العبادات مبناهاعلى الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع
إن الإسلام مبنى على أصلين :
- أحدهما : أن نعبد الله وحده لا شريك له .
- والثانى : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نعبده بالأهواء والبدع .
قال الله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن
يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } الآية [ الجاثية : 18، 19 ] ، وقال تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }[الشورى 21 ] .
فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ، من واجب ومستحب ، لا نعبده
بالأمور المبتدعة ، كما ثبت فى السنن من حديث الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ قال الترمذى : حديث حسن
صحيح . وفى مسلم أنه كان يقول فى خطبته : ( خير الكلام كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد
صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) .
وليس لأحد أن يعبد إلا الله وحده ، فلا يصلى إلا لله ، ولا يصوم إلا لله ، ولا يحج إلا بيت الله ، ولا
يتوكل إلا على الله ، ولا يخاف إلا الله ، ولا ينذر إلا لله ، ولا يحلف إلا بالله . وفى الصحيحين عن
النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ،فمن كان حالفا فليحلف بالله
أو لِيَصْمُتْ ) . وفى السنن : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) ، وعن ابن مسعود : لأن أحلف بالله
كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا ؛ لأن الحلف بغير الله شرك ، والحلف بالله توحيد . وتوحيد
معه كذب ، خير من شرك معه صدق ، ولهذا كان غاية الكذب أن يعدل بالشرك ، كما قال النبى صلى
الله عليه وسلم : ( عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ) مرتين أو ثلاثا . وقرأ قوله تعالى : { وَمَن
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [ الحج
:31] ، وإذا كان الحالف بغير الله قد أشرك ، فكيف الناذر لغير الله؟ والنذر أعظم من الحلف ؛
ولهذا لو نذر لغير الله فلا يجب الوفاء به ، باتفاق المسلمين . مثل أن ينذر لغير الله صلاة ، أو صوما
، أو حجا ، أو عمرة ، أو صدقة .
ولو حلف ليفعلن شيئا ، لم يجب عليه أن يفعله ، قيل : يجوز له أن يكفر عن اليمين ، ولا يفعل
المحلوف عليه ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها
فليأت الذى هو خير ، وليُكَفِّر عن يمينه ) ، وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم :
أنه نهى عن النذر وقال : ( إنه لا يأتى بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل ) ، فإذا كان النذر لا
يأتى بخير فكيف بالنذر للمخلوق؟ ولكن النذر لله يجب الوفاء به إذا كان فى طاعة ، وإذا كان معصية
لم يجز الوفاء باتفاق العلماء ، وإنما تنازعوا : هل فيه بدل ، أو كفارة يمين ، أم لا ؟ لما رواه
البخارى فى صحيحه ، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من نَذَرَ أن يطيع الله فَلْيُطِعْه ،
ومن نذر أن يعصى الله فلا يَعْصِه ) .
فمن ظن أن النذر للمخلوقين يجلب له منفعة ، أو يدفع عنه مضرة ، فهو من الضالين كالذين يظنون
أن عبادة المخلوقين تجلب لهم منفعة ، أو تدفع عنهم مضرة .
وهؤلاء المشركون قد تتمثل لهم الشياطين ، وقد تخاطبهم بكلام ، وقد تحمل أحدهم فى الهواء ، وقد
تخبره ببعض الأمور الغائبة ، وقد تأتيه بنفقة أو طعام ، أو كسوة ، أو غير ذلك ، كما جرى مثل ذلك
لعباد الأصنام من العرب وغير العرب ، وهذا كثير ، موجود فى هذا الزمان ، وغير هذا الزمان ،
للضالين المبتدعين المخالفين للكتاب والسنة ، إما بعبادة غير الله ، وإما بعبادة لم يشرعها الله .
وهؤلاء إذا أظهر أحدهم شيئا خارقا للعادة لم يخرج عن أن يكون حالا شيطانيا ، أو محالا بهتانيا
فخواصهم تقترن بهم الشياطين ، كما يقع لبعض العقلاء منهم ، وقد يحصل ذلك لغير هؤلاء ، لكن لا
تقترن بهم الشياطين إلا مع نوع من البدعة ، إما كفر ، وإما فسق ، وإما جهل بالشرع . فإن
الشيطان قصده إغواء بحسب قدرته ، فإن قدر على أن يجعلهم كفارًا جعلهم كفارًا وإن لم يقدر إلا
على جعلهم فساقا ، أو عصاة ، وإن لم يقدر إلا على نقص عملهم ودينهم ، ببدعة يرتكبونها يخالفون
بها الشريعة التى بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فينتفع منهم بذلك!!
