إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رد الشيخ الألباني على غلاة الشيعة وعلى المدعو عبدالوارث كبير لردهم لحديث أبي هريرة-أذا وقع الذباب...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد الشيخ الألباني على غلاة الشيعة وعلى المدعو عبدالوارث كبير لردهم لحديث أبي هريرة-أذا وقع الذباب...

    نقلا من السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله
    الرد على الشيعة، وعبدالوارث كبير ، لردهم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
    إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْأُخْرَى شِفَاءً

    قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 58 :

    ورد من حديث أبي هريرة ، و أبي سعيد الخدري ، و أنس بن مالك .

    1 - أما حديث أبي هريرة فله عنه طرق :
    الأول : عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول ، فذكره .
    أخرجه البخاري ( 2 / 329 و 4 / 71 - 72 ) ، و الدارمي ( 2 / 99 ) ، و ابن ماجه
    ( 3505 ) ، و أحمد ( 2 / 398 ) ، و ما بين المربعين زيادة له ، و هي للبخاري
    في رواية له .
    الثاني : عن سعيد بن أبي سعيد عنه .
    رواه أبو داود ( 3844 ) من طريق أحمد ، و هذا في " المسند " ( 3 / 229 ، 246 )
    و الحسن بن عرفة في " جزئه " ( ق 91 / 1 ) من طريق محمد بن عجلان عنه به
    و زاد : " و إنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ، فليغمسه كله " . و إسناده حسن .
    و قد تابعه إبراهيم بن الفضل عن سعيد به .
    أخرجه أحمد ( 2 / 443 ) ، و إبراهيم هذا هو المخزومي المدني و هو ضعيف .
    الثالث : عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عنه به .
    أخرجه الدارمي و أحمد ( 2 / 263 ، 355 ، 388 ) ، و سنده صحيح على شرط مسلم .
    الرابع : عن محمد بن سيرين عنه به .
    رواه أحمد ( 2 / 355 ، 388 ) ، و سنده صحيح أيضا .
    الخامس : عن أبي صالح عنه .
    رواه أحمد ( 2 / 340 ) ، و الفاكهي في " حديثه " ( 2 / 50 / 2 ) ، بسند حسن .
    2 - و أما حديث أبي سعيد الخدري فلفظه :
    " إن أحد جناحي الذباب سم و الآخر شفاء ، فإذا وقع في الطعام ، فاملقوه ، فإنه
    يقدم السم ، و يؤخر الشفاء " .


    قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 59 :

