قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ في كتابه شرح السير الكبير : اعْلَمْ بِأَنَّ السِّيَرَ الْكَبِيرَ آخِرُ تَصْنِيفٍ صَنَّفَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفِقْهِ .
وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ أَبُو حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ صَنَّفَهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الْعِرَاقِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ صَنَّفَهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَتْ النَّفْرَةُ بَيْنَهُمَا ، وَكُلَّمَا احْتَاجَ إلَى رِوَايَةِ حَدِيثٍ عَنْهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، وَهُوَ مُرَادُهُ حَيْثُ يَذْكُرُ هَذَا اللَّفْظَ .
وَأَصْلُ سَبَبِ تِلْكَ النَّفْرَةِ الْحَسَدُ ، عَلَى مَا حَكَى الْمُعَلَّى قَالَ :
جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ أَبِي يُوسُفَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ ، فَقُلْت لَهُ : مَرَّةً تَقَعُ فِيهِ وَمَرَّةً تُثْنِي عَلَيْهِ ؟.
فَقَالَ : الرَّجُلُ مَحْسُودٌ .
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - :
أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ مَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ كَانَ يَرْكَبُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ ، فَيَمُرُّ بِهِ طَلَبَةُ الْعِلْمِ ، فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ : إلَى أَيْنَ تَذْهَبُونَ ؟.
فَيُقَالُ لَهُ : إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ : أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُخْتَلَفَ إلَيْهِ؟. وَاَللَّهِ لَأُفَقِّهَنَّ حَجَّامِي بَغْدَادَ وَبَقَّالِيهَا.
وَعَقَدَ مَجْلِسَ الْإِمْلَاءِ لِذَلِكَ ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ- مُوَاظِبٌ عَلَى الدَّرْسِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ حَالِ أَبِي يُوسُف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى الْفُقَهَاءَ يَمُرُّونَ بِهِ بُكْرَةً فَقَالَ : إلَى أَيْنَ؟.
فَقَالُوا : إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ .
قَالَ : اذْهَبُوا فَإِنَّ الْفَتَى مَحْسُودٌ .
وَسَبَبُهَا الْخَاصُّ مَا حُكِيَ أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ، فَخَافَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يُقَرِّبَهُ ، فَخَلَا بِهِ فَقَالَ : أَتَرْغَبُ فِي قَضَاءِ مِصْرَ؟.
فَقَالَ مُحَمَّدٌ : وَمَا غَرَضُك فِي هَذَا؟.
فَقَالَ : قَدْ ظَهَرَ عِلْمُنَا بِالْعِرَاقِ فَأُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَبِمِصْرَ .
فَقَالَ مُحَمَّدٌ : حَتَّى أَنْظُرَ .
وَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَهُ ، فَقَالُوا : لَيْسَ غَرَضُهُ قَضَاءَكَ وَلَكِنْ يُرِيدُ أَنْ يُنَحِّيَك عَنْ بَابِ الْخَلِيفَةِ .
ثُمَّ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَبَا يُوسُفَ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَهُ ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنَّ بِهِ دَاءً لَا يَصْلُحُ مَعَهُ لِمَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ .
فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ؟.
قَالَ : بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَةُ الْجُلُوسِ.
قَالَ الْخَلِيفَةُ : نَأْذَنُ لَهُ بِالْقِيَامِ عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ خَلَا بِمُحَمَّدٍ وَقَالَ : إنَّ أَمِيرَ الْمُومِنِينَ يَدْعُوك .
وَهُوَ رَجُلٌ مَلُولٌ فَلَا تُطِلْ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ .
فَإِذَا أَشَرْت إلَيْك فَقُمْ .
ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ ، فَاسْتَحْسَنَ الْخَلِيفَةُ لِقَاءَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا جَمَالٍ وَكَلَامٍ وَاسْتَحْسَنَ كَلَامَهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ .
فَفِي خِلَالِ ذَلِكَ الْكَلَامِ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنْ قُمْ.
فَقَطَعَ الْكَلَامَ وَخَرَجَ ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ هَذَا الدَّاءُ لَكُنَّا نَتَجَمَّلُ بِهِ فِي مَجْلِسِنَا .
فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لِمَ خَرَجْت فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ؟.
فَقَالَ : قَدْ كُنْت أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُومَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، لَكِنَّ يَعْقُوبَ كَانَ أُسْتَاذِي فَكَرِهْت مُخَالَفَتَهُ.
ثُمَّ وَقَفَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَبَبَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا مَا نَسَبَنِي إلَيْهِ.
فَاسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ .
وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ .
وَلَمَّا مَاتَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَخْرُجْ مُحَمَّدٌ إلَى جِنَازَتِهِ.
وَقِيلَ إنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ اسْتِحْيَاءً مِنْ النَّاسِ ، فَإِنَّ جَوَارِي أَبِي يُوسُفَ كُنَّ يُعَرِّضْنَ بِهِ فِيمَا يَبْكِينَهُ ، عَلَى مَا يُحْكَى أَنَّ جَوَارِيَهُ كُنَّ يَقُلْنَ عِنْدَ الِاجْتِيَازِ بِبَابِ مُحَمَّدٍ :
وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ أَبُو حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ صَنَّفَهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الْعِرَاقِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ صَنَّفَهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَتْ النَّفْرَةُ بَيْنَهُمَا ، وَكُلَّمَا احْتَاجَ إلَى رِوَايَةِ حَدِيثٍ عَنْهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، وَهُوَ مُرَادُهُ حَيْثُ يَذْكُرُ هَذَا اللَّفْظَ .