ولهذا قال الأئمة : لو رأيتم الرجل يطير فى الهواء أو يمشى على الماء ، فلا تغتروا به ، حتى
تنظروا وقوفه عند الأمر والنهى ، ولهذا يوجد كثير من الناس يطير فى الهواء وتكون الشياطين هى
التى تحمله ، لا يكون من كرامات أولياء الله المتقين .
ومن هؤلاء : من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس ، ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك
الليلة ، ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله ، ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا ، وإن
اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه ، فإنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ؛ لأن الحج الذى أمر الله به
ورسوله لابد فيه من الإحرام ، والوقوف بعرفة ، ولابد فيه من أن يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة ؛
فإنه ركن لا يتم الحج إلا به ، بل عليه أن يقف بمزدلفة ، ويرمى الجمار ويطوف للوداع ، وعليه
اجتناب المحظورات ، والإحرام من الميقات ، إلى غير ذلك من واجبات الحج . وهؤلاء الضالون الذين
يضلهم الشيطان يحملهم فى الهواء ، يحمل أحدهم بثيابه ، فيقف بعرفة ويرجع من تلك الليلة . حتى
يرى فى اليوم الواحد ببلده ويرى بعرفة .
ومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة ، فيراه من يعرفه واقفًا ، فيظن أنه ذلك الرجل
وقف بعرفة ! فإذا قال له ذلك الشيخ : أنا لم أذهب العام إلى عرفة ، ظن أنه ملك خلق على صورة
ذلك الشيخ ، وإنما هو شيطان تمثل على صورته ، ومثل هذا وأمثاله يقع كثيرًا ، وهى أحوال
شيطانية ، قال تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف
: 36 ] . وذكر الرحمن هو الذكر الذى أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : {
إِنَّانَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] وقال تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى }
إلى قوله : { كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى } [ طه : 123-126 ] ونسيانها
هو ترك الإيمان والعمل بها ، وإن حفظ حروفها ، قال ابن عباس : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل
بما فيه ، ألا يَضِلَّ فى الدنيا ، ولا يَشْقَى فى الآخرة وقرأ هذه الآية ، فمن اتبع ما بعث الله به رسوله
محمدًا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة هداه الله وأسعده ، ومن أعرض عن ذلك ضل وشقى
، وأضله الشيطان وأشقاه .
فالأحوال الرحمانية وكرامات أوليائه المتقين يكون سببه الإيمان ، فإن هذه حال أوليائه : قال تعالى :
{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [ يونس : 62-63 ] وتكون نعمة لله على عبده المؤمن فى دينه ودنياه ، فتكون الحجة فى الدين والحاجة
فى الدنيا للمؤمنين ، مثل ما كانت معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : كانت الحجة فى الدين
والحاجة للمسلمين ، مثل البركة التى تحصل فى الطعام والشراب ، كنبع الماء من بين أصابعه ، ومثل
نزول المطر بالاستسقاء ، ومثل قهر الكفار وشفاء المريض بالدعاء ، ومثل الأخبار الصادقة ،
والنافعة بما غاب عن الحاضرين ، وأخبار الأنبياء لا تكذب قط .
وأما أصحاب الأحوال الشيطانية ، فهم من جنس الكهان ، يكذبون تارة ويصدقون أخرى ، ولابد فى
أعمالهم من مخالفة للأمر ، قال تعالى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ
} [ الشعراء : 221 : 222 ] .
ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء ملابسا الخبائث من النجاسات والأقذار ، التى تحبها الشياطين ، ومرتكبا
للفواحش ، أو ظالما للناس فى أنفسهم وأموالهم ، وغير ذلك ، والله تعالى قد حرم { الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ } الآية [ الأعراف : 33 ]
وأولياء الله هم الذين يتبعون رضاه بفعل المأمور ، وترك المحظور ، والصبر على المقدور ، وهذه
جملة لها بسط طويل لا يتسع له هذا المكان ، والله أعلم .
