إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أنواع الرواية وأسماء الأنواع (شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أنواع الرواية وأسماء الأنواع (شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى)

    أنواع الرواية وأسماء الأنواع


    في أنواع الرواية وأسماء الأنواع


    مثل‏ : ‏ حدثنا ، وأخبرنا ، وأنبأنا ، وسمعت ، وقرأت ، والمشافهة والمناولة ، والمكاتبة ، والإجازة ،

    والوجادة ، ونحو ذلك ، فنقول‏ :الكلام في شيئين‏ : ‏


    أحدهما‏ : ‏ مما تصح الرواية به ، ويثبت به الاتصال‏ . ‏



    والثاني‏ :‏ في التعبير عن ذلك، وذلك أنواع‏ :



    أحدها‏ : ‏ أن يسمع من لفظ المحدث سواء رآه أو لم يره ، كما سمع الصحابة القرآن من رسول اللّه

    صلى الله عليه وسلم والحديث أيضًا ؛ وكما كان يقرؤه عليهم ، وقرأ على أبي سورة[ ‏لم يكن‏ ] ‏ فإن

    هذا لم يفرق الناس بينهما كما فرق بعض الفقهاء في الشهادة ،ثم ذلك القائل ؛ تارة يقصد التحديث

    لذلك الشخص وحده ، أو لأقوام معينين هو أحدهم ، وتارة يقصد التحديث المطلق لكل من سمعه منه

    فيكون هو أحد السامعين ، وتارة يقصد تحديث غيره فيسمع هو ، ففي جميع هذه المواضع إذا قال‏ : ‏

    سمعت فلانًا يقول فقد أصاب ، وإن قال‏ : ‏ حدثنا أو حدثني - وكان المحدث قد قصد التحديث له معينًا

    أو مطلقًا - فقد أصاب ، كما يقول الشاهد فيما أشهد عليه من الحكم والإقرار والشهادات‏ : ‏ أشهدني

    وأشهدنا ، وإن كان قد قصد تحديث غيره فسمع هو ، فهو كما لو استرعي الشهادة غيره فسمعها ،

    فإنه تصح الشهادة ، لكن لفظ أشهدني وحدثنا فيه نظر ، بل لو قال‏ : ‏ حدث وأنا أسمع كان حسنًا ،

    وإن لم يكن يحدث أحدًا وإنما سمعه يتكلم بالحديث ، فهو يشبه الشهادة من غير استرعاء ، ويشبه

    الشهادة على الإقرار من غير إشهاد والشهادة على الحكم ، بخلاف الشهادة على الإثبات كالسمع

    ونحوه ، فإنها تصح بدون التحميل بالاتفاق‏ . ‏



    وأما الشهادة على الإخبارات ؛ كالشهادات والإقرارات ، ففيها نزاع ليس هذا موضعه ، وباب الرواية

    أوسع ، لكن ليس من قصد تحديث غيره بمنزلة من تكلم لنفسه ؛ فإن الرجل يتكلم مع نفسه بأشياء

    ويسترسل في الحديث ، فإذا عرف أن الغير يتحمل ذلك تحفظ ؛ ولهذا كانوا لا يروون أحاديث المذاكرة

    بذاك‏ .



    وكان الإمام أحمد يذاكر بأشياء من حفظه ، فإذا طلب المستمع الرواية أخرج كتابه فحدث من الكتاب‏

    . ‏ فهنا ثلاث مراتب‏ : ‏



    أن يقصد استرعاءه الحديث وتحميله ليرويه عنه ، وأن يقصد محادثته به لا ليرويه عنه ، وألا يقصد

    إلا التكلم به مع نفسه‏ . ‏



    والنوع الثاني‏ : ‏ أن يقرأ على المحدث فيقربه ، كما يقرأ المتعلم القرآن على المعلم ، ويسميه

    الحجازيون العرض ؛ لأن المتحمل يعرض الحديث على المحمل كعرض القراءة ، وعرض ما يشهد به

    من الإقرار ، والحكم والعقود ، والشهادة على المشهود عليه‏ : ‏ من الحاكم ،‏والشاهد ، والمقر والعاقد

    ، وعرض ضمام بن ثعلبة على النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء به رسوله فيقول نعم‏!‏ وهذا عند

    مالك وأحمد وجمهور السلف كاللفظ‏ . ‏



    ولهذا قلنا‏ : ‏ إذا قال الخاطب للولي‏ : ‏أزوجت‏؟‏ فقال‏ : ‏ نعم‏ . ‏ وللزوج‏ : ‏ أقبلت‏؟‏ فقال‏ : ‏ نعم‏ . ‏ انعقد

