلى الله عليه و سلم - يقوم على عصا إذا خطب ؟ قال : نعم , كان يعتمد عليها اعتمادا " .
أخرجه الشافعي في " الأمّ " ( 1 – 177 ) و في " المسند "( 1 – 163 ) و البيهقي من طريقين عن ابن جريج به , فهو إسناد مرسل صحيح , و أمّا قول الحافظ:
" رواه الشافعي عن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عطاء مرسلا , و ليث ضعيف " .
فوهم منه تبعه عليه الشوكاني ( 3 – 228 ) , فليس الحديث عنده بهذا الإسناد , ثم لو كان كذلك فهو ضعيف جدا , لأنّ إبراهيم - و هو ابن أبي يحيى الأسلمي - أشدّ ضعفا من الليث , فإنّه متهم بالكذب .
وجملة القول : أنّه لم يرد في حديث أنّه صلى الله عليه و سلم كان يعتمد على العصا أو القوس و هو على المنبر , فلا يصح الاعتراض على ابن القيم في قوله : إنّه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم بعد اتخاذه المنبر أنّه كان يرقاه بسيف و لا قوس و غيره , بل الظاهر من تلك الأحاديث الاعتماد على القوس إذا خطب على الأرض والله أعلم.
فإن قيل : في حديث الحكم بن حزن المتقدم أنّه شهد النبي صلى الله عليه و سلم في خطبة الجمعة متوكئا على عصا أو قوس . وقد ذكروا في ترجمته أنّه أسلم عام الفتح , أي سنة ثمان , و أن المنبر عمل له سنة سبع فتكون خطبته صلى الله عليه و سلم المذكورة على المنبر , ضرورة أنّه رآه يخطب بعد أن اتّخذ له المنبر , و هذا ظاهر مع تذكر أنّه لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه و سلم صلى الجمعة في غير مسجده صلى الله عليه و سلم .
قلت : هذا الاستنتاج صحيح لو أنّ المقدمتين المذكورتين ثابتتان , و ليس كذلك , أما
الأولى : و هي أنّ الحكم أسلم عام الفتح , فهذا لم أر من ذكره ممن ألّف في تراجم الصحابة و غيرهم , و إنّما ذكره الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 – 65 ) عند الكلام على حديثه المتقدم , فقال :
" قال ابن عبد البر : إنّه أسلم عام الفتح , و قيل يوم اليمامة , و أبوه حزن بن أبي وهب المخزومي " .
و قد رجعت إلى كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر , فلم أره ذكر ذلك , ثم عدت إلى الكتب الأخرى مثل " أسد الغابة " لابن الأثير , و " تجريده " للذهبي , و " الإصابة " و " تهذيب التهذيب " للعسقلاني , فلم أجدهم زادوا على ما في " الاستيعاب " ! فلو كان لذلك أصل عند ابن عبد البر لما خفي عليهم جميعا , و لما أغفلوه , لا سيما, و ترجمته عندهم جرداء ليس فيها إلاّ أنّه روى هذا الحديث الواحد! ثم إن ّ في حديثه ما قد يمكن أن يؤخذ منه أن إسلامه قد كان متقدما على عام الفتح فإنّه قال :
وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم سابع سبعة أو تاسع تسعة , فقلنا : يا رسول الله زرناك فادع الله لنا بخير , فأمر بنا , أو أمر لنا بشيء من التمر , و الشأن إذ ذاك دون فأقمنا أيّاما شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ...الحديث .
فقوله : " و الشأن إذ ذاك دون " يشعر بأنّه قدم عليه صلى الله عليه و سلم و الزمان زمان فقر ضيق وفي العيش , و ليس هذا الوصف بالذي ينطبق على زمان فتح مكة كما هو ظاهر , فإنّه زمن فتح و نصر و خيرات و بركات , فالذي يبدو لي أنّه أسلم في أوائل قدومه صلى الله عليه و سلم إلى المدينة . و الله أعلم .
و قول الصنعاني : " و أبوه حزن بن أبي وهب المخزومي " خطأ آخر , لا أدري كيف وقع له هذا و الذي قبله , فإنّ حزن بن أبي وهب قرشي مخزومي و ليس كلفيا . و هو جد سعيد بن المسيب بن حزن .
