بسم الله الرحمن الرحيم
.. :: من ردود العلماء :: ..
[ ما نشر حول إنكار تعدد الزوجات حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات ]
من إملاءات العلامة
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
رحمه الله تعالى
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
رحمه الله تعالى
الرد رقم [ 17 ] : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اطلعت على ما نشرته صحيفة اليمامة في عددها الصادر في 18 - 03- 1385هـ تحت عنوان [ حول مشكلة الأسبوع ] ، وقرأت ما كتبه الأستاذ [ ناصر بن عبد الله ] في حل مشكلة الأخت في الله [ م . ع . ل ] المنوه عنها في العدد الصادر في 11 - 03- 1385هـ تحت عنوان : [ خذيني إلى النور ] ، وقرأت أيضا ما كتبه [ ابن السراة ] في حل المشكلة ذاتها ، فألفيت ما كتبه الأستاذ [ ناصر ] حلا جيدا مطابقا للحق ، وينبغي للأخت صاحبة المشكلة أن تأخذ به وأن تلزم الأخلاق الفاضلة والأدب الصالح ، والصبر الجميل ، وبذلك تتغلب على جميع الصعوبات وتحمد العاقبة .
وإذا كان الضرر الذي تشكو منه من جهة الزوج وعدم عدله فلتطلب منه إصلاح السيرة بلطف وإحسان وصبر جميل وبذلك نرجو أن تدرك مطلوبها ، وبقاؤها في البيت عنده أقرب إلى العدل إن شاء الله .
أما إن كان الضرر من الضرة ، فالواجب على الزوج أن يمنع ضرر الضرة أو يسكن صاحبة المشكلة في بيت وحدها ويقوم بما يلزم لها من النفقة ، وإيجاد مؤنسة إذا كانت لا تستطيع البقاء في البيت وحدها ، والواجب عليه أن ينصف من نفسه ، وأن يتحرى العدل ويبتعد عن جميع أنواع الضرر ، فإن لم يقم بذلك ولم تجد في أقاربه وأصدقائه من يحل المشكلة فليس أمامها سوى رفع أمره إلى المحكمة .
وينبغي لها قبل ذلك أن تضرع إلى الله سبحانه وتسأله بصدق أن يفرج كربتها ويسهل أمرها ويهدي زوجها وضرتها للحق والإنصاف ، وعليها أيضا أن تحاسب نفسها وأن تستقيم على طاعة ربها وأن تتوب إليه سبحانه من تقصيرها في حقه وحق زوجها ، فإن العبد لا يصيبه مصيبة إلا بما كسب من سيئات ، كما قال الله سبحانه : ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ ، وأما حل [ ابن السراة ] للمشكلة فهو حل صادر من جاهل بالشريعة وأحكامها وهو في أشد الحاجة إلى أن يؤخذ إلى النور ويوجه إلى الحق ، لأنه قد وقع فيما هو أشد خطورة وأكثر ظلمة مما وقعت فيه صاحبة المشكلة وما ذاك إلا لأنه عاب تعدد الزوجات .
وزعم أنه داء خطير يجب أن نحاربه بكل وسيلة من شأنها الحد من تفشي هذا الداء العضال الذي يهدد استقرار مجتمعنا وأهاب بالحكومة إلى منعه ، وزعم أيضا أن الذي يسعى في تعدد الزوجات جاهل يجب علينا أن نتعاون على الحيلولة دون تحقيق رغباته الحيوانية واستئصال هذا الداء من شأفته ، وزعم أيضا أنه ما دخل التعدد في أسرة إلا وشتت شملها وأقض مضجعها إلخ .
وأقول : أن هذا الكلام لا يصدر من شخص يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويعلم أن الكتاب العزيز والسنة المطهرة جاءا بالتعدد , وأجمع المسلمون على حِله ، فكيف يجوز لمسلم أن يعيب ما نص الكتاب العزيز على حله بقوله تعالى : ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ الآية .
فقد شرع الله لعباده في هذه الآية أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورُباع بشرط العدل ، وهذا الجاهل يزعم أنه داء خطير ومرض عضال مشتت للأسر ومقض للمضاجع يجب أن يحارب ، ويزعم أن الراغب فيه مشبه للحيوان. وهذا كلام شنيع يقتضي التنقص لكل من جمع بين زوجتين فأكثر ، وعلى رأسهم سيد الثقلين محمد صلى الله عليه وسلم .
فقد جمع صلى الله عليه وسلم بين تسع من النساء ونفع الله بهن الأمة وحملن إليها علوما نافعة وأخلاقا كريمة وآدابا صالحة ، وكذلك النبيان الكريمان داود وسليمان عليهما السلام فقد جمعا بين عدد كثير من النساء بإذن الله وتشريعه ، وجمع كثير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان ، وفي تعدد النساء مع تحري العدل مصالح كثيرة وفوائد جمة منها : عِفة الرجل وإعفافه عددا من النساء ، ومنها كفايته لهن وقيامه بمصالحهن ، ومنها كثرة النسل الذي يترتب عليه كثرة الأمة وقوتها وكثرة من يعبد الله ، ومنها مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بهم الأمم يوم القيامة ، إلى غير ذلك من المصالح الكثيرة التي يعرفها من يُعظم الشريعة وينظر في محاسنها وحكمها وأسرارها وشدة حاجة العباد إليها بعين الرضا والمحبة والتعظيم والبصيرة .