    النكاح وكان ذلك صريحًا ؛ فإن نعم تقوم مقام التكلم بالجملة المستفهم عنها ، فإنه إذا قيل لهم‏ : ‏ هل

    وجدتم ما وعد ربكم حقًا‏؟‏ واللّه أمركم بذلك‏؟‏ وأحدثك فلان بكذا‏؟‏ وأزوجت فلانًا بكذا‏؟‏ فقال‏ : ‏ نعم فهو

    بمنزلة قوله‏ : ‏ وجدت ما وعدني ربي ، واللّه أمرني بكذا وكذا ، وحدثني فلان بكذا وكذا ، وزوجت

    فلانًا كذا ، لكن هذا جواب الاستفهام وذاك خبر مبتدأ ، ونعم كلمة مختصرة تغني عن التفصيل‏ . ‏



    وقد يقول العارض‏ : ‏ حدثك بلا استفهام بل إخبار ، فيقول‏ : ‏ نعم‏ . ‏ ثم من أهل المدينة وغيرهم من

    يرجح هذا العرض ؛ لما فيه من كون المتحمل ضبط الحديث ، وأن المحمل يرد عليه ويصححه له ،

    ويذكر هذا عن مالك وغيره‏ . ‏ ومنهم من يرجح السماع‏ . ‏ وهو يشبه قول أبي حنيفة والشافعي‏ . ‏

    ومنهم من يجيز فيه أخبرنا وحدثنا ، كقول الحجازيين‏ . ‏ ومنهم من لا يقول فيه إلا أخبرنا ، كقول

    جماعات ، وعن أحمد روايتان‏ . ‏ ثم منهم من قال‏ : ‏ لا فرق في اللغة وإنما فرق من فرق اصطلاحًا ؛

    ولهذا يقال في الشهادة المعروضة من الحكم والإقرار والعقود أشهدني بكذا ، وقد يقال‏ : ‏ الخبر في

    الأصل عن الأمور الباطنة ، ومنه الخبرة بالأشياء ، وهو العلم ببواطنها ، وفلان من أهل الخبرة بكذا

    ، والخبير بالأمور المطلع على بواطنها ، ومنه الخبير‏ . ‏ وهو الفلاح الذي يجعل باطن الأرض ظاهرًا ،

    والأرض الخَبَارُ اللينة التي تنقلب ، والمخابرة من ذلك‏ . ‏



    فقول المبلغ‏ :
    ‏ نعم ، لم يدل بمجرد ظاهر لفظه على الكلام المعروف وإنما دل بباطن معناه ، وهو أن

    لفظها يدل على موافقة السائل والمخبر ، فإذا قال‏ : ‏ أحدثك‏؟‏ وأنكحت‏؟‏ فقال‏ : ‏ نعم فهو موافق لقوله‏ :

    حدثني وأنكحت ، وهذه الدلالة حصلت من مجموع لفظ نعم وسؤال السائل ، كما أن أسماء الإشارة

    والمضمرات إنما تعين المشار إليه والظاهربلفظها ، ولما اقترن بذلك من الدلالة على المشار إليه

    والظاهر المفسر للمضمر‏ . ‏



    وأحسن من ذلك أن قوله‏ : ‏ حدثني أن فلانًا قال وأخبرني أن فلانًا قال في العرض أحسن من أن يقول‏

    :
    ‏ أخبرنا فلان قال‏ : ‏ أخبرنا وحدثنا فلان قال‏ : ‏ حدثنا ، كما أن هذا هو الذي يقال في الشهادة ، فيقول‏

    :
    ‏ أشهد أن فلان ابن فلان أقر وأنه حكم وأنه وقف ، كما فرق طائفة من الحفاظ بين الإجازة وغيرها

    ، فيقولون فيها‏ : ‏ أنا فلان أن فلانًا حدثهم ، بخلاف السماع‏ . ‏



    وقد اعتقد طائفة أنه لا فرق بينهما ، بل ربما رجحوا ‏ [ ‏أن‏ ] ‏ ؛ لأنهم زعموا فيها توكيدًا ، وليس كما

    توهموا ، فإن ‏ [ ‏أن‏ ] ‏ المفتوحة وما في خبرها بمنزلة المصدر ، فإذا قال‏ : ‏ حدثني أنه قال فهو في

    التقدير حدثني بقوله ؛ ولهذا اتفق النحاة على أن ‏ [ ‏إن‏ ] ‏ المكسورة تكون في موضع الجمل ،

    والمفتوحة في موضع المفردات ، فقوله‏ : ‏ ‏ { ‏فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصلي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ

    يُبَشِّرُكَ‏ }
    ‏ ‏ [ ‏آل عمران‏ : ‏ 39‏ ] ‏ على قراءة الفتح في تقدير قوله‏ : ‏ فنادته ببشارته ، وهو ذكر

    لمعني ما نادته به وليس فيه ذكر اللفظ‏ . ‏ ومن قرأ ‏ [ ‏إن اللّه‏ ] ‏ فقد حكي لفظه ، وكذلك الفرق بين

    قوله أول ما أقول‏ : ‏ أحمد اللّه ، وأول ما أقول‏ : ‏إني أحمد اللّه‏ . ‏



    وإذا كان مع الفتح هو مصدر فقولك‏ : ‏ حدثني بقوله وبخبره لم تذكر فيه لفظ القول والخبر ، وإنما

    عبرت عن جملة لفظه ؛ فإنه قول وخبر ، فهو مثل قولك‏ : ‏ سمعت كلام فلان وخطبة فلان ، لم تحك

    لفظها‏ . ‏ وأما إذا قلت‏ : ‏ قال‏ : ‏ كذا فهو إخبار عن عين قوله ؛ ولهذا لا ينبغي أن يوجب اللفظ في هذا

    أحد ، بخلاف الأول فإنه إنما يسوغ على مذهب من يجوز الرواية بالمعني ، فإذا سمعت لفظه وقلت‏ : ‏

    حدثني فلان ، قال‏ : ‏ حدثني فلان بكذا وكذا فقد أتيت باللفظ ، فإنك سمعته يقول‏ : ‏ حدثني فلان بكذا ،

    وإذا عرضت عليه فقلت‏ : ‏حدثك فلان بكذا‏؟‏ فقال‏ : ‏ نعم وقلت‏ : ‏ حدثني أن فلانًا حدثه بكذا ، فأنت

    صادق على المذهبين ؛ لأنك ذكرت أنه حدثك بتحديث فلان إياه بكذا ، والتحديث لفظ مجمل ينتظم لذلك

    ، كما أن قوله‏ : ‏ نعم لفظ مجمل ينتظم لذلك ، فقوله‏ : ‏ نعم تحديث لك بأنه حدثه‏ . ‏



    وأما إذا قلت‏ : ‏ حدثني قال‏ : ‏ حدثني فأنت لم تسمعه يقول‏ : ‏ حدثني وإنما سمعته يقول‏ : ‏ نعم وهي

    معناها ، لكن هذا من المعاني المتداولة‏ . ‏ وهذا العرض إذا كان المحمل يدري ما يقرأه عليه العارض

    ، كما يدري المقرئ ، فأما إذا كان لا يدري فالسماع أجود بلا ريب ، كما اتفق عليه المتأخرون ؛

    لغلبة الفعل على القارئ للحديث دون المقروء عليه ، والتفصيل في العرض بين أن يقصد المحمل

    الإخبار أو لا يقصد ، كما تقدم في التحديث والسماع‏ . ‏



    النوع الثالث‏ : ‏ ‏ [ ‏المناولة ، والمكاتبة‏ ] ‏ ‏ : ‏ وكلاهما إنما أعطاه كتابا لا خطابا ، لكن المناولة مباشرة

    والمكاتبة بواسطة‏ . ‏ فالمناولة أرجح إذا اتفقا من غير هذه الجهة ، مثل أن يناوله أحاديث معينة

    يعرفها المناول أو يكتب إليه بها ، والمناولة عرض العرض فإن قوله لما معه‏ . ‏



    فإما إذا كتب إليه بأحاديث معينة وناوله كتابا مجملا ترجحت المكاتبة‏ . ‏



    ثم المكاتبة يكفي فيها العلم بأنه خطه ، ولم ينازع في هذا من نازع في كتاب القاضي إلى القاضي

    والشهادة بالكتابة ، فإنه هناك اختلف الفقهاء هل يفتقر إلى الشهادة على الكتاب‏؟‏ وإذا افتقر فهل

    يفتقر إلى الشهادة على نفس مافي الكتاب‏؟‏ أو تكفي الشهادة على الكتاب‏؟‏ ومن اشترط الشهادة جعل

    الاعتماد على الشهود الشاهدين على الحاكم الكاتب ، حتى يعمل بالكتاب غير الحاكم المكتوب إليه‏ . ‏



    ثم المكاتبة هي مع قصد الإخبار بما في الكتاب ، ثم إن كان للمكتوب إليه ، فقد صَحَّ قوله‏ : ‏ كتب إلى

    أو أراني كتابه ، وإن كتب إلى غيره فقرأ هو الكتاب ، فهو بمنزلة أن يحدث غيره فيسمعالخطاب ،