وأمّا المقدمة الأخرى و هي أنّ المنبر عمل له – صلى الله عليه و سلم – سنة سبع , فهذا مما لا أعلم عليه دليلا إلاّ جزم ابن سعد بذلك , و لكن الحافظ ابن حجر لم يسلم به و نظر فيه لأمرين , أصحّهما أنّه لا خلاف ما دل عليه حديث ابن عمر :
" أنّ النبي صلى الله عليه و سلم لما بدّن قال له تميم الداري : ألا أتّخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك ؟ قال : بلى . فاتّخذ له منبرا مرقاتين " .
أخرجه أبو داود ( 1 – 170 ) بسند جيّد كما قال الحافظ ( 2 – 318 ) .
و تميم الداري إنّما كان إسلامه سنة تسع , فدلّ على أنّ المنبر إنّما اتّخذ في هذه السنة لا قبلها . و لكن قال الحافظ :
" و فيه نظر أيضا لما ورد في حديث الإفك في " الصحيحين " عن عائشة قالت : " فثار الحيان الأوس و الخزرج حتى كادوا أن يقتلوا . و رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر فخفضهم حتى سكتوا " . فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر , و إلاّ فهو أصّح مما مضى . "
و يشير الحافظ بهذا إلى أنّ قصّة الإفك وقعت في غزوة المريسيع سنة أربع أو خمس على قولين , و رجح الحافظ ( 7 – 345 ) الثاني , و عليه فقد كان المنبر موجودا في السنة الخامسة , فهو يعارض ما دل عليه حديث تميم , فلا بدّ من التّوفيق بينهما , و ذلك بحمل ذكر المنبر في حديث الإفك على التجوز كما ذكره الحافظ . و الله أعلم.
و سواء ثبت هذا الجمع أو لم يثبت , فيكفي في الدلالة على عدم صحة ذلك الاستنتاج ثبوت ضعف المقدمة الأولى و هي كون الحكم بن حزن أسلم سنة ثمان ، و الله أعلم .
قال العلاّمة المحدّث محمد ناصر الدّين الألباني - رحمه الله – تحت حديث رقم 964 من "السلسلة الضعيفة"
( كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها و هو على المنبر )
لا أصل له بهذه الزيادة ( وهو على المنبر ) فيما أعلم وقد أورده هكذا الزرقاني في " شرح المواهب اللدنية " ( 7/394 ) من رواية أبي داود ؟... والذي رأيته في " سنن أبي داود " ( 1/158 ) من طريق أبي جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه ( أنّ النبي نوول يوم العيد قوساً فخطب عليه )....
ثمّ قال الشيخ - رحمه الله – " فأنت ترى أنّه ليس في الحديث أنّ ذلك كان على المنبر ويوم الجمعة , بل هو صريح في يوم العيد دون المنبر , ولم يكن صلى الله عليه و سلم يخطب فيه على المنبر , لأنّه كان يصلي في المصلى , و لذلك لم يصح التعقب به كما فعل الزرقاني تبعا لأصله : القسطلاني على ابن القيم في قوله في " زاد المعاد " ( 1 – 166 ) :
" ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره , و إنّما كان يعتمد على عصا , ولم يحفظ عنه أنّه اعتمد على سيف , و ما يظنه بعض الجهال أنّه كان يعتمد على السيف دائما , و أنّ ذلك إشارة إلى أنّ الدّين قام بالسيف فمن فرط جهله , فإنّه لا يحفظ عنه بعد اتّخاذ المنبر أنّه كان يرقاه بسيف و لا قوس و لا غيره , و لا قبل اتّخاذه أنّه أخذ بيده سيفا البتة , و إنّما كان يعتمد على عصا أو قوس " .
فقوله " قبل أن يتخذ المنبر " صواب لا غبار عليه.
وإن نظر فيه القسطلاني و تعقبه الزرقاني كما أشرنا آنفا , و ذلك قوله في شرحه :
" كيف وفي أبي داود : كان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها و هو على المنبر " !
