ذكر الحافظ رحمه الله، كما في فتح الباري ،عند شرح حديث ويل للعرب من شر قد اقترب، أن أطول سند في صحيح البخاري هو تساعي وفيه ثلاث صحابيات رضي الله عنهن
وهذ السند مع المتن والشرح
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح و حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ
6602 - قَوْله ( وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل )
هُوَ اِبْن أُوَيْس عَبْد اللَّه الْأَصْبَحِيّ ، وَأَخُوهُ هُوَ أَبُو بَكْر عَبْد الْحَمِيد ، وَسُلَيْمَان هُوَ اِبْن بِلَال . وَمُحَمَّد بْن أَبِي عَتِيق نُسِبَ لِجَدِّهِ وَهُوَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي عَتِيق مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن اِبْن أَبِي بَكْرَة ، وَهَذَا السَّنَد كُلّه مَدَنِيُّونَ ، وَهُوَ أَنْزَل مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ بِدَرَجَتَيْنِ ، وَيُقَال إِنَّهُ أَطْوَل سَنَدًا فِي الْبُخَارِيّ فَإِنَّهُ تُسَاعِيّ ، وَغَفَلَ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ : فِيهِ أَرْبَع نِسْوَة صَحَابِيَّات ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، بَلْ فِيهِ ثَلَاثَة كَمَا قَدَّمْت إِيضَاحه فِي أَوَائِل الْفِتَن فِي " بَاب قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْل لِلْعَرَبِ " وَذَكَرْت هُنَاكَ الِاخْتِلَاف عَلَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ فِي زِيَادَة حَبِيبَة بِنْت أُمّ حَبِيبَة فِي الْإِسْنَاد .
قَوْله ( إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا )
بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْر الزَّاي ، فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " اِسْتَيْقَظَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّوْم مُحْمَرًّا وَجْهه يَقُول " فَيُجْمَع عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ اِسْتَيْقَظَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا ، وَكَانَتْ حُمْرَة وَجْهه مِنْ ذَلِكَ الْفَزَع ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير عَنْ الزُّهْرِيّ عِنْد أَبِي عَوَانَة فَقَالَ " فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهه " .
قَوْله ( وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرّ قَدْ اِقْتَرَبَ )
خُصَّ الْعَرَب بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ مُعْظَم مَنْ أَسْلَمَ ، وَالْمُرَاد بِالشَّرِّ مَا وَقَعَ بَعْدَهُ مِنْ قَتْل عُثْمَان ، ثُمَّ تَوَالَتْ الْفِتَن حَتَّى صَارَتْ الْعَرَب بَيْن الْأُمَم كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ الْأَكَلَة كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيث الْآخَر " يُوشِك أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَم كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَة عَلَى قَصْعَتهَا " وَأَنَّ الْمُخَاطَب بِذَلِكَ الْعَرَب ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالشَّرِّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة " مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَة مِنْ الْفِتَن وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِن " فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْفُتُوح الَّتِي فُتِحَتْ بَعْدَهُ فَكَثُرَتْ الْأَمْوَال فِي أَيْدِيهمْ فَوَقَعَ التَّنَافُس الَّذِي جَرَّ الْفِتَن ، وَكَذَلِكَ التَّنَافُس عَلَى الْإِمْرَة ، فَإِنَّ مُعْظَم مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عُثْمَان تَوْلِيَة أَقَارِبه مِنْ بَنِي أُمَيَّة وَغَيْرهمْ حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ أَنْ قَتْله ، وَتَرَتَّبَ عَلَى قَتْله مِنْ الْقِتَال بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَا اُشْتُهِرَ وَاسْتَمَرَّ .
قَوْله ( فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج )
الْمُرَاد بِالرَّدْمِ السَّدّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، وَقَدْ قَدَّمْت صِفَته فِي تَرْجَمَته مِنْ أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء .
قَوْله ( مِثْل هَذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبُعَيْهِ الْإِبْهَام وَاَلَّتِي تَلِيهَا )
أَيْ جَعَلَهُمَا مِثْل الْحَلَقَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ " وَعَقَدَ سُفْيَان تِسْعِينَ أَوْ مِائَة " وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير عَنْ الزُّهْرِيّ عِنْد أَبِي عَوَانَة وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِثْل هَذِهِ " وَعَقَدَ تِسْعِينَ " وَلَمْ يُعَيِّن الَّذِي عَقَدَ أَيْضًا ، وَفِي رِوَايَة مُسْلِم عَنْ عَمْرو النَّاقِد عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ " وَعَقَدَ سُفْيَان عَشَرَة " وَلِابْنِ حِبَّان مِنْ طَرِيق شُرَيْحِ بْن يُونُس عَنْ سُفْيَان " وَحَلَّقَ بِيَدِهِ عَشَرَة " وَلَمْ يُعَيِّن أَنَّ الَّذِي حَلَّقَ هُوَ سُفْيَان ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ بِدُونِ ذِكْر الْعَقْد ، وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مِنْ رِوَايَة شُعَيْب وَفِي تَرْجَمَة ذِي الْقَرْنَيْنِ مِنْ طَرِيق عُقَيْل ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْدَهُ " وَعَقَدَ وُهَيْب تِسْعِينَ " وَهُوَ عِنْد مُسْلِم أَيْضًا ، قَالَ عِيَاض وَغَيْره : هَذِهِ الرِّوَايَات مُتَّفِقَة إِلَّا قَوْله عَشَرَة . قُلْت : وَكَذَا الشَّكّ فِي الْمِائَة لِأَنَّ صِفَاتهَا عِنْد أَهْل الْمَعْرِفَة بِعَقْدِ الْحِسَاب مُخْتَلِفَة وَإِنْ اِتَّفَقَتْ فِي أَنَّهَا تُشْبِه الْحَلْقَة ، فَعَقْد الْعَشَرَة أَنْ يُجْعَل طَرَف السَّبَّابَة الْيُمْنَى فِي بَاطِن طَيّ عُقْدَة الْإِبْهَام الْعُلْيَا وَعَقْد التِّسْعِينَ أَنْ يُجْعَل طَرَف السَّبَّابَة الْيُمْنَى فِي أَصْلهَا وَيَضُمّهَا ضَمًّا مُحْكَمًا بِحَيْثُ تَنْطَوِي عُقْدَتَاهَا حَتَّى تَصِير مِثْل الْحَيَّة الْمُطَوِّقَة . وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ صُورَته أَنْ يَجْعَل السَّبَّابَة فِي وَسَط الْإِبْهَام ، وَرَدَّهُ اِبْن التِّين بِمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوف وَعَقْد الْمِائَة مِثْل عَقْد التِّسْعِينَ لَكِنْ بِالْخِنْصَرِ الْيُسْرَى ، فَعَلَى هَذَا فَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَة مُتَقَارِبَانِ ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ فِيهِمَا الشَّكّ . وَأَمَّا الْعَشَرَة فَمُغَايِرَة لَهُمَا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : لَعَلَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مُتَقَدِّم فَزَادَ الْفَتْح بَعْدَهُ الْقَدْر الْمَذْكُور فِي حَدِيث زَيْنَب . قُلْت : وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَصْف الْمَذْكُور مِنْ أَصْل الرِّوَايَة لَاتُّجِهَ ، وَلَكِنَّ الِاخْتِلَاف فِيهِ مِنْ الرُّوَاة عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَرِوَايَة مَنْ رَوَى عَنْهُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَة أَتْقَن وَأَكْثَر مِنْ رِوَايَة مَنْ رَوَى عَشَرَة ، وَإِذَا اِتَّحَدَ مَخْرَج الْحَدِيث وَلَا سِيَّمَا فِي أَوَاخِر الْإِسْنَاد بَعْد الْحَمْل عَلَى التَّعَدُّد جِدًّا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي الْإِشَارَة الْمَذْكُورَة دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَم عَقْد الْحِسَاب حَتَّى أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَنْ يَعْرِفهُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُعَارِض قَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر " إِنَّا أُمَّة لَا نَحْسُب وَلَا نَكْتُب " فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا جَاءَ لِبَيَانِ صُورَة مُعَيَّنَة خَاصَّة . قُلْت : وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال الْمُرَاد بِنَفْيِ الْحِسَاب مَا يَتَعَانَاهُ أَهْل صِنَاعَته مِنْ الْجَمْع وَالْفَذْلَكَة وَالضَّرْب وَنَحْو ذَلِكَ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ " وَلَا نَكْتُب " وَأَمَّا عَقْد الْحِسَاب فَإِنَّهُ اِصْطِلَاح لِلْعَرَبِ تَوَاضَعُوهُ بَيْنهمْ لِيَسْتَغْنَوْا بِهِ عَنْ التَّلَفُّظ ، وَكَانَ أَكْثَر اِسْتِعْمَالهمْ لَهُ عِنْد الْمُسَاوَمَة فِي الْبَيْع فَيَضَع أَحَدهمَا يَده فِي يَد الْآخَر فَيَفْهَمَانِ الْمُرَاد مِنْ غَيْر تَلَفُّظ لِقَصْدِ سَتْر ذَلِكَ عَنْ غَيْرهمَا مِمَّنْ يَحْضُرهُمَا ، فَشَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْر مَا فُتِحَ مِنْ السَّدّ بِصِفَةٍ مَعْرُوفَة عِنْدهمْ ، وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاء التَّشْبِيه بِهَذِهِ الْعُقُود وَمِنْ ظَرِيف مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النَّظْم فِي ذَلِكَ قَوْل بَعْض الْأُدَبَاء : - رُبَّ بُرْغُوث لَيْلَة بِتّ مِنْهُ وَفُؤَادِي فِي قَبْضَة التِّسْعِينَ أَسَرَتْهُ يَد الثَّلَاثِينَ حَتَّى ذَاقَ طَعْم الْحَمَام فِي السَّبْعِينَ وَعَقْد الثَّلَاثِينَ أَنْ يُضَمّ طَرَف الْإِبْهَام إِلَى طَرَف السَّبَّابَة مِثْل مَنْ يُمْسِك شَيْئًا لَطِيفًا كَالْإِبْرَةِ وَكَذَلِكَ الْبُرْغُوث . وَعَقْد السَّبْعِينَ أَنْ يَجْعَل طَرَف ظُفْر الْإِبْهَام بَيْنَ عُقْدَتَيْ السَّبَّابَة مِنْ بَاطِنهَا وَيَلْوِي طَرَف السَّبَّابَة عَلَيْهَا