إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف تعرف الأمة منزلتها بين الأمم؟ لشيخنا المحدث سليم الهلالي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف تعرف الأمة منزلتها بين الأمم؟ لشيخنا المحدث سليم الهلالي

    كيف تعرف الأمة منزلتها بين الأمم؟



    إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله.

    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد: فإن أهل العلم الشرعي ملح الأرض، فهم سلسلة متصلة حلقاتها برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بلغوا إلينا الدين، وأوصلوا إلينا الشرع المبين، فهم الموقعون عن رب العالمين.

    ولقد صدق من قال: إذا أردت معرفة منزلة الأمة الإسلامية بين الأمم؛ فانظر إلى منزلة العلماء عند أمتهم(!)

    ولله در القائل:

    أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم

    وذلك: أن الأمة التي لا تعرف حق علمائها تجتاحها فوضى علمية، ويعتريها خلل منهجي: لا يبقي ولا يذر، ويفرقها شذر مذر.

    وقد قام في أمتنا دعاة على أبواب جهنم: روجوا لباطلهم، وسلكوا في نشره طرقاً منحرفة، فلجأوا أولاً إلى إسقاط العلماء الربانيين ولمز الفقهاء الكبار الكبار(!!)

    هذا القَدْحُ كان للمستعمرين الحاقدين اليد الطولى والقَدَحُ المعلى في بثه بين صفوف المسلمين؛ ليقطعوا العروة الوثقى بين العلماء والأمة؛ لأن قطعها تمزيق للدين؛ إذ أن العلماء الوسائل المعتبرة لبيان مقاصد الشرع المبين.

    وليس عجباً أن يصدر هذا الغمز واللمز وإلصاق التهم بالعلماء من ربائب الاستعمار الذين عمدوا في محاضنه، وشربوا لبانه حتى ثملوا كالعلمانيين، والقوميين، والاشتراكيين، والبعثيين، واليساريين، وأهل الحداثة ومن على شاكلتهم من الأحزاب الجاهلية العصرانية.

    وإنما العجب العجاب الذي تحتار فيه العقول وتطيش له الألباب: أن يصدر هذا كله من بعض أبناء الحركات الدعوية الحزبية، فهم يحملون لواء القدح بالعلماء، والجرح لأهل والعلم، والاستخفاف بمكانتهم، وقد سلكوا في ترويج ضلالهم طرقاً شتى -ولكن لا يفلح المبتدع حيث أتى- فتارة: يرمونهم بأنهم علماء الدول ومشايخ السلاطين والحكومات، وتارة: تصاغ لهم القرارات وتصدر إليهم التعليمات، وطوراً: بأنهم علماء حيض ونفاس، وأن فقههم لا يتعدى سراويل إمرأة، ومرة: بأنهم لا يفقهون واقع الناس، وأخرى: بأنهم لصوص نصوص!!

    ولذلك؛ اخترعوا مسألة الفصل بين العلم والدعوة، فقالوا: العلماء غير الدعاة.

    وهذا تفليس للعلماء من دورهم الريادي القيادي(1)، ومن ثم إسقاط العلماء الكبار، وصرف الأمة عن أئمتها المهديين الناصحين الصادقين؛ ليخلوا الجو لحدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ولأتباعهم ومن على شاكلتهم من السياسيين والحزبيين والحركيين، فغيروا عقول كثير من شباب المسلمين الحماسيين، وربوهم على بغض ولاة أمورهم، وبغض علمائهم، وعدم الثقة بهم، فأصبح العالم الرباني: الصادق في قوله، الراسخ في علمه، الداعي إلى الله على بصيرة، مهيج فتنة، بينما الداعية الحزبي المهيج للعامة المنفر عن ولاة الأمر من العلماء والحكام هو الناصح الأمين.

    والشيء من معدنه لا يستغرب، والأمر من ديدنه لا يستعجب، فقد مضى هذا الحال من سوء المقال والفعال نذير خطر من كلام سيد البشر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «سيأتي على الناس سنوات خداعات: يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق بالناس الرويبضة»، قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة»(2).

    وكذلك حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدعة التفريق بين العلماء والدعاة، فعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً: اتخذ الناس رؤوساً جهالاً؛ فسئلوا؛ فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».

    وفي رواية: «فيبقى ناس جهال يستفتون، فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون»(3).