فقد علمت مما سبق أنّ هذا لا أصل له عند أبي داود , بل و لا عند غيره من أهل السنن الأربعة و غيرهم , فقد تتبعت الحديث فيما أمكنني من المصادر , فوجدته روي عن جماعة من الصحابة , و هم الحكم بن حزن الكلفي , و عبد الله بن الزبير , و عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس , وسعد القرظ المؤذن , وعن عطاء مرسلاً , وليس في شيء منها ما ذكره الزرقاني , و إليك ألفاظ أحاديثهم مع تخريجها :
1 – عن الحكم بن حزن قال:
" شهدنا الجمعة مع رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فقام متوكئا على عصا أو قوس , فحمد الله , و أثنى عليه .." الحديث .
أخرجه أبو داود ( 1 – 172 ) بسند حسن و كذا البيهقي ( 3 – 206 ) و أحمد و ابنه في زوائد " المسند" ( 4 – 212 ) , قال الحافظ في " التلخيص " ( 137 ) :
" و إسناده حسن , فيه شهاب بن خراش , و قد اختلف فيه , و الأكثر وثقوه و قد صححه ابن السكن و ابن خزيمة ".
2 – عن عبد الله بن الزبير :
" أنّ النبي – صلى الله عليه و سلم – كان يخطب بمخصرة في يده " .
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " ( 1 – 377 ) و أبو الشيخ ( 155 ) بسند رجاله ثقات , غير أنّ فيه ابن لهيعة , سيّء الحفظ .
3- عن عبد الله بن عبّاس قال :
" كان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يخطبهم يوم الجمعة في السفر , متوكئا على قوس قائما " .
رواه أبو الشيخ ( 146 ) بسند واه جدا , فيه الحسن بن عمارة و هو متروك .
4- عن سعد القرظ المؤذن :
" أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس , و إذا خطب في الجمعة خطب على عصا "
أخرجه البيهقي ( 3 – 206 ) , و فيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار و هو ضعيف .
5 – عن عطاء يرويه عنه ابن جريج قال :
" قلت لعطاء : أكان رسول الله – صلى الله عليه و سلم - يقوم على عصا إذا خطب ؟ قال : نعم , كان يعتمد عليها اعتمادا " .
أخرجه الشافعي في " الأمّ " ( 1 – 177 ) و في " المسند "( 1 – 163 ) و البيهقي من طريقين عن ابن جريج به , فهو إسناد مرسل صحيح , و أمّا قول الحافظ:
" رواه الشافعي عن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عطاء مرسلا , و ليث ضعيف " .
فوهم منه تبعه عليه الشوكاني ( 3 – 228 ) , فليس الحديث عنده بهذا الإسناد , ثم لو كان كذلك فهو ضعيف جدا , لأنّ إبراهيم - و هو ابن أبي يحيى الأسلمي - أشدّ ضعفا من الليث , فإنّه متهم بالكذب .
وجملة القول : أنّه لم يرد في حديث أنّه صلى الله عليه و سلم كان يعتمد على العصا أو القوس و هو على المنبر , فلا يصح الاعتراض على ابن القيم في قوله : إنّه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم بعد اتخاذه المنبر أنّه كان يرقاه بسيف و لا قوس و غيره , بل الظاهر من تلك الأحاديث الاعتماد على القوس إذا خطب على الأرض والله أعلم.
فإن قيل : في حديث الحكم بن حزن المتقدم أنّه شهد النبي صلى الله عليه و سلم في خطبة الجمعة متوكئا على عصا أو قوس . وقد ذكروا في ترجمته أنّه أسلم عام الفتح , أي سنة ثمان , و أن المنبر عمل له سنة سبع فتكون خطبته صلى الله عليه و سلم المذكورة على المنبر , ضرورة أنّه رآه يخطب بعد أن اتّخذ له المنبر , و هذا ظاهر مع تذكر أنّه لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه و سلم صلى الجمعة في غير مسجده صلى الله عليه و سلم .
