كِثرة الحلف (وكثرة الحلف لا تجامع كمال التوحيد )للشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله
________________________________________
باب ما جاء في كثرة الحلف
باب ما جاء في كثرة الحلف، وقول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب أخرجاه.
وعن سلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه رواه الطبراني بسند صحيح.
وفي الصحيح: عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم -قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثة-، ثم إن بعدكم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمَن .
وفيه: عن ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته وقال إبراهيم: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار. --------------------------------------------------------------------------------
هذا باب ما جاء في كثرة الحلف، ومن الظاهر والبيّن أن القلب المعظم لله -جل جلاله-، الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، أنه لا يستعمل الحلف، وكثرة الحلف لا تجامع كمال التوحيد؛ فإن من كمل التوحيد في قلبه -أو قارب الكمال- لا يكون جاعلا لله -جل وعلا- في أيمانه.
يجعل الله -جل وعلا- في يمينه: إذا تكلم تكلم بالحلف، وإذا باع باع بالحلف، وإذا اشترى اشترى بالحلف، ونحو ذلك؛ فإن هذا ليس من التعظيم الواجب لله -جل وعلا-.
فإن الواجب على العبد أن يعظم الله -جل وعلا-، وأن لا يكثر اليمين، والمقصود باليمين والحلف هنا اليمين المعقودة، المنعقدة التي عقدها صاحبها، أما لغو اليمين فإن هذا معفو عنه، مع أن الكمال فيه والمستحب: أن يخلص الموحد لسانه وقلبه من كثرة الحلف -في الإكرام ونحوه- بلغو اليمين.
فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة، وهي أن تحقيق التوحيد وكمال التوحيد لا يجامع كثرة الحلف، فكثرة الحلف منافية لكمال التوحيد، والحلف هو -كما ذكرنا- تأكيد الأمر بمعظَّم، وهو الله -جل جلاله-. فمن أكد وعقد اليمين بالله -جل وعلا- وأكثر من ذلك وأكثر فإنه لا يكون معظِّما لله -جل جلاله-؛ إذ الله -سبحانه وتعالى- يجب أن يصان اسمه، ويصان الحلف به واليمين به إلا عند الحاجة إليها.
أما كثرة ذلك وكثرة مجيئه على اللسان فهو ليس من صفة أهل الصلاح؛ ولهذا أمر الله -جل وعلا- بحفظ اليمين فقال: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ وهذا الأمر للوجوب؛ لأنه وسيلة لتحقيق تعظيم الله -جل وعلا-، وتحقيق كمال التوحيد.
وقوله: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ هذا إيجاب بأن يحفظ العبد يمينه، فلا يحلف عاقدا اليمين إلا على أمر شرعي بيِّن، أما أن يحلف دائما ويجعل الله -جل وعلا- في يمينه فهذا ليس من تعظيم أسماء الله -جل جلاله-.
قال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب وسبب ذلك أنه نوع عقوبة، أن هذا الذي يبيع بالحلف فإنه تنفق سلعته، ولكن كسبه يُمحق؛ لأن محق الكسب يكون عقوبة لأجل أنه لم يفعل الواجب من تعظيم الله -جل وعلا-.
قال: وعن سلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان يعني من شمطه الشيب، وقلبه متعلق بالزنا -والعياذ بالله-، فإنه ليس عنده من الدواعي للزنا ما يجعله يقبل عليه، ليس كحال من كان شابا، فهو قد وقفه+ الشيب، فيكون -إذن- في قلبه حب المعصية، وليست مسألة غلبة الشهوة؛ ولهذا كان من أهل هذا الوعيد العظيم بأن لا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم.
الصفة الثانية: قال: عائل مستكبر هذا النوع الثاني، وهو من جنس الأول، فإن الاستكبار -كما قال العلماء- يكون استكبارا للذات، ويكون استكبارا للصفات، فإذا كان استكبارا للصفات فهذا محرم، ولكنه أهون، كمن يكون ذا جاه ورفعه فيتكبر لأجل ما له من الجاه والرفعة.