    ولو لم يكاتب أحدًا بل كتب بخطه ، فقراءة الخط كسماع اللفظ ، وهو الذي يسمونه ‏ [ ‏وجادة‏ ] ‏ ‏ . ‏ وقد

    تقدم أن المحدث لم يحدث بهذا ولم يرده ، وإن كان قد قاله وكتبه ، فليس كل ما يقوله المرء ويكتبه

    يري أن يحدث به ويخبر به غيره ، أو أنه يؤخذ عنه‏ . ‏



    الرابع‏ : ‏ الإجازة‏ : ‏ فإذا كانت لشيء معين قد عرفه المجيز ، فهي كالمناولة وهي‏ : ‏ عرض العرض ؛

    فإن العارض تكلم بالمعروض مفصلا ، فقال الشيخ‏ : ‏ نعم‏!‏ والمستجيز قال‏ : ‏ أجزت لي أن أحدث بما

    في هذا الكتاب فقال المجيز‏ : ‏ نعم فالفرق بينهما من جهة كونه في العرض سمع الحديث كله ، وهنا

    سمع لفظًا يدل عليه ، وقد علم مضمون اللفظ برؤية مافي الكتاب ونحو ذلك ، وهذه الإجازة تحديث

    وإخبار ، وما روي عن بعض السلف المدنيين وغيرهم من أنهم كانوا يقولون‏ : ‏ الإجازة كالسماع ،

    وأنهم قالوا‏ : ‏ حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحد ، فإنما أرادوا واللّه أعلم هذه الإجازة ، مثل من جاء

    إلى مالك فقال‏ : ‏ هذا الموطأ أجزه لي ، فأجازه له‏ . ‏



    فأما المطلقة في المجاز فهي شبه المطلقة في المجاز له ؛ فإنه إذا قال‏ : ‏ أجزت لك ما صح عندك من

    أحاديثي ، صارت الرواية بذلك موقوفة على أن يعلم أن ذلك من حديثه ، فإن علم ذلك من جهته

    استغني عن الإجازة ، وإن عرف ذلك من جهة غيره ، فذلك الغير هو الذي حدثه به عنه ، والإجازة

    لم تعرفه الحديث وتفيده علمه كما عرفه ذلك السماع منه والعرض عليه ؛ ولهذا لا يوجد مثل هذه في

    الشهادات‏ . ‏



    وأما نظير المكاتبة والمناولة ، فقد اختلف الفقهاء في جوازها في الشهادات ، لكن قد ذكرت في غير

    هذا الموضع أن الرواية لها مقصودان‏ : ‏ العلم ، والسلسلة ، فأما العلم فلا يحصل بالإجازة ، وأما

    السلسلة فتحصل بها ، كما أن الرجل إذا قرأ القرآن اليوم على شيخ ، فهو في العلم بمنزلة من قرأه

    من خمسمائة سنة ، وأما في السلسلة فقراءته على المقرئ القريب إلى النبي صلى الله عليه وسلم

    أعلى في السلسلة ، وكذلك الأحاديث التي قد تواترت عن مالك ، والثوري ، وابن علية ،كتواتر

    الموطأ عن مالك ، وسنن أبي داود عنه ، وصحيح البخاري عنه ، لا فرق في العلم والمعرفة بين أن

    يكون بين البخاري وبين الإنسان واحد أو اثنان ؛ لأن الكتاب متواتر عنه ، فأما السلسلة فالعلو

    أشرف من النزول ، ففائدة الإجازة المطلقة من جنس فائدة الإسناد العالي بالنسبة إلى النازل إذا لم

    يفد زيادة في العلم‏ . ‏



    وهل هذا المقصود دين مستحب‏؟‏ هذا يتلقي من الأدلة الشرعية ، وقد قال أحمد‏ : ‏ طلب الإسناد العالي

    سُنَّة عمن مضى
    ، كان أصحاب عبد اللّه يرحلون من الكوفة إلى المدينة ليشافهوا الصحابة ، فنقول‏ :

    كلما قَرُبَ الإسناد كان أيسر مؤونة وأقل كلفة وأسهل في الرواية ، وإذا كان الحديث قد علمت صحته

    ، وأنفلانا رواه ، وأن ما يروي عنه لاتصال الرواية فالقرب فيها خير من البعد ، فهذا فائدة الإجازة‏ . ‏


    ومناط الأمر أن يفرق بين الإسناد المفيد للصحة والرواية المحصلة للعلم ، وبين الإسناد المفيد

    للرواية والرواية المفيدة للإسناد‏ . ‏



    واللّه أعلم‏ .




    مجموع فتاوي ابن تيمية
يعمل...
X