أما الجاهل الذي ينظر إلى الشريعة بمنظار أسود وينظر إلى الغرب والشرق بكل عينيه معظما مستحسنا كلما جاء منهما ، فمثل هذا بعيد عن معرفة محاسن الشريعة وحكمها وفوائدها ورعايتها لمصالح العباد رجالا ونساء .
وقد كان التعدد معروفا في الأمم الماضية ذوات الحضارة وفي الجاهلية بين العرب قبل الإسلام فجاء الإسلام وحدد من ذلك وقصر المسلمين على أربع ، وأباح للرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك لحكم وأسرار ومصالح اقتضت تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالزيادة على أربع ، وقد قصره الله على تسع كما في سورة الأحزاب .
وقد ذكر علماء الإسلام أن تعدد الزوجات من محاسن الشريعة الإسلامية ، ومن رعايتها لمصالح المجتمع وعلاج مشاكله ، ولولا ضيق المجال وخوف الإطالة لنقلت لك أيها القارئ شيئا من كلامهم لتزداد علما وبصيرة .
وقد تنبه بعض أعداء الإسلام لهذا الأمر واعترفوا بحسن ما جاءت به الشريعة في هذه المسألة رغم عداوتهم لها إقرارا بالحق واضطرارا للاعتراف به ، وأنا أنقل لك بعض ما اطلعت عليه من ذلك وإن كان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلام علماء الإسلام ما يشفي ويغني عن كلام كتاب أعداء الإسلام ، ولكن بعض الناس قد ينتفع من كلامهم أكثر مما ينتفع من كلام علماء الإسلام بل أكثر مما ينتفع من الآيات والأحاديث [[[ ! ]]] وما ذاك إلا لما قد وقع في قلبه من تعظيم الغرب وما جاء عنه ، فلذلك رأيت أن أذكر هنا بعض ما اطلعت عليه من كلام كتاب وكاتبات الغرب .
قال في [ المنار ] [ جـ 4 ، صـ 485 ] [ ضياء : مجلة للشيخ محمد رشيد رضا ] منه نقلا عن جريدة [ لندن ثروت ] بقلم بعض الكتاب ما ترجمته ملخصا : [ لقد كثرت الشاردات من بناتنا وعم البلاء ، وقل الباحثون عن أسباب ذلك ، وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهم وحزنا ، وماذا عسى يفيدهن بشيء حزني ووجعي وتفجعي وإن شاركني فيه الناس جميعا ، إذ لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة ، ولله در العالم [ توس ] فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل للشفاء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة ، وبهذه الوساطة يزول البلاء لا محالة وتصبح بناتنا ربات بيوت ، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة ، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال ، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة ، أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلاً وعالةً وعاراً في المجتمع الإنساني ، فلو كان تعدد الزوجات مباحا لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم كما هم فيه من العذاب والهوان ، ولسلِمَ عرضهن وعرض أولادهن ، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار ، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل وعليه ما ليس عليها ، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين ] ، ونقل في [ صفحة 362 ] عن كاتبة أخرى أنها قالت : [ لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل ، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة حيث الخادمة والرقيق تنعمان بأرغد عيش ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ، ولا تمس الأعراض بسوء ، نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ، فما بالنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها ] .اهـ ، وقال غيره : [ قال [ غوستاف لوبون ] : إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه ويزيد الأسر ارتباطا يمنح المرأة احتراما وسعادة لا تجدهما في أوروبا ] ، ويقول [ برناردشو] : [ إن أوربا ستضطر إلى الرجوع إلى الإسلام قبل نهاية القرن العشرين شاءت أم أبت ] .
هذا بعض ما اطلعت عليه من كلام أعداء الإسلام في محاسن الإسلام وتعدد الزوجات وفيه عظة لكل ذي لب ، والله المستعان .
أما حكم [ ابن السراة ] : فلا شك أن الذي قاله في تعدد النساء تنقص للإسلام وعيب للشريعة الكاملة واستهزاء بها وبالرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك من نواقض الإسلام ، فالواجب على ولاة الأمور استتابته عما قال ، فإن [ تاب ] و [ أعلن ] توبته [ في الصحيفة التي أعلن فيها ] ما أوجب كفره فالحمد لله ، ويجب مع ذلك أن يؤدب بما يردعه وأمثاله .
وإن لم يتب ، [ وجب أن يقتل مرتدا ويكون ماله فيئا لبيت المال لا يرثه أقاربه ] ، قال تعالى : ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ ، وقال تعالى في حق الكفرة : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ، فنبه سبحانه عباده إلى أن من [ استهزأ ] بدينه ، أو [ كَرِهَ ] ما أنزل [ كفر ] و [ حبط عمله ] ، وقال سبحانه في آية أخرى : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ، ولا ريب أن [ ابن السراة ] قد [ كَرِهَ ] ما أنزل الله من إباحة تعدد النساء ، و [ عاب ] ذلك ؛ [ وزعم ] أنه [ داء عضال ] ، فيدخل في حكم هذه الآيات ، والأدلة على هذا المعنى كثيرة .
ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لمحبة ما شرعه لعباده والتمسك به ، والحذر مما خالفه ، وأن ينصر دينه وحزبه ، ويخذل الباطل وأهله إنه سميع قريب ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
..