    لذلك كله كان لزاماً وكتاباً مفروضاً من تقدير علماء أهل السنة والجماعة والتمسك بغرزهم والاستضاءة بفهمهم لمسائل الاعتقاد وقضايا المنهج وطرق السلوك والتربية.

    وهذا المنهج قرره العلماء خلفاً عن سلف، لأنه تطبيق عملي لقوله صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله: ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»(4).

    قال الإمام ابن جرير الطبري –رحمه الله-: «وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي، مضى ولا تابعي قضى، إلا عمن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل –رضي الله عنه(5)».

    فانظر –يا رعاك الله- إلى هذا الارتباط المنهجي الوثيق بين علماء السلف الصالح.

    قال الإمام الذهبي: «وبلغنا: أن أبا داود كان من العلماء العاملين حتى إن بعض الأئمة قال: كان أبو داود يشبه أحمد بن حنبل في هديه ودلّه وسمته، وكان أحمد يشبه في ذلك وكيع، وكان وكيع يشبه في ذلك بسفيان، وسفيان بمنصور، ومنصور بإبراهيم، وإبراهيم بعلقمة، وعلقمة بعبد الله بن مسعود، وقال علقمة: كان ابن مسعود يشبه النبي صلى الله عليه وسلم»(6).

    فهذا ارتباط في الهدي والسمت!فكيف ارتباط العقيدة والمنهج والدعوة والسلوك والتربية؟!

    وتأمل هذه القواعد المثلى للارتباط بأهل العلم الألى يحبرها الحافظ السلفي ابن رجب: «ومن سلك طريقة العلم على ما ذكرناه تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالباً؛ لأن أصولها توجد في تلك الأصول المشار إليها، ولا بد أن يكون سلوك هذا الطريق خلف أهله المجمع على درايتهم وهدايتهم، كالشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد ومن سلك سبيلهم، فإن من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقتهم وقع في مفاوز ومهالك، وأخذ بما لا يجوز الأخذ به، وترك ما يجب العمل به»(7).

    والشواهد من حال السلف الصالح في ارتباط بعضهم ببعض، وأخذ بعضهم عن بعض، وحث الأمة على اتباع العلماء الذين تمثلت فيهم السنة .. ومن ذلك قول الشافعي: «من أبغض أحمد بن حنبل، فهو كافر». قال له الربيع بن سليمان: تطلق عليه اسم الكفر؟ قال: «نعم؛ من أبغض احمد بن حنبل عاند السنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة أبغض النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبغض النبي صلى الله عليه وسلم كفر»(8).

    وكلام الشافعي ليس دعوة لتقديس الإمام أحمد والتعصب له ولذاته، وإنما المراد منهج الإمام أحمد ومعتقده وموقفه السلفي وثباته على السنة، فإن الإمام أحمد صار علماً على السنة والسلفية.

    ولذلك كان العلماء ينتسبون للإمام أحمد ويقولون: نحن على اعتقاده ومنهجه، ولم ينكر عليهم أحد؛ كما فعل أبو الحسن الأشعري -رحمه الله- حيث قال في «الإبانة»: «فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون؟

    قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وائمة الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته -قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وكبير مفهم، وعلى جميع ائمة المسلمين»(9).

    ولا زال علماء السلف يتوارثون هذا الارتباط حتى يوم الناس هذا، فقد سأل بعض طلاب العلم أستاذنا فقيه الزمان محمد بن صالح العثيمين –تغمده الله برحمته- عن فئات من الناس يكفرون الحكام من غير ضوابط وشروط:

    فأجاب الشيخ –رحمه الله-:

    «لا، أنصحك تسمع اشرطة الشيخ ابن باز، اشرطة الالباني، اشرطة العلماء المعروفين بالاعتدال، وعدم الثورة الفكرية»


    (1) لأن العلماء من أولي الأمر الذين قال الله فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وإلى هذا ذهب طائفة من السلف؛ كجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، ومجاهد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وقد خرجنا آثارهم بتفصيل في «كتاب السنة» لابن نصر المروزي (ص 101-110 – ط غراس).

    ومن ذهب إلى تفسير الآية بالأمراء؛ فإنه لا يتعارض مع هذا القول.

    قال الإمام محمد بن جرير الطبري -شيخ المفسرين- في «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» (7/182-184): «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: هم الأمراء والولاة؛ لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعة، وللمسلمين مصلحة ...