- أحدهما : أن نعبد الله وحده لا شريك له .
- والثانى : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نعبده بالأهواء والبدع .
قال الله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن
يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } الآية [ الجاثية : 18، 19 ] ، وقال تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }[الشورى 21 ] .
فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ، من واجب ومستحب ، لا نعبده
بالأمور المبتدعة ، كما ثبت فى السنن من حديث الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ قال الترمذى : حديث حسن
صحيح . وفى مسلم أنه كان يقول فى خطبته : ( خير الكلام كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد
صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) .
وليس لأحد أن يعبد إلا الله وحده ، فلا يصلى إلا لله ، ولا يصوم إلا لله ، ولا يحج إلا بيت الله ، ولا
يتوكل إلا على الله ، ولا يخاف إلا الله ، ولا ينذر إلا لله ، ولا يحلف إلا بالله . وفى الصحيحين عن
النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ،فمن كان حالفا فليحلف بالله
أو لِيَصْمُتْ ) . وفى السنن : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) ، وعن ابن مسعود : لأن أحلف بالله
كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا ؛ لأن الحلف بغير الله شرك ، والحلف بالله توحيد . وتوحيد
معه كذب ، خير من شرك معه صدق ، ولهذا كان غاية الكذب أن يعدل بالشرك ، كما قال النبى صلى
الله عليه وسلم : ( عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ) مرتين أو ثلاثا . وقرأ قوله تعالى : { وَمَن
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [ الحج
:31] ، وإذا كان الحالف بغير الله قد أشرك ، فكيف الناذر لغير الله؟ والنذر أعظم من الحلف ؛
ولهذا لو نذر لغير الله فلا يجب الوفاء به ، باتفاق المسلمين . مثل أن ينذر لغير الله صلاة ، أو صوما
، أو حجا ، أو عمرة ، أو صدقة .
ولو حلف ليفعلن شيئا ، لم يجب عليه أن يفعله ، قيل : يجوز له أن يكفر عن اليمين ، ولا يفعل
المحلوف عليه ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها
فليأت الذى هو خير ، وليُكَفِّر عن يمينه ) ، وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم :
أنه نهى عن النذر وقال : ( إنه لا يأتى بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل ) ، فإذا كان النذر لا
يأتى بخير فكيف بالنذر للمخلوق؟ ولكن النذر لله يجب الوفاء به إذا كان فى طاعة ، وإذا كان معصية
لم يجز الوفاء باتفاق العلماء ، وإنما تنازعوا : هل فيه بدل ، أو كفارة يمين ، أم لا ؟ لما رواه
البخارى فى صحيحه ، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من نَذَرَ أن يطيع الله فَلْيُطِعْه ،
ومن نذر أن يعصى الله فلا يَعْصِه ) .
فمن ظن أن النذر للمخلوقين يجلب له منفعة ، أو يدفع عنه مضرة ، فهو من الضالين كالذين يظنون
أن عبادة المخلوقين تجلب لهم منفعة ، أو تدفع عنهم مضرة .
وهؤلاء المشركون قد تتمثل لهم الشياطين ، وقد تخاطبهم بكلام ، وقد تحمل أحدهم فى الهواء ، وقد
تخبره ببعض الأمور الغائبة ، وقد تأتيه بنفقة أو طعام ، أو كسوة ، أو غير ذلك ، كما جرى مثل ذلك
لعباد الأصنام من العرب وغير العرب ، وهذا كثير ، موجود فى هذا الزمان ، وغير هذا الزمان ،
للضالين المبتدعين المخالفين للكتاب والسنة ، إما بعبادة غير الله ، وإما بعبادة لم يشرعها الله .
وهؤلاء إذا أظهر أحدهم شيئا خارقا للعادة لم يخرج عن أن يكون حالا شيطانيا ، أو محالا بهتانيا
فخواصهم تقترن بهم الشياطين ، كما يقع لبعض العقلاء منهم ، وقد يحصل ذلك لغير هؤلاء ، لكن لا
تقترن بهم الشياطين إلا مع نوع من البدعة ، إما كفر ، وإما فسق ، وإما جهل بالشرع . فإن
الشيطان قصده إغواء بحسب قدرته ، فإن قدر على أن يجعلهم كفارًا جعلهم كفارًا وإن لم يقدر إلا
على جعلهم فساقا ، أو عصاة ، وإن لم يقدر إلا على نقص عملهم ودينهم ، ببدعة يرتكبونها يخالفون
بها الشريعة التى بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فينتفع منهم بذلك!!