    رواه أحمد ( 3 / 67 ) : حدثنا يزيد قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد
    قال : دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد و كتلة ، فأسقط ذباب في الطعام ، فجعل
    أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه ، فقلت : يا خال ! ما تصنع ؟ فقال :
    إن أبا سعيد الخدري حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
    و رواه ابن ماجه ( 3504 ) :
    حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون به مرفوعا دون القصة .
    و رواه الطيالسي في " مسنده " ( 2188 ) :
    حدثنا ابن أبي ذئب به ، و عنه رواه النسائي ( 2 / 193 ) ، و أبو يعلى في
    " مسنده " ( ق 65 / 2 ) و ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 102 ) .
    قلت : و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن خالد و هو القارظي
    و هو صدوق كما قال الذهبي و العسقلاني .
    3 - و أما حديث أنس :
    فرواه البزار و رجاله رجال الصحيح .
    رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " ( 5 / 38 ) ،
    و ابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير " .
    قال الحافظ : و إسناده صحيح ، كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 55 ) .
    أما بعد ، فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة ، عن هؤلاء الصحابة الثلاثة
    أبي هريرة و أبي سعيد و أنس ، ثبوتا لا مجال لرده و لا للتشكيك فيه ، كما ثبت
    صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
    خلافا لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين ، و من تبعه من الزائغين ، حيث طعنوا فيه
    رضي الله عنه لروايته إياه ، و اتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله
    عليه وسلم ، و حاشاه من ذلك ، فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك
    و أن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه ، لأنهم رموا صحابيا بالبهت ، و ردوا
    حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة !
    و قد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت ، و ليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد
    أبي هريرة بالحديث ، و هو حجة و لو تفرد ، أم جهلوا ذلك ، فإن كان الأول فلماذا
    يتعللون برواية أبي هريرة إياه ، و يوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب
    الكرام ؟ ! و إن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص و العلم بالحديث الشريف ؟
    و ما أحسن ما قيل :
    فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
    ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء و هو أن
    الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم ، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك
    الجراثيم ، و الحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك ، بل هو يؤيدهم إذ
    يخبر أن في أحد جناحيه داء ، و لكنه يزيد عليهم فيقول : " و في الآخر شفاء "
    فهذا مما لم يحيطوا بعلمه ، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين ، و إلا
    فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء ! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد
    أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه .
    نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة ، و قد اختلفت
    آراء الأطباء حوله ، و قرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه
    تأييدا أو ردا ، و نحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث و أن النبي صلى الله عليه
    وسلم ( ما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) ، لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث
    من وجهة نظر الطب ، لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي
    و مع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح ،
    و لذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء
    في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال :
    " يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض
    المختلفة ، فينقل بعضها بأطرافه ، و يأكل بعضا ، فيتكون في جسمه من ذلك مادة
    سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا " ، و هي تقتل كثيرا من جراثيم
    الأمراض ، و لا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم
    الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا . و أن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب ،
    هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته ، و على هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام
    و ألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب ، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم
    و أول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد
    جناحيه ، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه ، و غمس الذباب كله و طرحه كاف
    لقتل الجراثيم التي كانت عالقة ، و كاف في إبطال عملها " .
    و قد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا ضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد
    السيوطي ( مجلد العام الأول ) و قرأت كلمة في مجلد العام الفائت ( ص 503 ) كلمة
    للطبيبين محمود كمال و محمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر .
    ثم وقفت على العدد ( 82 ) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان :
    " أنت تسأل ، و نحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير ، جوابا له على سؤال
    عما لهذا الحديث من الصحة و الضعف ؟ فقال :
    " أما حديث الذباب ، و ما في جناحيه من داء و شفاء ، فحديث ضعيف ، بل هو عقلا
    حديث مفترى ، فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم و الأقذار ...
    و لم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء و في الآخر شفاء ، إلا من وضع هذا
    الحديث أو افتراه ، و لو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب
    و يحض على مكافحته " .
    و في الكلام على اختصاره من الدس و الجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث
    رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و صيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف
    القول ! فأقول :
    أولا : لقد زعم أن الحديث ضعيف ، يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل
    قوله : " بل هو عقلا حديث مفترى " .
    و هذا الزعم واضح البطلان ، تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن
    رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و كلها صحيحة . و حسبك دليلا على ذلك أن أحدا
    من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء !
    ثانيا : لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا .
    و هذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه ، لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا
    يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به ، ألست تراه يقول :
    " و لم يقل أحد ... ، و لو صح لكشف عنه العلم الحديث ... " .
    فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما ، أم أن أهله الذين لم
    يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون : إننا كلما ازددنا علما بما
    في الكون و أسراره ، ازددنا معرفة بجهلنا ! و أن الأمر بحق كما قال الله تبارك
    و تعالى : ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
    و أما قوله : " إن العلم يقطع بمضار الذباب و يحض على مكافحته " !
    فمغالطة مكشوفة ، لأننا نقول : إن الحديث لم يقل نقيض هذا ، و إنما تحدث عن
    قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها ، فإذا قال الحديث :
    " إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم ، لا من العرب و لا من العجم ، اللهم إلا
    العجم في عقولهم و إفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب و لا يكافحه ؟
    ثالثا : قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم ، من أن الذباب يحمل في جوفه
    ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم . و هذا و إن لم يكن موافقا لما
    في الحديث على وجه التفصيل ، فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار
    إليه و أمثاله من اجتماع الداء و الدواء في الذباب ، و لا يبعد أن يأتي يوم
    تنجلي فيه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثبوت التفاصيل المشار إليها
    علميا ، ( و لتعلمن نبأه ، بعد حين ) .
    و إن من عجيب أمر هذا الكاتب و تناقضه ، أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف
    هذا الحديث ، ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع
    مرات : إحداهن بالتراب " فقال :
    " حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين
    على صحته ، فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم ، فكيف جاز له
    تضعيف هذا و تصحيح ذاك ؟ ! ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح
    عنده في معناه ، لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة ، و أن المقصود من
    التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر !
    و هذا تأويل باطل ، بين البطلان و إن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه
    .
    فلا أدري أي خطأيه أعظم ، أهو تضعيفه للحديث الأول و هو صحيح ، أم تأويله
    للحديث الآخر و هو تأويل باطل ! .
    و بهذه المناسبة ، فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في
    بعض المجلات السائرة ، أو الكتب الذائعة ، من البحوث الإسلامية ، و خصوصا ما
    كان منها في علم الحديث ، إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا ، ثم بعلمه
    و اختصاصه فيه ثانيا ، فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر ، و خصوصا
    من يحمل منهم لقب " الدكتور " ! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم ، و ما لا
    علم لهم به ، و إني لأعرف واحدا من هؤلاء ، أخرج حديثا إلى الناس كتابا جله في
    الحديث و السيرة ، و زعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار في
    كتب السنة و السيرة ! ثم هو أورد فيه من الروايات و الأحاديث ما تفرد به
    الضعفاء و المتروكون و المتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي و غيره ، بل أورد
    فيه حديث : " نحن نحكم بالظاهر ، و الله يتولى السرائر " ، و جزم بنسبته إلى
    النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ ، كما نبه
    عليه حفاظ الحديث كالسخاوي و غيره ، فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء .
    و الله المستعان
    التعديل الأخير تم بواسطة مهدي بن هيثم الشبوي; الساعة 19-11-2008, 07:22 PM.