فهذا لا يجوز، لكن عنده ما يوقع في قلبه الشبهة والفتنة بالتكبر أو الاستكبار، أو يكون ذا مال، أو يكون ذا جمال، أو يكون ذا سمعه، ونحو ذلك، فعنده سبب يجعله يتكبر، وهذا يكثر في أهل الغنى، فإن أهل الغنى يكون كثيرا عندهم نوع تكبر على من كانوا من أهل الفقر، أو ليسوا من أهل الغنى، فهذا عنده وصف جعله يتكبر.
لكن الأعظم أن يكون تكبره في الذات، بأن ليس عنده صفة تجعله متكبرا، وهذا هو النوع الأول، وهو استكبار للذات، يرى نفسه كبيرة، ويتعاظم وهو ليس عنده شيء من الصفات يجعله كذلك، فهذا يكون فعله كبيرة من الكبائر العظيمة، ويدخل في هذا الحديث، ولهذا قال: وعائل مستكبر ؛ لأن العائل -وهو الفقير الكثير العيال- ليس عنده من الصفات ما يكون الاستكبار شبهة عنده، أو لأجل تلك الصفات، أو يكون ثَمَّ فتنة عنده إلا لما قام في نفسه الخبيثة من الكبر.
قال: ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه وهذا موطن الشاهد من الحديث، وهو ظاهر في أنه مذموم، وأنه صاحب كبيرة؛ لأنه جعل الله بضاعته، ويبيع باليمين، ويشتري باليمين، وهذا لا يجامع كمال التوحيد، بل لا يجامع تعظيم الله -جل وعلا- التعظيم الواجب، فيكون مرتكبا لمحرم.
والحديث الذي بعده واضح، وكذلك الذي بعده، وآخره قول إبراهيم النخعي، قال إبراهيم: "كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار" هذا فيه تأديب السلف لأولادهم ولذراريهم على تعظيم الله -جل وعلا-؛ فإن الشهادة والعهد واجب أن تكون مع التعظيم لله -جل وعلا-، والخوف من لقائه، والخوف من الظلم، فكانوا يؤدبون أولادهم على ذلك؛ حتى يتمرنوا وينشئوا على تعظيم توحيد الله، وتعظيم أمر الله ونهيه.. نعم.
كتاب التوحيد ... شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ باب ما جاء في كثرة الحلف
منقول عن سحاب
________________________________________
باب ما جاء في كثرة الحلف
باب ما جاء في كثرة الحلف، وقول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب أخرجاه.
وعن سلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه رواه الطبراني بسند صحيح.
وفي الصحيح: عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم -قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثة-، ثم إن بعدكم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمَن .
وفيه: عن ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته وقال إبراهيم: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار. --------------------------------------------------------------------------------
هذا باب ما جاء في كثرة الحلف، ومن الظاهر والبيّن أن القلب المعظم لله -جل جلاله-، الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، أنه لا يستعمل الحلف، وكثرة الحلف لا تجامع كمال التوحيد؛ فإن من كمل التوحيد في قلبه -أو قارب الكمال- لا يكون جاعلا لله -جل وعلا- في أيمانه.
يجعل الله -جل وعلا- في يمينه: إذا تكلم تكلم بالحلف، وإذا باع باع بالحلف، وإذا اشترى اشترى بالحلف، ونحو ذلك؛ فإن هذا ليس من التعظيم الواجب لله -جل وعلا-.
فإن الواجب على العبد أن يعظم الله -جل وعلا-، وأن لا يكثر اليمين، والمقصود باليمين والحلف هنا اليمين المعقودة، المنعقدة التي عقدها صاحبها، أما لغو اليمين فإن هذا معفو عنه، مع أن الكمال فيه والمستحب: أن يخلص الموحد لسانه وقلبه من كثرة الحلف -في الإكرام ونحوه- بلغو اليمين.
فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة، وهي أن تحقيق التوحيد وكمال التوحيد لا يجامع كثرة الحلف، فكثرة الحلف منافية لكمال التوحيد، والحلف هو -كما ذكرنا- تأكيد الأمر بمعظَّم، وهو الله -جل جلاله-. فمن أكد وعقد اليمين بالله -جل وعلا- وأكثر من ذلك وأكثر فإنه لا يكون معظِّما لله -جل جلاله-؛ إذ الله -سبحانه وتعالى- يجب أن يصان اسمه، ويصان الحلف به واليمين به إلا عند الحاجة إليها.