مِثْل نَاقِد الدِّينَار عِنْد النَّقْد ، وَقَدْ جَاءَ فِي خَبَر مَرْفُوع " إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَحْفِرُونَ السَّدّ كُلّ يَوْم " وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِم وَصَحَّحَاهُ مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ فِي السَّدّ " يَحْفِرُونَهُ كُلّ يَوْم حَتَّى إِذَا كَادُوا يَخْرِقُونَهُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا فَيُعِيدهُ اللَّه كَأَشَدّ مَا كَانَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مُدَّتهمْ وَأَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْعَثهُمْ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّه وَاسْتَثْنَى ، قَالَ فَيَرْجِعُونَ فَيَجِدُونَهُ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس " الْحَدِيث . قُلْت : أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم مِنْ رِوَايَة أَبِي عَوَانَة وَعَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة وَابْن حِبَّان مِنْ رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ كُلّهمْ عَنْ قَتَادَةَ وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيح إِلَّا أَنَّ قَتَادَةَ مُدَلِّس ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْهُ فَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَة أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ ، لَكِنْ وَقَعَ التَّصْرِيح فِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِأَنَّ أَبَا رَافِع حَدَّثَهُ وَهُوَ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّان ، وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " حَدَّثَ أَبُو رَافِع " وَلَهُ طَرِيق آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ أَبِي صَالِح عَنْهُ لَكِنَّهُ مَوْقُوف " قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي هَذَا الْحَدِيث ثَلَاث آيَات :
الْأُولَى أَنَّ اللَّه مَنَعَهُمْ أَنْ يُوَالُوا الْحَفْر لَيْلًا وَنَهَارًا ،
الثَّانِيَة مَنَعَهُمْ أَنْ يُحَاوِلُوا الرُّقِيّ عَلَى السَّدّ بِسُلَّمٍ أَوْ آلَة فَلَمْ يُلْهِمهُمْ ذَلِكَ وَلَا عَلَّمَهُمْ إِيَّاهُ وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون أَرْضهمْ لَا خَشَب فِيهَا وَلَا آلَات تَصْلُح لِذَلِكَ . قُلْت : وَهُوَ مَرْدُود ، فَإِنَّ فِي خَبَرهمْ عِنْدَ وَهْب فِي الْمُبْتَدَأ أَنَّ لَهُمْ أَشْجَارًا وَزُرُوعًا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآلَات فَالْأَوَّل أَوْلَى . وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق اِبْن عَمْرو بْن أَوْس عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ " أَنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَهُمْ نِسَاء يُجَامِعُونَ مَا شَاءُوا وَشَجَر يُلَقِّحُونَ مَا شَاءُوا " الْحَدِيث .
الثَّالِثَة أَنَّهُ صَدَّهُمْ عَنْ أَنْ يَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّه حَتَّى يَجِيء الْوَقْت الْمَحْدُود . قُلْت : وَفِيهِ أَنَّ فِيهِمْ أَهْل صِنَاعَة وَأَهْل وِلَايَة وَسَلَاطَة وَرَعِيَّة تُطِيع مَنْ فَوْقَهَا ، وَأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَعْرِف اللَّه وَيُقِرّ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَته ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون تِلْكَ الْكَلِمَة تَجْرِي عَلَى لِسَان ذَلِكَ الْوَالِي مِنْ غَيْر أَنْ يَعْرِف مَعْنَاهَا فَيَحْصُل الْمَقْصُود بِبَرَكَتِهَا . وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق كَعْب الْأَحْبَار نَحْو حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ فِيهِ " فَإِذَا بَلَغَ الْأَمْر أَلْقَى عَلَى بَعْض أَلْسِنَتهمْ نَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه غَدًا فَنَفْرُغ مِنْهُ " وَأَخْرَجَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة نَحْو حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ " فَيُصْبِحُونَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ بِالْأَمْسِ حَتَّى يُسَلِّم رَجُل مِنْهُمْ حِينَ يُرِيد اللَّه أَنْ يَبْلُغ أَمْره فَيَقُول الْمُؤْمِن غَدًا نَفْتَحهُ إِنْ شَاءَ اللَّه ، فَيُصْبِحُونَ ثُمَّ يَغْدُونَ عَلَيْهِ فَيُفْتَح " الْحَدِيث وَسَنَده ضَعِيف جِدًّا .
قَوْله ( قَالَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش )
هَذَا يُخَصِّص رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير بِلَفْظِ " قَالُوا أَنَهْلِكُ " وَيُعَيِّن أَنَّ اللَّافِظ بِهَذَا السُّؤَال هِيَ زَيْنَب بِنْت جَحْش رَاوِيَة الْحَدِيثِ .
قَوْله ( أَنَهْلِكُ )
بِكَسْرِ اللَّام فِي رِوَايَة يَزِيد بْن الْأَصَمّ عَنْ مَيْمُونَة عَنْ زَيْنَب بِنْت جَحْش فِي نَحْو هَذَا الْحَدِيث " فُرِجَ اللَّيْلَة مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج فُرْجَة ، قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَيُعَذِّبُنَا اللَّه وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ " .
قَوْله ( وَفِينَا الصَّالِحُونَ )
كَأَنَّهَا أَخَذَتْ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى ( وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) .