  • #2
    جزاكم الله خيرا أخانا أبا عثمان على اختياركم لهذا الموضوع المهم،


    ولقد مرّ بي كلامٌ حول هذه المسألة للشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- ساقه الشيخ مقبل -رحمه الله- في آخر كتابه الماتع : (ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر)، قال فيه:

    وللشيخ الفاضل أحمد شاكر رحمه الله كلام حسن في توجعه من بعض معاصريه في تهجّمه على كتب السنة بالهوى، قال رحمه الله في الكلام على حديث أبي هريرة: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم)) (ج12 ص124) من تحقيق المسند: وهذا الحديث مما لعب فيه بعض معاصرينا ممن علم وأخطأ وممن علم وعمد إلى عداء السنة وممن جهل وتجرّأ.

    فمنهم من حمل على أبي هريرة وطعن في روايته وحفظه، بل منهم من جرؤ على الطعن في صدقه فيما يروي حتى غلا بعضهم فزعم أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة، إن لم يزعم أنّها لا أصل لها، بما رأوا من شبهات في نقد بعض الأئمة لأسانيد قليلة فيهما، فلم يفهموا اعتراض أولئك المتقدمين الذين أرادوا بنقدهم أنّ بعض أسانيدهما خارجة عن الدرجة العليا من الصحة التى التزمها الشيخان لم يريدوا أنّها أحاديث ضعيفة قط.

    ومن الغريب أن هذا الحديث بعينه -حديث الذباب- لم يكن مما إستدركه أحد من أئمة الحديث على البخاري، بل هو عندهم جميعًا مما جاء على شرطه في أعلى درجات الصحة.

    ومن الغريب أيضًا أنّ هؤلاء الذين حملوا على أبي هريرة على علم كثير منهم بالسنة وسعة اطلاعهم رحمهم الله، غفلوا أو تغافلوا عن أنّ أبا هريرة رضى الله عنه لم ينفرد بروايته بل رواه أبوسعيد الخدري أيضًا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند أحمد في "المسند" (11207،11666) والنسائي (ج2 ص193) وابن ماجة (ج2 ص185) والبيهقي (ج1 ص253) بأسانيد صحاح، ورواه أنس بن مالك أيضًا، كما ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (ج5 ص 38) وقال: رواه البزار ورجـاله رجـال الصحيـح، ورواه الطـبراني في "الأوسط" وذكره الحافظ في "الفتح" (ج10 ص213) وقال: أخرجه البزار ورجاله ثقات.

    فأبوهريرة لم ينفرد برواية هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكنه انفرد بالحمل عليه منهم بما غفلوا أنه رواه اثنان غيره من الصحابة.

    والحق أنه لم يعجبهم هذا الحديث لما وقر في نفوسهم من أنه ينافي المكتشفات الحديثة من المكروبات ونحوها، وعصمهم إيمانهم عن أن يجرؤا على المقام الأسمى فاستضعفوا أباهريرة.