قلت : هذا الاستنتاج صحيح لو أنّ المقدمتين المذكورتين ثابتتان , و ليس كذلك , أما
الأولى : و هي أنّ الحكم أسلم عام الفتح , فهذا لم أر من ذكره ممن ألّف في تراجم الصحابة و غيرهم , و إنّما ذكره الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 – 65 ) عند الكلام على حديثه المتقدم , فقال :
" قال ابن عبد البر : إنّه أسلم عام الفتح , و قيل يوم اليمامة , و أبوه حزن بن أبي وهب المخزومي " .
و قد رجعت إلى كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر , فلم أره ذكر ذلك , ثم عدت إلى الكتب الأخرى مثل " أسد الغابة " لابن الأثير , و " تجريده " للذهبي , و " الإصابة " و " تهذيب التهذيب " للعسقلاني , فلم أجدهم زادوا على ما في " الاستيعاب " ! فلو كان لذلك أصل عند ابن عبد البر لما خفي عليهم جميعا , و لما أغفلوه , لا سيما, و ترجمته عندهم جرداء ليس فيها إلاّ أنّه روى هذا الحديث الواحد! ثم إن ّ في حديثه ما قد يمكن أن يؤخذ منه أن إسلامه قد كان متقدما على عام الفتح فإنّه قال :
وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم سابع سبعة أو تاسع تسعة , فقلنا : يا رسول الله زرناك فادع الله لنا بخير , فأمر بنا , أو أمر لنا بشيء من التمر , و الشأن إذ ذاك دون فأقمنا أيّاما شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ...الحديث .
فقوله : " و الشأن إذ ذاك دون " يشعر بأنّه قدم عليه صلى الله عليه و سلم و الزمان زمان فقر ضيق وفي العيش , و ليس هذا الوصف بالذي ينطبق على زمان فتح مكة كما هو ظاهر , فإنّه زمن فتح و نصر و خيرات و بركات , فالذي يبدو لي أنّه أسلم في أوائل قدومه صلى الله عليه و سلم إلى المدينة . و الله أعلم .
و قول الصنعاني : " و أبوه حزن بن أبي وهب المخزومي " خطأ آخر , لا أدري كيف وقع له هذا و الذي قبله , فإنّ حزن بن أبي وهب قرشي مخزومي و ليس كلفيا . و هو جد سعيد بن المسيب بن حزن .
وأمّا المقدمة الأخرى و هي أنّ المنبر عمل له – صلى الله عليه و سلم – سنة سبع , فهذا مما لا أعلم عليه دليلا إلاّ جزم ابن سعد بذلك , و لكن الحافظ ابن حجر لم يسلم به و نظر فيه لأمرين , أصحّهما أنّه لا خلاف ما دل عليه حديث ابن عمر :
" أنّ النبي صلى الله عليه و سلم لما بدّن قال له تميم الداري : ألا أتّخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك ؟ قال : بلى . فاتّخذ له منبرا مرقاتين " .
أخرجه أبو داود ( 1 – 170 ) بسند جيّد كما قال الحافظ ( 2 – 318 ) .
و تميم الداري إنّما كان إسلامه سنة تسع , فدلّ على أنّ المنبر إنّما اتّخذ في هذه السنة لا قبلها . و لكن قال الحافظ :
" و فيه نظر أيضا لما ورد في حديث الإفك في " الصحيحين " عن عائشة قالت : " فثار الحيان الأوس و الخزرج حتى كادوا أن يقتلوا . و رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر فخفضهم حتى سكتوا " . فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر , و إلاّ فهو أصّح مما مضى . "
و يشير الحافظ بهذا إلى أنّ قصّة الإفك وقعت في غزوة المريسيع سنة أربع أو خمس على قولين , و رجح الحافظ ( 7 – 345 ) الثاني , و عليه فقد كان المنبر موجودا في السنة الخامسة , فهو يعارض ما دل عليه حديث تميم , فلا بدّ من التّوفيق بينهما , و ذلك بحمل ذكر المنبر في حديث الإفك على التجوز كما ذكره الحافظ . و الله أعلم.
و سواء ثبت هذا الجمع أو لم يثبت , فيكفي في الدلالة على عدم صحة ذلك الاستنتاج ثبوت ضعف المقدمة الأولى و هي كون الحكم بن حزن أسلم سنة ثمان ، و الله أعلم .
تعليق