وَأَصْلُ سَبَبِ تِلْكَ النَّفْرَةِ الْحَسَدُ ، عَلَى مَا حَكَى الْمُعَلَّى قَالَ :
جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ أَبِي يُوسُفَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ ، فَقُلْت لَهُ : مَرَّةً تَقَعُ فِيهِ وَمَرَّةً تُثْنِي عَلَيْهِ ؟.
فَقَالَ : الرَّجُلُ مَحْسُودٌ .
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - :
أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ مَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ كَانَ يَرْكَبُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ ، فَيَمُرُّ بِهِ طَلَبَةُ الْعِلْمِ ، فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ : إلَى أَيْنَ تَذْهَبُونَ ؟.
فَيُقَالُ لَهُ : إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ : أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُخْتَلَفَ إلَيْهِ؟. وَاَللَّهِ لَأُفَقِّهَنَّ حَجَّامِي بَغْدَادَ وَبَقَّالِيهَا.
وَعَقَدَ مَجْلِسَ الْإِمْلَاءِ لِذَلِكَ ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ- مُوَاظِبٌ عَلَى الدَّرْسِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ حَالِ أَبِي يُوسُف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى الْفُقَهَاءَ يَمُرُّونَ بِهِ بُكْرَةً فَقَالَ : إلَى أَيْنَ؟.
فَقَالُوا : إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ .
قَالَ : اذْهَبُوا فَإِنَّ الْفَتَى مَحْسُودٌ .
وَسَبَبُهَا الْخَاصُّ مَا حُكِيَ أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ، فَخَافَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يُقَرِّبَهُ ، فَخَلَا بِهِ فَقَالَ : أَتَرْغَبُ فِي قَضَاءِ مِصْرَ؟.
فَقَالَ مُحَمَّدٌ : وَمَا غَرَضُك فِي هَذَا؟.
فَقَالَ : قَدْ ظَهَرَ عِلْمُنَا بِالْعِرَاقِ فَأُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَبِمِصْرَ .
فَقَالَ مُحَمَّدٌ : حَتَّى أَنْظُرَ .
وَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَهُ ، فَقَالُوا : لَيْسَ غَرَضُهُ قَضَاءَكَ وَلَكِنْ يُرِيدُ أَنْ يُنَحِّيَك عَنْ بَابِ الْخَلِيفَةِ .
ثُمَّ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَبَا يُوسُفَ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَهُ ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنَّ بِهِ دَاءً لَا يَصْلُحُ مَعَهُ لِمَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ .
فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ؟.
قَالَ : بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَةُ الْجُلُوسِ.
قَالَ الْخَلِيفَةُ : نَأْذَنُ لَهُ بِالْقِيَامِ عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ خَلَا بِمُحَمَّدٍ وَقَالَ : إنَّ أَمِيرَ الْمُومِنِينَ يَدْعُوك .
وَهُوَ رَجُلٌ مَلُولٌ فَلَا تُطِلْ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ .
فَإِذَا أَشَرْت إلَيْك فَقُمْ .
ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ ، فَاسْتَحْسَنَ الْخَلِيفَةُ لِقَاءَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا جَمَالٍ وَكَلَامٍ وَاسْتَحْسَنَ كَلَامَهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ .
فَفِي خِلَالِ ذَلِكَ الْكَلَامِ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنْ قُمْ.
فَقَطَعَ الْكَلَامَ وَخَرَجَ ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ هَذَا الدَّاءُ لَكُنَّا نَتَجَمَّلُ بِهِ فِي مَجْلِسِنَا .
فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لِمَ خَرَجْت فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ؟.
فَقَالَ : قَدْ كُنْت أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُومَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، لَكِنَّ يَعْقُوبَ كَانَ أُسْتَاذِي فَكَرِهْت مُخَالَفَتَهُ.
ثُمَّ وَقَفَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَبَبَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا مَا نَسَبَنِي إلَيْهِ.
فَاسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ .
وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ .
وَلَمَّا مَاتَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَخْرُجْ مُحَمَّدٌ إلَى جِنَازَتِهِ.
وَقِيلَ إنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ اسْتِحْيَاءً مِنْ النَّاسِ ، فَإِنَّ جَوَارِي أَبِي يُوسُفَ كُنَّ يُعَرِّضْنَ بِهِ فِيمَا يَبْكِينَهُ ، عَلَى مَا يُحْكَى أَنَّ جَوَارِيَهُ كُنَّ يَقُلْنَ عِنْدَ الِاجْتِيَازِ بِبَابِ مُحَمَّدٍ :
الْيَوْمَ يَرْحَمُنَا مَنْ كَانَ يَحْسُدُنَا *** الْيَوْمَ نَتْبَعُ مَنْ كَانُوا لَنَا تَبَعًا
الْيَوْمَ نَخْضَعُ لِلْأَقْوَامِ كُلِّهِمْ الْيَوْمَ*** نُظْهِرُ مِنَّا الْحُزْنَ وَالْجَزَعَا
الْيَوْمَ نَخْضَعُ لِلْأَقْوَامِ كُلِّهِمْ الْيَوْمَ*** نُظْهِرُ مِنَّا الْحُزْنَ وَالْجَزَعَا
فَهَذَا بَيَانُ سَبَبِ النَّفْرَةِ .