    والحق أيضًا أنّهم آمنوا بهذه المكتشفات الحديثة أكثر من إيمانهم بالغيب ولكنهم لا يصرحون ثم اختطوا لأنفسهم خطةً عجيبةً: أن يقدموها على كل شيء وأن يؤلوا القرآن بما يخرجه عن معنى الكلام العربي إذا ما خالف ما يسمونه (الحقائق العلمية) وأن يردوا من السنة الصحيحة ما يظنون أنه يخالف حقائقهم هذه، افتراءً على الله وحبًا في التجديد، بل إن منهم لمن يؤمن ببعض خرافات الأوربيين، وينكر حقائق الإسلام أو يتأولها، فمنهم من يؤمن بخرافات استحضار الأرواح، وينكر وجود الملائكة والجن بالتأول العصري الحديث، ومنهم من يؤمن بأساطير القدماء وما ينسب إلى القديسين والقديسات، ثم ينكر معجزات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلها، ويتأول ما ورد في الكتاب والسنة من معجزات الأنبياء السابقين يخرجونها عن معنى الإعجاز كله وهكذا وهكذا.. وفي عصرنا هذا صديق لنا كاتب قدير أديب جيد الأداء، واسع الأطلاع، كنا نعجب بقلمه وعلمه واطلاعه، ثم بدت منه هنات وهنات على صفحات الجرائد والمجلات في الطعن على السنة والازراء برواتها من الصحابة فمن بعدهم، يستمسك بكلمات للمتقدمين فى أسانيد معينة يجعلها -كما يصنع المستشرقون- قواعد عامة يوسع من مداها ويخرج بها عن حدها الذي أراده قائلوها، وكانت بيننا في ذلك مساجلات شفوية ومكاتبات خاصة، حرصًا مني على دينه وعلى عقيدته.

    ثم كتب في إحدى المجلات -منذ أكثر من عامين- كلمةً على طريقته التي ازداد فيها إمعانًا وغلوًا، فكتبت له كتابًا طويلاً في شهر جمادى الأولى سنة (1370) كان مما قلت له فيه من غير أن أسميه هنا، أو أسمي المجلة التى كتب فيها قلت له: وقد قرأت لك منذ أسبوعين تقريبًا كلمة في مجلة... لم تدع فيها ما وقر في قلبك من الطعن في روايات الحديث الصحيحة، ولست أزعم أني أستطيع إقناعك أو أرضي إحراجك بالإقلاع عما أنت فيه.

    وليتك -يا أخي- درست علوم الحديث وطرق روايته، دراسةً وافيةً غير متأثر بسخافات (فلان) رحمه الله وأمثاله، ممن قلدهم وممن قلدوه، فأنت تبحث وتنقّب على ضوء شيء استقر في قلبك من قبل، لا بحثًا حرًا خاليًا من الهوى، وثق أني لك ناصح أمين، لا يهمني ولا يغضبني أن تقول في السنة ما تشاء فقد قرأت من مثل كلامك أضعاف ما قرأت، ولكنك تضرب الكلام بعضه ببعض، وثق -يا أخي- أن المستشرقين فعلوا مثل ذلك في السنة، فقلت مثل قولهم وأعجبك رأيهم، إذ صادف منك هوىً، ولكنك نسيت أنّهم فعلوا مثل ذلك وأكثر منه في القرآن نفسه، فما ضار القرآن ولا السنة شيء مما فعلوا، وقبلهم قام المعتزلة وكثير من أهل الرأي والأهواء، ففعلوا بعض هذا أو كله، فما زادت السنة إلا ثبوتًا كثبوت الجبال، وأتعب هؤلاء رؤوسهم وحدها وأوهموها، بل لم نر فيمن تقدّمنا من أهل العلم من اجترأ على ادعاء أن في الصحيحين أحاديث موضوعة فضلاً عن الإيهام والتشنيع الذى يطويه كلامك، فيوهم الأغرار أن أكثر ما في السنة موضوع، هذا كلام المستشرقين، غاية ما تكلم فيه العلماء نقد أحاديث فيهما بأعيانها لا بادّعاء وضعها والعياذ بالله، ولا بادّعاء ضعفها، إنما نقدوا عليهما أحاديث ظنوا أنّها لا تبلغ في الصحة الذروة العليا التي التزمها كل منهما.

    وهذا مما أخطاء فيه كثير من الناس، ومنهم أستاذنا السيد رشيد رضا رحمه الله، على علمه بالسنة وفقهه، ولم يستطع قط أن يقيم حجته على ما يرى، وأفلتت منه كلمات يسمو على علمه أن يقع فيها، ولكنه كان متأثرًا أشد الأثر بجمال الدين ومحمد عبده وهما لا يعرفان في الحديث شيئًا، بل كان هو بعد ذلك أعلم منهما وأعلى قدمًا وأثبت رأيًا، لولا الأثر الباقي في دخيلة نفسه، والله يغفر لنا وله.

    وما أفضت لك في هذا إلا خشيةً عليك من حساب الله، أما الناس في هذا العصر فلا حساب لهم، ولا يقدّمون في ذلك ولا يؤخرون، فإن التربية الإفرنجية الملعونة جعلتهم لا يرضون القرآن إلا على مضض، فمنهم من يصرح، ومنهمم من يتأول القرآن والسنة ليرضي عقله الملتوي، لا ليحفظهما من طعن الطاعنين فهم على الحقيقة لا يؤمنون ويخشون أن يصرحوا فيلتوون وهكذا هم، حتى يأتي الله بأمره، فاحذر لنفسك من حساب الله يوم القيامة، وقد نصحتك وما آلوت والحمد لله.

