نقلا من السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله
الرد على الشيعة، وعبدالوارث كبير ، لردهم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْأُخْرَى شِفَاءً
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 58 :
ورد من حديث أبي هريرة ، و أبي سعيد الخدري ، و أنس بن مالك .
1 - أما حديث أبي هريرة فله عنه طرق :
الأول : عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول ، فذكره .
أخرجه البخاري ( 2 / 329 و 4 / 71 - 72 ) ، و الدارمي ( 2 / 99 ) ، و ابن ماجه
( 3505 ) ، و أحمد ( 2 / 398 ) ، و ما بين المربعين زيادة له ، و هي للبخاري
في رواية له .
الثاني : عن سعيد بن أبي سعيد عنه .
رواه أبو داود ( 3844 ) من طريق أحمد ، و هذا في " المسند " ( 3 / 229 ، 246 )
و الحسن بن عرفة في " جزئه " ( ق 91 / 1 ) من طريق محمد بن عجلان عنه به
و زاد : " و إنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ، فليغمسه كله " . و إسناده حسن .
و قد تابعه إبراهيم بن الفضل عن سعيد به .
أخرجه أحمد ( 2 / 443 ) ، و إبراهيم هذا هو المخزومي المدني و هو ضعيف .
الثالث : عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عنه به .
أخرجه الدارمي و أحمد ( 2 / 263 ، 355 ، 388 ) ، و سنده صحيح على شرط مسلم .
الرابع : عن محمد بن سيرين عنه به .
رواه أحمد ( 2 / 355 ، 388 ) ، و سنده صحيح أيضا .
الخامس : عن أبي صالح عنه .
رواه أحمد ( 2 / 340 ) ، و الفاكهي في " حديثه " ( 2 / 50 / 2 ) ، بسند حسن .
2 - و أما حديث أبي سعيد الخدري فلفظه :
" إن أحد جناحي الذباب سم و الآخر شفاء ، فإذا وقع في الطعام ، فاملقوه ، فإنه
يقدم السم ، و يؤخر الشفاء " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 59 :
رواه أحمد ( 3 / 67 ) : حدثنا يزيد قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد
قال : دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد و كتلة ، فأسقط ذباب في الطعام ، فجعل
أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه ، فقلت : يا خال ! ما تصنع ؟ فقال :
إن أبا سعيد الخدري حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
و رواه ابن ماجه ( 3504 ) :
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون به مرفوعا دون القصة .
و رواه الطيالسي في " مسنده " ( 2188 ) :
حدثنا ابن أبي ذئب به ، و عنه رواه النسائي ( 2 / 193 ) ، و أبو يعلى في
" مسنده " ( ق 65 / 2 ) و ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 102 ) .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن خالد و هو القارظي
و هو صدوق كما قال الذهبي و العسقلاني .
3 - و أما حديث أنس :
فرواه البزار و رجاله رجال الصحيح .
رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " ( 5 / 38 ) ،
و ابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير " .
قال الحافظ : و إسناده صحيح ، كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 55 ) .
أما بعد ، فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة ، عن هؤلاء الصحابة الثلاثة
أبي هريرة و أبي سعيد و أنس ، ثبوتا لا مجال لرده و لا للتشكيك فيه ، كما ثبت
صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
خلافا لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين ، و من تبعه من الزائغين ، حيث طعنوا فيه
رضي الله عنه لروايته إياه ، و اتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، و حاشاه من ذلك ، فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك
و أن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه ، لأنهم رموا صحابيا بالبهت ، و ردوا
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة !
و قد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت ، و ليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد
أبي هريرة بالحديث ، و هو حجة و لو تفرد ، أم جهلوا ذلك ، فإن كان الأول فلماذا
يتعللون برواية أبي هريرة إياه ، و يوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب
الكرام ؟ ! و إن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص و العلم بالحديث الشريف ؟
و ما أحسن ما قيل :
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء و هو أن
الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم ، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك
الجراثيم ، و الحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك ، بل هو يؤيدهم إذ
يخبر أن في أحد جناحيه داء ، و لكنه يزيد عليهم فيقول : " و في الآخر شفاء "
فهذا مما لم يحيطوا بعلمه ، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين ، و إلا
فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء ! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد
أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه .
نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة ، و قد اختلفت
آراء الأطباء حوله ، و قرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه
تأييدا أو ردا ، و نحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث و أن النبي صلى الله عليه
وسلم ( ما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) ، لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث
من وجهة نظر الطب ، لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي
و مع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح ،
و لذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء
في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال :
" يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض
المختلفة ، فينقل بعضها بأطرافه ، و يأكل بعضا ، فيتكون في جسمه من ذلك مادة
سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا " ، و هي تقتل كثيرا من جراثيم
الأمراض ، و لا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم
الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا . و أن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب ،
هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته ، و على هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام
و ألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب ، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم
و أول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد
جناحيه ، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه ، و غمس الذباب كله و طرحه كاف
لقتل الجراثيم التي كانت عالقة ، و كاف في إبطال عملها " .
و قد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا ضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد
السيوطي ( مجلد العام الأول ) و قرأت كلمة في مجلد العام الفائت ( ص 503 ) كلمة
للطبيبين محمود كمال و محمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر .
ثم وقفت على العدد ( 82 ) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان :
" أنت تسأل ، و نحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير ، جوابا له على سؤال
عما لهذا الحديث من الصحة و الضعف ؟ فقال :
" أما حديث الذباب ، و ما في جناحيه من داء و شفاء ، فحديث ضعيف ، بل هو عقلا
حديث مفترى ، فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم و الأقذار ...
و لم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء و في الآخر شفاء ، إلا من وضع هذا
الحديث أو افتراه ، و لو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب
و يحض على مكافحته " .
و في الكلام على اختصاره من الدس و الجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و صيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف
القول ! فأقول :
أولا : لقد زعم أن الحديث ضعيف ، يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل
قوله : " بل هو عقلا حديث مفترى " .
و هذا الزعم واضح البطلان ، تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و كلها صحيحة . و حسبك دليلا على ذلك أن أحدا
من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء !
ثانيا : لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا .
و هذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه ، لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا
يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به ، ألست تراه يقول :
" و لم يقل أحد ... ، و لو صح لكشف عنه العلم الحديث ... " .
فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما ، أم أن أهله الذين لم
يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون : إننا كلما ازددنا علما بما
في الكون و أسراره ، ازددنا معرفة بجهلنا ! و أن الأمر بحق كما قال الله تبارك
و تعالى : ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
و أما قوله : " إن العلم يقطع بمضار الذباب و يحض على مكافحته " !
فمغالطة مكشوفة ، لأننا نقول : إن الحديث لم يقل نقيض هذا ، و إنما تحدث عن
قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها ، فإذا قال الحديث :
" إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم ، لا من العرب و لا من العجم ، اللهم إلا
العجم في عقولهم و إفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب و لا يكافحه ؟
ثالثا : قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم ، من أن الذباب يحمل في جوفه
ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم . و هذا و إن لم يكن موافقا لما
في الحديث على وجه التفصيل ، فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار
إليه و أمثاله من اجتماع الداء و الدواء في الذباب ، و لا يبعد أن يأتي يوم
تنجلي فيه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثبوت التفاصيل المشار إليها
علميا ، ( و لتعلمن نبأه ، بعد حين ) .
و إن من عجيب أمر هذا الكاتب و تناقضه ، أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف
هذا الحديث ، ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع
مرات : إحداهن بالتراب " فقال :
" حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين
على صحته ، فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم ، فكيف جاز له
تضعيف هذا و تصحيح ذاك ؟ ! ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح
عنده في معناه ، لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة ، و أن المقصود من
التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر !
و هذا تأويل باطل ، بين البطلان و إن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه
.
فلا أدري أي خطأيه أعظم ، أهو تضعيفه للحديث الأول و هو صحيح ، أم تأويله
للحديث الآخر و هو تأويل باطل ! .
و بهذه المناسبة ، فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في
بعض المجلات السائرة ، أو الكتب الذائعة ، من البحوث الإسلامية ، و خصوصا ما
كان منها في علم الحديث ، إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا ، ثم بعلمه
و اختصاصه فيه ثانيا ، فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر ، و خصوصا
من يحمل منهم لقب " الدكتور " ! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم ، و ما لا
علم لهم به ، و إني لأعرف واحدا من هؤلاء ، أخرج حديثا إلى الناس كتابا جله في
الحديث و السيرة ، و زعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار في
كتب السنة و السيرة ! ثم هو أورد فيه من الروايات و الأحاديث ما تفرد به
الضعفاء و المتروكون و المتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي و غيره ، بل أورد
فيه حديث : " نحن نحكم بالظاهر ، و الله يتولى السرائر " ، و جزم بنسبته إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ ، كما نبه
عليه حفاظ الحديث كالسخاوي و غيره ، فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء .
و الله المستعان
الرد على الشيعة، وعبدالوارث كبير ، لردهم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْأُخْرَى شِفَاءً
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 58 :
ورد من حديث أبي هريرة ، و أبي سعيد الخدري ، و أنس بن مالك .
1 - أما حديث أبي هريرة فله عنه طرق :
الأول : عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول ، فذكره .
أخرجه البخاري ( 2 / 329 و 4 / 71 - 72 ) ، و الدارمي ( 2 / 99 ) ، و ابن ماجه
( 3505 ) ، و أحمد ( 2 / 398 ) ، و ما بين المربعين زيادة له ، و هي للبخاري
في رواية له .
الثاني : عن سعيد بن أبي سعيد عنه .
رواه أبو داود ( 3844 ) من طريق أحمد ، و هذا في " المسند " ( 3 / 229 ، 246 )
و الحسن بن عرفة في " جزئه " ( ق 91 / 1 ) من طريق محمد بن عجلان عنه به
و زاد : " و إنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ، فليغمسه كله " . و إسناده حسن .
و قد تابعه إبراهيم بن الفضل عن سعيد به .
أخرجه أحمد ( 2 / 443 ) ، و إبراهيم هذا هو المخزومي المدني و هو ضعيف .
الثالث : عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عنه به .
أخرجه الدارمي و أحمد ( 2 / 263 ، 355 ، 388 ) ، و سنده صحيح على شرط مسلم .
الرابع : عن محمد بن سيرين عنه به .
رواه أحمد ( 2 / 355 ، 388 ) ، و سنده صحيح أيضا .
الخامس : عن أبي صالح عنه .
رواه أحمد ( 2 / 340 ) ، و الفاكهي في " حديثه " ( 2 / 50 / 2 ) ، بسند حسن .
2 - و أما حديث أبي سعيد الخدري فلفظه :
" إن أحد جناحي الذباب سم و الآخر شفاء ، فإذا وقع في الطعام ، فاملقوه ، فإنه
يقدم السم ، و يؤخر الشفاء " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 59 :
رواه أحمد ( 3 / 67 ) : حدثنا يزيد قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد
قال : دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد و كتلة ، فأسقط ذباب في الطعام ، فجعل
أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه ، فقلت : يا خال ! ما تصنع ؟ فقال :
إن أبا سعيد الخدري حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
و رواه ابن ماجه ( 3504 ) :
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون به مرفوعا دون القصة .
و رواه الطيالسي في " مسنده " ( 2188 ) :
حدثنا ابن أبي ذئب به ، و عنه رواه النسائي ( 2 / 193 ) ، و أبو يعلى في
" مسنده " ( ق 65 / 2 ) و ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 102 ) .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن خالد و هو القارظي
و هو صدوق كما قال الذهبي و العسقلاني .
3 - و أما حديث أنس :
فرواه البزار و رجاله رجال الصحيح .
رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " ( 5 / 38 ) ،
و ابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير " .
قال الحافظ : و إسناده صحيح ، كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 55 ) .
أما بعد ، فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة ، عن هؤلاء الصحابة الثلاثة
أبي هريرة و أبي سعيد و أنس ، ثبوتا لا مجال لرده و لا للتشكيك فيه ، كما ثبت
صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
خلافا لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين ، و من تبعه من الزائغين ، حيث طعنوا فيه
رضي الله عنه لروايته إياه ، و اتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، و حاشاه من ذلك ، فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك
و أن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه ، لأنهم رموا صحابيا بالبهت ، و ردوا
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة !
و قد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت ، و ليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد
أبي هريرة بالحديث ، و هو حجة و لو تفرد ، أم جهلوا ذلك ، فإن كان الأول فلماذا
يتعللون برواية أبي هريرة إياه ، و يوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب
الكرام ؟ ! و إن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص و العلم بالحديث الشريف ؟
و ما أحسن ما قيل :
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء و هو أن
الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم ، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك
الجراثيم ، و الحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك ، بل هو يؤيدهم إذ
يخبر أن في أحد جناحيه داء ، و لكنه يزيد عليهم فيقول : " و في الآخر شفاء "
فهذا مما لم يحيطوا بعلمه ، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين ، و إلا
فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء ! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد
أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه .
نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة ، و قد اختلفت
آراء الأطباء حوله ، و قرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه
تأييدا أو ردا ، و نحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث و أن النبي صلى الله عليه
وسلم ( ما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) ، لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث
من وجهة نظر الطب ، لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي
و مع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح ،
و لذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء
في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال :
" يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض
المختلفة ، فينقل بعضها بأطرافه ، و يأكل بعضا ، فيتكون في جسمه من ذلك مادة
سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا " ، و هي تقتل كثيرا من جراثيم
الأمراض ، و لا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم
الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا . و أن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب ،
هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته ، و على هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام
و ألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب ، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم
و أول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد
جناحيه ، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه ، و غمس الذباب كله و طرحه كاف
لقتل الجراثيم التي كانت عالقة ، و كاف في إبطال عملها " .
و قد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا ضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد
السيوطي ( مجلد العام الأول ) و قرأت كلمة في مجلد العام الفائت ( ص 503 ) كلمة
للطبيبين محمود كمال و محمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر .
ثم وقفت على العدد ( 82 ) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان :
" أنت تسأل ، و نحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير ، جوابا له على سؤال
عما لهذا الحديث من الصحة و الضعف ؟ فقال :
" أما حديث الذباب ، و ما في جناحيه من داء و شفاء ، فحديث ضعيف ، بل هو عقلا
حديث مفترى ، فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم و الأقذار ...
و لم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء و في الآخر شفاء ، إلا من وضع هذا
الحديث أو افتراه ، و لو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب
و يحض على مكافحته " .
و في الكلام على اختصاره من الدس و الجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و صيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف
القول ! فأقول :
أولا : لقد زعم أن الحديث ضعيف ، يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل
قوله : " بل هو عقلا حديث مفترى " .
و هذا الزعم واضح البطلان ، تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و كلها صحيحة . و حسبك دليلا على ذلك أن أحدا
من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء !
ثانيا : لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا .
و هذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه ، لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا
يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به ، ألست تراه يقول :
" و لم يقل أحد ... ، و لو صح لكشف عنه العلم الحديث ... " .
فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما ، أم أن أهله الذين لم
يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون : إننا كلما ازددنا علما بما
في الكون و أسراره ، ازددنا معرفة بجهلنا ! و أن الأمر بحق كما قال الله تبارك
و تعالى : ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
و أما قوله : " إن العلم يقطع بمضار الذباب و يحض على مكافحته " !
فمغالطة مكشوفة ، لأننا نقول : إن الحديث لم يقل نقيض هذا ، و إنما تحدث عن
قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها ، فإذا قال الحديث :
" إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم ، لا من العرب و لا من العجم ، اللهم إلا
العجم في عقولهم و إفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب و لا يكافحه ؟
ثالثا : قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم ، من أن الذباب يحمل في جوفه
ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم . و هذا و إن لم يكن موافقا لما
في الحديث على وجه التفصيل ، فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار
إليه و أمثاله من اجتماع الداء و الدواء في الذباب ، و لا يبعد أن يأتي يوم
تنجلي فيه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثبوت التفاصيل المشار إليها
علميا ، ( و لتعلمن نبأه ، بعد حين ) .
و إن من عجيب أمر هذا الكاتب و تناقضه ، أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف
هذا الحديث ، ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع
مرات : إحداهن بالتراب " فقال :
" حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين
على صحته ، فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم ، فكيف جاز له
تضعيف هذا و تصحيح ذاك ؟ ! ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح
عنده في معناه ، لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة ، و أن المقصود من
التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر !
و هذا تأويل باطل ، بين البطلان و إن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه
.
فلا أدري أي خطأيه أعظم ، أهو تضعيفه للحديث الأول و هو صحيح ، أم تأويله
للحديث الآخر و هو تأويل باطل ! .
و بهذه المناسبة ، فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في
بعض المجلات السائرة ، أو الكتب الذائعة ، من البحوث الإسلامية ، و خصوصا ما
كان منها في علم الحديث ، إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا ، ثم بعلمه
و اختصاصه فيه ثانيا ، فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر ، و خصوصا
من يحمل منهم لقب " الدكتور " ! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم ، و ما لا
علم لهم به ، و إني لأعرف واحدا من هؤلاء ، أخرج حديثا إلى الناس كتابا جله في
الحديث و السيرة ، و زعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار في
كتب السنة و السيرة ! ثم هو أورد فيه من الروايات و الأحاديث ما تفرد به
الضعفاء و المتروكون و المتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي و غيره ، بل أورد
فيه حديث : " نحن نحكم بالظاهر ، و الله يتولى السرائر " ، و جزم بنسبته إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ ، كما نبه
عليه حفاظ الحديث كالسخاوي و غيره ، فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء .
و الله المستعان
تعليق