ولهذا قال الأئمة : لو رأيتم الرجل يطير فى الهواء أو يمشى على الماء ، فلا تغتروا به ، حتى
تنظروا وقوفه عند الأمر والنهى ، ولهذا يوجد كثير من الناس يطير فى الهواء وتكون الشياطين هى
التى تحمله ، لا يكون من كرامات أولياء الله المتقين .
ومن هؤلاء : من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس ، ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك
الليلة ، ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله ، ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا ، وإن
اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه ، فإنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ؛ لأن الحج الذى أمر الله به
ورسوله لابد فيه من الإحرام ، والوقوف بعرفة ، ولابد فيه من أن يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة ؛
فإنه ركن لا يتم الحج إلا به ، بل عليه أن يقف بمزدلفة ، ويرمى الجمار ويطوف للوداع ، وعليه
اجتناب المحظورات ، والإحرام من الميقات ، إلى غير ذلك من واجبات الحج . وهؤلاء الضالون الذين
يضلهم الشيطان يحملهم فى الهواء ، يحمل أحدهم بثيابه ، فيقف بعرفة ويرجع من تلك الليلة . حتى
يرى فى اليوم الواحد ببلده ويرى بعرفة .
ومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة ، فيراه من يعرفه واقفًا ، فيظن أنه ذلك الرجل
وقف بعرفة ! فإذا قال له ذلك الشيخ : أنا لم أذهب العام إلى عرفة ، ظن أنه ملك خلق على صورة
ذلك الشيخ ، وإنما هو شيطان تمثل على صورته ، ومثل هذا وأمثاله يقع كثيرًا ، وهى أحوال
شيطانية ، قال تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف
: 36 ] . وذكر الرحمن هو الذكر الذى أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : {
إِنَّانَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] وقال تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى }
إلى قوله : { كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى } [ طه : 123-126 ] ونسيانها
هو ترك الإيمان والعمل بها ، وإن حفظ حروفها ، قال ابن عباس : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل
بما فيه ، ألا يَضِلَّ فى الدنيا ، ولا يَشْقَى فى الآخرة وقرأ هذه الآية ، فمن اتبع ما بعث الله به رسوله
محمدًا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة هداه الله وأسعده ، ومن أعرض عن ذلك ضل وشقى
، وأضله الشيطان وأشقاه .
فالأحوال الرحمانية وكرامات أوليائه المتقين يكون سببه الإيمان ، فإن هذه حال أوليائه : قال تعالى :
{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [ يونس : 62-63 ] وتكون نعمة لله على عبده المؤمن فى دينه ودنياه ، فتكون الحجة فى الدين والحاجة
فى الدنيا للمؤمنين ، مثل ما كانت معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : كانت الحجة فى الدين
والحاجة للمسلمين ، مثل البركة التى تحصل فى الطعام والشراب ، كنبع الماء من بين أصابعه ، ومثل
نزول المطر بالاستسقاء ، ومثل قهر الكفار وشفاء المريض بالدعاء ، ومثل الأخبار الصادقة ،
والنافعة بما غاب عن الحاضرين ، وأخبار الأنبياء لا تكذب قط .
وأما أصحاب الأحوال الشيطانية ، فهم من جنس الكهان ، يكذبون تارة ويصدقون أخرى ، ولابد فى
أعمالهم من مخالفة للأمر ، قال تعالى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ
} [ الشعراء : 221 : 222 ] .
ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء ملابسا الخبائث من النجاسات والأقذار ، التى تحبها الشياطين ، ومرتكبا
للفواحش ، أو ظالما للناس فى أنفسهم وأموالهم ، وغير ذلك ، والله تعالى قد حرم { الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ } الآية [ الأعراف : 33 ]
وأولياء الله هم الذين يتبعون رضاه بفعل المأمور ، وترك المحظور ، والصبر على المقدور ، وهذه
جملة لها بسط طويل لا يتسع له هذا المكان ، والله أعلم .
مجموع فتاوى ابن تيمية