قَوْله ( قَالَ : نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث )
بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَلَّثَة ، فَسَّرُوهُ بِالزِّنَا وَبِأَوْلَادِ الزِّنَا وَبِالْفُسُوقِ وَالْفُجُور ، وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالصَّلَاحِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِيهِ الْبَيَان بِأَنَّ الْخَيِّر يَهْلِك بِهَلَاكِ الشِّرِّير إِذَا لَمْ يُغَيِّر عَلَيْهِ خُبْثه ، وَكَذَلِكَ إِذَا غَيَّرَ عَلَيْهِ لَكِنْ حَيْثُ لَا يُجْدِي ذَلِكَ وَيُصِرّ الشِّرِّير عَلَى عَمَله السَّيِّئ ؛ وَيَفْشُو ذَلِكَ وَيَكْثُر حَتَّى يَعُمّ الْفَسَاد فَيَهْلِك حِينَئِذٍ الْقَلِيل وَالْكَثِير ، ثُمَّ يُحْشَر كُلّ أَحَد عَلَى نِيَّته . وَكَأَنَّهَا فَهِمَتْ مِنْ فَتْح الْقَدْر الْمَذْكُور مِنْ الرَّدْم أَنَّ الْأَمْر إِنْ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ اِتَّسَعَ الْخَرْق بِحَيْثُ يَخْرُجُونَ ، وَكَانَ عِنْدَهَا عِلْم أَنَّ فِي خُرُوجهمْ عَلَى النَّاس إِهْلَاكًا عَامًّا لَهُمْ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَالهمْ عِنْدَ خُرُوجهمْ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان بَعْدَ ذِكْر الدَّجَّال وَقَتْله عَلَى يَد عِيسَى قَالَ " ثُمَّ يَأْتِيه قَوْم قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّه مِنْ الدَّجَّال فَيَمْسَح وُجُوههمْ وَيُحَدِّثهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّة ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّه إِلَى عِيسَى أَنِّي قَدْ أَخْرَجْت عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّور ، وَيَبْعَث اللَّه يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيَمُرّ أَوَائِلهمْ عَلَى بُحَيْرَة طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرّ آخِرهمْ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّة مَاء ، وَيَحْصُر عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه حَتَّى يَكُون رَأْس الثَّوْر لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَة دِينَار ، فَيَرْغَب عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه إِلَى اللَّه فَيُرْسِل عَلَيْهِمْ النَّغَف - بِفَتْحِ النُّون وَالْغَيْن الْمُعْجَمَة ثُمَّ فَاء - فِي رِقَابهمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى ، بِفَتْحِ الْفَاء وَسُكُون الرَّاء بَعْدَهَا مُهْمَلَة مَقْصُور كَمَوْتِ نَفْس وَاحِدَة ؛ ثُمَّ يَهْبِط عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه إِلَى الْأَرْض فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْض مَوْضِع شِبْر إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمهمْ وَنَتْنهمْ ، فَيَرْغَب نَبِيّ اللَّه عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى اللَّه ، فَيُرْسِل طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْت فَتَحْمِلهُمْ فَتَطْرَحهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّه ، ثُمَّ يُرْسِل اللَّه مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ مَدَر وَلَا وَبَر ، فَيَغْسِل الْأَرْض حَتَّى يَتْرُكهَا كَالزَّلَفَةِ ، ثُمَّ يُقَال لِلْأَرْضِ أَنَبْتِي ثَمَرَتك وَرُدِّي بَرَكَتَك ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُل الْعِصَابَة مِنْ الرُّمَّانَة وَيَسْتَظِلُّونَ تَحْتَهَا ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّه رِيحًا طَيِّبَة فَتَأْخُذهُمْ تَحْتَ آبَاطهمْ فَتَقْبِض رُوح كُلّ مُؤْمِن وَمُسْلِم ، فَيَبْقَى شِرَار النَّاس يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُر ، فَعَلَيْهِمْ تَقُوم السَّاعَة " . قُلْت : وَالزَّلَفَة بِفَتْحِ الزَّاي وَاللَّام وَقِيلَ بِتَسْكِينِهَا وَقِيلَ بِالْقَافِ هِيَ الْمِرْآة بِكَسْرِ الْمِيم ، وَقِيلَ الْمَصْنَع الَّذِي يُتَّخَذ لِجَمْعِ الْمَاء ، وَالْمُرَاد أَنَّ الْمَاء يَعُمّ جَمِيع الْأَرْض فَيُنَظِّفهَا حَتَّى تَصِير بِحَيْثُ يَرَى الرَّائِي وَجْهه فِيهَا . وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ أَيْضًا " فَيَقُولُونَ لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْض ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاء ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاء فَيَرُدّهَا اللَّه عَلَيْهِمْ مَخْضُوبَة دَمًا " وَأَخْرَجَ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه فِي قِصَّة يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَسَنَده صَحِيح ، وَعِنْد عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " فَلَا يَمُرُّونَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ " وَمِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد رَفَعَهُ " يُفْتَح يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيَعُمُّونَ الْأَرْض ، وَتَنْحَاز مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَيَظْهَرُونَ عَلَى أَهْل الْأَرْض ؛ فَيَقُول قَائِلهمْ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْأَرْض قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ فَيَهُزّ آخِر حَرْبَته إِلَى السَّمَاء فَتَرْجِع مُخَضَّبَة بِالدَّمِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا أَهْل السَّمَاء ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ دَوَابّ كَنَغَفِ الْجَرَاد فَتَأْخُذ بِأَعْنَاقِهِمْ فَيَمُوتُونَ مَوْت الْجَرَاد يَرْكَب بَعْضهمْ بَعْضًا " .