أما كثرة ذلك وكثرة مجيئه على اللسان فهو ليس من صفة أهل الصلاح؛ ولهذا أمر الله -جل وعلا- بحفظ اليمين فقال: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ وهذا الأمر للوجوب؛ لأنه وسيلة لتحقيق تعظيم الله -جل وعلا-، وتحقيق كمال التوحيد.
وقوله: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ هذا إيجاب بأن يحفظ العبد يمينه، فلا يحلف عاقدا اليمين إلا على أمر شرعي بيِّن، أما أن يحلف دائما ويجعل الله -جل وعلا- في يمينه فهذا ليس من تعظيم أسماء الله -جل جلاله-.
قال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب وسبب ذلك أنه نوع عقوبة، أن هذا الذي يبيع بالحلف فإنه تنفق سلعته، ولكن كسبه يُمحق؛ لأن محق الكسب يكون عقوبة لأجل أنه لم يفعل الواجب من تعظيم الله -جل وعلا-.
قال: وعن سلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان يعني من شمطه الشيب، وقلبه متعلق بالزنا -والعياذ بالله-، فإنه ليس عنده من الدواعي للزنا ما يجعله يقبل عليه، ليس كحال من كان شابا، فهو قد وقفه+ الشيب، فيكون -إذن- في قلبه حب المعصية، وليست مسألة غلبة الشهوة؛ ولهذا كان من أهل هذا الوعيد العظيم بأن لا يكلمه الله ولا يزكيه وله عذاب أليم.
الصفة الثانية: قال: عائل مستكبر هذا النوع الثاني، وهو من جنس الأول، فإن الاستكبار -كما قال العلماء- يكون استكبارا للذات، ويكون استكبارا للصفات، فإذا كان استكبارا للصفات فهذا محرم، ولكنه أهون، كمن يكون ذا جاه ورفعه فيتكبر لأجل ما له من الجاه والرفعة.
فهذا لا يجوز، لكن عنده ما يوقع في قلبه الشبهة والفتنة بالتكبر أو الاستكبار، أو يكون ذا مال، أو يكون ذا جمال، أو يكون ذا سمعه، ونحو ذلك، فعنده سبب يجعله يتكبر، وهذا يكثر في أهل الغنى، فإن أهل الغنى يكون كثيرا عندهم نوع تكبر على من كانوا من أهل الفقر، أو ليسوا من أهل الغنى، فهذا عنده وصف جعله يتكبر.
لكن الأعظم أن يكون تكبره في الذات، بأن ليس عنده صفة تجعله متكبرا، وهذا هو النوع الأول، وهو استكبار للذات، يرى نفسه كبيرة، ويتعاظم وهو ليس عنده شيء من الصفات يجعله كذلك، فهذا يكون فعله كبيرة من الكبائر العظيمة، ويدخل في هذا الحديث، ولهذا قال: وعائل مستكبر ؛ لأن العائل -وهو الفقير الكثير العيال- ليس عنده من الصفات ما يكون الاستكبار شبهة عنده، أو لأجل تلك الصفات، أو يكون ثَمَّ فتنة عنده إلا لما قام في نفسه الخبيثة من الكبر.
قال: ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه وهذا موطن الشاهد من الحديث، وهو ظاهر في أنه مذموم، وأنه صاحب كبيرة؛ لأنه جعل الله بضاعته، ويبيع باليمين، ويشتري باليمين، وهذا لا يجامع كمال التوحيد، بل لا يجامع تعظيم الله -جل وعلا- التعظيم الواجب، فيكون مرتكبا لمحرم.
والحديث الذي بعده واضح، وكذلك الذي بعده، وآخره قول إبراهيم النخعي، قال إبراهيم: "كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار" هذا فيه تأديب السلف لأولادهم ولذراريهم على تعظيم الله -جل وعلا-؛ فإن الشهادة والعهد واجب أن تكون مع التعظيم لله -جل وعلا-، والخوف من لقائه، والخوف من الظلم، فكانوا يؤدبون أولادهم على ذلك؛ حتى يتمرنوا وينشئوا على تعظيم توحيد الله، وتعظيم أمر الله ونهيه.. نعم.
كتاب التوحيد ... شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ باب ما جاء في كثرة الحلف
منقول عن سحاب
تعليق