إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حسد بين شيخ وتلميذه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حسد بين شيخ وتلميذه

    قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ في كتابه شرح السير الكبير : اعْلَمْ بِأَنَّ السِّيَرَ الْكَبِيرَ آخِرُ تَصْنِيفٍ صَنَّفَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفِقْهِ .

    وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ أَبُو حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ صَنَّفَهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الْعِرَاقِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ صَنَّفَهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَتْ النَّفْرَةُ بَيْنَهُمَا ، وَكُلَّمَا احْتَاجَ إلَى رِوَايَةِ حَدِيثٍ عَنْهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ ، وَهُوَ مُرَادُهُ حَيْثُ يَذْكُرُ هَذَا اللَّفْظَ .

    وَأَصْلُ سَبَبِ تِلْكَ النَّفْرَةِ الْحَسَدُ ، عَلَى مَا حَكَى الْمُعَلَّى قَالَ :

    جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ أَبِي يُوسُفَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ ، فَقُلْت لَهُ : مَرَّةً تَقَعُ فِيهِ وَمَرَّةً تُثْنِي عَلَيْهِ ؟.

    فَقَالَ : الرَّجُلُ مَحْسُودٌ .

    وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - :

    أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ مَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ كَانَ يَرْكَبُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ ، فَيَمُرُّ بِهِ طَلَبَةُ الْعِلْمِ ، فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ : إلَى أَيْنَ تَذْهَبُونَ ؟.

    فَيُقَالُ لَهُ : إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ.

    فَقَالَ : أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُخْتَلَفَ إلَيْهِ؟. وَاَللَّهِ لَأُفَقِّهَنَّ حَجَّامِي بَغْدَادَ وَبَقَّالِيهَا.



    وَعَقَدَ مَجْلِسَ الْإِمْلَاءِ لِذَلِكَ ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ- مُوَاظِبٌ عَلَى الدَّرْسِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ حَالِ أَبِي يُوسُف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى الْفُقَهَاءَ يَمُرُّونَ بِهِ بُكْرَةً فَقَالَ : إلَى أَيْنَ؟.

    فَقَالُوا : إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ .

    قَالَ : اذْهَبُوا فَإِنَّ الْفَتَى مَحْسُودٌ .



    وَسَبَبُهَا الْخَاصُّ مَا حُكِيَ أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ، فَخَافَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يُقَرِّبَهُ ، فَخَلَا بِهِ فَقَالَ : أَتَرْغَبُ فِي قَضَاءِ مِصْرَ؟.

    فَقَالَ مُحَمَّدٌ : وَمَا غَرَضُك فِي هَذَا؟.

    فَقَالَ : قَدْ ظَهَرَ عِلْمُنَا بِالْعِرَاقِ فَأُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَبِمِصْرَ .


    فَقَالَ مُحَمَّدٌ : حَتَّى أَنْظُرَ .

    وَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَهُ ، فَقَالُوا : لَيْسَ غَرَضُهُ قَضَاءَكَ وَلَكِنْ يُرِيدُ أَنْ يُنَحِّيَك عَنْ بَابِ الْخَلِيفَةِ .

    ثُمَّ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَبَا يُوسُفَ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَهُ ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنَّ بِهِ دَاءً لَا يَصْلُحُ مَعَهُ لِمَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ .

    فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ؟.

    قَالَ : بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَةُ الْجُلُوسِ.

    قَالَ الْخَلِيفَةُ : نَأْذَنُ لَهُ بِالْقِيَامِ عِنْدَ ذَلِكَ.



    ثُمَّ خَلَا بِمُحَمَّدٍ وَقَالَ : إنَّ أَمِيرَ الْمُومِنِينَ يَدْعُوك .

    وَهُوَ رَجُلٌ مَلُولٌ فَلَا تُطِلْ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ .

    فَإِذَا أَشَرْت إلَيْك فَقُمْ .

    ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ ، فَاسْتَحْسَنَ الْخَلِيفَةُ لِقَاءَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا جَمَالٍ وَكَلَامٍ وَاسْتَحْسَنَ كَلَامَهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ .

    فَفِي خِلَالِ ذَلِكَ الْكَلَامِ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنْ قُمْ.

    فَقَطَعَ الْكَلَامَ وَخَرَجَ ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ هَذَا الدَّاءُ لَكُنَّا نَتَجَمَّلُ بِهِ فِي مَجْلِسِنَا .

    فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لِمَ خَرَجْت فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ؟.

    فَقَالَ : قَدْ كُنْت أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُومَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، لَكِنَّ يَعْقُوبَ كَانَ أُسْتَاذِي فَكَرِهْت مُخَالَفَتَهُ.



    ثُمَّ وَقَفَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَبَبَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا مَا نَسَبَنِي إلَيْهِ.

    فَاسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ .

    وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ .

    وَلَمَّا مَاتَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَخْرُجْ مُحَمَّدٌ إلَى جِنَازَتِهِ.

    وَقِيلَ إنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ اسْتِحْيَاءً مِنْ النَّاسِ ، فَإِنَّ جَوَارِي أَبِي يُوسُفَ كُنَّ يُعَرِّضْنَ بِهِ فِيمَا يَبْكِينَهُ ، عَلَى مَا يُحْكَى أَنَّ جَوَارِيَهُ كُنَّ يَقُلْنَ عِنْدَ الِاجْتِيَازِ بِبَابِ مُحَمَّدٍ :
    الْيَوْمَ يَرْحَمُنَا مَنْ كَانَ يَحْسُدُنَا *** الْيَوْمَ نَتْبَعُ مَنْ كَانُوا لَنَا تَبَعًا

    الْيَوْمَ نَخْضَعُ لِلْأَقْوَامِ كُلِّهِمْ الْيَوْمَ*** نُظْهِرُ مِنَّا الْحُزْنَ وَالْجَزَعَا


    فَهَذَا بَيَانُ سَبَبِ النَّفْرَةِ .
يعمل...
X