وهذ السند مع المتن والشرح
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح و حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ
6602 - قَوْله ( وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل )
هُوَ اِبْن أُوَيْس عَبْد اللَّه الْأَصْبَحِيّ ، وَأَخُوهُ هُوَ أَبُو بَكْر عَبْد الْحَمِيد ، وَسُلَيْمَان هُوَ اِبْن بِلَال . وَمُحَمَّد بْن أَبِي عَتِيق نُسِبَ لِجَدِّهِ وَهُوَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي عَتِيق مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن اِبْن أَبِي بَكْرَة ، وَهَذَا السَّنَد كُلّه مَدَنِيُّونَ ، وَهُوَ أَنْزَل مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ بِدَرَجَتَيْنِ ، وَيُقَال إِنَّهُ أَطْوَل سَنَدًا فِي الْبُخَارِيّ فَإِنَّهُ تُسَاعِيّ ، وَغَفَلَ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ : فِيهِ أَرْبَع نِسْوَة صَحَابِيَّات ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، بَلْ فِيهِ ثَلَاثَة كَمَا قَدَّمْت إِيضَاحه فِي أَوَائِل الْفِتَن فِي " بَاب قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْل لِلْعَرَبِ " وَذَكَرْت هُنَاكَ الِاخْتِلَاف عَلَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ فِي زِيَادَة حَبِيبَة بِنْت أُمّ حَبِيبَة فِي الْإِسْنَاد .
قَوْله ( إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا )
بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْر الزَّاي ، فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " اِسْتَيْقَظَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّوْم مُحْمَرًّا وَجْهه يَقُول " فَيُجْمَع عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ اِسْتَيْقَظَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا ، وَكَانَتْ حُمْرَة وَجْهه مِنْ ذَلِكَ الْفَزَع ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير عَنْ الزُّهْرِيّ عِنْد أَبِي عَوَانَة فَقَالَ " فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهه " .
قَوْله ( وَيْل لِلْعَرَبِ مِنْ شَرّ قَدْ اِقْتَرَبَ )
خُصَّ الْعَرَب بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ مُعْظَم مَنْ أَسْلَمَ ، وَالْمُرَاد بِالشَّرِّ مَا وَقَعَ بَعْدَهُ مِنْ قَتْل عُثْمَان ، ثُمَّ تَوَالَتْ الْفِتَن حَتَّى صَارَتْ الْعَرَب بَيْن الْأُمَم كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ الْأَكَلَة كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيث الْآخَر " يُوشِك أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَم كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَة عَلَى قَصْعَتهَا " وَأَنَّ الْمُخَاطَب بِذَلِكَ الْعَرَب ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالشَّرِّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة " مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَة مِنْ الْفِتَن وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِن " فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْفُتُوح الَّتِي فُتِحَتْ بَعْدَهُ فَكَثُرَتْ الْأَمْوَال فِي أَيْدِيهمْ فَوَقَعَ التَّنَافُس الَّذِي جَرَّ الْفِتَن ، وَكَذَلِكَ التَّنَافُس عَلَى الْإِمْرَة ، فَإِنَّ مُعْظَم مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عُثْمَان تَوْلِيَة أَقَارِبه مِنْ بَنِي أُمَيَّة وَغَيْرهمْ حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ أَنْ قَتْله ، وَتَرَتَّبَ عَلَى قَتْله مِنْ الْقِتَال بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَا اُشْتُهِرَ وَاسْتَمَرَّ .
قَوْله ( فُتِحَ الْيَوْم مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج )
الْمُرَاد بِالرَّدْمِ السَّدّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ ، وَقَدْ قَدَّمْت صِفَته فِي تَرْجَمَته مِنْ أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء .
قَوْله ( مِثْل هَذِهِ وَحَلَّقَ بِأُصْبُعَيْهِ الْإِبْهَام وَاَلَّتِي تَلِيهَا )
أَيْ جَعَلَهُمَا مِثْل الْحَلَقَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ " وَعَقَدَ سُفْيَان تِسْعِينَ أَوْ مِائَة " وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير عَنْ الزُّهْرِيّ عِنْد أَبِي عَوَانَة وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِثْل هَذِهِ " وَعَقَدَ تِسْعِينَ " وَلَمْ يُعَيِّن الَّذِي عَقَدَ أَيْضًا ، وَفِي رِوَايَة مُسْلِم عَنْ عَمْرو النَّاقِد عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ " وَعَقَدَ سُفْيَان عَشَرَة " وَلِابْنِ حِبَّان مِنْ طَرِيق شُرَيْحِ بْن يُونُس عَنْ سُفْيَان " وَحَلَّقَ بِيَدِهِ عَشَرَة " وَلَمْ يُعَيِّن أَنَّ الَّذِي حَلَّقَ هُوَ سُفْيَان ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ بِدُونِ ذِكْر الْعَقْد ، وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مِنْ رِوَايَة شُعَيْب وَفِي تَرْجَمَة ذِي الْقَرْنَيْنِ مِنْ طَرِيق عُقَيْل ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْدَهُ " وَعَقَدَ وُهَيْب تِسْعِينَ " وَهُوَ عِنْد مُسْلِم أَيْضًا ، قَالَ عِيَاض وَغَيْره : هَذِهِ الرِّوَايَات مُتَّفِقَة إِلَّا قَوْله عَشَرَة . قُلْت : وَكَذَا الشَّكّ فِي الْمِائَة لِأَنَّ صِفَاتهَا عِنْد أَهْل الْمَعْرِفَة بِعَقْدِ الْحِسَاب مُخْتَلِفَة وَإِنْ اِتَّفَقَتْ فِي أَنَّهَا تُشْبِه الْحَلْقَة ، فَعَقْد الْعَشَرَة أَنْ يُجْعَل طَرَف السَّبَّابَة الْيُمْنَى فِي بَاطِن طَيّ عُقْدَة الْإِبْهَام الْعُلْيَا وَعَقْد التِّسْعِينَ أَنْ يُجْعَل طَرَف السَّبَّابَة الْيُمْنَى فِي أَصْلهَا وَيَضُمّهَا ضَمًّا مُحْكَمًا بِحَيْثُ تَنْطَوِي عُقْدَتَاهَا حَتَّى تَصِير مِثْل الْحَيَّة الْمُطَوِّقَة . وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ صُورَته أَنْ يَجْعَل السَّبَّابَة فِي وَسَط الْإِبْهَام ، وَرَدَّهُ اِبْن التِّين بِمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوف وَعَقْد الْمِائَة مِثْل عَقْد التِّسْعِينَ لَكِنْ بِالْخِنْصَرِ الْيُسْرَى ، فَعَلَى هَذَا فَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَة مُتَقَارِبَانِ ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ فِيهِمَا الشَّكّ . وَأَمَّا الْعَشَرَة فَمُغَايِرَة لَهُمَا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : لَعَلَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مُتَقَدِّم فَزَادَ الْفَتْح بَعْدَهُ الْقَدْر الْمَذْكُور فِي حَدِيث زَيْنَب . قُلْت : وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَصْف الْمَذْكُور مِنْ أَصْل الرِّوَايَة لَاتُّجِهَ ، وَلَكِنَّ الِاخْتِلَاف فِيهِ مِنْ الرُّوَاة عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَرِوَايَة مَنْ رَوَى عَنْهُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَة أَتْقَن وَأَكْثَر مِنْ رِوَايَة مَنْ رَوَى عَشَرَة ، وَإِذَا اِتَّحَدَ مَخْرَج الْحَدِيث وَلَا سِيَّمَا فِي أَوَاخِر الْإِسْنَاد بَعْد الْحَمْل عَلَى التَّعَدُّد جِدًّا . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي الْإِشَارَة الْمَذْكُورَة دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَم عَقْد الْحِسَاب حَتَّى أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَنْ يَعْرِفهُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُعَارِض قَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر " إِنَّا أُمَّة لَا نَحْسُب وَلَا نَكْتُب " فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا جَاءَ لِبَيَانِ صُورَة مُعَيَّنَة خَاصَّة . قُلْت : وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال الْمُرَاد بِنَفْيِ الْحِسَاب مَا يَتَعَانَاهُ أَهْل صِنَاعَته مِنْ الْجَمْع وَالْفَذْلَكَة وَالضَّرْب وَنَحْو ذَلِكَ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ " وَلَا نَكْتُب " وَأَمَّا عَقْد الْحِسَاب فَإِنَّهُ اِصْطِلَاح لِلْعَرَبِ تَوَاضَعُوهُ بَيْنهمْ لِيَسْتَغْنَوْا بِهِ عَنْ التَّلَفُّظ ، وَكَانَ أَكْثَر اِسْتِعْمَالهمْ لَهُ عِنْد الْمُسَاوَمَة فِي الْبَيْع فَيَضَع أَحَدهمَا يَده فِي يَد الْآخَر فَيَفْهَمَانِ الْمُرَاد مِنْ غَيْر تَلَفُّظ لِقَصْدِ سَتْر ذَلِكَ عَنْ غَيْرهمَا مِمَّنْ يَحْضُرهُمَا ، فَشَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْر مَا فُتِحَ مِنْ السَّدّ بِصِفَةٍ مَعْرُوفَة عِنْدهمْ ، وَقَدْ أَكْثَرَ الشُّعَرَاء التَّشْبِيه بِهَذِهِ الْعُقُود وَمِنْ ظَرِيف مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النَّظْم فِي ذَلِكَ قَوْل بَعْض الْأُدَبَاء : - رُبَّ بُرْغُوث لَيْلَة بِتّ مِنْهُ وَفُؤَادِي فِي قَبْضَة التِّسْعِينَ أَسَرَتْهُ يَد الثَّلَاثِينَ حَتَّى ذَاقَ طَعْم الْحَمَام فِي السَّبْعِينَ وَعَقْد الثَّلَاثِينَ أَنْ يُضَمّ طَرَف الْإِبْهَام إِلَى طَرَف السَّبَّابَة مِثْل مَنْ يُمْسِك شَيْئًا لَطِيفًا كَالْإِبْرَةِ وَكَذَلِكَ الْبُرْغُوث . وَعَقْد السَّبْعِينَ أَنْ يَجْعَل طَرَف ظُفْر الْإِبْهَام بَيْنَ عُقْدَتَيْ السَّبَّابَة مِنْ بَاطِنهَا وَيَلْوِي طَرَف السَّبَّابَة عَلَيْهَا مِثْل نَاقِد الدِّينَار عِنْد النَّقْد ، وَقَدْ جَاءَ فِي خَبَر مَرْفُوع " إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَحْفِرُونَ السَّدّ كُلّ يَوْم " وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِم وَصَحَّحَاهُ مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ فِي السَّدّ " يَحْفِرُونَهُ كُلّ يَوْم حَتَّى إِذَا كَادُوا يَخْرِقُونَهُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا فَيُعِيدهُ اللَّه كَأَشَدّ مَا كَانَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مُدَّتهمْ وَأَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْعَثهُمْ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ اِرْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّه وَاسْتَثْنَى ، قَالَ فَيَرْجِعُونَ فَيَجِدُونَهُ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس " الْحَدِيث . قُلْت : أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم مِنْ رِوَايَة أَبِي عَوَانَة وَعَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة وَابْن حِبَّان مِنْ رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ كُلّهمْ عَنْ قَتَادَةَ وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيح إِلَّا أَنَّ قَتَادَةَ مُدَلِّس ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْهُ فَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَة أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ ، لَكِنْ وَقَعَ التَّصْرِيح فِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِأَنَّ أَبَا رَافِع حَدَّثَهُ وَهُوَ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّان ، وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " حَدَّثَ أَبُو رَافِع " وَلَهُ طَرِيق آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ أَبِي صَالِح عَنْهُ لَكِنَّهُ مَوْقُوف " قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي هَذَا الْحَدِيث ثَلَاث آيَات :
الْأُولَى أَنَّ اللَّه مَنَعَهُمْ أَنْ يُوَالُوا الْحَفْر لَيْلًا وَنَهَارًا ،
الثَّانِيَة مَنَعَهُمْ أَنْ يُحَاوِلُوا الرُّقِيّ عَلَى السَّدّ بِسُلَّمٍ أَوْ آلَة فَلَمْ يُلْهِمهُمْ ذَلِكَ وَلَا عَلَّمَهُمْ إِيَّاهُ وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون أَرْضهمْ لَا خَشَب فِيهَا وَلَا آلَات تَصْلُح لِذَلِكَ . قُلْت : وَهُوَ مَرْدُود ، فَإِنَّ فِي خَبَرهمْ عِنْدَ وَهْب فِي الْمُبْتَدَأ أَنَّ لَهُمْ أَشْجَارًا وَزُرُوعًا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآلَات فَالْأَوَّل أَوْلَى . وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق اِبْن عَمْرو بْن أَوْس عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ " أَنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَهُمْ نِسَاء يُجَامِعُونَ مَا شَاءُوا وَشَجَر يُلَقِّحُونَ مَا شَاءُوا " الْحَدِيث .
الثَّالِثَة أَنَّهُ صَدَّهُمْ عَنْ أَنْ يَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّه حَتَّى يَجِيء الْوَقْت الْمَحْدُود . قُلْت : وَفِيهِ أَنَّ فِيهِمْ أَهْل صِنَاعَة وَأَهْل وِلَايَة وَسَلَاطَة وَرَعِيَّة تُطِيع مَنْ فَوْقَهَا ، وَأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَعْرِف اللَّه وَيُقِرّ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَته ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون تِلْكَ الْكَلِمَة تَجْرِي عَلَى لِسَان ذَلِكَ الْوَالِي مِنْ غَيْر أَنْ يَعْرِف مَعْنَاهَا فَيَحْصُل الْمَقْصُود بِبَرَكَتِهَا . وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق كَعْب الْأَحْبَار نَحْو حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ فِيهِ " فَإِذَا بَلَغَ الْأَمْر أَلْقَى عَلَى بَعْض أَلْسِنَتهمْ نَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه غَدًا فَنَفْرُغ مِنْهُ " وَأَخْرَجَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة نَحْو حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ " فَيُصْبِحُونَ وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ بِالْأَمْسِ حَتَّى يُسَلِّم رَجُل مِنْهُمْ حِينَ يُرِيد اللَّه أَنْ يَبْلُغ أَمْره فَيَقُول الْمُؤْمِن غَدًا نَفْتَحهُ إِنْ شَاءَ اللَّه ، فَيُصْبِحُونَ ثُمَّ يَغْدُونَ عَلَيْهِ فَيُفْتَح " الْحَدِيث وَسَنَده ضَعِيف جِدًّا .
قَوْله ( قَالَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش )
هَذَا يُخَصِّص رِوَايَة سُلَيْمَان بْن كَثِير بِلَفْظِ " قَالُوا أَنَهْلِكُ " وَيُعَيِّن أَنَّ اللَّافِظ بِهَذَا السُّؤَال هِيَ زَيْنَب بِنْت جَحْش رَاوِيَة الْحَدِيثِ .
قَوْله ( أَنَهْلِكُ )
بِكَسْرِ اللَّام فِي رِوَايَة يَزِيد بْن الْأَصَمّ عَنْ مَيْمُونَة عَنْ زَيْنَب بِنْت جَحْش فِي نَحْو هَذَا الْحَدِيث " فُرِجَ اللَّيْلَة مِنْ رَدْم يَأْجُوج وَمَأْجُوج فُرْجَة ، قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَيُعَذِّبُنَا اللَّه وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ " .
قَوْله ( وَفِينَا الصَّالِحُونَ )
كَأَنَّهَا أَخَذَتْ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى ( وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) .