    وأما الجاهلون الأجرياء فإنّهم كثر في هذا العصر، ومن أعجب ما رأيت من سخافاتهم وجرأتهم أن يكتب طبيب في إحدى المجلات الطبية فلا يرى إلا أن هذا الحديث لم يعجبه، وأنه ينافي علمه، وأنه رواه مؤلف اسمه البخاري، فلا يجد مجالاً إلا الطعن في هذا البخاري ورميه بالافتراء والكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وهو لا يعرف عن البخاري هذا شيئًا، بل لا أظنه يعرف اسمه ولا عصره ولا كتابه، إلا أنه روى شيئًا يراه هو بعلمه الواسع غير صحيح فافترى عليه ما شاء، مما سيحاسب عليه بين يدي الله حسابًا عسيرًا.

    ولم يكن هؤلاء المعترضون المجترئون أول من تكلم في هذا، بل سبقهم من أمثالهم الأقدمون، ولكن أولئك كانوا أكثر أدبًا من هؤلاء.

    فقال الخطابي في "معالم السنن" رقم(3695) من "تهذيب السنن": وقد تكلم في هذا الحديث بعض من لا خلاق له. وقال: كيف يكون هذا ؟ وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة، وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح الشفاء وما أربها في ذلك.

    قلت: (القائل الخطابي): وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، وإن الذى يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت، ثم يرى أن الله سبحانه قد ألّف بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان التى بها بقاؤها وصلاحها لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والشفاء في جزءين من حيوان واحد، وأن الذى ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة وأن تعسل فيه وألهم الذرة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه، هو الذي خلق الذبابة وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحًا وتؤخر جناحًا لما أراد الله من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد، والامتحان الذي هو مضمار التكليف، وفي كل شيء عبرة وحكمة وما يذّكر إلا أولوا الألباب.

    وأما المعنى الطبي فقال ابن القيم -في شأن الطب القديم- في "زاد المعاد" (ج3 ص210-211): واعلم أن في الذباب قوة سمية، يدل عليها الورم والحكة العارضة من لسعه، وهى بمنْزلة السلاح فإذا سقط فيما يؤذية اتقاه بسلاحه فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله في جناحه الآخر من الشفاء، فيغمس كله في الماء والطعام، فيقابل المادة السمية بالمادة النافعة، فيزول ضررها، وهذا طب لا يهتدى إليه كبار الأطباء وأئمتهم، بل هو خارج من مشكاة النبوة، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا إلعلاج ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإطلاق، وأنه مؤيد بوحي إلهي خارج عن القوى البشرية.

    وأقول -في شأن الطب الحديث- إن الناس كانوا ولا يزالون تقذر أنفسهم الذباب، وتنفر مما وقع فيه من طعام أو شراب، ولا يكادون يرضون قربانه، وفي هذا من الإسراف -إذا غلا الناس فيه- شيء كثير ولا يزال الذباب يلح على الناس في طعامهم وشرابهم، وفي نومهم ويقظتهم، وفي شأنهم كله، وقد كشف الأطباء والباحثون عن المكروبات الضارة والنافعة وغلو غلوًا شديدًا في بيان ما يحمل الذباب من مكروبات ضارة، حتى لقد كادوا يفسدون على الناس حياتهم لو أطاعوهم طاعة حرفيّة تامة، وإنا لنرى بالعيان أن أكثر الناس تأكل مما سقط عليه الذباب، وتشرب فلا يصيبهم شيء إلا في القليل النادر، ومن كابر في هذا فإنما يخدع الناس ويخدع نفسه، وإنا لنرى أيضًا أن ضرر الذباب شديد حين يقع الوباء العام لا يماري في ذلك أحد، فهناك إذن حالان ظاهرتان بينهما فروق كبيرة، أما حال الوباء فمما لاشك فيه أن الاحتياط فيها يدعو إلى التحرز من الذباب وأضرابه مما ينقل المكروب أشد التحرز، وأما إذا عدم الوباء وكانت الحياة تجري على سننها فلا معنى لهذا التحرز، والمشاهدة تنفي ما غلا فيه من إفساد كل طعام أو شراب وقع عليه الذباب، ومن كابر في هذا فانما يجادل بالقول لا بالعمل، ويطيع داعي الترف والتأنّق وما أظنه يطبّق ما يدعو إليه تطبيقًا دقيقًا، وكثير منهم يقولون ما لا يفعلون.اهـ

    تعليق

    يعمل...
    X