    فإذ كان معلوماً أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله، أو رسوله، أو إمام عادل، وكان الله قد أمر بقوله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} بطاعة ذوي أمرنا؛ كان معلومًا أن الذين أمر بطاعتهم -تعالى ذكره- من ذوي أمرنا: هم الأئمة، ومَن ولَّوْه أمر المسلمين دون غيرهم من الناس، وإن كان مفروضاً القبول من كل آمِرٍ أمَرَ بترك معصيته ودعا إلى طاعته؛ غير أنه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجة وجوبه إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم، مما هو مصلحة لعامة الرعية، فإن على من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية، وإذ كان ذلك كذلك؛ كان معلوماً بذلك صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره» ا.هـ.

    وقال الحافظ المفسر ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم» (2/446): «والظاهر -والله أعلم- أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء، وقد قال -تعالى-: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمْ الرَّبَانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلَهُمُ السُّحْتَ} [المائدة: 63]، وقال -تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7]، وفي الحديث الصحيح -المتفق عليه- عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: «من أطاعني؛ فقد أطاع الله، ومن عصاني؛ فقد عصى الله، ومن أطاع أميري؛ فقد أطاعني، ومن عصى أميري؛ فقد عصاني».

    فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال -تعالى-: {أَطِيعُوا اللهَ}؛ أي: اتبعوا كتابه، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}؛ أي: خذوا بسنته، {وَأُولِي الأَمْرِ}؛ أي: فيما أمروكم به من طاعة الله، لا في معصية الله؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله».

    وقال الإمام ابن قيم الجوزية في «إعلام الموقعين عن رب العالمين» (2/ 16): «والتَّحقيق: أنَّ الأمراء إنَّما يطاعون إذا أَمَرُوا بمقتضى العلم؛ فطاعتهم تبعٌ لطاعة العلماء؛ فإنَّ الطَّاعة إنَّما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أنَّ طاعة العلماء تبعٌ لطاعة الرَّسول؛ فطاعة الأمراء تبعٌ لطاعة العلماء.

    ولَمَّا كان قيام الإسلام بطائفتَيِ العلماء والأمراء، وكان النَّاس -كلُّهم- لهم تبعًا؛ كان صلاح العالَم بصلاح هاتين الطَّائفتين، وفسادُه بفسادهما؛ كما قال عبدالله بن المبارك -وغيرُه من السَّلف-: صنفان من النَّاس إذا صَلَحَا؛ صَلَحَ النَّاس، وإذا فسدا؛ فسد النَّاس، قيل: مَن هم؟ قال: الملوك، والعلماء.

    وقال عبدالله بن مبارك:

    وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبارُ سوءٍ ورهبانها».

    وقال (3/ 541): «والتَّحقيق: أنَّ الآيةَ تتناول الطَّائفتين -يعني: الأمراء، والعلماء-، وطاعتهم من طاعة الرَّسول، لكن خفي على المقلِّدين أنَّهم إنَّما يطاعون في طاعة اللَّه إذا أمروا بأمر اللَّه ورسوله؛ فكان العلماء مبلِّغين لأمر الرَّسول، والأمراء منفِّذين له، فحينئذٍ تجب طاعتهم تبعًا لطاعة اللَّه ورسوله».
    (2) صحيح لغيره- أخرجه ابن ماجة (4036)، وأحمد (2/291)، والحاكم (4/465-466و512)، وغيرهم من طريق أبي هريرة.

    قلت: وهو بهما حسن.

    وله شواهد من حديث أنس وعوف بن مالك يرتقي بهما إلى درجة الصحة.
    (3) أخرجه البخاري (100 و7308) والرواية الثانية له، ومسلم (2673).

    وانظر –غير مأمور- كتابي: «بصائر ذوي الشرف بشرح مرويات منهج السلف» (ص 31-32)، و«سير أعلام النبلاء» (6/36).
    (4) صحيح لغيره؛ كما بينته في كتابي:«إرشاد الفحول إلى تحرير النقول في تصحيح حديث العدول»
    (5) «صريح السنة» (ص 25-26).
    (6) «تذكرة الحفاظ» (2/592).
    (7) «جامع العلوم والحكم».
    (8) «طبقات الحنابلة» (1/13).
    (9) «تبين كذب المفتري» (ص157-158).

    منقول
يعمل...
X