قَوْله ( قَالَ : نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَث )
بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَلَّثَة ، فَسَّرُوهُ بِالزِّنَا وَبِأَوْلَادِ الزِّنَا وَبِالْفُسُوقِ وَالْفُجُور ، وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالصَّلَاحِ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِيهِ الْبَيَان بِأَنَّ الْخَيِّر يَهْلِك بِهَلَاكِ الشِّرِّير إِذَا لَمْ يُغَيِّر عَلَيْهِ خُبْثه ، وَكَذَلِكَ إِذَا غَيَّرَ عَلَيْهِ لَكِنْ حَيْثُ لَا يُجْدِي ذَلِكَ وَيُصِرّ الشِّرِّير عَلَى عَمَله السَّيِّئ ؛ وَيَفْشُو ذَلِكَ وَيَكْثُر حَتَّى يَعُمّ الْفَسَاد فَيَهْلِك حِينَئِذٍ الْقَلِيل وَالْكَثِير ، ثُمَّ يُحْشَر كُلّ أَحَد عَلَى نِيَّته . وَكَأَنَّهَا فَهِمَتْ مِنْ فَتْح الْقَدْر الْمَذْكُور مِنْ الرَّدْم أَنَّ الْأَمْر إِنْ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ اِتَّسَعَ الْخَرْق بِحَيْثُ يَخْرُجُونَ ، وَكَانَ عِنْدَهَا عِلْم أَنَّ فِي خُرُوجهمْ عَلَى النَّاس إِهْلَاكًا عَامًّا لَهُمْ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَالهمْ عِنْدَ خُرُوجهمْ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان بَعْدَ ذِكْر الدَّجَّال وَقَتْله عَلَى يَد عِيسَى قَالَ " ثُمَّ يَأْتِيه قَوْم قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّه مِنْ الدَّجَّال فَيَمْسَح وُجُوههمْ وَيُحَدِّثهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّة ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّه إِلَى عِيسَى أَنِّي قَدْ أَخْرَجْت عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّور ، وَيَبْعَث اللَّه يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيَمُرّ أَوَائِلهمْ عَلَى بُحَيْرَة طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرّ آخِرهمْ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّة مَاء ، وَيَحْصُر عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه حَتَّى يَكُون رَأْس الثَّوْر لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَة دِينَار ، فَيَرْغَب عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه إِلَى اللَّه فَيُرْسِل عَلَيْهِمْ النَّغَف - بِفَتْحِ النُّون وَالْغَيْن الْمُعْجَمَة ثُمَّ فَاء - فِي رِقَابهمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى ، بِفَتْحِ الْفَاء وَسُكُون الرَّاء بَعْدَهَا مُهْمَلَة مَقْصُور كَمَوْتِ نَفْس وَاحِدَة ؛ ثُمَّ يَهْبِط عِيسَى نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه إِلَى الْأَرْض فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْض مَوْضِع شِبْر إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمهمْ وَنَتْنهمْ ، فَيَرْغَب نَبِيّ اللَّه عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى اللَّه ، فَيُرْسِل طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْت فَتَحْمِلهُمْ فَتَطْرَحهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّه ، ثُمَّ يُرْسِل اللَّه مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ مَدَر وَلَا وَبَر ، فَيَغْسِل الْأَرْض حَتَّى يَتْرُكهَا كَالزَّلَفَةِ ، ثُمَّ يُقَال لِلْأَرْضِ أَنَبْتِي ثَمَرَتك وَرُدِّي بَرَكَتَك ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُل الْعِصَابَة مِنْ الرُّمَّانَة وَيَسْتَظِلُّونَ تَحْتَهَا ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّه رِيحًا طَيِّبَة فَتَأْخُذهُمْ تَحْتَ آبَاطهمْ فَتَقْبِض رُوح كُلّ مُؤْمِن وَمُسْلِم ، فَيَبْقَى شِرَار النَّاس يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُر ، فَعَلَيْهِمْ تَقُوم السَّاعَة " . قُلْت : وَالزَّلَفَة بِفَتْحِ الزَّاي وَاللَّام وَقِيلَ بِتَسْكِينِهَا وَقِيلَ بِالْقَافِ هِيَ الْمِرْآة بِكَسْرِ الْمِيم ، وَقِيلَ الْمَصْنَع الَّذِي يُتَّخَذ لِجَمْعِ الْمَاء ، وَالْمُرَاد أَنَّ الْمَاء يَعُمّ جَمِيع الْأَرْض فَيُنَظِّفهَا حَتَّى تَصِير بِحَيْثُ يَرَى الرَّائِي وَجْهه فِيهَا . وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ أَيْضًا " فَيَقُولُونَ لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْض ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاء ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاء فَيَرُدّهَا اللَّه عَلَيْهِمْ مَخْضُوبَة دَمًا " وَأَخْرَجَ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه فِي قِصَّة يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَسَنَده صَحِيح ، وَعِنْد عَبْد بْن حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " فَلَا يَمُرُّونَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ " وَمِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد رَفَعَهُ " يُفْتَح يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيَعُمُّونَ الْأَرْض ، وَتَنْحَاز مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَيَظْهَرُونَ عَلَى أَهْل الْأَرْض ؛ فَيَقُول قَائِلهمْ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْأَرْض قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ فَيَهُزّ آخِر حَرْبَته إِلَى السَّمَاء فَتَرْجِع مُخَضَّبَة بِالدَّمِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا أَهْل السَّمَاء ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ دَوَابّ كَنَغَفِ الْجَرَاد فَتَأْخُذ بِأَعْنَاقِهِمْ فَيَمُوتُونَ مَوْت الْجَرَاد يَرْكَب بَعْضهمْ بَعْضًا " .